تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

ملاقيه ، فإذا صادف محلا قابلا للطهارة لخلوّه عن عين النجاسة أفاد التطهير.

وهو استناد إلى الإطلاق.

وبأنّ المطلوب من الغسل إزالة العين والأثر ، فإذا كان الأول حاصلا قبل الغسل كفت المرّة (١) للآخر.

ويشير إليه ما رواه في المعتبر (٢) زيادة في حصة الحسين بن أبي العلاء بعد قوله عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين الأول للإزالة والثاني للإنقاء. ورواه عن الصادق مرسلا.

وفيه أنّ الأول استناد إلى الإطلاق وهو لا يقاوم النصوص المذكورة والثاني استنباط محض لا دليل عليه ) (٣). وما ذكر من الزيادة غير موجود في شي‌ء من كتب الحديث كما اعترف به غير واحد منهم.

وكأنه من كلام المحقق ، فظنّ من تأخر عنه أنه من الرواية ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط معه الاستدلال.

وما ورد في بعض الصحاح وغيرها من إطلاق الأمر بغسل البول محمول على ذلك ؛ حملا للمطلق على المقيّد.

وكأنه مستند من اكتفى بالمرّة ، مضافا إلى سائر الإطلاقات ، وأن المقصود إزالة العين. وقد حصل بالمرة. ولا يخفى ضعف الجميع.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

الأول : هل يعتبر في ما اعتبرناه من التعدد من حصول الفصل حسّا بين الغسلتين أو يكتفى فيه بالتقدير بأن يكون مقدار جريان الماء عليه على قدر حصول الغسلتين أو يعتبر

__________________

(١) في ( ألف ) : « لمرة ».

(٢) المعتبر ١ / ٤٣٥.

(٣) ما بين الهلالين من قوله « ما له جرم » إلى هنا ليس في ( ألف ) ، وأدرجناها من ( د ) لأصحّيّتها.

٤٦١

معه (١) أيضا مقدار الفصل بينهما أيضا؟ وجوه :

الأول : ظاهر كثير من الأصحاب ، وقد صرّح به جماعة منهم كالشهيد الثاني (٢) وصاحب الحدائق (٣) وغيرهما ، والثاني مختار الشهيد في الذكرى (٤).

وإلى الثالث يميل ظاهر كلام السيد في المدارك (٥).

وفي المعالم ، عن جماعة من الأصحاب إلى (٦) الاكتفاء في المرتين بالتقدير ، فلو اتصل الصبّ على وجه لو انفصل لصدق العدد حسّا. ولعلّه يشير إلى إجزاء الوجه الثاني ، والأظهر الأول ؛ أخذا بظاهر الأدلة ، لعدم صدق التعدد عرفا من دونه ، وإن (٧) طالت مدة الجريان.

ودعوى الأولوية فيه ممنوعة ، والقول بأنّ فوات الغسل في زمان الانقطاع إن لم يوجب نقصا فلا يوجب زيادة في تأثير الطهارة استبعاد محض. ومع صحة الاستناد إليه فالأظهر هو القول الثاني ، دون الثالث ؛ إذ لا دخل لمراعاة زمان القطع بعد العلم بالمناط.

وفي زيادة المعتبر (٨) في حسنة أبي العلاء إشارة إليه إلا أنك قد عرفت أن كونه من كلام الإمام عليه‌السلام غير معلوم ، فالأقوى ما (٩) استظهرناه ؛ عملا بالأصل السالم عن المعارض.

وقد ظهر مما قرّرناه الوجه الثالث وضعفه.

ثم لو وضع عليه حائل عن وصول الماء إليه فالظاهر الاكتفاء به في حصول التعدد وإن لم ينقطع جرى الماء عليه.

__________________

(١) في ( ألف ) : « تبعه ».

(٢) الروضة البهية ١ / ٣٠٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٦١.

(٤) الذكرى ١ / ١٢٨.

(٥) مدارك الاحكام ٢ / ٣٣٩.

(٦) ليس في ( د ) : « إلى ».

(٧) زيادة : « وإن » من ( د ).

(٨) المعتبر ١ / ٤٣٥.

(٩) في ( ب ) : « مما ».

٤٦٢

وهل يعتبر فيه تساقط الماء المنصبّ أوّلا ليتبعه الثاني أو يكتفى بمجرد صدق الصبّين؟ وجهان ، أحوطهما الأول.

الثاني : في جريان حكم التعدد في البول بالنسبة إلى غير الثوب والبدن قولان ، أظهرهما ذلك.

وهو المحكي عن جماعة من الأصحاب ؛ أخذا بفحوى الأخبار المذكورة المؤيّدة بالأصل والاستصحاب.

فذكر خصوصهما في الأخبار من جهة اختصاص السؤال. وكأنّه لكونه الغالب ؛ إذ وقع السؤال عنها على سبيل التمثيل.

واختار صاحب الحدائق (١) الاكتفاء بالمرة المزيلة لخروجه عن مدلول الأخبار الدالّة على اعتبار التعدد ، فيبنى فيه على سائر الإطلاقات.

ويضعّفه ما عرفت من اتحاد المناط ، وعدم ظهور خصوصية لمورد السؤال ، فيستظهر منها أن ذلك هو طريقة تطهير البول كما فهمه الأكثر. مضافا إلى اعتضاده بما عرفت من الأصل والاستصحاب وطريقة الاحتياط.

الثالث : هل يعتبر أن يكون أحد الغسلتين بعد زوال العين سواء رفضا (٢) معا بعده كما إذا زالت العين بغير الماء أو حصلت الإزالة بواحد منهما أو ببعضه ثم تعطيه (٣) الآخر أو يكتفى بحصول الإزالة بالغسلتين سواء لم يكن هناك تمكّن أصلا أو كانت وأزيلت ببعض الغسلة الأولى أو بتمامه ، ولو مع بعض من الغسلة التامة أو بتمامها؟ وجهان ، أظهرهما الأول ؛ للأصل ، والاستصحاب ، وظاهر الأخبار المذكورة ؛ إذ الظاهر منها زوال العين بالصبّة الأولى ، ولبقاء العين القاضية باعتبار التعدد.

الرابع : ما ذكرناه من اعتبار المرتين إنما هو في غير مخرج البول بالنسبة إلى البول الخارج منه

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٦٣.

(٢) في ( د ) : « وقعتا ».

(٣) في ( د ) : « تعقبه ».

٤٦٣

وأما بالنسبة إليه فالأظهر فيه الاكتفاء بالمرة ؛ وفاقا لجماعة من الأصحاب. وقد تقدم الكلام فيه.

الخامس : هل يجري حكم البول بالنسبة إلى المتنجس به أو يجري فيه حكم سائر النجاسات؟ وجهان ، أحوطهما ذلك جريا فيه حكم أصله كالمتنجس بغيره ، وعدم ظهور إطلاق واضح يقضي بالاكتفاء فيه بالمرة ، مضافا إلى استصحاب الحالة السابقة.

السادس : لو أصابه نجاسة وشكّ في كونه بولا أو غيره ، ففي لزوم التعدد أخذا باستصحاب النجاسة أو الاكتفاء بالمرة لأصالة عدم لزوم الزائد وجهان أوجههما الأول ؛ إذ لزوم الغسل من باب المقدمة ، والمطلوب هو الطهارة ، فمع الشكّ في حصولها يبنى على عدمها.

٤٦٤

تبصرة

[ في اعتبار العصر ]

المعروف بين الأصحاب اعتبار العصر فيما ينفذ فيه الغسالة من الثياب ونحوها ، فلو لم يعصره حتى جفّ بالشمس أو الهواء بقي على نجاسته.

وفي المعتبر (١) : إنه مذهب علمائنا.

وفي الحدائق (٢) : إنه لا خلاف فيه يعرف.

وقد حكي ذلك عن الصدوق والحلي والفاضلين (٣) والشهيدين (٤) وغيرهم.

وعن غير واحد من المتأخرين كصاحب الذخيرة (٥) والبحار (٦) حكاية الشهرة عليه.

وفي المدارك (٧) قطع به المصنف وأكثر الأصحاب. وقد أطلق الغسل من غير تعرّض للعصر في عدة من كتب الشيخ.

وقد نصّ في الخلاف (٨) على أن الصبّ على الشي‌ء إغماره بالماء ، والغسل صبّ الماء ينزل عنه.

__________________

(١) المعتبر ١ / ٤٣٥ ، وانظر : اللمعة الدمشقية : ١٦ ، روض الجنان : ١٦٧.

(٢) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٦٥ ، وانظر : ذخيرة المعاد ١ / ١٦١.

(٣) تحرير الأحكام ١ / ١٦١.

(٤) اللمعة الدمشقية : ١٦ ، روض الجنان : ١٦٧.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / ١٦١.

(٦) بحار الأنوار ٧٧ / ١٣٠.

(٧) مدارك الأحكام ٢ / ٣٢٦.

(٨) الخلاف ١ / ١٨٣.

٤٦٥

وعن الحدائق (١) والسرائر (٢) : أنّ حقيقة الغسل إجراء الماء على المحل المغسول ، ولا منافاة في شي‌ء من ذلك لاعتبار العصر إلا أن عدم ذكره بالخصوص شاهد على عدم اعتباره سيّما في الأخيرين ؛ لتفسير الغسل بما ذكر من غير أخذ العصر فيه إلا أن ينزّل ذلك بالنسبة إلى غير ما ينفذ فيه الغسالة من المتنجسات.

وعن المحقق الأردبيلي (٣) القول بعدم وجوب العصر. وقوّاه تلميذه في المدارك (٤) إلا إذا توقّف عليه إخراج النجاسة. والوجه اعتبار العصر فيما يغسل بالقليل.

ويستدلّ عليه بوجوه :

الأول : إن الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجس (٥) ، وغاية ما دلّ الدليل على طهر المحل به وطهر ما يتخلف منه فيه إنما هو فيما إذا أخرج بالعصر ، وأما إذا بقي فيه فالأصل بقاؤه على النجاسة. والمناقشة في نجاسة الغسالة ضعيفة كما مرّ.

وما يقال من أن العصر لا يعتبر فيه إخراج (٦) حينئذ (٧) جميع الرطوبة التي في الثوب ، وقد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف وإن أمكن إخراجه بعصر أشدّ فهو لا يومي إلى طهارة الغسالة أصلا ، ولا يقضي بسقوط اعتبار العصر رأسا ، فذكر ذلك في المقام ـ كما في كلام بعض الأعلام ـ مما لا يعقل فيه فائدة لبيان المرام.

والقول بقضاء الإطلاقات بطهارة المحل بعد الغسل ، وهي تستلزم طهارة المتخلف منها عنه وإن خلا عن العصر مدفوع بأن شمول الإطلاقات لذلك غير واضح ؛ نظرا إلى أن الطريقة المعتادة في غسل الثياب ونحوها ـ ولو عن القذارات الغير الشرعية ـ هو ما إذا كان مع العصر ،

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ / ٤٧٨.

(٢) السرائر ١ / ٩١ ، ولم يذكر في ( ألف ).

(٣) مجمع الفائدة ١ / ٣٣٣.

(٤) مدارك الأحكام ٢ / ٣٢٦.

(٥) في ( د ) : « النجاسة ».

(٦) في ( ألف ) : « اجزاء ».

(٧) ليس في ( د ) : « حينئذ ».

٤٦٦

فلا يبعد انصراف الإطلاقات (١) إليه ولا أقل من الشكّ ، فلا يبقى وثوق بالإطلاق ليحكم من جهته بطهارة المحل وطهارة الماء الملاقي للنجاسة ، مع قيام الدليل على تنجسه بملاقاة النجاسة.

والقول بعدم انحصار طريق الإخراج في العصر لحصوله أيضا بالجفاف فاسد ؛ إذ المتيقّن من الأدلة حصول الطهارة مع إخراجه بالعصر ، مضافا إلى ما في الجفاف من طول بقاء المتنجس فيه.

وقد يتأمّل في الحكم فيما إذا لم يعصر الثوب إلا بعد زمان طويل ، فإن طهره مع عصره حينئذ (٢) مشكل ؛ لخروجه عن المعتاد وقضاء الأصل بالنجاسة ، ولو فرض جفافه في زمان أقل من العصر أو مساو له فلا ، فالظاهر أنه غير مجد فيه ؛ لما عرفت من خروجه عن المعتاد ، ولزوم الاقتصار على القدر المعلوم.

كيف ، ومع انعدام الماء بالجفاف لا يعدّ ذلك في العرف من التطهير بالماء ؛ إذ المفروض عدم حصول الطهارة بمجرّد صبّ الماء وبعده ليستند التطهير إلى الجفاف دون الماء ؛ لخروج الماء به عن المائية ، وانقلابه إلى الهواء.

وهذا بخلاف العصر كما لا يخفى بعد ملاحظة العرف.

الثاني : اعتباره في مسمّى الغسل في مثل ذلك أو بدونه إنما يعدّ صبّا لا غسلا كما نصّ عليه في المعتبر (٣) ومنتهى المطلب (٤).

ويشير إليه مقابلته إليه (٥) في عدة من الأخبار كصحيحة الحسين بى أبي العلاء أو حسنته ، فإن التعبير عنه بالصبّ بالنسبة إلى الجسد والغسل بالنسبة إلى الثوب يومي إلى مغايرة الغسل في الثوب للصبّ المذكور في الجسد.

__________________

(١) في ( ب ) و ( د ) : « الإطلاق ».

(٢) في ( د ) زيادة : « أيضا ».

(٣) المعتبر ١ / ٤٣٥.

(٤) منتهى المطلب ١ / ١٥٩.

(٥) في ( د ) : « به ».

٤٦٧

ويشكل بأن لفظ « الغسل » ليس من الألفاظ المتشرعة كسائر الألفاظ مما يرجع في معناه إلى العرف ، وقد انتقل معناه في كثير من كتب اللغة إلى العرف لوضوحه وعدم خروجه في العرف عن معناه الأصلي ، وبعد الرجوع إليه لا يعرف وجه لاعتبار العصر فيه ، بل الظاهر خلافه.

غاية الأمر اعتبار تجاوز الماء عنه في الجملة كما مرّ في تحديد الشيخ والحلي ، وهو أعمّ من العصر.

وبه يفرق بينه وبين مطلق الصبّ ، بل قد يتأمل أيضا في ذلك لعدم اعتباره شرعا وعرفا في الغسل بالكثير ، بل مجرد إدخاله فيه واستيلائه عليه يعدّ غسلا إلا أن يقال بحضور التجاوز مع الكثرة وإن لم يحسن به.

وفيه : أنه غير لازم ، بل يقطع (١) بخلافه كما إذا وضع الثوب المتنجس في الكثير ورفع من حينه أو وضع كرّ من ماء على ثياب كثيرة بحيث يجري الماء فيها من دون زيادة ، فإنّ الظاهر حصول الطهارة بذلك إذا خلّي المحل عن غير النجاسة ، والقول بعدم الملازمة بينه وبين حصول الغسل بعيد جدا ، بل ولا وجه له أصلا.

هذا ، وقد يقال بأن المتعارف في غسل الثياب ونحوها من القذارات أو النجاسات هو ما كان مع العصر ، فينصرف إليه الإطلاقات ، ولا أقل من الشكّ في ذلك الباعث على لزوم مراعاة الاحتياط فيه ؛ لأصالة بقاء النجاسة إلا فيما ثبت عدم اعتباره فيه.

الثالث : اعتباره في غير واحد من الأخبار كالحسنة المذكورة ، وفيها : عن (٢) الصبي يبول على الثوب ، قال : « يصبّ عليه ثم يعصره » (٣).

والقول بمتروكيّته لعدم وجوب العصر في بول الصبي يدفعه أنها محمولة على الصبي المتغذي بالطعام ، والاكتفاء بالصبّ إنما هو في المتغذي به ، فيحمل المطلق على المقيّد ، وهو لا

__________________

(١) في ( د ) : « قد يقطع ».

(٢) في ( د ) : « وعن ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٥ ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح ١.

٤٦٨

يقضي بمتروكية الرواية ، وإلا لم يصحّ الاستناد إلى شي‌ء من الإطلاقات.

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله في ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (١).

والقول بأن ظاهر وجوب العصر في الكرّ وليس العمل عليه مدفوع بإمكان حمله على القليل ؛ إذ هو الغالب في التطهير بالمياه الراكدة.

هذا ، ولا يذهب عليك أن الوجوه المذكورة وإن لم يخل كل (٢) منها من مناقشة إلا أنه بعد انضمام بعضها إلى البعض ـ مع الاعتضاد بالأصل والاستصحاب [ و ] عمل الأصحاب وظاهر الإجماع المحكي ـ لا ينبغي التأمل في الحكم ، وبه يظهر ضعف القول الآخر المستند إلى مجرد الإطلاقات.

وقد يستدلّ عليه أيضا بتوقف إزالة عين النجاسة على العصر. وهو ضعيف جدّا ؛ إذ لا تأمل إذن في اعتباره ، ومحل البحث فيما إذا حصلت الإزالة من دونه أو كان المحل خاليا عن عين النجاسة ، وهو ظاهر.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : أنه هل يعتبر تعدّد العصر فيما يتعدد فيه الغسل أو يكتفى فيه بعصر واحد بين الغسلتين أو بعدهما؟ وجوه بل أقوال ، فالأول محكي عن الحلي والمحقق [ .... ] (٣)

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥.

(٢) في ( ب ) زيادة : « واحد ».

(٣) هنا في ( د ) مكتوب : « بياض الأصل ، الى هنا وجد بخطه الشريف ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.

٤٦٩
٤٧٠

كتاب الصّلاة

٤٧١
٤٧٢

كتاب الصلاة

وهي العبادة المعروفة المشترط صحتها بالطهارة. وهي لوضوحها غنيّة عن التحديد.

ووضعها لهذا المعنى إما في اللغة حيث ذكرها بعضهم في عداد المعاني اللغوية أو في هذه الشريعة الطاهرة أو في الشرائع القديمة ، وإنما طرياها الاختلاف في الكيفية القاضي باختلاف المصداق دون نفس الحقيقة كاختلاف أنواعها في هذه الشريعة بحسب اختلاف الحالات الطارية حتى أنها تصدق على التكبيرات الأربعة في صلاة المطاردة.

وحيث لا يتعلق بذلك غرض (١) يعتد به فلا جدوى للتعرض له. والظاهر عدم شمولها لصلاة الأموات كما هو ظاهر من الرجوع إلى الاستعمالات.

ويشهد به ظواهر الروايات ، ويومي ذلك إلى كونه مجازا فيها إلا أن التزام المجازية فيها بعيد جدا ، كيف وهذا المعنى أيضا من المعاني الجديدة المخترعة من صاحب الشريعة التي بها البليّة.

ويستند إليها الحاجة كسائر العبادات المتداولة ، وقد استعملها الشارع فيه ، وشاع استعمالها فيه عند المتشرعة ، فإما أن يقال بحصول الوضع بالنسبة إليها حال التقييد كما يقال ذلك في لفظ « الماء » بالنسبة إلى المياه المضافة أو ثبوت الوضع لها حال الإطلاق أيضا لتكون مشتركا بين المعنيين.

إلا أنها أظهر في الأولى من جهة الغلبة وشيوع الاستعمال.

وقد يقال بوضعها للأعم من المعنيين كما يظهر عن جماعة من الأصحاب. وهو بعيد.

__________________

(١) في ( ألف ) : « عمن ».

٤٧٣

وحيث إن الإطلاق ينصرف إلى الأول ، ولا يراد به الثاني إلا بعد قيام الدليل عليه ، فلا يترتب على الكلام فيه ثمرة مهمة في المقام.

ثم إن الصلاة من أعظم أركان الشريعة ، وهي في نفسها أفضل الطاعات بعد المعارف الإيمانية ، وإن ترجّح عليها غيرها لبعض الجهات الخارجية ، والأخبار في فضلها (١) وعقاب (٢) تاركها متواترة.

وهي واجبة ومندوبة ، والواجبة ستّ : اليومية والجمعة والعيديّة والآئيّة والطوافية والالتزامية بنذر وشبهه.

فهاهنا أبواب :

__________________

(١) انظر الكافي ٣ / ٢٦٤ ، باب فضل الصلاة.

(٢) انظر المحاسن ١ / ٧٩ باب عقاب من تهاون بالصلاة.

٤٧٤

الباب الأول

في اليومية

ويندرج فيها الأدائية والقضائية ، عن نفسه أو غيره كالأب فيما يتحمّله عنه ، أو ما يوقعه عن الميت على جهة الشرع.

ويتبعها صلاة الاحتياط.

ووجوبها وأعدادها وأعداد ركعاتها مما قام عليه ضرورة الدين ، فلا جدوى للتعرض لها.

والكلام فيها مورد في فصول :

الفصل الأول : في المقدمات

وقد تقدّم شطر منها في كتاب الطهارة ، والتي نذكر منها هنا خمس : الوقت والمكان واللباس والقبلة والأذان والإقامة.

القول : في الوقت

واعتباره أداء في كل من اليومية موسعة مما قام عليه إجماع المسلمين ، بل هو في الجملة من ضروريات الدين.

٤٧٥

تبصرة

[ في وقت الفرائض اليومية ]

أوقات الفرائض اليومية موسّعة على المعروف من المذهب ، بل لا خلاف فيه سوى ما يعزى إلى ظاهر المفيد من القول بلزوم التعجيل في أول الوقت ، فإن أخّرها وأدّاها عفي عنه وإلّا كان مضيّقا لها.

وذكر الشيخ (١) أن في أصحابنا من قال : يجب في أول الوقت وجوبا مضيّقا إلا أنّه متى لم يفعله لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى. وهو مع كونه خلافا في أصل التوقيت لا دليل عليه ، بل مخالف للأخبار المتظافرة المطابقة لفتوى الأصحاب ، بل الإجماع لانعقاد اتفاق الفرقة عليه بعد ذلك.

وكأنّ المستند في ذلك ـ إن حمل على ظاهره ـ بعض ظواهر الروايات.

وهي بعد تسليم دلالتها على ذلك محمولة على المبالغة في تأكّد استحباب المبادرة.

وقد يجعل مستنده في ذلك الشبهة المعروفة في الواجب الموسع ، فخصّ الأول بالتوقيت.

وانطباق عبارته عليه محل تأمل.

على أن تلك الشبهة في غاية من الركاكة يجلّ ذلك الجليل عن الركون إلى مثلها. وقد يبعد حمل كلامه على إرادة اختصاص الوقت الثاني بالمعذور ، فلا يجوز لغير التأخير إليه كما سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

ولكلّ صلاة منها وقتان بلا خلاف يظهر ، سوى ما حكاه بعضهم (٢) قولا من أن للمغرب وقتا واحدا ، وهي محمولة على المبالغة ؛ للإجماع والأخبار المتكاثرة بل المتواترة الدالّة على

__________________

(١) الخلاف ١ / ٢٧٦.

(٢) انظر مدارك الأحكام ٣ / ٣١.

٤٧٦

خلافه ، وما في المستفيضة من أن « وقت المغرب حين غيبوبة الشمس » (١) لا دلالة فيها على الاختصاص.

ثم إن الأول منها للفضيلة والثاني للإجزاء. وعليه معظم الأصحاب ، بل الظاهر إطباق المتأخرين عليه عدا شذوذ من متأخريهم ؛ إذ هو الذي يظهر من ملاحظة مجموع الأخبار ، بل لا ينبغي التأمل فيه بعد إمعان النظر فيها وملاحظتها بعين الاعتبار.

فما دلّت عليه من الأخبار ما دلّ على أفضلية الوقت الأول كالصحيح : « لكلّ صلاة وقتين وأول الوقت أفضلهما ».

ونحوها صحيحة أخرى ، وفيها : « وأول الوقتين أفضلهما » (٢) فإن الحكم بالأفضلية قاض بجواز اختيار الآخر من القول بأنه أعم من ذلك لصحة الحكم بأفضلية فعل المختار من فعل المضطرّ (٣) مدفوع بأنه مخالف لظاهر الإطلاق كما ينادي به العرف.

ولا يأبى ذلك عن التصريح بخلافه كما هو الشأن في سائر الظواهر.

ومنها : ما ورد في بيان الوقت ، فيدلّ بظاهره على استمرار الوقت مطلقا إلى الوقت الأخير كرواية عبيد بن زرارة : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعا إلا أن هذه قبل هذه ، ثم أنت في وقت منهما جميعا حتى تغيب الشمس » (٤).

وفي روايته الأخرى في قوله تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٥) : « إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من أول زوال الشمس إلى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه » (٦).

__________________

(١) الهداية : ١٣٠.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٧٧ ، باب وقت صلاة الفجر ، ح ١٤.

(٣) في ( ألف ) : « المفطر ».

(٤) الإستبصار ١ / ٢٤٦.

(٥) الإسراء : ٧٨.

(٦) الإستبصار ١ / ٢٦١ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ١٣.

٤٧٧

وذكر نحوه بالنسبة إلى المغرب والعشاء (١).

وفي مرسلة داود بن فرقد : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر » إلى أن قال : « فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّى أربع ركعات » (٢).

وذكر نحوه في العشاءين بالنسبة إلى انتصاف الليل كما سيجي‌ء الإشارة إليه.

ولا يخفى أن قضية التوقيت كذلك جواز التأخير إلى آخر الوقت ، والقول بأنه أعم من ذلك كما ذكره البعض بين الوهن ؛ إذ هو مخالف للإطلاق المذكور ، وقابلية الإطلاق للتصريح بما ذكر لا ينافي ظهوره فيما قلنا دفع الإطلاق.

وأوضح منها في الدلالة القويّ (٣) : « أحب الوقت إلى الله عزوجل أوله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ (٤) الفريضة ، فإن لم تفعل فإنك في وقت منها حتى تغيب الشمس » (٥).

فإنّ سياقه كالصريح في جواز التأخير إلى آخر (٦) الوقت.

وفي الصحيح : « إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيّقة ، فالصلاة مما وسّع فيها تقدم مرة وتأخر أخرى والجمعة مما ضيق فيها » (٧).

وفي رواية معاوية : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إذا زالت الشمس في طول النهار للرجل أن يصلي الظهر والعصر؟ قال : « نعم وما أحب أن يفعل ذلك في كل يوم » (٨).

وروى زرارة في الصحيح وغيره في قوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً

__________________

(١) الاستبصار ١ / ٢٦٢ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ح ٢.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٦١ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ١١.

(٣) في ( ب ) : « القول ».

(٤) ليس في ( ألف ) : « فصلّ ».

(٥) الإستبصار ١ / ٢٦١ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ١٠.

(٦) لم ترد في ( ب ) : « آخر ».

(٧) الكافي ٣ / ٢٧٤ ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ، ح ٢.

(٨) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٤٧ ، باب المواقيت ح ١٧.

٤٧٨

مَوْقُوتاً ) (١) قال : « موجبا ، إنما يعني بذلك وجوبها على المؤمنين لو كان كما يقولون لهلك سليمان بن داود حتى توارت بالحجاب لأنه لو صلّاها قبل أن تغيب لكان وقتا » (٢).

وفي رواية ربعي : « إنا لنقدم ونؤخر وليس كما يقال : من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ، وإنما الرخصة للناسي والمريض والمدنف والمسافر والنائم في تأخيرها » (٣).

وكأنّ قوله « وإنما الرخصة » إلى آخره ، من تتمة « من أخطأ وقت الصلاة فقد هلك ».

وفي هاتين الروايتين إشارة إلى التوسعة في أمر الصلاة وأن التضيق إنما هو من أقوال أهل الخلاف ، فيتمّه احتمال التقية في الأخبار المخالفة.

وعن اسماعيل بن همام ، قال : رأيت الرضا عليه‌السلام وكنّا عنده لم يصلّ المغرب حتى ظهرت النجوم ، ثم قام يصلّي بنا عند باب دار أبي محمود » (٤).

وعن داود الصرمي قال : كنت عند أبي الحسن الثالث عليه‌السلام يوما فجلس يحدّث حتى غابت الشمس ثم دعا بشمع وهو جالس يتحدّث ، فلما خرجت من البيت نظرت وقد غاب الشفق قبل أن يصلي المغرب ، ثم دعا بالماء فتوضأ وصلّى » (٥).

وكون التأخير لأجل الحاجة الضرورية خلاف ظاهر الرواية ، وكأنه لأجل بيان الحكم أو لجهة أخرى مرجّحة ، فلا يلزم صدور ترك الأولى منه عليه‌السلام.

إلى غير ذلك مما يقف عليه المتتبع في الأخبار ، مضافا إلى ظاهر الكتاب سيّما بعد تفسيره في الأخبار.

ولا يعارضها ما دلّ بظاهره على عدم جواز التأخير لغير المعذور كصحيحة (٦) عبد الله بن

__________________

(١) النساء : ١٠٣.

(٢) علل الشرائع ٢ / ٦٠٥.

(٣) الإستبصار ١ / ٢٦٢ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ١٤.

(٤) الإستبصار ١ / ٢٦٤ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٥.

(٥) الإستبصار ١ / ٢٦٤ ، باب وقت المغرب والعشاء الآخرة ، ح ١٦.

(٦) في ( ألف ) : « لصحيحة ».

٤٧٩

سنان ، وفيها : « وليس لأحد أن يجعل (١) آخر الوقتين وقتا إلا من عذر من غير علة » (٢).

ورواه الشيخ عنه باختلاف في اللفظ وزيادة.

وفيه أيضا : « وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة » (٣).

وفي الخبر : فقلت : لو أن رجلا صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام كان عندك غير مؤدّ لها؟ فقال : « إن كان فعل ذلك ليخالف السنة والوقت لم يقبل منه كما لو أن رجلا أخّر العصر إلى قرب أن تغرب الشمس مثلا من غير علة لم يقبل منه. إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقّت الصلوات المفروضات أوقاتا وحدّ لها حدودا في سنّة للناس ، فمن رغب عن سنّة الموجبات كان كمن رغب عن فرائض الله تعالى (٤) ».

وفي المرسل المروي في تفسير القمي عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ ) (٥) قال : « تأخير الصلاة عن أول وقتها لغير عذر » (٦).

وفي المرسل : « أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا يمكن إلّا عن ذنب » (٧).

وفي الفقه الرضوي يروي : « إنّ لكل صلاة ثلاثة أوقات : أول ووسط وآخر ، فأول الوقت رضوان الله تعالى ووسطه عفو الله وآخره غفران الله ، وأول الوقت أفضله ، وليس لأحد أن يتّخذ آخر الوقتين وقتا ، إنّما جعل آخر الوقت للمريض والمقبل والمسافر » (٨).

إلى غير ذلك من الأخبار ؛ أو هي في مقام الجمع محمولة على شدة استحباب المواظبة على الوقت الأول.

__________________

(١) في ( ألف ) : « يحتمل ».

(٢) الكافي ٣ / ٢٧٤ ، باب المواقيت أولها وآخرها وأفضلها ح ٣.

(٣) الإستبصار ١ / ٢٧٧ ، باب وقف صلاة الفجر ح ١٤.

(٤) الإستبصار ١ / ٢٥٨ ، باب آخر وقت الظهر والعصر ، ح ١ ، وفيه : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنة ».

(٥) الماعون : ٤.

(٦) تفسير القمي ٢ / ٤٤٤.

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢١٧ ، باب مواقيت الصلاة ، ح ٦٥١.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٧١ ، وفيه : « وليس لأحد أن يتخذ آخر الوقت وقتا ».

٤٨٠