تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

تبصرة

[ في أصالة الطهارة ]

الأصل في جميع الأشياء الطهارة إلى أن يعلم نجاسته. ويدلّ عليه بعد الإجماع معلوما ومنقولا أصالة البراءة وأصالة العدم ؛ إذ النجاسة صفة وجودية قطعا ، قوله عليه‌السلام في موثقة عمار : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر ، فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك (١).

وينقل في كتب الاستدلال عنه عليه‌السلام : « كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر ».

فهو إمّا هذه الرواية مع نقل بعضه بالمعنى أو أنه خبر آخر وإن لم يذكر في كتب الأخبار.

وكيف كان ، ففي العبارة دلالة على طهارتها بالأصل ، وعلى استصحاب طهارتها إلا أن يعلم النجاسة ، فيجري القاعدة المذكورة فيما لو دار الأمر بين نجس العين وطاهرها ، وما إذا احتمل طروّ النجاسة على طاهر العين.

ويدلّ على الطهارة في الثاني الاستصحاب أيضا.

وعن الحلبي الاكتفاء في النجاسة بمطلق الظنّ. وهو ظاهر الشيخ في النهاية (٢) حيث حكم بعدم جواز الصلاة في ثوب قد أصابته النجاسة مع العلم بذلك أو غلبة الظن. واستدلّ عليه الحلبي بأن الشرعيات كلّها ظنيّة.

ولا يخفى وهنه ؛ إذ ليست الشرعيات مبنيّة على مطلق الظن ، وإنما يعتبر فيها ظنون مخصوصة دلّت على حجيّتها الأدلة ، والمفروض عدم قيام دليل عليه في المقام ، بل قيامه على خلافه كما عرفت.

وفي المستفيضة الناهية عن نقض اليقين إلا باليقين دلالة واضحة عليه ، وفي خصوص

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢٨٥.

(٢) النهاية : ٩٦.

٤٤١

نصوص مستفيضة دلالة على عدم اعتبار الظن فيه بالخصوص كالصحيح الوارد فيمن أعار ثوبه للذمي وهو يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ، وفيه : « صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ، فإنك أعرته إياه ، وهو طاهر ، ولم تستيقن أنه نجّسه (١) ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتى تستيقن أنه نجّسه (٢) » (٣).

إلى غير ذلك مما دلّ عليه.

وقد يحمل الظن الغالب في عبارة الشيخ على العلم العادي ، فينحصر الخلاف في الحلبي.

وهو على الظاهر مسبوق بالاتفاق ملحوق به.

وكيف كان ، فلا تأمّل في أصل الحكم ، وإنما الكلام في أمور :

أحدها : أنه هل يعتبر في تنجيس المتنجس العلم بنجاسته بالخصوص ؛ فلا يخرج عن مقتضى الأصل بدونه أو يبنى على النجاسة بمجرد العلم بها وإن دار بين أمور فيحكم بنجاسة واحد منها بخصوصه ، وإن لم يتعين عنده؟ مقتضى ظاهر الخبر المذكور وغيره ذلك ، وهو قضية الأدلة الدالّة على تنجس الشي‌ء بملاقاة النجاسة.

والظاهر أنه لا تأمل فيه بين الأصحاب. وقد يوهم في المقام بعض العبارات اعتبار العلم لخصوص النجس في تنجسه ، وإلا فهو على الطهارة من دونه ؛ إذ بعد دوران النجاسة بين أمور لا يعلم بنجاسة كل واحد منها (٤) بالخصوص ، فيبنى على الطهارة في جميعها ، فيجوز استعماله إلا على وجه يوجب استعمال النجس المعلوم بالخصوص.

وهو ضعيف جدا ، والرواية المذكورة وغيرها دالّة على خلافه.

نعم ، قد يقال بالحكم بطهارة كل منها في الظاهر ، وإن حكم بنجاسة واحد منها على

__________________

(١) في ( د ) : « نجسته ».

(٢) في ( د ) : « نجسته ».

(٣) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٦١ ، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان وما لا يجوز ح ٢٧.

(٤) هنا قد أدرج في ( ألف ) بعض الأوراق الماضية ظاهرها الربط وواقعها التضادّ ، أصلحناها على حسب الوسع ، والحمد لله.

٤٤٢

سبيل الإجمال ، فلا يجوز استعمالها على وجه يوجب العلم باستعمال المحرم في الجملة ، وإن جاز الاستعمال بالنسبة إلى كل بالخصوص ؛ أخذا بظاهر الرواية المذكورة وقاعدة الاستصحاب.

ويضعّفه أن قضية الأصل بعد العلم بنجاسة واحد منها وجوب الاجتناب عن الجميع ، والرواية المذكورة وغيرها لا تدلّ على ما ادّعوه (١) ؛ إذ المفروض اندراج واحد من تلك الأمور فيما علم نجاسته ، فهو خارج من العموم قطعا ومندرج في مدخول « حتى » ، ولا دلالة في العبارة على أصالة الطهارة في مثل ذلك ؛ إذ مقتضاها الحكم بالطهارة إلا أن يعلم النجاسة ، والمفروض حصول العلم وارتفاع الحكم بالطهارة في الجملة.

وليس هناك أصل آخر بعد الاشتباه.

والقول بدلالتها على الحكم بالطهارة إلى أن يعلم نجاسة كل بالخصوص فقد عرفت ما فيه.

ويجرى الكلام المذكور بعينه بالنسبة إلى الاستصحاب ، فظهر بذلك قوة القول بوجوب الاجتناب في المشتبه المحصور ، وضعف ما رجّحه جماعة من المتأخرين من البناء على الطهارة بالنسبة إلى كلّ واحد منها ما لم يستوعب الجميع على وجه أو مع استيعابه على آخر إن لم يوجب (٢) العلم بتنجس المستعمل بالخصوص.

ثانيها : إن المقصود بالعلم هو العلم اليقيني أعني معناه المعروف لاعتبار اليقين فيه ، وحكي القول به عن الإسكافي والشيخ والقاضي والحلي في موضع من السرائر.

والمنقول من عبائر الثلاثة المتقدمة عدم قبول شهادة العدلين.

أو المراد به العلم الشرعي أعني ما دلّ الدليل على حجيّته سواء كان علما أو ظنا أو منتهيا إلى العلم؟ وجهان ؛ من ظاهر اللفظ لانصرافه إلى المعنى المتبادر ، من أنه بعد قيام الدليل القطعي على حجيّة ذلك الظن يكون قطعيا ، فيندرج تحت العلم ، فلا معارضة بين ما دلّ على عدم الاعتماد على غير العلم في الحكم بالنجاسة وما دلّ على حجية الظنون المخصوصة ؛

__________________

(١) في ( ألف ) : « تدعوه ».

(٢) في ( د ) : « نوجب ».

٤٤٣

لرجوعها إلى العلم بعد قيام الدليل عليها.

ويشكل أن الظاهر من العلم بالقذارة هو العلم بها بحسب الواقع ، وغاية ما قضى به ما دلّ على حجية الظن من الحكم بمقتضاه في الظاهر ، فيعارض مع العموم المذكور لقضائه باعتبار العلم بنجاسته واقعا في الحكم بالتنجيس.

ومقتضى ذلك عدم حجية الظن المفروض في المقام ، وقضاء ما دلّ على حجيته على الاكتفاء به في المقام وغيره ، فيكون التعارض بينهما من قبيل العموم من وجه ، فيرجع فيه إلى الأصل ، وقضية أصالة البراءة عدم وجوب الاجتناب.

فما يقال من أنه بعد قيام الدليل على حجية الظن المخصوص يندرج ذلك في اسم العلم لحصول اليقين بوجوب البناء عليه مدفوع بما عرفت من أن اليقين الحاصل في المقام هو اليقين بالبناء دون ما هو الواقع ، وظاهر تعلق اليقين بالقذارة هو اليقين بحصوله في الواقع.

ويدفعه أن الظاهر من اليقين في المقام هو اليقين بحكم الشرع في الظاهر ، ولذا لا تأمل في حجية الظنون الحاصلة في الاستدلال على اثبات النجاسات ، والقول باستثنائه من القاعدة المذكورة بعيد مضافا إلى أن ما دلّ على اعتبار الظنون الخاصة يشمل مسألة النجاسات أيضا كما سنشير إليه.

فبعد دلالة الشرع على الحكم بمقتضى تلك الأمور يجب (١) الحكم بها وليس ذلك عملا بغير العلم كما لا يخفى.

ثالثها : بناء على تعميم العلم لما دلّ على حجية الشرع يقع الكلام في المقام في أمور :

الأول : إذا أخبر ذو اليد على الشى‌ء على نجاسته فالظاهر أنه لا تأمل في القبول.

وفي الحدائق (٢) : إن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه.

وعن الفاضل الخوانساري (٣) المناقشة فيه حيث قال : وأما قبول قول المالك عدلا (٤) كان

__________________

(١) في ( ألف ) : « بحسب ».

(٢) الحدائق الناضرة ٥ / ٢٥٢.

(٣) مشارق الشموس ١ / ٢٨٥ ، وفيه : « فلم أظفر ».

(٤) في ( د ) : « عدولا ».

٤٤٤

أو فاسقا فلم نظفر له على حجة.

ثم ذكر في اعتبار ذكر السبب في قبول الجرح والتعديل ؛ نظرا إلى اختلاف مراتب المذاهب فيه كأنّ الأظهر فيه البناء على ظاهر اللفظ من إرادة ما هو الواقع حتى يتبيّن الخلاف من دون لزوم استفصال.

كما أنه يقبل الشهادة على الملكيّة من دون سؤال عن السبب المملّك مع وقوع الخلاف في أسباب هذا إذا شهد عدلان على النجاسة وآخران على الطهارة وتعارضت البيّنتان مع عدم إمكان الجمع بينهما.

فهل يقدّم الطهارة لترجيح بيّنتها بالأصل أو للبناء على التساقط ( فيرجع إلى أصالة الطهارة كما حكاه في الايضاح عن الشيخ وقوّى في البيان البناء على التساقط ) (٥) بعد أن استقرب جعله كالاشتباه.

أو يقدّم النجاسة ترجيحا للناقل على المقرر ؛ للأصل كما حكاه في الايضاح (٦) عن الحلي.

أو يجعل كالمشتبه كما اختاره في التذكرة (٧) والقواعد ، وحكي عن الشهيد الثاني؟ احتمالات ؛ أظهرها بحسب القواعد ترجيح الطهارة ؛ أخذا بالأصل السالم عن ثبوت المعارض سيّما بعد تقديم بيّنة الطهارة.

ولو كان تعارض البينتين في الإنائين مع عدم إمكان الجمع بينهما للقطع بطهارة أحدهما ـ لاتفاقهما على ذلك ـ فهل يحكم بتساقطهما ويرجع إلى أصل الطهارة في المائين كما اختاره في الخلاف (٨) والمختلف (٩).

__________________

(٥) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( ب ).

(٦) إيضاح الفوائد ١ / ٢٤.

(٧) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٤.

(٨) الخلاف ١ / ٢٠١.

(٩) مختلف الشيعة ١ / ٢٥١.

٤٤٥

وحكى عن المبسوط ، وقوّاه بعض المتأخرين.

أو يجري عليها حكم المشتبهين لاتفاقهما على النجاسة وإنما التعارض في التعيين فيثبت النجاسة ويدور بين الأمرين ، [ كما ] حكي عن السرائر (١) والمعتبر (٢) والتحرير (٣) والايضاح (٤) وجامع المقاصد (٥) والشهيدين.

أو يبنى على نجاستهما لحصول الشهادة بالنسبة إلى كل منهما كما حكاه المحقق الكركي قولا واحدا ، قد حكم الحلي أيضا إلا أنه حكم فيه بعد ذلك بالاشتباه وحكم قبله بغيره ، وكلامه مضطرب في المقام إلا أنّه اخّر بناء الحكم بالاشتباه كما ذكرنا.

أو يبنى فيه على القرعة كما ذكره في السرائر (٦) ثم استبعده؟ وجوه ؛ أضعفها الوجهان الأخيران.

والحكم بأحد الوجهين الأولين مبنيّ على أن القدر الجامع بين الشهادتين وإن كان أمرا كليّا هل يثبت بالشهادة المفروضة وإن وقع الاختلاف في الخصوصيات أو لا يثبت القدر الجامع ؛ لعدم توافق الشهادتين.

والأظهر بحسب القواعد هو الأول ، ولذا لو شهدوا أوّلا بالقدر الجامع قبلت قطعا ، فشهادتهما على التفصيل لا يمنع منها.

هذا إذا لم يعلم بنجاسة أحدهما على سبيل الإجمال أو لم يعلم ذلك من شهادتهما ، وأما مع حصول العلم بأحد الوجهين فلا تأمل في إلحاقه بالمشتبهين.

ثانيها : في قبول خبر العدل الواحد في ذلك قولان.

__________________

(١) السرائر ١ / ٨٦.

(٢) المعتبر ١ / ٥٤.

(٣) تحرير الأحكام ١ / ٥٦.

(٤) إيضاح الفوائد ١ / ٢٤.

(٥) جامع المقاصد ١ / ١٥٥.

(٦) السرائر ١ / ٨٧.

٤٤٦

والمحكي عن الشيخ في المبسوط والخلاف (١) والفاضلين في المعتبر (٢) والمنتهى (٣) والتحرير (٤) والقواعد (٥) وموضع من التذكرة (٦) ، وابن فهد وغيرهم عدم القبول.

وذهب في موضع من التذكرة (٧) ، إلى قبوله.

وقوّاه غير واحد من أفاضل المتأخرين ؛ لما يستفاد من جملة من الأخبار من تنزيل خبر العدل منزلة العلم كما لوارد في انعزال الوكيل إذا أخبره ثقة بالعزل ، وجعله فيه قرين المشافهة بالعزل.

وما دلّ على قبول قول المانع العدل إذا أخبر بالاستبراء ، وما دلّ على ثبوت الوصية بقول الثقة إلى غير ذلك.

ولذا قوّى في الحدائق (٨) قبول قوله مما دلّ على قبول خبر العدل.

ويضعّفه أن ما دلّ من الأخبار المذكورة على قبول قول العدل لا عموم فيه بحيث يشمل المقام.

والقول بفهم العموم من سياقها ـ إن سلّم ـ فكونه بحيث يشمل محلّ الكلام محلّ كلام ، مع أن ظاهر المعظم عدم القبول ، فالخروج بمجرد ذلك عن مقتضى الأصل المعلوم لا يخلو من خفاء.

مضافا إلى فحوى التردد بين المذكورتين ؛ إذ اعتبار شهادة الاثنين أو قيام البيّنة الظاهرة في التعدد أقوى شاهد على عدم العبرة بالواحد مع اتحاد المناط بين ثبوت الحلية والنجاسة كما

__________________

(١) الخلاف ١ / ٢٠٠.

(٢) المعتبر ١ / ٥٤.

(٣) انظر منتهى المطلب ١ / ٥٦.

(٤) تحرير الأحكام ١ / ٥٣.

(٥) قواعد الأحكام ١ / ١٨٩.

(٦) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٤.

(٧) انظر تذكرة الفقهاء ١ / ٩٣.

(٨) انظر الحدائق الناضرة ١٣ / ٩٦.

٤٤٧

عرفت.

ثم على القول بثبوت النجاسة بقول الواحد لا يثبت به العيب في المقام قطعا ؛ فيفترق الأمران.

وبه يضعف أيضا ما تقدم عن الحدائق (١) من الإباء عنه فيما يقال من ثبوت العيب بقول العدلين دون النجاسة ، وإذا انضمّ إلى شهادة الواحد الحلف فيما إذا ادّعى العيب فلا شكّ في ثبوته بالنسبة إلى الردّ [ وفيه ] رواية غير دالّة عليه.

وناقش في إسنادها ودلالتها ، ولا يخفى أنّ قبول قول المالك في مثل ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه سيّما بعد إطباق الأصحاب عليه.

ويدلّ عليه رواية ابن بكير أنه سئل الصادق عليه‌السلام عن رجل (٢) أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلّى فيه. قال : « لا يعلمه ». قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد » (٣).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ، ويقول : قد طبخ على الثلث وأنا أعلم به أنه يشربه على الثلث ولا يستحلّه على النصف يخبرنا أنّ عنده بختجا ، وقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فأشرب منه؟ قال : « نعم » (٤).

وفي موثقة أخرى عن الصادق عليه‌السلام أنه سئل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : هذا مطبوخ على الثلث. فقال : « إن كان مسلما أو (٥) ورعا مأمونا فلا بأس أن تشرب » (٦).

مضافا إلى ما يستفاد من عدة من الأخبار الناهية عن السؤال في شراء بعض الجلود أو الجبن ، وفي غير واحد منها بعد الحكم المذكور أن « الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم وأن

__________________

(١) انظر الحدائق الناضرة ٥ / ٢٤٤ و ٢٥٢.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « عن رجل ... عن الرجل ».

(٣) قرب الأسناد : ١٦٩.

(٤) الكافي ٦ / ٤٢١ ، باب الطلاء ، ح ٧.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « أو ورعا مأمونا ».

(٦) تهذيب الأحكام ٩ / ١١٦.

٤٤٨

الدين أوسع من ذلك » (١).

فإنها تومي إلى سماع قول المالك وإلا فأيّ حسن كان في ذلك إلا أن يراد به الضيق من جهة تحمل السؤال ، وهو مع بعده في نفسه بعيد بحسب المقام.

فروع

[ الأول : ... ] (٢)

الثاني : المشهور بين المتأخرين كما في المعالم قبول شهادة العدلين في الحكم بالنجاسة ، وبه قال الشيخ في المبسوط (٣) والفاضلان وغيرهم.

وعن الإسكافي والشيخ في قوله الآخر عدم القبول. وهو قضية القول بعدم اعتبار ما عدا اليقين.

واحتجّ للأول بأن الظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في قبول شهادتها في ثبت العيب لو كان المبيع ماء وادّعى المشتري نجاسته حين العقد ، فيسلّط على الفسخ. وليس ذلك إلّا لثبوت النجاسة ، والحكم به في الشرع ، فإذا ثبت شرعا لحقها سائر أحكامها.

ويضعّفه أن الثابت بالبيّنة (٤) هو النجاسة من حيث كونها عيبا المتفرع عليها ثبوت الردّ والأرش (٥) ، وأما النجاسة من حيث هي المتفرع عليها وجوب الاجتناب فلا. ولا ملازمة بين الأمرين ؛ إذ التفكيك (٦) بين الملازمين في الأحكام الظاهرية غير عزيز في الشرع.

كيف ، ولو أقرّ المالك بعد تسليمه إلى المشتري بنجاسته قبل البيع يثبت التخيير بين الرد والأرش مع عدم ثبوت النجاسة بذلك على مقتضى كلماتهم كما مرّ.

__________________

(١) قرب الإسناد : ٣٨٥.

(٢) هنا في ( د ) : « بياض الأصل في نسخة المصنف بخطه ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.

(٣) المبسوط ١ / ٩.

(٤) في ( ألف ) : « بالنسبة ».

(٥) في ( د ) : « أو العرش ».

(٦) في ( ألف ) : « التشكيك ».

٤٤٩

وبذلك يظهر ضعف ما ادّعاه في الحدائق (١) من القطع بالملازمة بين الأمرين ، وأنه بعد ثبوت العيب بسبب النجاسة يتبعه سائر أحكامها من غير فرق ، فالأولى الاستناد إلى أن الظاهر من تتبع موارد الشرع تنزيل شهادة العدلين منزلة العين ؛ لقيامه مقام العين في كلّ مورد يطلب فيه إلى ما خرج بالدليل.

مضافا إلى بعض روايات تدلّ في المقام عليه ، كقول الصادق عليه‌السلام فيما رواه الشيخان في الجبن قال : « كلّ شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك أن فيه ميتة » (٢).

وفيه دلالة على قبول قولهما في النجاسة واحتمال (٣) أن اختلاف جهة الحرمة لجهة النجاسة مما لا يصغى إليه في المقام. على أنّ حكم الحرمة والنجاسة من باب واحد ، بل الأخبار الواردة هناك أكثر من المقام.

وروى الشيخان أيضا بإسنادهما عنه عليه‌السلام قال : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة » إلى أن قال : « والأشياء كلّها على هذا يستبين لك غير ذلك أو يقوم به البينة » (٤).

فإن ظاهر إطلاقه يعم الحرمة الحاصلة بسبب كونه ملك الغير أو من جهة النجاسة أو غيرهما.

حجة القول الثاني ما عرفته في المسألة المتقدمة.

وقد عرفت ما فيه.

وهل يعتبر في القبول ذكر السبب؟ قولان ، فظاهر إطلاق جماعة كالشيخ في المبسوط (٥)

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ / ٢٤٤.

(٢) الكافي ٦ / ٣٣٩ ، باب الجبن ، ح ٢ ؛ بحار الأنوار ٦٢ / ١٥٦ ، ح ٣٠.

(٣) في ( ألف ) : « احتمل ».

(٤) الكافي ٥ / ٣١٣ ، ح ٤٠ ، تهذيب الأحكام ٧ / ٢٢٦ ، باب من الزيادات ح ٩.

(٥) المبسوط ١ / ٨.

٤٥٠

والفاضلان في المعتبر (١) والمختلف (٢) عدمه. واعتبره في التذكرة ، وتبعه جماعة منهم ابن فهد والصيمري. واستحسنه صاحب المعالم.

وفي (٣) الخلاف (٤) هنا اخر الخلاف (٥)؟ أو الأرش ، وأما بالنسبة إلى وجوب الاجتناب فوجهان مما تقدّم ذكره عن الحدائق ومن إمكان التفكيك ، وهو (٦) الأظهر كما عرفت.

ويدل عليه ثبوت العيب باليمين المردودة قطعا مع عدم ثبوت النجاسة بمجردها يقينا.

وهو مضعّف آخر لما ذكره.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه لأمور :

أحدها : الظاهر استحباب الاجتناب عمّا يظن نجاسته في خصوص المقام لرجحان الاحتياط ، ولفحوى ما دلّ على رجحان الاجتناب من سؤر الحائض المتّهمة.

وقد ألحقوا به من لا يتوقّى النجاسة كما مرت الإشارة إليه ، وما دلّ من الأخبار على النهي عن نقض اليقين بالشك المراد به في المقام ما يعمّ الظن كما دلّ عليه بعض تلك الأخبار من عدم نقضه إلا باليقين ، إنما يراد به النهي عن الحكم بالنجاسة كما هو الظاهر من سياقها دون الغسل على سبيل الاحتياط لتحصيل الواقع عند ظنّ الخلاف.

وكيف كان ، فهذا هو الأصل الثابت رجحانه بملاحظة العقل إلا أن يعارضه شي‌ء من النقل. وحيث لا يظهر دليل في المقام على خلافه فالظاهر البناء عليه ، مضافا إلى ما عرفت.

ثانيها : لو علم العدلان بنجاسة شي‌ء فهل يجب عليهما إخبار الجاهل المستعمل له فيما

__________________

(١) المعتبر ١ / ٥٤.

(٢) انظر مختلف الشيعة ١ / ٢٥١.

(٣) في ( ب ) و ( د ) هكذا : « وف » بدل : « وفي الخلاف ».

(٤) الخلاف ١ / ٢٠٠.

(٥) في ( د ) زيادة : « في اعتبار ذكر السبب ... فلا شك في ثبوته بالنسبة إلى الرد ».

(٦) في ( ألف ) : « هو » بدون الواو.

٤٥١

يشترط بالطهارة أو لا؟ وجهان ، والمحكي عن العلامة في المدنيّات وبعض الأفاضل ذلك. وقد نصّ في المقام ، والحدائق (١) على عدم الوجوب ، بل ربّما يميل كلام الحدائق إلى الكراهة فيه.

واحتجّ العلامة عليه بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهو كما ترى ؛ إذ لا منكر مع الجهل.

وحكى في المعالم عن بعض الأصحاب احتمال الوجوب ؛ نظرا إلى وجوب التجنب عن النجس المتوقف على الأخبار.

ووهنه ظاهر ؛ إذ وجوب الاجتناب فرع العلم ، والمفروض عدمه. على أنه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ، فكيف مقدمته على غير من وجب عليه.

على أن وجوبه عليه فرع العلم (٢) ، فكيف يتفرع وجوب (٣) الإعلام عليه. وحيث لم ينهض دليل على الوجوب فلا بدّ من البناء على مقتضى الأصل إلا أن يبيّن دليل الوجوب.

مضافا إلى دلالة غير واحد من الأخبار على عدمه ؛ ففي الصحيح : عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما وهو يصلي. قال : « لا يؤذنه حتى ينصرف » (٤).

وقد مر رواية عبد الله بن (٥) بكير : فيمن أعار رجلا ثوبا لا يصلي فيه ، وإذا جاز الدفع من غير إعلام فعدم وجوب الشهادة بالأولى.

ولأنّ في دلالته على ما ذكر تأمّلا كما سيأتي.

وفي صحيحة عبد الله [ بن ] سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : « وأن الباقر عليه‌السلام اغتسل وبقيت لمعة من جسده لم يصبه الماء » فقيل له ، فقال : « ما عليك لو سكتّ؟! » (٦).

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ / ٢٦٠.

(٢) في ( ب ) زيادة : « والمفروض عدمه على أنّه إن سلّم الوجوب فعلى غير المخبر ».

(٣) في ( ب ) : « فكيف مقدّمه على غير من وجب عليه على أن وجوبه » بدل : « يتفرّع وجوب ».

(٤) الكافي ٣ / ٤٠٦ ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح ٨.

(٥) بحار الأنوار ٨١ / ٢٩٣ ، ح ١٥. وفيه : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه وهو لا يصلي فيه؟ قال : « فلا يعلمه؟ » قلت : فإن أعلمه؟ قال : « يعيد ».

(٦) الكافي ٣ / ٤٥ ، ح ١٥.

٤٥٢

وليس في الخبر ما يدلّ على غفلة الإمام عليه‌السلام ليقضي بوهن الخبر ؛ لكونه بانيا على الحال به بعد ذلك فاستعجل السائل ، أو كان التأخير لبيان الحكم المذكور ، فإذا لم يجب الإعلام في الغسل ففي غيره أولى (١).

واحتمال كونه من الأغسال المسنونة مدفوع بأن ذكره على سبيل الإطلاق في مقام البيان يومي إلى إطلاق الحكم.

قلت : قد يكون الجهل بالموضوع باعثا على ارتفاع الحكم عن المكلّف بحسب الواقع كما في الجهل بنجاسة الثوب أو البدن بالنسبة إلى الصلاة ؛ لما عرفت من عدم ثبوت مانعيّتها عن الصلاة على سبيل الإطلاق ، فحينئذ فلا تأمل في عدم وجوب الإعلام ؛ إذ لا منع من الصلاة معها لا في الواقع ولا في الظاهر.

وقد لا يكون باعثا على اختلاف الحكم الأول (٢) لكن لا يقضي وقوع محرّم في المقام إلا من جهة الإبداع كما في أداء الصلاة إذا كان مع الجهل بالحدث ، والظاهر أنه كالسابق ؛ لعدم تحقق مفهوم البدعة مع الجهل المحض ، فلا محرّم بالنسبة إلى الواقع أيضا.

وقد يثبت معه التحريم أيضا إلا أنه يكون الجهل به عذرا للمكلف ، وحينئذ ينبغي التفصيل بين المحرّمات التي لا يرضى الشارع بوقوعها في الخارج على حسب الإمكان ، وما لم يعرف من الشرع كونه بتلك المثابة فإنّ ما كان من الأول يجب الإعلام به كما إذا اعتقد الأجنبية زوجه إما لحصول جهة محرّمة لا يعلم بها أو لفساد في عقدها أو لالتباس (٣) شخصها وعلم الشاهدان بالحال ، فإنّ وجوب الإعلام في مثله مما لا ينبغي أن يستراب فيه ، وكذا الحال في شرب الخمر إذا التبس (٤) بغيرها.

وأما ما كان من الثاني فلا دليل فيه على وجوب الإعلام. وقد ظهر بما فصّلناه من الكلام

__________________

(١) في ( د ) : « بالأولى ».

(٢) في ( د ) : « الأولى ».

(٣) في ( ألف ) : « الالتباس ».

(٤) في ( د ) : « التبست ».

٤٥٣

ما يرد على إطلاق ما ذكروه في المقام.

ثالثها (١) : أنه هل يجوز دفع النجس إلى الجاهل من غير إعلامه بالحال لصرفه فيما يشترط الطهارة؟ فيه وجهان معلومان مما تقدّم إلا أن القول بجوازه في المقام ضعيف كما دلّت عليه السيرة المستمرّة المقطوعة من الامتناع عن صرف المتنجسات الغير القابلة للتطهير إلا فيما لا يشترط بالطهارة ( كالأدهان المتنجسة ونحوها. ولو جاز دفعها إلى الجاهل ليصرفها في المصارف المشترطة بالطهارة لما حصروا ) (٢) لما مرّ (٣) ، والأمر في تلك المصارف النادرة الخالية في الغالب عن المنافع المطلوبة مع جواز صرفه في مؤنة الاضياف والعيال أو إعطائه لسائر الناس ، بل جاز دفعه مطلقا إلى الأطفال لارتفاع التكليف عنهم.

مضافا إلى ما فيه من إضافة المال.

على أن المستفاد من عدّة من الأخبار ثبوت المنع في المقام مثل ما دلّ على لزوم الإعلام في بيع الزيت أو السمن والعسل إذا مات فيه الجرد ، وما دلّ على عدم جواز بيع النجس من غير مستحلّي الميتة .. إلى غير ذلك.

واستشكل صاحب الحدائق (٤) في المقام من جهة الأخبار المذكورة ، وملاحظة ما يستفاد من غيرها من الجواز ، مثل ما دلّ على عدم وجوب الإعلام في دفع الثوب الذي لا يصلّى فيه بل اشتمل على النهي من الإعلام ، وأقل مراتبه الكراهة.

وفحوى صحيحة العيص ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رجل صلّى في ثوب رجل أياما ، ثم إن صاحب الثوب أخبره بأنه لا يصلّى فيه ، قال : « لا يعيد شيئا من صلاته » (٥).

فإن سكوته عن منع (٦) الإعادة من دون الإعلام تقرير منه عليه‌السلام عليه ، فيشير إلى جوازه.

__________________

(١) زيادة : « ثالثها » من ( د ).

(٢) ما بين الهلالين مأخوذة من ( د ) ، ولم ترد إلّا فيها.

(٣) ليس في ( د ) : « لما مرّ ، و ».

(٤) انظر الحدائق الناضرة ٥ / ٢٦٠.

(٥) الكافي ٣ / ٤٠٤ ، باب يصلى في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، ح ١.

(٦) في ( ب ) : « المنع ».

٤٥٤

ولا يذهب عليك ضعف ما ذكره ؛ إذ لا دلالة ظاهرة في شي‌ء من الخبرين على ما ذكره ، أما الأول (١) فلاحتمال إرادة الاستفهام سواء قرئ على صيغة المجرد أو المزيد ، بل هو المتعيّن على الأول. وحينئذ فلا دلالة فيها على عدم وجوب الإعلام ، ولا دلالة فيها ولا في الثانية من جهة التقرير ؛ إذ ليس السؤال مسوقا من تلك الجهة ، وإنما فرض السؤال عن شي‌ء آخر على فرض مخصوص ، فسكوت الإمام عن جواز وقوع ذلك الفرض بحسب الشرع وعدمه لا يومي إلى جوازه بوجه كما لا يخفى.

على أنّ غاية ما يدلّان عليه هو الجواز بالنسبة إلى الصلاة ، وليس فيها إغراء بالحرام الأصلي كما في أكل النجس أو شرب الخمر ونحوهما.

وقد عرفت الفرق بين المقامين ، فعلى فرض تسليم دلالتهما إنما يثبتان الأول دون الأخير ، فتأمل في المقام ؛ فإنه من مزالّ الإقدام.

__________________

(١) في ( د ) : « الاولى ».

٤٥٥

الفصل (١)

في بيان المطهّرات

وهي أمور ، والعمدة منها الماء.

وقد تقدم الكلام في طهوريّته وكونه مزيلا للأحداث والأخباث ، وإنما الكلام في المقام في كيفية التطهير به وشرائطه.

تبصرة

[ في الاكتفاء بالمرة في غسل الأشياء ]

الأكثر على الاكتفاء في غسل النجاسات على المرة المزيلة للعين إلا بالنسبة إلى البول وغسل الأواني على ما سيجي‌ء الكلام فيها.

وقد حكى الشهرة عليه في الحدائق (٢).

وقد أفتى بذلك جماعة منهم الشيخ في المبسوط (٣) ، ومنهم المحقق والشهيد الثاني في المسالك (٤) والروضة (٥) ، وابن فهد (٦) وصاحب المدارك (٧) والذخيرة (٨) ، وغيرهم.

__________________

(١) في ( د ) : « الفصل ».

(٢) الحدائق الناضرة ٥ / ٤٩٤.

(٣) المبسوط ١ / ٣٧.

(٤) انظر مسالك الإفهام ١ / ١٣١.

(٥) الروضة البهية ١ / ٣٠٦ ، وانظر : روض الجنان : ١٦٧.

(٦) المهذب البارع ١ / ٢٧١.

(٧) مدارك الأحكام ٢ / ٣٣٧.

(٨) ذخيرة المعاد ١ / ١٦٢.

٤٥٦

وقد أطلق الغسل في الإرشاد (١).

وحكي نحوه عن جمل العلم والنهاية (٢) والخلاف (٣) والسرائر (٤) ، وظاهر الانتصار (٥) والكشف.

ويدلّ عليه إطلاق طهورية الماء وإطلاق الغسل الوارد في كثير منها الصادق بالمرّة.

وعن المحقّق في المعتبر (٦) اعتبار المرّة بعد إزالة العين ؛ للإطلاق.

وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد زوال العين يكون المحلّ قابلا للطهارة فيعتبر جري الماء عليه مرّة حتى يعيد الطهارة. ولا حاجة إلى التكرير ؛ للإطلاق ولظاهر الخبر الآتي ، على ما ذكره في المعتبر (٧) كما سيأتي الإشارة إليه.

ويضعّفه أن المطلوب إزالة العين بالماء ، فإذا حصل فبأيّ وجه حاجة إلى الغسل بعدها. والخبر ضعيف كما سنشير إليه.

وعن الشهيد في اللمعة (٨) والألفية (٩) والمحقق الكركي (١٠) أنّ حال باقي النجاسات حال البول.

وعن العلامة في التحرير (١١) التفصيل بين ( ما له جرم وقوام كالمني ونحوه وما ليس كذلك ، فيعتبر التعدد في الأول دون الأخير.

__________________

(١) ارشاد الاذهان ١ / ٢٤٠.

(٢) انظر النهاية : ٥.

(٣) انظر الخلاف ١ / ١٧٥.

(٤) السرائر ١ / ٩٢. وانظر مسالك الإفهام ١ / ١٣١.

(٥) الانتصار : ٩٠.

(٦) المعتبر ١ / ٤٦٢.

(٧) المعتبر ١ / ٤٦١.

(٨) اللمعة الدمشقية : ٣.

(٩) الألفية : ٤٩ ـ ٥٠.

(١٠) جامع المقاصد ١ / ١٧٣.

(١١) تحرير الأحكام ١ / ١٦١.

٤٥٧

وفي المنتهى (١) : إن ما له جرم وثخن كالمني ونحوه أولى بالمتعدد.

وعلّل الحكم في الذكرى (٢) بأن نجاسة غير البول أشد.

وكأنه لما ورد في بعض الأخبار أنه بمنزلة الماء فيفيد تسهيل الأمر فيه بخلاف غيره.

مضافا إلى الأصل والاستصحاب.

ويضعّفه منع الأشدّية مطلقا لعدم الدليل عليه مع أن الدم يعفى عن قليله بخلاف البول.

وقد ورد في الاستنجاء أنه هل له حد؟ قال : « لا حتى ينقى ماثله » (٣).

فدل على أن العبرة بمطلق الإزالة.

وقوله عليه‌السلام : « انما هو بمنزلة الماء » كأنه مسوق لبيان عدم الحاجة إلى الدلك نظرا إلى أنه لا قوام له ليحتاج معه إلى ذلك ، وكذا الحال في جعل المني أشد من البول لما فيه من غلظ القوام المفتقر في الإزالة إلى الدلك والفرك ، فلا إشارة في غيرهما إلى فروع التعدد بوجه.

ومنه يعرف الوجه في ضعف تفصيل العلامة.

وقد قوّاه بعض المتأخرين أولا ثم عدل عنه.

وأما بالنسبة إلى البول فالمعروف فيه اعتبار التعدد بالنسبة إلى الثوب والبدن. وعزاه في المعتبر (٤) إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وفي الذخيرة (٥) بأنّ عليه عمل الطائفة.

وفي المدارك (٦) والكفاية (٧) والبحار والحدائق : أنه المشهور.

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ / ٢٦٤.

(٢) الذكرى ١ / ١٢٤.

(٣) الكافي ٣ / ١٧ ، باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج والاستنجاء ح ٩ ، وفيه : « لا حتى ينقى مأثمة ».

(٤) المعتبر ١ / ٤٣٥.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / ١٦٣.

(٦) مدارك الأحكام ٢ / ٣٣٦.

(٧) كفاية الأحكام ١ / ٦٤.

٤٥٨

وحكي القول به عن الفاضلين (١) والشهيدين (٢) والمحقق الكركي (٣) وابن فهد (٤) وغيرهم.

وعن المبسوط (٥) أنه لا يراعى العدد في شي‌ء من النجاسات إلا في الولوغ فيفيد الاكتفاء بالمرة في البول أيضا.

وهو المحكي عن الشهيد في البيان (٦). وهو قضية ما أطلق فيه الغسل من الكتب المذكورة.

وعن المنتهى (٧) أنه أوجب أولا غسل الثوب مرتين ، ثم استقرب الاكتفاء بالمرة.

ونصّ في التذكرة (٨) على اعتبار التعدد في البول إذا جفّ على الثوب. وقوّى في المدارك (٩) و ( لم ) التفصيل بين الثوب وغيره ، فاعتبر التعدد.

وعن البحار (١٠) أن الأكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن في لزوم التعدّد.

وفي الحدائق (١١) : إن وجوب المرتين في الثوب والبدن مما لم يظهر فيه خلاف بين الأصحاب إلا من صاحب المدارك و ( لم ).

قلت : وكأنه أراد عدم الفرق بين الأمرين ، وإلا فالقول بالاكتفاء بالمرة فيهما موجود في الأصحاب كما عرفت.

وكيف كان ، فالأقوى هو الأول للمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالعمل والأصل

__________________

(١) المعتبر ١ / ٤٣٥ ، تحرير الأحكام ١ / ١٦١.

(٢) اللمعة الدمشقية : ١٦ ، مسالك الإفهام ١ / ١٢٦.

(٣) جامع المقاصد ١ / ١٧٣.

(٤) المهذب البارع ١ / ٢٣٨.

(٥) المبسوط ١ / ١٥.

(٦) البيان : ٤٠.

(٧) منتهى المطلب ٣ / ٢٦٣.

(٨) تذكرة الفقهاء ١ / ٨٠.

(٩) مدارك الأحكام ٢ / ٣٣٦.

(١٠) بحار الأنوار ٧٧ / ١٢٩.

(١١) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٥٨.

٤٥٩

والاستصحاب :

منها : الصحيحان عن البول مصيب الثوب قال : « اغسله مرتين » (١).

وفي حسنة ابن أبي العلاء سأل الصادق (ع) عن البول يصيب الجسد قال : صبّ عليه الماء مرّتين فإنّما هو ماء وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله مرتين » (٢).

ونحوها ما رواه في مستطرفات السرائر (٣) عن كتاب الجامع لابن أبي بصير قال : سألت .. إلى آخره.

والظاهر صحّة الخبر لأخذه عن نفس الكتاب.

وفي صحيحة محمد بن مسلم سألت الصادق عليه‌السلام عن الثوب يصيبه البول قال : « اغسله في المركن مرتين فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة » (٤).

وفي صحيحة أبي إسحاق النحوي عن الصادق (ع) قال : سألته عن البول يصيب الجسد قال : « صبّ عليه الماء مرتين » (٥).

وفي الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (ع) : « فإن أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة ومن ماء راكد مرتين ثم اعصره » (٦).

ومناقشة صاحبي المدارك و ( لم ) في إسناد ما دلّ على التعدد غير متجه في نفسه لاعتبار أسانيدها بل وفي صحتها في وجه قوي ، مضافا إلى اعتضادها بالعمل وبذلك.

يظهر الوجه فيما ذكراه من التفضيل وضعفه.

واحتج العلامة (٧) للاكتفاء بالمرة مع الجفاف بأنّ معنى طهورية الماء هو إزالة النجاسة عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢٥١ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٩.

(٢) الكافي ٣ / ٥٥ ، باب البول يصيب الثوب أو الجسد ، ح ١.

(٣) مستطرفات السرائر : ٥٥٧.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٢٥٠ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٤.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٢٤٩ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ح ٣.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥.

(٧) انظر منتهى المطلب ٣ / ٢٦٨.

٤٦٠