تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

دلّ على التقييد.

وما ذكر من أن الظاهر من المقام حلّية ما باشروه بالرطوبة ـ إذ لا إشكال في غيره ـ يدفعه عدم اختصاص توهم الحرمة من جهة النجاسة أو أنه بيان للحكم وإن كان معلوما بأدلة اخرى أيضا.

وأما الأخبار فقد عرفت الحال فيها أيضا.

٤٢١

تبصرة

[ في حكم سائر الكفّار ]

يثبت حكم النجاسة لسائر الكفار سواء كان كفرهم لكلّ (١) الأصول أو بعضها ، إما لعدم تصورها من رأس كما إذا كان في مواضع لم يتّفق له سماع شي‌ء من الأديان أو مع التردد فيها أو الظنّ بها على وجه أو الظنّ بخلافها أو اليقين من الدليل والتقليد أو غيرهما أو عدم الايمان وإن كان قاطعا [ .. ] (٢) الدرهم أو زائدا عليه ؛ لثبوت حكم العفو بالنسبة إلى الدم.

ففرض المسألة في خصوص كون الملاقي ما دون الدرهم ليس على ما ينبغي ، والأولى أن يقال بحصول العفو ، والحديث (٣) بالنسبة إلى الملاقى مطلق.

والظاهر أنهم لا يقولون به.

هذا ، ولا يذهب عليك أنه لو نجس الثوب أو البدن بالدم جرى في فعله حكم الدرهم قطعا ؛ لثبوت العفو مع وجوده ، فمع زواله (٤) وجهان ، واستقرب في الدروس ؛ إذ تخفيف النجاسة لا يوجب الشديد في الحكم وهو ظاهر.

رابعها (٥) : لو اشتبه الدم المعفوّ بغيره فهل يجري عليه حكم العفو أو لا؟ وجهان. واستقرب في الدروس (٦) ذلك. وهو ظاهر المعالم.

__________________

(١) في ( د ) : « لجهل ».

(٢) هنا في ( د ) مكتوب : « بياض في الأصل ». ولم يوجد في النسختين الأخريين أيضا.

(٣) في ( د ) : « حينئذ ».

(٤) في ( د ) زيادة : « أولى ».

(٥) في ( د ) : « سابعها ».

(٦) الدروس ١ / ١٢٤.

٤٢٢

وبه نصّ في الحدائق (١) في بحث النجاسات ؛ إذ الأصل فيما يدور بين ما يجوز لبسه وما لا يجوز هو الجواز كما إذا اشترى جلدا ودار الأمر بين كونه ميتة أو مذكّاة ، وقد نصّ الإمام عليه‌السلام : « إن كلّ شي‌ء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه » (٢).

وربما يقال بالعدم ؛ أخذا بالاحتياط وأصالة الشغل حتى يتبيّن الفراغ ، وأن الأصل عدم العفو للإطلاقات الدالة عليه ، فينبغي الاقتصار على القدر المعلوم.

وقد يفصّل بين ما إذا دار بين محصورين مثلا أحدهما الدم المعفو والآخر غيره ، فعلم بكونه أحد الدمين ودار الأمر بين الأمرين ، فلا يقدح تنزيلا للشبهة المحصورة منزلة العلم كما في نظائره ، وما إذا كان هناك دم ولم يعلم أنه من أيّ القسمين ، من غير أن يكون دائرا بين المحصور.

وإليه ذهب في الحدائق (٣) عند بيان أحكام النجاسات. وقد يقرب الوجه الأول بأصالة عدم التغليظ (٤) واستصحاب جواز الصلاة في البدن أو الثوب الحاصل فيه ، وما ذكر من أصالة عدم العفو إنما يجري فيما يشكّ فيه من جهة حكم الأصل.

وأما بالنسبة إلى الموضوع بعد وضوح الحكم فلا ؛ إذ لا يوجب ذلك زيادة في التخصيص (٥).

نعم ، إن قرّر من الشارع أصل في مجهول الحال كما قرّره في الماء جرى في المقام ، وما ذكر من أصالة الشغل معارض بقيام الدليل الشرعي على الجواز.

ومن ذلك يظهر قوّة الوجه الأول إلا أن المسألة لا يخلو من (٦) خفاء ، ومراعاة الاحتياط فيها سيّما بالنسبة إلى المحصور مما لا ينبغي تركها.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٢٣.

(٢) الكافي ٦ / ٣٣٩ ، باب الجبن ، ح ٢.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٢٤.

(٤) في ( د ) : « تعليظ » ، وفي ( ب ) : « التعليط ».

(٥) في ( ألف ) : « التحقيق ».

(٦) في ( د ) : « لا تخلو عن ».

٤٢٣

تبصرة

[ فيما يعفى عنه نجاسته ]

مما يعفى عنه نجاسته : كل ما لا تتمّ الصلاة فيه منفردا من اللباس. وهو في الجملة مما لا خلاف فيه بين الطائفة.

وحكاية الإجماع عليه مطلقا (١) مستفيضة قد حكاه في الانتصار والخلاف (٢) والسرائر (٣).

وعزاه في التذكرة (٤) إلى علمائنا.

وفي المختلف (٥) والمدارك (٦) إلى الأصحاب ، وفي الذخيرة (٧) وغيره : لا نعلم في أصل الحكم خلافا.

وعن الراوندي (٨) حكاية الإجماع على امور خمسة بالخصوص ، وهي القلنسوة والتكة والجورب والخفّ والنعل.

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة كصحيحة حماد بن عثمان ، عمّن رواه ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلي في الخفّ الذي قد أصابه قذر. قال عليه‌السلام : « إذا كان مما لا تتمّ

__________________

(١) في ( ب ) : « مطلق ».

(٢) الخلاف ١ / ٤٨٠.

(٣) السرائر ١ / ١٨٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ / ٩٦.

(٥) المختلف ١ / ٤٨٤.

(٦) مدارك الأحكام ٢ / ٣٢٠.

(٧) ذخيرة المعاد ١ / ١٦٠.

(٨) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٢ / ١٢٣.

٤٢٤

الصلاة فيه فلا بأس » (١).

ومرسلة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : « كلما كان على الإنسان أو معه مما لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة (٢) أن يصلّى فيه ، وإن كان قد قذر مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك » (٣).

وفي مرسلة اخرى : « لا بأس بالصلاة في الشي‌ء الذي لا يجوز الصلاة فيه وحده فيصيبه القذر مثل القلنسوة والتكّة والجورب » (٤).

إلى غير ذلك من الأخبار ، وما كان فيها من ضعف في الإسناد فينجبر باعتضاد بعضها ببعض ، وبعمل الأصحاب كما عرفت. فالحكم في المسألة مما لا ريب فيه.

إنما الكلام في المقام في امور :

أحدها : المعروف تعميم الحكم لكلّ الملابس كما هو قضية عموم الأخبار. وعن الراوندي تخصيصه بالخمسة المتقدمة.

وهو ضعيف بعد دلالة الأخبار وفتاوى الأصحاب والإجماعات المطلقة المحكية.

مضافا إلى أن الظاهر من الأخبار أن المناط فيه عدم إتمام الصلاة فيه ، وهو جار في الجميع ، مضافا إلى التصريح بالتعليل في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه‌السلام قال : « إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة والجورب أو الخف شي‌ء أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه ، وذلك أن الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذه وحده » (٥).

حجّة الراوندي إجماع على الخمسة دون البواقي ، فيبنى فيها على الأصل.

وضعفه ظاهر مما عرفت.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٢٧٤.

(٢) ليس في ( د ) : « بالصلاة ».

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢٧٥.

(٤) تهذيب الأحكام ٢ / ٣٥٨.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٥.

٤٢٥

ثم إن المشهور عدم التفاوت في ذلك بين الأحوال. وخصّه العلامة في عدّة من كتبه كالمنتهى (١) والتذكرة (٢) والتحرير (٣) ، والشهيد في البيان (٤) ، وابن فهد في الموجز بما إذا كانت في محالّها.

ولم نعرف مستندهم في ذلك ، وكأنه لحمل الإطلاقات على المتعارف ، وهو ما إذا كانت تلك الأمور في محالّها المعدّة لها ، فيبقى غيرها مندرجا تحت الأصل.

وضعفه ظاهر ، وإطلاق الروايات وجعل المناط فيه عدم تمامية الصلاة ، مضافا إلى أن حمل النجاسة لا مانع منه مطلقا كما سيجي‌ء الإشارة إليه.

قيل : ومن يسري الحكم إلى غير الملبوس لا يشرط (٥) الكون في المحال.

قلت : لا ملازمة بين الأمرين فإن كان هناك اتفاق فاتفاق.

ثانيها : المراد بما لا يتم (٦) الصلاة فيه ما لا تتم فيه مع بقائه على حاله ، فلو أمكن الصلاة فيه بعلاج كما إذا كان طويلا وأمكن وضع طوله على عرضه ليمكن الصلاة فيه لم يثبت فيه المنع قبل خيطه (٧) كذلك ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

وكذا ما احتاج إلى شدّه بشي‌ء خارج عنه ، وأما إن كان معه فلا ، كالحبل المتصل به.

ولو كان هناك امور لا تتم الصلاة في كلّ منها وتتم في الجميع فهل يجري الحكم المذكور في الجميع ، لعدم تمامية الصلاة في كل منها بالخصوص أو لا؟ وجهان ، أوجههما الأول وإن فرض حصول الستر (٨) بها في الصلاة.

__________________

(١) منتهى المطلب ٣ / ٢٦٠.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ / ٤٨٢.

(٣) تحرير الأحكام ١ / ١٥٩.

(٤) البيان : ٤٢.

(٥) في ( ب ) : « لا يشترط ».

(٦) في ( د ) : « لا تتم ».

(٧) في ( ألف ) : « خطّه ».

(٨) في ( ب ) : « النشر ».

٤٢٦

ولو ضمّ بعضها إلى البعض بحيث صار الجميع شيئا واحدا جرى حكم المنع.

ثمّ (١) إن المقصود بما لا تتمّ الصلاة فيه ما كان كذلك لصغره ، وأما ما لا تتم الصلاة من جهة حياكته (٢) دون صغره فلا يجري فيه الحكم. وقد نبّه عليه بعض الأفاضل.

ثالثها : قد عدّ الصدوق (٣) رحمه‌الله من جملة ذلك العمامة ، ووجّه ذلك تارة بأنها على حالها مما لا تتم الصلاة فيه. وقد عرفت أنه المناط في ذلك.

واخرى بأنها غير داخل في اسم الثوب ، وقد قامت الأدلة على اعتبار الطهارة في خصوص البدن والثوب ، ولا دليل على اعتبارها في غيرهما.

وقد احتمل في المدارك (٤) على عدم حصول المنع من جهتها نظرا إلى الوجه المذكور.

ولا يخفى ضعف كلّ من الوجهين المذكورين ؛ إذ مجرد طي الثوب لا يجعله مما لا تتم الصلاة فيه مع سعته في نفسه ، وإلا لجرى في غير العمامة أيضا.

وهو واضح الفساد ، وإن لفظ « الثوب » كما يشمل المنشور كذا يشمل المطويّ أيضا بلا فرق ، فالتأمل في اندراجه في الثوب بعد صدقه عليه في العرف مما لا وجه له.

على أن اندراجه في اللباس كاف فيه ، وهو مما لا شكّ فيه.

نعم ، قد دلّ على اندراج العمامة في ذلك رواية الفقه المذكورة. وكأنّها مستند الصدوق ، وهي لضعفها ومخالفتها لسائر الأخبار وكلام الأصحاب لا ينهض حجة على ذلك. وقد تحمل كعبارة الصدوق رحمه‌الله على خصوص العمامة التي لا تتم الصلاة فيها.

__________________

(١) زيادة : « ثم » من ( د ).

(٢) في ( د ) : « حكايته ».

(٣) الهداية : ٧٣.

(٤) مدارك الأحكام ٢ / ٣٢٠.

٤٢٧

تبصرة

[ في نجاسة ثوب المرأة المربّية ]

من جملة ما يعفى عنه في الصلاة نجاسة ثوب المرأة المربية للصبيّ ذات الثوب الواحد بالنسبة إلى بوله إذا غسلته في النهار مرة واحدة ، على المعروف من المذهب بلا خلاف (١) يعرف ؛ لخبر أبي حفص ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سئل عن امرأة ليس لها على قميص ولها (٢) مولود فيبول عليها ، كيف تصنع؟ قال : « تغسل القميص في يوم (٣) مرة » (٤).

مضافا إلى اعتضاد ذلك بما دلّ على أن هذه الشريعة سمحة سهلة لا حرج فيها ولا مشقّة.

وضعف الرواية منجبر بعمل الطائفة حيث لا يعرف رادّ لها في الفرقة ، فمناقشة صاحبي المدارك (٥) والمعالم في الحكم ـ نظرا إلى ضعف الخبر وتقوية البناء على مقتضى الأصل من دوران الحكم مدار الحرج والمشقة الشديدة ـ ليس على ما ينبغي.

ثم لا يخفى أن قضية الأصل في المقام عدم البناء على العفو (٦) إلا فيما قام الدليل عليه ، ومقتضى الرواية المذكورة المعتضدة بالعمل هو ثبوت العفو بالنسبة إلى صاحبة (٧) الثوب الواحد المربية للصبي الواحد عن نجاسة خصوص الثوب لخصوص بول الصبي ، ففي تسرية

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « فيه ».

(٢) في ( د ) : « ليس لها إلا قميص لها ».

(٣) في ( د ) : « اليوم ».

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٠.

(٥) مدارك الأحكام ٣ / ٣٥٥.

(٦) في ( ألف ) : « العضو ».

(٧) في ( د ) : « صاحب ».

٤٢٨

الحكم إلى المربي للصبي أو المربية للصبي أو الصبية إشكال. وقضية الأصل كما عرفت الاقتصار.

وعن العلامة في المنتهى (١) والنهاية (٢) والشهيد (٣) في عدّة من كتبه تسرية الحكم إلى المربي أيضا للاشتراك في العلة.

ونصّ في المدارك (٤) على خلافه. وهو الموافق للأصل كما عرفت.

ونصّ جماعة من الأصحاب بجريان الحكم في المربية للصبية ، وحكاه في المعالم عن الشهيدين وأكثر المتأخرين. وبه قطع في المدارك.

وظاهر النهاية اختصاص الحكم بالصبي اقتصارا في الرخصة على المنصوص مع حصول الفرق ؛ إذ بول الصبي كالماء وبول الصبية أصفر ثخين ، وطبعها آخر.

وقد يستدل على الشمول بإطلاق الخبر المذكور للتعبير فيه بلفظ المولود الشامل للصنفين.

وفيه : أن من الظاهر أن لفظ المذكور ليس مما يستوي فيه التذكير والتأنيث ليشمل الأمرين ؛ لشموله لهما مبني على أخذ الموصوف ( خاليا عن التأنيث شاملا للقسمين ، وهو غير متعين ؛ إذ كما يمكن كذلك يجوز أن يكون الموصوف ) (٥) فيه خصوص الصبي ، مضافا إلى أنه يدّعى ظهوره في ذلك ، فقد حكي في المعالم عن بعض الأصحاب أن المتبادر من المولود هو الصبي. ثم قال : ولا يخلو عن قرب.

وذهب الشهيدان (٦) إلى جريان الحكم في مربية الصبي ؛ للاشتراك في العلة وزيادة المشقة.

__________________

(١) انظر منتهى المطلب ٣ / ٢٧١.

(٢) النهاية الإحكام ١ / ٢٨٨.

(٣) البيان : ٤١ ، الدروس ١ / ١٢٧ ، الذكرى ١ / ١٣٩.

(٤) مدارك الأحكام ٢ / ٣٥٥.

(٥) ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.

(٦) الدروس ١ / ١٢٧ ، الروضة البهية ١ / ٥٢٥ ، مسالك الأفهام ١ / ١٢٧.

٤٢٩

وكلام الشهيد الثاني في الروض (١) يومي إلى التوقف.

والأوفق بالأصل ما ذكرناه من الاقتصار ؛ لزيادة النجاسة مع التعدد (٢) المنافية للتخفيف ، وظاهر الشهيد (٣) تسرية الحكم إلى الغائط أيضا. قال : ربما كنّي عن الغائط بالبول كما هو قاعدة العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن.

ويضعّفه أن جواز الكناية المذكورة لا يوجب الخروج عن الظاهر والحمل عليه ، ولا شاهد على التسرية من تنقيح مناط ولا غيره ؛ لوضوح الفرق بين الأمرين.

تعبير التحرير عن البول دون الغائط (٤).

ولذا نصّ جماعة على عدم التعدية منهم الشهيد الثاني (٥) وولده المحقق وسبطه السيد.

وعن بعض الأفاضل إجراء الحكم بالنسبة إلى البدن أيضا ؛ نظرا إلى عسر الاحتراز عن الثوب النجس ، ولزوم المشقة في غسل البدن كل وقت.

وهو ظاهر الوهن ؛ للفرق البيّن بين الثوب والبدن في سهولته (٦) ويبسه وغيرهما ، فلا وجه للتسرية.

وقد نصّ جماعة من الأفاضل على اختصاص الحكم بالثوب.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

منها : أنه لو كان له ما يزيد على الثوب الواحد ولم يحتج في اللبس إلى الجميع فلا تأمل في عدم جريان العفو ؛ لإمكان الإبدال.

__________________

(١) روض الجنان : ١٦٧.

(٢) في ( ألف ) : « التعذر ».

(٣) روض الجنان : ١٦٧.

(٤) كذا وردت في عبارة المصنف قدس‌سره.

(٥) مسالك الإفهام ١ / ١٢٨.

(٦) في ( ألف ) : « سهولة ».

٤٣٠

ولو احتاجت إلى الجميع لبرد ونحوه فهل يجري على الجميع حكم الواحد؟ وجهان ؛ من الخروج عن مدلول النصّ ، وأنها في معنى المتّحد ، وقد نصّ غير واحد منهم على الأخير كالشهيد الثاني في الروض. وهو غير بعيد.

ومنها : أنها لو تمكنت من تحصيل الثوب الآخر بشراء أو استيجار أو نحوهما فهل يثبت لهما الرخصة المذكورة أو يجب عليها مراعاة الطهارة إما بغسل ثوبها أو تحصيل غيرها؟ وجهان.

واستقرب الأول في المعالم ، وحكى الثاني عن جماعة من المتأخرين. وظاهر النصّ يعطي الرخصة إلا أن الأحوط مراعاة الطهارة مع تحصيل الغير من غير مشقة أصلا.

ومنها : أن الظاهر الاكتفاء بغسله مرة مجموع الليل والنهار إما لشمول اليوم الليل (١) أو لإلحاق الليل به كما يعطيه سياق الكلام ، ( وإلّا لم يكتف في مقام البيان بمجرد الغسل في اليوم مرّة. والاقتصار عليه في مقام البيان أقوى شاهد على الاكتفاء بالنسبة إلى الليل أيضا.

وتوقّف فيه في الحدائق (٢).

وليس في محله.

وهل تحتسب الليلة السابقة مع النهار أو اللاحقة أو يتخيّر بين الأمرين؟ وجوه.

ثمّ الظاهر إيقاع الغسل في النهار أخذا بظاهر الخبر. ويتساوى فيه أجزاؤه على ظاهر الرواية ، والأولى تأخير الصلاة وإيقاعه آخر النهار لتكون صلاته الأربع مع الطهارة ولا أقلّ من أخفّيّة النجاسة.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب [ على ] أفضلية ذلك في شأنها.

ولو قضت العادة بنجاسة ثوبها مع فضلها بين الغسل في المقام مع أنّ بول الصبي الذي لم يفطم يكتفى فيه بالصبّ ، ففيما ذكر من الحكمين تدافع إلّا أن يقال باستثناء هذه الصورة من تلك القاعدة.

__________________

(١) في ( د ) : « لليل ».

(٢) الحدائق الناضرة ٥ / ٣٤٥.

٤٣١

وربما يؤيّد ذلك بأن تكرار البول موجب لتشديد النجاسة ، ويكفي فيه الصب.

ويضعّفه أنّ مقتضى ما دلّ على الاكتفاء بالصبّ هناك عدم الفرق بين المتكرّر وغيره ، وكلمات الأصحاب أيضا قاضية بذلك ، فلا يمكن جعل ذلك فارقا في المقام ، فالأولى أن يجعل الحكم هنا مقيّدا بما دل على الاكتفاء بمجرد الصب في بول الرضيع ؛ إذ ليس المولود هنا مقيّدا بالرضيع.

إلّا أنّه قد يستشكل في دلالة الرواية على العفو بالنسبة إليه ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه حصول العفو بالنسبة إلى من يثبت في بوله الغسل إلّا أن يدّعى الأولوية بالنسبة إليه.

وقد يقال بأنّ اعتبار الغسل قد يكون من جهة حصول العفو لما في الغسل من المبالغة في الإزالة بخلاف الصب ، فإنّه فان افاد التطهير إلّا أنّه لا يقضى بالعفو (١).

ذهب الشهيد (٢) وجماعة من الأصحاب إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسل في النهار (٣) مرّة للزوم الحرج بتكلفه بالغسل ، ولرواية عبد الرحمن القصير قال : كنت إلى أبي الحسن الأول عليه‌السلام أسأله عن خصيّ ببول فيلقى من ذلك شدّه وبري البلل فقال : « يتوضأ وينضح (٤) ثوبه في النهار مرّة واحدة » (٥).

ورواه الصدوق في الفقيه (٦). فظاهره العمل بمضمونه ، وظاهر العلامة في التذكرة (٧) عدم العمل بها.

وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين ؛ لضعف الرواية وعدم انطباقها على المقصود لذكر النضح ، وهو غير مطهر لبوله بالإجماع.

__________________

(١) هنا فراغ في ( ب ) بمقدار كلمة.

(٢) الذكرى ١ / ١٣٩.

(٣) وفي المتن هكذا : « النها ».

(٤) وفي المتن هكذا : « يتضح ».

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ٤٢٤ ، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات ، ح ٢٢.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٥ ، باب ما ينجس الثوب والجسد من المياه المخرجة من الإنسان ، ح ١٦٨.

(٧) تذكرة الفقهاء ٢ / ٤٩٤.

٤٣٢

وهذا هو الأظهر ، فيبنى فيه على ما تقتضيه القواعد الشرعية من مراعاة الطهارة على قدر الإمكان ما لم يكن فيه مشقّة شديدة وإلّا سقط.

وقد يحمل الرواية على عدم ثبوت كون البلل الحاصل بعد البلل يوما فينضح عليه من جهة الاحتمال أو يقال بكون النزح لرفع اليقين بخروج البلل ليحمل إذا وجد البلل أن يكون من النزح إلّا أنّه يبعّد ذلك اعتبار كونه في اليوم مرّة.

٤٣٣

تبصرة

[ في نجاسة ملاقي الملاقي ]

كل واحد من النجاسات العينية تنجس ما يلاقيه مع الرطوبة فيها أو في ملاقيها كما هو معلوم ، ومستفاد من ملاحظة الروايات الواردة ، فإنّ معظم النجاسات إنّما يعلم بالأمر بالغسل ما يلاقيها فكأنّه جعل غسلا لملاقي من الأمور المساوية للنجاسة ، فالظاهر أنّ ذلك قاعدة مستفادة من الشرع معلومة من تتبع المقامات وإن لم ينص عليه بخصوصه في شي‌ء من الأخبار.

والظاهر أنّه مما لا خلاف فيه لأحد من الأصحاب.

وكذا الحال بالنسبة إلى المتنجسات ، فهي أيضا تنجّس كلما لاقته مع الرطوبه ، كما يستفاد من الأخبار الكثيرة وسنشير إلى جملة منها.

وقد وقع خلاف في المقام في أمرين :

أحدهما : فيما يلاقي جسد الميّت الآدمي بعد برده ، فإنّه ذهب الحلّي إلى وجوب غسل ما يلاقيه دون ما يلاقي ذلك الملاقي ؛ استنادا إلى أصالة الطهارة في ملاقي الملاقي أو ما دلّ الدليل عليه ، وهو وجوب غسل الملاقي لجسد الميّت دون الملاقي له ) (١).

وذهب العلامة (٢) إلى مثل ذلك بالنسبة إلى ملاقي جسد الميت بيبوسة ، فأوجب غسله دون غسل ملاقيه ولو لاقاه برطوبة.

وفيه : أنه إن استند في نجاسة الملاقي لجسد الميت أو مطلق بما دلّ من الأخبار على لزوم

__________________

(١) ما بين الهلالين من قوله « وإلا لم يكتف في مقام .. » إلى هنا لم ينقل إلا في ( ب ).

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٣٢.

٤٣٤

غسله لزم القول بسرايته (١) منه إلى غيره على حدّ سائر الأمور المتنجسة ، فلا وجه لاستناده في طهارة ما يلاقي ذلك الملاقى إلى أصالة الطهارة.

نعم ، قد يقال بأنه غير قائل إذن بنجاسة الملاقي لبدن الميت إلا أنّه يحكم بلزوم غسله لظواهر الأخبار ، فهو مع بعده عن كلامهما واضح الفساد في نفسه ؛ إذ لا معنى لوجوب الغسل في نفسه ؛ إذ ليس بأشدّ من ملاقاته مع الرطوبة لسائر النجاسات.

وإن اريد فيه (٢) الوجوب للغير تعيّن اشتراط صحة ذلك الغير به ، فيعود إلى القول بالنجاسة ؛ إذ لا يراد بها إلا تلك الحالة المانعة المتوقّف رفعها على الغسل. مضافا إلى أنه على قول الحلي يلزم القول بعدم نجاسة الميت أو عدم سراية النجاسة منه وكلّ منهما بيّن الفساد.

ثانيهما : ما تفرّد به صاحب التنقيح (٣) من القول بعدم (٤) تنجيس المتنجس مطلقا ، فلو ازيلت عين النجاسة بالتمسح بخرقة ونحوها لم تتعدّ إلى غير المحل ، فيجوز استعمال الأواني المتنجسة بعد ذلك في الطهارات والأكل والشرب وغيرها.

قال : إنما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة وأما ما لاقى الملاقي لها بعد ما ازيل عنه العين بالتمسح ونحوه بحيث لا يبقى فيه شي‌ء منها فلا يجب غسله.

وظاهر كلامه هذا هو ما ذكرناه من عدم تنجيس المتنجس مطلقا سواء ازيلت عنه عين النجاسة أو بقيت الملاقاة إذا لاقاه من غير محلّ الملاقاة.

وربما احتمل في عبارته التفصيل بين ما ارتفعت الملاقاة بإزالة العين عن المحل ، وأما إذا بقيت الملاقاة فعلى الأول نقول بالتنجس دون الثاني استنادا إلى ما يوجّه (٥) إطلاق آخر كلامه المذكور.

__________________

(١) في ( د ) : « بسراية ».

(٢) في ( د ) : « به ».

(٣) كذا في ( ألف ) ، وفي ( ب ) : « صاحب يخ » ، وقد وجدنا العبارة في الحدائق الناضرة ٥ / ٢٦٦ نقلا عن صاحب المفاتيح ، فراجع.

(٤) في ( د ) و ( ب ) : « بعد ».

(٥) في ( د ) : « يوهمه ».

٤٣٥

وفيه : أن ظاهر عبارته الأخيرة هو اعتبار زوال العين عن محلّ الملاقاة ؛ إذ الظاهر منه فرض النجاسة في الأعيان الجامدة لفرضه زوال العين بالتمسّح ونحوه. وحينئذ فلا شكّ في اعتبار الزوال للزوم الملاقاة لعين النجاسة مع بقائه في المحل.

على أن (١) بقاء العين في محل آخر لا ربط له في تأثير المحل الخالي عنها ، وتخصيص ذلك بخصوص المائعات مما لا إشارة إليه في كلامه.

وكيف كان ، فضعف كلّ من الوجهين أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

ويدلّ على فساده بعد إطباق الأصحاب عليه قديما وحديثا ، وجريان السيرة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمة عليهم‌السلام أو تقريرهم قطعا ، الروايات المستفيضة المتكثرة بل البالغة حدّ التواتر بالنسبة إلى الأول بل الثاني أيضا كالدالّة على نجاسة الأواني بنجاسة الماء الذي فيها أو الدهن أو الدبس المائعين بموت الفأرة ونحوها أو نجاسة ما لاقى مياه الآبار بعد تنجسها .. إلى غير ذلك.

وفي الأمر بغسل الأواني والفرش والبسط ونحوها أقوى دلالة عليه ؛ إذ لو لا السراية مع ملاقاتها بالرطوبة لما تفرع فائدة على غسلها ؛ إذ ليست تلك الأمور مما يستعمل فيما يتوقف على طهارة أنفسها ، وإنما يطلب طهارتها لعدم سراية النجاسة منها إلى ملاقيها من مأكول أو ملبوس ونحوهما.

وحيث انتفت تلك الفائدة حسبما ذكره ، فينتفي الالتزام بغسلها وبطهرها (٢) عن الفائدة.

واستدل الفاضل المذكور على ذلك بعد الأصل وخلوّ الأخبار عنه ـ مع أنه مما يعمّ به البلوى ـ بالمعتبرة المستفيضة :

منها : الموثق : سمعت رجلا يسأل الصادق عليه‌السلام فقال : إني ربما بلت فلا أقدر على الماء ويشتدّ ذلك عليّ؟ فقال : « إذا بلت وتمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئا فقل هذا

__________________

(١) زيادة : « أن » من ( د ).

(٢) في ( د ) : « تطهير غيرها ».

٤٣٦

من ذاك » (١) بحملها على أن يكون شكاية السائل (٢) عن انتقاض وضوئه بالبلل الذي يجده بعد التمسح لاحتمال كونه بولا ، وذكر العجز عن الماء على هذا التقدير لتعذر إزالة البلل من (٣) ثوبه وبدنه مما تعدّى من المخرج إليهما ، فأمره عليه‌السلام (٤) بمسح (٥) ذكره ، ولو مخرج بوله بعد مسح البول عنه بريقه حتى لو خرج عنه شي‌ء بعد ذلك صار مشكوكا عنده من جهة ذلك الريق الموضوع ، فلا حاجة (٦) إلى إعادة الوضوء وتطهير الثوب أو البدن ، فيفيد عدم تعدّي النجاسة عن المحل المتنجس إلى غيره.

قال (٧) : وعلى هذا لا يحتاج إلى تكلّف تخصيص التمسّح بالريق بالمواضع الطاهرة ، ولا إلى تكلف تعدّي النجاسة من المتنجس ، بل يصير الحديث دليلا على عدم التعدي منه ، فإن التمسح بالريق مما يزيدها تعدّيا.

وهذا المعنى أوفق بالأخبار الأخر ، وهذان الأمران ـ أعني عدم الحكم بالنجاسة إلا بعد التيقّن ، وعدم تعدي النجاسة من المتنجس ـ بابان من رحمة الله الواسعة فتحهما لعباده رأفة بهم ونعمة لهم ، ولكن أكثرهم لا يشكرون ، فينتقم الله منهم بابتلائهم بالوسواس واتّباعهم للخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس.

قال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : « إن الخوارج ضيّقوا على أنفسهم لجهالتهم وإن الدين أوسع من ذلك » (٨). انتهى (٩).

__________________

(١) الكافي ٣ / ٢٠ ، باب الاستبراء من البول وغسله ومن لم يجد الماء ، ح ٤.

(٢) زيادة : « السائل » من ( د ).

(٣) في ( د ) : « عن ».

(٤) هنا أوراق النسخ المخطوطة مشوّشة خلط بعضها ببعض ، أصلحناها ، والحمد لله.

(٥) في ( ألف ) : « يمسح ».

(٦) في ( د ) زيادة : « له ».

(٧) الحدائق الناضرة ٢ / ١١.

(٨) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٥٨.

(٩) في ( د ) : « بياض في الأصل ».

٤٣٧

ومنها : رواية سماعة ، قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام : إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي‌ء من البلل ما يفسد سراويلي. قال : « لا بأس » (١).

فإن مقتضاه عدم تنجس سراويله بالبلل الخارج من مخرج البول مع ملاقاته للتنجس (٢) قطعا.

ولا يخفى ما فيه ؛ فإن ظاهر هذه الرواية مخالف لغيرها مع إطباق الأصحاب على العمل بها ، وترك هذه ؛ فلا بدّ من تركها أو حملها على التقية أو على نفي الباس عن فساد السراويل كما فرضه السائل.

وكأنّ في المقام تقية حيث لم يصرّح عليه‌السلام بالجواب ، أو بحملها على عدم البأس بالنسبة إلى الطهارة الحدثية لو كان متوضّأ أو متيمّما.

ومنها : رواية الحكم ، بن حكيم قلت للصادق عليه‌السلام : أبول فلا اصيب الماء وقد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط والتراب ، ثم تعرق يدي فأمسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال : « بأس به » (٣) فتصلّي بعد زوال العين لا تنجس ما يلاقيه من جسده مع رطوبة العرق.

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون الملاقاة بالمحل النجس ولا شمول العرق كلّ اليد. وقد نصّ في الوافي أنه أحد الوجهين في الرواية.

قلت : بل هو المتعين بملاحظة غيرها من الأخبار.

ومنها : صحيحة العيص ، سألت الصادق عليه‌السلام عن (٤) رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر وقد عرق ذكره وفخذاه؟ قال : « يغسل ذكره وفخذيه ».

__________________

(١) الإستبصار ١ / ٥٦.

(٢) في ( د ) : « للمتنجس ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٥ ، باب البول : يصيب الثوب أو الجسد ، ح ٤.

(٤) في ( د ) : « من ».

٤٣٨

وسألته عمّن مسح ذكره بيده ثم عرقت (١) فأصاب ثوبه (٢) يغسل ثوبه؟ قال : « لا » (٣) ؛ إذ حكمه عليه‌السلام بعدم غسل الثوب دليل على عدم تنجسه بملاقاة المتنجس.

وأما الأمر بغسل فخذيه في السؤال فلوقوع الملاقاة هناك قبل إزالة النجاسة ، فتكون النجاسة قد تعدّى من المحل إلى ما يجاوره من بعد إجراء الذكر والفخذ من جهة حصول العرق بخلاف الثوب ، فإنّ ملاقاته إنما وقعت باليد المتنجسة. كذا ذكره بعض الأفاضل.

ويدفعه أنه لا دلالة في الفقرة الأخيرة على تنجس اليد ؛ إذ ليس فيها ما يدلّ على ملاقاة اليد لمحل النجاسة من الذكر ولا على كون الملاقاة مع الرطوبة ، ولا على كون العرق في محلّ النجاسة من الذكر (٤) ولا على ما أن أصاب الثوب المحل للتنجس ، وحمل الفقرة الأولى على ما ذكر بعيد جدّا بل (٥) فاسد قطعا ؛ إذ حصول العرق كذلك بحيث يسري النجاسة من رأس الذكر على الفخذين مما لا يتصوّر في المعتاد ، ولو فرض حصوله في فرض نادر جدّا فلا يعبّر عنه بالتعبير المذكور.

على أنه لا فائدة ظاهرة في تجفيف خصوص الذكر بعد شيوع النجاسة كذلك ، ورطوبة سائر الأعضاء. على أنه يدلّ أيضا على تنجيس المتنجس أيضا في الجملة إلا أن يقال بجريان نفس البول الباقي على المخرج ، وهو بعيد جدّا.

وكيف كان ، فظاهر الرواية هو عطف قوله « وقد عرق » على قوله « فمسح » ، فالمقصود حصول عرق الذكر والفخذين بعد مسح ذكره بالحجر وإزالة العين عنه ، فيدلّ إذن على تنجّس الفخذين (٦) بملاقاته للذكر مع رطوبة العرق فيكون من جملة الأخبار الدالّة على تنجّس المتنجس.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « يده ».

(٢) في ( ألف ) : « ثوبة ».

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٤٢١.

(٤) ليس في ( د ) : « من الذكر ».

(٥) في ( د ) زيادة : « هو ».

(٦) هنا بين النسخ المخطوطة اختلاف في الأوراق ، أصلحناها بحسب ترتيب المطالب.

٤٣٩

فقد ظهر بما عرفت عدم دلالة الأخبار المذكورة عليه ، وليس في الأخبار ما هو أدلّ منها على ذلك ، على أنه لو سلّم دلالة بعضها على ذلك فلا يقاوم غيرها من الأخبار الكثيرة المعتضدة بالإجماع بل الضرورة ، فسقط ما استند إليه من الأصل.

ومما يقضي العجب منه ما ذكره في الوافي بعد ذكر رواية سماعة وغيرها : لا يخفى على من فكّ رقبة عن قيد التقليد أن الأخبار وما يجري مجراها صريحة في عدم تعدي النجاسة من المتنجس إلى شي‌ء قبل تطهيره ، وإن كان رطبا إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح ونحوه ، وإنما التنجس (١) للشي‌ء عين النجاسة لا غير ؛ لوضوح فساد دعوى صراحتها في ذلك بل ظهورها أيضا. وقد عرفت دلالة بعضها على خلاف ما يدّعيه. غاية الأمر أن يكون إطلاق بعضها موهما لذلك.

وقد دلّ على خلافه روايات مستفيضة معتضدة بالعمل ، بل الإجماع ، بل ضرورة الدين على ما يظهر من ملاحظة طريقة المسلمين ، فكيف يجوز الركون إلى ما يتراءى منه في بادئ الرأي لو سلّم إشعاره بذلك.

__________________

(١) في ( د ) : « المتنجس ».

٤٤٠