تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

وهو قوي جدّا إذا لم يكن هناك من يحوّله.

وعلى هذا لو ظنّ الوفاة ولم يكن من (١) يوجّهه إلى القبلة حين الاحتضار احتمل القول بوجوب الاستقبال عليه قبله من باب المقدمة إذا (٢) ظنّ عدم قدرته على التحويل في تلك الحال. ويشكل بأنه لا وجه لوجوب المقدمة عليه قبل ذيها إلا أن يقال بأن الاحتضار وقت للاستقبال لا لوجوبه.

وفيه تأمل.

ثانيها : إنه هل ينتهي الوجوب بحصول الموت أو إنه (٣) يجب دوام الاستقبال مهما أمكن؟ قولان ، فظاهر كلامهم من الحكم بوجوب استقبال (٤) المحتضر اختصاص الوجوب بتلك الحال.

وفي الذكرى (٥) أن ظاهر الأخبار سقوط الاستقبال بالموت ، قال (٦) : وفي بعضها احتمال دوام الاستقبال ، وينبّه عليه ذكره حال الغسل ووجوبه حال الصلاة والدفن.

وأورد عليه في المدارك (٧) بأنه لم يقف على ما ذكره من الأخبار ، قال شيخه (٨) قدس‌سره : والظاهر البقاء على تلك الحال حتى ينتقل إلى المغتسل ويراعي هناك أيضا كذلك إلا أنه يكون حين خروج الروح فقط ؛ لأن ظاهر الأخبار بعد الموت.

وأنت خبير بأنه لو حمل الميت في الأخبار المذكورة على المشرف على الموت إما لكونه حقيقة فيه بخصوصه كما أشرنا إليه ، أو من باب مجاز المشارفة كان مفاد الروايات المذكورة

__________________

(١) زيادة : « من » من ( د ).

(٢) في ( د ) : « وإذا ».

(٣) في ( ب ) : « وإنه ».

(٤) في ( ألف ) : « الاستقبال ».

(٥) الذكرى : ٣٧.

(٦) زيادة : « قال » من ( د ).

(٧) مدارك الأحكام ٢ / ٥٤.

(٨) انظر : مجمع الفائدة ١ / ١٧٣.

٤٠١

اختصاص الوجوب بتلك الحال ، فلا دلالة فيها على وجوب الاستقبال في غيرها ، بل ربما يشعر ظواهرها على انتفاء الوجوب بانتفاء الموضوع حسبما ذكره الشهيد قدس‌سره.

بل قيل : إن ما في رواية الصدوق من قوله « فلم يزل كذلك ( حتى يقبض » صريح في السقوط.

وفيه : أن الظاهر أن المراد من قوله « فلم يزل كذلك » ) (١) لم يزل الله مقبلا عليه بوجهه والملائكة مقبلة عليه حتى يقبض ؛ ولا يراد به بقاؤه مستقبلا حتى يقبض ؛ ليقيّد بمفهوم الغاية ارتفاع حكم الاستقبال بالقبض.

نعم ، ربما يكون في التعليل المذكور إشعار بارتفاع الحكم ، وربّما يستدلّ على بقاء الحكم بالاستصحاب ، وهو أيضا مشكل ؛ لتوقيت الحكم بتلك الحال بناء على الحمل المذكور.

وكيف كان ، فالقول بوجوب البقاء على الاستقبال محلّ تأمل ، وكأنّ الأظهر عدمه ؛ أخذا بالأصل في غيره مورد الدليل.

مضافا إلى ظاهر التعليل المذكور وغيره ، ولا بأس بالبناء على الاستحباب.

ثم بناء على استمرار الحكم إما وجوبا أو ندبا فإنما يجري ذلك إلى حين الغسل ، أما بعده فيجعل على نحو حال الصلاة. وعن مولانا الرضا عليه‌السلام : « فإذا طهر يوضع كما يوضع في قبره » (٢).

والظاهر أن المراد التشبيه في وضعه معترضا دون الإضجاع (٣) على الأيمن.

ثالثها : إن الواجب هنا استقبال العين للقريب والجهة للبعيد على ما هو الحال في الصلاة ، فلو جهلت وجب تحصيله مع الإمكان ، فإن لم يتمكن من العلم فالظاهر قيام الظنّ مقامه ، فإن لم يتمكن منه أيضا سقط الوجوب.

__________________

(١) ما بين الهلالين وردت في ( د ) فقط.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٢٩٨ ، وفيه : « وضع كما يوضع ».

(٣) في ( ألف ) : « الاحتجاج ».

٤٠٢

ولا يجب استقبال الجهات الأربع. واحتمله في الذكرى (١).

وكأنّه من جهة إلحاقه بالصلاة بناء على المشهور من وجوب الصلاة إلى الجوانب الأربع. وهو ضعيف ، والفرق بين الأمرين واضح.

ولو علم حينئذ خروج القبلة عن بعض الجهات ودارت بين جهتين أو جهات فهل يسقط مراعاة الاستقبال مطلقا أو يتعيّن توجّهه نحو الجهات المشكوكة؟ وجهان ، أحوطهما الأخير.

رابعها : لا فرق في الحكم المذكور بين الذكر والأنثى ، والصغير والكبير ؛ لإطلاق (٢) معظم الأخبار وظاهر كلمات الأصحاب.

وفي شموله للسقط إذا كان فيه حياة وجهان ، وهو إنما يثبت لأهل الإيمان.

وفي جريان الحكم في المسلم المخالف وجهان.

وقد يبنى ذلك على وجوب غسله وكفنه ودفنه ، فإن قلنا بالوجوب جرى فيه ، وإلّا فلا.

ويمكن القول بعدم وجوبه. ولو قلنا بوجوبها نظرا إلى أنّ (٣) مذهبهم عدم الوجوب فيعاملون بما عاملوا به أنفسهم كما ورد في الحديث.

وأما الكافر فظاهر (٤) عدم جريان الحكم فيه سواء كان مشخصا (٥) منتحلا للإسلام أو لا.

وأطفال الكفار ( والمخالفين ملحوقون بآبائهم إلّا أن يلحقوا المسلمين كالمسبي عن أولاد الكفار ) (٦) وفي جريان الحكم في أولاد المخالفين إذا انقطعوا عن آبائهم بالسبي أو غيره وتبعوا المؤمنين وجهان.

خامسها : إنما يحكم بوجوب الاستقبال بعد تحقيق كونها حال الاحتضار ، وأما مع ظنّه

__________________

(١) الذكرى ١ / ٢٩٥.

(٢) في ( ألف ) : « إطلاق ».

(٣) زيادة : « أن » من ( د ).

(٤) كذا ، والظاهر : « فالظاهر ».

(٥) ليس في ( د ) : « مشخصا ».

(٦) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

٤٠٣

ففي الحكم بالوجوب إشكال.

ولا يبعد القول به ؛ إذ الغالب في مثل ذلك حصول الظنّ.

وهل يجب الاستقبال بالسكون ونحوه إلى علم موته؟ لا يجب ؛ لعدم ثبوت كونه حال الاحتضار ، فقد يكون ميتا وقد لا يموت ، إشكال.

ولا يبعد القول مع دوران الأمر بين كونه ميتا أو في شرف الموت استصحابا لحياته.

وهل يجري الحكم في أبعاض الميت؟ الظاهر ذلك ، فلو قطعت رأسه لوحظ القبلة في كل من الرأس والجسد ولو كان حيا (١) وقطع رجله لم يجر فيه الحكم ؛ لدوران الحكم مدار موت الشخص دون موت العضو.

سادسها (٢) : يستحب أن يقرأ سورة يس ، فعن الصادق عليه‌السلام : « من قرأ يس ومات في يومه أدخله الله الجنة وحضر غسله ثلاثون ألف ملك يستغفرون له ويشيّعونه إلى قبره بالاستغفار له ، فإذا دخل (٣) في لحده كانوا في جوف قبره يعبدون الله ، وثواب عبادتهم له ، وفسح له في قبره مدّ بصره ، واومن من ضغطة القبر ».

وأن يقرأ عنده (٤) السورة المباركة ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « يا علي! اقرأ يس فإن في قراءة يس عشر بركات .. » إلى أن قال : « ولا قرأت عند ميت إلا خففت عنه تلك الساعة » (٥).

فإن قرأ الميّت بالتشديد أمكن الاستدلال به حسبما مرّ على استحباب قراءته حين الاحتضار ، فيكون التخفيف بتهوّن الموت عليه.

ويحتمل ذلك لو قرأ بالتخفيف أيضا بناء على حمله على المشارف للموت أو الأعم.

ويحتمل أن يعمّ ذلك قراءته عند القبر.

__________________

(١) في ( ب ) : « ميّنا » بدل « حيّا ».

(٢) في ( ب ) و ( د ) : « تبصرة ».

(٣) في ( د ) : « أدخل ».

(٤) في ( د ) زيادة : « تلك ».

(٥) الدعوات : ٢١٥.

٤٠٤

ولا يخلو (١) عن بعد.

وأن يقرأ عنده (٢) الصافات ، فعن سليمان الجعفري قال : رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لابنه القاسم : « قم يا بنيّ! فاقرأ عند رأس أخيك ( وَالصَّافّاتِ صَفًّا ) (٣) حتى تستتمّها ، فقرأ فلما بلغ ( أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا ) (٤) قضى الفتى ، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له : كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده ( يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ) (٥) فصرت تأمرنا بالصافات؟ فقال : يا بنيّ! لم تقرأ عند مكروب من الموت إلا عجّل الله راحته » (٦).

وأن يقرأ سورة الكافرون ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « نابذوا عند الموت ». فقيل : ننابذ؟! قال : قولوا ( يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ * لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ) (٧) إلى آخر السورة (٨).

وروي أنه « يقرأ عند المريض والميت آية الكرسي ويقول : اللهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان. اللهم اغفر له ذنبه جلّ ثناء وجهك. ثم يقرأ آية السخرة : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ .. ) (٩) إلى آخره ، ثم يقرأ ثلاث آيات من آخر البقرة : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ) (١٠) ثم يقرأ سورة الأحزاب » (١١).

ذكر ذلك الراوندي رحمه‌الله.

وفي الدعائم ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : « يستحب لمن حضر المنازع أن يقرأ عند رأسه

__________________

(١) في ( ألف ) : « لا يخلو » بدون الواو.

(٢) في ( د ) زيادة : « سورة ».

(٣) الصافات : ١.

(٤) الصافات : ١١.

(٥) يس : ١ و ٢.

(٦) الكافي ٣ / ١٢٦ ، باب إذا عسر على الميت الموت ، ح ٥.

(٧) الكافرون : ١ و ٢.

(٨) الدعوات : ٢٤٩.

(٩) الاعراف : ٥٤.

(١٠) البقرة : ٢٨٤.

(١١) الدعوات : ٢٥٢.

٤٠٥

آية الكرسي وآيتين بعدها ، ويقرأ ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ) (١) إلى آخر الآية ، ثم ثلاث آيات من آخر البقرة ، ثم تقول : اللهم أخرجها منه إلى رضى منك ورضوان ، اللهم لقّه البشرى ، اللهم اغفر له ذنبه وارحمه » (٢).

وأن يلقّن كلمات الفرج ، فعن الصادق عليه‌السلام قال : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا حضر من أهل بيته أحد الموت قال له : « قل لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، سبحان الله ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وربّ العرش العظيم ، والحمد لله ربّ العالمين ، فإذا قالها المريض قال : اذهب فليس عليك بأس » (٣).

وفي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا أدركت الرجل عند النزع فلقّنه كلمات الفرج » (٤) ، وذكر التهليل والتسبيح والتحميد على النحو المذكور.

وفي الأخبار اختلاف في كلمات الفرج زيادة ونقصانا ، والموجود في الصحيح ما ذكرنا.

ونحوه صحيحة اخرى إلا أنه أسقط فيه لفظ الجلالة في « سبحان الله ربّ السماوات .. » إلى آخره.

وفي مرسلة الفقيه (٥) وكتاب فقه الرضا (٦) عليه‌السلام وغيرها (٧) زيادة : « وسلام على المرسلين » قبل التحميد.

وفي بعض الروايات زيادة : « وما تحتهنّ » بعد « وما بينهنّ » (٨).

والكل حسن.

__________________

(١) الاعراف : ٥٤.

(٢) دعائم الإسلام ١ / ٢١٩.

(٣) الدعوات : ٢٤٥.

(٤) الكافي ٣ / ١٢٣ ، باب تلقين الميت ، ح ٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣١.

(٦) فقه الرضا عليه‌السلام : ١٦٥.

(٧) في ( د ) : « غيرهما ».

(٨) فقه الصادق ٢ / ٣١٢.

٤٠٦

وأن يلقّن الشهادتين ، والإقرار بالأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : « إذا حضرت الميت قبل أن يموت فلقّنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما من أحد يحضره الموت إلا وكّل إبليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشكّكه في دينه حتى نفسه ، فمن كان مؤمنا لم يقدر عليه ، فإذا حضرتم موتاكم فلقّنوهم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يموتوا » (٢).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : « فلقّنوا موتاكم عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله والولاية » (٣).

وقد يستفاد من بعض هذه الأخبار استحباب تكرير التلقين المذكور إلى أن يموت كما نصّ عليه بعضهم.

وأن يكون آخر كلامه « لا إله إلا الله » ، فعن الصادق عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا الله ، فإنّ من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله دخل الجنة » (٤).

وأن يلقّنه هذا الدعاء : « يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير واعف عنّي الكثير ، إنك أنت الغفور الرحيم » (٥).

وروى المفيد في مجالسه وأبو علي ابن الشيخ في المجالس ، بإسناده أيضا عن سعيد بن يسار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حضر شابا عند وفاته فقال (٦) : قل لا إله إلا الله. قال : فاعتقل لسانه مرارا ، فقال لامرأة (٧) عند رأسه : هل لهذا أمّ؟ قالت : نعم

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٢١ ، باب تلقين الميت ح ٢.

(٢) الكافي ٣ / ١٢٣ ، باب تلقين الميت ، ح ٦ وفيه : « حتى يموت ».

(٣) الكافي ٣ / ١٢٣ ، باب تلقين الميت ، ح ٥.

(٤) ثواب الاعمال : ١٩٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣٢ ، باب غسل الميت ح ٣٤٧ وفيه : « إنك أنت العفو الغفور ».

(٦) في ( د ) : « فقال له ».

(٧) في ( د ) : « لامرأته ».

٤٠٧

أنا امه. قال : أساخطة (١) أنت عليه؟ قالت : نعم ما كلّمته منذ ستّ حجج. قال لها : أرضي عنه. قالت (٢) : رضي‌الله‌عنه برضاك يا رسول الله! فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل لا إله إلا الله. قال : فقالها. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ترى؟ فقال : أرى رجلا أسود قبيح المنظر وسخ الثياب منتن الريح ، قد وليني الساعة يأخذ بكظمي. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل .. وذكر الدعاء. فقالها الشابّ ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : انظر ما ترى؟ قال : أرى رجلا أبيض اللون حسن الوجه طيّب الريح حسن الثياب قد وليني وأرى الأسود قد تولّى عني. قال : أعد ، فأعاد. قال : ما ترى؟ قال : لست أرى الأسود ، وأرى الأبيض قد وليني. ثم طفى على تلك الحال » (٣) أي مات.

وفي رواية اخرى ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « حضر رجلا الموت فقال (٤) : يا رسول الله! إن فلانا قد حضره الموت. فنهض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعه اناس من أصحابه حتى أتاه وهو مغمى عليه. فقال : يا ملك الموت! كف عن الرجل حتى أسأله. فأفاق الرجل فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما رأيت؟ قال : رأيت بياضا كثيرا وسوادا كثيرا. قال : فأيهما كان أقرب؟ فقال : السواد. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : قل : اللهم اغفر لي الكثير من معاصيك واقبل منّي اليسير من طاعتك. فقاله ثم اغمي. فقال : يا ملك الموت! خفّف عنه أسأله فأفاق ». قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا حضرتم ميتا فقولوا له (٥) هذا الكلام ليقوله » (٦) (٧).

__________________

(١) في ( د ) : « أفساخطة ».

(٢) في ( ألف ) و ( ب ) : « قال ».

(٣) الأمالي ، المفيد : ٢٨٧.

(٤) في ( د ) : « قيل ».

(٥) زيادة : « له » من ( د ).

(٦) الكافي ٣ / ١٢٤ ، باب تلقين الميت ، ح ١٠ ، وفيه : « لا حفف عنه حتى أسأله ، فافاق الرجل ».

(٧) في ( د ) زيادة صفحتين من العبارات الماضية حتى الباب الآتي ، إلّا أن الناسخ التفت إلى الزيادة فكتب هنا : « مكرّر في النسخة .. ».

٤٠٨

الباب

في بيان النجاسات والمطهّرات ، وأحكام النجاسات

ففيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل

في أعداد النجاسات

تبصرة

[ في نجاسة البول والغائط مما لا يؤكل لحمه ]

الأول والثاني من النجاسات : البول والغائط مما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة ، بلا خلاف فيه إلا فيما سيأتي.

وقد حكي الإجماع عليه مطلقا في كلام جماعة من الأصحاب ، وقد حكي الإجماع عليه عن الشيخ (١) وابن زهرة (٢) والفاضلان (٣) وغيرهم (٤).

ويدلّ عليه بالنسبة إلى بول الإنسان وغائطه أخبار كثيرة.

والظاهر قيام الضرورة عليه.

وبالنسبة إلى بول السنّور وخرئه وغيره كالفأر غير واحد من الأخبار ، وبالنسبة إلى

__________________

(١) الرسائل العشر : ١٧١.

(٢) غنية النزوع : ٤٠.

(٣) المعتبر ١ / ٤١٠ ، تحرير الأحكام ١ / ١٥٥.

(٤) كشف الرموز ١ / ١٠٧.

٤٠٩

مطلق بول ما لا يؤكل لحمه صحيحة عبد الله بن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١).

ويؤيّده ما في غير واحد من الأخبار من أنّ ما يؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر لإشعاره بنجاستهما (٢) مما لا يؤكل لحمه.

وقد يدلّ جملة من الأخبار على نجاسة العذرة. وفي دلالتها على حكم غير عذرة الإنسان إشكال ، وإن أطلقت في بعض الأخبار على عذرة غير الإنسان أو هي في أصل وضعها اسم لفناء الدار.

وقد أطلقت على الغائط تسمية له باسم محله حتى وصل إلى حدّ الحقيقة على نحو لفظ الغائط.

وحينئذ فشموله لغير ما للإنسان مبني على التسرية فيه من ذلك إلى مطلق الغائط ، فوصوله إذن إلى حد الحقيقة كذلك غير معلوم ، ومعه لا يتمّ الاستدلال.

وكيف كان ، فالإجماع المعلوم والمنقول في غير ما سنذكر الخلاف فيه كاف في الحجة عليه سيّما مع اعتضاده بما ذكرنا.

هذا ، وقد وقع الخلاف في المقام في امور :

أحدها : بول الطير وخرئه. والمعروف بين الأصحاب عدم الفرق بينه وبين غيره. وعن الغنية (٣) الإجماع على نجاسة خرء وبول مطلق الجلّال.

وعن العلامة في التذكرة (٤) وبعض المتأخرين نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كل حيوان ، والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة ، فذهب في المبسوط (٥) إلى القول

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٧ ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح ٣.

(٢) في ( د ) : « بنجاستها ».

(٣) غنية النزوع : ٤٠.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ / ٥١.

(٥) المبسوط ٦ / ٢٨٢.

٤١٠

بالنجاسة فيهما. وعزاه إلى جمهور الأصحاب.

وحكاية الشهرة عليه مستفيضة بين الأصحاب ، ويشمله عدة من الإجماعات المحكيّة.

وعن العماني والجعفي والشيخ في النهاية (١) القول بالطهارة فيه مطلقا.

واختاره في المبسوط (٢) أيضا إلا أنه استثنى منه الخشاف.

حجة الأول إطلاق صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة ، مع اعتضادها بالشهرة العظيمة وظواهر الأخبار المتقدمة.

وفي رواية المختلف (٣) المنقولة عن كتاب عمار ، عن الصادق عليه‌السلام : « خرء الخطاف لا بأس به هو ممّا يؤكل لحمه .. » (٤) الخبر. وفيها إشعار بأن العلة في نفي البأس عنه هو أكل لحمه ، فيفيد ذلك حصول البأس لولاه مع كونه طائرا. مضافا إلى خصوص الرواية الدالّة على خصوص (٥) نجاسة بول الخفاش مع كونه طائرا.

والفرق بينه وبين غيره ضعيف ؛ إذ لا قائل به سوى الشيخ كما ستعرف والقول بأن الصحيحة المذكورة واردة في الأبوال فلا يدلّ على حكم الأرواث ، وأن الطائر لا يتحقق له بول في الغالب مدفوع بقيام الإجماع ظاهرا (٦) على عدم الفرق بينهما.

وعن السيد (٧) والشهيد الثاني (٨) وصاحبي المدارك (٩) والذخيرة (١٠) الإجماع على عدم الفرق بين الأرواث والأبوال.

__________________

(١) النهاية : ٢٦٦.

(٢) المبسوط ١ / ٣٩.

(٣) مختلف الشيعة ٨ / ٢٩١.

(٤) عوالي اللئالي ٣ / ٤٦٩.

(٥) ليس في ( د ) : « خصوص ».

(٦) في ( ب ) : « ظاهر ».

(٧) الناصريات : ٨٦.

(٨) الروضة البهية ٧ / ٣٢٤.

(٩) انظر مدارك الأحكام ٢ / ٢٦١.

(١٠) ذخيرة المعاد ١ / ١٤٥.

٤١١

ومنه يظهر اندفاع الأخير ؛ إذ عدم تحقق البول له بعد تحقق الإجماع المذكور لا يوجب ردّ الاستدلال أو نقول : إن بول غير ما يؤكل لحمه نجس ، فروثه كذلك وإن لم يكن الروث من صاحب البول.

على أن الظاهر حصول البول للطائر في الجملة كما هو معروف في الخفاش.

وقد دلّ عليه النصّ حجة القول الثاني موثقة أبي بصير : « كلّ شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (١).

وقد رواه في البحار (٢) ، وجاء بخطّ الجبعي نقلا عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير.

والقول بمعارضته للصحيحة المتقدمة مدفوع بأن عمومها أصرح من الصحيحة ، فهي أقوى بحسب الدلالة ، ولو سلّم تكافؤها بحسب الدلالة فقضية الأصل في ذلك الرجوع إلى أصالة الطهارة وهي كاف في المقام.

ويضعّفه اطراح الرواية بين الأصحاب ، وإعراض المعظم عن العمل بها.

وفي التذكرة (٣) : إنّ أحدا لم يعمل بها.

وقد رماها الحلي في السرائر (٤) إلى الشذوذ ، وقال : إنه لا يعوّل عليها. والمحقّق عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم خلاف هذه الرواية ؛ لأنه هو الذي يقتضيه أخبارهم التي أجمع عليها.

وقد يظهر منه وجود أخبار دالّة على النجاسة فيها إلا أن يقال بأن مقصوده بذلك الإطلاق المذكور المؤيّد بظواهر غيرها من الأخبار المذكورة.

نعم ، ذكر في الروض (٥) أن روايات التنجيس في الطير (٦) أكثر. وهو ظاهر في وجود

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥٨ ، باب أبوال الدواب وأرواثها ، ح ٩.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ / ١١٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ١ / ٤٩.

(٤) السرائر ١ / ٨٠.

(٥) الروض : ١٦٢.

(٦) في ( ب ) و ( د ) : « الطيور ».

٤١٢

روايات خاصة دالّة. ولم نظفر (١) بها.

وكيف كان ، فبملاحظة ذلك مع موافقة الأول للاحتياط وكثرة الأخبار الدالّة عليه وشذوذ الخبر المذكور لتفرد أبي بصير بنقله (٢) وعدم إشعار شي‌ء من الأخبار بما يوافق مضمونه [ ... ] (٣).

__________________

(١) في ( ألف ) : « يظفر ».

(٢) في ( ألف ) : « منقلبة ».

(٣) العبارة ناقصة ، فتدبّر.

٤١٣

تبصرة

[ في نجاسة الدم ]

الرابع من النجاسات : الدم من كل حيوان ذي نفس سائلة سواء كان مسفوحا من العرق أو خارقا بالرشح ، قليلا كان أو كثيرا ، بلا خلاف ظاهر بين الأصحاب سوى ما يحكى عن الإسكافي (١) من القول بطهارة ما يكون سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الأعلى. وعبارته المحكيّة عنه غير صريحة في حكمه بالطهارة.

وإنما تفيد عدم تخصيصه الثوب مع تعميمه الحكم لسائر النجاسات سوى المني ودم الحيض ، فإنّ قليلهما وكثيرهما سواء.

وقد يحكى عن الصدوق الحكم بطهارة ما دون الحمّصة مما عدا دم الحيض. وعبارته أيضا غير دالّة عليه ، وإنما تفيد عدم وجوب غسله.

وكأنه عبّر بذلك عن مسألة العفو عما دون الدرهم.

وكيف كان ، فهما شاذّان ضعيفان لو ثبت القول بهما.

ويدلّ على الحكم بعد الإجماعات المحكية ظواهر جملة من الإطلاقات ، ويستثنى منه الدم المتخلّف فيما يؤكل لحمه من الذبيحة بعد القذف المعتاد.

وقد نصّ على طهارته جماعة من الأصحاب.

وفي البحار (٢) : الظاهر أنه حلال طاهر بغير خلاف يعرف.

وفي الحدائق (٣) : إن عليهما اتفاق الاصحاب من غير خلاف ينقل.

__________________

(١) نقله عنه في المعتبر ١ / ٤٢٠.

(٢) بحار الأنوار ٧٧ / ٨٦ ، باب نجاسة الدم وأقسامه وأحكامه ، ذيل ح ٢.

(٣) الحدائق الناضرة ٥ / ٤٥.

٤١٤

ويدلّ عليه بعد الإجماع ظاهرا ، ظاهر الآية الشريفة : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ) (١).

وقيام السيرة القاطعة على عدم التحرز عنه ، مضافا إلى ما فيه من الحرج والعسر ، فالحكم بالحلّ والطهارة في المتخلف في اللحم مما لا شبهة فيه.

وفي جريانه في المتخلف في البطن والكبد والعروق والقلب وجهان ، أقواهما ذلك كما هو ظاهر إطلاقاتهم ؛ لظاهر الآية الشريفة. والظاهر جريان السيرة في كثير منها.

وقد نصّ المحقق الكركي (٢) والشهيد الثاني (٣) على عدم الفرق بين المتخلف في خلال (٤) اللحم والمتخلف في البطن والعروق. وقد يظهر من ذلك تأمّله في إلحاق المتخلف في القلب والكبد حيث قال : إن فيه وجهين.

وربما يتوهم من جماعة منهم الفاضل (٥) والشهيدان (٦) (٧) في بعض كتبهما القول بعدم الإلحاق حيث استثنيا (٨) المتخلف في تضاعيف اللحم خاصّة ، ولم يذكروا غيره. وكأنهم أرادوا بذلك المتخلف في مطلق الذبيحة كما عبّر به غيرهم.

[ تنبيهات ]

هاهنا (٩) امور ينبغي الإشارة إليها :

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

(٢) جامع المقاصد ١ / ١٦٣.

(٣) الروضة البهية ٣٢٩.

(٤) في ( ألف ) : « حلال ».

(٥) نهاية الإحكام ١ / ٢٦٩.

(٦) الدروس ٢ / ١٧٢.

(٧) مسالك الإفهام ١٢ / ٧٨.

(٨) في ( ب ) : « استثناء ».

(٩) في ( د ) : « وهاهنا ».

٤١٥

أحدها : في المتخلف في الذبيحة التي لا يؤكل لحمه وجهان. وقد حكى عدة من الأصحاب منهم العلامة المجلسي (١) أن ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته.

وحكى في المعالم عن بعض مشايخه التردد فيه ، ثم الميل إلى النجاسة.

واحتملهما في كشف اللثام (٢).

وظاهر إطلاق الجماعة من الأصحاب منهم ابن زهرة (٣) والمحقق (٤) والعلامة (٥) في عدة من كتبه والشهيد (٦) وابن فهد (٧) ، وعدم الفرق بين مأكول اللحم وغيره.

وقد اختلفوا في جواز استعمال جلده قبل الدبغ على أقوال. وكأنه يبني الخلاف على ذلك ؛ لعدم خلوّ الجلد عن أجزاء من الدم.

وقد حكي أشهريّة القول بالجواز هناك. وقد يومي ذلك إلى طهارة الدم المتخلف فيه ، ( وقضية الأصل في المقام لما عرفت من إطلاق عدة من الأخبار المعتضد بظاهر الإجماعات المحكيّة هو القول بالنجاسة ، والقول بجواز استعمال الجلد قبل الدباغ لا يستلزم القول بطهارة الدم المتخلف فيه ) (٨) لعدم العلم بحصول شي‌ء فيه ، ومعه فيمكن إزالته بغير الدفع ، فالقول بالمنع لا يخلو عن قوة إلّا أن المسألة محلّ إشكال.

ثانيها : في الحكم بطهارة المتخلف في الأجزاء المحرمة (٩) عن المحلل إشكال ، والأظهر فيه الطهارة وإن لم يشمله ظاهر الآية المذكورة ؛ إذ الظاهر حرمته تبعا لما فيه ؛ أخذا بالأصل مع

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٢ / ١٠٢.

(٢) كشف اللثام ١ / ٤٠٧.

(٣) انظر غنية النزوع : ٤٠.

(٤) المعتبر ١ / ٤١٩.

(٥) انظر تذكرة الفقهاء ١ / ٦٣.

(٦) الدروس ١ / ١٢٣.

(٧) المهذب البارع ١ / ٢٣٣.

(٨) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٩) في ( ألف ) : « الحرمة ».

٤١٦

عدم وضوح شمول أدلة النجاسة لمثله ، مضافا إلى السيرة في كثير من تلك الأجزاء بعدم التحرز ، ولم يعهد في الروايات ورود منع فيه مع عموم الابتلاء به.

ثالثها : لو حبس دم الذبيحة من (١) الخروج حتى مات كان الدم المتخلف فيه نجسا. وحينئذ فيتوقف جواز أكله على غسله وإخراج ذلك الدم عن سائر أعضائه ، ولا يكتفي بمجرد غسل عروقه أو اطراحها لانبساط (٢) الدم (٣) ، في جميع أجزاء اللحم وعدم العلم بخروجها.

وقد يحكم بأصالة (٤) الطهارة في كل عضو لم يعلم اشتمالها على الدم إلا أنه يعارضه استصحاب النقاء.

ولو كانت تذكية عند موته فلم يخرج منه إلا يسير من الدم ففي طهارة المتخلف وجهان.

رابعها : المعروف نجاسة العلقة (٥).

__________________

(١) في ( د ) : « عن ».

(٢) في ( د ) : « لانبثاث » ، وفي ( ب ) : « الانبساط ».

(٣) هنا زيادة الواو في ( ألف ).

(٤) في ( ألف ) : « أصالة ».

(٥) إلى هنا كلام المصنف قدس‌سره ، والظاهر ـ بل المتيقّن ـ أنه ناقص ؛ إذ لم يبحث عنه ولم يدخل في الفروع والأقوال كما هي عادته ، ولم يذكر أيضا أعداد النجاسات برمّتها.

٤١٧

تبصرة

*في نجاسة الكافر وأقسامه*

الثامن من النجاسات : الكافر بأقسامه.

ولا خلاف بين الأصحاب بل الأمّة في نجاسته في الجملة.

ويدلّ عليه بعد الإجماع : الكتاب والأخبار المستفيضة والسيرة القاطعة.

نعم ، هناك خلاف ضعيف في خصوص أهل الكتاب حيث ذهب شذوذ من الأصحاب إلى طهارتهم. ويعزى ذلك إلى الإسكافي والعماني والمفيد في أحد قوليه.

وربّما ينسب إلى الشيخ في النهاية.

وفي دلالة كلامه عليه بحث ، والأظهر عدم دلالته عليه. ولو دلّ عبارته هناك على الطهارة لدلّ على طهارة سائر الكفار ؛ إذ ليس في كلامه ذكر لخصوص أهل الكتاب. وقد نصّ قبل تلك العبارة بنجاسة الكفار على اختلاف مللهم ، بل في دلالة عبارة المفيد عليه تأمل. وكذا في عبارة العماني.

وربما يتأمل أيضا في عبارة الإسكافي ؛ إذ (١) مدلول كلامه حلّية ذبائح أهل الكتاب ، وما صنع في أواني مستحلّي الميتة ومواكلتهم ، فإن دلّ ذلك على الطهارة لدلّ على طهارة غير أهل الكتاب أيضا. ولا قائل به ظاهرا.

وكيف كان ، فالقول بطهرهم من الوهن بمكان ؛ لقيام الأدلّة الظاهرة على نجاستهم ، منها قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٢).

والمناقشة فيها بأن « النجس » مصدر لا يحمل على الذات إلا بتقدير كلمة « ذو » ، فلا

__________________

(١) في ( د ) : « أو ».

(٢) التوبة : ٢٨.

٤١٨

يقيّد النجاسة العينية ؛ لاحتمال إرادة العارضية كما هو الغالب من مزاولتهم للنجاسة ، وأن النجاسة لم يثبت لها حقيقة شرعية فليحمل على معناها اللغوي الذي هو مطلق القذارة ، وأنها لا تشمل أهل الكتاب ؛ لعدم اندراجهم في المشركين بيّن الاندفاع ؛ لعدم إمكان حمل المصدر على الذات بطريق الحقيقة.

وأما على سبيل المبالغة فلا مانع ، وهو مقدّم على المعنى المذكور إلا بمقتضى فهم العرف ، ومع الغضّ عنه فيحمل على النجس ليكون المصدر بمعنى الفاعل ، فيدلّ إذن على النجاسة العينيّة كما هو (١) مفاد العبارة.

بل مع حمله على المعنى المذكور لا يبعد دلالته على النجاسة العينيّة سيّما بملاحظة عموم المشركين ، وإن المناسب للمقام هو النجاسة الشرعية ، فيقدم على اللغوية ، ولو قلنا بعدم ثبوت الحقيقة الشرعية ، ومع القول بها فلا بحث.

وإن ظاهر قوله تعالى : ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ) (٢) إلى قوله ( سُبْحانَهُ : عَمّا يُشْرِكُونَ ) (٣) قاض بكون اليهود الّذين هم أقرب من سائر أهل الكتاب إلى التوحيد مشركين فكيف غيرهم.

ومع الغضّ عنه فلا شكّ في شرك غيرهم ؛ لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة والمجوس بالنور والظلمة.

ومنها : الإجماع المعلوم من ملاحظة فتاواهم وجريان السيرة المستمرة عليه حتى صار من شعار الشيعة يعرفون عند أهل الخلاف.

ومنها : الروايات المستفيضة ، مضافا إلى الإجماعات المنقولة عليه حدّ الاستفاضة قد حكاه جماعة منهم السيد (٤) والشيخ (٥) وابن زهرة (٦) والعلامة (٧) في جملة من كتبه وغيرهم.

__________________

(١) في ( د ) زيادة : « ظاهر ».

(٢) التوبة : ٣٠.

(٣) التوبة : ٣١.

(٤) الناصريات : ٨٤.

(٥) انظر الخلاف ١ / ٧٠.

(٦) غنية النزوع : ٤٤.

(٧) تذكرة الفقهاء ١ / ٦٧.

٤١٩

ومنها : الروايات المستفيضة الكثيرة القريبة من التواتر. وهي مذكورة في كتب الأخبار.

وما يورد عليها من معارضتها بما دلّ على الطهارة من مستفيضة اخرى فليحمل على الكراهة واضح الفساد ؛ إذ مع بعد الحمل المذكور لا داعي إليه مع موافقة تلك الروايات لمذاهب العامة ، بل وما أطبق عليه أئمّتهم ، مضافا إلى مخالفتها لظاهر الكتاب واطراحها بين الأصحاب.

حجة الجواز بعد الأصل قوله تعالى : ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ ) (٨) الشامل لما باشروه بالرطوبة كما هو الغالب في المطعومات القريبة من الفعل ، بل هو الذي ينبغي أن يراد من الآية ؛ إذ حلّية غير ما باشروه بالرطوبة مما لا كلام فيه ، ويتساوى فيه أهل الكتاب وسائر الكفار وظواهر كثير من الأخبار.

ويرد على الجميع أنه لا يعوّل على الأصل بعد (٩) قيام الدليل ، والمراد بالطعام في الآية الشريفة هو الحبوب أو ما أشبهها [ على حدّ ] (١٠) تعبيره بذلك في روايات أهل البيت عليهم‌السلام.

وعن جماعة من أهل اللغة تخصيصه بالحنطة ونحوها من الحبوب.

وحكى في المجمل (١١) عن بعض أهل اللغة (١٢) أن الطعام البر خاصة ، وهو من الإطلاقات الشائعة له في العرف. ومع تسليم إطلاق الآية الشريفة فلا مزيد (١٣) على الإطلاق ، فيقيّد بما

__________________

(٨) المائدة : ٥.

(٩) في ( ألف ) : « بعدم ».

(١٠) الزيادة منّا لإصلاح العبارة.

(١١) نقل عنه العلامة في منتهى المطلب ١ / ١٦٨.

(١٢) كتاب العين ٢ / ٢٥.

(١٣) في ( د ) : « يزيد ».

٤٢٠