تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

أحدها : إنّ ما (١) ذكر من الفضل إنما هو في عيادة المؤمن ، وأما الكفّار من سائر الملل الفاسدة فلا رجحان لعيادتهم. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : في أهل الذمة « لا تساووهم في المجلس ولا تعودوا مريضهم ولا تشيّعوا جنائزهم » (٢) (٣).

وحينئذ يحتمل القول بالتحريم من جهة ظاهر النهي إلا أن القول به لا يخلو من (٤) بعد ، والرواية غير صالحة للاعتماد في مقام التحريم.

وكيف كان ، ففيها دلالة على جريان الحكم في غير أهل الذمة بالأولى.

وأما غير أهل الحقّ من سائر الفرق الضالّة من أهل الإسلام فقد يحتمل رجحان عيادتهم لاندراجهم في المسلمين.

وقد ورد التعبير بالمسلم في المقام في بعض الأخبار إلا أن الظاهر خلافه ؛ إذ لا حرمة لهم. وقد ورد النهي عن موادّتهم.

نعم ، إن (٥) كان من أرحامه لم يبعد القول برجحان عيادته ، سيّما بالنسبة إلى الوالدين (٦) ، ولو حصل هناك جهة خارجة كالترغيب باعثة على إظهار المودة كالترغيب في المذهب أو التقية ، فلا إشكال في رجحان العيادة ، بل قد تجب حينئذ.

ولذا اورد (٧) التأكيد في عيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم وحسن السيرة معهم. وحينئذ فقد يجري نحوه في عيادة الكفار أيضا.

وأما الفسّاق من أهل الإيمان فالظاهر استحباب عيادتهم ؛ لإطلاق الأدلة.

نعم ، جريان الحكم في بعض مقتر في الكبائر كتارك الصلاة وصاحب النرد والشطرنج

__________________

(١) في النسخ المخطوطة : « إنما ».

(٢) في ( د ) : « اجنازهم ».

(٣) بحار الأنوار ٧٢ / ٣٩٢ ، باب النهى عن مراودة الكافر ومعاشرتهم ، ح ١٤.

(٤) في ( د ) : « عن ».

(٥) في ( د ) : « لو ».

(٦) في ( د ) : « زيادة هذا ».

(٧) في ( د ) : « ورد ».

٣٨١

ونحوهم محلّ إشكال.

وقد ورد في بعض الأخبار النهي عن عيادة بعض هؤلاء ، وقد يحمل على الكراهة.

ثانيها : أنه قد دلّت عدة من الأخبار على سقوط العيادة عن المرأة ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « يا علي! ليس على النساء جمعة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (١). وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ليس على النساء عيادة » (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة ولا عيادة مريض ولا اتّباع جنازة » (٣).

وقضية هذه الأخبار سقوط العيادة عن المرأة ولو بالنسبة إلى مثلها أو أقاربها أو (٤) أرحامها.

وهو بعيد جدّا مخالف لإطلاق الروايات وسائر العمومات الدالّة على رجحان صلة الأرحام والتودّد إلى أهل الإيمان ونحوها.

فحمل هذه الأخبار على إرادة الرخصة وبيان عدم الاهتمام في شأنهنّ على نحو الرجال ليس ببعيد.

ويشير إليه اقترانه بسقوط الجماعة والأذان والإقامة عنها مع مشروعيتها في شأنها ورجحان الإتيان بها في الجملة إلا أنها لا تأكّد لها بالنسبة إليها.

ثالثها : أنه يستحب في العيادة امور :

منها : تخفيف الجلوس عنده إلا أن تحبّ ذلك ويريده ويسأله ذلك (٥) ، وعن الصادق عليه‌السلام : « تمام العيادة أن تضع يدك على ذراعه وتعجّل القيام من عنده ، فإن عيادة النوكى أشدّ على

__________________

(١) الخصال : ٥١١.

(٢) دعائم الإسلام ١ / ٢١٨.

(٣) الخصال : ٥٨٥ ، وفيه : « الجنائز ».

(٤) في ( د ) : « و ».

(٥) ليس في ( د ) : « ويريده ويسأله ذلك ».

٣٨٢

المريض من وجعه » (١).

ومنها : أن يضع العائد إحدى يديه على الأخرى أو على جبهته (٢). ويحتمل أن يكون الوجه فيه إظهار التحزن عليه كما هو الشائع في وضع اليد على الجبهة ، فقد يحمل ذلك إذن على المثال.

ومنها : أن يضع العائد يده على ذراع المريض أو عليه مطلقا. وقد تقدم ذكر ذلك في الرواية المتقدمة.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله : كيف هو؟ كيف أصبحت وكيف أمسيت؟ وتمام تحيتكم المصافحة » (٣).

ومنها : أن يدعو للمريض ، فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من دخل على مريض فقال : أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك ـ سبع مرات ـ شفي ما لم يحضر أجله » (٤).

وعن سلمان قال : دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعودني وأنا مريض. فقال : « كشف الله ضرّك وعظّم أجرك وعافاك في دينك وجسدك إلى مدة أجلك » (٥).

وعن علي عليه‌السلام : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل على مريض قال : « اذهب البأس ربّ الناس واشف أنت الشافي ولا شافي إلا أنت » (٦).

وعن الصادق عليه‌السلام أنه عاد مريضا فقال له : « نسأل (٧) الله العافية ولا أنساك الشكر

__________________

(١) الكافي ٣ / ١١٨ ، باب في كم يعاد المريض وقدر ما يجلس عنده وتمام العيادة ، ح ٤.

(٢) زيادة في ( د ) : « فعن علي عليه‌السلام ان من تمام العيادة أن يضع العائد احدى يديه على الأخرى أو على جبهته ».

(٣) مكارم الأخلاق : ٣٦٠.

(٤) الدعوات : ٢٢٣ ؛ بحار الأنوار ٧٨ / ٢٢٤ ، باب ثواب عيادة المريض ، ح ٣٢.

(٥) الأمالي ، الشيخ الطوسي : ٦٣٢.

(٦) بحار الأنوار ٧٨ / ٢٢٢ ، باب ثواب عيادة المريض ، ح ٢٤.

(٧) في ( ألف ) : « فسأل ».

٣٨٣

عليها » (١).

وعن أحدهما عليهما‌السلام : « إذا دخلت على مريض فقل : اعيذك بالله العظيم ربّ العرش العظيم من كلّ عرق فعار ومن شرّ حرّ النار ـ سبع مرات ـ » (٢).

ومنها : دعاء المريض للعائد. فعن الصادق عليه‌السلام : « من عاد مريضا في الله لم يسأل المريض للعائد شيئا إلا استجاب الله له » (٣).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « عودوا مرضاكم واسألوهم الدعاء ، فإنه يعدل دعاء الملائكة » (٤).

وربما يفيد استجابة دعاء المريض للعائد ولغيره.

ومنها : تكرار العيادة مع بقاء المرض. فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « العيادة ثلاثة والتعزية مرة » (٥).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « اغبوا في العيادة واربعوا إلا أن يكون مغلوبا » (٦).

وكأن المراد بالغب في العيادة أن يعوده يوما دون يوم وبالربع أن يعوده يوما دون أربع (٧).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « العيادة بعد ثلاثة أيام » (٨).

( وكأنّ المراد أنّه يعاد المريض بعد ثلاثة أيّام من مرضه أو يراد به وقوع العيادة كلّ مرّة بعد ثلاثة أيّام ) (٩).

__________________

(١) الأمالي ، للشيخ الطوسي : ٦٣٢ وفيه : « أنساك الله العافية ».

(٢) بحار الأنوار ٩٢ / ٣٤ ، باب عوذة الحمى وأنواعها ، ح ١٧.

(٣) ثواب الاعمال : ١٩٤.

(٤) وسائل الشيعة ٢ / ٤٢١ ، باب استحباب التماس العائد دعاء المريض ، ح ٥.

(٥) مكارم الأخلاق : ٣٦١.

(٦) الأمالي ، للشيخ الطوسي : ٦٣٩.

(٧) ليس في ( د ) : « أربع ».

(٨) دعائم الإسلام ١ / ٢١٨.

(٩) الزيادة بين الهلالين غير مذكورة في ( ألف ).

٣٨٤

وعن الصادق عليه‌السلام : « لا يكون عيادة أقل من ثلاثة أيام فإذا وجبت فيوم ويوم لا ويومين لا ، وإذا طالت المرض ترك المريض وعياله » (١).

ويحتمل أن يراد من الفقرة الأولى أنه لا عيادة قبل مضي ثلاثة أيام من المرض ، فيوافق الرواية المتقدمة بالتفسير الأول ، وأن يراد به أن أقلّ العيادة أن يعوده ثلاثة أيام ، وبعد ذلك يعوده غبا يوما (٢) دون يومين أو أن أقلّ العيادة أن يعوده في كل عشرة أيام ، فيوافق الرواية السابقة بالتفسير الأخير.

ومنها : ترك العيادة مع طول المرض ، فيترك المريض مع عياله كما في الفقرة الأخيرة من الرواية المتقدمة.

وكأنّ المراد به ترك العيادة حينئذ بعد الإتيان بها على الوجه المتقدم ، فلو لم يعده من أول الأمر إما لمانع كغيبة (٣) ونحوها أو لا لمانع ، فلا يظهر من الرواية سقوط العيادة ( ويحتمل الإطلاق.

وكيف كان ، فكأن المراد به طول المرض خارجا عن المعتاد وسقوط العيادة ) (٤) حينئذ إما على سبيل الرخصة فالساقط إذن تأكد الاستحباب ، أو مطلقا مع كون الساقط حينئذ مطلق العيادة بالمرة ، أو خصوص وقوعها على النحو المقدم دون عيادته أحيانا.

ومنها : أن يرجّيه في العافية ، فعنه عليه‌السلام : « إذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئا وهو يطيب النفس » (٥).

ومنها : أن لا يأكل عنده ، فعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأكل العائد عند العليل ، فيحبط الله أجر عيادته » (٦).

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٣٦٠ ، وفيه : « إذا طالت العلة ».

(٢) في ( د ) : « ويوما ».

(٣) في ( د ) : « كغيبته ».

(٤) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٥) بحار الأنوار ٧٨ / ٢٢٥ ، باب ثواب عيادة المريض ، ح ٣٣.

(٦) دعائم الإسلام ١ / ٢١٨.

٣٨٥

ومنها : أن يهدي العائد إليه شيئا من تفاحة أو سفرجلة أو قطعة من عود ونحو ذلك ، فعن مولى الصادق عليه‌السلام قال : « مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده ونحن عدة من مواليه فاستقبلنا عليه‌السلام في بعض الطريق فقال : « أين تريدون؟ » فقلنا : نريد فلانا نعوده. قال : « قفوا ». فوقفنا. قال : « مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود بخور؟ » فقلنا : ما معنا من هذا شي‌ء. قال : « أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه؟ » (١).

__________________

(١) مكارم الأخلاق : ٣٦١.

٣٨٦

تبصرة

[ في الوصية ]

نصّ جماعة من الأصحاب من غير ظهور خلاف فيه بوجوب الوصية بالحقوق الواجبة عليه سواء كانت لله أو للناس.

وقد ورد في المستفيضة أن « الوصية حقّ على كل مسلم » (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ينبغي (٢) لامرئ مسلم أن يبيت إلا ووصيته تحت رأسه » (٣).

وعنه عليه‌السلام : « من مات بغير وصية مات ميتة الجاهلية » (٤).

والذي يقتضيه التأمل في الأدلة أن يقال : إن الحق الذي عليه إن كان مضيقا يمكن أداؤه حالّا وجب عليه ذلك ، فلا باعث في تأخيره وإن كان موسّعا تخيّر بين تنجيزه والإيصاء به.

ولا ريب في وجوب الإيصاء عند التأخير مع ظنّ الفوت بل مع خوفه.

وأما مع ظنّ السلامة فالظاهر عدم الوجوب ؛ للأصل والسيرة الجارية ، وكذا في الحقّ المضيّق مع عدم تمكنه من الأداء معجّلا إذا أمكن تفريق ذمّته بعد ذلك.

ثم إن مجرد الإيصاء غير كاف في ذلك ، بل لا بدّ من الإيصاء به على وجه يحكم به شرعا ، فلا بدّ من الإشهاد عليه ؛ إذ مجرد الوصية مع عدم الثبوت ... (٥)

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣ ، باب الإشهاد على الوصية ح ٤.

(٢) في ( ألف ) : « ما لا ينبغي ».

(٣) مكارم الأخلاق : ٣٦٢.

(٤) روضة الواعظين : ٤٨٢.

(٥) كذا ، والعبارة ناقصة.

٣٨٧

نعم ، إذا علم تمكن الوصيّ من إنجازه مع عدمه اكتفى به ، والظاهر أن القدر الواجب من ذلك هو الإعلام بالحال على وجه يثبت شرعا حسب ما ذكرنا حيث يؤدّى عنه بعد وفاته.

ولا يبعد صدق الوصية في المقام على ذلك ، وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ، بل ولو لم يصرّح بدفع ذلك عنه (١).

وحينئذ فلا يدخل ذلك في (٢) عنوان الوصية المعروفة ، ومع ظنّه عدم إمضاء وصيّته بعد موته ، فإن أمكنه أداء الحق في حياته تعيّن عليه ذلك ، وإلّا ففي وجوب الوصية حينئذ وجهان كان أوجههما الوجوب إلا مع القطع عادة بعدم ترتب ثمرة عليه.

وفي وجوب الوصية بالحقوق الغير المالية مما لا يجب ذلك في ماله بدون الوصية كقضاء العبادات إذا لم يكن هناك من يجب القضاء عنه ، أو كان وعلم عدم الإتيان به ففي وجوبه وجهان.

وظاهر القاعدة يقضي بالوجوب.

والذي يتلخّص مما ذكرناه هو وجوب الوصية بكل حقّ واجب عليه قصّر في أدائه أولا إذا لم يتمكن من أدائه في الحال ، أو لم يجب عليه حينئذ أداؤه ، وكان في ترك الوصية به خوف ضياع الحق ، فيجب عليه الإيصاء به ، فإن كان مما يكتفي مجرد الثبوت في الإتيان به كاستيجار الحج أو دفع الزكاة أو الخمس أو سائر الحقوق المالية كفى الإعلام بالحال على حسبما مرّ.

وإن توقّف الإتيان عليه أمره (٣) بذلك كغير الحقوق المالية مما ثبت في ذمّته فلا يبعد القول بوجوب الوصية بتحصيل تفريغ ذمّته منه ، ولو ببذل المال.

ثم إنّ الوصية في نفسها من السنن الأكيدة سيّما في حال المرض ، قد أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام. وفي الإطلاقات المتقدمة أقوى دلالة عليه.

__________________

(١) في ( ألف ) هنا زيادة : « وإن لم يأمر أحدا بمباشرة ذلك ».

(٢) ليس في ( د ) : « في ».

(٣) في ( د ) : « الإتيان به على أمره ».

٣٨٨

وقد ورد في غير واحد من الأخبار أن « الوصية تمام ما نقص من الزكاة » (١).

وكأنّ المراد به نظير ما ورد من أن « النافلة الراتبة تمام ما نقص من صلاة الفريضة » (٢) وأنّ « غسل الجمعة تمام ما نقص من الوضوء » (٣).

ويظهر من بعض المحدّثين أن المراد بذلك وجوب الوصية بما بقي من الزكاة.

وهو كما ترى.

وفي مرفوعة محمد بن يحيى ، عنهم عليهم‌السلام قال : « من أوصى الثلث احتسب له من زكاته » (٤).

وكأن المراد به ثبوت أجر الزكاة فيه إذا كانت وصية في المصارف الراجحة ووجوه البرّ سيّما إذا كان أوصى به للفقراء والمساكين.

وأما قيام ذلك مقام الزكاة حقيقة كما هو الظاهر منها فالظاهر أنه لا (٥) قائل به.

وروي عن بعض الأئمة عليهم‌السلام أنه قال : « إن الله تبارك وتعالى يقول : يا بن آدم! تطولت عليك بثلاث : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك ، وأوسعت عليك فاستقرضت منك فلم تقدّم خيرا ، وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدّم خيرا » (٦).

وعن الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام قال : « من أحب أن يوصي (٧) عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ضمّ عمله بمعصية » (٨).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٨٢ ، باب في أن الوصية تمام ما نقص من الزكاة ح ٥٤١٣.

(٢) لم نعثر عليه وإنما وجدناه في علل الشرائع ٢ / ٣٢٨ عثمان بن عبد الملك عن أبي بكر قال : لي أبو جعفر (ع) : « أتدري لأي شي‌ء وضع التطوع؟ ... إلى أن قال : لأنه إن كان في الفريضة نقصان قضيت النافلة على الفريضة حتى تتم ... ».

(٣) انظر علل الشرائع ١ / ٢٨٥ ، باب علة وجوب غسل يوم الجمعة ح ١.

(٤) وسائل الشيعة ١٩ / ٢٦٠ ، باب وجوب الوصية بما بقي في الذمة من الزكاة ، ح ٣ وفيه : « بالثلث ».

(٥) في ( د ) : « مما لا ».

(٦) الخصال : ١٣٦.

(٧) في ( د ) : « من لم يوص ».

(٨) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٨٣.

٣٨٩

ويستحب أن يحسن وصيته عند الموت ، ففي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « يا علي! من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروته ولم يملك الشفاعة » (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من لم يحسن عند الموت وصيته كان نقصا في مروته وعقله » (٢).

وعنه ، عن أبيه عليهما‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : قال عليه‌السلام : « من أوصى ولم يحف ولم يضار كان كمن تصدّق به في حياته » (٣).

وعنه عليه‌السلام : « إن أجّلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك » قيل له : وما تلك الاستعانة؟ قال : « تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه » (٤) (٥).

وعنه عليه‌السلام أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت كان نقصا في مروته وعقله ». قيل : يا رسول الله! كيف يوصي الميّت إذا حضرته وفاته واجتمع الناس إليه؟ قال : « اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم ، اللهم إني أعهد إليك في دار الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأن الجنة حق والنار حق ، وأن البعث حق والحساب حق ، والميزان حق ، وأن الدين كما وصفت ، وأن الإسلام كما شرعت ، وأن القول كما حدّثت ، وأن القرآن كما أنزلت ، وأنك أنت الله الحق المبين ، جزى الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الجزاء خصّ (٦) محمد [ ا ] وآل محمد بالسلام ، اللهم يا عدتي عند كربتي وصاحبي عند شدّتي ويا ولييّ عند (٧) نعمتى ، إلهى وإله آبائى لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ، فإنك إن وكلتني إلى نفسي أقرب من الشر وأبعد من الخير ، وآنس في القبر وحشتي ، واجعل لي عهدا يوم القاك منشورا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٩ / ٢٦٦ ، باب استحباب حسن الوصية عند الموت ، ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٩ / ١٧٤.

(٣) الكافي ٧ / ٦٢ ، باب النوادر ، ح ١٨.

(٤) في ( د ) : « وبحكمه ».

(٥) الكافي ٨ / ١٥٠.

(٦) في ( د ) : « حيّى ».

(٧) ليس في ( د ) : « عند ».

٣٩٠

ثم يوصى بحاجته ، وتصديق هذه الوصية في القرآن في السورة التي يذكر فيها مريم في قوله عزوجل : ( لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً ) (١) ، فهذا عهد الميت والوصية حق على كل مسلم أن يحفظ هذه الوصية ويعلمها.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « علّمنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علّمنيها جبرئيل عليه‌السلام ، وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : تعلّمها أنت وعلّمها أهل بيتك وشيعتك » (٢).

__________________

(١) مريم : ٨٧.

(٢) الكافي ٧ / ٢ ، باب الوصية وما أمر بها ، ح ١ مع اختلاف يسير.

٣٩١

تبصرة

[ في التوبة والإنابة ]

ويجب عليه التوبة من جميع الذنوب والآثام ، فإن التوبة هادم لجميع الذنوب ، وهي من الواجبات الفورية سيّما في حال المرض. فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر توبوا إلى ربّكم قبل أن تموتوا ، وبادروا بالأعمال الزكية قبل أن تشتغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه » (١).

وعنه عليه‌السلام : « من تاب قبل موته بسنة قبل الله توبته ». ثم قال : « إن السنة لكثير ، من مات قبل موته بشهر قبل الله توبته ». ثم قال : « إن الشهر لكثير ، من تاب قبل موته بجمعة قبل الله توبته ». ثم قال : « إن يوما لكثير » من تاب قبل أن يعاين قبل الله توبته » (٢).

ويستحب حسن الظن بالله سيّما عند الموت. فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل ، فإن حسن الظن بالله ثمن الجنة » (٣).

وفي الصحيح ، عن مولانا الرضا عليه‌السلام : « أحسن الظنّ بالله فإن أبا عبد الله عليه‌السلام كان يقول : من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به » (٤).

وعن الباقر عليه‌السلام قال : « وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال على منبره : والذي لا إله الّا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن الظن بالله ورجائه وحسن خلقه والكف عن اغتياب المؤمنين .. » إلى أن قال عليه‌السلام : « والذي لا إله إلا هو لا يحسن

__________________

(١) الدعوات : ٢٣٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ / ٨٧ ، باب صحة التوبة في آخر العمر ، ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢ / ٤٤٨ ، باب استحباب حسن الظن بالله عند الموت ، ح ٢.

(٤) الكافي ٨ / ٣٤٧.

٣٩٢

ظنّ عبد مؤمن إلا كان الله عند ظنّ عبده المؤمن لأنه (١) كريم بيده الخير و (٢) يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظنّ ثم يخلفه ظنّه ورجاه فأحسنوا بالله الظنّ وارغبوا إليه » (٣).

وروى الصدوق بإسناده ، عن مولانا العسكري عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : سئل الصادق عليه‌السلام عن بعض أهل مجلسه فقيل : عليل ، فقصده عائدا وجلس عند رأسه فوجده دنفا. قال : « أحسن ظنّك بالله فقال : أما ظني بالله فحسن .. » (٤) الخبر.

وروى ابن فهد مرسلا عنهم عليهم‌السلام أنه : « ينبغي في حالة المرض خصوصا مرض الموت أن يزيد الرجاء على الخوف » (٥).

وعدّ بعض الأصحاب حسن الظن بالله من الواجبات ؛ نظرا إلى بعض الأخبار المذكورة وغيرها.

وهو محلّ تأمّل.

ودلالة الأخبار المذكورة على الوجوب غير ظاهرة.

نعم ، اليأس من رحمة الله من أعظم الكبائر ، وهو أمر آخر.

ويستحبّ إكثار ذكر الموت والاستعداد له بالأعمال الصالحة ، وقصر الأمل في الدنيا الفانية ، والرغبة في الآخرة الباقية وفي رضوان ربّ العالمين ومرافقة الأنبياء والمرسلين والأوصياء المرضيين والملائكة المقرّبين وعباد الله الصالحين.

فعن الباقر عليه‌السلام قال : « سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أىّ المؤمنين أكيس؟ قال : أكثرهم ذكرا للموت وأشدهم له استعدادا » (٦) (٧). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « أكثروا من ذكر هادم اللذات ما ذكر في كثير

__________________

(١) في ( د ) : « لأن الله ».

(٢) ليس في ( د ) : « و ».

(٣) الكافي ٢ / ٧٢ ، باب حسن الظن بالله عزوجل ح ٢ وفيه : « قال ـ وهو على منبره ـ : والذي .. ».

(٤) عيون أخبار الرضا ١ / ٧.

(٥) عدة الداعي : ٢٨ ، بحار الأنوار ٧٨ / ٢٤٢ ، باب آداب الاحتضار واحكامه ، ح ٢٧.

(٦) في ( د ) : « استعدادا ».

(٧) الكافي ٣ / ٢٥٨ ، باب النوادر ، ح ٢٧.

٣٩٣

إلّا قلّله ولا في قليل إلّا كثّره » (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « استحيوا من الله حقّ الحياء » (٢). فقيل يا رسول الله! كيف (٣) نستحيي من الله حق الحياء؟ فقال : « من حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وترك زينة الحياة الدنيا وذكر الموت والبلاء فقد استحى من الله حق الحياء » (٤).

وقال علي عليه‌السلام : « ما أنزل الموت حق منزلته من عدّ غدا من أجله » (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : « من عدّ غدا من أجله فقد (٦) أساء صحبة الموت » (٧).

[ و ] عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل » (٨).

وعن الباقر عليه‌السلام : « أكثر ذكر الموت ، فإنه لم يكثر ذكر الموت أحدا (٩) إلا زهد في الدنيا » (١٠).

__________________

(١) كنز العمال ١٥ / ٥٤٢ ، وفيه : « هادم اللذات فإنه لا يكون في كثير الا قلله ولا في قليل إلّا أجزأه ».

(٢) قرب الإسناد : ٢٣.

(٣) في ( د ) : « وكيف ».

(٤) روضة الواعظين : ٤٦٠ باختلاف.

(٥) الكافي ٣ / ٢٥٩ ، باب النوادر ، ح ٣٠.

(٦) في ( ألف ) : « فقه ».

(٧) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣٩.

(٨) الكافي ٣ / ٢٥٩ ، باب النوادر ، ح ٣٠.

(٩) في ( د ) : « أحد ».

(١٠) الكافي ٢ / ١٣١ ، باب ذم الدنيا والزهد فيها ، ح ١٣ وفيه : « لم يكثر إنسان ذكر الموت إلّا زهد في الدنيا ».

٣٩٤

تبصرة

[ في توجيه المؤمن إلى القبلة حال الاحتضار ]

يجب توجيهه إلى القبلة حال السوق يعني حال الاحتضار ـ أعاننا الله عليه وثبّتنا الله بالقول الثابت لديه ـ عند جماعة من الأصحاب منهم المفيد (١) والشيخ في النهاية (٢) والديلمي والقاضي (٣) والطوسي (٤) والحلّي (٥) والمحقق في الشرائع (٦) والعلامة (٧) في بعض كتبه. واختاره القطيفي وجماعة من المتأخرين.

وفي الهادي إلى الرشاد : أن الفتوى على الوجوب ؛ لأنه سنّة للمسلمين مستمرة بين الصحابة والتابعين. وظاهرها الوجوب.

وفي البحار (٨) والحدائق (٩) : إنه المشهور بين الأصحاب.

وفي الذكرى (١٠) : إنه الأشهر خبرا وفتوى. ونصّ على الشهرة بعد ذلك.

وعزاه الفاضل التستري إلى أكثر الأصحاب.

__________________

(١) المقنعة : ٩٥.

(٢) النهاية : ٦٢.

(٣) المهذب ١ / ٥٣.

(٤) الوسيلة : ٦٢.

(٥) انظر السرائر ١ / ١٥٨.

(٦) شرائع الإسلام ١ / ٢٩.

(٧) تحرير الأحكام ١ / ١١٣.

(٨) بحار الأنوار ٧٨ / ٢٣١.

(٩) الحدائق الناضرة ٣ / ٣٥٢.

(١٠) الذكرى : ٣٧.

٣٩٥

وقوّى القول بالاستحباب كما هو واضح مختار الشيخ في الخلاف (١) ، وظاهر المبسوط (٢) ، والمحقق في المعتبر (٣) ، وجماعة من المتأخرين منهم السيد في المدارك (٤) وصاحب الذخيرة (٥) وكشف اللثام (٦).

وأسنده في التذكرة (٧) إلى الباقين (٨) بعد إسناد الوجوب إلى المفيد والديلمي. وظاهر العلامة في التذكرة والقواعد (٩) التوقف في المسألة حيث ذكر القولين من غير ترجيح.

ويدلّ على المختار ما رواه الصدوق في الفقيه (١٠) مرسلا ، وفي العلل (١١) مسندا عن علي عليه‌السلام قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على رجل من ولد عبد المطلب ، فإذا هو في السوق وقد وجّه إلى غير القبلة ، فقال : وجّهوه إلى القبلة ، فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عليه بوجهه ، فلم يزل كذلك حتى يقبض ».

ورواه في الدعائم (١٢) عنه عليه‌السلام.

وهذه الرواية أوضح روايات الباب دلالة. وظاهر الصدوق اعتماده عليها حيث ذكره في عدّة من كتبه سيّما الفقيه مع ضمانه صحة جميع ما فيه.

وقد يناقش في دلالته بأن ظاهر التعليل يومي إلى إرادة الاستحباب مع ما هو ظاهر من

__________________

(١) الخلاف ١ / ١٠١.

(٢) المبسوط ١ / ١٧٤.

(٣) المعتبر ١ / ٢٥٨.

(٤) مدارك الأحكام ٢ / ٥٤.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / ٨٠.

(٦) كشف اللثام ٢ / ٢٠١.

(٧) تذكرة الفقهاء ١ / ٣٣٧.

(٨) في ( د ) : « الماضين ».

(٩) قواعد الأحكام ١ / ٢٢٢.

(١٠) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٣٣.

(١١) علل الشرائع ١ / ٢٩٧.

(١٢) دعائم الإسلام ١ / ٢١٩.

٣٩٦

كثرة استعمال الأمر في الاستحباب.

ووهنه ظاهر.

وربما قيل : إنه قضية في واقعة ، فلا يعمّ.

وهو أيضا كما ترى.

ورواية معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الميّت؟ قال : « استقبل بباطن قدميه القبلة » (١).

وظاهر الأمر الوجوب ، والظاهر حمل الميت على المشرف بالموت (٢) ؛ إذ هو مجاز شائع ، بل قضية ما ذكره جماعة من أهل اللغة أن الميّت ـ بالتشديد ـ الذي لم يمت بعد ، وبالتخفيف من فارقه الروح.

وحينئذ فلا حاجة إلى التأويل في الخبر المذكور وغيره.

مضافا إلى [ أنّ ] حال الاحتضار هو الزمان المعهود لاستقبال الميت ، ومراعاة الاستقبال أهمّ (٣) بالنسبة إليه ، فحمل الرواية عليه هو الأولى من البناء على تركه وذكر غيره.

وصحيحة سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا مات لأحدكم ميت فسجوه (٤) تجاه القبلة ، وكذلك إذا غسل يحضر له موضع المغتسل تجاه القبلة ، فيكون مستقبل باطن قدميه ووجهه إلى القبلة » (٥).

وهذه الرواية أصحّ ما في الباب سندا إلا أن دلالتها على المدّعى محل مناقشة ؛ لظهورها في استقباله القبلة بعد الموت ، وهو غير المدّعى.

وقد يقال : إن المراد بالموت الإشراف عليه كما هو شائع في الاستعمالات حسب ما أشرنا

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٢٧ ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح ٢.

(٢) في ( د ) : « للموت ».

(٣) في ( ب ) : « أعم ».

(٤) في ( د ) : « فسبحوه ».

(٥) الكافي ٣ / ١٢٧ ، باب توجيه الميت إلى القبلة ، ح ٣ وفيه : إذا غسل يحفر له موضع المغتسل تجاه القبلة فيكون مستقبلا بباطن قدميه ... ».

٣٩٧

إليه.

ويشكل بأنه مجاز لا يصار إليه إلا مع قيام القرينة عليه ، وهي منتفية في المقام ، بل ذكر السجية يومي إلى كونه بعد الموت لاستحبابها حينئذ كما يأتى إن شاء الله.

ويمكن أن يقال : إنه لو حمل على ذلك لكان الاستقبال حينئذ واجبا بعد موته ، ولا قائل بوجوبه ( كذلك. نعم ، بعض من يقول بوجوبه حين الاحتضار يقول بوجوبه بعده ، ففيها إذن دلالة على وجوبه ) (١) حين الاحتضار بالالتزام.

وقد يحمل الأمر (٢) على الندب إلا أنه يبعده ـ مع خروجه عن ظاهر اللفظ ـ أنها تفيد إذن انتفاء استحبابه حال الموت ؛ لاشتراط استحباب الاستقبال بتحقق الموت. ويجري ذلك بناء على حمله على الوجوب أيضا ، فيترجّح بذلك حمل الرواية على الوجه المتقدم.

مضافا إلى ما أشرنا إليه من كون بيان ذلك لحال الاحتضار أهمّ فبعيد ترك بيانه في المقام وذكر غيره ، ويؤيد اعتضاده بفهم الجماعة ومراعاة الحائطة.

ومنها : ما روي عن الصادق عليه‌السلام قال : « جرى في البرّاء ابن معرور الأنصاري ثلث من الستين منها أنه لما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فأمر أن يحول وجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصى بالثلث من ماله ، فنزل الكتاب بالقبلة وجرت السنّة بالثلث .. » (٣) الخبر.

وربما يحتج على ذلك بصحيحة (٤) ذريح المحاربي ، عن الصادق عليه‌السلام في حديث قال : « إذا (٥) وجهت الميت للقبلة فاستقبل بوجهه القبلة ولا تجعله معترضا (٦) كما يجعل الناس ، فإني رأيت أصحابنا يفعلون وقد كان أبو بصير يأمر بالاعتراض » (٧).

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٢) زيادة في ( د ) : « حينئذ ».

(٣) الكافي ٣ / ٢٥٥ ، باب النوادر ، ح ١٦ مع اختلاف.

(٤) في ( د ) : « بصحيحة ».

(٥) في ( ألف ) : « إذا قال ».

(٦) في ( د ) : « معرضا ».

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦٥.

٣٩٨

والاعتراض المتقدم جار في المقام ، مضافا إلى عدم دلالته على وجوب الاستقبال وإنما يفيد كيفيّته.

وقد يقال : إنّ المستفاد منها مطلوبية الاستقبال في الجملة ، وهو ظاهر في الوجوب حتى يثبت الإذن في الترك.

وهو كما ترى.

وفي قوله : « ولا تجعله معترضا كما تجعله (١) الناس » إشارة إلى أن ذلك في حال الاحتضار ، فإنهم يوجّهون الميت حال احتضاره على الوجه المذكور.

ورواية ابراهيم الشعيري ، عن الصادق عليه‌السلام أنه قال في توجيه الميت : « يستقبل بوجهه القبلة ويجعل قدميه مما يلي القبلة » (٢).

وهي أيضا واردة في بيان كيفية التوجيه لا حكمه ؛ لكنّها لا تخلو من (٣) تأييد لما ذكرناه.

وفي الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر » (٤).

حجة القول بالاستحباب الأصل ، وعدم وضوح دلالة الأخبار على وجوب الاستقبال حين الاحتضار ، بل إشعار بعضها بالاستحباب حسبما مرّ ذكره.

ويدفعها ما عرفت من دلالة الأخبار عليه سيّما بعد الاعتضاد بفهم الجماعة.

وربما يورد عليها أيضا بأنه لو بني على كون مورد تلك الأخبار ما بعد الموت حسبما مرّ الكلام فيه كان الحكم في الاستحباب قبل تحقيق الموت خاليا عن الدليل ، فلا وجه إذن لحكم هؤلاء بالاستحباب ؛ إذ هو أيضا حكم شرعي يتوقف على قيام دليل شرعي عليه.

وفيه : أنّ الرواية الأولى قد دلّت على ثبوت الرجحان في خصوص المحتضر ، وضعفها

__________________

(١) في ( د ) : « يجعله ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٢٨٥.

(٣) في ( د ) : « عن ».

(٤) دعائم الإسلام ١ / ٢١٩.

٣٩٩

لا يمنع من العمل بها في مقام الاستحباب ، بل ولا عند من لا يتسامح فيه لانجباره باتفاق الأصحاب ؛ إذ لم نجد قائلا بعدم رجحانه سوى ما يحكى عن بعض العامة.

ثم إن كيفية الاستقبال في المقام حسب ما ذكر في الأخبار المذكورة أن يستلقى الميت على ظهره نحو القبلة ويستقبل القبلة بباطن قدميه بحيث لو جلس كان مستقبلا. وما حكي عن أبي بصير من الأمر بالاعتراض محمول على (١) التقية منه أو ممن أمره به من الأئمة عليهم‌السلام فإنه منقول عن أبي حنيفة ، وقد جعل الاستقبال في المقام على نحو الاستقبال في الدفن.

ولو لم يمكن توجيهه على النحو المذكور لقصر المكان فالظاهر استقباله على وجه الجلوس مع مدّ رجليه نحو القبلة مع الإمكان ، ولو أمكن الاعتراض على نحو القبر دون غيره ؛ نظرا إلى المكان الذي فيه مع عدم إمكان التحويل عنه ففي وجوب مراعاته وجهان.

ولا يبعد وجوب الاستقبال بمقاديم بدن المصلوب ونحوه مع عدم إمكان التوجيه على النحو المذكور.

[ تنبيهات ]

وينبغي التنبيه على امور :

أحدها : إن المكلف بتوجيهه إلى القبلة حسبما (٢) ذكروه من علم بحاله من المسلمين على سبيل الوجوب الكفائي كغيره من أحكام الميت من التغسيل والتكفين ونحوهما ، فالحال فيها كغيرها حسبما يفصّل القول فيها.

وربما يقال باختصاص الوجوب بالولي. وسيجي‌ء الكلام فيه إن شاء الله عند بيان المذكورات.

ويحتمل في المقام وجوبه على الميت مع إمكانه في شأنه ، فإن ذلك إنما يراد لمصلحته ، فهو أولى بتحصيل مصلحة نفسه.

__________________

(١) ليس في ( د ) : « على ».

(٢) زيادة : « حسبما » من ( د ).

٤٠٠