تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

واحتجّ العلامة بظاهر الآية الشريفة ؛ لدلالتها على أن أول أفعال التيمّم هو مسح الوجه ؛ لعطفها بالفاء التعقيبيّة على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الأرض ، فيكون خارجا عن ماهيّته.

وفيه : أنّ قوله تعالى ( فَتَيَمَّمُوا ) (١) دالّ عليه ، فلا حاجة إلى ذكره ثانيا ؛ إذ ليس المراد بالتيمم ـ والله أعلم ـ مطلق الصعيد ، بل القصد بالنحو الخاص أعني الضرب عليه ؛ إذ قد يكون التوجيه (٢) إليه حاصلا قبل قصد التيمّم.

ويشير إليه ظاهر الخبرين المتقدمين بل إنهما مبيّنان لمعنى التيمّم في الآية بأنه الضرب دون مطلق التوجيه (٣). وهو الوجه في حمله على التيمّم ، وإلا فلا يتّجه حمل الجزء على الكلّ ، فيكون الآية أيضا من جملة الأدلة على ما ذكرناه.

ويورد (٤) على العلامة جواز تخلل الحدث بين الضرب والمسحات كما يجوز ذلك في الوضوء بين الاغتراف وغسل الوجه ، مع أنّه مما لا يجوز في المقام.

وهو كما ترى ؛ إذ هو قائل بجواز ذلك ، وهو من فروع قوله بالخروج.

نعم ، يمكن دفعه بأصالة الاحتياط ؛ إذ لا دليل على جوازه (٥) سوى الأصل. وقد يلزم (٦) على القول بخروجه اشتراط عدم تخلل الحدث بينهما أيضا إلا أنه لا يظهر قائل به.

__________________

(١) النساء : ٤٣ والمائدة : ٦.

(٢) في ( د ) : « التوجّه ».

(٣) في ( د ) : « التوجّه ».

(٤) في ( ألف ) : « يرد ».

(٥) في ( ألف ) : « جواز ».

(٦) في ( د ) : « يلتزم ».

٣٤١

تبصرة

[ في الضرب على الأرض ]

يعتبر في الضرب امور :

أحدها : أن يكون وضعه اليدين على الأرض باعتماد بحيث يصدق معه مسمّى الضرب ؛ لورود الأمر به في عدّة من الأخبار.

وقد ورد فعله (١) في جملة من الأخبار البيانية.

وهو ظاهر معظم الفرقة ؛ للتعبير بلفظ الضرب.

وعن الشهيد والمحقق الكركي القول بكفاية الوضع ؛ استنادا إلى أن الغرض قصد الصعيد ، وهو حاصل بالوضع.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم (٢) ذكر الوضع في عدة من الأخبار الفعلية.

ويضعّف الأول أن إطلاق الآية يدلّ على ذلك ؛ لما عرفت من الدليل على التقييد.

مضافا إلى ما عرفت من تفسير التيمّم في الخبرين الناصّين بالضرب ، فكأنّه إشارة إلى بيان معنى الآية كما أشرنا إليه.

على أن البناء على إطلاق الآية مشكل للعلم بعدم إرادة قصد المطلق ، فهو أشبه بالمجمل من المطلق.

والثاني أن حكاية الأفعال لا عموم فيها والوضع (٣) إن لم يكن أعمّ مطلقا من الضرب فلا أقل من العموم من وجه ، وهو كاف في عدم الاستدلال.

__________________

(١) في ( ألف ) : « فعل ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « عرفت من تفسير التيمّم ».

(٣) زيادة في ( د ) « و ».

٣٤٢

ثانيها : أن يكون الضرب بباطن الكفين ، والظاهر الإجماع عليه ؛ إذ هو المعهود من صاحب الشريعة ، والذي جرت عليه الطريقة المستمرة المأخوذة من (١) أرباب العصمة عليهم‌السلام. وإليه ينصرف إطلاقات الأخبار المذكورة المأثورة.

ثالثها : أن يكون ضربهما على الأرض دفعة عرفية ، فلا يجوز ضرب أحدهما مرة والأخرى أخرى (٢) ؛ إذ هو الظاهر من عدة أخبار الباب كالصحيح « على الصحيح تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك » (٣) ، الخبر.

وفي صحيحة اخرى : « تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما » (٤).

وفي رواية زرارة : « تضرب بكفيك الأرض ثم تنفضهما » (٥).

إلى غير ذلك مما ورد على (٦) حكاية الأفعال.

وهل يعتبر أن يكون (٧) اليدان متقاربتين أو يكتفي بضربهما في آن واحد وإن كانتا متباعدتين؟ فقضية الإطلاقات جواز ذلك إلا أنه خلاف المعهود من الطريقة ، بل خلاف الظاهر من الأفعال البيانية. وقضية اليقين بالفراغ مراعاة ذلك. وقد عبّر جماعة منهم بوضع اليدين معا ، وهو ظاهر في وجوب ذلك.

رابعها : أن لا يكون هناك حائل بين باطن اليد والأرض ؛ إذ قضية الأخبار حصول الملاصقة بين اليد والأرض. وهو ظاهر الأصحاب. وفي شرح المفاتيح حكاية الإجماع عليه.

ويؤيده عموم المنزلة المستفادة من عدة من الأخبار ، ولا فرق بين أن يكون المانع في تمام العضو أو في بعضه ، ولا بين أن يكون المانع ( قبل الضرب أو يكتفى بالكشف عنه بعده أو

__________________

(١) في ( د ) : « عن ».

(٢) زيادة : « اخرى » من ( د ).

(٣) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح ٥٩٦ ـ ٤.

(٤) الإستبصار ١ / ١٧٢ ، باب عدد المرات في التيمّم ح ٥٩٩ ـ ٧.

(٥) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح ٥٩٥ ـ ٣.

(٦) في ( د ) : « في ».

(٧) كذا ، والأظهر : « تكون ».

٣٤٣

بتحليله تحت الأرض أو لا بدّ من رفع المانع ) (١) مما يصحّ التيمّم به كالتراب أو من غيره لعدم صدق الضرب عليه.

وهو في محلّه.

وهل يعتبر رفع المانع قبله؟ وجهان ، أظهرهما الأخير إلا أن يكون كشفه عن المحل غير متراخ عن الضرب بحيث يصدق معه ، الضرب بتمام (٢) باطن الكف دفعة عرفية.

ولا يجب ايصال جميع أجزاء باطن الكف إلى الأرض بحيث يستوعب الأجزاء المنخفضة منها كالتخاطيف الحاصلة في الكف في وجه قويّ ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وإن استيعاب ذلك معتبر في غير التراب الناعم ، وتعيّن (٣) استعماله في التيمّم مخالف لظاهر إطلاقات الروايات وكلمات الأصحاب ، بل ظاهر تجويزهم التيمّم بالحجر ونحوه قد يفيد عدم وجوب إيصال المنخفض من الراحة ؛ لعدم وصوله إليه في الغالب.

والأحوط مراعاة ذلك ، ولو كان في المواضع الغير الواصلة إلى الأرض فيها حاجب عن الوصول ، فإن كان التراب بحيث يصل إلى المحل لو لا ذلك لنعومة ونحوها قوي المنع ، وإلّا ففيه وجهان.

__________________

(١) ما بين الهلالين وردت في ( د ).

(٢) في ( ألف ) : « والضرب تمام ».

(٣) في ( ألف ) : « معيّن » بدل « وتعيّن ».

٣٤٤

تبصرة

[ في علوق المسح ]

في اشتراط بقاء العلوق للمسح قولان : فظاهر المعظم عدمه حيث أطلقوا بيانه من دون ذكر لاشتراطه سيّما من ذهب منهم إلى كون الصعيد مطلقا وجه الأرض كما هو المشهور ، خصوصا مع التصريح بجوازه على الحجر الخالي عن الغبار ، بل هو صريح في عدم اشتراطه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم العلامة (١) والشهيد (٢) والمحقق الكركي (٣) من غير إشارة إلى خلاف فيه إلا عن الإسكافي (٤) حيث ذهب إلى وجوب المسح بالغبار.

وظاهره اعتبار وجود الغبار في جميع الأجزاء الماسحة بالنسبة إلى جميع المسحات.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى اعتبار العلوق في الجملة ، ومال إليه (٥) آخرون كشيخنا البهائي (٦) والعلامة المجلسي (٧) وغيرهم.

والوجه في عدم الاشتراط الأصل وإطلاق الأخبار المبيّنة لحقيقة التيمّم (٨) القولية والفعلية ، واستحباب النفض المعلوم بالنصّ والإجماع ، وما دلّ على أن الصعيد وجه الأرض الشامل لنحو الحجر الصلب ، وما دلّ على الاكتفاء بالضربة الواحدة للوجه واليدين ؛ إذ لا

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٨١.

(٢) الألفية والنفلية : ٤٧ ، الدروس ١ / ١٣٢.

(٣) جامع المقاصد ١ / ٤٩٣.

(٤) نقل عنه الشهيد في الدروس ١ / ١٣٢.

(٥) زيادة : « إليه » من ( د ).

(٦) مشرق الشمسين : ٣٤٠.

(٧) بحار الأنوار ٧٨ / ١٤٤.

(٨) زيادة : « التيمّم » من ( د ).

٣٤٥

يبقى شي‌ء من العلوق لأجل اليدين.

ويمكن المناقشة في الأول بأن الأصل في العبادات على العكس ؛ لوجوب الأخذ بيقين البراءة بعد تيقّن الشغل ، والإطلاقات منزلة على الغالب من حصول العلوق بأنها (١) إنما تنهض حجة مع عدم (٢) المقيد ، وهو موجود كما في صحيحة زرارة الآتية.

واستحباب النفض لا يستلزم عدم بقاء شي‌ء من العلوق ، بل ظاهره يعطي حصول العلوق.

ففيه إشارة إلى انصراف الإطلاقات إلى صورة حصوله لإطلاق الأمر بالنفض.

ومن المعلوم أن مجرد النفض لا يوجب زواله بالمرة كما هو المشاهد بالتجربة ، فهو في الحقيقة من الشواهد على الاشتراط كما أشار إليه غير واحد من الأجلة.

وكأنّ الأمر به من جهة إزالة العلوق الزائد مما لعلّه يوجب التسوية (٣) ، والاكتفاء بمطلق وجه الأرض لا يأبى (٤) عن اعتبار العلوق.

غاية الأمر تقييده بصورة حصوله كما هو المتعين على القول باختصاصه بالتراب أيضا ، وما دلّ على الاكتفاء به (٥) بالضربة لا إشارة فيه إلى ما ذكر ، ومجرّد مسح الوجه لا يوجب زوال الغبار بالكلية كما هو معلوم بالامتحان ، ولو كان ذلك بعد النفض.

على أنه قد يقال بعدم اشتراط العلوق بمسح اليدين إذا زال بسبب مسح الوجه ، أو يقال بوجوب الضربة الثانية مع عدم الغبار (٦).

حجة القائل بالاشتراط أصالة الاحتياط بعد اليقين بالشغل. وظاهر الآية الشريفة على

__________________

(١) في ( د ) : « وأنّها ».

(٢) زيادة في ( د ) : « وجود ».

(٣) زيادة في ( د ) : « التشويه ».

(٤) في ( ب ) : « لا يأتي ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « به ».

(٦) في ( د ) : « البقاء ».

٣٤٦

ما في سورة [؟ ] (١) فإن الظاهر منها كون « من » تبعيضية ؛ إذ لا يفهم من قولك : « مسحت رأسي من الدهن » إلا ذلك.

وقد اعترف به الزمخشري (٢) مع مخالفته (٣) لمذهب إمامه ، قال بعد حكمه بذلك : والإذعان للحق أحقّ من المراء.

مضافا إلى الصحيحة الآتية الواردة في تفسيرها ، وصحيحة زرارة ، وفيها : « فلمّا وضع الوضوء ممن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحا ؛ لأنه قال « بوجوهكم » ثم وصل بها « وايديكم منه » ، أي ذلك التيمّم لأنه علم أن ذلك أجمع لم تجر على الوجه لأنه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها » (٤).

مضافا إلى ظاهر صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ » (٥).

ونحوه صحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : وفيها « فليمسح من الأرض » (٦).

وما ورد في عدة من الأخبار الوارد في التيمّم بالمغبّر أنه يتيمم من غبار لبد سرجه أو غير ذلك مما هو بمعناه.

ويرد عليها : أنه لا معوّل (٧) على الأصل بعد قضاء الإطلاقات بالجواز ، وأن احتمال ارادة الابتدائية قائمة في لفظة « من » في الآية ، وربما يشير إليه تركه في الآية الأخرى. ولو اريد به البعضية لوجب إرادة استيعاب التراب لجميع محل المسح كما هو الظاهر من المثال المفروض ، ولا قائل به ظاهرا سوى ظاهر ما حكي عن الإسكافي.

__________________

(١) كذا في المخطوطات.

(٢) نقل عنه بحار الأنوار ٧٨ / ١٤٣.

(٣) في ( ب ) : « مخالفة » ، وفي ( ألف ) : « مخالف ».

(٤) الكافي ٣ / ٣٠ ، باب مسح الرأس والقدمين ح ٣.

(٥) الكافي ٣ / ٦٣ ، باب الوقت الذي يوجب التيمّم ، ح ٣.

(٦) الإستبصار ١ / ١٥٩ ، باب إن المتيمم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة ، ح ٥٤٩ ـ ٢.

(٧) في ( ألف ) : « حول ».

٣٤٧

وظاهر الصحيحة المذكورة كون الضمير راجعا إلى التيمّم أعني الضرب على الأرض كما مرّ في تفسيره ، فيكون شاهدة على كون « من » ابتدائية ، وحمل التيمّم فيه على المتيمم به بعيد ؛ إذ ظاهره إرجاع الضمير إلى التيمّم المستفاد من قوله « تيمموا » ، ولو اريد ما ذكر لأرجع إلى « الصعيد » المتصل به ، مع كونه أقرب إليه ، فعدم إرجاعه إليه مع قربه وعدم احتياجه إلى التأويل شاهد على ضعف الحمل المذكور.

بقي الكلام في التعليل المذكور ولا دلالة واضحة فيه على وجوب (١) علوق الصعيد ببعض الكفّ ؛ فكأن الحكم فيها جار مجرى الغالب كما هو المتعيّن في الحكم بعدم علوقه بالبعض الآخر ، فيكون العلة فيما ذكر هو غلبة حصول ذلك لا وجوب اعتباره.

ومثله غير عزيز في التعليلات الواردة للأحكام كما لا يخفى.

على أن لفظ الرواية لا يخلو من (٢) الإبهام. ويجرى احتمال الابتدائية في الصحيحتين الأخيرتين وغيرها.

والمراد بالتمسح من الأرض هو الضرب عليه كناية عن التيمّم كما في رواية الراوندي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : « تمسحوا بالأرض فإنها أتكم » (٣) وهي بكم برة » (٤) (٥) على أحد الوجوه فيها.

قلت : وكيف كان ، فالظاهر أن الوجوه المذكورة مع ما فيها لا تعادل إطلاق الروايات ، وما دلّ على استحباب النفض المفروض لزوال ما علّق منها باليد سيّما مع عدم نعومة التراب من دون إشارة إلى لزوم مراعاة بقاء شي‌ء منه في اليد ، المعتضد بظاهر فتوى الأصحاب ، بل عدم ظهور قائل به ممن عدا الجماعة من المتأخرين سوى الإسكافي ، وهو أيضا غير قائل (٦)

__________________

(١) في ( ب ) : « وجهه ».

(٢) في ( د ) : « عن ».

(٣) كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « أبكم ».

(٤) كما في المصدر ، وفي النسخ المخطوطة : « مره ».

(٥) النوادر : ١٠٤ وبحار الأنوار ٧٨ / ١٦٢ ، باب في عدد الضربات في التيمّم ح ٢٤.

(٦) في ( ألف ) : « قابل ».

٣٤٨

لمقالتهم ؛ إذ ظاهره اعتبار استيعاب الغبار للمسحات ، وهو ضعيف عندهم.

مضافا إلى أن القول بعدم لزوم استيعاب العلوق قاض بعدم وجوبه مطلقا ؛ إذ لو اعتبر ذلك فإنما هو من جهة استعمال الطهور الذي هو الأرض ، و (١) ذلك يقضي بالاستيعاب ، ومع عدم اعتباره فلا فائدة في اعتباره في البعض دون البعض.

وبذلك يظهر ضعف ما قد يقال من أن الطهور هو التراب دون اليد ، فلا بدّ من إيصاله ولو في الجملة إلى العضو.

فظهر بما قلنا قوة القول بعدم اعتبار العلوق إلا أن الاحتياط في مثله مما لا ينبغي تركه.

ثمّ على قول الجماعة لو لم يتمكّن من العلوق فهل يسقط اعتباره أو يكون بمنزلة فاقد الطهورين؟ قضيّة الأصل البناء على الأخير إلّا أن يقوم إجماع على عدمه ، وسيأتي تتمّة الكلام.

__________________

(١) زيادة : الواو من ( د ).

٣٤٩

تبصرة

[ في عدد الضربات ]

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم على أقوال :

أحدها : الاجتزاء بالمرة مطلقا ، وحكى القول به عن الإسكافي (١) والعماني والمفيد في المسائل العزيّة (٢) والسيد في شرح الرسالة. وهو الذي اختاره جماعة من المتأخرين كصاحب المدارك (٣) والعلامة المجلسي (٤) وصاحب الحدائق (٥) وغيرهم.

ثانيها : اعتبار الضربتين مطلقا ، وحكي القول به عن المفيد في الأركان. وقد حكاه الفاضلان عن علي بن بابويه.

ولا ينافيه ما حكاه عنه في الذكرى من عبارته في الرسالة.

نعم ، فيها زيادة اعتبار التفريق في ضرب كل من اليدين بمسح الأخرى ، وبما بعد ذلك قولا باعتبار الضربات الثلاث.

وكيف كان ، فقد اختار القول المذكور من المتأخرين المحقق الشيخ حسن وغيره. وحكاه في المنتقى عن جماعة من القدماء.

ثالثها : التفصيل بين ما كان بدلا من (٦) الوضوء والغسل ، يكتفى (٧) بالأول ضرب واحد

__________________

(١) نقله عنه في مدارك الأحكام ٢ / ٢٢٩.

(٢) في ( ألف ) : « الغرّيّة ».

(٣) مدارك الأحكام ٢ / ٢٢٩.

(٤) بحار الأنوار ٧٨ / ١٥٠.

(٥) الحدائق الناضرة ٤ / ٣٣٧.

(٦) في ( د ) : « عن ».

(٧) في ( د ) : « فيكتفى ».

٣٥٠

و (١) الثاني ضربتان. وقد ذهب إليه الصدوق والشيخان والديلمي والحلبي (٢) وكثير من المتأخرين ، بل حكي الشهرة عليه.

وهناك قول رابع حكاه في المعتبر (٣) عن قوم من الأصحاب ، وهو اعتبار الضربات الثلاث بعد حكايته القول بالضربتين عن علي بن بابويه.

وهو بظاهره ضعيف جدّا إلا أن يحمل على تفريق الضرب كما ذكره علي بن بابويه.

وحينئذ فيرجع في الحقيقة إلى اعتبار الضربتين.

وفي حكاية المحقق له مخالفا لقول ابن بابويه دلالة على خلافه إلا أن يكون المنسوب إليه هو اعتبار المرتين على النحو المعروف ، فلا ينطبق على (٤) المنقول من عبارته.

ثم إن اختلاف الأصحاب في المسألة مبني على اختلاف أخبار الباب ، والأقوى هو الأول.

ويدلّ عليه بعد ظاهر الآية الشريفة الروايات المعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها ، كصحيحة الخزاز ، وفيها بعد ذكر حكاية عمار : وقلت (٥) له : كيف التيمّم؟ فوضع يده على المسح ثم رفعها فمسح وجهه ، ثم مسح فوق الكف قليلا (٦).

وفي صحيحة داود بن النعمان نحو من ذلك.

وفي صحيحة زرارة بعد ذكر حكاية عمار : أفلا صنعت كذا؟ ثم أهوى بيديه إلى الأرض فوضعها على الصعيد ثم مسح جبينه بأصابعه وكفّيه إحداهما بالأخرى (٧).

وقريب من ذلك ما حكاه في مستطرفات السرائر عن كتاب البزنطي ، في الموثق ، عن

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « في ».

(٢) زيادة في ( د ) : « والحلّي ».

(٣) المعتبر ١ / ٣٨٨.

(٤) زيادة في ( ب ) : « المعروف ».

(٥) في ( د ) : « فقلت ».

(٦) الكافي ٣ / ٦٢ ، باب صفة التيمّم ، ح ٤.

(٧) عوالي اللئالي ٣ / ٤٤.

٣٥١

زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام.

وفي موثقة اخرى ، عنه : سألت الباقر عليه‌السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه (١) الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح (٢) جبهته وكفّيه مرة واحدة (٣).

وفي حسنة الكاهلي : سألته عن التيمّم ، قال : فضرب بيديه على البساط فمسح بها وجهه ثم (٤) كفيه إحداهما بالأخرى (٥) ثم لم يعد ذلك.

وروى في الفقه (٦) الحكم باتحاد الضرب في بيان التيمّم من غير تفصيل .. إلى غير ذلك مما ورد. وهناك أخبار اخر معارضة لهذه الأخبار :

منها : صحيحة اسماعيل بن همام ، عن الرضا عليه‌السلام قال : « التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين » (٧).

وصحيحة محمد بن مسلم : سألته عن التيمّم ، فقال : « مرتين ضربتين للوجه واليدين » (٨).

وصحيحة ليث المرادي ، عن الرضا عليه‌السلام (٩) في التيمّم ، قال : « تضرب كفّيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك » (١٠).

وصحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قلت : كيف التيمّم؟ قال : « هو ضرب واحد

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « الأرض .. قال ».

(٢) زيادة في ( د ) : « بهما ».

(٣) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرآت في التيمّم ، ح ٥٩٤ ـ ٢.

(٤) زيادة في ( د ) : « مسح ».

(٥) الكافي ٣ / ٦٢ ، باب صفة التيمّم ، ح ٣.

(٦) في ( د ) : « الفقيه » ، لاحظ : فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٨.

(٧) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح ٥٩٧ ـ ٥.

(٨) تهذيب الأحكام ١ / ٢١٠ ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح ١٣ وفيه : مرتين مرتين للوجه واليدين.

(٩) في ( ب ) : « الصادق عليه‌السلام ».

(١٠) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح ٥٩٦ ـ ٤.

٣٥٢

للوضوء والغسل من الجنابة ، تضرب بيديك مرتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين » (١) ، بناء على ظاهر الرواية. وقد تحمل على التفصيل كما سيجي‌ء.

وفي الفقيه (٢) أيضا الحكم بتعدّد الضرب فيه.

وهذه الأخبار كما ترى دالّة على تعدد الضرب فيهما من غير إشارة إلى التفصيل. وهي حجة القول باعتبار الضربتين بعد احتمال حمل بعض الأخبار المتقدّمة على النسخ وبعضها أو كلّها على بيان كيفيّة مسحات التيمّم وتعيين الممسوح دون بيان الضربات ، فهي مجملة من تلك الجهة. ولذا (٣) ذكر في بعضها الضرب على المسح وفي بعضها على البساط ، وذكر في بعضها الوضع مكان الضرب مع تعيين (٤) الضرب على الأرض.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ احتمال النسخ في المقام من أوهن الاحتمالات ، والاحتمال الآخر ضعيف أيضا جدّا للخروج (٥) عن صريح تلك الأخبار ؛ إذ هي مسوقة لبيان أصل كيفيّة التيمّم لا خصوص بعض أفعاله دون بعض ، فترك بعضها دليل على عدم اعتباره.

وهذا واضح سيّما على قول (٦) المعظم من عدّ الضرب من جملة أفعال التيمّم ، والضرب على غير ما يصحّ التيمّم به غير شاهد على ما ذكر ؛ لوضوح الحال فيه ونصّ الكتاب باعتبار الضرب على الصعيد ، مضافا إلى خروج ذلك عن أصل الكيفية ، والأخبار المذكورة مسوقة لبيانها ، فإذا لم يكن للأخبار المذكورة محمل ظاهر تعيّن الرجوع إلى المرجّحات في العمل بأحد الجانبين.

ولا ريب في قيامها على ترجيح الأخبار المتقدمة من وجوه ؛ لأوفقيّتها بظاهر إطلاق الكتاب ومخالفتها لمعظم العامة ، وانطباق الثانية على قول معظمهم ، فيتقوى حملها على التقية

__________________

(١) الإستبصار ١ / ١٧٢ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح ٥٩٩ ـ ٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٤.

(٣) في ( ألف ) : « وإذا ».

(٤) في ( د ) : « تعيّن ».

(٥) وردت في ( ألف ) هنا لفظة الواو.

(٦) في ( ب ) : « القول ».

٣٥٣

التي هي عمدة السبب في اختلاف الأخبار. مضافا إلى شهرتها رواية وفتوى بالنسبة إلى الأخيرة.

ودعوى موافقة الأخيرة للاحتياط لو سلّم لا تكافئ ذلك مع فساده في نفسه ؛ إذ لا احتياط في شي‌ء من الطرفين ؛ لاحتمال فساد التيمّم الواقع بالضربتين على القول باعتبار الضربة الواحدة ، بل كأنه الأظهر لاحتمال اعتبار وقوع المسحات بتلك الضربة كما هو الموجود في أخبار المرة ، فالتعدي عنها يحتاج إلى الدليل ، ولذا لم يذكر أحد في وجوه الاحتياط حصوله بالعمل بالضربتين وإنما بنوا على تكرار التيمّم أو ما هو بمنزلته كما سيجي‌ء الإشارة إليه.

وقد يقال : إنّ الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة مطلقة ، بل مجملة بالنسبة إلى عدم وجوب المرة الثانية ؛ لعدم التصريح فيها بعدم وجوبها ، وإنما يستفاد ذلك من السكوت عنها ، فليحمل ذلك على ما دلّ على اعتبارها ، [ و ] لا أقل من كون دلالة هذه الأخبار على وجوب المرّتين أقوى من دلالة تلك على عدمه ؛ للتصريح فيها بالتعدد بخلافها.

ويدفعه أن تلك الأخبار في نفسها كالصريحة في عدم وجوب الزائد ، وبملاحظة ورودها في مقام البيان صريحة في ذلك ، سيّما مع اعتضادها بالكثرة والعمل في الجملة ، والقول باحتمال الترك من جهة التقيّة لو صحّ (١) لم يوجب الضعف في الدلالة ، مضافا إلى عدم وضوح دلالة كثير من تلك الأخبار ، بل لا ينطبق ظواهر تلك الأخبار على القول بالمرتين إلا الصحيحة (٢) الأولى ؛ إذ غيرها إنما يفيد اعتبار التوالي في الضربتين ، وبعضها يومي إلى اعتبار الضربتين بالنسبة إلى كل من الوجه واليدين.

وقد يقيّد بعضها اعتبار الضربتين أولا (٣) ثم ضربة ثالثة لليدين ؛ إذ تكرار النفض لهما من دون الضرب ولا قائل بشي‌ء منهما في الأصحاب.

__________________

(١) في ( ألف ) : « أوضح لو » بدل « لو صحّ ».

(٢) في ( ب ) : « صحيحة ».

(٣) في ( د ) : « ولاء أولا » بدل : « أوّلا ».

٣٥٤

فظهر من جميع ما ذكرنا ضعف القول الثاني ، فتعيّن البناء على الأخبار والأدلة.

وقد يقال : إنه بعد التعارض بين الأخبار (١) المذكورة لا بدّ من الجمع بينها مهما أمكن ، وأقرب محاملها حمل الأخبار الأوّلة على التيمّم الواقع بدلا من الوضوء ، والأخيرة على بدل الغسل. وهذه هي حجة القول بالتفصيل.

وقد يذكر شاهدا على القول المذكور امور :

منها : شهرة القول به بين الأصحاب قديما وحديثا ، بل قد حكي الإجماع عليه حيث عدّه الصدوق في أماليه (٢) من دين الإمامية.

وصرّح الشيخان الجليلان في التبيان (٣) ومجمع البيان (٤) بكونه مذهبنا.

وربما يظهر ذلك من الشيخ في التهذيب (٥) على ما قيل ، والإجماعات المذكورة كافية في الجمع بين الأخبار. ومع الغض عنها فالشهرة قد رجّحت العمل بكلّ منهما في موردها ، فيتقوى على الآخر في خصوص ذلك ، فيقيّد (٦) بملاحظة ذلك كل من الخبرين بالآخر.

وتوضيحه أن ما دلّ على المرة يعمل به في الوضوء ؛ لاعتضاده بالشهرة في خصوصه وكذا ما دلّ على المرتين بالنسبة إلى الغسل ، ودلالة الأول على الاكتفاء بها في الغسل أضعف من دلالة الأخيرة على عدمه ، وكذا العكس ، فيقيّد كل من الإطلاقين بالآخر ، وهو المدّعى.

ومنها : أن غاية ما يتخيل في أخبار المرتين أن تحمل على التقية بالنسبة إلى الوضوء ؛ لموافقته لمذهب العامّة ، وعدم شهرة القول به عندنا ، بل مخالفته (٧) لأخبارنا في الجملة ، ولا يلزم من ذلك حملها على التقيّة بالنسبة إلى البدل عن الغسل ، فهي بالنسبة إلى ذلك حجة ،

__________________

(١) في ( ألف ) هنا زيادة : « والأدلة وقد يقال إنّه بعد التعارض بين الأخبار ».

(٢) الأمالي للشيخ الصدوق : ٧٤٤.

(٣) التبيان ٣ / ٢٠٨.

(٤) مجمع البيان ٣ / ٩٤.

(٥) انظر تهذيب الأحكام ١ / ٢١١.

(٦) في ( د ) : « فيتقيّد ».

(٧) في ( ب ) : « مخالفة ».

٣٥٥

فبملاحظة ذلك يكون مفاد تلك الأخبار خاصّا بالنسبة إلى ما دلّ على اعتبار المرة ، ولا بدّ إذن من حمله عليها كما هو القاعدة المطّردة.

ومنها : وجود أخبار حاكمة بالتفصيل حيث ذكر الحلي بعد حكمه به أنه الموافق للروايات والعمل ، وذكر الصيمري أن للمفصّلين على قولهم به روايات ، وربما يستند في (١) ذلك إلى صحيحة زرارة المتقدمة ، وصحيحة محمد بن مسلم الآتية.

وما رواه في المنتهى (٢) عن الشيخ بإسناده ، عن محمد بن مسلم ، عن أن التيمّم من الوضوء مرة واحدة ومن الجنابة مضافا إلى تأيّد المشهور بعد الشهرة بكونه مخالفا لقول العامة كافة ؛ إذ لا ذاهب منهم إلى التفصيل المذكور ، فيتطرق احتمال التقية في كل من الإطلاقين.

وقد ورد أن الرشد في خلافهم وبموافقته للاعتبار ؛ إذ المناسب لاستيعاب جميع البدل المأخوذ في مبدله كثرة الضرب في البدل ، وإن الحدث الأصغر والأكبر مختلفان فيناسبه اختلاف الفعل المبيح عنهما ، وكذا المبدلان مختلفان فيناسبه اختلاف البدلين ، وبأن البناء عليه يوجب العمل بجميع أخبار الباب بخلاف الأخذ بأحد الإطلاقين ؛ لوجوب طرح أحد الجانبين.

أقول : يمكن دفع ذلك بأن مجرد حصول الجمع بين الأخبار على النحو المذكور لا يجعلها دليلا على التفصيل إلا أن يكون هناك شاهد على الجمع المذكور ، فما ذكر من الشواهد عليه ساقطة : أما الأول فبأن الشهرة في هذه المسألة ليست بحيث يوجب سقوط ما دلّ على خلافها إذا كان في نفسه حجّة شرعية على نحو الصحيح المتروك ؛ لذهاب جماعة من فحول القدماء والمتأخرين إلى الاكتفاء بالمرة.

غاية الأمر أن يكون البناء على التفصيل أشهر ، ومجرد ذلك لا يرفع الاعتماد عن ظواهر الإطلاقات. وحينئذ فلا تصلح جامعة بين أخبار الباب ؛ لاقتضاء الجمع سقوط كل من الإطلاقين عن الحجية بالنسبة إلى بعض الأفراد ، وما ذكر من اعتضاد دلالة كل من الروايتين

__________________

(١) في ( ألف ) : « يستدعي » بدل : « يستند في ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٤٩.

٣٥٦

بالنسبة إلى مورد الشهرة ، فيرجّح في ذلك على الأخرى مدفوع على بلوغ الشهرة على ذلك الحدّ.

ومع الغض عنه فالحكم بحصول الترجيح بها في بعض مدلول اللفظ محل نظر ، وهو خارج عن ظاهر ما دلّ من الأخبار على الترجيح بالشهرة إن قلنا بشموله لشهرة الفتوى أيضا.

بل الظاهر مخالفة الشهرة في المقامين لأخبار الجانبين ، فتأمل.

مضافا إلى أن عمدة الأخبار الدالّة على الاكتفاء بالمرة كالنصّ في التيمّم الواقع بدلا عن الغسل ؛ لورودها في حكاية عمار ، فهي صريحة بالنسبة إلى المورد وإن كان ظاهر اللفظ فيها مطلقا (١) فليس المعارضة بينها من قبيل العموم من وجه ؛ ليستند في الجمع إلى الوجوه المذكورة.

ومع الغض عنه والاستناد إلى الإجماع المنقول موهون بشيوع الخلاف من فحول القدماء والمتأخرين ، مضافا إلى ظهور المناقشة في دلالة ما ذكر على الإجماع.

وأما الثاني فبأنّ قضية الأخبار الدالّة على الأخذ بالمخالف للعامة عند تعارض الخبرين إنما دلّ على طرح الخبر الآخر ، و (٢) لا يخصّصه ببعض مدلوله من دون ظهور مخصص بمجرد خروج التفصيل عن مذهب (٣) العامة ، وهو الظاهر من بناء الأصحاب في سائر المقامات.

ولو سلّم اختصاص الحمل على التقية بالنسبة إلى البعض فغاية الأمر نهوضه حجة على الباقي ، ولا يجعله ذلك خاصا بالنسبة إلى إطلاق الآخر ؛ إذ من الظاهر أن دلالة اللفظ عليه لا يخرج عن العموم ، ولا يجعله حمل بعضه على التقية نصّا في الباقي ، ليكون تعارضه مع الإطلاق من قبيل معارضة المقيّد للمطلق ؛ ليجب حمله عليه كما هو قضية فهم العرف في سائر المقامات.

وأما الثالث فبأن ما ذكر إجمالا من ورود الروايات بالتفصيل موهون بعدم وجود أثر لها

__________________

(١) في ( ألف ) و ( ب ) : « مطلق ».

(٢) زيادة : الواو من ( د ).

(٣) في ( د ) : « مذاهب ».

٣٥٧

في الأخبار سوى ما يتوهّم دلالتها عليه من الأخبار المذكورة. وقد استند الشيخ في الكتابين إلى الصحيحتين ، وكأنها الملحوظة في النقل المذكور.

والاستناد إليها موهون بأن صحيحة زرارة ظاهرة (١) الدلالة على عكس ذلك ؛ لظهورها (٢) في الحكم باتحاد الكيفيّتين. وقد ورد ذلك أيضا في موثقة عمار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن التيمّم عن الوضوء وعن الجنابة وعن الحيض للنساء سواء. قال : « نعم » (٣).

وحينئذ فهي كالموثقة المذكورة من الأدلة على فساد التفصيل المذكور.

ثم مع الغضّ عن ظهور تلك الصحيحة في ذلك فلا ظهور فيها في خلافه ، فيسقط الاحتجاج بها. وصحيحة محمد بن مسلم مع اطراح ظاهرها بين الأصحاب لا دلالة فيها على ذلك بوجه كما سيجي‌ء.

ورواية المنتهى لا أثر لها في كتب الأخبار والاستدلال ، والظاهر أنها لا أصل لها وإنما توهّمه الفاضل رواية من كلام الشيخ عند ذكره في كلام ورود التفصيل في الصحيحتين المذكورتين.

وقد أشار إليه غير واحد من الأفاضل ، وقد أوضح ذلك في المنتهى (٤).

وسائر الوجوه المذكورة لتأييد القول المذكور بيّنة الوهن ، فلا حاجة إلى تفصيل الكلام فيها.

حجة القول بتثليث الضربات ـ إن فسّر بغير ما حكاه في الذكرى من عبارة الرسالة ـ غير معلومة ، وإن فسّر به ـ كما هو الظاهر ـ فيدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمّم ، فضرب بكفيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ثم ضرب بشماله الأرض ، فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم

__________________

(١) في ( ألف ) : « ظاهر ».

(٢) في ( ألف ) : « لظهور ما » بدل « لظهورها ».

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٢١٢ ، باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، ح ٢٠.

(٤) في ( د ) : « المنتقى ».

٣٥٨

ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه. ثم قال : « هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل في الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين ، وألقى ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤتم (١) بالصعيد » (٢).

وفيه أن هذه الرواية وإن صحّ إسنادها إلا أنّها مطرحة بين الأصحاب معارضة بالمعتبرة المستفيضة موافقة لمذهب العامة ، فيعيّن حملها على التقية.

__________________

(١) في ( ألف ) : « يؤثم » بدل « يؤتم ».

(٢) الإستبصار ١ / ١٧٢ ، باب عدد المرات في الوضوء ، ح ٦٠٠ ـ ٨ وفيه : « فلا يؤمم بالصعيد ».

٣٥٩

تبصرة

[ في مسح الوجه ]

الثاني من أفعال التيمّم مسح الوجه ، وقد اختلف الأصحاب في تعيين القدر الممسوح منه على أقوال :

أحدها : الاقتصار على خصوص الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى.

وفي الحدائق (١) : إنه المشهور.

وعن كشف الرموز (٢) : إنّ عليه عمل الأصحاب.

ثانيها : إضافة الجبينين إليها. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم الشهيد الثاني في المسالك (٣) ، بل في كشف اللثام (٤) أنه يمكن إدخال ذلك في مقصود الأكثر.

ومنهم السيد (٥) ، فإنهم أوجبوا مسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف.

ولا يخلو عن قرب.

ثالثها : زيادة الحاجبين أيضا. وهو الظاهر من الصدوق في الفقيه (٦) حيث اعتبر المسح على الجبينين والحاجبين. وكأنه أدرج الجبهة في الجبينين ؛ إذ لا قائل ظاهر بعدم وجوب مسحها.

وقد حكى غير واحد منهم الإجماع على وجوب مسحها. وقد حكى القول به عن المحقق

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٣٣٦.

(٢) كشف الرموز ١ / ٩٩.

(٣) مسالك الإفهام ١ / ١١٤.

(٤) كشف اللثام ٢ / ٤٧٠.

(٥) الناصريات : ١٥١.

(٦) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٤.

٣٦٠