تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

مضافا إلى رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : أنه سئل عن التيمّم بالجص؟ فقال : « نعم » ، فقيل بالنورة؟ فقال : « نعم ». فقيل بالرماد؟ فقال : « لا إنه لا يخرج من الأرض ، إنما يخرج من الشجر » (١).

ورواية الراوندي عن الكاظم عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن [ ... ] (٢) عليه‌السلام.

وأورد عليه بالمنع من اندراجه في اسم الأرض بل الظاهر من العرف خلافه.

وبه يظهر ضعف الاستناد إلى الاستصحاب ، والروايتان ضعيفتان مطرحتان عند أكثر الأصحاب ، فلا يمكن التعويل عليها ، مع ما فيها من الإشارة إلى خروجهما عن اسم الأرض.

وتعليل الجواز بخروجهما منها ، وهو كما ترى لا يناسب مذهب الأصحاب.

مضافا إلى لزوم مراعاة الاحتياط والحكم بعدم حصول إباحة الصلاة إلا بما دل الدليل على حصول الإباحة به.

وانتصر بعضهم للجواز بصحيحة الحسن بن محبوب الواردة في جواز السجود على الجصّ المحروق.

وهي أنه سئل أبا الحسن عليه‌السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثم يجصص به المسجد أيسجد عليه؟ فكتب إليه بخطه : « إنّ الماء والنار قد طهّراه » (٣).

وفيه : أن دلالتها على جواز سجود الصلاة بالجبهة غير واضحة ، على أنه عليه‌السلام سكت عن جواز السجود وإنما حكم بالطهارة.

مضافا إلى عدم موافقته لظاهر الأصحاب ، مع أنه لا ملازمة بين جواز السجود عليه وصحة التيمّم لجواز السجود على ما يصح التيمّم به بالإجماع.

ثالثها : ذهب جماعة من الأصحاب منهم الإسكافي (٤) والمحقق (٥) إلى عدم جواز التيمّم

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٨٧ ، باب التيمّم وأحكامه ح ١٣.

(٢) هنا فراغ في ( د ) ، وهي النسخة الوحيدة التي نقلنا عنه هذه المواضع.

(٣) الكافي ٣ / ٣٣٠ ، باب ما يسجد عليه وما يكره ح ٣.

(٤) حكاه العلامة في التذكرة ٢ / ١٧٧.

(٥) المعتبر ١ / ٣٧٥.

٣٠١

بالخزف لخروجه عن اسم الأرض بالطبخ.

وذهب آخرون إلى جوازه إما للحكم ببقاء الأرضية وإن اختلفت الجهة أو من جهة الشك في بقاء اسم الأرض فيستصحب الموضوع.

وعن جماعة من الأصحاب القطع بجواز السجود عليه. قيل : وهو مؤذن بالاتفاق عليه وكونه من المسلّمات.

ومن المعلوم اتفاق الجهة بين الأمرين ، فيكون الحكم بجواز التيمّم به أيضا مشهورا بينهم.

قلت : القول بجواز التيمّم به مما يتأمل في شهرته أيضا ، ومجرد قطع الجماعة لا يفيدها. والمسألة محل إشكال ؛ إذ الحكم بصدق اسم الأرض عليه مشكل. ومع الشك في البقاء ففي إجراء الاستصحاب أيضا تأمل من جهة أن الحكم بالأرضية فيه إنما كان من جهة كونه ترابا ، وسلب اسمه عنه مما لا ينبغي الريب فيه.

وحينئذ فالقول باستصحاب اسم الأرض فيه يشبه استصحاب الجنس مع القطع بزوال النوع ، وقضية أصالة الشغل في مثله البناء على المنع. والاحتياط في المقام مما لا بد منه.

رابعها : لا خلاف ظاهرا في المنع من التيمّم بالرماد. وقد حكى الإجماع عليه جماعة من الأصحاب.

والوجه فيه ظاهر ؛ لخروجه عن اسم الأرض مضافا إلى ورود المنع فيه في الخبرين المذكورين.

وقد علّل في أحدهما بأنه لم يخرج من الأرض بل من الشجر. نعم ، وقع الكلام في رماد التراب فاستقرب في نهاية الإحكام (٦) جواز التيمّم به.

وقوّاه العلامة المجلسي في البحار (٧) قال : والأكثر فيه على عدم الجواز مع الخروج عن

__________________

(٦) نهاية الإحكام ١ / ١٩٩.

(٧) بحار الأنوار ٧٨ / ١٦٤.

٣٠٢

اسم الأرض.

وعلّق المنع في التذكرة (١) على الخروج عن اسم الأرض. ويلوح منه التأمل فيه.

وهو الظاهر من المدارك (٢).

قلت : أما مع القول بخروجه عن اسم الأرض فلا ينبغي الريب في المنع لانحصار وجه الجواز في اندراجه فيها ، فما يلوح من البحار من البناء على الجواز مع فرضه غريب ، والاستناد فيه إلى التعليل المذكور عليل.

ثم الظاهر أنه مع حصول الحقيقة الرمادية لا ينبغي الريب في الخروج عن اسم الأرض ؛ إذ لا عبرة في ذلك أيضا بالأصل ، والاستناد إلى الاستصحاب فيه لا وجه له. فالاحتمال المذكور ضعيف إلا أن يكون الشك في حصول الرماد باحتراق الأرض ، وهو كلام آخر.

ويجري الاحتمال المذكور في رماد الحجر ونحوه من ساير أقسام الأرض بناء على جواز التيمّم بمطلقها.

خامسها : لا فرق بين أقسام التراب في جواز التيمّم به ، فيستوي ساير أنواعه من الأسود والأصفر والأحمر كالأرمني والذي ينبت والذي لا ينبت كالسبخ. حكى ذلك في التذكرة (٣) إجماع العلماء.

والوجه فيه واضح.

وحكى فيه عن الإسكافي (٤) القول بالمنع من السبخ لوصف الصعيد في الآية بالطيب.

وهو ضعيف ؛ إذ المراد به الطاهر.

وكذا الحال في سائر أنواع الأرض من الرمل والحجر وأرض الجصّ والنورة على القول بكون الصعيد وجه الأرض.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ١٧٧.

(٢) مدارك الأحكام ٢ / ٢٠٠.

(٣) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٧٥.

(٤) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٧٥.

٣٠٣

وفي التذكرة (١) : إنه يجوز التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه. نعم ، ذكروا كراهة التيمّم بالسبخ والرمل والمهابط والطرق واستحباب كونه من العوالي.

وعزا في التذكرة (٢) استحباب الأخير وكراهة الثالث إلى علمائنا أجمع.

وفيه أيضا : يكره التيمّم بالرمل عندنا.

وهو يؤذن بالاتفاق عليه.

قلت : أما استحباب التيمّم بالعوالي فقد يستفاد من تفسير الصعيد بالموضع المرتفع كما مرّ في روايتي العلل والفقه ؛ إذ ليس اعتبار الارتفاع واجبا فيه ، فيكون مندوبا.

ودلالتها على الندب وإن لم يخل عن خفاء إلا أنها بضميمة نص الأصحاب والإجماع المنقول كافية في إثبات الندب.

وأما كراهته من المهابط فقد نصّ عليه في كلام جماعة ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه. واستصحاب كونه من العوالي لا يقضي بالكراهة فيها إلا أن يكتفى فيها بمجرد حكم الجماعة.

والإجماع المنقول عليه في التذكرة لا بأس به.

وأما كراهة كفه من تراب الطريق فيدلّ عليه رواية غياث بن إبراهيم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : « نهى أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يتيمم الرجل بتراب من أثر الطريق (٣) ».

وفي روايته الأخرى عنه عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا وضوء من موطئ » (٤). قال النوفلي : يعني ما تطأ عليه برجلك.

وظاهر إطلاق الأخير أعم من الأول فالقول به لا يخلو عن بعد ؛ تسامحا في أدلة السنن.

ولا يبعد حمل قوله « من موطئ » على ما كان معدّا لذلك ، لا ما وطئه برجله ولو مرّة كما

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٧٦.

(٢) تذكرة الفقهاء ٢ / ١٧٩.

(٣) الكافي ٣ / ٦٢ ، باب صفة التيمّم ، ح ٦.

(٤) الكافي ٣ / ٦٢ ، باب صفة التيمّم ، ح ٥.

٣٠٤

هو ظاهر تفسير النوفلي.

وقد يستفاد من ذلك كراهة التيمّم مما يكون معرضا للنجاسة أو يظن بنجاسته.

وأما كراهة السبخة والرمل فلم نجد عليها مستندا سوى حكم الجماعة. وعزاه في الحدائق (١) إلى صريح الأصحاب. وهو يؤذن بالاتفاق.

وقد يعلّل كراهة الأول تارة بالخروج عن الخلاف ، وهو ضعيف وإلّا لجرى في الحجر ونحوه بخلاف من اعتبر الاختصاص بالتراب ، بل ويجري ذلك أيضا في الرمل لو قيل بخلافهم فيه ، أيضا ، وأخرى باختلاط ترابها بالأجزاء الملحيّة ، وهو ) (٢) أيضا موهون بأن المدار أيضا عن الخروج عن اسم الأرض ، فإن كانت بحيث يوجب الخروج عن الاسم فلا شكّ في المنع ، وإلا لم يقتض (٣) بالكراهة إلا أن يجعل ذلك مؤيّدا لكلام الجماعة ، فيكتفى به تسامحا في السنن.

وكراهة الأخير بما في بعض الأخبار بعد النهي عن الصلاة على الزجاج : « وإن حدّثتك نفسك أنه مما أنبت الأرض و (٤) لكنّه من الملح والرمل ، وهما ممسوخان » (٥).

قال : بعض المحدثين : أراد بالممسوخيّة تحوّل صورتهما وعدم بقائهما على حقيقة الأرضية ، فقد يكون ذلك مستندا للكراهة.

وفيه : أنه لو تمّ لدلّ على المنع إلا أن يقال ببقاء الحقيقة العرفية قطعا ، والحكم إنما يتبع الاسم والكراهة من جهة الخروج عن الحقيقة الفعلية ، أو يقال : إن الرواية لا تنهض حجة على المنع فلينهض على الكراهة.

ولا يخفى عليك ما فيه إلا أن يكون المقصود التأييد لحكم الجماعة.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٣١٥.

(٢) ما بين الهلالين من قوله « بأن قضية الأخبار » إلى هنا مما أضفناها من نسخة ( د ) ، ولم توجد إلّا فيها ، فاغتنمها.

(٣) في ( د ) : « يقض ».

(٤) لم ترد في ( د ) : « و ».

(٥) الكافي ٣ / ٣٣٢ ، باب ما يسجد عليه وما يكره ، ح ١٣.

٣٠٥

تبصرة

[ التيمّم بغبار الثوب ونحوه ]

إذا لم يجد شيئا من أقسام الأرض يتيمم (١) من غبار ثوبه أو لبد سرجه أو عرف دابته ونحو ذلك مما يشتمل على الغبار.

وأسنده في المعتبر وتذكرة الفقهاء إلى علمائنا.

وهو في الجملة ممّا أطبقت عليه النصوص والفتاوى.

وربما يتوهم من عبارة المراسم (٢) عدم جواز التيمّم بالمغبّر (٣) وإنما يصحّ بالغبار المستخرج منه حيث قال : إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه ورحله ، فإن خرج منه تراب تيمم منه إذا لم يمكنه التوضّي من الثلج ، فإذا لم يكن من ثيابه ورحله تراب ضرب بيده على الوحل والثلج والحجر وتيمم به.

وربما يومي إليه صحيحة أبي بصير : « إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به ، فإن الله أولى بالعذر إذا لم يكن معك جاف (٤) أو لبد تقدر أن تنفضه وتيمم به » (٥).

وهذه الرواية كعبارة الديلمي محمولة على ما إذا كان الثوب مغبرّا فيعلم بالنفض وجود الغبار فيه ، أو (٦) إن المقصود بالنفض صعود الغبار على ظاهر ذلك الشي‌ء فيتيمم به ؛ إذ اجتماع التراب من الغبار المستخرج من الثياب ونحوها بحيث يمكن التيمّم به فرض بعيد لا ينصرف

__________________

(١) في ( د ) : « تيمّم ».

(٢) المراسم : ٥٣.

(٣) في ( ألف ) : « بالمعتبر ».

(٤) زيادة في ( د ) : « ثوب ».

(٥) الكافي ٣ / ٦٧ ، باب التيمّم بالطين ، ح ١.

(٦) في ( ألف ) : « و ».

٣٠٦

إليه الإطلاق.

ومع فرضه فلا ريب في لزومه ؛ لكونه واجدا للتراب.

ثم إن فقد ذلك أو وجد الوحل تيمم به ، وهو أيضا مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب وأخبار الباب. وحكى في المعتبر إطباق فقهائنا عليه.

وعزاه في تذكرة الفقهاء إلى علمائنا ، فجواز التيمّم بكل من الأمرين المذكورين في الجملة مما لا تأمل فيه.

إنما الكلام في المقام في أمور :

أحدها : المعروف جواز التيمّم إذن لكل مغبرّ من الثياب واللبد وعرف الدابّة ونحوها. وعن الشيخ في ظاهر النهاية (١) تقديم غبار عرف الدابة ولبد السرج على غبار الثوب. ومع عدم التمكن منهما تيمّم بغبار الثوب.

وعن السرائر الحكم بعكسه. والأول هو الأقوى لظواهر عدة من [ الأخبار ، منها ] المعتبرة كالصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبرّ » (٢).

والموثق : « إن أصابك الثلج فلينظر لبد سرجه ، فتيمم من غباره أو من شي‌ء معه » (٣).

وموقوفة عبد الله بن المغيرة الصحيحة : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر » (٤).

ولم نقف على مستند للقولين الآخرين. والأولى إرجاعه إلى المشهور بحملهما على بيان مواضع الغبار.

وكأنّ ذكر الترتيب من جهة اختلافها في الاشتمال على الغبار ، فقدّم المقدم ليكون المظنة باشتماله على الغبار أكثر.

__________________

(١) النهاية ونكتها ١ / ٢٦٢.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٩٠ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ٢٠.

(٣) وسائل الشيعة ٣ / ٣٥٣ ، باب جواز التيمّم عند الضرورة بغبار الثوب ، ح ٢.

(٤) الكافي ٣ / ٦٦ ، باب الرجل يكون معه الماء القليل في السفر ، ح ٤.

٣٠٧

ثم قضية إطلاق النصوص المذكورة عدم الفرق بين كون المغبّر من الثياب أو الفراش (١) وغيرها كالجلود المغبّرة ، ولا بين كونها مما يدخل الغبار في أعماقه كالأشياء الرخوة ، وما يبقى على ظاهره كالأخشاب ونحوها ، و (٢) ربما كان ذلك أولى.

ثانيها : ظاهر جماعة من الأصحاب منهم المفيد والديلمي في عبارته المتقدمة اعتبار نفض الثوب ليظهر الغبار على وجهه. وهو ظاهر صحيحة أبي بصير المتقدمة. وسائر الروايات مطلقة كفتاوى كثير من الأصحاب.

وقد يقال بأن إطلاق الشي‌ء على المغبّر في الصحيحتين المتقدمتين ظاهر فيما إذا كان الغبار ظاهر [ ا ] عليه لا ما اشتمل على الغبار كيف كان.

وفيه تأمل.

والأحوط مراعاة ذلك وإن كان القول بوجوبه لا يخلو من تأمّل ؛ لمكان الإطلاق وعدم وضوح ما يدلّ على التقييد.

ثالثها : ظاهر النصوص والفتاوى عدم صحة التيمّم بالغبار مع التمكن من الصعيد. وربما يظهر من عبارة السيد في الجمل جوازه مع وجود التراب. وهو ضعيف ، وإليه كثير من أئمة الجماعة.

رابعها : على القول بتفسير الصعيد بالتراب ، فهل يقدّم التيمّم بالحجر على الغبار؟ وجهان.

وقد نصّ الشيخ وغيره بتقدّم الحجر عليه ، وصريح الديلمي في العبارة المذكورة تأخيره عنه وقد جعله (٣) بمنزلة الوحل والثلج. واستفادة الحكم المذكور من الأخبار محل خفاء إلا أن يتمسك بحمل مطلقات الأخبار على المقيّد في صورة إمكان التراب ، فيبقى مطلقه مع تعذّره كما أشرنا إليه.

__________________

(١) في ( د ) : « فرش ».

(٢) لفظة الواو وزيدت من ( د ).

(٣) في ( ألف ) : « حصل ».

٣٠٨

وفيه ما عرفت.

ويستدلّ له بإطلاق صحيحة رفاعة. وهو أيضا مشكل.

وكيف كان ، فإن قام دليل على جواز التيمّم به فإنما يفيد تقديمه على الغبار.

وأما جوازه في خصوص صورة العجز عنه فلا يظهر مستنده إلا أن يتمسك بالإجماع على جواز التيمّم به في الجملة ، فيقال : إن المتيقن من الإجماع هو كونه طهورا بعد الغبار لخروجه عن مورد النصوص ، فيجعل بمنزلة الوحل.

خامسها : المعروف بين الأصحاب تقديم الغبار على الوحل ، بل لا نعرف مخالفا فيه.

وفي المدارك : إن الأصحاب قاطعون به ، وظاهرهم الاتفاق عليه.

وفي الحدائق : إن ظاهر عباراتهم الاتفاق عليه.

ويدلّ عليه المعتبرة المستفيضة ، منها : الصحيح : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبر وإن كان في حال لا يجد إلا الطين ، فلا بأس أن يتيمم به » (١).

وربما يقال بعدم دلالة ذلك على المطلوب ؛ إذ المفروض فيه كونه من الثلج فلا يقدر معه على الطين ليدلّ على تقديمه عليه.

وأنت خبير بأن مفهوم قوله « وإن كان » في حال الخبر كاف في الدلالة على المقصود إلا على أن إفادة مجرد كونه في الثلج عدم تمكنه من الطين محل تأمل.

ومما يدلّ عليه موثقة زرارة : « إن كنت في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن تتيمم به » (٢) ؛ فلما أضيف ذلك إلى ما دلّ على صحة التيمّم بالغبار اتّضحت دلالته على المطلوب.

وموقوفة عبد الله بن المغيرة الصحيحة ، وهي واضحة الدلالة عليه ، فمناقشة غير واحد من المتأخرين كصاحب المدارك في تقديمه على الطين للتأمّل في دلالة (٣) الأخبار وإسناد بعض لا يخفى وهنها.

__________________

(١) تقدم ذكره ، فراجع.

(٢) الإستبصار ١ / ١٥٦ ، باب التيمّم في الارض الوحلة والطين والماء ، ح (٥٣٨) ٢.

(٣) زيادة في ( د ) : « بعض ».

٣٠٩

نعم ، في (١) رواية زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : رجل دخل الأجمة ليس فيها ماء وفيها طين ، ما يصنع؟ قال : « يتيمم فإنه الصعيد ». قلت : فإنه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء. قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره أو خاف فوت الوقت فليتيمم يضرب بيده على اللبد والبرد (٢) ويتيمم ويصلّي » (٣).

وفي مرسلة علي بن مطر ، عن الرجل : لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمم بالطين؟ قال : « نعم ، صعيد طيّب وماء طهور » (٤).

وهما ضعيفان ، فلا ينهضان حجة ، مضافا إلى معارضتهما لتلك المعتبرة المؤيّدة بالعمل ، والظاهر جعل الأخيرة على صورة فقدان الغبار.

وقد يحمل الأول على كون الطين بحيث يصدق عليه اسم الأرض بأن لا يكون يلتصق باليدين.

وقد يومي إليه إطلاقه الأمر بالتيمم منه ، وحكمه بأنّه الصعيد إشارة إلى ظاهر الآية ، فيقيّد جوازه مع الاختيار أيضا ؛ إذ لا يتم ذلك إلا مع عدم خروجه عن اسم الأرض.

سادسها : إنما يصحّ التيمّم بالثوب ونحوها مع حصول الغبار فيها كما هو قضية أخبار الباب وفتاوى الأصحاب ، فلا يصحّ التيمّم بها مع خلوّها عن ذلك.

وظاهر الشيخ في الاستبصار جواز التيمّم بها إلّا أنه جعله بعد تعذّر الطين ، فحكم بتقديم ذي الغبار عليه وتأخير ذلك عنه ، وجعل وجه الجمع بين الأخبار المذكورة الدالّة بعضها على تقديم الغبار على الطين وبعضها على تأخيره.

وفيه : أنه لا شاهد على الجمع المذكور مع مخالفة الظواهر النصوص.

سابعها : إذا تمكّن من تجفيف الطين وجب عليه لتمكنه من الصعيد. وقد منعه بعض

__________________

(١) في ( ألف ) : « و » بدل « في ».

(٢) في ( د ) : « البردعة ».

(٣) الإستبصار ١ / ١٥٦ ، باب التيمّم في الأرض الوحلة والطين والماء ، ح (٥٤٠) ـ ٤.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ١٩٠ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ٢٣.

٣١٠

المتأخرين ؛ نظرا إلى إطلاق الروايات وخلوّها عن ذكره. قال : التقييد بالتجفيف كما ذكره لا أثر له في شي‌ء منها ، ولو كان الحكم فيه ذلك لوقع (١) عليه ولو في بعضها ؛ لأن المقام مقام بيان.

وأنت خبير بضعف ذلك ؛ إذ إطلاق الأخبار منزّل على صورة الضرورة كما هو المنساق منها ، فوضوح الحال في صورة التمكن من الصعيد قد أغنى عن الإشارة إليه. وكذلك الحال بالنسبة إلى التيمّم بالغبار ، فلو أمكن نفض الغبار بحيث يجتمع منها ما يصدق عليه اسم التراب وكان المجتمع وافيا بالواجب تعيّن ذلك.

وبالجملة ، الظاهر مراعاة المكنة في الانتقال عن كل مرتبة إلى ما دونها ، فمع التمكن من الأعلى بالأسفل إلى ما دونه ولو في آخر الوقت على نحو ما ذكر في الماء ، ويجب التجسس عنه مع فقده والجهل به إلى أن يصدق معه عدم الوجدان ، ولا يجب عليه الطلب في الفلوات على نحو ما مرّ في الماء ؛ لاختصاص النصّ به.

ثامنها : يعتبر في الغبار الذي يتيمم به أن يكون من جنس ما يتيمم به كما نصّ عليه جماعة.

وهو كذلك ؛ إذ هو الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب ، فلا عبرة بغبار الأشنان والدقيق ونحوهما ، وكذا غبار الجص والنورة على القول بالمنع من التيمّم بهما.

تاسعها : في ظاهر كلماتهم اختلاف في كيفية التيمّم بالوحل ، فعن المفيد (٢) أنه يضع يديه على الوحل ثم ( يرفعهما فيمسح إحداهما بالأخرى حتّى لا يبقى فيهما نداوة ، ويمسح بهما وجهه وظاهر كفّيه. وعن الشيخ أنّه يضع يديه على الوحل ثمّ ) (٣) يفركهما ويتيمم.

واستوجهه المحقق في المعتبر (٤) وحكى فيه قولا آخر ، وهو أنه يضع يده على الوحل ويتربّص ، فإذا يبس يتيمم به.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « التطينيّة ».

(٢) المقنعة : ٥٩.

(٣) ما بين الهلالين زيدت من ( د ).

(٤) المعتبر ١ / ٣٧٧.

٣١١

وفي التذكرة (١) : إنه مرويّ عن ابن عباس ، قال : وهو جيد عندي إن لم يخف فوت الوقت ، فإن خاف عمل بقول الشيخ.

وفي السرائر (٢) : إن التيمّم به كالتيمم بالتراب. وحكاه في الوسيلة عن شيوخ أصحابنا.

ويمكن الجمع بين الأقوال المذكورة ليرتفع الخلاف.

والوجه في المقام أن يضرب يديه على الوحل ، ثم يرفعهما فإن لم يكن فيهما ما يمنع من وصول الماسح إلى الممسوح مسح بهما وجهه وكفيه ، وإلا أزال المانع ومسح به.

واستوجهه في التذكرة ، ولا بأس به ؛ لحصول المسمى للتراب ، وإن لم يقع الضرب عليه لكن لا بدّ من عدم مانعيته للمسح وعدم حصول الفصل الطويل بين أفعال التيمّم.

عاشرها : لو كان في التراب رطوبة لا يوجب لصوقه باليدين لم يمنع من التيمّم به حال الاختيار ؛ لصدق الأرض عليه وعدم اشتراطه باليبوسة في الأخبار.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع عليه. واحتج عليه من أخبار الخاصة بصحيحة رفاعة المتقدمة ، وحكى المنع عن الشافعي.

نعم ، إذا وصل إلى حدّ يوجب تلويث اليد به ، فلا يظهر اندراجه في الإطلاقات ؛ إذ لا يعد الطين من الأرض وإنما هو مركب منه ومن الماء ، فيجري فيه (٣). إذن ما ذكرناه. وكأنه المراد بالوحل في كلام الأصحاب ، وإن فسّر بالطين الرقيق ؛ لإطلاقه في الأخبار.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٦٢.

(٢) السرائر ١ / ١٣٨.

(٣) زيادة : « فيه » من ( د ).

٣١٢

تبصرة

[ في واجد الثلج دون غيره ]

من لم يجد شيئا إلا الثلج فإن أمكنه اذابته ولو على الأعضاء بحيث يحصل به مسمى الغسل بأن يجري الماء ولو بمعونة اليد من محل إلى آخر وجب عليه طهارة المختار ؛ لأنه في الحقيقة واجد للماء.

والظاهر أنه لا تأمل لأحد فيه.

ولو لم يمكن حصول مسمّى الغسل به فللأصحاب فيه أقوال :

أحدها ـ وهو مذهب أكثر الأصحاب كما في المدارك ـ سقوط الغرض ، وإلحاقه بفاقد الطهورين.

وعن الإسكافي والسيد والديلمي والعلامة في القواعد : وجوب التيمّم به.

وعن الشيخين والعلامة في غير واحد من كتبه : وجوب الغسل والوضوء به.

والأقوى الأول ؛ ويدلّ عليه الأصل وعدم وضوح دليل على جواز إيقاع أحد الأمرين ؛ لخروجه عن اسم الماء وعدم حصول مسمى الغسل به ؛ ليصدق معه الوضوء والغسل.

وكونه من حقيقة الماء لا يفيد شيئا بعد الخروج عن اسمه ، وليس أيضا من الصعيد ليصحّ التيمّم به فمقتضى (١) ظاهر الكتاب والأخبار لا يصح به شي‌ء من الأمرين. مضافا إلى أنه المستفاد من ظواهر أخبار الباب كصحيحة رفاعة وموثقة زرارة المتروك فيهما ذكر الاغتسال أو التيمّم به في مقام البيان.

وما ورد في عدّة من الأخبار من الاغتسال به فإنها تشير إلى حصول مسمى الغسل ،

__________________

(١) في ( د ) : « فبمقتضى ».

٣١٣

والجريان بإمراره على العضو إنه هو مما يمكن حصوله في كثير من الأحوال :

منها : صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، عن الرجل الجنب أو على غير وضوء : لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا ، أيهما أفضل؟ أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه؟ قال : « الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل وإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم » (١).

وروى في قرب الإسناد (٢) عنه عليه‌السلام ما يفيد ذلك باختلاف في لفظه.

ورواه في مستطرفات السرائر (٣) عن كتاب محمد بن علي بن محبوب.

وهذه الصحيحة عند التأمل مما يدل على ما ذكرناه ؛ إذ اعتبار بلّ الرأس والجسد ليس إلا لحصول مسمى الغسل ولو كالدهن كما ورد في الأخبار من أن « المؤمن لا ينجسه شي‌ء وإنما يكفيه مثل الدهن » (٤) حتى أنه ورد ذكر المسح في موضع الغسل في غير واحد من الأخبار كما تقدم ذكره في محله ؛ إشارة إلى المبالغة في عدم لزوم إكثار الماء.

ومما يشير إليه تقديمه على التيمّم وترتبه عليه.

ومنها : قويّة محمد بن مسلم : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلا الثلج؟ قال : « يغتسل بالثلج أو ماء النهر » (٥).

وهذه الرواية كما ترى ظاهرة فيما قلناه سيّما بملاحظة التخيير بينه وبين ماء النهر.

ومنها : قوية معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدمق والثلج ونريد أن نتوضأ لا نجد إلا جامدا ، فكيف أتوضأ أدلك به جلدي؟ قال : « نعم » (٦).

وبعض المتأخرين كالفاضل الجزائري بنى على العمل بإطلاق هذه الأخبار بعد تقييد

__________________

(١) الإستبصار ١ / ١٥٩ ، باب الرجل يحصل في أرض غطاها الثلج ، ح (٥٤٧) ٦.

(٢) قرب الإسناد : ١٨١.

(٣) مستطرفات السرائر : ٦١٣.

(٤) الكافي ٣ / ٢١ ، باب مقدار الماء الذي يجزئ للوضوء والغسل ح ٢.

(٥) الإستبصار ١ / ١٥٧ ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (٥٤٢) ١.

(٦) الإستبصار ١ / ١٥٧ ، باب الرجل يحصل في أرض عطاها الثلج ، ح (٥٤٣) ٢.

٣١٤

مطلقها بمقيّدها ، وحكم بوجوب الوضوء والغسل بالثلج إن أثر نداوة على العضو وإن لم يحصل به مسمى الجريان ، فيقدّم على التراب وإلّا سقط اعتباره مطلقا. واختاره في الحدائق وأيّده بالأخبار الدالّة على الاكتفاء بالدهن ومجرد إمساس الماء ونحو ذلك.

وقد عرفت فيما مضى أن ذلك كله محمول على حصول أدنى مسمى الغسل كي لا يخالف صريح الكتاب وسائر الروايات المعتضدة بالأصل وفتاوى الأصحاب على أن المستفاد منها جواز ذلك في حال الاختيار ، بل كالصريحة فيه.

وهو ممن لا يقول به.

والحاصل أن أخبار الباب كالأخبار المذكورة محمولة على حصول مسمى الغسل بإمراره على الجسد. وحينئذ فلا شك في وجوبه بل وجوازه مع وجود الماء أيضا. ومع عدم إمكانه وإمكان الصعيد وما يقوم مقامه يندرج في فاقد الطهورين.

حجة القول بلزوم الوضوء والاغتسال به الروايات المتقدمة.

وهي كما عرفت مما لا يفيد ذلك.

وأجاب في المختلف كما ذكرناه من ظهور الاغتسال في حصول مسمى الجريان بمنع أخذ الجريان ومسمى الاغتسال. ومع تسليمه فإنما يقضى جريان ما علّق به الاغتسال لا حصول (١) الماء. وهو حاصل بإجرائه (٢) في المقام ، فإن الثلج يجب إجراؤه على الأعضاء. انتهى.

وهو كما ترى.

واحتج عليه بأنّه يجب في الغسل والوضوء مماسّته أعضاء الطهارة بالماء ، وإجراؤه عليها ، فإذا تعذر الثاني وجب الأول.

وهو أيضا من الضعف بمكان.

حجة القول بالتيمم بالثلج صحيحة محمد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام عن رجل أجنب

__________________

(١) في ( ب ) و ( د ) : « خصوص ».

(٢) لم ترد في ( د ) : « بإجرائه ».

٣١٥

في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا؟ قال : « وهو بمنزلة الضرورة يتيمم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (١).

وفيه : أنه لا دلالة فيها على كون تيممه بالثلج.

وقوله « لا يجد إلا الثلج » لا يدلّ على عدم وجدانه ما يصحّ التيمّم به ، بل يمكن أن يكون المقصود به عدم وجدانه الماء. وكأنّ سياق المقام شاهد عليه ، وإلا لصرّح بالحال ، ولا أقلّ من الاحتمال الذي يسقط به الاستدلال.

واعلم أنه على القول بالتيمم بالثلج لا تأمل في تأخيره عن الغبار كما هو صريح صحيحة رفاعة وغيرها.

وفي الحدائق (٢) : ظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم جواز استعمال الثلج مع وجود الغبار ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه.

وهو يعطي تأخير الوضوء والغسل على القول بهما عن ذلك.

وأما بالنسبة إلى الوحل فقد يقال : إن ظاهر المختلف أنه كذلك حيث فرض المسألة في صورة عدم وجدان ما عدا الثلج. وظاهر الديلمي التخيير بينه وبين الحجر والوحل.

ويمكن أن يقال : إنه قضية الجمع بين الصحيحة المتقدمة ، وما دلّ على التيمّم بالوحل ؛ لورود كل منهما فيمن لا يجد سواه ، فإذا دار الأمر بينهما تخيّر.

وفيه تأمل.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٦٧ ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد إلا الثلج أو الماء الجامد ، ح ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٤ / ٣٠٣.

٣١٦

تبصرة

[ في اشتراط طهارة التراب ]

يشترط في التراب الذي يتيمم به أن يكون طاهرا بلا خلاف فيه يعرف. وفي التذكرة : إنه مذهب علمائنا أجمع.

وفي منتهى المطلب (١) : لا نعرف فيه خلافا.

واحتج عليه بعد ذلك بظاهر قوله تعالى ( صَعِيداً طَيِّباً ) (٢) فإن الطيب هو الطاهر.

وعزا تفسيره بذلك في مشرق الشمسين (٣). وفي البحار (٤) إلى مفسري أصحابنا مؤذنا باتفاقهم عليه.

وعن بعض العامة تفسيره بالأول ، وعن آخر تفسيره بالذي ينبت دون ما لا ينبت كالسبخة.

أما الوجه الأخير فقد عرفت (٥) ضعفه.

ويضعّف الثاني بأنّه إن لم يكن المقصود بالطيب هو الأول ، فلا أقل من تعميمه للوجهين ؛ لعدم صدق الطيب على النجس ، فإن ثبت تفسير الأول ـ كما هو الظاهر ـ دلّ (٦) على المطلوب بالخصوص وإلا اندرج فيه ، فالاحتجاج بالآية لا غبار عليه.

فمناقشة صاحب المدارك في ثبوت كون الطيب بمعنى الطاهر الشرعي ليس في محله ؛ إذ

__________________

(١) منتهى المطلب ١ / ١٤٤.

(٢) النساء : ٤٣ ، المائدة : ٦.

(٣) مشرق الشمسين : ٣٣٩.

(٤) بحار الأنوار ٧٨ / ١٤١.

(٥) في ( ب ) و ( د ) : « علمت » بدل « عرفت ».

(٦) زيادة : « دلّ » من ( د ).

٣١٧

من الظاهر أنه بعد ثبوت القذارة في الشرع يخرج عن كونه طيبا عند المشهور (١) ، فالصفة وإن كانت شرعية إلا أن الاتصاف عرفيّ ، فأهل العرف إنما يصفونه مع ذلك بالطيبة من جهة عدم إثباتهم للصفة.

على أن الإجماع على عدم اشتراط الطيبة العرفية قرينة على إرادة الشرعية.

وقد يقرّر الاستدلال عليه بالأصل من جهة الشك من جهة البناء على شرطيّة ما شكّ في شرطيته ، فبعد (٢) الشك في مدلول الآية لا بدّ من القول بالاشتراط.

واحتج عليه في الحدائق (٣) بالنبوى المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ».

وذكر في القريب : بأن الطهور لغة هو الطاهر المطهر كما حقّق في باب المياه.

قال (٤) : ومن ذلك يعلم أن كل موضع دلّ النص على التطهير بالأرض من حدث أو خبث يجب أن تكون طاهرة حسبما يقال في الماء.

قلت : فيه : أوّلا : أنه قد ذكر للطهور في باب المياه معنى آخر أيضا. وهو أن يكون بمعنى ما يتطهر به ، والمقام محتمل (٥) لإرادته ، فلا يفيد اعتباره الطهارة.

وثانيا : أن غاية ما تقتضيه الرواية أن تكون الأرض في أصلها طاهرة مطهرة ، وهو لا يقضي باشتراط الثاني من الصفتين بالأول حتى يزول الثاني بزوال الأول إلا أن يقال : إن الحكم بطهوريته (٦) حكم واحد ، فإذا زال بعضه ـ أعني الطهارة ـ زال الجميع ؛ للخروج عن مدلول الآية وعدم حجية الاستصحاب عنده.

وهو كما ترى.

نعم ، قد يمكن الاعتضاد به في المقام بملاحظة أن الظاهر المنساق من المطهّر هو ما كان

__________________

(١) في ( د ) : « الشارع ».

(٢) في ( ألف ) : « بعد ».

(٣) الحدائق الناضرة ٤ / ٣١١.

(٤) الحدائق الناضرة ٤ / ٣١٢.

(٥) في ( ألف ) : « تحمل ».

(٦) في ( ألف ) : « بطهورية ».

٣١٨

طاهرا في نفسه بعد حصول التطهير بالنجس.

وكيف كان ، فالمسألة بملاحظة ما ذكرناه ـ مع اعتضاده بعدم ظهور الخلاف فيه بين الأصحاب بل ظهور اتفاقهم عليه ـ مما لا ينبغي الريب فيه.

ويجري الحكم في غير التراب من سائر ما يتيمم به.

وربما يتأمل في المقام في الطهارة المعتبرة في الشي‌ء المغبّر بأنها هل تعتبر في خصوص الغبار أو محله أو فيهما معا؟ وجوه ؛ أضعفها الثاني وأحوطها الأخير.

وظاهر غير واحد من الأخبار هو الأول حيث دلّ على أن المتيمّم (١) به هو الغبار. ولا يخلو عن قوة.

ولو امتزج الطاهر النجس كان بحكم النجس. وربما يقال في الغبار الممتزج بالنجس بالجواز إذا حصل مسمّاه من الطاهر ، والمشتبه بالنجس حكمه حكم النجس مع الانحصار كما عرفت.

ولو دار الاشتباه بين الماء والتراب ، و (٢) كان عنده تراب آخر معلوم الطهارة فهناك وجوه ؛ من تعيّن الطهارة بالماء على احتمال تقدم في باب المياه ، وتعين التيمّم لكون المشتبه حكمه حكم النجس ، وتعيّن الأمرين لاحتمال مصادفة الطهارة الاختيارية.

__________________

(١) في ( ألف ) : « التيمّم ».

(٢) أضفنا الواو من ( د ).

٣١٩

تبصرة

[ في التيمّم بالمغصوب ]

لا يجوز التيمّم بالمغصوب بلا خلاف فيه يظهر.

وعزاه في التذكرة إلى علمائنا أجمع.

ووجهه ما تقدم في الوضوء من عدم إمكان التقرب بالمحرّم ، ولعدم انصراف الأوامر إلى الفرد المنهيّ عنه ، فلا مقتضى فيه للصحة.

وكذا الحال لو كان مكان التراب مغصوبا.

هذا كله بناء على كون الضرب على الأرض جزء من التيمّم واضح ، وإلّا كان بمنزلة الاغتراف من الآنية المغصوبة مع إباحة التراب أو حرمته إن لم نشترط العلوق ، ولم يعلّق منه شي‌ء باليد إلا أن يستند في منعه إلى الإجماع أو بعض الوجوه المذكورة.

ولو كان الفضاء الذي يقع فيه المسحات مغصوبا فالظاهر عدم الصحة ؛ لسريان المنع إلى فعل العبادة القاضي بفسادها.

وقد يقال بأن الحركات الواقعة في المكان المغصوب مقدمات لحصوله ، فلا يضر اجتماعها مع الحرام كما قيل بمثله في الوضوء.

ولا يخفى وهنه كما تقدمت الإشارة إليه.

وأما إذا كان مكانه سوى ما يقع فيه أفعال التيمّم مغصوبا لم يمنع من الصحة إلا إذا كانت حركات التيمّم مستلزمة للصرف فيه.

والمراد بالمكان المغصوب ما لم يكن مملوكا له عينا ولا منفعة ولا مباحا ولا مأذونا فيه من المالك ومن بحكمه أو من الشرع ، ومن الآخر التيمّم في الأراضي المتسعة ؛ لجريان الطريقة من لدن صاحب الشريعة على إيقاع تلك الأنحاء من التصرفات من غير ورود منع كما مرّت

٣٢٠