تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

الصلاة؟ قال : « إن كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره وليصلّ » (١).

ولا شكّ أن انصرافها إلى من عمّ الجبيرة أعضاءه غير معلوم ، وقضية الأصل المذكور في مثله الجمع بين الأمرين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٤٦٥ ، باب إجزاء المسح على الجبائر في الوضوء ، ح ٨.

٢٨١

تبصرة

[ في المرض المسوغ للتيمّم ]

المرض المسوغ للتيمم أعمّ من الموجود حال التيمّم أو المتوقع باستعمال الماء بحيث يخاف من استعماله حدوثه ، إما بالنظر إلى ما يعهد من حاله أو أحوال أمثاله أو بأخبار من يعتمد عليه في ذلك كالطبيب وإن كان كافرا أو فاسقا (١).

وعن ظاهر المنتهى (٢) قصر الحكم على أخبار المسلم العارف والعارف الفاسق أو المراهق لحصول الظن بالضرر.

وهو ضعيف للقطع بحصول الظن من أخبار العارف الكافر ، بل قد يحصل منه ظن أقوى من الحاصل بقول المسلم إذا كان أكثر تجربة منه ، ولذا يقدّم عند التعارض.

والحاصل أن الأمر دائر مدار الخوف المتعارف ، ولو حصل الخوف من دون اعتبار احتمالات بعيدة غير قابلة للخوف المعتاد فالظاهر عدم جواز البناء عليه كما إذا لم يحصل له الخوف مع حصول أسبابه ، فلا عبرة فيه أيضا بالأمن المفروض.

ويختلف الحال أيضا في حصول الخوف باختلاف المخوف منه ، فإن كان أمرا عظيما يحصل الخوف منه بأدنى أمارة بخلاف ما إذا كان سهلا. وما ذكرناه ضابطة كلية في سائر موارد الخوف.

ثم المرض الموجود إما أن يكون مانعا من تمكن استعمال أو يكون استعماله باعثا لزيادة المرض أو بطء برئه على النحو المذكور إلا أنه على الأول يجب عليه التولية إن أمكنه ، ويقدم على التيمّم ولو أمكنه المباشرة فيه لصحة التولية في المائية أو لنا بالإجماع فيقدم على الترابية.

__________________

(١) في ( ب ) : « فاسقا أو كافرا ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٣٦.

٢٨٢

ولو شقّ عليه استعمال الماء بحيث لا يتحمل عادة كان بمنزلة عدم التمكن لارتفاع الحرج ، ولو تحملها وباشره بنفسه فإن كان مضرا بحاله بحيث يمنع شرعا من إضراره نفسه كذلك فإن لم يتمكن من التولية فسد قطعا ، وإن تمكن منه ففي الصحة وجهان من بقاء التكليف بالمائية.

وحصول العمل بالمباشرة المحرّمة لا يقضي بالفساد لكونها من مقدمته ، ومن اتحادها بالعمل كما هو الظاهر في صورة إيصاله الماء إلى الأعضاء بآلة محرمة.

وهذا هو الأقوى.

وإن لم يكن مضرّا بحاله كذلك ففي الصحة وجهان. والظاهر الصحة في صورة إمكان التولية لعدم حرمة المباشرة.

ثمّ إنّ المرض الذي يخاف من حصوله أو زيادته أو بطء برئه إمّا أن يخاف معه من التلف أو المضرة العظيمة التي تمنع من تحمله في الشريعة أو المشقة التي لا تتحمّل في العادة مع خلوّه عن حرمة التحمل. وعلى التقادير الثلاثة لا خلاف في الانتقال إلى التيمّم ، ولو استعمل الماء حينئذ فسدت الطهارة لسقوط الأمر بالمائية.

وقد يتخيل في الأخير الصحة بناء على أن ( الانتقال إلى التيمّم رخصة من الشرع وتوسعة منه عليه. ويدفعه أنّ قضيّة الأدلّة سقوط المائيّة و ) (١) انتقال الحكم إلى (٢) الترابية ، فالحكم بالجواز يحتاج إلى الدليل لسقوطه الوجوب كما هو الأقوى.

نعم ، لو كانت المائية مستحبة ففي جوازها وجهان ؛ من كون المندوب أقلّ اهتماما من الواجب فهو أولى بالسقوط ، ومن انتفاء الخروج في إثبات التكاليف المندوبة وإن كانت شاقّة.

فغاية ما يدلّ عليه الدليل إذن صحة التيمّم ، وأما عدم صحة المائية فغير معلوم ، وقضية الإطلاقات صحته.

ولا يخلو عن وجه سيّما ما لا نقول فيه ببدلية التيمّم كغسل الجمعة.

ولو كان بحيث يمكن تحمله في المعتاد ففي إباحة التيمّم وجهان بل قولان ، وظاهر الأكثر

__________________

(١) ما بين الهلالين وردت في ( د ) لا غيرها من النسخ.

(٢) في ( ألف ) : « في » بدل « إلى ».

٢٨٣

عدم إباحته بالمرض اليسير ، ومثّلوه بالصداع ووجع الضرس.

واستظهر جماعة من المتأخرين إباحته منهم شيخنا البهائي والعلامة المجلسي ، وحكي ذلك عن ظاهر العلّامة في النهاية والإرشاد والشهيد في الذكرى.

وعن المحقق الكركي تقوية ذلك. واحتجّ لهم بظاهر الآية الشريفة.

وهو إنما يدلّ على صورة وجود المرض ، وأنه أعظم من الشين مع إطباقهم على إباحته.

مضافا إلى أنه لا وثوق في المرض بوقوفه على حدّ اليسر.

قلت : إطلاق الآية يقتضي حصول الإباحة بمجرد حصول المرض وإن لم يكن هناك مانع من الاستعمال ، وهو خلاف الإجماع ، فالأظهر تنزيله على صورة أخرى بالضرر (١) كما هو الحال في غيره ، فالأظهر دوران الحكم مدار صدق الضرر كما هو الشأن في إفطار المريض وغيره. وأما إباحة الشين له فهو مبني على كونه ضررا ، وهو كذلك في الغالب قد يحمل على إطلاقاتهم. وعليه يحمل ما في منتهى المطلب من حكاية الإجماع عليه.

فما في نهاية الإحكام والروض من التصريح بعدم الفرق بين شديده وضعفه (٢) ليس على ما ينبغي سيّما مع ما في الأخير من التعليل بالإطلاق مع خلوّ الأخبار فيه (٣) رأسا ، وعدم ظهور مستند للحكم سوى الضرر.

اللهم إلا أن يستند إلى إطلاق الإجماع المنقول وإطلاقات الأصحاب.

وفيه : أن تحقق الإجماع كذلك غير معلوم ، بل المحقق منه ما يدور مدار الضرر لا غير ، ولو خاف من انجرار اليسير إلى الكثير فلا تأمل في إباحته. وهو خارج عن محلّ الخلاف.

ثم على كلامهم لو تحمل ذلك ففي الصحة وجهان ، ولو أمكنه دفع المرض بالدواء بحيث يحصل الاطمئنان منه فالأظهر وجوبه مع التمكن منه ، وحينئذ ففي وجوب استعلام الأمر وجه قويّ إن احتمل وجود دواء يمنع منه.

__________________

(١) في ( د ) : « الضرر » بدل « اخرى بالضرر ».

(٢) كذا ، والظاهر : « صغيفه ».

(٣) في ( د ) : « عنه ».

٢٨٤

تبصرة

[ في خوف العطش لو استعمل الماء الطهارة ]

لو خاف العطش باستعمال الماء في الطهارة بأن لم يكن عنده ما يضطر إليه لشربه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف بين الأصحاب.

[ و ] في المعتبر أنه مذهب أهل العلم كافّة. ويدلّ عليه بعد ذلك المعتبرة المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح :

منها : الصحيح : قلت للصادق عليه‌السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل خاف العطش ، أيغتسل به أو يتيمّم؟ قال : « بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء » (١).

وفي الموثق : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر فيخاف قلّته ، قال : « يتيمم بالصعيد ويستقي الماء فإن الله عزوجل جعلهما طهورا الماء والصعيد » (٢).

ولا بدّ أن يكون العطش المخوف منه شديدا بحيث لا يتحمّل عادة لا مجرد عطش في الجملة.

والظاهر تنزيل إطلاق الأخبار عليه ؛ إذ هو المتيقن من وقوعه في المقام المذكور. ولا فرق بين كون العطش معلوما أو مظنونا. والظاهر دورانه مدار الخوف كما هو المنصوص في عدة من النصوص ، ويحصل كما مرّ بشهادة الحال وأخبار العارف الواحد ، ولو كان طبيبا (٣) فاسقا أو كافرا ، بل الظاهر الاكتفاء فيه بعد العلم بوجود ماء غيره في الطريق.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٦ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ١٣.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٥ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ١٢ وفيه : « ويستبقي الماء ».

(٣) في ( د ) : « صبيّا ».

٢٨٥

غاية الأمر لزوم التحبيس (١) حينئذ حسب المقدور ، فيستبيح به التيمّم إذا قضت العادة بحصول العطش مع عدم الماء في الجهل (٢) بوجوده فيه ، ولو أمكنه دفع العطش بشي‌ء تعيّن للطهارة ، وإن كان ذلك بقلّة الأكل الغير الواصل إلى حدّ المشقة المجوّزة أو بالسير إلى الماء أو بعدم السير إلى الشمس إن لم يتضرر بالتخلف عن الرفقة على وجه.

وظاهر إطلاق النصّ خلافه إلا أن ينزّل على صورة التضرّر كما هو الشأن في الأعذار ؛ أخذا باليقين.

ولو كان عنده ماء نجس وتمكّن من دفع العطش به واستعمال الطاهر في الطهارة لحرمة شرب النجس وإن كانت الضرورة مسوّغة له بعد حصولها إلا أن إلجاء النفس إلى المحرّم محرّم وإن صرّح عنوان المحرّم بعد حصوله.

مضافا إلى أن جواز شرب النجس إنما هو في صورة الخوف على النفس ونحوها أو المشقة التي لا يمكن تحملها في العادة ، فيقتصر إذن على قدر الضرورة.

وفي إباحة التيمّم إنما يرى (٣) المشقة الّتي لا تتحمل في المعتاد وإن أمكن الصبر على أشدّ منه. وقد يومي عبارة المدارك إلى نحو تأمل فيه حيث استجود الحكم المذكور إن ثبت تحريم شرب النجس مطلقا.

وأنت خبير بوضوح حرمة شرب النجس ، وجواز الشرب حال الضرورة لا يقضي بجواز إلجاء النفس إليه.

ولا يذهب عليك. أن ما ذكرناه من استبقاء الماء إنما هو في صورة التمكن من التيمّم ، ومع عدمه إنما يعتبر خوف العطش الشديد الباعث على الموت ونحوه أو ما لا يمكن تحمّله في المعتاد لخروجه عن مورد النصوص ، فيرجع فيه إلى الأصل مع ما علم من اهتمام الشرع في خصوص الصلاة.

__________________

(١) في ( د ) : « التنجيس ».

(٢) زيادة في ( د ) : « بعدم ».

(٣) في ( د ) : « يراعى » بدل « يرى ».

٢٨٦

فهناك فرق في المسائل ( المفروضة في هذا الباب بين إمكان التيمّم مع ترك المائيّة وعدمه ، فلا تغفل. ولو احتاج إلى ) (١) الماء بعد الشرب ونحوه كالطبخ ونحوه دار صحة التيمّم مدار الضرر.

وفي الموثقة المذكورة دلالة عليه.

ولو احتاج إليه لإزالة النجاسة فإن كان مع حصولها ودخول الوقت قدّمها على ما مرّ ، ولو كان قبل الوقت جاز الإتيان بكل منهما ، وإن كان بعده قبل حصول النجاسة صحت الطهارة ، وإن علم بطرو النجاسة قبل فعل الصلاة على إشكال.

[ تنبيهات ]

وهاهنا أمور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لا فرق في الحكم المذكور بين عطش نفسه أو عياله أو نفس مؤمنة ؛ لما دلّ على وجوب حفظها وإن حرمة أخيه المؤمن أعظم من حرمة الصلاة. وهو واضح إن بلغ حدّ الخوف على النفس وما هو بمنزلتها ، وأما مع عدمها فغاية ما دلّ عليه رفع الحرج وعدم التزامه بالمشقة الشديدة. وأما دفع الحرج عن غيره فلا شاهد عليه ، ولذا لا يجب عليه الدفع مع عدم اقتضائه إلى ما ذكر.

نعم ، لو كان الغير من جملة عياله جرى فيه الحكم المذكور بل الظاهر ثبوت ذلك مع انتفاء المشقة الشديدة أيضا ؛ لوجوب الإنفاق عليه على النحو المعروف إلا أن يسقطه عنه.

ومن الظاهر تقديم حقوق الناس على حقه تعالى ، بل لا يبعد جريان ذلك بالنسبة إلى من يجب عليه الإنفاق من غير تعلّق بذمته كالأبوين ؛ إذ لو قلنا باندراجه في حقوق الناس فظاهر ، وإلّا فهناك واجبان تعارضا ، ويقدّم الثاني لانتفاء ما يقوم مقامه كما مرّ نظيره في الدوران بينه وبين إزالة النجاسة.

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

٢٨٧

نعم ، يشكل الحال فيما إذا كان فاقدا للطهورين مع بذل الماء المفروض. وقد يقال في صورة عدم وجوب الإنفاق بأن في تكليفه بإبقاء أخيه المؤمن في الشدة من الحرج ، مضافا إلى ما دلّ على شدة احترام المؤمن وأن حرمته أعظم من الكعبة إلى غير ذلك ، مع تأيده بظاهر إطلاق الأصحاب وأنه يستحب له مود (١) على نفسه التي يقدم مراعاتها على الطهارة المائية فتقديمه على المسوغ دليل على تسويغه ، فبملاحظة ذلك كله ربما يتقوى القول بذلك.

وفي جريان الحكم المذكور بالنسبة إلى الذمي والمعاهد والمخالف للحق وجهان.

وقد أفتى به العلامة في التذكرة. والأقوى خلافه ؛ إذ لا دليل على وجوب محافظتهم وإنقاذهم من الهلكة ونحوها. غاية الأمر عدم جواز إتلافهم لاعتصامهم ببعض الأسباب الباعثة عليه.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد بجريان الحكم في صورة الخوف على دابّته وكلّ حيوان محترم. وظاهر ذلك عدم الفرق بين كونه مملوكا له أو لغيره ، وكونه في يده أو يد غيره. وهو على إطلاقه لم يقم عليه دليل ظاهر.

وكأنه مبني على الملازمة بين وجوب الحفظ وحرمة الاتلاف بناء على تقييد خوف العطش بالمهلك ، مضافا إلى ما ورد من أن « لكل كبد حرّاء أجر ».

وقد يفيد الأخير جريان الحكم في العطش الشديد البالغ حدّ الإفراط.

وفيه : مع ما يرد عليه من المنع أنه قد يجوز إتلافه بالذبح فيما يكون محلّل اللحم أو قصد تذكيته من جهة الانتفاع بجلده ونحوه أو نقله بالبيع ونحوه مع تمكّن المشتري من سقيه.

نعم ، يمكن له القول به في مملوكه إذا خاف تلفه من جهة لزوم حفظ المال وعدم وجوب تحمل الضرر. وهذا إنما يتمّ فيما إذا كان تلفه مضرّا بحاله كما مرّ.

وأما مع عدمه ففي عدم وجوبه إشكال مرّت الإشارة إليه.

وبنى في الحدائق على وجوب المائية في الصورتين بناء على زعمه من وجوب صرف

__________________

(١) كذا في ( ب ) ، وفي ( ألف ) : « مور » ، وفي ( د ) تقرأ إحداهما إلّا أن عليها إشارة تحكي وجود كلمة محذوفة في النسخة.

٢٨٨

المال في مثله وإن بلغ حدّ الاضرار.

وقد عرفت ما فيه.

وهناك وجه آخر لثبوت الحكم المذكور في خصوص المملوك ، وهو وجوب الإنفاق عليه على نحو ما مرّ فيمن يجب عليه الانفاق من الإنسان ، فحينئذ يتعارض فيه الوجهان مع حصول البدل لأحدهما دون الآخر.

وقد يستشكل فيه مع إمكان ذبحه أو بيعه من القادر على سقيه ونحو ذلك ؛ لعدم تعيّن الإنفاق عليه حينئذ (١).

وفيه : أنه حينئذ مع إبقائه كذلك يجب عليه الانفاق ، وإن كان عاصيا فيه لو قلنا به.

هذا كله إن لم يكن عطش الدابة موجبا للخوف على نفس الراكب أو نفس أخرى محترمة أو ما هو بمنزلتها وإلّا تعين التيمّم بلا خلاف فيه ، وكذا إذا كان موجبا لمضرّة شديدة لا يتحمّل في العادة أو باعثا على تعريض أمواله (٢) وأحماله للتلف مع كونه مضرا بحاله على الأقوى.

ومع عدمه أيضا إذا كان مقيدا به في وجه قوي.

ولو سبّب ذلك تخلفه عن الرفقة مع عدم إضرار به فوجهان.

ومن الغريب ما وقع في الحدائق (٣) من استدراكه ذلك مع حكمه بوجوب التيمّم مع تلف الدابّة وعدم العبرة بتلف المال ، قال : نعم ، ينبغي أن يستثنى منه ما لو كان محتاجا إلى الدابة بحيث يضره فوتها كما إذا كان في سفر لا يمكن قطعه إلا بها أو يحتاج إليها لنقل أثقاله وأحماله ، فإنه يجوز أن تصرف الماء إليها.

ثالثها : إنما يسوغ التيمّم بما ذكرنا إذا لم يكن ترك الشرب مطلوبا بالنسبة إليه كما إذا كان شرب الماء مضرّا به لحصول حرج في بدنه ونحوه ، وكذا لو منعه عنه صوم الواجب إذا لم يخف

__________________

(١) لم ترد في ( د ) : « حينئذ ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « أمواله ... تخلّفه عن ».

(٣) الحدائق الناضرة ٤٠ / ٢٩٠.

٢٨٩

من وصوله إلى حدّ يجب عليه الإفطار ؛ (١) إذ الظاهر الفرق بين الضرورتين كما مرّت الإشارة إليه. ونحوه ما لو كان بانيا على الصوم ومع استحبابه في وجه قوي.

وكذا الحال بالنسبة إلى غيره.

ويعتبر أيضا احتماله قبول الآخر وتمكنه من بذله ، ولو علم بانتفاء ذلك تعيّن الطهارة ومع الشك وجهان.

ولا فرق بين كون سفره محرّما أو مباحا في وجه قوي ، ولو أمكن رفع العطش بالرجوع تعيّن في المحرّم دون المحلّل إن وجب أو كان تركه مضرا بحاله ، ومع عدمه فوجهان.

__________________

(١) في ( ألف ) و ( ب ) زيادة « انه » هنا ، ولا وجه لها.

٢٩٠

الفصل الثالث

في بيان الأمور التي يصحّ معها التيمّم

مع الاختيار أو الاضطرار

تبصرة

[ في التيمّم على الأرض ]

ذهب أكثر الأصحاب إلى جواز التيمّم اختيارا لكلّ ما صدق عليه اسم الأرض من تراب وحجر ورمل وما أشبهها.

وإليه ذهب الاسكافي فيما حكي عنه ، والشيخ في عدة من كتبه والسيد في أحد قوليه ، والفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي وكثير من المتأخرين.

وعن الخلاف حكاية الإجماع عليه.

[ و ] في مجمع البيان أن التيمّم بالحجر مذهب أصحابنا.

وفي التذكرة (١) أن الحجر الصلب كالرخام إذا لم يكن عليه غبار يجوز التيمّم به عندنا. وفيه أيضا إسناد جواز التيمّم بكلّ ما يقع عليه اسم الأرض إلى أكثر (٢) علمائنا.

وفي الحدائق : أنه المشهور بين المتأخرين.

وذهب المفيد في ظاهر كلامه ، والسيد في قوله الآخر ، والحلبي والحلي إلى التخصيص بالتراب.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٦٢ وفيه : الحجر الصلد.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « أكثر ».

٢٩١

ومنشأ الخلاف الواقع بينهم اختلاف أهل اللغة في معنى الصعيد ؛ (١) لتعلق التيمّم به في نصّ الكتاب ، فعن تغلب والزجاج (٢) أنه وجه الأرض ترابا كان أو غيره.

وحكاه الخليل عن ابن الأعرابي. وبه فسّره الزمخشري في الأساس والمطرزي في المغرب والأزهري في المصباح المنير والراغب (٣) في المفردات.

وفي الأخير بعد التفسير المذكور : ويقال : الصعيد في كلّ كلام العرب يطلق على وجوه على التراب الذي على وجه الأرض ، وعلى الطريق.

وفيه شهادة على أن أصل المعنى هو الأول ، والثاني مما يطلق عليه اللفظ ، ولا دلالة فيه على كونه خصوص المستعمل فيه ، فقد يكون إطلاقه عليه من جهة أنه من مصاديق وجه الأرض (٤).

قال : وهذا يوافق مذهب أصحابنا في أن التيمّم يجوز بالحجر سواء كان تراب أو لم يكن.

وحكي عن الزجاج أيضا في علة تسمية ذلك صعيدا أنه نهاية ما يصعد من باطن الأرض. فيكون فعيلا بمعنى الفاعل كما نصّ عليه غير واحد من المفسرين.

وعن الجوهري (٥) وابن الفارسي (٦) في المجمل أنه التراب (٧) الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل.

وأنت خبير بأن هذه الأقوال لا يعادل الأقوال السابقة مع اعتضادها بما عرفت ، مضافا إلى الشهرة بين الأصحاب وموافقته في الجملة عن المنقول عن الأكثر ، فيما رواه في معاني

__________________

(١) في ( ألف ) : « الصعيد و ».

(٢) نقل عنهما في مجمع البيان ٣ / ٩٤.

(٣) مفردات غريب القرآن : ٢٨٠ ( صعد ).

(٤) زيادة في ( د ) : « وحكى الطبرسيّ عن الزجّاج أنّه قال : لا أعلم خلافا بين أهل اللّغة في أنّ الصعيد وجه الأرض ».

(٥) الصحاح ٢ / ٤٩٧ ( صعد ).

(٦) في ( د ) : « فارس » بدل « الفارسي ».

(٧) زيادة في ( د ) : « وعن ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة أنّه التراب ».

٢٩٢

الأخبار عن الصادق عليه‌السلام من أنه « الموضع المرتفع » (١).

وفي رواية الفقه أنه « الموضع المرتفع من الأرض » (٢). وكأنه لذلك فسّره الصدوق في الهداية.

وكيف كان ، فيمكن الاستدلال على المقصود بوجهين :

أحدهما : ظاهر إطلاق الآية بعد تفسيرها بما ذكرنا لقول هؤلاء الأجلاء المعتضد بما عرفت ، وانتفاء ما يقاومه فيما يقابله.

ثانيهما : إطلاق عدّة من النصوص المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيره المعتضد دلالتها بفتوى معظم الطائفة والإجماعات المحكيّة كما مرّ الإشارة إليها :

منها : الحديث النبوي المشهور : « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ». وهو مروي في عدة من الكتب المعتبرة كالمحاسن (٣) وبصائر الدرجات والكافي (٤) والفقيه (٥) والخصال (٦).

ومنها : ما في عدة من الأخبار الواردة في بيان كيفية التيمّم الآمرة بضرب اليدين على الأرض كالصحيح على الأصح : « تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، وتضرب بكفّيك على الأرض ثم تنفضهما » (٧) الخبر.

ومنها : صحيحة الحلبي : « إذا لم يجد الرجل طهورا وكان جنبا فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل » (٨).

ونحوه صحيحة عبد الله بن سنان.

__________________

(١) معاني الأخبار : ٢٨٣.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٩٠.

(٣) المحاسن ١ / ٢٨٧.

(٤) الكافي ٢ / ١٧ ، باب الشرائع ، ح ١.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٤١ ، باب الموضع التي تجوز الصلاة فيها ، ح ٧٢٤.

(٦) الخصال : ٢٠١.

(٧) الإستبصار ١ / ١٧١ ، باب عدد المرات في التيمّم ، ح (٥٩٥) ـ ٣ و (٥٩٦) ـ ٤ ، باختلاف.

(٨) الكافي ٣ / ٦٣ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح ٣.

٢٩٣

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم : « فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض » (١).

ونحوه صحيحة زرارة.

وفي الموثق : « فإن فاته الماء لم تفته الأرض » (٢).

مضافا إلى ما يومي إليه الصحيح : « إنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (٣).

وما في عدة من الوضوءات البيانية المشتملة على الضرب على الأرض ، وهي وإن لم تكن دالّة على المقصود ـ لكونها من حكايات الأفعال ـ إلّا أنّ في التعبير فيها بلفظ الأرض إشارة إلى ذلك سيّما ما اشتمل من ذلك على حكاية الإمام عليه‌السلام فعل النبي.

ومما يدلّ على ذلك رواية النوادر ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن علي عليه‌السلام ، وفيها : « فقيل له : أتيمم بالصفا الثابتة على وجه الأرض؟ قال : نعم » (٤).

وما في الدعائم عنهم عليهم‌السلام : « أنه يجزي بالصفا الثابت على الأرض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولا » (٥).

وضعفهما مجبور بما ذكرنا.

مضافا إلى أنه لو رخّص التيمّم حال الاختيار بالتراب لذكر ذلك في الأخبار ، وذكر انتقال التكاليف مع العجز عنه إلى التيمّم بالحجر ونحوه ، ولوقع ذلك في أسئلة الأصحاب.

مع أنه كثيرا يقع إلحاقه إليه لكثرة الأراضي الرملية ونحوها.

وقد تكرّر في الأخبار ذكر التيمّم بالطين والغبار بعد العجز عن الصعيد مع عدم إشارة إلى ذلك.

حجة القول بالاقتصار على التراب بعد الإجماع المحكي عليه عن الغنية الآية الشريفة

__________________

(١) الكافي ٣ / ٦٣ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح ١.

(٢) قرب الاسناد : ١٧٠.

(٣) الكافي ٣ / ٦٤ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح ٧.

(٤) كتاب النوادر ٢١٨ وفيه : « أيتيمم بالصفا البالية ».

(٥) دعائم الإسلام ١ / ١٢١ وفيه : « بالصفا النابت في الأرض ».

٢٩٤

بدعوى كون الصعيد هو التراب كما نصّ عليه جماعة من أهل اللغة. ومع الغضّ عنه والقول بتعارض كلماتهم فلا أقل من الشك.

وحينئذ قضية الأصل لزوم الاقتصار على التراب لحصول اليقين بالفراغ ، مضافا إلى ظواهر عدة من الأخبار كصحيحة رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده ، فتيمم فيه فإن ذلك توسيع من الله عزوجل ». قال : « فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه ، فليتيمم من غباره أو شي‌ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم منه » (١).

وفي هذه الرواية إشارة إلى المطلوب من وجوه عديدة لمقابلة (٢) التراب بالماء ، والأمر بالتيمم على أجفّ المواضع الشامل بإطلاقه الحجر بعد انتفاء التراب ، ثم بيان أن ذلك توسيع من أنه لإنباته بأن ذلك من التوسّع الخارج عن حدّ التكليف الأول الأمر بالتيمم على الصعيد.

وقريب من ذلك صحيحة عبد الله بن المغيرة الموقوفة : « إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء فانظر أجفّ موضع تجده فتيمم من غباره أو شي‌ء مغبّر ، وإن كان في حال لا تجد إلا الطين فلا بأس أن يتيمم به ».

ومما يدلّ على ذلك أيضا قوله عليه‌السلام : « جعلت لي الأرض مسجد وترابها طهورا » (٣) ، فإن إقحام لفظ « التراب » مع كون المقام مقام الامتنان يقضي بذكر الأعم دليل على اختصاصه به ، وإلا لكان ذلك لغوا بل مخلّا بالمقصود في المقام.

وما في الصحيح من قوله عليه‌السلام : « إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (٤) ، وقوله عليه‌السلام في رواية ابن ميسرة : « فإن ربّ الماء ربّ التراب » (٥) ، ومرسلة علي بن مطر ، عن

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٨٩ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ٢٠.

(٢) في ( د ) : « كمقابلة ».

(٣) المعتبر ١ / ٤٥٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٩ ، باب التيمّم ، ح ٢٢٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٧ ، باب التيمّم ، ح ٢٢١.

٢٩٥

الرضا عليه‌السلام : عن الرجل لا يصيب الماء والتراب أيتيمّم بالطين؟ قال : « نعم » (١).

مضافا إلى ظاهر آية المائدة من زيادة قول « منه » الدالّ على كون ذلك الصعيد مما له قابلية للتعلق بالكفّ فلا يراد منه الحجر ونحوه ، سيّما بملاحظة صحيحة زرارة الواردة في بيان الآية الشريفة.

والجواب أن الإجماع موهون بمخالفة الأكثر ، والآية قد عرفت الحال فيها ، وأصالة الشغل مدفوع بقيام الدليل على الجواز. والروايات لا دلالة ظاهرة فيها على المقصود.

أما صحيحة رفاعة ، ففيه : أوّلا : كلام في الإسناد ـ وإن وصفها العلامة بالصحة ـ من جهة الاشتمال على محمد بن عيسى الأشعري ، ولم يصرّح بتوثيقه أصحاب الرجال. وإن أمكن الذبّ عنه بما يظهر من اعتماد ابنه وغيره من المشايخ عليه وجلالته بين الأصحاب ، مضافا إلى قرائن أخر يفيد الاعتماد عليه.

وثانيا : أن المنساق من الرواية أنه مع عدم وجدان المحل الجافّ للتيمم يراعى أجفّ تلك المواضع ، ولا دلالة فيها على تعيّن التراب أوّلا ، ثم الانتقال إلى غيره من الأحجار ، بل الظاهر منها مراعاة الجافّ أوّلا ، ثم المبتلّ مراعيا للأجفّ ، فالحيثية المسوق لها الكلام هو (٢) فقدان الماء (٣) الجاف دون غيره.

وكأنه السبب في ذكر التوسعة في المقام ؛ نظرا إلى تركّب ما يتيمم به من التراب والماء ، فلا دلالة فيها على خروج الحجر من الصعيد كذكر خصوص التراب فيها وفي الأخبار المتأخرة.

نعم ، ربما يقيّده النبوي المذكور إلا أنه لضعف إسناده بل كونه من طرق العامة كما هو الظاهر وخلوّ المحكي من طرق الخاصة عنه لا ينهض حجة ، بل الظاهر من المحكي عن طرق الخاصة خلافه كما بيّنّا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٩٠ ، باب التيمّم وأحكامه ، ح ٢٣.

(٢) في ( ألف ) : « وهو ».

(٣) في ( ب ) و ( د ) : « فقدان الجفاف ».

٢٩٦

ومع الغضّ عن ذلك فلا تقاوم (١) ما ذكرناه من الأدلة على الاكتفاء بوجه الأرض.

قال العلامة المجلسي (٢) بعد الحكم بمتانة الاحتجاج بهذا الخبر : لكن لا بدّ من التأويل مع وجود المعارض القوي.

فقد عرفت بذلك الحال في دلالة الأخبار المذكورة ، فتأمل.

[ تتميم ]

لنتمّم (٣) الكلام في المرام بذكر أمور :

منها : أن قضية ما عرفت جواز التيمّم بوجه الأرض كون الحجر في مرتبة التراب ، وكذا غيره من سائر ما يصدق عليه اسم الأرض. وعلى القول باختصاصه بالتراب فينبغي القول بعدم جواز التيمّم به مطلقا سواء كان في حال الاختيار أو الاضطرار ؛ لعدم ذكر التيمّم بالأحجار في شي‌ء من الأخبار. وهو ظاهر المحكي عن الإسكافي (٤) من قوله : لا يجوز من السبخ ولا ممن (٥) أحلّ عن معنى الأرض المخلوقة بالطبخ والتحجير خاصة (٦). وظاهره القول بخروجه عن اسم الأرض.

قيل : وهو (٧) لازم كلام السيد ومن قال بمقالته لما عرفت.

وظاهر المفيد في المقنعة التفصيل بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فيقدم على الغبار بعد فقد التراب.

وهو المحكي عن النهاية والسرائر. وبه أفتى في المراسم إلا أنه جعله بعد الغبار في مرتبة

__________________

(١) في ( د ) : « يقاوم ».

(٢) بحار الأنوار ٧٨ / ١٤٨.

(٣) في ( ألف ) : « لنتمّ ».

(٤) نقل هذا الكلام في مختلف الشيعة ١ / ٤٢٠ عن ابن جنيد.

(٥) في ( د ) : « ممّا ».

(٦) هنا في ( ألف ) زيادة : « وبه ».

(٧) لم ترد في ( د ) : « هو ».

٢٩٧

الوحل والثلج.

وحكي في الحدائق (١) الشهرة على الأول.

وعنون البحث بالحجر الخالي عن الغبار ، فربّما يومي ذلك إلى انتفاء الخلاف في غير الخالي عنه (٢). وقد وقع ذلك في التذكرة أيضا. وفيها أيضا إسناد الجواز إلى علمائنا مؤذنا بالإجماع. وهو محل تأمل ؛ إذ مجرد وجود الغبار عليه لا يوجب صدق اسم التراب عليه.

فالظاهر عدم الفرق بين الصورتين إلا بناء على اعتبار العلوق. وهو مقام آخر.

نعم ، يمكن القول بدخول المغبّر منه في التيمّم بالغبار ، وهو أيضا لا يثمر في المقام إلا على قول الإسكافي إن قال بشمول الحكم لمثله.

وكيف كان ، فالأظهر الأول لصدق اسم الأرض عليه قطعا. وقد عرفت جواز التيمّم به.

وقد ظهر مما ذكر (٣) الوجه في المنع المطلق.

وأما القائلين بالتفصيل فليس لهم مستند ظاهر ، وقد يحتجّ لهم تارة بالإجماع على صحّة التيمّم به مع العجز من التراب ، ويكفي (٤) به حجة في المقام.

وأخرى بأنه لما وقع الخلاف في لفظ الصعيد كان قضية أصالة شغل الذمة الاقتصار على خصوص التراب مع الاختيار ، وأما مع الاضطرار فلما دار الأمر بين كونه فاقدا للطهورين فيسقط عنه وجوب الصلاة أو واجدا له فيجب قضاء (٥) الشغل اليقيني بالصلاة وجوب الإتيان بها مع التيمّم بالحجر ؛ لعدم الحكم بسقوطه بمجرد الاحتمال.

وثالثا : أنه قضية الجمع بين الآية وإطلاق الأخبار المشتملة على لفظ « الأرض » بحمل الآية على صورة الاختيار وجوازه بمطلق وجه الأرض من (٦) غيره كما يستفاد منها على صورة

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٢٩٧.

(٢) في ( د ) : « منه ».

(٣) في ( د ) : « ذكرنا ».

(٤) في ( د ) : « كفى ».

(٥) في مخطوطات الأصل : « قضى ».

(٦) لفظة : « من » وردت في ( د ).

٢٩٨

الاضطرار.

قال في الحدائق (١) : وهو وجه وجيه.

فإن قلت : إن الجمع المذكور مما لا شاهد عليه ، وقضية حمل المطلق على المقيّد تقييد الروايات بالآية الشريفة مطلقا إذا لم يفصل فيها بين الحالتين فيعود المحذور.

قلت : قضية الأمر باستعمال التراب في الآية شاهد على حصول التمكن منه. وحينئذ فلا يعوّل بتقييد تلك الإطلاقات إلا بمقدار ما قضت الآية بالتقييد فيه.

ويدفع الأول بمنع الإجماع.

كيف ، ولا تحقق فيه الخلاف من الاسكافي.

وظاهر الكافي مضافا إلى أن قول الأكثر منه (٢) بالجواز إنما هو لجعل التيمّم من مطلق وجه الأرض على أنه إن ثبت الإجماع ففي ترتّبه أيضا كلام ، فتقديمه على الغبار لا وجه له ، بل قضية إطلاق ما دلّ على التيمّم بالغبار تأخيره عنه ، فلا يتمّ الاحتجاج بالإجماع.

والثاني : بأن قضية اشتراط الصلاة بالطهور سقوطها عند عدم تحقق شرطها ، وهو غير متحقق الحصول في الصورة المفروضة ، فلا يجب.

غاية الأمر استحباب الاحتياط المذكور إن لم نقل بحرمة الصلاة بالذات من دون الطهارة كما هو قضية بعض الأخبار.

والثالث : ( بأن قضية الأخبار جوازه بمطلق الأرض في حال الاختيار حيث ذكر ذلك في بيان أصل الكيفية. وقد يحتج على ذلك بإطلاق صحيحة رفاعة الماضية ، وهو إطلاق ضعيف.

ثانيها : نصّ جماعة من الأصحاب بجواز التيمّم بأرض الجص والنورة.

وفي الحدائق (٣) : إنه المشهور.

__________________

(١) حدائق الناضرة ٤ / ٢٩٩.

(٢) في ( د ) : « فيه ».

(٣) الحدائق الناضرة ٤ / ٢٩٩.

٢٩٩

وفي شرح الإستبصار : إنه لا خلاف في جوازه بأرض الجص والنورة قبل الإحراق.

وخلاف ابن إدريس (١) فيه لا يلتفت إليه ؛ لأنه مخالف للنص والإجماع.

وكأنه عني به الإجماع على جوازه في الجملة ؛ إذ لا أقل من منع القائل باختصاص التيمّم بالتراب حال الاختيار.

ولذا فصّل فيه الشيخ (٢) في الحالين إلا أن يقال بصدق التراب عليه ، أو يقال بخروجه بالدليل. وهو أيضا بيّن الضعف.

وظاهر المحكي عن الحلي هو المنع منه مطلقا ؛ استنادا إلى كونه معدنا.

وظاهره دعوى الخروج عن اسم الأرض. وهو في محل المنع ، بل من الظاهر شموله لهما.

نعم ، هما خارجان عن اسم التراب ، فمنع الشيخ عنه مع الاختيار في محله إلا أن تجويزه مع الاضطرار محلّ مناقشة كما مرّ نظيره في الحجر.

وأما بعد طبخهما فقد نص جماعة منهم الشيخان (٣) والفاضلان فيه بالمنع لخروجهما عن اسم الأرض.

وعن السيد في المصباح (٤) والديلمي القول بالجواز.

ومال إليه الشهيد في الذكرى (٥). واستظهره غير واحد من المتأخرين.

وبنى المنع والجواز في المدارك (٦) على خروجه عن اسم الأرض وعدمه.

وظاهره التردد في ذلك. وهو في محله ، والاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

احتجوا بصدق اسم الأرض عليه ولا يخرج بسبب اللون والخاصية عن اسمها كما في بعض أقسام التراب. ولو سلّم حصول الشك في التسمية فمقتضى الاستصحاب بقاء الموضوع.

__________________

(١) السرائر ١ / ١٣٧.

(٢) المبسوط ١ / ٣٢.

(٣) انظر المقنعة : ٥٩ الخلاف ١ / ١٣٦ ، المبسوط ١ / ٣٢.

(٤) حكاه المحقق في المعتبر ١ / ٣٧٢.

(٥) الذكرى ١ / ١٧٨.

(٦) مدارك الأحكام ٢ / ٢٠٢.

٣٠٠