تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

ويدفعه أن لزوم الطلب إنما هو لأجل التيمّم من غير مدخليّة فيه للصلاة ، فإذا صحّ تيمّمه أتى به ما شاء من الصلوات ما لم يجد ماء كما هو قضية الإطلاقات. ويحتمل الاكتفاء به أيضا لو تيمّم قبل الوقت لغير الصلاة فدخل وقتها.

ثاني عشرها : لو كان في بدنه نجاسة وكان محدثا ولم يكن له من الماء ما يكفيه للأمرين ، فإن كانت النجاسة في محلّ الطهارة فلا تأمّل في تقديم الإزالة ، وإن كانت في غيره فالمعروف بين الأصحاب تقديم إزالة الخبث.

وفي التذكرة (١) كالمحكيّ عن المعتبر والمنتهى (٢) الإجماع عليه ؛ نظرا إلى وجود بدله بخلاف الإزالة إلا أن المفروض فيها خصوص التيمّم عن الوضوء. وقضية التعليل عدم الفرق. وليس له غيره.

وظاهر التذكرة إجماع الطائفة عليه حيث حكى الخلاف فيه عن بعض العامة.

ويمكن المناقشة في الوجه المذكور بأن الانتقال إلى تبدّل الماهية مشروط بعدم وجدان الماء ، والمفروض حصوله في المقام.

ووجوب صرفه في الإزالة إنما يكون مانعا بعد ثبوته ، وليس ذلك أولى من القول بسقوط وجوب الإزالة المشروطة بالوجدان من جهة وجوب رفع الحدث به.

والحاصل أن كلّا من رفع الحدث وإزالة الجنب مشروط بالتمكن من الماء ، والمفروض حصوله لأحدهما ، فالترجيح متوقف على الدليل ، [ و ] وجود مجرّد البدل المترتب على عدم وجدان الماء لا يكفي مرجّحا ، فقضية الأصل التخيير بين الأمرين.

ومن هنا تأمّل بعض المتأخرين في الحكم المذكور.

نعم ، قد يقال بأن وجود البدل من المائية قد يعطي مزيد عناية الشرع إذن بالإزالة (٣) الخالية عنه ، فيقدّم عليه ، مضافا إلى الإجماعات المحكية عليه وموافقة للاحتياط ، والأحوط

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٥.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٢٣.

(٣) في ( ألف ) : « العناية » بدل « الإزالة ».

٢٦١

إذن الإتيان بالإزالة أوّلا ثم التيمّم.

هذا ، ولا يذهب عليك أن ذلك إنما هو مع التمكن من التيمّم ، ولو من آخر مراتبه في وجه قوي ، وأما مع العجز عنه مطلق (١) فلا شبهة في تقديم الرفع.

__________________

(١) كذا ، والظاهر : « مطلقا ».

٢٦٢

تبصرة

[ في عدم الوصول إلى الماء ]

من أسباب العجز عن الماء عدم الوصلة إليه وإن وجد ، ككونه في بئر لا آلة له في الوصول إليه أو عند شخص لا يبذله له لا ببيع ولا غيره أو لا يكون واجدا لثمنه أو يكون بينه وبين الماء مسافة يكون عليه حرج في قطعه وإن كان قريبا كما إذا كان مريضا لا يمكنه المشي ، ونحو ذلك مع عدم التمكن من إرسال الغير إلى غير ذلك.

وتنقيح المبحث يتمّ برسم أمور :

أحدها : لو كان الماء في بئر ولا آلة يتمكن من الاغتراف ولم يتمكن من الوصول إلى الماء إلّا (١) بمشقة وهو (٢) بنفسه تيمم بلا خلاف فيه من الأصحاب.

وفي منتهى المطلب أنه قول علمائنا أجمع.

والوجه فيه ـ بعد الإجماع ظاهرا ومحكيا ، وما دلّ على نفي الحرج ـ المعتبرة المستفيضة كالصحيح : عن الرجل يمرّ بالركية وليس معه دلو؟ قال : « ليس عليه أن يدخل الركية لأنّ رب الماء هو رب الأرض فليتيمم » (٣).

ونحو منه ما في الصحيحة الأخرى ، وحسنة الحسين بن أبي العلاء (٤).

وإطلاق هذه الأخبار محمول على ما هو الغالب من تفسير النزول إلى البئر أو منّة (٥)

__________________

(١) في ( ألف ) : « لا ».

(٢) في ( د ) : كلمة غير واضحة لم نفهمها.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٥.

(٤) الكافي ٣ / ٦٤ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح ٧.

(٥) كذا تقرأ الكلمة في ( د ).

٢٦٣

بالنفس ، فلو صلّى عن ذلك فالظاهر وجوبه لتوقف الواجب عليه.

نعم ، لو كان جنبا ولم يكن عنده آنية يكتفي بما يغرف بها ، فظاهر الصحيحة الثانية المنع عن النزول في الماء ؛ لقوله عليه‌السلام : « ولا تقع في البئر ولا تفسد على القوم ماءهم » (١).

وكأنّه مبني على نجاسة البئر ، وعلى استكراه منه ، فيوجب الضرر على الناس أو كان في وقوعه إفساد للماء بوجه آخر كانخباطه بالطين وإفساده بالتغيّر مع كون الماء ملكا للغير أو كونه في تصرفهم أو وقفا يوجب ذلك ، ولا ضرار بالموقوف عليهم.

فلو خلي من جميع ما ذكر فالظاهر وجوب النزول ؛ أخذا باطلاق الوجدان.

ولو كان البئر ملكا له وأوجب النزول فيه نقصا فيه من جهة المالية دار مدار الإضرار بحاله وعدمه.

ولو أمكنه تكليف الغير بالنزول من دون تحمل منّة (٢) منه وجب. وكذا لو طلب منه الأجرة إن لم يكن مضرة بحاله وإن أجحف فيه.

وكذا الحال في الآلة الموصلة إلى الماء استعارة أو استيجارا أو شراء ، نفيا وإثباتا.

ولو تمكن من أمر مملوكه فالظاهر أنه يدور مدار المشقة والحرج بالنسبة إليه ، فإن ثبت سقط عنه التكليف ؛ إذ لا يجب تكليفه بما يوجب الحرج عليه.

ولو تمكن من حفر طريق إلى الماء بنفسه أو معاونة غيره بما لا ضرر عليه وجب إن كان الأرض ملكه أو مباحا أو تمكن من استيذان المالك ، ولو توقف ذلك على اجتماع الجماعة الفاقدين على الحفر من دون تمكن كل منهم بذلك ، فإن أقدم بذلك من يكتفي بمعونتهم وجب عليه قطعا.

وهل يجب عليهم الاجتماع من أوّل الأمر؟ وجهان من عدم حصول المكنة بالنسبة إلى كلّ واحد ، وحصولها مع الاجتماع ، فيجب من باب المقدمة.

وهو الأظهر ، فعلى هذا يجب عليه إجبار الباقين مع التخلف إن تمكن منه.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٦٥ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح ٩.

(٢) زيادة لفظة : « منّة » من ( د ).

٢٦٤

ويجري الكلام المذكور بالنسبة إلى سائر أسباب الوصلة كشراء الماء أو الآلة ونحو ذلك.

ومنه ما لو كان عند كلّ منهم قطعة حبل ونحوه يتمكن بوصل الجميع من الوصول إلى الماء.

ولو تمكن من الوصول إلى الماء بشدّ الثياب بعضها إلى بعض وجب.

ولو توقف على شقّ بعضها وجب مع انتفاء النقص المتفاحش وإلّا فإن أضرّ بحاله وسقط أو مع عدمه ففيه وجهان ؛ من توقف الواجب عليه ، ومن كونه تضييعا للمال.

ويجري ما ذكر فيما إذا توقف سعيه إلى الماء على إتلاف بعض أمواله.

ثانيها : لو كان الماء موجودا وعدم الثمن الذي يرضي صاحبه بنقله به فهو كفاقد الماء ، وهو مما لا خلاف فيه ولا إشكال.

نعم ، لو تمكّن من اكتساب الثمن وجب عليه من باب المقدمة إن وفي الوقت به ، وإلا فلا وجوب كما مرّ.

ولو تمكن من الاقتراض أو الشراء نسيئة فإن كان له بعد ذلك ما يفي به من دون إضراره بحاله وجب ، والقول بكون نفس القرض ضررا فاسدا وإن لم يكن له ذلك ، وكان له مظنة بحصوله ولو من الزكاة ونحوها فالظاهر أنه كذلك ، وإلا فالظاهر عدم لزومه. وقيل بدوران الأمر مدار الإعسار (١) وعدمه. ولو تمكن من الثمن وكان دفعه مضرا بحاله فالمعروف بينهم سقوط المائية.

وعزاه في المعتبر إلى الأصحاب مؤذنا (٢) باتفاقهم عليه ، فإن كان الضرر المفروض بدنيّا أو عرضيا في الحال أو في المال فلا تأمل في السقوط.

وكذا لو كان خوفا من تلف ماله الآخر بما لا يعدّ ضررا في العرف في (٣) وجه قوي.

وإن كان المضرّ بحاله مجرّد الثمن المدفوع ، فالظاهر أنه كذلك ، وهو المعروف من مذهبهم

__________________

(١) في ( ب ) : « الاعتبار ».

(٢) في ( ألف ) و ( ب ) : « موذونا ».

(٣) زيادة : « في » من ( د ).

٢٦٥

كما عرفت ؛ لما دلّ على نفي الضرر والحرج حيث إن ذلك من أعظم المضار.

كيف ، ويظهر من ملاحظة الأخبار الانتقال إلى التيمّم بأدنى ضرر ، بل والخوف منه.

وعن السيد وابن سعيد دورانه مدار التمكن. وظاهره عدم ملاحظة الإضرار إلا أنه لا (١) يأبى الحمل على ما ذكرناه ، وقد أفتى بظاهره بعض المتأخرين مصرّحا بوجوب الشراء وإن كان مضرا بحاله ؛ لتمكنه من الشراء ، فيجب من باب المقدمة.

واحتجّ عليه بظاهر الإطلاقات الآتية (٢) وإطلاقات (٣) الآية الشريفة وغيرها ، وهي منزلة على صورة عدم الإضرار بالحال ؛ لما عرفت.

نعم ، لو انحصر طهوره بذلك بأن كان فاقدا للتراب فقد يقال بتعيّن الشراء عليه ؛ لفقدان البدل وشدّة اهتمام الشرع بأمر الصلاة إلا أنه لا يبعد إلحاقه بفاقد الطهورين ، فلو دار أمره إذن بين شراء الماء أو التراب وكان دفع قيمة الماء مضرّا بحاله تعيّن شراء التراب وإن لم يكن الضرر منوطا بالتفاوت بين القيمتين.

ولو كان الماء ملكه فباعه بأضعاف قيمته ، فهل يجب عليه الفسخ لو رضي الآخر به أو كان له خيار في الفسخ إذا كان الفسخ مضرّا بحاله وجهان.

ثم إن قضية ما ذكرناه عدم الفرق بين كونه زائدا على قيمة مثله في ذلك المكان أو لا.

وحينئذ يفرق بين كونه مالكا لنفس الماء وقيمته ، فيجب على الأول صرفه في الطهارة ، ولا يجب شراؤه بالقيمة فتأمل فيه.

ولو لم يكن مضرا بحاله وبلغ حدّ الاجحاف فذهب جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيد إلى سقوطه أيضا. وهو أيضا (٤) من الضرر المنفي. و (٥) في المعتبر (٦) بعد ما

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « لا ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « الآتية وإطلاقات ».

(٣) في ( د ) : « وإطلاق » بدل « وإطلاقات ».

(٤) لم ترد في ( ب ) : « وهو أيضا ».

(٥) زيادة : « و » من ( د ).

(٦) لم ترد في ( ب ) : « في المعتبر ».

٢٦٦

جعل السقوط دائرا مدار الإجحاف وعدمه.

[ و ] احتج عليه بأن من خشي من لصّ أخذ ما يجحف به لم يجب السعي وتعريض المال للتلف ، وإذا تيمم هناك دفعا للضرر جاز هنا.

ثم ذكر رواية يعقوب بن سالم الدالة على عدم وجوب السعي إلى الماء وعلى غلوتين من يمين الطريق ويساره أو نحوهما لئلا يغرر بنفسه ، فيعرض له لص أو سبع (١).

وأنت خبير بأن حمل الشراء على ذلك قياس ؛ مضافا إلى وجود الفارق بينهما ؛ إذ لا يناط خوف اللص بالاجحاف أخذا بظاهر النصّ ، ومع عدمه فهو غير قائل به أيضا.

وذهب غير واحد من الأصحاب إلى عدم العبرة بالاجحاف ولزوم الشراء. وهو الأظهر ؛ أخذا بظاهر الإطلاقات وعدم حصول الإضرار بالنسبة إلى حاله.

ودعوى مجرد كون الإجحاف ضررا غير معلوم ، مضافا إلى الصحيح : سألت أبا الحسن عليه‌السلام : « عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو ألف درهم وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال : « لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت وما يسرّني بذلك مال كثير » (٢).

وهو صريح في الشراء في صورة الإجحاف.

ومن الغريب احتجاج الفاضل (٣) بها لوجوب الشراء مع عدم الإجحاف.

ولو لم يصل إلى حدّ الاجحاف فإن كان بقدر ثمن المثل فلا خلاف في وجوب الشراء ، وإن زاد عليه فالمعروف منهم الوجوب أيضا.

وفي التذكرة (٤) أنه المشهور.

وعن الإسكافي القول بسقوط الوجوب لأنه يجوز له التيمّم لحفظ المال ، فلا يناسب

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٨٤ ، نقله المصنف بالمعنى.

(٢) الكافي ٣ / ٧٤ ، باب النوادر ، ح ١٧.

(٣) كشف اللثام ٢ / ٤٤٤.

(٤) تذكرة الفقهاء ١ / ٦١.

٢٦٧

وجوب الشراء بأكثر من ثمن المثل.

وهو كما ترى ، مضافا إلى ما عرفت من النصّ.

ثالثها : نصّ جماعة من الأصحاب بأنه لو بذل له الماء هبة وجب عليه القبول بخلاف ما لو بذل (١) ثمنه أو الآلة الموصلة إليه.

نعم ، إن أعاره الآلة وجب القبول. قالوا : والفارق في الجميع حصول المنّة وعدمه. قلت : فالأظهر إذن دوران الحكم مدارها وجودا وعدما ، فربما يحصل المنّة في بذل الماء وربما لا تحصل في بذل الثمن ، وكذا الحال في غيرهما ، بل لا يبعد أن يقال بأن تحمّل مطلق المنّة لا يعدّ ضررا فيدور الحكم مداره ، وهو مما يختلف فيه الأشخاص من الطرفين ، فربّ شخص لا يعدّ تحمل المنّة العظيمة حرجا بالنسبة إليه ، وآخر لا يتحمل أدنى منّة من الغير.

ويجري ذلك في الاستيهاب والاستعارة ونحوهما. وحكم في التذكرة (٢) بوجوب استيهاب الماء.

وفي إطلاقه ما عرفت ، مضافا إلى ما فيه من التزام المهانة في بعض الأحيان.

رابعها : لو عارض بذل (٣) الثمن عن الماء واجب مضيق كأداء الدين مع انحصار المال فيه قدّم الأهم عند الشرع ، ففي نحو المعارضة بينه وبين حقّ الناس يقدّم حق الناس ، وفي غيره أيضا يلاحظ خصوصية الواجب.

وعند انحصار الطهور في الماء المفروض ودوران الأمر بين الشراء وترك الصلاة يتقوّى الاهتمام به ، فيقدّم على كثير من الواجبات.

ولو تعيّن صرفه في غير الماء فخالف صرفه فيه أثم وصحّت المعاملة.

وقد يأتي على القول بفساد البيع في المسألة المتقدّمة فساد الشراء هنا ، وهو ضعيف.

ولو التزم بالضرر في المسائل المتقدمة وحصل الماء وجب عليه الوضوء وإن لم يجب عليه

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « له ».

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ٦١.

(٣) في ( ألف ) : « بذلك ».

٢٦٨

التحصيل ، فثبت التخيير بين الوضوء والتيمّم في كثير من الفروض المتقدمة.

وربما يقال بوجوب التيمّم عينا قبل تحصيل الماء في وجوب الوضوء كذلك بعده ، فلا تخيير.

خامسها : من منعه الزحام يوم الجمعة وعرفة من الخروج من المسجد تيمّم وصلّى بلا خلاف فيه فيما أعلم كما في الحدائق (١).

والأصل في الحكم المزبور موثّقة سماعة : عن الصادق عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف ».

وقوية السكوني : عنه عليه‌السلام ، عن أبيه عليه‌السلام ، عن علي عليه‌السلام ، أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة (٢) لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس ، قال : « يتيمم ويصلي معهم ويعيد إذا انصرف » (٣).

وروى الراوندي بإسناده ، عن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، قال : « سئل علي عليه‌السلام عن رجل يكون في زحام في صلاة جمعة أحدث ولا يقدر على الخروج؟ قال : يتيمم ويصلي معهم ويعيد » (٤).

والكلام هنا في أمرين :

أحدهما : أن الزحام إذا كان في يوم الجمعة وخاف فوت الصلاة بالتأخير نظرا إلى ضيق وقتها فالتيمّم جار على القاعدة (٥) بعد حمل الصلاة على صلاة الجمعة كما هو الظاهر.

وأما يوم عرفة فلا يجرى الكلام المذكور ؛ إذ غاية الأمر عدم التمكن من الماء في تلك

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٢٤٧.

(٢) في المصدر زيادة : « فأحدث أو ذكر أنه على غير وضوء و ».

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٤٨.

(٤) مستدرك الوسائل ٢ / ٥٢٥.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « القاعدة ».

٢٦٩

الحال ، وهو لا يقضي بانتقال الحكم إلى التيمّم.

واحتمل العلامة المجلسي (١) جواز التيمّم فيه لإدراك فضل الجماعة لا سيّما الجماعة المشتملة على تلك الكثرة العظيمة الواقعة في مثل هذا اليوم الشريف. قال : لكن لم أجد قائلا به.

والمشهور الحكم بالصحة في صلاء الجمعة الواقعة كذلك ، وحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب.

وثانيهما : أن الحكم باعادة الصلاة بعد ذلك مما اشتمل عليه بالنصوص المذكورة ، وقد أفتى به الشيخ وجماعة إلّا أنه غير جار على القواعد ؛ إذ لو حكم بصحة الفعل المتقدم فقد أجزأ. ولا وجه إذن لوجوب الاعادة ، وإلّا فلا يتّجه الأمر بالتيمم والتلبس بالعبادة.

واحتمل العلامة المجلسي (٢) حمل الأخبار المذكورة على ما إذا كانت الصلاة مع المخالفين كما هو المتداول عن إقامتهم للجمعة والجماعات ، فإذا لم يمكنه الخروج ولا ترك الصلاة خوفا منهم يتيمم ويصلّي ، ثم يعيد.

واختاره بعض المتأخرين في حمل الخبرين مصرّحا بأن المأتيّ به إنما هو صورة الصلاة ، وردّ ما ذكر في انطباق الحكم في التيمّم على القاعدة ( في صلاة الجمعة بأنّ الجمعة إنّما يصلّي معهم ظهرا. وحينئذ فيجري فيه حكم الظهر ، ووجّه الأمر بالتيمّم مع ذلك بأنّ رواية مسعدة بن صدقة ) (٣) تدلّ على المنع من الإتيان بصورة الصلاة محدثا ، فقد يكون الوجه فيهما أيضا ذلك. فعلى هذا تنطبق الروايتان على القواعد.

قلت : ويشكل ذلك بأن الصلاة الواقعة على جهة التقية الصحيحة مجزية كما هو قضية الأخبار وفتاوى الأصحاب ، فلا يتّجه الأمر بالاعادة أيضا.

ويمكن أن يقال : إن عمل التقية إنما يحكم بصحته مع وقوعه موافقا لمذهب من يتّقى منه ،

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٨ / ١٦٤.

(٢) بحار الأنوار ٧٨ / ١٦٣.

(٣) لم ترد ما بين الهلالين في ( ألف ) واضفناها من ( د ) و ( ب ).

٢٧٠

فلا يتّجه الحكم بالصحة في المقام. ولو تمّ فإنما يتمّم بالنسبة إلى زحام الجمعة.

وفيه أيضا ما عرفت من أنه إنما يؤتى بها ظهرا ، فالبناء على الصحة فيه أيضا مشكل ؛ إذ جواز التيمّم عندهم ـ لو قالوا به ـ فإنما هو في الجمعة ، والمفروض عدم الإتيان بها ، فإذن يشكل الحكم في المقامين إلا أن يقال : إنه مع تعيين الفعل للتقية يتعيّن الواجب ، ومعه يجب الطهارة (١) لأجلها ، فإذا تعذر المائية تعيّن بدلها.

وكيف كان ، فالمتّبع في المقام هو البناء على القواعد ، فحينئذ إن بني على صحة الصلاة الأولى كان الأمر بالإعادة على جهة الندب ، وإلا كان على ظاهره من الوجوب.

__________________

(١) في ( ب ) : « الصلاة » بدل « الطهارة ».

٢٧١

تبصرة

[ في خوف الضرر من استعمال الماء ]

من أسباب العجز عن الماء أن يكون في استعماله أو في السعي إليه خوف الضرر من مرض أو زيادته أو بطوء برئه أو عطش شديد لا يتحمّل في العادة أو خوف الهلكة ونحو ذلك.

وكون ذلك في الجملة سببا للانتقال إلى التيمّم مما لا خلاف فيه إلا أن توضيح خصوصياته وبيان ما لعلّه وقع الاشكال فيه من جزئياته يستدعي رسم أمور :

الأول : لو كان في سعيه خوف الهلاك من سبع أو عدوّ ويخاف منه على نفسه ، فلا شكّ في سقوطه والرجوع إلى التيمّم ، وكذا لو خاف على عرضه أو من أذاه بما لا يتحمّل في العادة كالأسر والضرب ونحوهما.

وإن أمن القتل أو خاف على ماله كلصّ يصادفه أو عدوّ معرضه لا يخاف منه على غير المال ( سواء كان في ذهاب ماله ضرر عليه من جهات اخر أولا في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريحهم.

وفي التذكرة : لو كان بقربه ماء و ) (١) خاف أن سعى إليه على نفسه من سبع أو عدوّ أو على ماله من غاصب أو سارق جاز له التيمّم إجماعا.

وفي منتهى المطلب (٢) بعد ذكر الخوف على النفس أو المال من اللصّ والسبع والعدوّ ونحوهما أنه كالعادم لا نعرف فيه خلافا.

واستشكل في الحدائق في خصوص الخوف على المال مع اعترافه بكونه مما اتفق عليه الأصحاب ؛ نظرا إلى عدم وروده بالخصوص في شي‌ء من الأخبار ، وأن قضية الإطلاقات فيه

__________________

(١) الزيادة بين الهلالين من ( د ).

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٣٤.

٢٧٢

وجوب السعي لتوقف الواجب المطلق عليه.

وذكر أن الاستناد على ما دلّ على وجوب حفظ المال وصيانته معارض بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل من الآية والرواية مع صراحتها ووضوحها ، فيجب تقديم العمل بها وإرجاع ما خالفها على غير (١) تلك الصورة ثمّ (٢) منع من وجوب حفظ المال في تلك الحال.

وأنت خبير بوهن ذلك ؛ إذ الظاهر الاكتفاء فيه بما دلّ على نفي الضرر والحرج ؛ إذ التعرض لذلك من أعظم الحرج سيّما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله ، وما دلّ على وجوب حفظ المال المعتضد بفتوى الطائفة والاجماعات المنقولة المؤيّدة بعدم ظهور الخلاف فيه بعد القضاء به.

والقول بمعارضتها بما دلّ على وجوب الوضوء والغسل مدفوع بأن أقصى مراتب المعارضة الرجوع إلى المرجّحات ، ولا شكّ في ترجيحها لجانب المشهور ؛ لاعتضادها بالشهرة من الإجماع.

والقول بصراحة تلك العمومات غير واضح ؛ إذ لا وضوح في إطلاقها بالنسبة إلى الصورة المذكورة ، مضافا إلى ما رواه في الدعائم عنهم صلوات الله عليهم : في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف فيه على نفسه إن مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو ما يخاف منه التلف والهلاك « يتيمم ويصلي ».

فإنّ ذكر الخوف من اللصوص يشهد بأن المراد من الخوف فيه أعمّ من الخوف على المال ، وإطلاق الخوف على النفس على ما يعمّه شائع في العرف ؛ لرجوع الضرر على نفسه.

وفي رواية يعقوب بن سالم : عن رجل لا يكون معه ماء والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك؟ قال : « لا أمره أن يغرر بنفسه فيعرض له لص أو سبع » (٣).

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « غير ».

(٢) زيادة : « ثمّ » من ( د ).

(٣) الكافي ٣ / ٦٥ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح ٨.

٢٧٣

وقد احتجّ بها الأصحاب على نحو (١) ذلك.

وفي دلالتها على ذلك إشكال ؛ إذ التغرير بالنفس تعريضها للهلاك إلا أن يقال بأن المفهوم منها عرفا في المقام ما يعم ذلك ، سيّما بملاحظة (٢) فهمهم منها.

قلت : ما ذكر من الوجوه ظاهرة (٣) الدلالة على المقصود فيما إذا كان المأخوذ منه مضرّا بحاله أو كان عليه في التعرض لذلك إهانة أو حرج لا يتحمل في المعتاد كما هو الغالب في التعرض للسرّاق وقطّاع الطريق ، بل (٤) الظاهر أنه المتيقّن من الإجماع المنقول في المقام.

فلو خلّي من ذلك كلّه فقضية الأصل فيه وجوب تحصيل الماء كما إذا منع الجائر الخروج إلى الماء إلا لمن بذل مبلغا من المال ، وكان غير مضر بحاله. ونحوه ما إذا غصب ماءه المملوك وتوقف استنقاذه على شرائه منه أو منعه من أخذ الماء المباح ، ولم يمكن الاستيذان منه إلّا ببذل المال ، فلا يبعد في ذلك كله القول بالوجوب.

ولو توقف سعيه إلى الماء على تضييع بعض أمواله فالظاهر جريان التفصيل المذكور على تأمل.

الثاني : لو خاف الوقوع في الهلكة من استعمال الماء أو خاف من ازدياد المرض أو خوف (٥) بطء برئه جاز له التيمّم بالإجماع.

وقد استفاضت الأخبار في انتقال (٦) حكم المجدور (٧) والذي به القروح والجروح وغيرهما إلى التيمّم ، مضافا إلى ما دلّ على انتفاء الحرج والضرر والمنع من إلقاء النفس على التهلكة.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « نحو ».

(٢) في ( ألف ) : « ملاحظة ».

(٣) في ( ب ) : « ظاهراه ».

(٤) في ( ب ) : « و » بدل : « بل ».

(٥) لم ترد في ( د ) : « خوف ».

(٦) في ( ألف ) : « انتقاء ».

(٧) في ( ب ) : « المحدود ».

٢٧٤

ولا فرق بين تعمّده الجنابة على الحال المذكور وغيره على المعروف بين الأصحاب.

وعن الشيخين في المقنعة (١) والخلاف (٢) أن من أجنب مختارا وجب عليه الغسل وإن خاف به على نفسه.

وعن الشيخ في النهاية والمبسوط : إن خاف التلف على نفسه يتيمم ويصلي ويعيد الصلاة إذا وجد الماء واغتسل.

وفصّل صاحب الوسائل ، فأوجب الغسل ولو مع حمل (٣) الضرر الشديد إلا إذا خاف التلف ، فيتيمّم.

والأقوى الأول ؛ لما دلّ على انتقال الحكم إلى التيمّم عند الخوف من الضرر ، والمعتبرة المستفيضة المشتملة على الصحاح وغيرها الآمرة بالتيمم لمن أصابه جنابة وهو مجدور أو به القروح أو الجروح أو يخاف البرد على اختلاف مورد تلك الأخبار.

نعم ، ورد في بعضها الأمر بإعادة الصلاة عند الأمن من البرد ، وهي حجة الشيخ على لزوم الإعادة ، وهي محمولة على الاستحباب ؛ لخلوّ غيرها منه ، وإن قضية الأمر الإجزاء.

مضافا إلى ما دلّ على المنع من إلقاء النفس إلى التهلكة ، وعدم تعلق التكليف بما يوجب الحرج والضرر ، مع تأيّدها بالشهرة العظيمة بين الطائفة ، وموافقة الكتاب والسنّة والعقل من الأمر بحفظ النفس ، بل ينبغي القطع بالمنع في صورة الخوف من تلف النفس كما هو مذهب (٤) الشيخين ، فلا وجه لترك الأحكام المعلومة من العقل وضرورة الشرع بمجرد ظواهر الإطلاقات مطرحة عند (٥) الأصحاب.

مضافا إلى أن تعمد الجنابة في الصورة المذكورة ليست مجزية إلا بعد دخول الوقت كما

__________________

(١) المقنعة : ٦٠.

(٢) الخلاف ١ / ١٦٥.

(٣) في ( د ) : « تحمّل ».

(٤) في ( د ) : « فتوى ».

(٥) في ( ب ) : « بين » بدل : « عند ».

٢٧٥

عرفت ، فلا فرق إذن بينه وبين حصوله من دون تعمد في عدم تحقق العصيان ، فلا وجه إذن لتكليفه بهذا الحرج الشديد مع إذن الشارع في فعله كما دلّ عليه غير واحد من الأخبار.

وربّما ينبغي القول به على المنع من دون تعمد الجنابة كما قد يومي إليه عبارة الإسكافي.

وقد عرفت ضعفه.

حجة الشيخين (١) أربع (٢) روايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن رجل يصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامدا؟ فقال : « يغتسل على ما كان حدثه أجل إنه فعل ذلك فمرض شهرا من البرد ، فقال : اغتسل على ما كان ، فإنه لا بدّ من الغسل.

وذكر الصادق عليه‌السلام أنه اضطر إليه هو فأتوه به مسخنا ، وقال : « لا بدّ من الغسل » (٣).

ونحو منه صحيحة الأقطع ، ومرفوعة علي بن أحمد ، عن الصادق عليه‌السلام عن مجدور أصابته جنابة ، قال : « إن أجنب نفسه فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتمم » (٤).

[ و ] مرفوعة علي بن ابراهيم المضمر قال : « إن أجنب نفسه فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم فليتيمم » (٥).

وأنت خبير بعدم مقاومة هذه الأخبار لما ذكرناه لو كانت صريحة في المقصود.

كيف ، والصحيحتان لا دلالة فيهما على حكم المتعمد (٦) ، فهما متعارضان بما أشرنا إليه من الإطلاقات مع تكثّرها واعتضادها بالعقل والنقل والعمل ، فلا مناصّ من طرحهما وإرجاعهما إلى قائلهما مع احتمال حملهما على التقية ؛ إذ لا صراحة فيهما على جواز التيمّم مع خوف التلف.

ومذهب جماعة من العامّة كالشافعي وابن حنبل والحسن البصري وغيرهم اقتصار

__________________

(١) انظر : الخلاف ١ / ١٥٧.

(٢) في ( ب ) : « مع » بدل : « أربع ».

(٣) الإستبصار ١ / ١٦٣ ، باب الجنب إذا تيمم وصلى هل تجب عليه الإعادة أم لاح (٥٦٤) ٩.

(٤) الكافي ٣ / ٦٨ ، باب الكسير والمجدور.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٩٨.

(٦) في ( ب ) : « التعمد ».

٢٧٦

الحكم بمشروعية التيمّم من جهة الخوف بالخوف على النفس دون غيرها من المرض بطئه أو شدته ، والمرفوعتان لا حجة فيهما سيّما مع معارضتهما بما عرفت. وعدم التصريح فيهما بالجواز مع خوف التلف.

وقد يحملان على كون تعمد الجنابة شاهدا على قوة بدنه بحيث لا يضرّه الماء ، فلذا أمره بالغسل بخلاف ما إذا احتلم ، فيبنى فيه على (١) ظاهر الحال.

هذا ، والمنساق من المحكي عن الشيخين هو وجوب الغسل مع الخوف على التلف في استعمال الماء ، فهل يسري الحكم عندهما فيما لو كان الخوف من التلف في تحصيله لو (٢) كان الخوف منه من جهة شدة العطش بالنسبة إليه أو على نفس محترمة؟ وجهان.

ولذا كانت المسألة جارية على القاعدة ، فلا يبعد قصرهما من (٣) الحكم على ظاهر النصّ.

وفيه أيضا شهادة على ضعف القول به.

وفي تسرية الحكم عندهما إلى سائر الوجوه المرجوحة للتيمم الخالية عن خوف التلف وجهان ؛ من ملاحظة ما عرفت ، وأولوية الحكم بالنسبة إلى النصوص ، فتأمل.

الثالث : اختلف الأخبار في حكم من به القروح والجروح ، فالمستفاد من جملة منها وجوب الطهارة المائية غير أنه يبنى على عمل الجبيرة ، وفي عدّة (٤) الحكم بالانتقال إلى التيمّم.

وربما يرى التدافع في ذلك بين كلام الأصحاب حيث أوجبوا عمل الجبيرة في تحت الجبائر ، وجعلوا القروح والجروح من الأسباب الباعثة للتيمم.

وهو بيّن الاندفاع ؛ إذ من الظاهر أنّ عدّهم ذلك من الأمور الباعثة للانتقال إلى التيمّم إنما هو بعد تعذر المائية ، لا مع التمكن من الطهارة المائية ، فاحتمال إرادة التخيير بين الأمرين في

__________________

(١) لفظة ( على ) من ( د ).

(٢) في ( د ) : « أو ».

(٣) في ( ألف ) : « عده من » ، وفي ( ب ) : « عدة من ».

(٤) في ( د ) : « منها ».

٢٧٧

الجميع من كلامه ـ كما زعمه بعض الأفاضل ـ ليس في محله.

وهذا هو الوجه في الجمع بين الأخبار ، فالمفروض في أخبار الجبيرة عدم التضرر بمجرد استعمال الماء ، ولو في غير محل الجبيرة ، وفي أخبار العدول إلى التيمّم ما لو كان مجرد استعمال الماء مضرا له ، وفي بعض الأخبار شهادة عليه كرواية العياشي.

٢٧٨

[ تتمة في القروح والجروح ]

يبقى الكلام في ذلك في أمور :

منها : ما لو تضرر باستعمال الماء في غير محل القروح من الأعضاء المتّصلة بها مع التمكن من استعماله في الأعضاء المتباعدة.

ومنها : ما لو عمّت الجبيرة كل العضو أو غالب الأعضاء.

ومنها : ما لو لم يكن التضرر بالماء من القروح والجروح والكسر كالرمد ووجع المفاصل ونحوها ، فهل يجري في ذلك كله حكم الجبيرة أو ينتقل الحكم إلى التيمّم؟ إشكال ، والظاهر الرجوع إلى الأصل في كل ما يقع الشكّ في اندراجه في الأخبار ، فنقول :

الذي يقتضيه الأصل في ذلك هو الرجوع إلى التيمّم عند تعذّر استعمال الماء في تمام الأعضاء ، فالعجز عن استعماله في البعض كالعجز عن استعماله في الكلّ بلا تفاوت ؛ إذ الأجزاء إنما تكون مطلوبة تبعا للكل ، ومع سقوط الطلب المتعلق بالكل لا يبقى طلب بالأبعاض.

ألا ترى أنه لو قصر (١) الماء عن شي‌ء لم يجب عليه الإتيان بالباقي وإن كان ذلك يسيرا جدا قولا واحدا ، فكذا الحال إذا كان في بعض الأعضاء مرض يمنعه عن الاستعمال فيه إلا أنه قد دلّ أخبار الجبائر في المواضع الثلاثة لقيام عمل الجبيرة مقام غسل الكل ظاهرا (٢) ، فحينئذ لا تأمّل في تقديم ذلك على التيمّم لكونه طهارة مائية محرّمة بالإجماع.

ومن البيّن تقديمها على الترابية ، فيبقى غيرها مندرجة تحت الأصل إلا أن يدّعى ظهور تسرية الحكم إلى الجميع من تلك الأخبار ، وهو محل منع ، ففي نحو الرمد لا تأمّل في الانتقال إلى التيمّم.

__________________

(١) في ( ب ) : « قطر ».

(٢) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « ظاهرا ».

٢٧٩

وهو ظاهر الأصحاب ، واحتمل الشيخ فيه الجمع ، واستقرب في الحدائق (١) فيه التفصيل بين تضرّره باستعمال الماء بغسل الوجه وما إذا لم يتضرر بغسل ما عدا العين ، فيحكم في الأول بالانتقال إلى التيمّم وفي الثاني بالإتيان بعمل الجبيرة من الاكتفاء بغسل ما حوله مع الانكشاف ، وبالمسح على الدواء الموضوع إن كان عليه دواء.

قال : وذكر القروح والجروح في بعض الأخبار إنما وقع في كلام بعض السائلين والعبرة (٢) بعموم الجواب ، وفي بعض يجري على التمثيل.

ثم أكّد ذلك أن الواجب شرعا هو الوضوء ، ولا يجوز الانتقال عنه إلا بدليل واضح ، ومجرد تضرر العين خاصة لا يثبت كونه ناقلا شرعا سيّما مع وجود النصوص في نظائره من القروح والجروح.

وأنت خبير بضعف ما ذكره ؛ إذ دعوى شمول الروايات لمثله غريب ، والقول بشمول الجواب لغير محل السؤال مع تعلقه بخصوص مورد السؤال وعدم اشتماله على ما يعمّ غيره أصلا عجيب.

وأعجب منه ادّعاؤه جريان الدليل فيما ادّعاه. وحمله على نظائره من القروح والجروح قياس محض.

هذا ، ومثله الحال فيما لو تضرّر باستعمال الماء في غير محل الجبيرة مما يخرج عن حدودها في العرف ؛ لعدم ظهور اندراجه في تلك الأخبار ، بل ظهور خلافه.

وفيما لو عمّ الجبيرة كلّ العضو أو غالب الأعضاء وجهان من إطلاق بعض أخبار الجبائر وعدم وضوح اندراج الفرض المذكور فيها.

وقد حكم الفاضل في غير واحد من كتبه بشمول حكم الجبيرة حتى فيما لو عمّ جميع الأعضاء المغسولة في الوضوء ، فاكتفى فيها بالمسح عليها ، ثم على الرأس والرجلين ببقية البلل. وقد يؤيده إطلاق حسنة كليب الأسدي ، عن الرجل : إذا كان كسيرا كيف يصنع في

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٢٨٥.

(٢) في ( ب ) : « بالعبرة » بدل : « والعبرة ».

٢٨٠