تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

كالصحيح : « إن الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » (١) و « إن التيمّم أحد الطهورين » (٢) ، وأنه بمنزلة الماء ، و « ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين » (٣) ونحو ذلك.

ويومى إليه أيضا قوله لأبي ذر : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (٤). فإن ظاهره يفيد قيام الصعيد مقام الماء في الاستباحة.

ثانيهما : عدم مشروعيته بدلا عن غير الرافع. ويدل عليه الأصل مع الشك في شمول الإطلاقات لمثله وبعده عن طريقة المتشرعة ، وظاهر السيرة الجارية.

نعم ، حكى الشهيد الثاني ورود النصّ به في خصوص التيمّم بدلا عن غسل الإحرام. ولم نظفر به.

هذا ، وقد ورد النصّ به لأمور :

منها : استحبابه للنوم ؛ لمرسلة الشيخ والصدوق ، عن الصادق عليه‌السلام : « من تطهر ثم آوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده ، فإن ذكر [ ه ] (٥) أنه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان ، فإن فعل ذلك لم يزل في الصلاة ما ذكر الله تعالى » (٦).

وفي رواية اخرى : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلا على طهور ، فإن لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد » (٧).

ثم إن التيمّم في هذه الرواية مطلق يعمّ البدل عن الغسل والوضوء ، فالظاهر شمول الحكم للأمرين ، ويمكن القول بشمول الرواية الاولى لهما أيضا بناء على أن يكون الوضوء فيه أعمّ من

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٩.

(٢) الكافي ٣ / ٦٤ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ، ح ٤.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ١٩٧.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٨.

(٥) ما أدرجناه من المصدر.

(٦) مكارم الأخلاق : ٢٨٨.

(٧) الخصال : ٦١٣.

٢٤١

وضوء الجنب وغيره.

ولا يخلو عن بعد وظاهر سياقها.

وقد يستفاد منها بناء على ما ذكرنا جواز التيمّم عن الوضوء لنوم الجنب ، فيكون ذلك مستثنى مما ذكرنا من عدم مشروعية التيمّم من الوضوء والغسل الغير الرافعين.

ويمكن المناقشة في الاولى بظهوره في غير المحدث بالأكبر وفي الثانية بالتأمّل في صدق الطهور على وضوئه ، فلا يكون التيمّم المذكور فيه بدلا عنه.

هذا ، وظاهر الرواية الاولى جواز التيمّم للنوم مع التمكن من الماء أيضا ، وقد نفى الخلاف عنه في الحدائق (١) : ينجبر ضعف الرواية إلا أن الأظهر الاقتصار على ظاهر مدلولها من نسيان الوضوء لا مع التعمد من تركه وبه يقيد إطلاق مفهوم الرواية الثانية.

وحاصل الكلام أن الرواية الثانية قد دلّت على رجحان التيمّم بدلا من الوضوء ، ولو مع التمكن عن الماء ، ففيها مخالفة للأصل من تلك الجهة ، ومن الاكتفاء فيه بغبار الدثار ، ولو مع التمكن من التراب [ و ] في دلالتها على جوازه بدلا عن الغسل مع التمكن منه إشكال ، فثبوت مشروعيته كذلك لا يخلو عن تأمل كجوازه للجنب بدلا عن الوضوء مع التمكن من الماء أو عدمه ؛ لما عرفت من خفاء مدركه.

ولا يبعد القول فيها بالصحة نظرا إلى ما ذكرناه من الإطلاق ، فتأمّل.

ومنها : صلاة الجنازة ولو مع التمكن من الماء ، على المعروف بين الأصحاب المحكي عليه إجماع الفرقة في الخلاف لموثقة سماعة : سألته عن رجل مرّت به جنازة وهو على غير طهر؟ قال : « يضرب يديه (٢) على حائط اللبن فليتيمم به » (٣).

وعن الإسكافي تقييده بخوف فوات الصلاة. واستحسنه المحقق (٤) وأنكر جوازه مع

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « فيه ».

(٢) في المصدر : « بيديه ».

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٠٣.

(٤) المعتبر ١ / ٤٠٥.

٢٤٢

التمكن من الماء بمنع الإجماع ؛ لعدم العلم به من فتاوى الأصحاب بخوف فوات الصلاة وضعف الخبر لإضماره ووقف رجلين من رواية ، فلا ينهض حجة على الخروج من الأصل الثابت.

وضعفه ظاهر بعد حجّية الموثق ، وعدم مانع في الإضمار سيّما من سماعة مع اعتضاده بعمل الطائفة.

ويدلّ على جوازه مع خوف فوات الصلاة ـ مضافا إلى ذلك ـ الأصل الثابت بالعمومات كما عرفت خصوص الصحيح ، عن الرجل يدركه الجنازة وهو على غير وضوء ، فإن ذهب يتوضّأ فاتته الصلاة. قال : « يتيمّم ويصلّي » (١).

وربما يستدلّ به على مذهب الإسكافي. وأنت خبير بعدم دلالته على المنع مع عدم فوت الصلاة كما هو مذهبه لاختصاص السؤال بغيره.

ثم إن ظاهر الرواية الاولى والثانية يعمّ ما لو كان محدثا بالأصغر أو الأكبر ، فيجوز التيمّم كذلك بدلا عن كلّ من الأمرين مع التمكن منه في وجه قويّ.

ومنها : للخروج من أحد المسجدين للمحتلم فيهما ، بلا خلاف بين الأصحاب في المشروعيّة.

والمعروف بينهم ـ بل المتّفق عليه ـ أيضا هو الوجوب.

والأصل فيه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه‌السلام المرويّ صحيحا في تهذيب الأحكام (٢) ، ومرفوعا في الكافي (٣) : « إذا كان الرجل نائما في المسجد الحرام أو مسجد الرسول فاحتلم فأصابته جنابة فليتيمم ، ولا يمرّ في المسجد إلا متيمما ».

وزاد في الذخيرة (٤) : « وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل كذلك ».

وقد نصّ فيهما بعدم البأس بالمرور في سائر المساجد.

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٧٨ ، باب من يصلي على الجنازة وهو على غير وضوء ، ح ٢.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٧.

(٣) الكافي ٣ / ٧٣ ، باب النوادر ، ح ١٤.

(٤) ذخيرة المعاد ١ / ٥٢.

٢٤٣

وعن الطوسي القول بالاستحباب حملا للرواية عليه ، وهو ضعيف.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : لو تمكّن من الاغتسال في المسجد بحيث لا يوجب تسرية النجاسة إليه وكانت مدّة الاغتسال مساوية لمدّة التيمّم أو أقلّ منها فهل يتعيّن عليه الغسل أو التيمّم؟ قولان.

واحتمل الشهيد تعيّن الغسل عليه ، ولو مع زيادة المدة إلا أنه ذكر عدم عثوره على قائل به. ومال إليه في المسالك.

والأقوى هو الأول ؛ أخذا بالأصل من عدم إجزاء التيمّم بدلا عن الغسل مع التمكن منه ، وحملا للرواية المذكورة على الغالب المعتاد من عدم التمكن من الغسل كذلك كما هو الشأن في الإطلاقات ، فلا يفيد جواز التيمّم في الصورة المفروضة.

وقد دلّ النصّ المذكور على عدم جواز المرور في المسجد جنبا ، وجواز المكث لأجل التيمّم من جهته.

فجواز المكث بمقداره لأجل الغسل أولى.

والحاصل جواز المكث لأجل الطهارة الاضطرارية يدلّ بالفحوى على جوازه لأجل الاختيارية بلا ريبة ، فتعيّن (١) عليه الغسل لما دلّ على عدم جواز التيمّم مع التمكن من الماء.

نعم ، لو كانت مدة الغسل ومقدماته أطول من التيمّم لم يدلّ الرواية على جواز المكث بقدره ، وحينئذ فلا بدّ من الرجوع إلى إطلاق الرواية.

وعن صاحب المدارك القول بالثاني ؛ وقوفا مع ظاهر النصّ ومنعا لاشتراط التيمّم مطلقا بفقدان الماء لعدم دليل عليه. قال : وكما جاز أن يكون الأمر بالتيمم مبنيا على الغالب من تعذر الغسل في المسجد فيجوز أن يكون وجهه اقتضاء الغسل فيهما إزالة النجاسة ، فإن

__________________

(١) في ( د ) : « فيتعيّن ».

٢٤٤

مورد الخبر المحتلم. وقد أطلق جماعة من الأصحاب تحريم إزالتها في المساجد ، وصرّح بعضهم بعموم المنع ولو كانت في الكثير انتهى.

وهو كما ترى.

ثانيها : لو كان زمان مروره بالمسجد أقلّ من مكثه للتيمم أو مساويا له ففي لزوم التيمّم أيضا ؛ أخذا بظاهر الرواية أو سقوطه ؛ نظرا إلى أن المرور أخفّ من المكث سيّما مع كونه أقلّ منه فيقدم عليه أو يتخيّر بين الأمرين لدلالة جواز المكث للتيمم على جواز المرور بالفحوى؟ وجوه.

ثالثها : في لحوق الحائض بالجنب إن فاجأها الحيض في أحد المسجدين وجهان ، بل قولان.

والبناء على الإلحاق مختار جماعة من الأصحاب منهم صاحب الحدائق الناضرة (١) المرفوعة (٢) المتقدمة. ومنعه المحقق ؛ لضعف الرواية ومخالفة الحكم للأصل سيّما بالنسبة إلى الحائض ؛ إذ لا سبيل إليها إلى الاستباحة.

وهو قوىّ. نعم ، لو كان ذلك بعد طهرها عن الحيض ـ على ما سيأتي في الفروع الآتية ـ احتمل الإلحاق نظرا إلى موافقه الحائض للجنب في كثير من الأحكام إلا أن الأظهر أيضا خلافه.

رابعها : مورد النصّ هو الجنابة الحاصلة في المسجد بالاحتلام ، والظاهر إلحاق غير الاحتلام به ممّا حصل بغير اختياره.

__________________

(١) في مخطوطات الأصل : « الناظرة ».

(٢) في ( د ) : « للمرفوعة ».

٢٤٥

الفصل الثاني

فيما يسوغ التيمّم معه ويوجب انتقال الحكم من الوضوء

والغسل إليه

وهي أمور أنهاها في المنتهى إلى ثمانية. والضابط فيها العجز عن استعمال الماء.

تبصرة

[ في عدم وجود الماء ]

من أسباب العجز عدم وجود الماء. ويدلّ على انتقال الحكم معه إلى التيمّم بعد الآية الشريفة (١) النصوص المستفيضة وإجماع الطائفة المعلوم والمنقول في لسان جماعة.

نعم ، ذهب بعض العامة إلى اختصاص الحكم بالسفر ، فيسقط التيمّم أيضا لو كان ذلك في الحضر ؛ أخذا بما يتراءى من الآية.

وهو ضعيف محجوج بما ذكرناه ، والآية واردة مورد الغالب.

ثم إنّ عدم وجدان الماء إنما يكون سببا لانتقال الحكم مع الطلب إن أمكن ، ففي منتهى المطلب (٢) : « ويجب الطلب عند إعواز الماء ، فلو أخلّ به مع التمكن لم يعتد به ، وهو مذهب علمائنا أجمع ».

ويدلّ عليه بعد الإجماع عدم صدق عدم الوجدان إلا معه ، ولاحتمال قربه منه مضافا إلى غير واحد من النصوص ، وما يستفاد من بعض الأخبار من عدم وجوب الطلب محمول على صورة الخوف كما يدلّ عليه غيره من الأخبار. مضافا إلى ضعفه وإضراب الأصحاب عنه.

__________________

(١) نساء : ٤٣.

(٢) منتهى المطلب ( ط. ق ) ١ / ١٣٨.

٢٤٦

ومن الغريب بناء بعض الفضلاء المتأخرين عليه. وهو بمكان من الوهن.

والمعتبر من الطلب هو غلوة سهم في الحزنة وغلوتين في السهلة من الجوانب الأربع على المعروف بين الأصحاب (١). وقد حكى إجماعنا عليه في الغنية (٢). وعن الحلي (٣) أن التحديد بالغلوة في السهلة والغلوتين في الحزنة مما وردت (٤) الروايات وتواتر به النقل.

وعن (٥) الشيخ في النهاية (٦) والمبسوط (٧) التخيير بين رمية سهم وسهمين من غير تفصيل بين القسمين.

وربما يحمل على الأول ، والصحيح في البيان.

وعن السيد : وعدم تقدير الطلب بشى‌ء.

وعن بعض المحققين اعتبار الطلب من كلّ جهة يرجون وجود الماء إلى أن يتحقق عرفا صدق عدم الوجدان.

ويمكن إرجاع كلام السيد والخلاف إليه. واستحسن المحقق (٨) الطلب دائما ما دام الوقت حتى يخشى الفوات. قال : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني. وهو ضعيف غير أن الجماعة عملوا بها ، فالوجه أن يطلب من كلّ جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلّف التباعد. ورواية زرارة تدلّ على أنه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات. وهو حسن ، والرواية واضحة السند والمعنى. انتهى.

وتبعه في ذلك بعض من تأخر عنه.

__________________

(١) قواعد الأحكام ١ / ٢٣٥.

(٢) غنية النزوع : ٦٤.

(٣) قواعد الأحكام ١ / ٢٣٥.

(٤) زيادة في ( د ) : « به ».

(٥) لفظتا : « وعن » من ( د ).

(٦) نهاية الإحكام ١ / ١٨٣.

(٧) المبسوط ١ / ٣١.

(٨) المعتبر ١ / ٣٩٣.

٢٤٧

والأقوى هو الأول ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع المحكي والشهرة المعلومة والمنقولة ـ رواية السكوني « بطلب الماء في السفر وإن كانت الحزونة فغلوة وإن كانت سهولة فغلوتين لا يطلب أكثر من ذلك ».

وما في صحيحة زرارة من الأمر « بطلب المسافر الماء ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل » إما أن يحمل على صورة رجاء حصول الماء والظن به كما سيجي‌ء ، أو على الاستحباب ، أو يقال بأن الأمر بالطلب فيها مطلق ، وقوله « ما دام في الوقت » ظرف لوقوع الطلب ، فلا يفيد الاستحباب ، فالمقصود أن الطلب إنما يكون مع السعة دون ضيق الوقت. وحينئذ فيحمل على رواية السكوني حملا للمطلق على المقيّد.

وقد عرف بذلك ضعف الأقوال المذكورة.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : الظاهر اعتبار الطلب بالمقدار المذكور من سائر الجوانب ؛ لظاهر الإطلاق المؤيّد بفهم الجماعة والاحتياط أو بعد اشتراط صحة التيمّم بالطلب إنما يعلم فراغ الذمة بذلك.

ويحتمل أن يراد بالغلوة والغلوتين في ظاهر الرواية مجموع ما يطلب فيه الماء ، فيكون المطلوب من كل جانب نصف غلوة أو غلوة إلا أن أحدا من الأصحاب لم يفهم منها ذلك. وبه يسقط الاحتمال المذكور.

وربما يتراءى في المقام خلاف بين القائلين بالغلوة والغلوتين من اعتبار بعضهم للطلب من جميع الجوانب كما في المبسوط وغيره ، أو من أمامه واليمين والشمال كما في المقنعة ، أو عن اليمين والشمال كما في النهاية.

والظاهر اتحاد المقصود من الجميع. وكأنّ عدم ذكر الحلف في المقنعة من جهة الاطلاع عليه حال المجي‌ء ، والمراد باليمين والشمال في الأخيرين حتى الطريق على قدر الغلوة أو

٢٤٨

الغلوتين ، فيغني عن ذكر الجهتين الأخيرتين.

ثانيها : لو علم عدم الماء هناك سقط وجوب الطلب قولا واحدا. وفي الحدائق : إنه لا خلاف فيه حتى من القائلين بوجوب التأخير.

وكذا لو علم بعدمه في بعض الجوانب ، فيسقط الطلب من جهته. وعند بعض العامة : يجب الطلب مع ذلك أيضا.

وفساده واضح ؛ لوقوعه لغوا محضا. ولو ظنّ بعدمه ففي قيامه مقام العلم قولان ، حكي الأول من الإسكافي وبعض المتأخرين ؛ لقيام الظنّ مقام العلم في الشرعيات وعدم تناول ما دلّ على وجوب الطلب عليه.

والثاني مختار الفاضل وغيره. وهو الأظهر ؛ لعدم قيام دليل على حجيته إلا مع اطمئنان النفس بعدمه ، فلا يبعد إلحاقه بالعلم ، بل الظاهر أنه يعدّ علما في العادة.

ثم في الاكتفاء بالعلم بخلوّ خصوص مقدار الغلوات وجهان مبنيّان على أن الواجب هو طلب الماء في خصوص الغلوات أو أن الغلوات هو ظرف الطلب دون المطلوب ، فيجب ملاحظة الخارج عن الغلوات عند الطلب أيضا.

الأحوط بل الأظهر الأخير ، وحينئذ فلا بدّ في سقوط الطلب من العلم في جميع المسافة التي تبيّن عدم الماء فيها بالطلب في الغلوات.

ثالثها : لو علم وجود الماء خارج الغلوات لزمه السفر إليه (١) مع بقاء الوقت وانتفاء الحرج ، قريبا كان أو بعيدا كما نصّ عليه كثير من الأصحاب.

وما دلّ على الطلب في الغلوات محمول على صورة الجهل.

وفي صحيحة زرارة المتقدمة دلالة عليه ، والظاهر أنه قضية الأصل ؛ لتقدم الطهارة المائية على الترابية ، والمفروض تمكنه من الاولى ، فلا يصحّ منه الأخير.

وقد يقال بأن الشرط في الانتقال هو عدم وجدان الماء كما هو مدلول الآية والروايات

__________________

(١) في ( ألف ) : « وفيه » بدل « إليه ».

٢٤٩

المستفيضة. وهو صادق بدون ذلك ؛ إذ مع بعد الماء عنه لا يصدق عليه عرفا أنه واجد للماء.

نعم ، لو كان الماء في الأماكن القريبة منه لم يبعد صدق الوجدان عليه في العرف وإن كان خارجا عن الغلوات ، لكن الأظهر بناء الحكم على التمكن ، وربما يفسر الوجدان [ به ] في الآية الشريفة.

وفي البحار (١) : أنه المستفاد من كلام محقّقي المفسرين من الخاصة والعامة كالطبرسي والزمخشري ، فتأمل إلا أنه يعتبر فيه عدم الحرج لما دلّ على نفيه ، فالحطاب والحشاش إذا حضرتهما الصلاة ولم يتمكنا من الماء إلا بالرجوع إلى البلد لم يجب في وجه قويّ مع بعدهما جدّا من البلد واستلزام فوات مقصودهما. وكذا لو كان الماء عكس طريق المسافر ، فتوقف على الرجوع من بعض المنازل .. إلى آخره.

وظاهر الآية الشريفة يدفعه.

رابعها : لو كان خاف على نفسه من الطلب من لصّ أو سبع في الطريق أو على ماله المتخلّف في رحله سقط عنه الطلب. ولو ارتفع الخوف باستصحاب معيّن وجب من باب المقدمة ولو بالاجرة ، وإن كانت زائدة على المعتاد ما لم يضرّ بحاله ، وإن حصل الإجحاف في وجه قويّ وكان زائدا على القدر الّذي يخاف فوته باللصّ.

وفي جواز الطلب وتفويته باللصّ وجهان ، وكذا الحال لو لم يتمكن من الطلب لموانع الاخر ، فتسقط المباشرة.

ولو اختصّ المانع في بعض الجهات أو ببعض المقدار سقط ذلك ووجب الميسور ؛ لعدم سقوط الميسور بالمعسور ولحصول بعض الفائدة فيه.

وقد يقال بالسقوط ؛ نظرا إلى عدم التمكن من تمام الواجب ووجوب البعض في ضمن الكلّ بالتبع ، فيسقط بسقوطه.

وفيه ما لا يخفى.

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٨ / ١٣٤.

٢٥٠

خامسها : لو عجز عن الطلب وتمكّن من الاستنابة وجب لحصول الغرض به وعدم مدخليّته فيه للمباشرة.

ومنه يعلم جواز الاستنابة مع الاختيار أيضا ؛ إذ هو كما عرفت مما اجتمع فيه شرائط متعلّق الوكالة ، فلا فرق بين صورتي الاختيار والاضطرار.

واستشكل فيه في الحدائق (١) على الثاني بأن ظاهر الأخبار توجّه الخطاب على فاقد الماء نفسه ، فقيام غيره مقامه يتوقف على الدليل.

وفيه ما عرفت ، مضافا على جريان ذلك في صورة الاضطرار ، وقضية الأصل فيه سقوط الطلب ظاهرا.

وهل يشترط فيه عدالة النائب؟ وجهان. واعتبره في الروض (٢) ليصحّ الوقوف به شرعا في سقوط الواجب.

وهل يعتبر تعددهما لقيام خبر العدلين مقام اليمين؟ احتمالان. ولا يبعد القول بالاكتفاء بقول الواحد مطلقا ؛ لسماع قول الوكيل في ادّعاء الإتيان بما وكّل فيه كإخباره عن تطهير الثوب ، ومع المال ونحو ذلك.

نعم ، لو أوقع الطلب من غير توكيل ويضر به فالظاهر اعتبار العدالة والعدد ؛ لعدم دليل بيّن على الاكتفاء بخبر العدل في مثله إلا أن يقال بعموم ما دلّ على حجيّة خبر العدل في الحكم والموضوع ، وفيه تأمل.

وفي الحدائق بعد استشكاله في جواز الإشاعة مع الاختيار وحكمه بالجواز بل الوجوب مع العجز اشترط مراعاة العدالة (٣) مع الإمكان.

وفيه أيضا ما عرفت ؛ إذ لو كان الواجب استنابة العدل لزم القول بالسقوط مع تعذّره ، وإلّا فالواجب الحكم بالجواز مع إمكان الطلب بنفسه أو استنابة العدل كما لا يخفى.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٤ / ٢٥٣.

(٢) كما صرّح به في الحدائق الناضرة ٤ / ٢٥٣.

(٣) لم ترد في ( ب ) : « مراعاة العدالة ».

٢٥١

سادسها : لو أخلّ بالطلب الواجب حتى ضاق الوقت فإن تمكن من الطلب في البعض سقط التعذر ووجب بمقدار التمكن على ما مرّ ، وإن لم يتمكن منه أصلا سقط وصحّ تيممه وصلاته من غير لزوم إعادة عليه على الأقوى ، وإن أثم بالتأخير.

والوجه فيه واضح ؛ لسقوط الاشتراط مع الضيق.

غاية الأمر أن يكون آثما بإخراج نفسه عن عنوان المتمكن إلى العاجز ، وأطلق الشيخ والشهيد في الدروس عدم الإعادة لو أخلّ بالطلب الواجب ، فإن اريد بذلك عدم صحة تيممه ؛ نظرا إلى الإخلال بالشرط الذي هو الطلب ففيه منع ظاهر ؛ إذ المسلّم من الشرط إنما هو حال السعة.

وأيضا لا وجه حينئذ بسقوط الأداء ، ولا لفعله من دون الطهورين وبعد تعيّن فعله مع التيمّم الذي هو أحد الطهورين لا وجه لوجوب القضاء أيضا من دون نصّ عليه.

وقد يحمل كلامهما على حال السعة ، فيرتفع الخلاف.

وكذا يسقط الطلب لو ارتفع التمكن لموانع اخر من خوف العدوّ وحصول المرض إلا أنه لا إثم هنا لو لم يكن متوقع الحصول ، ومعه يجري ظاهر الخلاف المذكور مع التسامح التأخير.

وكذا يجري الكلام بالنسبة إلى من كان واجدا للماء فأراقه مع الانحصار أو أخرجه عن ملكه اختيارا في الوقت.

وقد أطلق الشهيد في غير واحد من كتبه وجوب الإعادة أيضا. ولا يبعد حمله على ما مرّ وعن غير واحد من الأصحاب فسادا. وكأنه لوجوب استعماله عليه ، وهو لا يقضي بالفساد لعدم اقتضاء النهي فساد المعاملة إن لم يكن تعلّقه من جهتها ، ولو فعل ذلك بطل الاكتفاء بغيره فلا إثم.

وينبغي القطع بصحة الصلاة إذن مع التيمّم.

ولو أهرقه قبل دخول الوقت مع علمه بعدم تمكنه منه في الوقت فلا مانع ؛ لعدم وجوب الطهارة عليه بعد. والقول بوجوب إبقاء الماء مع عدم وجوب الطهارة لا معنى له.

ولو قيل بوجوب الطهارة إذن قبل الوقت فهو مع مخالفته لظاهر الأصحاب ـ حيث

٢٥٢

يخصّون الوجوب بما بعد الوقت ـ أنّ الطهارة إنما تطلب لأجل الصلاة ، والمفروض عدم وجوب الصلاة بعد ، فكيف يعقل وجوب مقدمته مع عدم وجوبه؟!

نعم ، لو قيل بوجوب الصلاة مطلقا من غير أن يكون الوقت من شرائط وجوبه لتمّ ذلك إلا أنه مخالف للأخبار وكلام الأصحاب ، بل الإجماع.

مضافا إلى ما دلّ من جواز الجنابة عمدا مع عدم وجدان الماء كالحسن : عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله؟ فقال : « ما احبّ أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه » (١).

ورواه في مستطرفات السرائر (٢) بزيادة قوله : قلت : يطلب بذلك اللذة؟ قال : « هو حلال .. » الخبر.

وفي رواية السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام عن أبي ذر رضى الله عنه أنه أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول الله! هلكت جامعت على غير ماء. قال : فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بمحمل فاستترنا به وبماء فاغتسلت أنا وهي. ثم قال : « يا أبا ذر! يكفيك الصعيد عشر سنين » (٣).

فإنّ فحوى الرواية ظاهرة الدلالة على جواز ذلك ، مضافا إلى ما ورد من أنه « أحد الطهورين » وأنه « جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا » .. إلى غير ذلك.

وحينئذ يتيمّم بعد دخول الوقت ويصلي ، ولا إعادة عليه إجماعا كما عن منتهى المطلب (٤).

وذهب بعضهم إلى حرمة إهراقه حينئذ أيضا بناء (٥) لكون البقاء من مقدمة الواجب ، ولسببيّة ترك الواجب المحرم والمفضي إلى المحرّم محرّم ، ولما يظهر من عدة من الأخبار

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٥.

(٢) السرائر ٣ / ٦١٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٠٨.

(٤) منتهى المطلب ١ / ١٣٨.

(٥) لم ترد في ( د ) : « بناء ».

٢٥٣

كالصحيح : عن الرجل يتيمم بالبلاد الأشهر ، ليس [ فيها ] (١) ماء من أجل المراعي وصلاح الإبل ، قال : لا » (٢).

وفي صحيحة اخرى : فيمن أجنب في سفر ولم يجد إلا الثلج أو ماء جامدا فقال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه » (٣).

وفي مرسلة المقنع : « إن أجنبت في أرض ولم تجد إلا ماء جامدا ولم يخلص إلى الصعيد فصلّ بالمسح ، ثم لا تعد إلى الأرض التي توبق فيها دينك » (٤).

ومورد هاتين الروايتين وإن كان فيمن لم يتيسّر له الماء والصعيد إلّا أن فحواهما بل التعليل المذكور فيهما يعمّ المقام.

وأنت خبير بأن الأخيرة لضعفها مضافا إلى عدم وضوح دلالتها لا ينهض حجة ، والنهي فيها ليست صريحة في المطلوب ، بل ظاهرها يومي إلى الكراهة.

والصحيحة الاولى ليست صريحة في الحرمة ، فلتحمل على الكراهة ؛ جمعا بين الأدلة.

والاستناد إلى إفضائه إلى الحرام أو كونه من مقدمات الواجب أضعف شي‌ء كما لا يخفى.

ثم إنه يجري ما ذكر بالنسبة إلى نقض الوضوء قبل الوقت مع عدم وجدان الماء أو كان عنده ماء ولم يأخذ للاستعمال ، وكذا السفر قبل الوقت إلى موضع لا ماء فيه مع عدم تمكّنه من العود بعد دخول الوقت وما يشبه ذلك ، والكلام في الجميع واحد.

سابعها : لو تيمّم وصلّى ثم تبيّن وجود الماء في رحله أو أصحابه الباذلين أو قريبا منه ولو في الغلوات (٥) أو خارجا عنها بحيث لو سعى إليه في الوقت تمكّن منه من دون حرج فإما أن يكون قد اجتهد وطلب الماء في الغلوات (٦) أو لا ، وعلى التقادير فإما أن يكون عالما قبل ذلك

__________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٥.

(٣) الكافي ٣ / ٧٦ ، باب الرجل يصيبه الجنابة فلا يجد الا الثلج أو الماء الجامد ، ح ١.

(٤) المقنع : ٤٣.

(٥) في ( ألف ) : « الفلوات ».

(٦) في ( ألف ) : « الفلوات ».

٢٥٤

بوجود الماء فنسيه أو كان جاهلا من الأصل.

ثم إنه إما أن يأتي بالتيمم في سعة الوقت أو ضيقه ، وعلى الأول فإما أن يكون عليه (١) بالماء قبل خروج الوقت أو بعده ، فإن صلّى مع الطلب ثم تبين بعد خروج الوقت وجود الماء خارج الغلوات فلا تأمل في صحة صلاته سواء كان ناسيا له أو جاهلا قد صلى في سعة الوقت أو ضيقه.

وكذا لو علم في ضيق الوقت بحيث لم يتمكن أداء الطهارة المائية بنفسه أو مع أخذ الماء من الموضع الذي فيه لو علم به ، فلا تأمل في الصحة من غير فرق بين الناسي وغيره.

وكذا لو فعله في السعة. وهو ظاهر كلام الأصحاب ؛ لحصول الامتثال وظاهر الإطلاقات وصدق الوجدان في بعض فروضه كما إذا كان في رحله ممنوع ؛ إذ الظاهر منه اعتبار العلم بالماء والتمكن من الاستعلام بحسب المعتاد. والمفروض (٢) عدم العلم بعده.

وبنى في الحدائق على لزوم الإعادة في صورة النسيان ؛ أخذا بموثقة أبي بصير الآتية مع دعوى انجبارها بالشهرة. والظاهر أنه أعنى به شهرة العمل بها في الجملة ، وأما في هذه المسألة فلا نعرف قائلا به.

وفيه : أنه لا يقاوم تلك الإطلاقات المنجبرة بظاهر كلام الأصحاب ، فقد يحمل على الاستحباب أو على صورة ترك الطلب رأسا أو المسامحة فيه.

ومع الغضّ عنه فالمعارضة بينها وبين تلك الإطلاقات من قبيل العموم من وجه.

والشهرة وصدق الامتثال مرجّحة لها ، فالاحتياط فيه مما لا ينبغي تركه.

ولو ترك الطلب عمدا ، فإن تيمم في السعة فالظاهر فساده ؛ لعدم إتيانه به على النحو المشروع سواء كان الماء موجودا في الغلوات أو خارجا عنها.

ولو كان مما لا يمكنه الوصول إليه ؛ لظهور توقف التيمّم على الطلب.

ولو كان ساهيا في تركه أو ناسيا ففي صحة تيممه وجهان من سقوط التكليف بالطلب ،

__________________

(١) في ( د ) : « علمه ».

(٢) في ( ألف ) : « والمفروض من ».

٢٥٥

ومن أن ذلك عذر يسقط به العقاب والمؤاخذة فلا يترتب عليه الصحة.

والأوجه الثاني ؛ إذ الظاهر من الرواية وكلام الطائفة ثبوت الشرطية ، فبسقوطها بسبب العذر المذكور يحتاج إلى الدليل ، وإلحاقه بعدم المكنة من جهة الخوف من اللصّ وغيره قياس.

مضافا إلى موثقة أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل كان في سفر وكان معه ماء ، فنسيه وتيمم وصلّى ، ثم ذكر أن معه ماء قبل أن يخرج الوقت؟ قال : « عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة » (١).

وعن السيد والمحقق البناء على الصحة في صورة نسيان الماء ، واستدل له بعموم قوله عليه‌السلام : « رفع عن امتي الخطأ » (٢).

وهو كما ترى.

وقد يفصّل في المقام بين كون الماء بحيث يمكنه تحصيله بالطلب ، ومن لا يكون كذلك ، فعلى الثاني يبنى على الصحة لتحقق عدم الوجدان قطعا.

ولا يخلو من (٣) وجه.

ولو ضاق الوقت عن الطلب رأسا فالظاهر صحة الفعل وعدم لزوم الإعادة ؛ لسقوط الطلب حينئذ. وإن كان الماء بحيث لو علم به تمكن من استعماله لتحقق عدم الوجدان في تلك الحال من غير فرق بين تركه متعمدا أو ساهيا ، ولا كونه ناسيا للماء أو جاهلا.

وأطلق الشيخ الحكم بلزوم الإعادة فيمن ترك الطلب ، وقد كان ناسيا للماء في رحله ، فعلى ظاهر كلامه يجب الحكم بالإعادة في المقام. وهو المشهور بين الأصحاب.

والمستند فيه موثقة أبي بصير المتقدمة.

وهي كما ترى لا تدلّ عليه بوجه ، فالأظهر ما قلناه وفاقا لجماعة من المتأخرين منهم صاحب المدارك ؛ لما عرفت.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٦٥ ، باب وقت الذي يوجب التيمّم ومن تيمم ثم وجد الماء ، ح ١٠.

(٢) الخصال : ٤١٧ ؛ التوحيد : ٣٥٣.

(٣) في ( د ) : « عن ».

٢٥٦

مضافا إلى أنه مجال للقول بسقوط التكليف بالأداء إلحاقا له بفاقد الطهورين المتعمد لفقدهما بعده عن مفاد الأدلة ، [ و ] القول بوجوب القضاء مع الأداء بعيد أيضا ، بل لا نظير له ظاهرا.

ثامنها : لو كان الماء موجودا عنده فأخلّ باستعماله حتى ضاق الوقت عن الطهارة المائية ففي الانتقال إلى التيمّم وإدراك الأداء أو التطهير بالماء والبناء على القضاء قولان ، أوّلهما مختار العلّامة وجماعة ، والثاني مختار المحقق.

والأقوى الأول. ولا فرق بين أن يكون ذلك من جهة عدم اتّساع الوقت للطهارة المائية نفسها أو من جهة مقدماتها كإزالة النجاسة.

ولو كان من جهة إزالة المانع عن وصول الماء ، فالظاهر حينئذ سقوط غسل محلّ المانع كما مرّ إلا أن يستوعب العضو ، ففيه الإشكال المتقدم.

ويدلّ على ما قلناه الإطلاقات الدالّة على تعيين التيمّم عند عدم التمكن من الماء ، والمفروض عدم حصول التمكن لفوت الصلاة بفعل المائية.

كيف ولو لا ذلك لوجب القول بسقوط الصلاة إذن أو تكليفه بها من دون طهارة أو معها.

والأخيران واضح الفساد ، والأول مخالف للأخبار ، ولما هو معلوم من أن مشروعية التيمّم إنما هو لأجل عدم فوت الأداء ، وإلا لجاز ترك الصلاة ، وانتظار حصول الماء للتمكن منه غالبا بعد خروج الوقت.

وكون نفسه سببا لفوت المائيّة اختيارا لا يوجب الفرق ؛ إذ غاية الأمر حصول الإثم. وقد مرّ نظيره.

والقول بعدم جواز التيمّم في مثله ولو كان من غير اختياره ـ كما لو استيقظ في آخر الوقت بحيث لم يمكنه إدراك الصلاة إلا متيمما ـ ضعيف جدّا سيّما إذا كان من جهة بعض مقدمات تحصيل الماء كاستقائه من البئر ونحوه.

ولا يبعد انتفاء الخلاف في هذه الصورة ؛ إذ لو أوجب السعي إلى الماء خروج الوقت تعيّن التيمّم بالاتفاق.

٢٥٧

والفرق بين القريب والبعيد في ذلك مما لا يعقل فارقا في المقام.

وقد عرفت بما ذكر ضعف ما حكي عن المحقق الكركي (١) من التفصيل بين ما إذا كان الماء حاضرا عنده ولم يتمكن من المائية من جهة ضيق الوقت وما إذا لم يكن الماء عنده بحيث لو سعى إليه فات الوقت.

وأنت خبير بأنه إذا كان المناط في الوجدان هو التمكن من الاستعمال وإدراك الوقت فهو غير حاصل في المقامين ، وإن كان عدم صدق القدرة على الماء وجدانه فلا فرق أيضا إلّا أن يكون بعيدا عنه جدّا بحيث لا يعدّ في العرف واجدا. وهو لا يلتزم به.

ثم انه يجري الكلام المذكور في سائر شرائط الصلاة المذكور الساقطة حال الاضطرار كطهارة الثوب أو البدن والساتر وتعلّم القراءة والعلة ، والظاهر في الجميع ما ذكرناه. ويأتى على القول الآخر فسادها على تلك الحال.

تاسعها : لو وجد من الماء ما لا يكفيه إلا لبعض أعضائه انتقل الحكم إلى التيمّم بلا خلاف فيه ظاهرا ، ومحكيا في ظاهر منتهى المطلب (٢) وذكرى الشيعة حيث نسباه إلى علمائنا بل ظاهرهما حكاية الإجماع على سقوط غسل البعض أيضا حيث جعلاه بحكم العدم. وهو كذلك.

وقد يحكى عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض. وحكي القول به من العامة.

وهو ضعيف جدّا سواء أريد به البعض في الغسل خاصة وإن أتى بالتيمم تامّا أو الاكتفاء به عن الكلّ أو التبعيض بين المائية والترابية.

وقد دلّت المعتبرة المستفيضة على سقوط الغسل مع انتفاء ما يكفيه من الماء لغسله وإن كفى للوضوء.

نعم ، لو أخلّ (٣) في خصوص الغسل ؛ نظرا إلى عدم اشتراطها بالموالاة حصول الماء

__________________

(١) جامع المقاصد ١ / ٤٦٧.

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٣٣.

(٣) في ( د ) : « ظنّ ».

٢٥٨

بالتدريج بحيث يدرك آخر الوقت متطهرا تعيّن غسل البعض والانتظار ، وإن كان بحيث يلحقه الباقي بعد خروج الوقت لم يجب عليه ذلك ، وإن أدرك به الصلاة اللاحقة إذ لا يجب (١) الطهارة لها قبل دخول وقتها كما مرّ.

ولو شكّ في اللحوق في الوقت ففي وجوب استعماله مع عدم إمكان حفظه وانتظار آخر الوقت وجهان ؛ احتمله العلّامة وغيره.

ويجري الوجهان في وجوب حفظ ذلك الماء لو أمكن مع احتمال حصول ما يكمله خاصة للوضوء والغسل.

ولو وجب عليه كلّ من الوضوء والغسل وكفى الماء لإحدى الطهارتين فلا تأمل في وجوب الإتيان به والتيمّم للأخرى ، ولو اكتفى به لكلّ من الغسل والوضوء منفردا فالظاهر تقديم الغسل والتيمّم عن الوضوء.

والأحوط إذن تقديم الغسل على التيمّم ، واحتمل بعضهم التخيير بين الأمرين لكون كل منهما فرضا مستقلا ، وهو بعيد.

عاشرها : لو توقّف الاكتفاء بما يجده من الماء على فرجه بالمضاف على وجه لا يسلبه الإطلاق ففي وجوب ذلك قولان. والعدم مختار الشيخ ؛ لصدق عدم وجدان الماء المعتبر في مشروعية التيمّم ، والتمكن من إيجاد الماء ليس وجدانا له.

وإليه يميل كلام فخر المحققين واختاره بعض المتأخرين ، وقطع العلّامة في المختلف بالوجوب.

ويدلّ عليه صدق التمكن من الماء وأنّ الطهارة بالماء واجبة ، فيجب مقدمته.

وأورد عليه بأن شرط التيمّم في الآية ليس مطلق عدم التمكن ، بل عدم الوجدان المتحقق في المقام وأن وجدان الماء من شرائط وجوب المائية ، فلا يجب إيجاده لأجلها ؛ لعدم وجوب مقدار الواجب المشروط.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « إذ لا يجب ... إمكان حفظه ».

٢٥٩

وفيه أن الظاهر من الوجدان في المقام هو التمكن من الماء كيف كان كما يومي (١) إطلاق الأمر بالوضوء والغسل مقدّما عليه القاضي بوجوب تحصيل مقدمته حسب الإمكان.

كما هو أيضا معلوم في المقام من فتاوى الأصحاب ، وكأنّ ذلك هو الوجه في حمل الآية على ذلك كما حكي من أساطين المفسّرين كالطبرسي والزمخشري. وحينئذ فيدفع الإيرادان المذكوران.

كيف ، ولو لا ذلك لما وجب إذابة الثلج ونحوه ؛ لعدم وجود الماء عنده قبلها ، ولما وجب الوصول إليه من الأماكن البعيدة أو حفر البئر لإخراجه مع عدم صدق الوجدان قبله.

وما يرد (٢) على ذلك من بيان الفارق من الوصول إلى الماء الموجود بحفر ونحوه ، وبين إيجاده بعد عدمه بيّن الوهم ؛ لعدم تعليق التيمّم في الآية لوجود الماء ليتمّ الفرق المذكور ، وإنما المعلّق عليه الوجدان (٣) ، وهو غير متحقق قبل الوصول إليه بالأسباب المذكورة.

نعم ، لو كان الماء قريبا منه أمكن القول بصدقه ، وهو غير مورد النقض. على أنه لا يتمّ فيما ذكرناه من إذابة الثلج لعدم وجود مسمّى الماء قطعا.

حادي عشرها : لو طلب الماء قبل الوقت فإن علم بعد الوقت عدم تجدّد شي‌ء اكتفى به ، ولو احتمل تجدّده لزمه تجديد الطلب في وجه قويّ ؛ إذ الأمر بالطلب إنما هو بعد دخول الوقت والاكتفاء بما قبله (٤) غير معلوم ، فينبغي على عدمه لو طلب لصلاة واحدة ، فالظاهر الاكتفاء به لما يأتي من الصلاة حضر وقتها أولا.

وحكم الفاضل في عدة من كتبه بلزوم إعادة الطلب لما دخل وقتها ما لم يعلم عدم تجدّد شي‌ء. وكأنّ الوجه فيه لزوم الطلب له أيضا ، فلا يسقط بالطلب لغيره إلا مع العلم بعدم التجدد.

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « إليه ».

(٢) في ( د ) : « يورد ».

(٣) في ( ألف ) : « والوجدان ».

(٤) في ( د ) زيادة : « حينئذ ».

٢٦٠