تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

تبصرة

[ في الاغتسال لقتل الوزع ]

ومنها قتل الوزغ على ما ذكره جماعة من الأصحاب منهم المفيد والصدوق في ظاهر كلامه والفاضل وابن سعيد والشهيد في عدّة من كتبه وابن فهد (١) والصيمري.

ولم يذكره كثير من الأصحاب كالشيخ والديلمي والحلبي والقاضي وابن زهرة وابن ادريس.

وظاهر الجماعة (٢) والجامع ونهاية الإحكام وذكرى الشيعة التوقّف في الحكم.

وظاهر المعتبر إنكاره.

والأظهر ثبوته لما رواه الصفار والكليني والراوندي بإسنادهم عن عبد الله بن طلحة ، عن الصادق عليه‌السلام أنه سأله عن الوزغ؟ فقال : « رجس ، وهو مسخ كلّه فإذا قتلته فاغتسل » (٣).

وفي رواية الصفار : « هو رجس ، هو مسخ » (٤) باسقاط « كلّه ».

وفي الهداية : روي « أن من قتل وزغا فعليه الغسل ، والعلة في ذلك أنه يخرج من الذنوب فيغتسل منها » (٥). والظاهر أن التعليل ليس من الرواية كما يظهر من الفقيه حيث ذكر المرسلة وحكى التعليل عن بعض مشايخه.

نعم ، يحتمل أن يكون ذلك مأخوذا من كلام الأئمة.

__________________

(١) المهذب البارع ١ / ١٩١.

(٢) لم ترد في ( د ) : « الجماعة و ».

(٣) الكافي ٨ / ٢٣٢.

(٤) بصائر الدرجات : ٣٧٣.

(٥) الهداية : ٩١.

٢٢١

وظاهر الذكرى جعله التعليل المذكور من تتمة الرواية ، وهو بعيد.

وضعف الرواية مجبور بتكرّرها في عدّة من الكتب المعتمدة وعمل جماعة من الطائفة.

وفي البحار (١) أنها مؤيدة بعمل الأصحاب.

وكأنّه أراد به الجنس.

وكيف كان ، فذلك كاف في ثبوت الاستحباب. ويؤيده ما ورد في الأخبار العامة من رجحان قتله ، وعن الباقر عليه‌السلام : « أليس يموت من بني أمية ميت إلا مسخ وزغا » (٢).

ثمّ إن الظاهر أن الوزغ جنس واحده الوزغة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٨ / ١٠ ، باب علل الاغسال وثوابها وأقسامها ، ح ١١.

(٢) الكافي ٨ / ٢٣٢.

٢٢٢

[ تبصرة ]

[ في الاغتسال لرؤية المصلوب ]

ومنها : غسل من سعى إلى رؤية مصلوب من المسلمين (١) إن كان الصلب بغير حقّ وإلا اختصّ بما بعد الثلاثة.

والمعروف بين الأصحاب من غير خلاف (٢) يعرف هو ثبوت الغسل المذكور.

نعم ، لم يذكره الشيخان والديلمي والحلي والفاضلان في بعض كتبهما.

وفي المعتبر (٣) بعد ذكر رواية الوجوب عن الصدوق : ولم يثبت عندي ما ذكره. وليس بشى‌ء من ذلك. والأولى (٤) نفي الاستحباب.

ثم إن ظاهر الصدوق (٥) وصريح الحلبي (٦) وجوب الغسل المذكور.

وعلّله في الكافي بكونه شرطا في تكفير الذنب وصحّة التوبة ، فيلزم العزم عليها لهذا الفرض.

وظاهر (٧) بل صريح (٨) العلامة (٩) (١٠) الفعل (١١) المذكور إلا أنه قيّده بما بعد الثلاثة من غير

__________________

(١) زيادة في ( د ) : « مطلقا ».

(٢) زيادة في ( د ) : « به ».

(٣) المعتبر ١ / ٣٦٠.

(٤) في ( د ) : « بالأعلى » بدل « والأولى ».

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٨.

(٦) الكافي للحلبي : ١٣٥.

(٧) في ( ب ) : « فظاهر » ، وفي ( د ) : « ظاهره ».

(٨) في ( ب ) و ( د ) : « صريحة ».

(٩) قواعد الأحكام ١ / ١٧٨.

(١٠) في ( د ) : « حرمة » بدل : « العلامة ».

(١١) في د : « الفصل ».

٢٢٣

تفصيل.

وظاهر الصدوق الإطلاق من غير تفصيل بين المصلوب بحق وغيره.

وكيف كان ، فالظاهر هو الاستحباب لما مرّ.

وأما الصدوق في الفقيه قال : روي أن « من قصد إلى رؤية مصلوب فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة » (١٢).

وروى نحوه أيضا في الهداية. وهو محمول على الندب بقرينة فهم الأصحاب مضافا إلى ضعف الرواية ، فلا يقوم حجة على الوجوب مع انتفاء الجابر وإضراب الأصحاب عن ظاهرها.

فالقول بالوجوب ساقط جدّا ، مضافا إلى الإجماع المنقول على الاستحباب المعتضد بفتوى الأصحاب إلا من شذّ.

[ تنبيهات ]

وهاهنا امور ينبغي الإشارة إليها :

أحدها : اشترط جماعة من الأصحاب منهم الحلبيون أن يكون المصلوب مسلما ، فلا غسل في السعي إلى رؤية المصلوب الكافر ، وعلّل بأنه لا احترام للكافر ، فيحمل إطلاق النص على المسلم.

وربما يفرّق بين الحربي وغيره. وظاهر إطلاق جماعة إطلاق الاستحباب ، وهو الأوفق بظاهر النصّ.

ثانيها : يعتبر في ثبوت الغسل تحقق النظر. وبه نصّ جماعة من الأصحاب منهم الشهيد الثاني (١٣) في عدّة من كتبه.

__________________

(١٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٨.

(١٣) مسالك الإفهام ١ / ١٠٧.

٢٢٤

وهو الظاهر للنصّ عليه في الرواية ، وهو الظاهر من فتوى الصدوق.

ويتراءى من إطلاق جماعة عدم اعتباره ولا يبعد حمله على ذلك.

والمعتبر فيه مطلق الرؤية وإن تعلّق ببعض منه.

ولو رآه في لباسه فوجهان.

ثالثها : يعتبر كون النظر عن سعي إلى رؤيته ، فلا غسل للجاني (١) عنه كما هو ظاهر كلام الأكثر. وربما يستفاد من بعض الإطلاقات عدم اعتباره.

وهو مدفوع بظاهر الرواية.

ولو سعى إلى رؤيته فعدل عنها بعد الوصول إليه فاتّفق له النظر إليه من غير قصد ، قوي عدم ثبوت الحكم ؛ إذ الظاهر من الفعل خصوص الواقع عن العمد.

ولو وقع النظر لغرض صحيح ففي ثبوت الغسل وجهان. وظاهر بعض الأفاضل عدمه ؛ لاعتباره انتفاء الغرض الصحيح للرؤية (٢).

وهو كذلك بناء على كون الغسل عقوبة.

ولا فرق بين رؤيته حيّا وميّتا كما هو قضية إطلاق الرواية ، وكلمات الأصحاب.

رابعها : المعروف بينهم اشتراط مضيّ الثلاثة على المصلوب. وظاهر إطلاقهم يعمّ المصلوب بحكم الشرع وغيره.

وظاهر إطلاق النصّ يعمّ الحكم في الثلاثة وغيرها.

والمذكور في وجه التقييد أن المصلوب إنما وضع لعبرة الناس بالنظر إليه وملاحظة أحواله ؛ ليوجب زجر الباقين عن المعصية الموجبة له ، فلا غسل في النظر إليه.

ويومي إليه ما ذكر في وجهه عن كونه عقوبة على الفعل المذكور ، ولا معنى للعوقبة على الفعل المباح.

وفيه : [ أنه ] إنما يتمّ بالنظر إلى المصلوب بأمر الشرع دون غيره ، فلا يتّجه التقييد

__________________

(١) في ( د ) : « في الجاني » بدل « للجاني ».

(٢) في ( د ) : « في الرؤية » بدل « للرؤية ».

٢٢٥

بالنسبة إليه ، ولذا أطلق فيه الحكم بعضهم ، وخصّوا التقييد بالأول كما ذكرناه.

وقد يستشكل في الوجه المذكور بأنه لو سلّم فإنه يفيد عدم كون مرجوحيّة النظر إليه في الجملة ، وهو يتمّ لعدم مرجوحيّة النظر مع انتفاء السعي ، فلا ينافي ثبوت الغسل مع النظر المسبّب عن السعي كما هو مورد المسألة إلّا أن يستظهر من إبقاء المصلوب شرعا عدم مرجوحية السعي إليه للنظر.

وكيف كان ، فلا بعد (١) في التقييد بالنسبة.

ويؤيّده أن الغالب بل المتعيّن (٢) في مورد الإطلاق له وإن كان من الأفراد الغير الحاصلة زمن الخطاب ، وهو الظاهر المؤيّد بفتوى الأصحاب.

ثم بناء على اعتبار الثلاثة فالمعتبر منه من حين الصلب ، وهو ظاهر إطلاق الأصحاب ، والمصرّح به في كلام جماعة منهم ابن فهد والمحقّق الكركي والشهيدان.

وعن بعضهم اعتباره من حين الموت.

وفي الروض أنه لا شاهد له.

ثم إنه لو وقع السعي والرؤية في الثلاثة لم يثبت الغسل كما أنه يثبت لو وقع الأمران بعيدها ، ولو وقع السعي في الثلاثة ولا رؤية بعدها فإن كان مقصوده بالسعي ذلك ثبت الغسل في الأظهر ؛ لظاهر الإطلاق. ويحتمله عبارة الأصحاب ، وهو المصرّح به في كلام الفاضلين.

ولو سعى في الثلاثة فاتفق الرؤية من دون أن يكون بخصوصه مقصودا بالسعى فكذلك أيضا في وجه قويّ.

خامسها : يعتبر أن يكون النظر إليه حال كونه مصلوبا ، فلو نظر إليه بعد إنزاله عن الخشبة لم يثبت الغسل ؛ إذ هو المفهوم من العبارة في العرف ، ولا أقلّ من الشك بعده. ويجدى تعميم الحكم بناء على عدم اشتراط المبدأ في صدق المشتقّ.

__________________

(١) في ( ألف ) : « يعد ».

(٢) في ( ألف ) : « التعيين ».

٢٢٦

تبصرة

[ في غسل مسّ الميت ]

ومنها غسل من مسّ ميّتا بعد تغسيله كما نصّ عليه الشيخ وجماعة من المتأخرين للموثق : « وكل من مسّ ميتا فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسل » (١) ؛ بحمله على الندب بالنسبة إلى ما بعد الغسل ؛ لدلالة المستفيضة المتكثرة على عدم وجوب الغسل حينئذ.

واحتمل بعض الأفاضل أن يكون ( غسل ) بالتخفيف لدفع توهم الغسل سقوط الغسل بالغسل.

ولا يخلو من بعد.

وحمله آخر على صورة عدم تكامل الغسل. وهو بعيد جدا.

ويؤيده ما في صحيحة محمد بن مسلم من ثبوت الغسل بتكفين الميّت ؛ إذ الظاهر ابتناؤه على استلزامه المسّ ، وحمله على الوجوب ؛ حملا للتكفين على الواقع قبل الغسل كما إذا تعذّره محمل (٢) بعيد لا داعي إليه.

وفي المستفيضة المشتملة على غيره الحكم بعدم ثبوت غسل على من أوصل الميّت القبر معلّلا بأنه (٣) « لمس الثياب (٤) » ، فيفيد بالفحوى ثبوت الغسل مع مسّ الجسد.

فبملاحظة جميع ما ذكرنا لا ينبغي الشك (٥) في ثبوت الغسل المذكور ، وأن خلافه (٦) كلام

__________________

(١) الإستبصار ١ / ١٠١ ، باب وجوب غسل الميت وغسل من مس ميتا.

(٢) في ( ألف ) : « قعده بحمل » بدل « تعذّره محمل ».

(٣) زيادة في ( د ) : « إنّما ».

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٦١.

(٥) في ( د ) : « التأمّل ».

(٦) زيادة : « خلافه » من ( د ).

٢٢٧

أكثر الأصحاب.

ولو مسّ بعضا من الميّت ففيه وجهان ، وقضية الأصل عدمه.

وظاهر الصدوق القول بوجوب الغسل بالتكفين. قال المحقق (١) بعد نقل الوجوب عنه :

إن إيجاب الغسل بتكفينه نادر ، والقائل (٢) به قليل.

ولا يبعد حمل كلامه كالرواية على الاستحباب وإن كان عبارته في الماسّ أظهر من الرواية ، فالقول باستحباب الغسل بالتكفين المحض بعيد جدّا ، فتأمل.

ومنها : غسل المولود على المعروف بين الأصحاب. ذكره الشيخان (٣) (٤) والحلبي (٥) والقاضي (٦) وابن زهرة (٧) والحلي والفاضلان والشهيدان (٨) (٩) والمحقق الكركي (١٠) وغيرهم.

ويدلّ عليه موثقة سماعة (١١) ، وقد حكم فيها بوجوبه مع عدّة مع الأغسال المندوبة بالإجماع ، ففيه شهادة على كون الوجوب بمعنى مطلق الثبوت ، وهو معنى شائع في الأخبار ، مضافا إلى فهم الأصحاب.

وعن الطوسي النصّ على وجوبه. وهو ظاهر الصدوق (١٢).

وهو ضعيف جدا والرواية لا تدلّ عليه ؛ إذ لفظ الوجوب في الأخبار أعمّ من الوجوب

__________________

(١) المعتبر ١ / ٣٦٠.

(٢) في المصدر : « والعامل ».

(٣) المقنعة : ٥١.

(٤) المبسوط ١ / ٤٠.

(٥) الكافي للحلبي : ١٣٥.

(٦) المهذب ١ / ٣٣.

(٧) غنية النزوع : ٦٢.

(٨) البيان : ٤.

(٩) روض الجنان : ١٨.

(١٠) جامع المقاصد ١ / ٧٥.

(١١) وسائل الشيعة ٣ / ٣٠٣ ، باب حصر أنواعها ( اغسال ) وأقسامها ، ح ٣.

(١٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٧٩.

٢٢٨

المصطلح.

ولا يبعد حمل كلامه على نحو الرواية.

وربما يحتج له بقوله عليه‌السلام : « اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشمّ الغمر ، فيفزع الصبي في رقاده ويتأذّى به الكاتبان » (١).

وهو كما ترى.

وهل يعتبر فيه النية على نحو سائر الأغسال؟ الظاهر ذلك كما هو ظاهر الموثقة العادّة له في ضمن سائر الأغسال ، مضافا إلى ظهور لفظ الغسل فيه وأنّ اعتبار النية هو قضية الأصل في كلّ التكاليف إلا ما خرج بالدليل.

وعلى هذا فيعتبر فيه ما يعتبر في سائر الأغسال من تقديم إزالة النجاسة على نحو ما مرّ والترتيب.

وفي كفاية الارتماس فيه وجهان أشبههما ذلك ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة من غير فصل ظاهر؟ ظاهر كثير من عبائرهم ذلك (٢) ؛ إذ هو أحد وجهي الغسل.

وهل يعتبر أن يكون عقيب الولادة؟ ففي عدّة من كتب الأصحاب أنه عند الولادة ، وفي عدة أخرى أنه حين الولادة ، وفي اخرى : « إذا ولد استحب الغسل ». وكأنّ الأظهر بقاء الحكم ما سمّي مولودا ؛ أخذا بظاهر الموثقة.

وقال الشهيد الثاني في شرح النفلية : الظاهر أنه لا يسقط بالتراخي لإطلاق النصّ.

قال التقي العلامة المجلسي رحمه‌الله : الظاهر جواز تأخيره لغسل الولادة.

والأظهر تقييد العبارتين المذكورتين بما ذكرناه.

ومنها : الغسل بعد إفاقة المجنون. ذكره العلامة في نهاية الإحكام (٣) معلّلا بما قيل من أن

__________________

(١) الخصال : ٦٣٢.

(٢) لم ترد في ( ب ) و ( د ) : « إذ هو ... الولادة ».

(٣) نهاية الإحكام ١ / ١٧٤.

٢٢٩

زوال (١) عقله أنزل ، وبأنه مظنة للحدث كالنوم فيسرع له الطهارة كالنوم.

ولم نجد من وافقه من الأصحاب سوى شيخنا البهائي ، ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه.

والتعليلان المذكوران بمكان من الضعف ، ولذا أنكره في منتهى المطلب (٢) بعد حكايته عن الحنابلة (٣) معلّلا بأنه حكم شرعي يتوقف ثبوته على الدليل الشرعي.

وفي النفلية (٤) أنه غير ثابت عندنا فالظاهر عدم ثبوته.

__________________

(١) في ( د ) : « من زال » بدل « زوال ».

(٢) منتهى المطلب ١ / ١٣٢.

(٣) في ( د ) : « الحاملة ».

(٤) الألفية والنفلية : ٩٦.

٢٣٠

تبصرة

[ في تأخّر الأغسال السببية ]

الأغسال السببية كلها متأخرة عن أسبابها ؛ إذ رجحانها فرع حصول أسبابها ، فلا بدّ من تأخير الفعل عنها.

وهل هي متّسعة بعد حصول الأسباب ما دام العمر أو مطلوبة على سبيل الفوريّة العرفية؟ وجهان أقواهما الأول ؛ أخذا بظاهر الإطلاق ، وأن ظاهر السببية قاض ببقاء التكليف ما لم يحصل الفعل وإن كان الأرجح التعجيل ؛ لما دلّ على رجحان المسارعة إلى الخير والمبادرة إلى امتثال الأمر. وما قد يدعى من ظهور الإطلاقات في الفور مطلق أو في خصوص المقام محلّ تأمل.

٢٣١

تبصرة

[ في تجديد الغسل ]

لا يستحب الغسل للتجديد على ظاهر الندب. وقد نصّ عليه جماعة من الأجلّة منهم العلامة والشهيد ؛ للأصل وعدم ظهور دليل على شرعيّته ؛ إذ أدلّة تجديد الطهارة مختصة بالوضوء.

نعم ، في المرسل : « الطهر على الطهر عشر حسنات » (١). وهو أيضا محمول على الوضوء بقرينة غيرها من الأخبار.

وإليه يشير ما في العلوي : « الوضوء بعد الطهور عشر حسنات » (٢).

مضافا إلى ظاهر فهم الأصحاب ، وعدم ظهور قائل بظاهر إطلاقها وإلّا لجاز تجديد كل من الوضوء والغسل بالآخر.

نعم ، يجوز الإتيان به مع الظن بحصول الحدث على وجه قوي ؛ نظرا إلى مراعاة الاحتياط على ما مرّ في الوضوء.

بل لا يبعد القول بجوازه مع الشك أيضا ، وما ورد من المنع من نقض اليقين بالشك لا يفيد المنع منه ؛ لعدم البناء معه على الانتقاض.

وكذا الحال لو احتمل حصول خلل منه في بعض الأحوال أو الشرائط ، وكذا لو أتى بطهارة المضطرّ فارتفع الاضطرار على ما نصّ عليه جماعة من الأصحاب منهم الشهيدان.

وكأنه للخروج عن خلاف القائل بالوجوب ، وإلّا فالحكم لا يخلو عن إشكال.

ويحتمل أيضا عدم جواز الإتيان بالغسل مع احتمال حصول سبب الاستحباب كاحتمال

__________________

(١) الكافي ٣ / ٧٢ ، باب النوادر ، ح ١٠.

(٢) المحاسن ١ / ٤٧.

٢٣٢

كونه يوم الجمعة أو العيد ونحو ذلك.

وكيف كان ، فليس شي‌ء من ذلك من باب التجديد كما لا يخفى.

ولذا نصّ الشهيد (١) في الغسل عند زوال الرخص والشك في الحدث أنه ينوي فيهما رفع الحدث.

والأولى ضمّ قصد الاحتياط ، فإن كان هناك حدث وارتفع به وإلّا وقع لغوا بالنظر إلى الواقع لكن لا يسقط به الاستحباب من جهة الاحتياط ، فالرجحان حاصل على أيّ حال.

وربما يقال بالتخيير بين قصد (٢) رفع الحدث وقصد الغسل لأجل السبب المفروض أعني الشك في حصول الحدث أو احتمال الخلل.

ويظهر من منتهى المطلب (٣) جواز التجديد حيث حكم بجواز اغتسال المستحاضة لكل صلاة مستندا إلى قوله عليه‌السلام : « الطهر على الطهر عشر حسنات ». فيدل على ذلك بناؤه على شمول الرواية للغسل.

وهو كما ترى.

__________________

(١) الذكرى : ٩٩.

(٢) زيادة : « قصد » من ( د ).

(٣) منتهى المطلب ١ / ٧٣.

٢٣٣

تبصرة

[ في مشروعية الغسل بأحد أسبابها ]

إنما يشرع الغسل مع حصول أحد الأسباب المذكورة من الزمان والمعابد ونحوهما ، فلا يستحب من غير حصول شي‌ء منهما ؛ لانتفاء ما يدل على مشروعيته كذلك. وقد يستظهر من الفاضلين كون الغسل في نفسه من العبادات الراجحة وإن لم يحصل شي‌ء من الأسباب الباعثة على مطلوبيته بالخصوص حيث علّلا استحبابه في بعض المواضع برجحانه في نفسه. وقد يستدل عليه بقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (١) وقوله عليه‌السلام : « وأىّ وضوء أطهر من الغسل » (٢).

وما ورد من استحباب الاغتسال بماء الفرات كما روى حنان في القوي أن الباقر عليه‌السلام قال لرجل من أهل الكوفة : « أتغتسل من فراتكم في كل يوم مرّة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل جمعة؟ » قال : لا. قال : « ففي كل شهر؟ » قال : لا. قال : « ففي كل سنة؟ » قال : لا. قال له أبو جعفر عليه‌السلام : « إنك لمحروم من الخير » (٣).

وذكر نحوه في زيارة الحسين عليه‌السلام إلا أنه أسقط عنه الزيارة في كل يوم.

وربما يستأنس له بالأخبار الواردة بالاغتسال عند جملة من الأفعال كالروايات الدالّة على رجحان الاغتسال عند طلب الحوائج مع انضمامه إلى عدّة من المستحبات كالصلاة والصوم والصدقة ، فيومي ذلك إلى كون الاغتسال أيضا من قبيل تلك الأفعال.

وأنت خبير بعدم صلوح الاحتجاج بشي‌ء من المذكورات ، فالأظهر الاقتصار على

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) الكافي ٣ / ٤٥ ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده ، ح ١٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٢ / ٥٢٣.

٢٣٤

الموارد الخاصة. وكأن ما قد يعزى إلى البعض من جواز الاتيان بالغسل مكان الوضوء مبنيّ على (١) ذلك بناء على الاكتفاء بالغسل عن الوضوء.

ويوهن القول به ظواهر الأخبار الدالة على تعيين الإتيان بالوضوء عند حصول أسبابه دون التخيير بينه وبين الغسل ليكون موجبات الوضوء من موجبات الغسل أيضا.

ثم لا يذهب عليك أنه بناء على القول المذكور لا يلزم أن يكون الوضوء من العبادات العينية (٢) بل الظاهر أن المقصود به هي الحالة الحادثة منه ، فتلك الحالة هي المطلوبة في الشرع دون نفس تلك الأفعال كما في إزالة الأخباث ، فتأمل.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « على ذلك بناء ».

(٢) في ( د ) : « النفسيّة ».

٢٣٥

تبصرة

[ في امتداد وقت الأغسال ]

قد مرّ أن الغسل الزماني وقته هو الزمان المضاف إليه ، وأما الأغسال المكانية والفعلية والسببية فلا توقيت فيها إلا أن الظاهر تقديم الغسل في الأولين وتأخيره في الأخير. والوجه فيه واضح للزوم تقديم السبب على المسبب ، وكذا الحال في الأولين.

والمقصود حصول الغاية مغتسلا ، وقد ورد التصريح به في عدّة من المقامات المذكورة.

نعم ، ورد في الحسن في دخول المدينة الأمر بالاغتسال قبل دخولها أو حين يدخلها. ومع حمل الترديد على كونه من الامام يمكن حمله على التفصيل المبيّن بما لا يتم الغسل متصلا بالدخول.

وقد ورد التعبير بالأخير في الصحيح في غسل الإحرام ودخول المدينة والكعبة وفي خصوص الإحرام في صحيحة اخرى ، وفي حول الحرم في الخبر.

ويمكن حمله على ما قلناه بل يتعيّن الحمل عليه بالنسبة إلى الإحرام.

وفيه شهادة على حمل غيره عليه أيضا.

وقد يقال باستحباب الغسل فيها بالنسبة إلى الكون المتأخر عن الغسل ، وإن حصل مسمّى الدخول.

وربما يعزى إلى الأكثر تنزيله على صورة الاضطرار. وهو أيضا لا ينافي الوجه الأخير ، بل إنما يتمّ بملاحظته ، فلا تغفل.

ثم إنه هل يمتدّ غسل السببي بامتداد العمر أو هو مبني على الفور؟ وجهان.

والأظهر جواز الإتيان به بحيث يصحّ ارتباط الغسل بالسبب المفروض تنزيلا للمطلق على متفاهم العرف.

٢٣٦

وأما الأغسال الغائية فالظاهر اعتبار المقارنة العرفية بين الغسل والغاية من الفعل ، والكون في المكان كما هو الظاهر المنساق من الأخبار وكلام الأصحاب.

وكأنّ التعبير بالحين في الأخبار المتقدمة للإشارة إلى ذلك.

وقد ورد في عدة من الروايات إجزاء غسل اليوم لليوم وغسل الليل لليل ، ففي الصحيح : « غسل يومك ليومك وغسل ليلتك لليلتك » (١). وفي [ خبر ] أبي بصير : سأله رجل وأنا عنده ، قال : اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى. قال : « يعيد الغسل فيغتسل نهارا ليومه ذلك وليلا لليلته » (٢).

وفي آخر : « من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل ، ومن اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر » (٣).

فلا مانع من الفصل بين الغسل ، وغايته إنما يقرب من مقدار النهار (٤) لو اغتسل عنده الفجر.

وكذا بما يقرب من مقدار الليل لو اغتسل عقيب الغروب.

ولا يجوز الفصل زيادة عليه كما دلّ عليه تلك الأخبار.

ويومى إليه عدة من الروايات الواردة في بعض تلك الغايات المبيّنة للغسل في اليوم الذي يأتي فيه بالغاية كيوم الإحرام ويوم الزيارة ونحوهما.

وقد صرّح جماعة من الأصحاب بمضمون الأخبار المذكورة منهم الشيخ (٥) والقاضي والحلي (٦) والفاضلان وابن سعيد والشهيد وغيرهم.

وظاهر الصدوق في المقنع وكذا في الفقيه إجزاء غسل النهار لليلته وبالعكس ؛ لما رواه في

__________________

(١) الكافي ٤ / ٣٢٧ ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح ١.

(٢) الكافي ٤ / ٣٢٧ ، باب ما يجزئ من غسل الإحرام وما لا يجزئ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الأحكام ٥ / ٦٤ ، باب صفة الاحرام ، ح ١٢.

(٤) في ( ب ) زيادة : « و ».

(٥) الخلاف ١ / ٦١٢.

(٦) السرائر ٣ / ٦٣٢.

٢٣٧

الفقيه في الصحيح : « غسل يومك يجزيك لليلتك وغسل ليلتك يجزيك ليومك » (١).

ورواه السيد في فلاح السائل عن كتاب مدينة العلم مرسلا. ويلوح من البحار القول بمضمونه. ويمكن حمل الإمام فيها كعبارة المقنع على التوقيت ؛ ليكون بيانا إلى آخر وقت الإجزاء أو على معنى « إلى » فينطبق مع الأخبار الماضية.

وكيف كان ، فلا صراحة فيها بإجزاء غسل النهار لليل وعكسه ، مضافا إلى معارضته للنصوص المستفيضة المؤيّدة بعمل الجماعة ، ومخالفته لما يظهر من الأخبار من اعتبار المقاربة بين الغسل والغاية لو أوقع الغسل في أثناء النهار أو الليل ، ففي كون الحدّ فيه أيضا كذلك أو يكتفى به إلى أن يمضي من الآخر مقدار الفائت منه نفسه أو بالنسبة إلى مجموع وجوه. ويقوّي في النظر الاجتزاء به.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣١٠.

٢٣٨

الباب

في التيمّم

وهو عبارة عن مسحات معروفة مشروطة بنية القربة.

والكلام فيه أيضا في أسبابه وغاياته وشرائطه وأفعاله ولواحقه.

٢٣٩

تبصرة

[ في أسباب التيمّم وغاياته ]

أسباب التيمّم هي بعينه أسباب الوضوء والغسل من الأحداث الصغرى والكبرى.

وفي ثبوته ببعض الأسباب الموجبة لاستحبابهما كإكثار الشعر الباطل أو خروج المذي والتوبة وقتل الوزغ وجهان ، أظهرهما العدم ؛ لعدم ظهور ما يدلّ على مشروعيته كذلك.

نعم ، لو كان ذلك من جهة احتمال الحدث كما إذا شكّ في وقوع الحدث فقد تعيّن الطهارة أو احتمل حصول خلل في وضوئه أو غسله فالظاهر استحباب التيمّم بدلا عنهما تحصيلا ليقين الفراغ.

وغاياته هي الغايات المذكورة لهما إلا أن الظاهر اختصاصه بالغايات التي تطلب عنده ارتفاع الحدث لأجلها ، فلا يشرع لغيرها كالغسل للزيارة والوضوء للتجديد.

فهاهنا أمران :

أحدهما : مشروعيته لكل ما يطلب فيه ارتفاع الحدث ؛ ليكون التيمّم بدلا عن الوضوء أو الغسل الرافعين كالصلاة والصيام والطواف ودخول المسجدين واللبث في سائر المساجد ومسّ كتابة القرآن وتلاوته ونحوها.

ونفى عنه الإشكال في التحرير (١) واستشكل في المقام الثاني.

وبنى صاحب المدارك على النفي في المقامين إلا ما دلّ الدليل على ثبوت البدلية فيه.

وتبعه بعض من تأخر عنه في ظاهر كلامه.

ويدلّ على ما قلناه النصوص المستفيضة الحاكمة بعموم بدلية التراب عن الماء

__________________

(١) في ( د ) : « الروض ».

٢٤٠