تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

الغسل حينئذ حاصلة بحسب الماء ) (١).

وربّما يعتبر فيه حينئذ الوحدة الحقيقيّة لإمكانها فيه لا شاهد عليه.

وإن جعل مجرّد الارتماس غسلا لم يبعد اعتبار الدفعة العرفية ؛ إذ هي المفروض [ من ] ظاهر العبارة عرفا ( مضافا إلى فهم الجماعة وتأيّده بالاحتياط.

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار المذكورة سقوط الترتيب مع الارتماس كما هو ) (٢) ظاهر الأصحاب من الشيخ اعتبار الترتيب حكما.

وحكاه في المبسوط (٣) عن بعض الأصحاب أيضا.

وفسّر بوجهين :

أحدهما : وجوب قصد الفاعل في الترتيب بأن ينوي أوّلا غسل رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ الأيسر.

ويظهر من الفاضلين حمل كلامه ظاهرا عليه.

ثانيهما : أن يكون المقصود وقوفه مرتبا في الواقع وإن لم ينوه. وهو الّذي صرّح به في الاستبصار (٤) حيث قال : لأنّ المرتمس يترتّب حكما وإن لم يترتّب فعلا ؛ لأنّه إذا خرج من الماء حكم له أوّلا بطهارة رأسه ثمّ جانبه الأيمن ثمّ جانبه الأيسر احتمل سقوط اعتبار الترتيب فيه.

ولا يذهب عليك أنّه لا يحكم في المرتب إلّا بتطهير الأعضاء دفعة ، فقوله « بطهارة الأعضاء مرتبا » لا يلائم ذلك إلّا أن يقال : إنّه أراد بالطهارة سببها ، فكأنّه قال : حكم عليه بغسل رأسه أوّلا أو يقال : إنّه أراد تنزيل ذلك منزلة الترتيب في الفعل المعتبر في المرتب ، فيشتركان في الترتّب في الحمام.

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٢) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٣) المبسوط ١ / ٢٩.

(٤) الإستبصار ١ / ١٢٥.

١٤١

وكيف كان ، فالوجه في اعتبار الترتيب المذكور هو الجمع بين ما دلّ على اعتبار الترتيب في الغسل وما أفاد الاكتفاء بمجرّد الارتماس ، فأراد الجمع بينهما بالنحو المذكور.

وأنت خبير بأنّه لا معارضة بين الأخبار المذكورة بوجه ليحتاج إلى الجمع ، بل الظاهر أنّ كلّا من الطريقين كيفية مستقلّة للغسل ، فلا داعي إلى إرجاع أحدهما إلى الآخر.

ثمّ إنّه فرع على القول باعتبار الترتيب المذكور أمران :

أحدهما : عدم الحاجة إلى إعادة الغسل لو وجد لمعة منفصلة من أعضائه ، فإنّه يكفي بغسله وغسل العضو الّذي بعده على القول به ، ولا بدّ من إعادة الغسل بعدمه ؛ لانتفاء الوحدة المعتبرة بفعله.

ثانيهما : برّ النذر بفعله إذا نذر الغسل ترتيبا بخلاف ما إذا لم يعتبر فيه الترتيب.

هذا ، ولا يخفى عليك أنّ كلا من التفريعين المذكورين محلّ كلام ، بل الأظهر عدم تفريعهما على القول المذكور كما يظهر بأدنى تأمّل.

١٤٢

تبصرة

[ تنبيهات حول الارتماس ]

وهاهنا أمور ينبغي الاشارة إليها :

أحدها : هل يعتبر في صحة الارتماس الخروج من الماء ليلقي نفسه فيه دفعة أو صحّ (١) وإن كان في الماء؟ ظاهر الأصحاب الثاني حيث لم يذكروا ذلك في شرائطه ، وهو ظاهر الأخبار.

والأوّل مختار جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (٢) (٣) ، كأنّه لتوهّم عدم صدق الارتماس من دونه.

وهو بمكان من الضعف ؛ إذ من البيّن صدقه حال الكون فيه.

نعم ، الظاهر عدم صدقه مع كون جميع البدن تحت الماء كما هو ظاهر من ملاحظة العرف وإن أسفل الماء إلى مكان أسفل. ودعوى صدقه إذن كما احتمله (٤) بعضهم بعيد جدا بل الظاهر اعتبار خروج الرأس كلّه أو أكثره من الماء ، فالقول باعتبار الخروج فيه خاصّة غير بعيد إلّا أن الأظهر عدم اعتباره أيضا لحصول المعنى المقصود مع دخوله في الماء أيضا ؛ إذ الغرض استيلاء الماء على جميع البدن ، وهو حاصل به سيّما إذا قلنا بحصول الغسل و (٥) الارتماس عند استيلاء الماء على الأعضاء ، فإنّ كون الاستيلاء عن رمس ممّا لا دخل له في تحقّقه. ولذا يكتفى بحصوله من دونه كما في الوقوف تحت المطر الغزير كما سيجي‌ء.

__________________

(١) في ( د ) : « يصحّ ».

(٢) زيادة في ( د ) : « و ».

(٣) ذخيرة المعاد ١ / ٥٦.

(٤) في ( ب ) : « احتمل ».

(٥) في ( د ) : « في ».

١٤٣

هذا ، وقد نصّ على الاكتفاء بما قلناه جماعة من متأخري المتأخرين ، وهو ظاهر جماعة آخرين أيضا منهم العلامة والشهيد (١) حيث ذكروا في مسألة غسالة الجنب حتّى الغسل اذا نواه بعد الارتماس في الماء ، بل ذكر في الحدائق (٢) : أنّه لو نواه بعد تمام الارتماس في الماء ، فإنّه يصح غسله إجماعا. ففي ذلك تأييد لما رجّحناه.

ثانيها : هل يحصل الغسل في الارتماس بدخول الأعضاء في الماء أو يتوقف حصوله على استيلائه على جميع البدن؟ وجهان.

ويتفرّع عليهما مسألة النيّة ، وأنّه لو عرض مانع من طين ونحوه بعد الدخول في الماء يبقى القول بصحّة الغسل على الأول بخلاف الأخير.

لا دلالة في الأخبار على تعيين شي‌ء من الوجهين ، وكلام كثير من الأصحاب مطلق في ذلك. والّذي يتعقّل في النظر ـ نظرا إلى إطلاق الأخبار ـ (٣) جواز الأمرين ، وهو (٤) الظاهر من جماعة من الأصحاب عند ذكر غسالة الجنب كما قدّمنا الإشارة إليه ، والأحوط نيّة الغسل عند كلّ من الأمرين ، ولو نوى الغسل بمجرّد الرمس من دون تعيين قوي الاكتفاء به ؛ أخذا بإطلاق الأخبار.

ولا يخلو عن تأمّل.

ثالثها : في إجراء حكم الارتماس بالوقوف تحت المطر الغزير بحيث يستوعب جميع البدن وجهان ؛ من خروجه عن اسم الارتماس ، ومن كونه بمنزلته.

وإطلاق عدّة من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر : عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتّى يغسل رأسه وجسده ، وهو يقدر على ما سوى ذلك؟

__________________

(١) في الذكرى ١ / ١٠٤.

(٢) الحدائق الناضرة ١ / ٤٥٤.

(٣) في ( ألف ) : « الأخبار على ».

(٤) في ( ألف ) : « هو ».

١٤٤

فقال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » (١).

وروى علي بن جعفر في كتابه ، عن أخيه قال : سألته عن الرجل تصيبه الجنابة لا يقدر على الماء فيصيبه المطر أيجزيه ذلك أو عليه التيمّم؟ فقال : « إن غسله أجزأه ، وإلّا تيمّم » (٢).

وفي المرسل ، عن الصادق عليه‌السلام : في رجل أصابته (٣) جنابة فقام (٤) في المطر حتّى سال على جسده أيجزيه ذلك عن الغسل؟ قال : « نعم » (٥).

وقد يستشكل فيه من جهة كون الإلحاق قياسا والإطلاقات المذكورة منزّلة على غسل الترتيب ؛ لما دلّ على اعتبار الترتيب من الأخبار والإجماع إلّا أنّ الأخذ بظاهرها مع التأيّد بالاعتبار المذكور أظهر ؛ إذ ما ذكر كيفيّة أخرى للغسل ، فلا معارضة توجب الحمل.

وفيه تأمّل.

رابعها : نصّ غير واحد من الأصحاب بأفضلية الترتيب على الارتماس. ولم نجد في الأخبار ما يدلّ عليه صريحا.

وقد تستدل له بأنّه المعروف من فعل المعصومين عليهم‌السلام وأنّ المستفاد من الأخبار أنّ (٦) الترتيب هو الأصل في وضع الغسل حيث فسّر الغسل في عدّة أخبار بالمرتّب ، والمذكور في أخبار الارتماس أنّه يجزيه عن غسله ، وهو ظاهر في كون ذلك على خلاف أصل وضعه (٧).

وظاهر المفيد (٨) كراهة الارتماس في الماء الراكد ، قال : إنّه (٩) إن كان قليلا أفسده وإن كان

__________________

(١) الإستبصار ١ / ١٢٥ ، باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة ح ٧.

(٢) وسائل الشيعة ٢ / ٢٣٢ ، باب كيفية غسل الجنابة وارتماسا ، ح ١١.

(٣) في مخطوطات الأصل : أصابه. وما أدرجناه من المصدر.

(٤) في مخطوطات الأصل : فقال. وما أدرجناه من المصدر.

(٥) الكافي ٣ / ٤٤ باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح ٧.

(٦) زيادة : « أنّ » من ( د ).

(٧) في ( ألف ) : « الأصل ومنعه » بدلا من « أصل وضعه ».

(٨) المقنعة : ٥٤.

(٩) لم ترد في ( ب ) : « قال إنّه ... المذكورة ».

١٤٥

كثيرا خالف السنّة. وهو ظاهر الشيخ في التهذيب (١) عند شرح العبارة المذكورة.

واحتجّ له على الأوّل بأنّ الجنب حكمه حكم النجس ، فإذا لاقى القليل فسد. وكأنّه أراد بذلك خروجه عن الطهوريّة بالاغتسال فيه ؛ إذ لا قائل في الطائفة بظاهر ما ذكره.

وعلى الثاني بصحيحة ابن بزيع : كتبت إلى من يسأله عن الغدير يجتمع فيه ماء السماء أو يستقى فيه من بئر فيستنجي فيه الإنسان من بول أو يغتسل فيه الجنب ، ما حده الّذي لا يجوز؟ فكتب (٢) : « لا توضّأ من مثل هذا إلّا من ضرورة إليه » (٣) قال : قوله « لا توضّأ .. » إلى آخره ، يدلّ على كراهة النزول (٤) بينه ، وإلّا لما قيّد الوضوء والغسل منه بحال الضرورة.

ولا يذهب عليك ما يرد على كلّ من الوجهين ؛ إذ لا يصلح شي‌ء منهما لإفادة كراهة الاغتسال فيه ( أوّلا. نعم ، يمكن الاستدلال بالأخير على كراهة الاغتسال فيه بعد الاغتسال فيه ) (٥) سواء كان الغسلان مرتبين أو ارتماسيين ، وهو غير المدّعي. وكذا البدأة من الأعلى فيجوز الوجهان بلا خلاف فيه يظهر ؛ أخذا بالإطلاقات ، وظاهر خصوص بعض الروايات.

وربّما يظهر من بعض الأخبار اعتبار البدأة بالأعلى ، وهي محمولة على بيان المغسول أو على الندب.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٩.

(٢) لم ترد في ( ب ) : « فكتب ... غير المدّعي ».

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ١٥٠.

(٤) هذا هو الصحيح ، وفي الأصل : « الرول ».

(٥) ما بين الهلالين أدرجت في المتن من ( د ).

١٤٦

تبصرة

[ في سائر شرائط الغسل ]

يشترط في الماء والمكان والآتية ما مرّ في الوضوء ، وكذا الحال في سائر الشرائط الماضية هناك إلّا ما نشير إليه.

ولا يشترط فيه الموالاة بشي‌ء من المعنيين بالإجماع وعدّة من الأخبار.

وهل يشترط تقديم إزالة النجاسة على الغسل أو على غسل العضو أو لا يشترط مطلقا؟ وجوه بل أقوال :

فالأوّل : محكي عن العلّامة في ظاهر القواعد وجماعة من الأصحاب.

والثاني مذهب جماعة منهم الشهيد (١) والمحقق الكركي (٢).

والثالث محكي عن الشيخ في المبسوط (٣) حتّى أنّه صرّح بصحّة الغسل مع بقاء نجاسة المحلّ.

واختاره بعض المتأخرين.

ويمكن أن يحتجّ للأوّل بظواهر الأخبار الآمرة بإزالة النجاسة أوّلا ، ثمّ الشروع في غسل الأعضاء العاطفة معهما بـ « ثمّ » الدالّة على الترتيب. وقد يورد عليه باندراج ذلك في سلك جملة من المستحبّات كغسل اليدين أو المضمضة والاستنشاق ونحوهما ، فلا يفيد الوجوب.

ويضعّفه أنّ قيام الدليل على حمل غيره على الندب لا يدلّ على حمله عليه مع مخالفته للأصل.

__________________

(١) البيان : ١٥.

(٢) جامع المقاصد ١ / ٢٧٩.

(٣) المبسوط ١ / ٢٩.

١٤٧

مضافا إلى أنّه ليس المنضمّ إليه من المندوبات في غير واحد منها سوى غسل اليدين.

ويحتجّ للثاني بأنّ كلّا من الخبث والحدث سبب في وجوب الغسل ، فلا يتداخلان وأنّ الماء القليل إذا ورد على المحلّ النجس ينجس به ، فلا يقوي على رفع الحدث ؛ لما دلّ على اعتبار طهارته.

ويضعّف الأوّل أنّ دعوى أصالة عدم التداخل مطلقا غير مسلّم ، وإنّما يسلّم ذلك في خصوص العبادات ، وليس إزالة النجاسة من جملتها ، ولذا يحصل من دون قصدها ، وهو واضح.

والثاني أنّه إنّما يجري في الماء المنفعل بالملاقاة دون المعتصم ، وأن غاية ما يسلم من اعتبار الطهارة فيه إنما هو كونه طاهرا قبل الاستعمال لا بعده كما هو الشأن في إزالة الخبث ، فلا ينافيه التنجس به كما هو المفروض.

نعم ، يمكن القول بعدم الاكتفاء بإجرائه (١) إلى ما بعده مع تأمّل فيه بالنسبة إلى ما يعدّ معه استعمالا واحدا في العرف.

والحجّة للثالث : الإطلاقات مع عدم قيام دليل على اعتبار شي‌ء من الأمرين ، بناء على تضعيف الحجّتين.

قلت : الروايات الواردة في المقام قد ورد في جملة منها الأمر بتطهير الفرج قبل الغسل ، وفي بعضها الأمر بغسل ما أصابه منه ، فيعمّ الفرج وغيره.

وفي الصحيح : « ثمّ اغسل ما أصاب جسدك من أذى ثمّ اغسل فرجك » (٢).

وهذا يعمّ نجاسة المني وغيره ، فالقول باختصاص الأخبار بنجاسة المني وبعد غيرها عن سياقها ليس على ما ينبغي ، بل الظاهر شمول جميعها لنجاسة البول الحاصل في المحلّ ، غاية الأمر أن يكون أكثرها شاملا لغيرهما من النجاسات.

ويتمّ الكلام فيها معا الفارق بين النجاسات ، والقول بأنّ المني لثخانته سيّما بعد ... يحتاج

__________________

(١) زيادة في ( ب ) و ( د ) : « بعد تنجّسه ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٣٩.

١٤٨

إلى مزيد كلفة ، بخلاف غيرها لا يصلح علّة للفرق ؛ لعدم وجوب الموالاة في الغسل.

وكيف كان ، فبعد حمل هذه الأخبار على ظواهرها من لزوم (١) تقديم الغسل على الغسل فينبغي الاقتصار على مواردها من كون الماء غير معتصم ، وحينئذ فيبقى غيرها على حكم الأصل ، والغسل في الارتماس وإن كان خارجا عن مورد تلك الأخبار إلّا أنّ ورود (٢) النجس عليه يوجب نجاسة الماء ، فلا يصلح لإزالة النجاسة.

وهاهنا تأمّل بالنسبة إلى مورد الأخبار المذكورة أيضا ؛ لعدم استبعاد حملها على الاستحباب.

نعم ، القول بعدم الاجتزاء بغسل واحد للأمرين مع عدم اعتصام الماء غير بعيد ؛ لما دلّ على اعتبار الطهارة في ماء الغسل ، ولا ضرورة تدعو إلى استعمال النجس بالاستعمال كما مرّ في مسألة إزالة الأخباث.

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « من لزوم ... فيبقى غيرها ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « إلّا أنّ ورود ... الأخبار ».

١٤٩

تبصرة

[ في الاستبراء قبل الغسل ]

يستحب له الاستبراء قبل الغسل على الأظهر الأشهر بين الأصحاب. وعن جماعة من المتقدمين منهم الشيخ (١) والقاضي (٢) والحلبي (٣) (٤) والطوسي (٥) وابن زهرة (٦) والكيدري القول بالوجوب.

وقد يستظهر ذلك أيضا عن جماعة أخرى كالصدوقين والمفيد (٧) والجعفي حيث ذكروا الاستبراء بصيغة الأمر الظاهر في الوجوب. وعزاه في الذكرى (٨) إلى معظم الأصحاب. ونفى عنه البأس.

لنا : الأصل وخلوّ أكثر الأخبار الواردة في بيان غسل الجنابة عنه ، ولو كان واجبا لما أهمل ذكره في تلك الأخبار. مضافا إلى خلوّ الآية الشريفة عنه ، وأنّه ممّا يعم به البليّة ، فلو كان واجبا لاستفاضت الأوامر الواردة به.

واشتهر الدليل عليه ، وأنّه المنساق من الأخبار الواردة في حكم البلل المشتبه الخارج

__________________

(١) الظاهر أن المراد من الشيخ ، هو الشيخ الطوسي ، وقد كرّره المصنّف قدس‌سره فيما يلي ، ونقل ذلك عنه في المبسوط كما بيّنا في الهامش.

(٢) المهذب ١ / ٤٥.

(٣) في ( ب ) : « الحلّي » ، وما أدرجناه هو الصحيح.

(٤) الكافي للحلبي : ١٣٣.

(٥) المبسوط ١ / ٢٩.

(٦) غنية النزوع : ٦١.

(٧) المقنعة : ٥٢.

(٨) الذكرى ٢ / ٢٣٠.

١٥٠

بعد الغسل حيث بين الحكم فيها في كلّ من صورتي البول وعدمه ، الظاهر في جواز الأمرين.

حجة القول بالوجوب الصحيح : « تغسل يدك اليمنى من المرفقين إلى أصابعك وتبول إن قدرت على البول » (١) ؛ نظرا إلى ظهور الطلب في الوجوب ، ومضمرة أحمد بن هلال : « إنّ الغسل بعد البول إلّا أن يكون ناسيا » (٢).

وفي رواية الفقيه (٣) : « فإذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتّى يخرج فضلة المني الّتي في إحليلك وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شي‌ء عليك » (٤).

وأنت خبير بأنّه لا ظهور تامّ لما ذكر في الوجوب ، فحملها على الندب بقرينة ما مرّ هو الوجه.

وربّما يحتجّ عليه بالروايات الدالّة على وجوب الغسل مع خروج البلل المشتبه بعد الغسل.

ووهنه ظاهر ، إذ ذاك إنّما يدلّ على حصول الجنابة المستأنفة لخروج ذلك ، لا على عدم صحّة الغسل ، بل في تلك الروايات إشارة إلى عدم الوجوب كما أشير إليه.

واحتجّ عليه في الذكرى (٥) بالمحافظة على الغسل من طريان المزيل والمطر إلى قوله :

المعظم ، والأخذ بالاحتياط.

وهو كما ترى.

ثمّ (٦) إنّ المراد بوجوب الاستبراء إمّا الوجوب الشرعي ، فيكون الشارع قد أوجب ذلك عند إرادة الغسل وإن صحّ الغسل لو أخلّ به ، أو الشرطي ليناط به صحّة الغسل.

لم أر التصريح في كلامهم بشي‌ء من الأمرين وإن كان إرادة الثاني أشبه بالمقام.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ١ / ١٣٢ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٥٤.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٥ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ١٠١.

(٣) في ( د ) : « الفقه ».

(٤) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١.

(٥) الذكرى ٢ / ٢٣٤.

(٦) زيادة « ثم » من ( د ).

١٥١

هذا ، واعلم أن استحباب الاستبراء إنّما هو في حق المنزل ، أمّا المولج خاصّة فلا استبراء في حقّه.

وقد نصّ عليه جماعة منهم الفاضل والشهيدان (١) والمحقّق الكركي. وإطلاق الأخبار منزّل عليه ؛ لما هو المعلوم من كون العلّة فيه تنقية المخرج. ولا يفعل ذلك في مجرّد الإيلاج.

ومن التعليل المذكور في بعضها من (٢) أنّ البول لم يدع شيئا ، مضافا إلى أنّه الغالب في الجنابات ، فينصرف إليه الإطلاقات.

فتوهّم شمول الحكم للمولج أيضا كما يظهر من بعض المتأخرين حيث أورد على الجماعة بعموم الروايات والمنع من انتفاء الفائدة أو عسى أن ينزل ولا يطلع عليه فتحتبس في المجاري لكون الجماع مظنّة لنزول الماء موهون جدّا بأنّ الاحتمال المذكور ممّا يقطع بخلافه في الغالب.

على أنّه لا وجه لدوران أحكام الشرع مدار الاحتمالات البعيدة الخارجة من مجاري العادات.

واحتمل في الذكرى (٣) استحباب الاستبراء مع احتمال نزول الماء ؛ أخذا بالاحتياط ، قال : أمّا وجوب الغسل بالبلل فلا ؛ لعدم ارتفاع اليقين بالشك. وهو وجيه.

ولو شك في كون الجنابة من إنزال أو إدخال ففي جريان حكم الاستبراء وجهان ، والمتّجه عدم جريان حكم البلل الخارج قبل الاستبراء ؛ أخذا بالأصل إلّا أن يقال بأنّ قضية الإطلاقات وجوب الغسل بخروجه مطلقا ، غاية الأمر خروج ما تحقّق كون جنابته عن غير الإنزال ، فيبقى غيره مندرجا في الإطلاق.

وهو كما ترى.

وفي انسحاب استحباب الاستبراء بالنسبة إلى المرأة قولان ، اختار أوّلهما الشيخان في

__________________

(١) الذكرى : ١٠٣.

(٢) زيادة : « من » وردت في ( د ) فقط.

(٣) الذكرى ٢ / ٢٣٤.

١٥٢

المقنعة (١) والنهاية (٢).

وعن الشيخ في الجمل اختيار (٣) الثاني. وإليه ذهب جماعة من المتأخرين. وهو الأقوى ؛ لورود الأخبار في الرجل إلّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أوّل الباب ، وظاهر سياقها ورودها أيضا في الرجل ؛ للتعليل الوارد فيها بأنّ البول لم يدع شيئا.

[ و ] من البعيد ما احتمله بعض المتأخرين من كون خروج البول بالنسبة إليها أيضا مفتيا للمني مع البول بين المخرجين.

ومن الغريب ما ذكره من اختلاف المخرج في الرجل أيضا ؛ نظرا إلى اشتراك المخرجين في سافل (٤) الممرّ الّذي هو مظنّة بقاء الاجزاء بخلاف المرأة ؛ إذ لا اشتراك فيها بوجه.

__________________

(١) المقنعة : ٥٢.

(٢) النهاية : ٢١.

(٣) في ( ألف ) : « اختار ».

(٤) في ( د ) : « أسافل ».

١٥٣

تبصرة

[ في التسمية على الغسل ]

يستحب التسمية على الغسل ؛ للمستفيضة الدالّة عليه كرواية جابر الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام : « إذا توضّأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس ثوبا أو كلّ شي‌ء يصنع ينبغي أن يسمّي عليه ، فإن هو لم يفعل كان الشيطان فيه شريكا » (١).

وبمعناها قويّة الفضيل (٢) ، عن الصادق عليه‌السلام.

ونحوها قوية العلّامة عن (٣) الفضيل عنه (٤) عليه‌السلام.

وروى نحوها مرسلا في مكارم الأخلاق عنه عليه‌السلام.

وقد نصّ على استحباب التسمية في المقام شيخنا المفيد والقاضي ، وحكي عن الجعفي.

وفي رواية الفقه : « وتسمّي بذكر الله قبل إدخال يدك إلى الإناء » (٥).

وظاهر [ ها ] استحباب تقديم التسمية على إدخال اليد في الماء. ولا يبعد حصول الوظيفة بتأخيره أيضا إذا قارن بها أوّل أفعاله الواجبة.

وعدم ذكر كثير من الأصحاب لاستحبابه (٦) في المقام لا يفيد تأمّلهم فيه. وكأنّهم لم ينبّهوا عليه ؛ لخلو الأخبار المعروفة منه بالخصوص أو لاتّكالهم على ذكره في الوضوء ؛ تنبيها بالأدنى

__________________

(١) بحار الأنوار ٧٧ / ٣٢٨ ، باب التسمية والادعية المستحبة ، ح ١٦.

(٢) المحاسن ٢ / ٤٣٠.

(٣) في المصدر : عن العلاء بن الفضيل أو عن العلاء ، عن الفضيل ، بدلا من « العلّامة عن الفضيل ».

(٤) وسائل الشيعة ١ / ٤٢٦ ، باب تأكد استحباب التسمية والدعاء ، ح ١٢.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١.

(٦) زيادة : « لاستحبابه » من ( د ).

١٥٤

وربّما يقال بحمل (١) ما دلّ على الاكتفاء بأقل من ذلك عليه ترجيحا لجانب المنطوق. وهو بعيد جدّا من سياق تلك الأخبار ، سيّما ما دلّ على الاكتفاء بنصف الذراع.

وفي صحيحة قرب الإسناد : « تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك » (٢).

وهي تعطي الاكتفاء بغسل اليمنى خاصّة من المرفق ، فيجوز في غسلها أيضا وجهان.

ثمّ إنّ قضيّة كثير من الإطلاقات الاكتفاء بالمرّة في حصول الوظيفة إلّا أنّ الوارد في المستفيضة تعيّن الثلاث ، ففي الصحيح : كم يفرغ الرجل على يده قبل أن يدخلها الاناء؟ قال : « واحدة من حدث البول وثنتان من الغائط وثلاث من الجنابة » (٣).

فربّما يقال إذن بحمل (٤) الإطلاق (٥) على المقيّد لكنّ البناء على جواز الوجهين وأرجحيّة الأخير هو الأظهر.

وهل يختص استحباب الغسل بالأواني المتّسعة الرؤوس كالطشوت ونحوها ممّا يدخل اليد فيها أو يعمّ غيرها من الأواني الّتي يصبّ (٦) الماء منها؟ وجهان.

وكذا الحال في جريانه بالنسبة إلى سائر المياه المعتصمة كالكر والجاري ونحوهما من ورود بعض الأخبار في الأوّل ، فيحمل إطلاق غيرها عليه حملا للمطلق على المقيّد ، ومن أن إطلاق تلك الأخبار يعطي إطلاق الحكم ، وأنّه من وظائف الغسل ، وليس في غيرها دلالة على انتفاء الحكم من غير مواردها ، غاية الأمر أن لا يدلّ على استحباب غيرها ، فليس هناك تقييد في الحكم ليحمل الإطلاقات عليه.

فالأوجه إبقاء الإطلاقات على ظواهرها ، والحكم بإطلاق التوظيف في الصور المفروضة. واختاره الفاضل واستحسنه في الذخيرة.

__________________

(١) في ( د ) : « يحمل » ، وفي ( ألف ) : « مجمل ».

(٢) قرب الاسناد : ٣٦٨.

(٣) الكافي ٣ / ١٢ ، باب الرجل يدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها ، ح ٥.

(٤) في ( ألف ) : « يحمل ».

(٥) في ( د ) : « المطلق ».

(٦) في ( ألف ) : « يصيب ».

١٥٥

تبصرة

[ في غسل اليد قبل إدخالها في الإناء ]

يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مع طهارتهما بلا خلاف فيه. والروايات به مستفيضة إلّا أنّ في بعضها ذكر اليد مفردة ، وفي بعضها ثنتاه. وهو شاهد على حمل الأوّل على الجنس.

نعم ، في بعضها ذكر غسل اليمنى بالخصوص ، وهو لا يمنع من استحباب غسل الأخرى إلّا أنّ المستفاد منها جواز الاقتصار عليه أيضا.

وليس ببعيد ، فيكون غسلهما معا أفضل.

ثمّ إن المغسول منهما هو مقدار الكفّ إلى الزند للحكم بغسل الكفّ أو الكفين في كثير من تلك الأخبار ، وهو لا يشمل ما زاد عليه.

وفي قويّة يونس ـ بل صحيحته ـ عنهم عليهم‌السلام الواردة في كيفيّة غسل الميّت أنّه « يغسل يديه ثلاث مرّات كما يغسل الانسان من الجنابة إلى نصف الذراع » (١) بناء على تعلّق المجرور إلى الغسل من الجنابة. وإن قلنا بتعلّقه بالأوّل ففي دلالته على ذلك إشكال ؛ لاحتمال كون التثنية إذن في مطلق التثليث إلّا أن يقال بدلالة عموم التثنية عليه ، فالظاهر إذن حمل ذلك على الأفضليّة.

وفي الصحيح : « يبدأ بغسل يديه إلى المرفقين » (٢).

وهو أيضا محمول على زيادة الفضل ، فهناك مراتب ثلاث في تعيين المقدار المغسول.

__________________

(١) الكافي ٣ / ١٤٢ ، باب غسل الميت ، ح ٥.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٢ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٩٣ ، وفيه : « الجنب يغتسل يبدأ فيغسل يديه الى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء .. ».

١٥٦

الأعلى كما أشار إليه في الذكرى (١).

ويستحب أيضا ذكره سبحانه في حال الغسل.

وفي رواية الفقه : « من ذكر الله على غسله وعند وضوئه طهر جسده كلّه ، ومن لم يذكر الله طهر من جسده ما أصاب الماء » (٢).

ولا يبعد شموله للدعاء ، وقد روي دعوات عديدة للغسل ، فعن الصادق عليه‌السلام : « يقول في غسل الجنابة : اللهمّ (٣) طهّر قلبى واشرح لي صدري وأجر لساني مدحتك والثناء عليك ، اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا إنّك على كلّ شي‌ء قدير » (٤).

ويستحب الدعاء بعد الفراغ من الغسل بما ذكره الشهيد في النفلية : « اللهم طهّر قلبي وزكّ عملي وتقبّل سعيي واجعل ما عندك خيرا لي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين » (٥).

وقد ذكره المفيد رحمه‌الله في المقنعة (٦) أيضا لكن بإسقاط قوله « وتقبّل سعيي ».

وفي موثقة عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام : « إذا اغتسلت من جنابة فقل .. » (٧) وذكر الدعاء بإسقاط قوله « وزكّ عملي » ، وهي واردة في خصوص غسل الجنابة لكنّها غير صريحة في كون الدعاء بعد الغسل وإن كان ظاهر لفظها ذلك.

ويستحب المضمضة والاستنشاق وتجزيه المرّة في كلّ منهما ، والأفضل تثليثهما.

__________________

(١) الذكرى : ١٠٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١.

(٣) زيادة في ( د ) : « طهّر قلبي وزكّ عملي واجعل ما عندك خيرا لي ». وذكر الشيخ قدس‌سره أنّه يستحبّ أن يقول عند الغسل : « اللهمّ طهّرني و .. ».

(٤) قريب منه في باب غسل الزيارة ، أما غسل الجنابة فورد في تهذيب الأحكام ١ / ١٤٦ هذا الدعاء : « اللهم تطهر قلبى وذكّ عملي وتقبل سعيى واجعل ما عندك خيرا لي ».

(٥) الألفية والنفليّة : ٩٦.

(٦) المقنعة : ٥٤.

(٧) وسائل الشيعة ٢ / ٢٥٤ ، باب استحباب الدعاء بالمأثور عند الغسل ، ح ٣.

١٥٧

وفي الفقه الرضوي (١) : وقد روي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا ، ويروى مرّة مرّة تجزيه ، وقال : « الأفضل الثلاثة ».

وما في عدّة أخبار من نفي المضمضة والاستنشاق في الغسل محمول على نفي وجوبهما ؛ لما توهّمه بعض العامّة أو المراد أنّهما ليسا من أفعال الغسل وإن استحبّا لأجله.

ويشير إليه ما في الفقه (٢) : « وإن لم يفعل فغسله تام » ، ولا فرق في استحبابهما بين الغسل الترتيبي والارتماسي.

ويستحب الاستظهار والمبالغة في غسل الأعضاء لحصول مزيد الاطمئنان بأداء الواجب ، وقد دلّ عبارة الفقه على رجحان الاستظهار فيه إذا أمكن. وقد ورد في النساء الأمر بمبالغتهنّ في الغسل. وكأن تخصيصهن بالذكر من جهة شعور رءوسهنّ أو لوقوع المسامحة منهنّ أكثر من الرجال.

وقد نصّ جماعة من الأصحاب باستحباب تخليل ما لا يمنع من وصول الماء ، وربّما يستفاد ذلك من ظاهر بعض الأخبار.

وفي الذكرى (٣) : ولو كان الشعر خفيفا و (٤) لا يمنع استحب تخليله استظهارا.

ويستحب أيضا إمرار اليد على الجسد لما فيه من زيادة الاطمئنان لوصول الماء إلى الأعضاء ، وللإجماع المحكيّ عليه في الخلاف والتذكرة (٥).

وفي المعتبر (٦) : إنّه اختيار علماء (٧) أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨١.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام : ٨٢.

(٣) الذكرى : ١٠٠.

(٤) لم ترد في ( د ) : « و ».

(٥) التذكرة الفقهاء ١ / ٢٣٣.

(٦) المعتبر ١ / ١٨٥.

(٧) في المصدر فقهاء ، بدلا من علما.

١٥٨

وفي المنتهى (١) : إنّه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام.

ويدلّ عليه أيضا الزيادة المذكورة في كتاب المسائل في رواية عليّ بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام المرويّة صحيحا في التهذيب (٢) وغيره الواردة في اغتسال الجنب بالوقوف تحت المطر من قوله : « إنّه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق ، ويمرّ يده على ماء ثالث من جسده » (٣).

ويومي إليه فحوى قوله عليه‌السلام : « ولو أنّ رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأ [ ه ] (٤) ذلك وإن لم يدلك جسده » (٥).

وفي ظاهر الفقه الرضوي دلالة عليه أيضا.

ويستحبّ أن يكون الغسل بصاع للمستفيضة الدالّة عليه والإجماع المنقول ، ولا يجب ذلك بإجماع علمائنا ، وحكي عن أبي حنيفة القول بوجوبه ، والروايات من طرقنا ناصّة على خلافه.

ويستفاد من عدّة (٦) أخبار الاكتفاء بصاع ومدّ لغسل الرجل وزوجته إذا اغتسلا معا من إناء واحد. وفصّل ذلك في صحيحة الفضلاء ، عن الصادقين عليهما‌السلام قالا : « توضّأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمدّ واغتسل بصاع ، ثمّ قال : اغتسل هو وزوجته بخمسة أمداد من إناء واحد. قال زرارة : فقلت : كيف [ صنع ] (٧) هو؟ قال : بدأ هو فضرب يده في الماء (٨) قبلها وأنقى فرجه ، ثمّ ضربت هي فأنقت فرجها ، ثمّ أفاض هو وأفاضت هي (٩) على نفسها حتّى فرغا فكان الّذي اغتسل به

__________________

(١) منتهى المطلب ٢ / ٢٠٧.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٩ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ١١٥.

(٣) وسائل الشيعة ٢ / ٢٣٢ ، باب كيفية غسل الجنابة ، ح ١١.

(٤) في المخطوطات الأصل : أجزأ. وما أدرجناه من المصدر.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٨.

(٦) في ( ألف ) : « هذه » ، وعليه فيجب أن يكون بعده « الأخبار » بالألف واللام ، مع أنه لا يلائم المقام.

(٧) في مخطوطات الأصل : « منع » ، وما أدرجناه من المصدر.

(٨) في المصدر : « بيده بالماء » بدلا من « يده في الماء ».

(٩) ليس في المصدر « هي ».

١٥٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثة أمداد والّذي اغتسلت به مدّين ، وإنّما أجزأ فيهما (١) لأنّهما اشتركا جميعا ، ومن انفرد بالغسل وحده فلا بدّ له من صاع » (٢).

والخبر الأخير محمول على تأكّد الاستحباب.

وهل المستحب هو البلوغ إلى هذا المقدار لستة الأسباع وإن زاد على المقدار المفروض أو أنّ المعتبر هو ذلك المقدار من دون زيادة عليه ولا نقيصة؟ وجهان ، فظاهر جماعة من الأصحاب هو الثاني كما يستظهر ذلك من التحديد المذكور.

ونصّ الفاضلان على الأوّل ، وظاهر كلامهما دعوى الإجماع عليه ، قال في المعتبر (٣) : والغسل بصاع فما زاد. ولا خلاف بين فقهائنا في استحبابه.

في المنتهى (٤) : الغسل بصاع فما زاد مستحب عند علمائنا أجمع.

وأسند ذلك في الذكرى (٥) إلى الشيخ وجماعة ، قال : والظاهر أنّه مقيّد بعدم أدائه إلى السرف المنهي عنه.

وأنت خبير بأنّ الظاهر من الاغتسال بصاع وقوع الغسل بالمقدار المفروض ، فلا يندرج فيه بحسب ظاهر اللفظ ما يزيد عليه ، وإطلاق لفظ الصاع على الصاع فما زاد مجاز لا داعي إلى الحمل عليه.

نعم ، قد يستفاد ذلك من الفحوى حيث إنّ المقصود به الصاع وهو كما يحصل بذلك يحصل بما فوقه بالأولى.

وفيه تأمّل.

وروى في الفقيه مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إن الوضوء مدّ والغسل صاع ، وسيأتي أقوام

__________________

(١) في المصدر : « عنهما ».

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٠.

(٣) المعتبر ١ / ١٨٦.

(٤) منتهى المطلب ٢ / ٢١٠.

(٥) الذكرى : ١٠٥.

١٦٠