تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

تبصرة

[ في المكروهات على الجنب ]

وحيث ذكرنا المحرّمات على الجنب فلنعقّبه بذكر مكروهاته ، وهي أمور :

منها : الأكل والشرب بلا خلاف فيه ظاهر. وعدّ في التذكرة (١) من مكروهاته الأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه. وربّما يستظهر من الصدوق (٢) القول بالمنع لحكمه بعدم جوازهما إلّا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق.

والظاهر حمله على الكراهة ؛ لتعليله المنع بخوف البرص ، ثمّ ذكر رواية إيراثه الفقر.

ويدلّ عليه بعد الاتفاق عدّة من النصوص كالصحيح : « إن كان الرجل جنبا لم يأكل ولم يشرب حتّى يتوضأ » (٣).

وفي خبر السكوني : « لا يذوق الجنب شيئا حتّى يغسل يديه ويتمضمض ، فإنّه يخاف منه الوضح » (٤).

وفي حديث المناهي : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الأكل على الجنابة وقال : « إنّه يورث الفقر » (٥).

وسياق هذه الأخبار صريح في إرادة الكراهة مضافا إلى الموثق المصرّح بجواز أكله وشربه ، فيكون شاهدا على ذلك.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٤٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٣.

(٤) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٩ ، باب كراهة الأكل والشرب للجنب الا بعد الوضوء ، ح ٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٣ ، باب صفة غسل الجنابة ، ح ١٧٨.

١٢١

ثمّ إنّ المشهور كما حكاه بعض الأفاضل تقييد الكراهة بعدم المضمضة والاستنشاق ، والأخبار مختلفة في ذلك ففي الصحيح المذكور التقييد بالوضوء ، وفي آخر : « غسل يديه ويتمضمض » (١) ، و « غسل وجهه وأكل وشرب » (٢).

وفي خبر السكوني المتقدّم ذكر غسل اليدين والمضمضة.

وفي صحيحة أخرى أنّه « يغسل يده والوضوء أفضل » (٣).

ثمّ إنّ الأظهر الاكتفاء بأحد الأمور المذكورة وإن كان بعضها أولى من البعض ، والجمع بين الأمور الغير المصادقة منها أكمل. وذكر خصوص المضمضة والاستنشاق لم يوجد في شي‌ء من الأخبار سوى رواية الفقيه (٤) إلّا أنّ فيها زيادة غسل اليدين كما في كلام الصدوق.

وهل يرتفع الكراهة بذلك أو تخف به؟ وجهان ، ظاهر الأخبار وكلام الأصحاب هو الأوّل وإن كان ظاهر خبر المناهي إطلاق الكراهة إلّا أنّ قضية الجمع حملها على المقيّدات.

وهل يعتبر في ارتفاع الكراهة اتصافها بالأكل والشرب أو يكتفى بمجرد وقوعها في ارتفاعها؟ وجهان ، وقضية الإطلاقات هو الثاني.

ولا فرق من إيقاعها لأحد الأمرين أو لا لهما ؛ أخذا بالإطلاق (٥).

ولو تخلّل بينهما حدث غير الجنابة ففي الاكتفاء بذلك الوضوء إشكال.

ولا يبعد القول بانتقاض حكمه ؛ لما دلّ بإطلاقه على انتقاضه بطروّ النواقض.

وهل يعمّ الحكم المأكول والمشروب العاديين وغيرهما أو يخصّ بالأوّل؟ وجهان ، وقضية الأصل والإطلاق الحمل على الثاني إلّا أنّ ظاهر رواية السكوني تعميم الحكم لكلّ ما يذاق (٦) ، فالبناء عليه هو الأظهر.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٥١ ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح ١٢.

(٢) الكافي ٣ / ٥٠ ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ح ١.

(٣) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٢ ، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة ح ٣٠.

(٤) في ( ب ) : « الفقه ».

(٥) في ( ب ) : « الإطلاقات ».

(٦) في ( د ) : « يدان ».

١٢٢

ولو تعذر عليه استعمال الماء ففي ارتفاع الكراهة بالتيمّم بدل الغسل أو الوضوء وجه قويّ بناء على عموم بدليّة التراب عن الماء.

هذا إذا قلنا بعدم كون التيمّم رافعا مطلقا وإلّا فلا إشكال.

ويتفرع على ما قلنا عدم مشروعية الوضوء لو تمكّن منه خاصّة إذا تيمّم بدلا من الغسل.

ومنها : النوم بلا خلاف فيه يعرف ؛ للصحيح : عن الرجل ينبغي له أن ينام وهو جنب؟ فقال : « يكره ذلك حتّى يتوضأ » (١).

والخبر : « لا ينام المسلم وهو جنب ولا ينام إلّا على طهور فإن لم يجد الماء فليتيمّم » (٢).

ولو أراد النوم استحبّ له الوضوء كما دلّت عليه الصحيحة المذكورة ، ونصّ عليه الأصحاب.

وهل يرتفع به الكراهة؟ ظاهر الصحيحة ذلك ، وعدّ في التذكرة (٣) من المكروهات النوم إلّا أن يتوضأ. وعزاه إلى علمائنا مؤذنا بالاتفاق عليه.

وقضية إطلاق الخبر الأخير بقاءها لبقاء الجنابة.

وقد يقال : إنّ قوله « ولا ينام إلّا على طهور » يدلّ على ارتفاع الكراهة بارتفاع (٤) إحدى الطهارات الثلاث.

وفيه : أنّه لا يبعد حمله على بيان حكم آخر ، وهو استحباب النوم متطهّرا كما دلّت عليه المستفيضة ، ومرّت الإشارة إليه ، فيكون الضمير في « ينام » راجعا إلى المسلم مطلقا بل ربّما يقال بدلالته على كراهة النوم من غير طهارة ؛ أخذا بظاهر النهي.

وكأن الظهور فيه إذن بمعنى الطهارة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٣ ، باب صفة غسل الجنابة ، ح ١٧٩.

(٢) وسائل الشيعة ٢ / ٢٢٧ باب كراهة النوم للجنب الا بعد الوضوء ، ح ٣.

(٣) تذكرة الفقهاء ، ١ / ٢٤٢.

(٤) لم ترد في ( ب ) : « الكراهة بارتفاع ».

١٢٣

ويحتمل أيضا إرجاع الضمير إلى المسلم الجنب ، ويكون المقصود بيان كراهة نومه إلا بعد الاغتسال ؛ إذ هو طهور الجنب ، فالتيمّم المذكور بدله هو التيمّم عوض الغسل.

وعلى التقديرين فلا يقيّد ارتفاع الكراهة بمجرّد الوضوء كما توهّم.

ويؤيّده بعد إطلاق الطهور على وضوء الجنب لانتفاء الرفع فيه.

وكيف كان ، فلا شبهة في رجحان الغسل قبل النوم للموثّق : « إن (١) أحبّ أن يتوضّأ فليفعل والغسل أفضل من ذلك » (٢).

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة عبد الرحمن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أينام على ذلك؟ قال : « إنّ الله تعالى يتوفّى الأنفس (٣) في منامها ، فلا يدري ما يطرقه من البليّة إذا فرغ فليغتسل » (٤).

وربّما يستفاد منه تعليل التعجيل باحتمال طروّ الموت على الجنابة ، فلا يكره لولاه كما بالنسبة إلى المعصومين حيث كانوا عالمين بوقت وفاتهم ، فلا يعارض الكراهة ، بل مرسلة الصدوق « أنا أنام على ذلك حتّى أصبح وذلك أني أريد أن أعود » (٥).

بحمله على العود في الانتباه. كذا ذكره في الحدائق (٦).

وأنت خبير بأنّه لا دلالة في الصحيحة على ارتفاع الكراهة مع انتفاء احتمال الموت ، وقد دلّ غيره (٧) على ثبوت الكراهة مطلقا ، وحمل العود على العود في الانتباه بعيد جدا سيّما مع تعلّق الإرادة به.

ثمّ إنّ ظاهر المرسل استثناء النوم على الجنابة مع إرادة العود إلى الجماع ، ولدلالة

__________________

(١) زيادة : « إن » من ( د ).

(٢) الكافي ٣ / ٥١ ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ، ح ١٠.

(٣) في ( ألف ) : « بهم في الأنس » بدلا من « يتوفى الأنفس ».

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٣٧٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٣ ، باب صفة غسل الجنابة ، ح ١٨٠.

(٦) الحدائق الناضرة ٣ / ١٤٠.

(٧) لم ترد في ( ب ) : « غيره ».

١٢٤

فعله عليه‌السلام على انتفاء الكراهة ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

نعم ، قد يقال : إنّه لا دلالة فيها على عدم تقديمه الوضوء إلّا أن يستفاد ذلك من عدم ذكره مع تعليل الحكم بإرادة العود.

وكيف كان ، ففيها دلالة على مدخليّة إرادة العود في النوم على الجنابة إلّا أنّ الرواية يشكل في تقييدها بسائر الإطلاقات ، وما دلّ على التسامح في أدلّة السّنن لا يشمل مثل ذلك كما لا يخفى.

هذا ، ولا يذهب عليك أنّ في الصحيحة المذكورة إشارة إلى وجوب الغسل لنفسه إلّا أنّها ليست بتلك المكانة من الظهور ليمكن الاستناد إليها في مقابلة ما قدّمنا ، فتأمل.

ثمّ في اعتبار اتصال الوضوء بالنوم وعدم تخلّل الحدث بينهما ما مرّ.

ومنها : قراءة القرآن سوى العزائم الأربع ما زاد على سبع آيات على المشهور بين الأصحاب كما حكاه غير واحد منهم. وعن القاضي (١) المنع منها كذلك. وعن الديلمي المنع منه مطلقا.

وحكى في السرائر (٢) (٣) عن بعض علمائنا القول بتحريم ما زاد على السبعين ، واستضعفه.

والحق جواز القراءة (٤) مطلقا ؛ للمعتبرة المستفيضة الدالّة عليه كصحيحة الفاضلين : الجنب والحائض هل يقرءان من القرآن شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (٥).

وفي آخر : أتقرأ النفساء والجنب والحائض والرجل يتغوّط القرآن؟ قال : « يقرءون ما شاءوا » (٦).

__________________

(١) المهذب ١ / ٣٤.

(٢) في ( ب ) و ( د ) : « التحرير ».

(٣) السرائر ١ / ١١٧.

(٤) في ( د ) زيادة : « له ».

(٥) الإستبصار ١ / ١١٥.

(٦) الإستبصار ١ / ١١٤.

١٢٥

وأمّا ما في خبر السكوني (١) : « سبعة لا يقرءون القرآن .. » وعدّ منها الجنب ، وخبر أبي سعيد الخدري ـ وكأنّه من روايات العامّة ـ في وصيّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام أنّه قال : « يا علي! من كان جنبا في الفراش مع امرءته فلا يقرء القرآن ، فإني [ أخشى ] (٢) أن تنزل عليهما نار من السماء فتحرقهما » (٣).

وكأنّهما مستند الديلمي ، فمع عدم حجيّتهما في نفسهما لا تقاومان تلك المعتبرة المعتضدة بالأصل والعمل ومخالفة العامة.

ويمكن حملها على الكراهة ، وكذا الحال في الموثق : عن الجنب هل يقرء القرآن؟ قال : « ما بينه وبين سبع آيات » (٤).

قال الشيخ : وفي رواية زرعة ، عن سماعة : سبعين آية (٥).

وكأنّ الأول مستند القاضي ، ولا يخفى ضعفه.

والظاهر أنّه مستند الأكثر في الحكم بكراهة ما زاد على السبع ، ولا بأس به لعدم صراحة الخبر في الحرمة.

فبقرينة الأخبار الأخر يتعيّن حملها على الكراهة إلّا أنّه يحتمل حملها على الثلاثة ؛ إذ القول بالمنع مطلقا أو على تفصيل معروف بين العامة.

وعن جماعة منهم الحكم بالكراهة مضافا إلى عدم إشعار المعتبرة المذكورة بالكراهة ، بل قد يستظهر من سياق جملة منها ، فبملاحظة ذلك يمكن المناقشة في ثبوت الكراهة إلّا أن البناء عليها أظهر بعد ظهور الموثقة المذكورة فيها المعتضدة بعمل الأصحاب وعدم صراحة غيرها بخلافها.

__________________

(١) بحار الأنوار ٨٩ / ٢١٢ ، باب آداب القراءة وأوقاتها ، ح ٨.

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٥٢.

(٤) الإستبصار ١ / ١١٥.

(٥) تهذيب الأحكام ١ / ١٢٩.

١٢٦

نعم ، المستفاد من ظاهر الموثقة الحكم بكراهة السبع أيضا ، وهناك تأمّل آخر من جهة اختلاف لفظ الرواية ؛ إذ في رواية عثمان بن عيسى عن سماعة حكاية السبعة ، وفي رواية زرعة عنه ذكر السبعين ، وكونهما روايتين خلاف الظاهر ؛ إذ الأظهر اتحادهما ، فالاختلاف إنّما يكون من جهة الرواة وكأنّه لذلك ورد الترديد في الحكم بالكراهة بين السبعة والسبعين في كلام بعض الأصحاب إشارة إلى اختلاف لفظ الحديث.

وحكم الفاضلان بكراهة ما زاد على السبعة وتأكدها فيما بعد السبعين. وكأنّه مبنيّ على تعدد الرواية.

ويمكن الاحتجاج للكراهة بما ورد من النهي عن قراءته حتّى يتطهّر كقول على عليه‌السلام : « لا يقرأ العبد القرآن إذا كان على غير طهور حتّى يتطهّر » (١).

وحينئذ لا يبعد القول بإطلاق الكراهة ، وحمل ما دلّ على جواز ما دون السبع على الرخصة وتخفيف الكراهة.

ويؤيّده أنّ ظاهر الرواية المذكورة وغيرها جريان الحكم في المحدث بالأصغر ولم يظهر هناك قول بالتفصيل يعدّ مذهبا أولى إلّا أن يستشكل هناك في ثبوت الكراهة ويدفع ممّا ذكرناه ، ولا بعد فيه بعد ورود الدليل ومناسبته للتعظيم.

وفي بعض الأخبار : « إنّ لقاري القرآن متطهّرا في غير صلاة خمس وعشرون حسنة وغير متطهّر عشر حسنات » (٢).

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءته عن المصحف أو عن الحفظ ولا بين الآيات القصار والطوال.

وفي جريان الحكم في الآية المتكررة سبعا فما زاد إشكال ، وكذا الحال لو زاد على السبع بتكرار بعضها ، ولو لم يتمّ الآيات ففي ثبوت الكراهة أيضا إشكال.

ويحتمل فيه مراعاة التلفيق. والأظهر مراعاة العدد في مجموع زمان الجنابة ، فلا يشترط توالي السبع.

__________________

(١) الخصال : ٦٢٧.

(٢) وسائل الشيعة ٦ / ١٩٧ ، باب استحباب الطهارة لقراءة القرآن ، ح ٣.

١٢٧

وهل يعتبر كون القراءة صحيحة ، فلو ظنّ في إعرابها لم يثبت الكراهة احتمال. وكأنّ الأظهر خلافه بعد صدق اسم القرآن.

ومنها : مسّ المصحف فيما عدا الكتابة من الأوراق والجلد ، على ما نصّ عليه الشيخان (١) وجماعة. وعن السيد القول بالمنع.

وربّما يستفاد من عبارة الفقيه (٢) عدم كراهة مس الورق. والأصل في الحكم عبد الحميد : « المصحف لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا ولا تمسّ خطّه ولا تعلّقه ، إنّ الله يقول : ( لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) (٣) » (٤).

وهي وإن كانت ظاهرة في المنع إلّا أنّها لضعفها وإطباق الأصحاب سوى الشاذ على خلافه لا ينهض حجّة على المنع ، فيثبت بها الكراهة.

نعم ، هناك تأمّل في دلالتها ؛ نظرا إلى احتمال حمل مسّ المصحف على مسّ الكتابة إلّا أنّ الأظهر صدقه على الأوراق المتضامّة بالدفتين كما لا يخفى.

ويؤيّده إرجاع الضمير في « ولا تعلقه » إليه ، فيعمّ الكراهة مسّ الجميع إلّا أنّ الكراهة منوطة بالاتصال بالكتابة ، فلو انفصل عند الجلد لم يكره في وجه قوي.

مضافا إلى أنّ النهي عن مسّ خطّه وتعليقه يدلّ عليه بالأولى.

وبناء على كون خطّه مصحفا عن خطّه كما في بعض النسخ ، ففيه شهادة بكون خطّ المصحف أعمّ منه وإلّا لكان تكرارا.

نعم ، في هذه الرواية دلالة على كراهة مسّ المحدث بالأصغر وتعليقه ، وهو غير معروف بين الأصحاب.

وممّا يدلّ على الكراهة في المقام ما في الصحيح من أنّ الجنب والحائض يفتحان المصحف

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٩ ، المقنعة : ٥١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٧.

(٣) الواقعة : ٧٩.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ١٢٧ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٣٥.

١٢٨

من وراء الثوب. مضافا إلى اعتضاده بما دلّ على تعظيم الشعائر وتأيّده بفتوى الجماعة.

ومنها : مسّ الكتب السماويّة المنسوخة. وذكره الشهيد ولم نجد مستنده.

وكأنّه لقضية التعظيم.

وحينئذ يمكن التسرية إلى الأدعية المأثورة كالصحيفة السجاديّة بل كتب الأحاديث.

ومنها : كتابة القرآن ؛ لصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة في الوضوء بعد حملها على الكراهة لعدم قائل بمضمونها ، وعدم صراحتها إلى (١) الحرمة. ويمكن إلحاق كتابة الأدعية المأثورة به ، وكذا الاخبار المأثورة.

ومنها : الخضاب عنده ، كما في التذكرة (٢). وحكي عليه الشهرة في كلام بعض الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (٣) والسيد والفاضلان (٤) وغيرهم (٥).

وكذا يكره الجنابة وهو مختضب للنصوص المستفيضة الدالّة عليها. وفي الخبر بعد النهي عن الأمرين إجراء الحكم في الطامث ، التعليل بأنّ الشيطان يحضرهما عند ذلك.

وفي خبر آخر : « من اختضب وهو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء » (٦).

وفي غير واحد من الأخبار نفي البأس عنه محمول على انتفاء الحرمة ، فلا يدلّ على انتفاء الكراهة.

نعم ، قد يستثنى من الأخير ما إذا تمّ لون الخضاب وأخذ مأخذه ؛ لرواية أبي سعيد النهي عن الأمرين : « أفلا أدلك على شي‌ء تفعله؟ » قلت : بلى ، قال : « إذا اختضبت بالحناء وأخذ

__________________

(١) في ( د ) : « في ».

(٢) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٤٣.

(٣) المبسوط ١ / ٢٩ ، مصباح المتهجد : ١٠ ، المقنعة : ٥٨.

(٤) المعتبر ١ / ١٩٢ ، شرائع الإسلام ١ / ٢٢ ، تحرير الأحكام ١ / ٩٢.

(٥) الذكرى ١ / ٢٧٤.

(٦) وسائل الشيعة ٢ / ٢٢٣ ، باب جواز خضاب الجنب والحائض والنفساء وجنابة المختضب ح ١٠.

١٢٩

الحناء مأخذه وبلغ فحينئذ فجامع » (١) مع تسرية الحكم إلى غير الحنّاء ؛ أخذا بالفحوى.

وعن المفيد تعليل الحكم بمنع الخضاب من وصول الماء إلى ظاهر الجوارح. وكأنّ مقصوده منعه من استيلاء الماء تامّا على العضو لبقاء أجزاء منه في المحلّ كما هو معلوم بالتجربة وإن قلنا بجواز حصول اللون من دون الانتقال (٢) أو قلنا بجواز الانتقال (٣) في الإعراض إلّا أنّه يرد عليه لزوم القول ببقاء الكراهة بعد غسل الخضاب أيضا ؛ لبقاء تلك الأجزاء ، ولا يقول به أحد.

ثمّ إنّ ظاهر الإطلاقات عدم الفرق بين كون الخضاب على الشعر أو الجسد وكونه بحناء أو غيره.

ومنها : الادهان ، للنهي عنه في خبر السكوني ، وفي خبر حريز : « الجنب يدهن ثمّ يغتسل؟ قال : « لا » (٤).

ومنها : جماع الحامل ؛ لما دلّ على كراهة وطيها من غير وضوء الشامل لحال الجنابة وإن حمل الوضوء فيها على ما يعمّ غير الرافع ارتفعت الكراهة بالوضوء ، وإلّا استمرّ الحكم.

ومنها : جماع المحتلم دون غيره. ذكره الشهيد (٥) ، ولم نجد مستنده.

ومنها : دخول المساجد غير المسجدين من غير لبث. ذكره الشهيد وغيره لمّا وصّاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : « إنّ الله كرّه لأمّتي العبث في الصلاة .. » إلى أن قال : « وإتيان (٦) المساجد جنبا » (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢٢١ ، باب جواز خضاب الجنب ، ح ٤.

(٢) في ( ألف ) : « الانتفاء ».

(٣) في ( ألف ) : « الانتفاء ».

(٤) الكافي ٣ / ٥١ ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ويختضب ويدهن ، ح ٦.

(٥) الذكرى ١ / ١٩٣.

(٦) قد تقرأ في مخطوطات الأصل : « إتيان » بتقديم الياء ، وما أدرجناه من المصدر.

(٧) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٥٦.

١٣٠

وفي خبر آخر (١) عدّه من الخصال الّتي كرهها الله للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وكرهها النبيّ للأوصياء من ولده وأتباعهم من بعده ، وقد يحمل الكراهة على الحرمة لحرمة اللبث وكون الإتيان مستلزما له في الغالب ، فيقيّد بما دلّ على اختصاصه باللبث بالنسبة إلى سائر المساجد.

ومنها : دخول المشاهد المشرّفة لغير الأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام كحضرة العباس [ عليه‌السلام ] واللبث على ما مرّت الإشارة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٧١.

١٣١

البحث الثالث

في بيان كيفية غسل الجنابة من واجباتها ومندوبها

وما يتعلّق بها

تبصرة

[ في كيفية الغسل ]

للغسل في الشرع كيفيّتان :

أحدهما : الترتيب ، وغسل كلّ من الرأس والجانبين مستوعبا للجميع بلا خلاف فيه ، مراعيا للترتيب من تقديم الرأس على اليمين وتقديمها على اليسار.

أمّا الأوّل فموضع وفاق بين الطائفة ، وقد حكي الإجماع عليه في كلام جماعة من الأجلّة ، واستفاض به الأخبار المأثورة عن العترة الطاهرة كصحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على رأسه ثلاث أكف ثمّ صبّ على منكبه الأيمن » (١) الخبر.

وصحيحة محمّد بن مسلم : « ثمّ تصبّ على رأسك ثلاث أكف ثمّ تصب على سائر جسدك » (٢).

وصحيحة حريز الموقوفة : « أبدأ بالرأس ثمّ افض على سائر جسدك ».

وقد أسنده الصدوق إلى الصادق عليه‌السلام في كتاب مدينة العلم كما ذكره في الذكرى (٣).

وربّما يعزى هنا إلى الصدوقين والإسكافي القول بعدم وجوب الترتيب ، وليس ثبت بل

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٣ ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح ٤.

(٢) الإستبصار ١ / ١٢٣ ، باب وجوب الترتيب في غسل الجنابة ح ٢.

(٣) الذكرى ٢ / ١٦٥.

١٣٢

صريح ما نقله الصدوق في الهداية (١) عن والده وجوب (٢) الترتيب بينهما حيث قال : فإن بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل رأسك.

وظاهر ذلك عدم مخالفة ولده له كما هو دأبه عند نقل كلامه ، وهناك روايات مستفيضة يستفاد من إطلاقها عدم وجوب الترتيب المذكور. وهي محمولة على الأخبار المقيّدة كما هو قضية القاعدة ، مضافا إلى ما عرفت من الإجماع.

ويدخل الرقبة هنا في الرأس بلا خلاف فيه يعرف. وقد حكى إجماعهم عليه غير واحد. وهو المعلوم من ملاحظة فتاواهم.

وفي الأخبار إشارة إليه كصحيحة زرارة المتقدّمة ؛ فإنّ ذكر غسل المنكبين بعد ذكر الرأس دليل على دخول الرقبة فيه ؛ لعدم اندراجه في المنكبين الحدم (٣) قطعا ، وعدم سقوط غسله أو احتسابه عضوا واحدا إجماعا.

وفي موثقة سماعة : « ثمّ ليصبّ على رأسه ثلاث مرات ملأ كفّيه ، ثمّ ليضرب بكفّ من ماء على صدره وكفّ بين كتفيه ، ثمّ يفيض الماء على جسده كلّه » (٤).

واستشكل فيه جماعة من المتأخرين منهم صاحب الذخيرة (٥) بل مال بعضهم إلى خروجها عنه ؛ لفقد النصّ الدالّ على الدخول وخروجها عن اسم الرأس لغة وعرفا.

وربّما يستدلّ عليه بالصحيح : « ثمّ يصبّ الماء على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه » ؛ لقضاء العطف بخروج الوجه عن الرأس ، فخروج الرقبة أولى.

وضعفه ظاهر ؛ إذ دخول الوجه (٦) ممّا لا كلام فيه ، فكيف يستدلّ بمفهومه مع عدم البناء على المنطوق لو سلّمت دلالته عليه.

__________________

(١) وانظر : من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٨.

(٢) في ( ألف ) : « وجب ».

(٣) كذا ، ولم ترد في ( د ) : « الحدم ».

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ١٣٢ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٥٥.

(٥) ذخيرة المعاد ١ / ٥٦.

(٦) زيادة في ( د ) : « فيه ».

١٣٣

وفي كلام غير واحد من الأفاضل أنّه لا ثمرة لهذا الخلاف بعد تصريح الأصحاب بل اتفاقهم على غسلها مع الرأس.

وأمّا وجوب الترتيب بين اليمين والشمال فهو المعروف بين الطائفة ، بل اتّفقت عليه الكلمة سوى ما حكي عن الصدوقين والإسكافي من خلوّ كلماتهم عن اعتبار الشرط المذكور (١).

وقد حكي عليه اجماع الطائفة.

واستشكل فيه (٢) جماعة من المتأخرين ؛ لخلوّ الأخبار عن اعتبار الشرط المذكور.

وأوّل من استشكل فيه المحقق في المعتبر (٣) حيث ذكر أنّ تقديم الرأس على الجسد ممّا دلّت عليه الأخبار بخلاف تقديم اليمين على الشمال ؛ فإنّها غير صريحة فيه (٤) قال : لكن فقهاءنا اليوم بأجمعهم يفتون بتقديم اليمين على الشمال ويجعلونه شرطا في صحّة الغسل. وقد أفتى بذلك الثلاثة وأتباعهم. انتهى.

ويدلّ عليه بعد الإجماع والاحتياط من جهة ضعف الإطلاقات ـ بإعراض الأصحاب عن العمل بها قضيّة اليقين بالشغل اليقين بالفراغ ـ ظاهر صحيحة زرارة : « ثمّ صبّ على منكبه الأيمن مرّتين وعلى منكبه الأيسر مرّتين » (٥) الخبر ، لو قيل بدلالة الواو على الترتيب كما نصّ عليه بعض أعاظم أهل العربيّة أو استفادته من الترتيب في الذكر أو يقال بأن قضية الأمر وجوب الغسل كذلك.

ولا يعتبر ذلك إجماعا إلّا مع اعتبار الترتيب ، والأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الترتيب بين اليمين والشمال في غسل الميّت ، مع ما دلّ على أن غسل الميّت هو غسل الجنابة لخروج النطفة منه كما يدلّ عليه المستفيضة أو أنّه كغسل الجنابة كما في رواية محمّد بن مسلم :

__________________

(١) في ( ب ) و ( د ) زيادة : « وعن العماني أيضا عطف الأيمن على الأيسر بالواو ، وعلى نحو الإخبار ، وليس شي‌ء من ذلك صريحا في عدم اعتبار الترتيب ».

(٢) لم ترد في ( ب ) : « فيه ... استشكل ».

(٣) المعتبر ١ / ١٨٣.

(٤) زيادة في ( د ) : « ثمّ ».

(٥) الكافي ٣ / ٤٣ ، باب صفة الغسل والوضوء قبله ، ح ٤.

١٣٤

« غسل الميّت كغسل الجنابة » (١).

وكأنّ الوجه في خلو الأخبار عن التصريح وضوح الحال فيه من جريان السيرة وبناء العمل عليه كما هو المعلوم في هذا الزمان ، بل وسائر الأزمنة.

بل الظاهر الاكتفاء في إثبات ذلك بالسيرة المعلومة المستمرة الكاشفة عن قول الأئمّة عليهم‌السلام أو تقريرهم عليه.

مضافا إلى أنّه من أشدّ ما أعلم (٢) به البليّة ، ولا يمكن أن يخفى الحكم في مثله على آحاد الطائفة ، فكيف بالعلماء الأجلّة من لدن أعصار الأئمّة عليهم‌السلام إلى هذه الأزمنة.

ثمّ إنّ العورة لمّا كانت عضوا مستقلا واقعا على الحدّ المشترك بين العضوين وقع التأمل في الاكتفاء بغسله مرّة واحدة مع أحد الجانبين أو لزوم (٣) تكرير غسله مع الجنبين ، فعن جماعة استظهار الأوّل ، وعن بعضهم البناء على الأخير.

ويقوى في النظر الاكتفاء بغسله مرّة في اليمين مبتدأ من جانب اليمين منتهيا إلى اليسار.

ويحتمل قويا في البيضتين إلحاق ما في طرف اليمين [ باليمين ] وما في جانب اليسار باليسار. والأحوط فيهما ما ذكرنا.

والظاهر ذلك أولى من غسلها مع الجنبين ، بل تكرار غسلها لا يخلو عن الإشكال ؛ إذ من الظاهر عدم وجوبه في أصل الشرع والإتيان به من باب المقدمة مع انتفاء طريق آخر لا إشكال [ فيه ] ، وأمّا معه فلا يخلو عن تأمّل.

هذا ، ويجب إدخال حدود كلّ من الثلاثة في الآخر من باب المقدّمة على نحو ما مرّ في الوضوء ، فلا بدّ من تكرار الفصول الثلاثة.

وقد يكتفى في الفصل بين الرأس واليمين وبينها وبين اليسار بإيصال آخر الأول بأوّل

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٤٨٦ ، وفيه ، نص الرواية « غسل الميت مثل غسل الجنب » ، ح ١.

(٢) في ( د ) : « يعلم ».

(٣) في ( ب ) : « لو لزم » بدل « أو لزوم ».

١٣٥

الآخر (١) إن أمكن حصول العلم به كذلك ، ويكتفى في حصول الغسل بأقلّ مسمّاه.

وقد ورد الاكتفاء بالمسح في غسل الجانبين عند قلّة الماء ، وهو متروك أو محمول على الغسل الخفيف.

ولا فرق بين كون الغسل بالصبّ أو به أو (٢) بإمرار اليد أو غيرها أو بالدخول في الماء أو بالخروج عنه أو بالكون تحت الماء .. إلى غير ذلك من وجوه الغسل كما مرّ القول فيه في الوضوء.

__________________

(١) في ( د ) : « الأوّل ».

(٢) في ( د ) : « و ».

١٣٦

تبصرة

[ في الغسل الارتماسي ]

النحو الثاني من كيفيّتي الغسل الارتماسيّ ، والاجتزاء به في الغسل ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب.

ويدلّ عليه مع ذلك النصوص المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح كالصحيح : « لو أنّ رجلا أن ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك » (١).

ونحوه صحيحة أخرى (٢).

وظاهر الأخبار اعتبار الوحدة فيه ، وهو حجّة الأصحاب في اعتبار الدفعة العرفيّة حملا للوحدة على الدفعة المتعارفة ، فلا ينافيها الاحتياج إلى التخليل في الشعر الكثيف ونحوه أو إزالة المانع من وصول الماء مع عدم طول المدّة.

وقضية ذلك عدم صحّة الغسل مع عدم صدق الوحدة المذكورة كأن دخل شيئا فشيئا في الماء بحيث لم يصدق معه الدفعة العرفيّة.

وقد يستشكل فيه بإمكان حمل الواحد في المقام على ما يقابل المتعدّد ، فالمقصود أنّ الغسل الواحد الحاصل الارتماس كان فيه.

ويؤيّده أنّه في مقابلة الترتيب المعتبر فيه تعدّد الغسلات ، فلا دلالة فيها على اعتبار حصوله بالدفعة العرفيّة.

والأظهر أن يقال : إنّه بعد الغسل في الارتماس حاصلا باستيلاء الماء على البدن تحت الماء ( لم يتّجه اعتبار الواحدة في الارتماس ؛ إذ ليس الارتماس فيه إذا إلّا مقدّمة للغسل ، ووحدة

__________________

(١) الكافي ٣ / ٤٣ ، باب صفة الغسل والوضوء قبله وبعده والرجل يغتسل في مكان غير طيب ح ٥.

(٢) تهذيب الأحكام ١ / ١٤٨ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ١١٢ و ١١٣.

١٣٧

ومع (١) تسليم خروجه عن الجسد فهو داخل في الرأس لعين ما ذكروه في اليد ، واندراجه في الجانب الأيمن والأيسر المعبّر به في غير واحد من الأخبار.

مضافا إلى أنّه قضية الأمر بالإرواء الوارد في حسنة الكاهلي عن الصادق عليه‌السلام : في المرأة الّتي في رأسها [ مشطة ] حيث قال : « مرها تروي رأسها في الماء وتعصره حتّى يروي ، فإذا روى فلا بأس عليها » (٢).

وخصوص قوله عليه‌السلام في الخبر : « من ترك شعرة من الجنابة [ متعمدا ] (٣) فهو في النار » (٤).

وقوله عليه‌السلام في المرسل : « تحت كلّ شعرة جنابة فبلّوا الشعر وأنقوا البشرة » (٥).

ويشير إليه ما ورد من الأمر بمبالغة النساء في الغسل من جهة شعر رءوسهنّ.

قلت : الإشكال بالنسبة إلى الشعر المختصّ في محلّه ، وإن كان بعض الوجوه المذكورة موهوما ؛ لما مرّ الكلام فيه في مباحث الوضوء.

ومع ذلك فالأظهر فيه أيضا عدم الوجوب ؛ نظرا إلى ظاهر الإجماعين المحكيّين المعتضدين بقطع جماعة من الأصحاب ، بل لا يعرف فيه مخالف منهم.

والقول به في الوضوء إنّما كان بمعونة فهم الأصحاب ، وهو هنا بالعكس.

وأمّا بالنسبة إلى المسترسل ، فلا إشكال أصلا ؛ لعدم دخوله في اسم الجسد ولا الرأس ولا اليمين واليسار مطلقا على نحو ما مرّ في الوضوء.

والروايات المذكورة لا يشهد بذلك ؛ لاحتمال أن يكون الأمر بالإرواء من جهة استظهار وصول الماء إلى نفس البشرة.

وكأنّه السرّ في الأمر بما لغتهنّ في الغسل.

__________________

(١) في ( ألف ) : « من ».

(٢) الكافي ٣ / ٨١ ، باب غسل الحائض ويجزئها من الماء ، ح ١.

(٣) الزيادة من المصدر.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ١٣٥ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٦٤.

(٥) كنز العمال للمتقى الهندي ٥ / ١٣٥ ، على ما حكى عنه.

١٣٨

وقوله عليه‌السلام : « من ترك شعرة » كان المقصود به مقدار الشعرة كما هو الشائع في العرف ، وهو وإن كان مجازا إلّا أن شيوعه في الاستعمالات وقرينة قوله « من الجنابة » شاهد عليه ؛ لعدم تحقّق الجنابة في الشعر كما أشعر به المرسلة المذكورة.

١٣٩

تبصرة

[ في غسل البشرة والتخليل ]

الواجب في الغسل هو غسل البشرة خاصّة على المعروف بين الأصحاب ، فلا يجب غسل الشعر سواء كان مسترسلا أو محتقنا (١) بالمحلّ.

ويجب تخليل الشعر المانع وغيره من سائر الموانع كالخاتم والسوار والدواء المطلّي على العضو ونحوها ، فيجري الماء تحتها.

والوجه في الأخير واضح.

أمّا الأوّل فيحتج عليه بدلالة الأخبار على وجوب غسل الجسد ، وهو خارج عنه.

وفي ظاهر المعتبر (٢) والذكرى (٣) حكاية الإجماع عليه. وعن ظاهر المفيد (٤) وجوب غسل الشعر حيث قال عند بيان غسل المرأة : وإذا كان الشعر مشدودا حلّته.

واستشكل (٥) غير واحد من متأخر المتأخرين ، بل حكى صاحب الحدائق (٦) عن بعض محقّقي مشايخه تقوية القول بالوجوب ، وجعله موافقا للفتوى (٧) والاحتياط.

والوجه في الإشكال احتمال دخوله الجسد ولو تبعا كما حكموا به في الوضوء ، لدخوله في محلّ الفرض أو لكونه من توابع اليد.

__________________

(١) في ( ب ) و ( د ) : « مختصا ».

(٢) المعتبر ١ / ١٩٤.

(٣) الذكرى ٢ / ٢٣٦.

(٤) المقنعة : ٥٤.

(٥) زيادة في ( د ) : « فيه ».

(٦) الحدائق الناضرة ٣ / ٩٠.

(٧) هذا كما في ( د ) ، وفي ( ألف ) : « للتقوى » كما قد يقرأ كذلك في ( ب ) ، وفي المصدر المطبوع : « للتقوى ».

١٤٠