تبصرة الفقهاء - ج ٢

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني

تبصرة الفقهاء - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني


المحقق: السيد صادق الحسيني الإشكوري
الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الذخائر الإسلامية
المطبعة: مطبعة الكوثر
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-988-001-3
ISBN الدورة:
978-964-988-003-7

الصفحات: ٥٩٩

تبصرة

[ في تحريم قراءة العزائم ]

لا يجوز للجنب قراءة العزائم الأربع على المعروف من المذهب ، وقد حكى إجماعهم عليه جماعة من الأصحاب منهم الفاضل في التذكرة (١) حيث ذكر أنّه إجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، وقد حكى (٢) عن السيد (٣) اختصاص التحريم بآية السجدة.

واختاره جملة من متأخري المتأخرين منهم صاحب الحدائق (٤).

والأقوى الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الإجماع ما رواه في المعتبر (٥) عن جامع البزنطي ، عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل ، عن الصادق عليه‌السلام من أنّه يجوز للجنب والحائض أن يقرء ما شاء من القرآن إلّا سور العزائم الأربع » (٦).

وفي صحيحة الفاضلين ، وفي الصحيح : الحائض والجنب يقرءان شيئا؟ قال : « نعم ما شاء إلّا السجدة » (٧).

وروى الشيخ في الموثّق نحوه.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ١ / ٢٣٥.

(٢) كشف اللثام ٢ / ٣٣.

(٣) الانتصار : ١٢١.

(٤) الحدائق الناضرة ٣ / ٥٥.

(٥) المعتبر ١ / ١٨٦.

(٦) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٧ ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح ٧ ، وفيه : « ويقرأن من القرآن ما شاء إلا السجدة ».

(٧) الإستبصار ١ / ١١٥ ، باب الجنب والحائض يقرآن القرآن ، ح ٦٣٨٤.

١٠١

وفي صحيحة أخرى : « وقرأ من القرآن ما شاء إلّا السجدة » (١).

وهاتان الروايتان مشتملتان على ذكر خصوص السجدة ، وهي بمعونة فهم الأصحاب وما تقدّم من رواية البزنطي محمولة على تمام السورة لا لوجوبها بسبب تلاوة جزء منها ، وإن كان حملها على خصوص آية السجدة أقرب بالنظر إلى نفس العبارة لكن ما ذكرناه كاف في حملها على ما قلناه مع عدم بعده عن العبارة أيضا.

وقد ظهر من ذلك أيضا مستند القول بالتخصيص وضعفه.

وفي الحدائق (٢) حكى رواية البزنطي على نحو المعتبرة المذكورة ، ولذا زعم انحصار دليل التعميم بالإجماع المنقول ، وليس الحال كذلك ، وإنّما الموجود عندنا في المعتبر ما ذكرناه. وهو الموافق لما حكاه في البحار من عبارته.

وبه يضعّف ما اختاره على طريقته أيضا.

ثمّ إنّه لا فرق بين قراءة تمام السورة وأبعاضها حتّى البسملة إذا نوى بها إحدى السور المذكورة ، وكذا غيرها من المشتركات إنّما يحكم بالمنع منها مع قصدها ، وإلّا بنى أصل الجواز.

ولو نوى بالبسملة ونحوها من المشتركات واحدا من السور الأربع من غير تعيين قوي لحوق المنع ؛ لاحتسابها عرفا من إحداها.

ويحتمل العدم ؛ لعدم تعيّنه في الواقع ، فلا يقع عن شي‌ء منها وإلّا لزم الترجيح من غير مرجّح.

ثمّ إنّ الحكم يدور مدار اسم القراءة فلا منع من النظر في الآية ولا من إمرار الكلمات على الخاطر على نحو حديث النفس.

وهل يعتبر في صدقها بحيث يمكنه السماع أو يكتفى فيه بمجرّد خروج الحرف من مخرجه وإن كان ممّا لا يسمع في الغالب؟ وجهان أوجههما الأوّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٨ ، باب جواز قراءة الجنب والحائض والنفساء القرآن ما عدا العزائم ح ١١ ، وفيه : « يقرءا ما شاءا ».

(٢) الحدائق الناضرة ٣ / ١٤٤.

١٠٢

وحينئذ ففي الاكتفاء بمجرّد القابليّة العادية أو اعتبار أحد الأمرين من القابلية للسماع أو فعليّته بالنسبة إليه وإن كان على خلاف العادة وجهان أحوطهما ـ بل أظهرهما ـ الأخير.

ويعتبر القراءة في الأخرس بمثل ما اعتبر في الصلاة في وجه قوي.

ولو شكّ في آية انّها من العزائم أو غيرها فهل يبني على أصالة الجواز أو يغلب جانب الاحتياط ؛ نظرا إلى دوران الاشتباه بين المحصور؟ وجهان أحوطهما المنع.

ولا منع في قراءة تفسيرها ولا ترجمتها من سائر اللغات كما لا يحرم مسّها على المحدث والعزائم الأربع معروفة لا خلاف ظاهرا في تبيّنها.

نعم ، وقع في عبائر جماعة من الأصحاب كالصدوق والعلّامة في ذكر « سجدة لقمان » مكان « الم السجدة » مع أنّ سورة لقمان لا سجدة فيها.

وحملها بعض الأصحاب على السهو ، وليس كذلك ، بل الظاهر أنّهم عنوا به سورة السجدة المتّصلة بلقمان ، فإنّ الإضافة يكتفي فيها بأدنى الملابسة.

١٠٣

تبصرة

[ في حرمة اللبث في المساجد على الجنب ]

يحرم على الجنب اللبث في المساجد كلّها بلا خلاف فيه يعرف سوى ما حكي عن الديلمي من حكمه بالكراهة.

وما يظهر من الصدوق (١) من القول بجواز نومه في المسجد.

وهما إن ثبت القول بهما شاذّان ضعيفان ، بل إجماع الفرقة منعقد على خلافهما.

ويدلّ عليه بعد الإجماع الآية الشريفة بمعونة تفسيرهم (٢) عليه‌السلام كما يظهر من صحيحة الفاضلين وغيرهما.

وبذلك يسقط المناقشات الّتي أوردت على دلالتها كاحتمال إرادة المنع من الدخول في الصلاة مع الجنابة واستثناء عابري السبيل إشارة إلى جوازه مع الجنابة في الأسفار ؛ نظرا إلى قلّة الماء وعدم حصول الكفاف.

ولا يذهب عليك ضعفه مع قطع النظر عمّا ذكرناه ؛ لبعده عن ظاهر الآية سيّما بملاحظة ذكر السفر بعد ذلك ، مضافا إلى المستفيضة المشتملة على الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح عن الجنب : يجلس في المساجد؟ قال : « لا » (٣).

وفي صحيحة أخرى : « لا يجلس في شي‌ء من المساجد » (٤).

وفي أخرى : « لا يدخلان أي الجنب والحائض المسجد إلّا مجتازين ، إنّ الله تبارك وتعالى

__________________

(١) المقنع : ٤٥.

(٢) في ( ألف ) : « تغيرهم ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٠ ، باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد ، ح ٤.

(٤) تهذيب الأحكام ١ / ٤٠٧ ، باب التيمم واحكامه ، ح ١٨.

١٠٤

يقول : ( وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ) (١) » (٢).

نعم ، في صحيحة محمّد بن القاسم (٣) : عن الجنب ينام في المسجد؟ فقال : « يتوضّأ ولا بأس أن ينام في المسجد ويمرّ فيه » (٤).

وكأنّها حجة الصدوق ، بل والقول بمطلق الكراهة يجعلها شاهدة على حمل غيرها على الكراهة.

وأنت خبير بأنّ اطراحها بين الأصحاب مانع من العمل بها في نفسها ، فكيف مع معارضة تلك الصحاح.

والظاهر تعيّن حملها على التقيّة ؛ إذ ذلك مذهب ابن حنبل من العامّة ، ولا بأس باجتياز الجنب في المساجد كلّها ؛ لما دلّ عليه عدّة من الصحاح المذكورة ، ولظاهر الآية.

وفيها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على المنع من دخوله في المساجد سوى المسجدين الأعظمين مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبها يقيّد إطلاق ما دلّ من الآية والأخبار على جواز اجتيازه في المساجد.

وعن الصدوقين (٥) والمفيد أنّهم أطلقوا القول بجواز اجتيازه في المساجد من غير استثناء. وكأنّه للإطلاق المذكور.

ولا يخفى ضعفه ، لوجوب حمل (٦) المقيد في مثله قطعا.

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) علل الشرائع ١ / ٢٨٨.

(٣) في مخطوطات الأصل : محمد بن مسلم. إلّا أنها مروية عن محمد بن القاسم.

(٤) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٧ ؛ وسائل الشيعة ٢ / ٢١٠ ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح ١٨.

(٥) الهداية : ٩٧ ، فقه الرضا : ٨٥.

(٦) في ( د ) : « الحمل على ».

١٠٥

[ تنبيهات ]

وينبغي في المقام بيان أمور :

أحدها : الموجود في أكثر أخبار المسألة المنع عن خصوص جلوسه في المسجد ، وهو لا يدلّ على غيره من أنواع الاستقرار إلّا أنّ في الأخبار ما يدلّ على العموم كالصحيح المذكور : « لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين ».

وهو كاف في عموم الحكم ، مضافا إلى عدم ظهور عامل بالفرق ، فلا شبهة في التعميم.

نعم ، هنا إشكال في اختصاص الجواز بصورة الدخول من باب والخروج من آخر ( والظاهر أنّ جلوسه في محمل ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز ، وإن كان مستقرّا في محلّه ) (١) فيحرم غيرها مطلقا أو يعم الجواز صورة الدخول والخروج من باب واحد من دون اللبث والتردد أو يعم صورة التردد أيضا.

والأحوط الاقتصار على الأوّل ، والثاني كأنّه أظهر بملاحظة الصحيحة المذكورة.

وأمّا الثالث فهو بعيد عن لفظ الاجتياز (٢) وعبور السبيل.

وفي القويّ : « للجنب أن يمشي في المساجد كلّها ولا يجلس فيها إلّا مسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله » (٣).

وظاهر إطلاقه يعطي البناء على الأخير إلّا أنّ الأظهر حمله على ما يستفاد من غيره ؛ لعدم وضوح إطلاقه ، ومخالفته للاحتياط مع ما فيه من الكلام في الإسناد.

والظاهر أن جلوسه في محلّ (٤) ونحوه مجتازا بمنزلة الاجتياز وإن كان مستقرا في محلّه.

ثانيها : قد دلّ جملة من النصوص على (٥) تخصيص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام من حرمة

__________________

(١) ما بين الهلالين لم ترد إلّا في ( د ).

(٢) في ( د ) : « الأخبار ».

(٣) الكافي ٣ / ٥٠ باب الجنب يأكل ويشرب ويقرأ ويدخل المسجد .. ح ٣.

(٤) في ( د ) : « محمل ».

(٥) في ( ب ) : « في ».

١٠٦

الجواز واللبث في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ففي تفسير العسكري عليه‌السلام في حديث سدّ الأبواب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا ينبغي لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر يبيت في هذا المسجد جنبا إلّا محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما‌السلام والمنتجبون من آلهم الطيّبون من أولادهم » (١).

وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام : « لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ومن كان من أهلي فانّه منّي » (٢).

وفي آخر عنه عليه‌السلام أيضا : « إلّا أنّ هذا المسجد لا يحلّ لجنب إلّا لمحمّد وآله » (٣).

إلى غير ذلك ، وادّعى في البحار (٤) تواتر الأخبار باستثناء المعصومين عليهم‌السلام عن حكم دخول المسجدين جنبا إلّا أنّ الموجود في الأخبار الكثيرة هو خصوص مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأفتى في الحدائق (٥) فيه بالخصوص إلّا أنّه يمكن تسرية الحكم فيه إلى سائر المساجد ( بالأولى. وأمّا إلى المسجد الحرام فلا يخلو عن خفاء ؛ لانتفاء الأولويّة.

نعم ، في لفظ بعض الأخبار : « لا يحل لأحد أن يجنب في المسجد إلّا أنا وعليّ وفاطمة والحسن والحسين : .. » (٦) الخبر ، فإنّ إطلاق المسجد قد يعمّ سائر المساجد ) (٧) ، فيدخل فيه مسجد الحرام إلّا أنّه قد يحمل على سائر الأخبار الّتي ذكر فيها خصوص مسجده به.

وكيف كان ، فدعوى التواتر بالنسبة إلى المسجدين ليس في محلّه.

وهناك غير واحد من الأخبار يدلّ على مرجوحية الدخول لهم كقوله عليه‌السلام : « إنّ الله كرّه لي ستّ خصال وكرّهتهنّ للأوصياء من بعدي ... » وعدّ منها إتيان المساجد جنبا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٠ ، باب جواز مرور الجنب ولحائض في المساجد ، ح ٢١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٥٧ ، ح ٤٩١٥.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ / ٢١٠.

(٤) بحار الأنوار ٧٨ / ٤٩.

(٥) الحدائق الناضرة ٣ / ٤٩.

(٦) الأمالي للشيخ الصدوق : ٤١٣.

(٧) ما بين الهلالين من زيادات نسخة ( د ) أيضا.

١٠٧

وفي خبر سليمان الديلمي ، عن الصادق عليه‌السلام عنه : « ستة كرّهها الله لي فكرّهتها للأئمّة من ذرّيتي ولتكرهها الأئمّة لأتباعهم .. » (١) وعدّ منها إتيان المساجد جنبا. وفيه إشارة إلى كون الكراهة بمعنى الحرمة.

ثالثها : ألحق جماعة بالمساجد المشاهد المشرفة ، وأنكره آخرون ؛ لانتفاء سند ما يصلح للمنع.

وكأنّ الأظهر الأوّل بل يحتمل القول بالمنع من الدخول مطلقا ؛ للمستفيضة الواردة في إنظاره به على أبي بصير حين دخل عليه جنبا الظاهر في كونه محرّما.

وفي بعضها : « أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء » (٢) وعن جابر ، عن عليّ بن الحسين عليهما‌السلام : « إنّ اعرابيا دخل على الحسين عليه‌السلام فقال : أما تستحيي يا اعرابي تدخل على إمامك وأنت جنب؟! » (٣).

وهذه الأخبار وإن دلّ (٤) على حرمة الدخول عليهم وهم أحياء إلّا أنّ ما دلّ على أنّ حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء أو أنّهم أحياء يشهدون زوّارهم ويردّون السلام عليهم ونحو ذلك يدلّ على عموم الحكم لما بعد وفاتهم.

ولا مانع من ضعف الروايات المذكورة لاعتضاد بعضها ببعض مضافا إلى تأيّد الحكم بما دلّ على لزوم تعظيم الشعائر إلّا أن الحكم بظواهر تلك الأخبار لا يخلو من إشكال.

ثمّ إنّه يستفاد منها المنع من دخول مشاهد سائر الأنبياء ، وقد يعم الحكم لسائر الأوصياء أيضا. وأمّا مشاهد أولاد الأئمّة من الأتقياء الأجلاء كحضرة العباس عليه‌السلام وغيرهم من أفاضل العلماء والصلحاء فلا يلحق بها.

ويحتمل الكراهة لفهمه من الفحوى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢٠٩ ، باب جواز مرور الجنب والحائض في المساجد ، ح ١٦.

(٢) بحار الأنوار ٢٧ / ٢٥٥ ، باب آخر في آداب العشرة مع الامام ، ح ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٢ ، باب كراهة دخول الجنب بيوت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة عليهم‌السلام ، ح ٤.

(٤) كذا ، والظاهر : « دلّت ».

١٠٨

نعم ، في بعض الأخبار المذكورة ذكر أولاد الأنبياء إلّا أنّه من جهة اختلاف لفظ الرواية لا ينهض حجّة في خصوصه سيّما مع ضعفه. واحتمل حمله على خصوصهم عليهم‌السلام كما هو قضيّة المقام.

رابعها : الظاهر (١) شمول الحكم في المساجد لسطحها وسردابها وسائر المواضع المحفورة فيها كالآبار ونحوها إلّا أن يكون ذلك خارجا عن وقف (٢) المسجد بأن يكون ملكا للغير قبل وقف المسجد ونحو ذلك.

وأمّا المشاهد فالظاهر اختصاص الحكم فيها ببيت الدفن ، فلا منع من الكون على سطحها ، وكذا الرواق المتصل به ونحوه. وأمّا جدار المسجد فإن بنى فيه جرى حكمه ، وإلّا ففي ثبوت حكمه فيه إشكال ، والأحوط الاجتناب.

خامسها : الظاهر دوران الحكم مدار صدق الدخول والمكث ، فلو أدخل يده ونحوها فالظاهر عدم المنع بخلاف ما لو أدخل معظم البدن ، فإنّ الظاهر صدقه.

وكما يحرم عليه الدخول يحرم عليه إدخال الغير في وجه قويّ ، فلو أدخله إليه وهو نائم أو مغمى عليه فعل محرّما. وكذا الحال في الصبيّ والمجنون. ولو دعاه إلى الدخول وهو غافل قوي المنع. وفي إدخال الميّت الجنب إليه وجهان.

__________________

(١) زيادة : « الظاهر » من ( د ).

(٢) في ( د ) « وقفيّة ».

١٠٩

تبصرة

[ في تحريم وضع شي‌ء في المساجد ]

يحرم عليه وضع شي‌ء في المساجد بلا خلاف فيه يعرف ، سوى ما يحكى عن الديلمي من القول بالكراهة.

وهو ضعيف محجوج بالروايات المستفيضة المشتملة على غير واحد من الصحاح الدالّة على المنع كالصحيح الحاكم بجواز الأخذ التابع عن وضع شي‌ء فيها فيه.

وفي صحيحة الفاضلين : « يأخذان من المساجد (١) ألّا يضعان فيه شيئا » قال زرارة : قلت له : فما بالها يأخذان منه ولا يضعان فيه؟ قال : « لأنّهما لا يقدران (٢) على أخذ ما فيه إلّا منه ، ويقدران على وضع ما بأيديهما في غيره » (٣).

ومن الغريب تخصيص بعض المتأخرين ـ فيما حكي عنه ـ حرمة الوضع بما كان مستلزما للبث في سائر المساجد والدخول في المسجدين نظرا إلى تعارض إطلاقي تحريم الوضع وتجويز المشي والمرور ، فيتساقطان ويرجع إلى حكم الأصل ، سيّما مع أغلبيّة اقتران الوضع باللبث ؛ إذ مع عدم جريان ذلك في المسجدين بل في الوضع الغير المستلزم للدخول مطلقا.

فيه : أنّه لا معنى لدعوى المعارضة بين ما دلّ على جواز المشي وتحريم الوضع ؛ إذ كلّ منهما عنوان مستقل لا مندرج شي‌ء من أفراد أحدهما في الآخر ، غاية الأمر جواز مقارنته له ، وهو لا يقضي بالمنافاة بين الحكمين.

مضافا إلى [ أنّ ] النصّ [ من ] التعليل المذكور في خلاف ما ذكره.

__________________

(١) في ( د ) : « المسجد ».

(٢) في مخطوطات الأصل : « يقدران » إثباتا.

(٣) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٣ ، باب عدم جواز وضع الجنب ، ح ٢.

١١٠

وفي بعض الأخبار تجويز الوضع والمنع من الأخذ ؛ معلّلا بالقدرة على الوضع من غير دخول بخلاف الأخذ ؛ إذ لا تقدير عليه من دونه.

وفي الوسائل (١) : إنّ بعض الأصحاب قد عمل بمضمونه ، وهو ضعيف لضعف الرواية في نفسها مع عدم مقاومتها لغيرها. مضافا إلى اعتضاد تلك بالعمل واطراح هذه بين الأصحاب.

والظاهر دوران الحكم مدار صدق اسم الوضع ، فلو كان مشدودا على السقف فحلّه ووقع في المسجد لم يكن محرّما. وكذا لو حرّكه من محلّ إلى آخر من غير أن يتناوله من مكانه ، وإلّا حرم (٢).

وهل يجوز طرحه في المسجد؟ وجهان ؛ من عدم صدق اسم الوضع وأنّه بمعناه.

ولو اشترك مع غيره في الوضع احتمل عدم المنع فيه ؛ لعدم استناد الوضع إليه ، ويحتمل المنع سيّما إذا كان الآخر أيضا جنبا.

ولو علّقه على جداره أو سقفه فالظاهر الجواز. والظاهر جريان الحكم في الوضع في غير ما يصلّي فيه من زاوية (٣) والدرج الموضوعة فيه ، وكذا الوضع على الأمور الموضوعة فيه في وجه قويّ.

ولو وضعه على إنسان جالس فيه فالظاهر الجواز.

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٤.

(٢) زيادة في ( ب ) : « المنع » وفي ( د ) : « الوضع ».

(٣) في ( د ) : « روزانه ».

١١١

تبصرة

[ في مسّ كتابة القرآن واسم الله تعالى ]

ويحرم عليه مسّ كتابة القرآن بلا خلاف فيه بين الأصحاب ، بل لا يبعد عدم الخلاف فيه بين علماء الإسلام (١) كما حكى الفاضلان اتّفاقهم عليه.

وربّما يعزى إلى الإسكافي القول بالكراهة إلّا أنّه لا يبعد حملها على الحرمة ؛ لشيوع استعمالها فيها في كلام القدماء.

وقد نصّ الشهيد أنّه كثيرا ما يطلق الكراهة ويريد الحرمة.

وعزاه في المدارك (٢) إلى المبسوط ، ونصّ جماعة على سهوه في النقل ، وإنّما قال بها في الحدث (٣) الأصغر ، ونصّ بالحرمة في الأكبر.

ومن الغريب ميله في المدارك (٤) إلى الكراهة ؛ استضعافا لأدلّة المنع (٥).

وقد عرفت ضعفه ممّا مرّ في الأصغر ؛ لدلالته على المنع هنا بالأولى ، ولاحتمال غير واحد من الأخبار ( على المنع عنه بالخصوص كخبر إبراهيم بن عبد الحميد : « لا تمسّه على غير طهر ولا جنبا .. » (٦) الخبر » (٧).

ويزيد عليه هنا انعقاد الإجماع عليه في المقام كما هو المعلوم من ملاحظة الفتاوى ،

__________________

(١) في ( ألف ) : « الأعلام ».

(٢) مدارك الأحكام ١ / ٢٤٢.

(٣) في مخطوطات الأصل : « حديث ».

(٤) مدارك الأحكام ١ / ٢٤١.

(٥) زيادة في ( ب ) : « لا دلالة المنع ».

(٦) الإستبصار ١ / ١١٣ ، باب أن الجنب لا يمس المصحف ح ٣.

(٧) ما بين الهلالين من زيادات ( د ).

١١٢

والمنقول على لسان جماعة من الفحول. قال في النهاية (١) : إنّه لا (٢) خلاف هنا في تحريم المس ، وإن وقع الخلاف فيه في الحدث الأصغر.

وقد مرّ تمام الكلام في فروع المسألة في مباحث الوضوء.

وكذا يحرم عليه مسّ اسم الله تعالى على المعروف بين الأصحاب. وبه نصّ الشيخان (٣) والفاضلان (٤) وغيرهم.

ويدلّ عليه الموثق : « لا يمسّ (٥) الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى » (٦) إلّا أنّه يعارضها المستفيضة الدالّة على الجواز ، منها الموثق عن الجنب والطامث يمسّان بأيديهما الدراهم البيض؟ قال : « لا بأس » (٧).

وحمله الشيخ (٨) على ما لم يكن عليه اسم الله تعالى. وقد يؤيّده التقييد في الموثقة الأولى.

ومنها : رواية محمّد بن مسلم : هل يمسّ الرجل الدراهم الأبيض وهو جنب؟ فقال : « اي والله إنّي لأرى الدرهم فآخذه وأنا جنب » (٩). ويجرى فيه تأويل الشيخ أيضا.

ومنها : رواية أبي الربيع في الجنب : يمسّ الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : « لا بأس وربّما فعلت [ ذلك ] » (١٠) (١١).

ويمكن حمل الجميع على بيان جواز مس الدرهم في الجملة ، فيكون المراد مس غير اسمه

__________________

(١) نقل عنها محقق البحراني في الحدائق الناضرة ٣ / ٤٦.

(٢) زيادة : « لا » من ( د ).

(٣) المبسوط ١ / ٢٩ ، المقنعة : ٥١.

(٤) المعتبر ١ / ١٨٧ ، تحرير الأحكام ١ / ٩٢ ، تذكرة الفقهاء ١ / ٢٣٨.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « لا يمسّ ... منها الموثّق ».

(٦) الإستبصار ١ / ١١٣ ، باب الجنب لا يمس الدراهم عليها اسم الله تعالى ، ح (٣٧٤) ١.

(٧) تهذيب الأحكام ١ / ١٢٦ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٣٢.

(٨) تهذيب الأحكام ١ / ١٢٦ ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ح ٣٢.

(٩) بحار الأنوار ٧٨ / ٦٣.

(١٠) وسائل الشيعة ٢ / ٢١٥ ، باب حكم لمس الجنب شيئا عليه اسم الله ، ح ٤.

(١١) الزيادة من المصدر.

١١٣

تعالى جمعا بين الأدلّة ، وهو وإن لم يخل من بعد إلّا أنّه لا بأس به في مقام الجمع ، وثبوت المرجوحية قطعا ينافي فعله عليه‌السلام ، فبملاحظة ذلك لا يخلو الأخبار المذكورة عن الوهن.

ولو بني على المعارضة فيرجّح الأوّل بموافقة الاحتياط والشهرة القطعيّة بين الأصحاب وقضية التعظيم.

وذهب جماعة من المتأخرين إلى الكراهة ؛ جمعا بين الأخبار وأخذا بالأصل. وقد عرفت ما فيه.

وهل المراد باسم الله تعالى خصوص لفظ الجلالة أو يعمّ الأسماء المختصّة أو سائر أسمائه تعالى؟ وجوه.

ولا يبعد القول بانصراف الإطلاق إلى الثاني إلّا أنّ القول بالثالث قويّ بعد العلم بقصده تعالى بالكتابة لاندراجه إذن في الإطلاق مع المشاركة في الاحترام أو مع البناء عليه ، فالظاهر خروج الموصول عنه وإن اتّصل بصلة خاصّة به تعالى.

وفي الضمائر الراجعة إليه وجهان ، و (١) البناء على قضية الأصل فيها أظهر إلّا في « هو » ؛ إذ لا يبعد القول بكونه من أسمائه تعالى كما يظهر من غير واحد من الأدعية. ولو قيل بخروج كلّ اسم يطلق عليه تعالى من جهة كونه مصداقا لمعناه من غير وضعه له تعالى ولا اختصاصه به كالموجود ونحوه لم يكن بعيدا.

__________________

(١) زيادة : « و » من ( د ).

١١٤

تبصرة

[ في تغسيل الجنب ليلا لأجل الصوم ]

قد عرفت أنّ حرمة الأمور المذكورة على الجنب ـ من الصلاة والصيام والمسّ والمكث في المساجد وغيرها ـ تكون قاضية بكون استباحة كلّ منها غاية للغسل ، فيجب لكلّ من الأفعال المذكورة عند وجوبه ويندب له عند استحبابه.

وهناك اشكال معروف في وجوبه في الليل لأجل الصوم مع عدم تحقق وجوب الصوم فيه.

ودفعه بعضهم بأنّ التغسيل (١) ممّا يتوقف عليه الواجب وقضيّة ما دلّ على وجوب المقدمة لا يختصّ بما إذا وجب فيها ، بل يعمّ ما إذا علم أو ظنّ وجوبه في وقته ، سيّما مع تضيقه ، فإنّه لا مانع إذن من وجوب المقدمة وإن لم يجب المغيّى بعد.

قلت : وفيه نظر ظاهر ؛ إذ القول بوجوب المقدمة مع عدم وجوب ذيها ممّا يقطع بفساده لتبعيّة وجوب المقدمة لوجوب ذيها ومطلوبيّتها لمطلوبيّته ، فكيف يتصوّر وجوبها مع عدم وجوبه ، مع انتفاء النصّ عليه بالخصوص.

فإن قلت : إنّ وجوب الشي‌ء في محلّه قاض بوجوب توطين النفس على امتثاله ، وهو إنّما يكون بالاتيان بمقدماته.

وأيضا طلب الشي‌ء في وقت معيّن مع عدم إمكان حصوله فيه إلّا بتقديم مقدمته دليل عرفا بل عقلا على إيجاب مقدمته قبله ؛ لتحصيل مطلوب الأمر. ويجري نحوه في الموسع أيضا ؛ لتعلّق التكليف به في أوّل الوقت وإن لم يتعيّن عليه.

__________________

(١) في ( د ) : « الغسل » ، وفي ( ألف ) : « التفصيل ».

١١٥

قلت : لو سلّم ما ذكر فإنّما يفيد وجوب توطين النفس على أداء الواجب بعد حصول وجوبه ، ولا يستلزم ذلك وجوب التلبّس بشي‌ء من مقدماته قبل فعليّة الوجوب ، بل إنّما يراعى فيه حال تعلق الوجوب ، فإن كان باقيا فيه على صفات التكليف تعلّق الوجوب ، وإلّا فلا تكليف.

وما ذكر من قضاء العرف والعقل بوجوب المقدمة في مثله قبل وجوب الفعل مدفوع ، بأن وجوب الفعل في وقته مشروط قطعا بالتمكّن منه ، فإن كان وقت الوجوب متمكّنا من الفعل يشمله الخطاب ، وإلّا لم يتعلّق به.

وحينئذ فلا دليل على وجوب جعل الانسان نفسه من المشمولين للخطاب ، فعلى هذا من علم أنّه لا يتمكّن في الوقت من الطهارة المائية أو غيرها أيضا لا يجب عليه تقديم الوضوء ، بل ويجوز له إهراق الماء المملوك له أيضا.

ومن الغريب ما ذكره صاحب الحدائق (١) من وجوب الوضوء قبل الوقت ؛ نظرا إلى توقف الفعل عليه في أوّله. وقد اشتمل النصّ الصحيح على تعليق وجوبه بدخول الوقت. وفيه أيضا دلالة على ما قلناه.

والتحقيق في المقام أن يقال بالفرق بين ما توجّه الخطاب إلى المكلّف فعلا وإن كان المطلوب إيقاعه في زمان معيّن ، وما لم يتوجّه به خطاب أصلا قبل مجي‌ء زمان الفعل ، فالأوّل يجب تقديم مقدمته لوجوب الفعل عليه وإن لم يحضر زمان فعله كالحج ، والثاني إنّما يجب مقدمته بعد مجي‌ء زمان الفعل وتوجّه الخطاب.

فالصوم من القبيل الأوّل بخلاف الصلاة ؛ لظاهر النصّ المذكور وغيره ، فليس وجوب المقدمة فيما ذكرنا مسقطا عن وجوب ذي المقدمة ، غاية الأمر أن يكون وجوبها في زمان لا يصحّ فيها إيقاع ذيها ، ولا مانع منه بوجه ؛ إذ ما دلّ على وجوب المقدمة يدلّ عليه في الصورتين.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢ / ١٢٨.

١١٦

هذا ، والمعروف بين الأصحاب عدم وجوب الغسل لغير ما ذكر ولا لنفسه ، وذهب جماعة (١) من الأصحاب منهم الفاضل ووالده إلى كونه واجبا لنفسه أيضا. وحكي القول به عن القطب الراوندي ، ومال إليه جماعة من المتأخرين كصاحبي المدارك (٢) والذخيرة (٣) وغيرهما.

والأقوى هو الأوّل.

ويدلّ عليه بعد الأصل والشهرة : الآية الشريفة بناء على عطف قوله تعالى ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) (٤) على الجزاء لا على الشرط كما هو ظاهر السياق وقضية تأخر التيمّم عنه ، فيكون وجوبه حينئذ معلّقا على القيام إلى الصلاة ، وحينئذ يفيد الوجوب للغير في المنطوق.

ويدلّ على عدم وجوبه لنفسه لمفهوم الشرط ، ومع الغضّ عنه فذكر وجوبه للغير في المقام يدلّ بالفحوى على عدم وجوبه لنفسه وإلّا لكان أولى بالذكر في بيان أصل المشروعيّة ، فيفيد ذلك أن مطلوبيته في الشرع لأجل الغير ، وهو المقصود.

وبما ذكرنا يندفع ما أورد من أنّ الآية إنّما تدلّ على ثبوت الوجوب للغير ، وهو لا ينافي وجوبه لنفسه أيضا.

ويستفاد ذلك أيضا من عدّة من الروايات كقوله عليه‌السلام في الصحيح : « إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة » (٥).

وفي الخبر : « إنّ الله فرض على اليدين أن لا يبطش بهما إلى ما حرّم الله .. » إلى أن قال : « والطهور للصلاة » (٦).

وفي الحسن : عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل ليغتسل أم لا؟ قال :

__________________

(١) لم ترد في ( ب ) : « جماعة ... مال إليه ».

(٢) مدارك الأحكام ١ / ١٦.

(٣) ذخيرة المعاد ١ / ٥٤.

(٤) المائدة : ٦.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٣ ، باب وقت وجوب الطهور ، ح ٦٧.

(٦) الكافي ٢ / ٣٦ ، باب في أن الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلها ، ح ١.

١١٧

« قد جاءها ما يفسد الصلاة ، فلا يغتسل » (١).

والتقريب أنّه لو لا وجوب الغسل لأجل الصلاة وسقوطه من جهة سقوطها لما صحّ التعليل المذكور أو سقوط الوجوب الغيري ، ولا يوجب تأخير الواجب النفسي.

وحمله على كون الحدث الطاري مانعا من رفع الحدث السابق لا يوافق ظاهر العبارة ؛ لوقوع التعليل فيه بفساد الصلاة دون الغسل.

على أنّ الحكم بفساده غير ظاهر ؛ لقضاء الإطلاقات بالصحّة ، وبقاء حدث الحيض لا يوجب عدم ارتفاع الجنابة بعد كونهما حدثين مختلفين كما هو الظاهر وإن اشتركا في كثير من الأحكام.

ولذا يمكن رفع أحدهما بدون الآخر كما إذا اغتسل عن الحيض بعد انقضاء العادة ؛ لعدم الاكتفاء به عن الجنابة.

وكذا العكس على القول به.

وفي المعتبر الآتي تصريح بما قلناه ، فدعوى تكافؤ (٢) الاحتمالين كما وقع من العلّامة المجلسي (٣) ليس على ما ينبغي.

وقريب من الحيثيّة المذكورة عدّة من المعتبرة (٤) الدالّة على تأخير غسل الجنابة بعد مجي‌ء الحيض إلى زمان طهرها فتغسل غسلا واحدا للحيض والجنابة.

وفي موثقة منها تخييرها حينئذ بين الغسل والتأخير إلى وقت الطهر ، فيغسل غسلا واحدا منهما ؛ لإشعار الحكم بتأخير غسلها بكون مطلوبيّة الغسل لأجل الصلاة ، فيسقط وجوبه بسقوط وجوبه وإن بقي مشروعيّته كما دلّت عليه الموثقة الأخيرة وقضى به الأصل المذكور.

__________________

(١) الكافي ٣ / ٨٣ ، باب المرأة تر الدم وهي جنب ، ح ١ ومع اختلاف يسير.

(٢) في ( ألف ) : « تكاثر ».

(٣) بحار الأنوار ٧٨ / ٦٠.

(٤) الإستبصار ١ / ١٤٧ ، باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد. أم غسلان ح (٥٠٦) ٥.

١١٨

ومن الغريب ما ذكره بعض المتأخرين وحقّقه صاحب الحدائق (١) في الجواب عن الاحتجاج بالأخبار المذكورة أنّها غير دالّة على شي‌ء من المذهبين ، وإنّما وردت لبيان سقوط الغسل من جهة عدم حصول غايته (٢) الّتي هي رفع الحدث أو استباحة الصلاة ، فلا يصحّ الغسل الواقع على تلك الحال سواء قلنا بوجوبه لنفسه أو غيره ، فهي منافية لقضيّة كلّ من القولين ليتفرّع صحّة الغسل على كلّ منهما.

قلت : ولا دلالة ظاهرة في هذه الأخبار على ما ذكره ؛ لعدم وجوب تداخل الغسلين ، فالظاهر ورودها لبيان جواز التأخير نظرا إلى عدم وجوب غايته في تلك الحال.

وما ادّعاه من عدم إمكان ارتفاع الحدث أو استباحة الصلاة معه قد عرفت ما فيه.

حجة القول بالوجوب النفسي (٣) الآية بناء على عطف قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً ) على الجملة الشرطية ، والأخبار الكثيرة الحاكمة بوجوب الغسل بعد عروض الجنابة كالمستفيضة الدالّة على كونه فريضة ، وأخرى دالّة على كونه واجبا ، وما دلّ على أنّ « من ترك شعرة من الجنابة متعمّدا فهو في النار » (٤) مضافا إلى الأوامر الواردة به الظاهرة في الوجوب النفسي.

ويدفعها (٥) ما عرفت من ظهور الآية في خلاف ذلك ، ومطلق الوجوب ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في وجوب النفسي ، والمطلق لا يدلّ على الخاص.

نعم ، إطلاق الوجوب ينصرف إليه إلّا أنّ الدليل قائم في المقام على إرادة الغيري مع وهن الظهور بفهم جمهور الأصحاب خلافه في المقام.

مضافا إلى ورود الأوامر في إزالة الأخباث مع الاتفاق هناك على كون المقصود خصوص الغيري ، فيؤيّد ذلك إرادته في المقام.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٣ / ٦٢.

(٢) في ( د ) : « غاية ».

(٣) زيادة في ( د ) : « ظاهر ».

(٤) الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٧٢.

(٥) لم ترد في ( ب ) : « ويدفعها ... إنّما الكلام في ».

١١٩

ولو سلّم التفاوت بين رفع الحدث والخبث فغاية الأمر أن يكون ارتفاع الحدث مطلوبا لذاته دون الآخر ، فيكون الغسل مطلوبا لأجله ، فلا يكون أيضا واجبا لنفسه ، بل لما يتفرّع عليه من ارتفاع الحدث والخبث فالقول بوجوب الغسلات المذكورة لنفسها بعيد جدّا بل لا يبعد القول بعدم استحبابها ، إنّما المندوب رفع الحدث كما مرّ القول فيه.

١٢٠