الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

فهناك قطن فيها وسكن ، وهمى غيثُ جوده وهتن ، وقصدته الخلق لأجوبة المسائل ، وتحقيق الحقائق وتنقيح الدلائل ، وصار كعبةً تُشدُّ إليها الرواحل. واشتغل بالتصنيف والتدريس ، وحضر عنده من طلبة العلم والأدب ، من العجم والعرب جمعٌ كثير. وقد عرض بعض مصنَّفاته ، التي كتبها قبل رواحة للنَّجف الأشرف على علماء ذلك النادي المشرَّف ، فاستحسنوها ، وأقروا له بالفضيلة.

وقد أعرضَ طاب ثراه عن طلب الإجازات من علماء النجف الأشرف وغيرهم ؛ تورُّعاً وتوقُّفاً عمّا ربّما يُتوهَّم أن ذلك لأغراضٍ دنيويةٍ ؛ فلهذا أعرض عنها بالكليّة.

نعم ، لمّا صنّفَ كتاب ( زاد المجتهدين في شرح بلغة المحدثين ) في علم الرجال ، اضطرّ إلى أخذ إجازة ؛ ليذكر سلسلته هناك ، كما هو مقرَّرٌ عند علماء ذلك الفن ، فاستجاز من بعض السادة العلماء الكبار ، فأجازه إجازةً عامة.

فأقام بالبحرين مقدار سنتين ، ثم سافر للعتبات العالية بقصد الزيارة مع الأولاد والعيال.

نزوله في القطيف

فلمّا وصل إلى القطيف ، وكانت على الطريق ، ومعه زوارٌ منها ، سمع بورود محمد بن خليفة حاكم البحرين هناك وهو يريد الرَّواح للبحرين ليَأْخُذَها من يد أخيه علي بن خليفة عنوةً. واجتمع معه عدَّةٌ من الأعراب ، فخاف قدس‌سره من رواحة إليها ، ومصادفته ما يقع فيها ؛ فاستخار الله تعالى على النزول في القطيف حتى تنكشف حقيقة الحال ، فخرجت الخيرة على نزوله القطيف أمراً ، وعلى رواحة البحرين نهياً.

وكان معه جماعةٌ من أهل البحرين زوّار فألحّوا عليه ، والتمسوا منه أن يمضي معهم ، فتعذَّر منهم بسبب الخيرة ، ووقوعِ هذا الخبر الموجب للتوقف والحيرة ، فنزل في القطيف. ثم بعد يومين من نزوله فيها ، وقعت الواقعة العظيمة الكبرى في البحرين ، فسلَّمه الله تعالى ومَنْ معه منها ومن كل شين ، وتلفت له فيها كتب كثيرة

٤١

وأثاث البيت.

فلما سكن ما بالناس ، وأمنوا بعض الأمن ، سافر هو رحمه‌الله بنفسه إلى البحرين ؛ لاستنقاذ ما يحصل من كتبه بشراءٍ وغيره ، فأقام بها أيّاماً قليلةً ، واستنقذ ما تمكّن منه ، ورجع إلى القطيف ؛ إذ كان فيها أولادُه وعياله ، ولعدم استقرار أهل البحرين ؛ من وقوع تلك الواقعة ، وتفرقهم في كل ناحية. فأقام في القطيف مواظباً على الطاعات ، ملازماً للواجبات والمندوبات ، والتدريس والجماعات ، فأقبل عليه أهلُ تلك الديار ، وصار مرجعاً في الإيراد والإصدار.

وكان من عناية الله تعالى به ، وتوفيقه له أنَّ العالم الفاضل الأوّاه الشيخ ضيف الله (١) ابن المقدس الشيخ سليمان بن سيف قد كتب إلى العلامة الأمين ، الشيخ محمد حسين الكاظمي قدس‌سره المتقدّم ذكره بعض المسائل ، وكان أكثر أهل القطيف مقلِّديه ، وقد سمع بنزول شيخنا الصالح المذكور تغمده الله بالحبور عندهم ، فكتب إلى المرحوم الشيخ ضيف الله أن يرجع في أجوبة المسائل ، وما يحتاج إليه من الأحكام والدلائل إلى شيخنا المذكور ، وأنّه أهلٌ ومحلٌّ. فصار المذكور وغيرهُ من أهل تلك الدِّيار ، يرجعون إليه في الموارد والمصادر ، وانعقدت عليه الخناصر ، وأقرَّ بفضله كلُّ معاصر. فصنّف وألّف ، وقرّط الأسماع وشنّف (٢) ، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في تعداد مصنّفاته.

تلامذته ودراسة المترجِم على يده

ولقد ربّى كثيراً من الطلبة والأيتام ، وأنعم عليهم بإرشاده وعلمه غاية الإنعام ، ومنهم : العبدُ الفقيرُ الجاني ، علي ابن المقدس الشيخ حسن آل الشيخ سليمان البحراني مؤلِّف هذه الترجمة فإنّه رحمه‌الله كفلني وربّاني ، وقرّبني وآواني ، وقدَّمني على

__________________

(١) ت (١٢٩٦) هـ. عالم فاضل ، تقي ورع متعفف. له بعض الأجوبة على بعض المسائل. أنوار البدرين : ٣٣٥.

(٢) شنّف كلامه وقرَّطه : حلّاه. وهو من المجاز. أساس البلاغة : ٢٤٣.

٤٢

أولاده فضلاً عن أقرأني ، وزوَّجني بابنته وحباني ، وفوّض إليَّ أموره في حياته ، وجعلني وصيّاً إليه على وصاياه ووليّاً على أولاده بعد وفاته. فجزاه الله عني وعن جميع المؤمنين والمؤمنات أفضل الجزاء ، وحباه أحسن الحباء ، بحق محمد وآله الطاهرين النجباء ، صلوات الله عليهم عدداً لا يحصى.

واشتغلتُ عنده برهةً من الزَّمان في القطيف ، في النحو والصرف ، والمعاني والبيان والبديع ، والفقه ، والتوحيد. ثم سافرت إلى النجف الأشرف ، وتطفَّلت على الحضور عند جملةٍ من علمائها ، وقلعة من فضلائها ، كالمقدس الشيخ محمد حسين المتقدّم ذكره قدس‌سره وشيخنا الفاضل ذي المجد والشرف ، الشيخ محمد طه نجف (١) نُوِّر قبره ـ ، وشيخنا الأنجب الشيخ محمود ذهب (٢) ، وسيِّدنا التقيِّ الصفيِّ ، السيِّد مرتضى (٣) الكشميري النجفي قدَّس الله روحيهما ثم رجعت إلى القطيف مجاوراً له ، قدس الله روحه وتابع فتوحه.

ذهابه إلى البحرين في بعض الأشهر

وقد طَلب منه رضى الله عنه أهلُ البحرين مراراً بعد استقرارهم فيها من تلك الواقعة المتقدِّم ذكرها الرواحَ إلى بلادِهم ، فاعتذر منهم ، ثم ألحّوا عليه ثانياً ، وثالثاً ، فلم يجبهم.

فلما علموا أنه لا يجيبهم مستقلا بجميع عياله ، طلبوا منه الرواحَ إليهم ولو بعضَ السنة خمسة أشهر ، أو أزيد ، أو أقل مع بعض العيال ، ورغّبوه في ذلك ؛ لإرشاد

__________________

(١) ١٢٤١ ١٣٢٣ ) هـ. فقيه زاهد ، يضرب بزهده وتقواه المثل. انتقلت إليه الزعامة بعد وفاة الشيخ محمد حسين الكاظمي. له : ( الفوائد النجفية ) ، و ( إتقان المقال ) ، وغيرهما من المؤلفات ، وله عدة رسائل. أعيان الشيعة ٩ : ٣٧٥.

(٢) ت (١٣٢٤) هـ. عالم فاضل ثقة ورع ، تصدّى للتدريس والقضاء والإمامة. من مؤلفاته : ( رسالة في التقليد ) وأُخرى في : ( مسألة المتنجِّس لا يُنجِّس ). أعيان الشيعة ١٠ : ١١٠.

(٣) ١٢٦٨ ١٣٢٣ ) هـ. عالم ربّاني ، كان قليل المعاشرة والكلام ، في غاية الورع والتقوى. توفي بالكاظمية ، ودفن في كربلاء ، له كتاب ( أعلام الأعلام ) في الرجال. مصفّى المقال : ٤٥٧ ، أعيان الشيعة ١٠ : ١٢١.

٤٣

الجهّال ، واحتياجهم إلى هديه وهداه على كل حال. فلمّا رأى كثرة إلحاحهم ، وعَلِم باحتياجهم ، أجابَهم إلى ما طلبوا ، ولبّاهم فيما رغبوا ، فانتقل إليهم ببعض العيال في كلِّ سنة مقدار أربعة أشهر أو خمسة ، ثم يرجع إلى وطنه في القطيف ، حتّى دعاه الله إليه في بلاد البحرين ، فلبّاه وأجرى عليه فيها حكمَه وقضاه ، قدّس الله تربته الزكية ، وأفاض عليه المراحمَ الربانية.

مؤلّفاته

وله من المصنّفات (١) الجليلة ، والرسائل النبيلة ، المشبوعة من التحقيق والتدقيق ، ما يستحق أن يُكتب بالنور على جبهات الحور ويليق :

فمنها : الرسالة المسماة بـ ( قُرَّة العين في حكم الجهر بالبسملة ، فيما عدا الأُوليين ) مبسوطة جدّاً.

ومنها : رسالة لطيفة ، مختصرة منها.

ومنها : نقض الرسالة التي صنَّفها الفاضل التقيُّ الشيخ عليٌّ (٢) ابن الشيخ عبد الله الستريِّ ، حيث ذهب فيها إلى وجوب الإخفات بالبسملة في الأخيرتين ، تبعاً لابن إدريس (٣) رضى الله عنه.

ومنها : رسالة في الحبوة ، اختار منها إدخال الكتب العلمية ولو بالصلح ، وفاقاً لبعض القدماء من الأصحاب.

ومنها : الرسالة المسمّاة بـ ( منهاج السلامة في حكم الخارج عن بلد الإقامة ) مبسوطة.

__________________

(١) سنضع نجمة هكذا ( ) أمام الكتب المحقّقة ضمن هذا الكتاب.

(٢) ت (١٣١٩) هـ. عالم فقيه. انتقل من البحرين إلى مسقط ، ثم ( لنجة ) وبها توفِّي. من مصنفاته : ( لسان الصدق ) ، و ( منار الهدى في النص على الأئمة الأُمناء ) ، وغير ذلك من الكتب والرسائل. أنوار البدرين : ٢٣٦.

(٣) ٥٤٠ ٥٩٨ ) هـ. محمد بن أحمد بن إدريس الحلي. فاضل فقيه ، ومحقِّق ماهر. له كتاب ( السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ) ، و ( مختصر تبيان الشيخ ). الكنى والألقاب ١ : ٢١٠.

٤٤

وله رحمه‌الله في تصنيفها مع بعض فضلاء العصر ، الساكنين في البصرة قصَّةٌ عجيبةٌ ، يطول شرحها (١).

ومنها : رسالة عجيبة سمّاها ( إقامة البرهان ، على حلِّية الإربيان ) ردّاً على بعض محشّي ( اللمعة ) ، حيث استشكل في حلِّيته زاعماً أنه ( الرّبيثا ) ، المنهي عنه في بعض الأخبار (٢).

ولقد أجاد فيها شيخنا وأفاد ، وطابق نهج السداد.

ومنها : كتاب ( زاد المجتهدين ، في شرح بلغة المحدِّثين ) (٣) ، في علم الرجال. وهو كتاب مبسوط بالدلائل ، مشحون من الفوائد ، لم يعمل مثله ، ولم يتمَّ ، ولو تمَّ لتمّ علمُ الرجال بتمامه. برز منه مجلَّد كبير.

ومنها : ( الدرر الفكرية ، في أجوبة المسائل الشبَّرية ). مجلَّد في جواب أربع مسائل في أُصول الفقه ، أرسلها السيِّد الأفخر السيِّد شبَّر ابن السيِّد علي ابن السيِّد مشعل البحراني (٤) من ( المحمَّرة ) لوالده الصالح ، الشيخ صالح رحمه‌الله فأجابه شيخنا رضى الله عنه عن والده.

ومنها : ( ملاذ العباد في تتميم السداد ) في الأُصول والاجتهاد. مجلَّد ، اختار فيه جواز تقليد الأموات ، ثم احتاط فيه أخيراً بالمنع. وكان تصنيفه له قبل رواحة للنجف الأشرف ، على مشرِّفه السلام.

ومنها : رسالة حسنة ، مسماة بـ ( كاشفة السُّجُف عن موانع الصّرف ). مجلَّد حسن ، عملها بالتماس والدي المقدَّس قدس الله روحيهما.

وله رسائل وأجوبة تبلغ مجلَّدات.

__________________

(١) ذكرها الشيخ موجزة في مقدمة الرسالة المذكورة.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٣٣٨ ، كتاب الأطعمة والأشربة ، باب تحريم الرّبيثا وأنه يكره.

(٣) وقد وفّقنا الله تعالى لتحقيقه ونشره في مجلَّدين ، سنة (١٣١٥) هـ.

(٤) عالم محدّث فقيه متبحر شاعر. من مؤلفاته : رسالة سمّاها ( معراج التحقيق إلى منهاج التصديق ) في الأُصول ، وله رسائل ومصنفات اخرى. أنوار البدرين : ٢٤١.

٤٥

وله من النظم الرائق ، والشعر الفائق منظومةٌ في الفقه ، نظم ( النخبة ) ، للملإ محسن (١) الكاشاني بلغ فيها إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مقدار ألفي بيت.

ومنها : ( العمدة نظم الزبدة ). ( زبدة الأُصول ) لشيخنا البهائي (٢) عليهما الرحمة.

ومنها : ( المنظومة السهويَّة والشكِّيَّة ). منظومة حسنة عملها بالتماس بعض المتديِّنين ، نظم فيها أحوالَ السهو والشكِّ ، وذكر فيها فتاوى مشاهير العصر ، حجج الإسلام كالميرزا الشيرازي (٣) ، والسيِّد المهدي القزوينيِّ (٤) ، والشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظميِّ (٥) ، والأُستاذ الشيخ محمد حسين الكاظميِّ (٦) أعلى الله مقامهم في دار السلام يشير إلى كل واحد بإشارةٍ مفهمة ، ويشير إلى اختياره هو أيضاً.

وله : منظومة في التوحيد ، مليحة جدّاً ، لم تتمَّ.

ومنها : ( الصحيفة الصادقية ) (٧) ، مشتملة على الأدعية الواردة عن الإمام الناطق

__________________

(١) ت (١٠٩١) هـ. عالم محدث مدقِّق حكيم ، له مؤلَّفات كثيرة تقرب من مائة مصنّف ، منها : ( الصافي ) ، و ( المفاتيح ) ، و ( المحجَّة البيضاء ). الكنى والألقاب ٣ : ٣٩.

(٢) ٩٥٣ ١٠٣٠ ) هـ. عالم مشهور ، شارك في كثير من العلوم. له كتب نفيسة في مختلف الفنون ، زادت عن خمسين مؤلّفاً منها : ( خلاصة الحساب ) ، و ( مفتاح الفلاح ) ، و ( الحبل المتين ). أعيان الشيعة ٩ : ٢٣٤.

(٣) ١٢٣٠ ١٣١٢ ) هـ. عالم فقيه محقِّق ، ورع تقيٌّ ، كان راجح العقل بعيد النظر. له قصة في فسخ امتياز الدخان الذي منحه الشاه ناصر الدين القاجاري لشركة إنگليزية. له مؤلفات قليلة ؛ لاشتغاله بالتدريس وأُمور الرئاسة العامة ، من مؤلفاته : كتاب في الطهارة إلى الوضوء ، ورسالة في اجتماع الأمر والنهي ، ورسالة في الرضاع. أعيان الشيعة : ٥ : ٣٠٤.

(٤) ت (١٣٠٠) هـ. عالم كثير الاطلاع جيِّد الحفظ ، محافظ على أوراده وعباداته ، وقضاء حوائج إخوانه. له مؤلفات تزيد عن خمسين مجلداً في الفقه والأُصول ، والحكمة والكلام ، والتفسير ، والأخلاق ، وغير ذلك. منها : ( بصائر المجتهدين ) في خمسة عشر مجلداً ، و ( نفائس الأحكام ). أعيان الشيعة ١٠ : ١٤٥.

(٥) ت (١٣٠٨) هـ. عالم جليل ، متضلِّع في الفقه والأُصول ، خبير بالحديث والرجال. له ( رسالة في الطهارة والصلاة والصوم ) ، وأُخرى في ( حقوق الوالدين ) وغير ذلك. أعيان الشيعة ٩ : ١٧١.

(٦) انظر الصفحة : ٤٠ ، الهامش ٢.

(٧) توجد منه نسخة في مكتبة الإمام الحكيم قدس‌سره في النجف الأشرف. حيث إن النسخة المذكورة من جملة الكتب التي بيعت في النجف الأشرف من تركة العلامة الشيخ حسين ابن الشيخ عليٍّ القديحي. وقد عرضت في المزاد من قِبل الفاضل الشيخ علي المرهون ، وفازت بها مكتبة الإمام الحكيم رحمه‌الله وكان

٤٦

بالحقِّ جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه الكرام أفضلُ الصلاة والسلام كبيرة جدّاً ، بترتيب عجيب ، ونمطٍ غريب. ذكر أولاً أدعية الطهارة ، ثم الصلاة ، ثم بقية العبادات ، ثم الحروز والعِوَذ والاستغاثات. وهو فخر للفرقة الناجية على وضوح فخرهم ، ونورٌ على إشراق نورهم ، سمّاها بـ ( التحفة الأحمدية للحضرة الجعفرية ).

ومنها : رسالة في ( العقل وأقسامه ) ، مليحة جدّاً.

ومنها : ( قبسة العجلان في وفاة غريب خراسان ) (١). عملها في بندر جدَّة عند رجوعه من حج بيت الله الحرام ، وزيارة قبر النبي وآله عليه وعليهم‌السلام.

ومنها : رسالة لطيفة على شرح ( زكاة السخال ) من شرح ( اللمعة ). قرأها عليه بعضُ تلامذته. حسنة جيدة.

وله : ( الرسالة العاشورية ) ، في تحقيق صوم عاشوراء. فيها فوائد جمة.

وله : حواشٍ مفيدة على كثيرٍ من الكتب ، سيّما كتب الرجال ، كالميرزا الكبير وغيره.

وله : كتب ابتدأ في تصنيفها ثم صدّه عنها ما هو أهم ، كشرح على ( اللمعة ) ، و ( سلَّم الوصول إلى علم الأُصول ).

__________________

ثمنها ألف ريالٍ تقريباً في ذلك الوقت ، كما ذكر ذلك خالنا المرحوم الحاج علي ابن الشيخ حسين القديحي رحمه‌الله في بعض أوراقه ، فإنّه بعد أن تأسَّف على بيع تلك النسخة قال رحمه‌الله : ( ونأسف لبيعها ، ولكن للظروف أحكامها ، وقد تسابقت المكتبات العامَّة والخاصَّة في النجف الأشرف لشرائها ، وقد فازت بها مكتبة الامام الحكيم قدس‌سره. والثمن حدود الألف من الريالات ).

وقد أشار العلّامة الطهراني إلى هذه النسخة ، كما أشار إلى نسخة اخرى عند السيد جعفر بن عبد الرضا الموسوي المهري. الذريعة ١٥ : ٢١.

وقد طبعت بتحقيق ونشر دار المصطفى ( ص ) لإحياء التراث.

(١) هذه ( الوفاة ) مطبوعة في النجف الأشرف من منشورات المطبعة الحيدرية. وقد اعتاد المؤمنون على قراءتها يوم ذكرى وفاة الإمام الرضا عليه‌السلام.

وقد ذكر مصنِّفها أنه انتهى من تسويد جلِّها في بندر الحرمين ( جدة ) سنة (١٣٠١) هـ.

٤٧

شعره

وله من الشعر الفائق ، ما هو عند أهل الكمال كالسِّحر الحلال ، في مدح النبي والآل عليهم صلوات ذي الجلال جمع بعضُ المؤمنين بعضاً من ذلك في ديوان حسن ، وطبع في بومباي (١).

وله القصيدة الميمية المرفوعة ، جاري بها الملك أبا فراس (٢) ، في مثالب بني العباس ، أوّلها :

الحقُ نورٌ عليه للهدي علمُ

مَنْ أَمَّه مستنيراً قاده العَلم (٣)

وله البديعية الفريدة ، في مدح الأمير عليه‌السلام وأبنائه الكرام عليهم‌السلام ، أوّلها :

بديعُ مدحي عليّاً إذ علا قلمي

براعةٌ تستهلُّ الفيضَ مِنْ كَلِمي (٤)

وله قصيدتان فريدتان (٥) ، في رثاء أُستاذه حجَّة الإسلام الشيخ مرتضى الأنصاري تغمده برحمته الباري إحداهما ضاديَّة ، أولها :

لله سهمٌ سدّدتهُ يدُ القضا

فأصابَ كلَّ الخَلْقِ حتى مَنْ مَضَى

والثانية نونيَّة ، أولها :

__________________

(١) عاصمة ولاية ماهاراشترا الهندية. كبرى مدن الهند الماليَّة والتجاريَّة. اشتهرت بجامعتها التي أُنشئت عام ١٨٥٧ م. موسوعة المورد ٢ : ٨٦. وهي في المخطوط : بمبئي.

(٢) ت (٣٥٧) هـ. الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون. كان ابن عم السلطان ناصر الدولة وسيف الدولة. وهو أديب بارع ، وفارس شجاع ، وشعره مشهور ، ومنه قصيدته ( الشافية ) التي مطلعها :

الدين مخترَمٌ والحقُّ مهتضمُ

وفَي‌ءُ آلِ رسولِ اللهِ مُقْتَسمُ

ديوان أبي فراس : ٥٦.

وهي التي جاراها شيخنا المترجم ( طاب ثراه ). وقد مات مقتولاً. وفي كيفية قتله اختلاف. الكنى والألقاب ١ : ١٣٦.

(٣) المراثي الأحمديَّة : ٧٦.

(٤) المصدر السابق : ٨٨.

(٥) أوردهما المترجِم في أنوار البدرين : ٢٥٨. والمترجَم نفسُه في ترجمته المختصرة لُاستاذه المرثيِّ الشيخ الأنصاريِّ ، وقد حققناها وقام بنشرها المؤتمر العالمي بمناسبة ذكرى ميلاد الشيخ الأنصاري رحمه‌الله ، قم ١٤١٥ هـ.

٤٨

اللهُ أكبرُ حُلَّ عِقْدُ الدين

ورُميْ الهُدى فهوى على العرنين

وسمعتُ منه قدس‌سره أنَّ السيِّد السند ، السيِّد أسد الله (١) ابن المرحوم حجَّة الإسلام السيِّد محمد باقر الأصبهانيِّ كان مغرماً بهذه النونيّة ، حتى إنه مدة شهرين من وفاة المرحوم المرتضى رضى الله عنه يستدعي القارئ وهو القارئ الشيخ علي الحمامكي ويأمره بإعادة قراءتها ؛ إعجاباً بها ، قدس الله أرواحهم.

خلاصة القول

وبالجملة ، فهذا الشيخ قدس‌سره قد حاز من كلِّ كمال أكملَه ، ومن كلِّ جمالٍ أجملَه. كان أعلى الله مقامه عالماً عاملاً ، تقيّاً نقيّاً ، كاملاً ورعاً ، فاضلاً زاهداً عابداً كريماً ، متواضعاً حليماً ، قلّما اتفقت لغيره من العلماء الأعلام ، وهذا لعمري غاية كمال الإنسان وفخره.

وها أنا ذا ذاكر (٢) بعض ما قاله فيه الأُدباءُ الكملاء ، من المراثي الرائعة الفائقة ، لئلا تكون دعوى مجردةً من الدليل ، والله الهادي إلى سواء السبيل.

قال أميرُ المؤمنين علي سلام الله عليه في العهد الكبير (٣) ، الذي كتبه لمالك الأشتر (٤) ( رضوان الله عليه ): «وإنّما يُستدلُّ على الصالحينَ ، بما يَجْرِي لهم على ألْسِنَةِ

__________________

(١) ت (١٢٩٠) هـ. ورعٌ تقيٌّ زاهد ، نافذُ القول. من آثاره العمرانية إجراء ماء الفرات إلى النجف الأشرف. له عدة مؤلَّفات في الفقه الاستدلاليِّ ، وكتابٌ في الرجال. أعيان الشيعة ٣ : ٢٨٧.

(٢) لم يذكر المتَرْجِم في الأصل شيئاً من القصائد ، وإنما ذكر ابنه القصيدتين الآتيتين ، وقد نقل خالنا المرحوم الحاج علي الشيخ حسين رحمه‌الله في بعض أوراقه أن مراثي الشيخ أحمد بلغت خمسين قصيدة.

(٣) اشتمل العهدُ المبارك على بيان قواعد وأُصول مهمة تتعلق بالقضاء والقضاة ، والحكام والرؤساء والمسؤولين ، ممّا يصلح أن يكون نبراساً متَّبعاً ، في قيادة الأُمة ، ومسيرتها ، ورعاية مصالحها. وقد شرحه الأستاذ الفكيكي رحمه‌الله في كتابه ( الراعي والرعية ) ، كما شرحه العلامة السيد عبد المحسن فضل الله في كتابه ( نظرية الحكم والإدارة ).

(٤) مالك بن الحارث. من أكابر حزب أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وعظماء شيعته ، شديد التعلُّق بولاء أمير المؤمنين عليه‌السلام. قال فيه عليه‌السلام بعد موته : « رحم الله مالكاً ، فلقد كان لي كما كنتُ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ». وقد دبَّر معاوية قتله ، حتّى مات مسموماً رضوان الله عليه سنة ( ٣٩ هـ ). أنظر أعيان

٤٩

عِبادِهِ» (١).

المراثي

يقول الأحْقر حسين ابن المؤلِّف لهذه الترجمة اللطيفة ، زاد الله في الخلد تشريفه : إلى هنا انتهى كلامه ، وحيث إن خدمتهما كليهما واجبة على قنِّهما ، عزمتُ على أن أنقل هنا قصيدتين فاخرتين ، وبهما استكفي ، والله الموفق.

فأقول : ممّن رثاه زينُ المجتهدين المحقِّقين ، وفخرُ الفضلاء المدقِّقين شيخُنا التقيُّ الأفخر ، الشيخ حسن علي (٢) ابن المبرور الشيخ عبد الله بن بدر الخطي قدس‌سره ، ونوِّر قبره ، قال لله درّة :

طرقتكِ يا أُمَّ العلومِ

فقماءُ تُذهب بالحلومِ (٣)

وأرتك في الظهرِ الكواكب

فاقعدِي جزعاً وقومي

وأتتك تنْسفُ راسيا

تِ العلمِ بالريحِ العقِيم (٤)

وتلفُّ ألويةَ الشريعة

رأيَ عينِك كالرقيم

خلعت على وجه ألزما

ن براقع الجهل الفخيم (٥)

__________________

الشيعة ٩ : ٣٩.

(١) نهج البلاغة : ٥١٧.

(٢) ١٢٧٨ ١٣٣٤ ) هـ. عالم فاضل ، من أقطاب العلم والمعرفة ، مجاهد ، قام بواجبه الدينيِّ خير قيام. كان له الأثرُ الكبير في إرشاد كثير من المقلِّدين للأموات من المحدِّثين إلى تقليد الأحياء. نال درجة الاجتهاد ، وحصل على الإجازات من علماء عصره كشيخ الشريعة الأصفهاني رحمه‌الله والشيخ عبد الله المازندراني ، وتسنَّم المرجعيّة بجدارةٍ واستحقاق.

كما كان مجاهداً في سبيل الله ، وله أثر بالغ في الثورة العراقيَّة الكبرى ، حيث كان أحدَ الأقطاب في إثارة الهمم ، ولمّ الشعث في ضم القبائل العراقيَّة مع عساكر تركية في مقابل عساكر بريطانية ، بعد احتلال البصرة سنة (١٣٢٤) هـ. كما أنّه أصدر فتوًى بوجوب الجهاد على المسلمين عند ما هجمت إيطالية على طرابلس الغرب ( ليبيا ) سنة (١٣٢٩).

له عددٌ من المؤلفات ، منها : ( وسيلة المبتدئين إلى فهم عبائر المنطقيِّين ) ، وحاشية على ( فرائد الأُصول ) ، وحاشية على ( كفاية الأُصول ). انظر ترجمته في : الأزهار ٣ : ١٦٨ أنوار البدرين : ٣٧٩.

(٣) فقم الأمر فقوماً : عظم. والحلوم مفردها حِلم ، بالكسر : الأناة والعقل.

(٤) الريح العقيم : ريح الإهلاك.

(٥) في الأزهار ٢ : ١٢٠ ( براقع الليل البهيم ) ، بدل : ( الجهل الفخيم ).

٥٠

فتغيَّبَتْ شمسُ الهداية

في دُجى الليلِ البهيم (١)

قطعت يدُ الدهر القطيعة

ساعِدَ الشرفِ القديم

يا أيُّها الدهرُ المشوم

قُتِلتَ من دَهْرٍ مشوم

هل تدري ماذا لا دريت

فعلتَ بالشرعِ القويم

طاحتْ شظايا قلبهِ

ما بينَ أنيابِ الهمُوم

بمصيبةٍ أحللتَها

بفناءِ أنديهِ العلوم

هتفَ النعيُّ (٢) بمَنْ وطى

بنعالِه هامَ النجوم

فرمى المكارمَ مِنْ قسيِّ

النعي أسهمة الوجوم (٣)

سحبت أراقمُ نَعيِه

قصداً لأفْئدةِ الشهوم (٤)

فغدوا ولا أيّوب إلا

وهو يعقوبُ الغموم

يذري الحُشاشةَ أدمعاً

حمراً أحرَّ من الحميم (٥)

نُسفت رواسي عزِّه

بزعازع الخطبِ الجسيم (٦)

خطبٌ لهُ ذهبَ الأسى

بحلُوم أَربابِ الحلوم

يا مزهراً بحنادس

الأسحارِ بالذّكرِ الحكيم (٧)

متململاً يبدي الخشوع

تململَ الرجلِ السليم (٨)

أفديكَ كَمْ سدلَتْ يدَ

الاشكالِ جُنحَ دجًى بهيم (٩)

فطويته ببيان شمس

بيانِكَ الشافي العظيم

__________________

(١) البهيم : الأسود المظلم. (٢) وردت : ( النقي ) ، بدل ( النعيُّ ). (٣) الوجوم : الحزن والكآبة.

(٤) سحبه : جرَّه على وجه الأرض. والأراقم : نوع من الحيات وهو أخبثها وأطلبها للناس.

(٥) الحُشاشة : روح القلب ورمق حياة النفس. (٦) في المصدر السابق : صبره ، والزعازع : الشدائد.

(٧) الحِندس : الليل الشديد الظلمة.

(٨) السليم : الجريح المشرف على الهلاك ؛ سموه به تفاؤلاً بالسلامة.

(٩) سدَل الشعر والثوب : أرخاه وأرسله ، ومن المجاز : أرخى الليل سدوله. وجنح الليل ، بضم الجيم وكسرها : طائفة منه. والدجى : الظلمة.

٥١

وقطعتَ بالبُرهان حجّة

كلِّ أفّاك أثيم

حتى إذا شاءَ الإله

لِقاكَ في دارِ النعيم

عرجتْ بك الروحُ الكريمة

نَحو بارِئها الكريم

وأقامَ جسمُكَ في البسيطة

أنْ تميدَ مِنَ الجروم (١)

أفديكَ أحمدُ مَنْ جرت

بثناه ألسنةُ الخصوم

وأحقُّ مَنْ لَهِجت له

الأشرافُ بالذكرِ الحكيم

لم يَبرَ ذاتَك ربُّها

إلا لإحياءِ العلوم

فأتيتَ تصدعُ بالبيان

كما امِرْتَ بلا وجوم

آهٍ ولمّا أن عزمت

على الرحيل إلى النعيم

وأردتَ إهداءَ الأنام

إلى الصراطِ المستقيم

أوصيتَ باب علومِك

 ـ الهادي إلى النهج القويم

مصباحَ ليلِ المشكلات

إذا ادْلهَمَّ على عليم

سُمِّي علياً مذ علا

شرفاً على هامِ النجومِ (٢)

ولئن جللت فجلَّ في

الإسلامِ فقدُك من عظيم

فلقد تجلّت شمسُ عل

 ـ مِك في ابنِك البَرِّ الكريم

ولئن رمى ركنَ الشريعة

رزء فقدِك بالهجوم

فهنا (٣) محمد صالحٍ

لبناءِ هاتيك الثلوم (٤)

__________________

(١) الجروم ، مفردها جُرم : الذنب.

(٢) عنى بذلك الوالد العلّامة المؤتمن ، الشيخ عليّاً ابن المبرور الشيخ حسن ، صاحب الترجمة قدس‌سره. ( ح. ع. ني. سامحه الله ). (٣) في الأزهار : فيها.

(٤) وورد أيضاً : ( عنى به الفاضل التقيَّ الفالح ، الكامل النقيَّ الصالح ، الخال المبرور الشيخ محمد صالح قدس‌سره ونور قبره ولقد انتقل لدار السرور في كربلاء المشرَّفة ، على مشرِّفها السلام في الليلة الثالثة أو الرابعة من شهر شعبان السنة الثالثة والثلاثين وثلاثمائة وألف ، ودفن في حجرة من حجر الصحن الشريف ، قُدِّس سره ونُوِّر قبره. ح. ع ني. سامحه الله تعالى ).

٥٢

فليثلجنّ فؤادها

منه بأنفاسِ النسيم

ولتمسحنَّ بكفّه

سيّالَ مدمعِها السّجوم (١)

أعلِي أربابَ العلا

ومحمدٌ في كلِّ خيم

سعدتْ بطولِ بقاكما

 ـ الدنيا وأندية العلوم

وممن رثاه فأغرب ، وشنَّف الأسماعَ فأعجب ، إنسانُ عين الكمال والأدب ، الفاضلُ الزكيُّ المؤتمن ، الشيخ علي ابن الحاج حسن الجشِّيِّ (٢) حفظه الله قال ، دام عزُّه وبقاه :

رمى غائلُ الدهر نفسَ الهدى

فهدَّ قواها وأركانَها

رمى أحمداً فأصابَ الورى

جميعاً وأوحشَ أزمانَها

فيا ناعياً أحمداً هلْ

ترى لَظى الخطب ما عمَّ إمكانَها

أيخفى غروبُ شموسِ الهدى

على ناظرٍ حلَّ أكوانَها

فَدَعْ نعيه فنفوسُ الورى

تكادُ تفارق جثمانَها

فللهِ خطبٌ دهى العالمينَ

فأصبحَ ذو اللبِّ حيرانَها

فويحكَ يا دهرُ مَنْ ذا رميتَ

أصبتَ من الخلق إنسانَها

فذي المكرمات تصوبُ الحشا

دموعاً لِمَنْ شادَ بنيانَها

وتلكَ المعالي عراها الأسى

لِمَنْ عقدتْ فيه تيجانَها

وتلك المفاخرُ قد الحدت

بقبر تضمَّن عنوانَها

ليهنكَ يا قبرُ مَنْ (٣) ذا حويت

حويتَ العلوم وعرفانَها

__________________

أقول : وتوجد ترجمته في : أنوار البدرين : ٢٦٩ ، أعيان الشيعة ٩ : ١٣٧ ، وأدب الطف ٨ : ٣٤٢ ، وطبقات أعلام الشيعة ٢ : ٨٧٧.

(١) في الأزهار : ( بكمِّه ) ، بدل ( بكفِّه ). الأزهار الأرجيَّة ٣ : ١٩٠.

(٢) تقدمت ترجمته. انظر الصفحة : ٣٨ ، الهامش : ١.

(٣) وردت في الأصل : ( ما ). وفي الأزهار : ( مَنْ ) ، كما أثبتناه.

٥٣

حويتَ الهدى والتقى والندى

بمَنْ فاق في السبق أقرانها

حويتَ خليفةَ آل الرَّسولِ

فطلتَ بعلياه كيوانَها

فتلك المساجدُ قد أوحشت

لفقدِ الّذِي في الدجى زانها

وتلك الشريعةُ تبكي على

فقيدٍ يبيِّن برهانَها

تكفَّل إيضاحَها ميّتا

تكفُّله حيَّ تبيانِها

فأودعها الكُتُبَ حفظاً لها

وأوصى الّذي حاز عرفانها

عليّاً يقومُ بأمر الإله

إذا قعدَ الفجر كثلانها (١)

فقام به خيرُ مستودع

يبيِّن للخلقِ عِنوانَها (٢)

وخلَّف فينا حميدَ الفعال

ومَنْ بالتقى فاقَ أقرانها

محمَّد صالح نجم الفخارِ

وعينَ المعالي وإنسانَها

هو الفرعُ من أحمد الصالحين

فلا غرَو إن طال كيوانها

هو الغصن مندوحة المكرمات

فيا سَلَّم الله أغصانها

وخلَّد فينا الوصيَّ الأمينَ

ومن للعلا شاد أركانَها

أعترةَ أحمد مَنْ فيهمُ الخلائقُ

تألفُ سلوانها

لكم أحسنَ اللهُ فيه العزا

وجاورَ في الخُلدِ رحمانَها

أقول : بنهاية هذه القصيدة ، ينتهي ما أورده العلامة القديحي طاب ثراه وقد ذكر العلّامة الشيخ فرج العمران في كتابه ( الأزهار الأرجيّة ) (٣) خمس قصائد تحت عنوان : تأبين العالم الربّاني الشيخ أحمد ابن الشيخ صالح آل طعان المتوفّى صبيحة عيد الفطر (١٣١٥) هـ.

__________________

(١) في الأزهار : ( يبيِّن للخلق عنوانها ) بدل العجز المثبت.

(٢) لا يوجد هذا البيت في المصدر السابق.

(٣) الأزهار الأرجية ٢ : ١١٥.

٥٤

منها : القصيدتان المذكورتان.

والثالثة : للشيخ عبد الله ابن الشيخ ناصر بن نصر الله المتوفّى سنة (١٢٩٩) هـ.

والرابعة : للعلامة الشيخ محمد ابن الحاج ناصر بن علي بن نمر المتوفّى سنة (١٣٤٨) هـ.

والخامسة : للعلامة الشيخ محمد بن عبد الله الزهيري المتوفّى سنة (١٣٢٩) هـ. وقد رأيت ذكرها إكمالاً للفائدة.

القصيدة الثالثة :

قد نعى ناع فأعمى للهدي

وكسا الإسلام ثوباً أسودا

وغدا الايمان يدعو هاتفاً

وا فؤادي قددّوه قددا

وشموس الدين حزناً كسفت

وخبت أنوارها إذ فقدا

من بقاه اقتبست أنوارها

فهي لا تشرق ما امتد المدى

كيف والأعين منها انطمست

حيث قد فاجأها ذاك الندا

ونجوم لسما المجد هوت

تبعاً للمجد لما سجدا

وبحار العلم بؤساً نضبت

حيث لما أن فقدن المددا

وجبال الفضل قد دكدكها

حادث أوهن منها العضدا

حركات للمعالي سكنت

جزمتها عاملات للردى

بل وما يفرض من محمدة

لم تقم راياتها حيث غدا

من هو الروح لها تحت الثرى

شغفاً قد ضمه مستحمدا

شاكراً مفتخراً مهما بقي

فسما إذ ضم ذاك الأوحدا

خلفاء الشيخ أنعم بكم

أسره منه استفادوا المددا

منهلا أكرم به من منهل

قد حلا من ريقه واستشهدا

ضربوا في المجد بيتاً لم يزل

ملجأ العافين والملتحدا

عرقوا في المجد والفضل معاً

فالصلاح اتخذوه بردا

٥٥

أحسن الله عزاكم وحبا

شيخنا الجنات فيها خلدا

أقول : هذا هو الموجود من هذه القصيدة وقد ذهب منها شطر مهم.

القصيدة [ الرابعة ] للعلامة حجة الإسلام الشيخ محمد بن الحاج ناصر بن علي بن نمر المتوفى يوم الاثنين التاسع من شهر شوال سنة ١٣٤٨ هـ.

لهفي على العلم قد ثلت مبانيه

وأصبح الشرع ينعى فقد راعية

والدين من بعده أمسى بوائقه

على عماد الورى فالكل ناعيه

يا ناعياً أحمداً هلا نعيت بني الدنيا

جميعهم فالكل يفيديه

يا ناعياً أحمداً هلا خشيت على

قلب العلوم الذي قد كان يحييه

لله ما صنعت أيدي المنون بنا

يا ليتها هل درت من ذا تواريه

ما كنت أحسب أن الموت يقربه

مهابة واحتشاماً أن يدانيه

لكن دعاه الى أسنى منازله

رب السماء فلبى أمر داعيه

فتلك من بعده أيدي الخطوب بنا

قد آمنت بطشه إذ لا تلاقيه

والدين من بعده أعلامه طمست

والعلم ذا محجر حمر أماقيه

فليبك أحمد ما في الكتب من حكم

وليبك أحمد ما في الدرس من فيه

فتلك من بعده أعواد منبره

لما استقل على الأعواد تبكيه

والعلم والحكم والتقوى وكل علا

والخير في أثره أمسى يباريه

ما خلفت أن طباق الأرض تحجبه

عنا وأن تراب القبر يخفيه

فان يكن جسمه في الأرض قد دفنوا

فإنما دفنوا قلب الورى فيه

يا دهر قد نلت ما في الدين تطلبه

وقد ظفرت بما منا ترجيه

يا دهر ما للهدي حتى تعانده

فإنما أحمد في الناس يحييه

يا دهر ما للعلا حتى تبارزه

فإنما أحمد في الناس بانية

فاذهب فما أنت بالجاني على أحد

مثل البلاء الذي بالأمس جانية

ويا مريد الهدى أريابه سلفت

فالنجم أقرب مما قد تمنيه

٥٦

ويا مريد الندى بالأمس قد دفنوا

ما في الندى مطمع قد خاب راجيه

وقل لمن جد في تحصيل مكرمة

إن المكارم في أعمى من التيه

فابك العلوم الى من كان يطلبها

فإن مربعها أعفت مغانية

وأبك القضاء الى من عم مشكلة

إن القضا قد قضى مذ غاب قاضيه

يا ناعياً أحمداً روح الأنام به

عز الإمام فما في الناس ما فيه

فتلك آثاره في الناس دارسة

قد غاب من علمه للناس يرويه

لله قلب الهدى ما كان أصبره

كأن قلب الهدى مذ غاب داعيه

رأى محمد خير الصالحين له

كأنه أحمد أمسى يضاهيه

كذا الوصي على بعده فبه

يسلو الأنام عسى مما يعانيه

فقل عداك البلا إن جئت نحوهما

ما أنتما بالذي دون الورى فيه

بل نلتما شرفاً من قربه وعلا

ولم ينل ذا الورى شيئاً يسليه

القصيدة [ الخامسة ] : للعالم الفاضل الشيخ محمد بن عبد الله الزهيري المتوفى في الكاظمية في شهر جمادى الأولى سنة ١٣٢٩ هـ.

قسماً بمن نحر الزمان له

عيد الأنام وضمه القبر

العالم المولى الكريم أخو

التقوى الأبر الأمجد الحبر

العالم الملك الذي شرفاً

يبكي عليه البر والبحر

وملائك الرحمن قاطبة

والجن والسرحان والنسر

وبكت له السبع الشداد ولا

عجب وكل الجو مغبر

والدين ينعاه وقد كسرت

منه القناة وعزة النصر

وقلوب أهل الدين هاتفة

تنعى له إذ غاها الكسر

تبكي له بدم وحق لها

هيهات منها يقرب الجبر

ما بعده يرجو أخو شرف

عيداً الى أن يحصل النشر

يا خط حدي والبسي حزناً

ثوباً ينفض ذيله الحشر

٥٧

فلأنت أجدر أن فعلت به

وكذلك البحرين بل هجر

والدين والدنيا قاطبة

ومدارس العلماء والذكر

وأوحشه المحراب حيث غدت

ترثي به الصلوات والشكر

ورثت له العلماء من حزن

وكذلك الشعراء والشعر

ونعت محاريب الصلاة له

والبدر ينعى ( قوض البدر )

أبكي المكارم بعده فقدت

عاق الورى عن نيلها العسر

يا بحر علم فل نائله

هلا يفيض لرزئك البحر

لو غاض يوم قضيت ما افتتنت

فيك الأنام فما له عذر

عميت عيون الدين ثم همت

منها عليك مدامع حمر

وبكت عيوني ليتها عميت

هلا إلى أن ينقضي العمر

يا شيخ أحمد أنت قدوتنا

وملاذنا وعمادنا الذخر

لا يستطيع رثاك مثل فمي

كلا ولا قلمي ولا الحبر

لكن يا بن الشيخ صالحنا

لما فقدتك مسني الضر

فكأن قلبي فيه مؤصدة

منها استتار لما يرى جمر

قوضت بالدنيا وصرت الى

جنات عدن كلها بشر

دفنوك لا وقت الربيع وقد

زار الثرى بلقائك الزهر

( ما ضر قبر أنت ساكنه

ان لا يحل بربعه القطر )

يكفيه ري نداك يا مدد

الأجواد فليستحكم العسر

فيهم ويمسي الحلم مضطهداً

إذ خانه في أهله الدهر

زهر الزهيري حين أرخه

( وسم الثرا طرباً بك الزهر )

١٣١٥ هـ (١)

__________________

(١) الأزهار الأرجية ٢ : ١١٥ ١٢٠.

٥٨

مصادر التحقيق :

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الأزهار الأرجيّة ، العمران ( فرج بن حسن ت ١٢٩٧ هـ ) ، ( النجف : مطبعة النجف النعمان ).

٣ ـ أساس البلاغة ، الزمخشري ( محمود بن عمر ت ٥٣٨ هـ ) تحقيق : عبد الرحيم محمود ، ( بيروت : المعرفة ١٣٩٩ هـ ١٩٧٩ م ) ط ٢.

٤ ـ الاستيعاب في أسماء الأصحاب ، ابن عبد البر ( يوسف بن عبد الله ت ٤٦٣ ) ط ١ ١٣٢٨ هـ. بهامش ( الإصابة ).

٥ ـ الإصابة في تمييز الصحابة ، العسقلاني ( أحمد بن علي بن حجر ت ٨٥٢ هـ ) ، ( ط ١ ١٣٢٨ هـ ).

٦ ـ أعيان الشيعة ، الأمين ( محسن بن عبد الكريم ت ١٣٧١ هـ ) ، حقَّقه وأخرجه : حسن الأمين ( بيروت : دار التعارف ١٣٠٤ هـ ١٩٨٣ م ).

٧ ـ الأعلام ، الزِّرِكْلي ( خير الدين بن محمود ت ١٣٩٦ هـ ) ، ( بيروت : دار العلم للملايين ١٩٨٠ م ) ط ٥.

٨ ـ أنوار البدرين ، البلادي ( علي بن حسن ت ١٣٤٠ هـ ) ، ( النجف : مطبعة النعمان ١٣٧٧ هـ ).

٩ ـ البداية والنهاية ، ابن كثير ( إسماعيل بن عمر ت ٧٧٤ هـ ) ، ( بيروت : مكتبة المعارف ١٤٠١ ١٩٨١ م ) ط ٤.

١٠ ـ ديوان أبي فراس ، الحمدانيِّ ( الحارث بن سعيد ت ٣٥٧ هـ ) شرح وتقديم : عبّاس عبد الساتر ، ( بيروت : دار الكتب العلمية ١٤٠٤ هـ ١٩٨٣ م ) ط ١.

١١ ـ الكنى والألقاب ، القمّي ( عبّاس بن محمد رضا ت ١٣٥٩ هـ ) ، ( بيروت : مؤسَّسة الوفاء ١٤٠٣ هـ ١٩٨٣ م ) ط ٢.

١٢ ـ الكافي ، الكلينيّ ( محمَّد بن يعقوب ت ٣٢٩ هـ ) ، صحَّحه وعلَّق عليه : علي

٥٩

أكبر الغفّاري ( بيروت : دار صعب دار التعارف ١٤٠١ هـ ) ط ٤.

١٣ ـ مجمع الأمثال ، الميدانيّ ( أبو الفضل أحمد بن محمد ت ٥١٨ ) ، ( مطبعة السنَّة المحمدية ١٣٧٤ هـ ).

١٤ ـ المراثي الأحمديَّة ، البحرانيّ ( أحمد بن صالح ت ١٣١٥ هـ ) ، اعتنى بطبعه : الميرزا محمد ملك الكتاب ( بمباي ).

١٥ ـ مصفّى المقال ، الطهراني ( آقا بزرك ت ١٣٨٩ هـ ) ، ( قم : نشر عترت ، بالافست على طبعة سنة ١٣٧٨ هـ ) ط ٢.

١٦ ـ منهاج السلامة في حكم الخارج عن بلد الإقامة ، البحراني ( أحمد بن صالح ت ١٣١٥ هـ ) مخطوط.

١٧ ـ نهج البلاغة ، الإمام علي عليه‌السلام ( جمعهُ محمَّد بن الحسن ت ٤٠٦ هـ ) شرح : محمد عبده ، وتحقيق : عبد العزيز سيِّد الأهل ( بيروت : در الأندلس ١٩٨٠ م ) ط ٥.

١٨ ـ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، العامليّ ( محمّد بن الحسن ت ١١٠٤ هـ ) تحقيق : عبد الرحيم الربّاني ( بيروت : دار إحياء التراث العربي ١٤٠٣ هـ ١٩٨٣ م ) ط ٥.

٦٠