الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

ويؤيّده : المنقول عن المولى الماهر ، الآقا محمّد علي بن الآقا باقر ، في حواشيه على ( نقد الرجال ) ، نقلاً عن شيخه المعاصر ، من أنّ كون ( الحسين بن حمدان فاسد المذهب ، كذّاباً ، صاحب مقالةٍ ، ملعوناً ، لا يلتفت إليه ، وظاهر لمن تدبّر هذا الكتاب وهو ( الهداية ) أنّه من أجلّاء الإماميّة وثقاتهم ). انتهى.

وبمثله صرّح الفاضل المحدّث المنصف الشيخ يوسف في ( الكشكول ) ، حيث قال بعد نقله بعض الأخبار من كتاب ( الهداية ) المذكور ما هذا لفظه :

( الذي في كتب الرجال أنّ الحسين بن حمدان الحضيني كان فاسدَ المذهب ، كذّاباً ، صاحب مقالة ، ملعوناً ، لا يلتفت إليه. وظاهرٌ لمن تدبّر هذا الكتاب وهو ( الهداية ) أنّه من أجلّاء الإماميّة ) (١) انتهى.

وهو في الظهور كالنور على الطور.

بل قد يفرّق بينهما بأنّ المذموم هو ( الحُضَيني ) بالمهملة المضمومة ، ثمّ المعجمة المفتوحة قبل الياء المثناة التحتانيّة ، والنون بين اليائين. والآخر هو ( الخَصِيبي ) بالخاء المعجمة المفتوحة ، والصاد المهملة المكسورة ، والباء الموحّدة بدل النون.

ويؤيّده ما في ( الفهرست ) : ( الحسين بن حمدان الخصيب ، له كتابُ ( أسماء النبيّ والأئمة ( عليهم‌السلام ) ) (٢) انتهى. مضافاً إلى الموجود في صدر الكتاب ، وهو ما لفظه :

( كتاب ( الهداية ) للحسين بن حمدان الخصيبي ، يشتمل على أسماء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، بالهندي والعبراني ، وأكثر الصفات المختلفة ، وفاطمة الزهراء عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأئمّة الراشدين : الحسن ، الحسين عليهم‌السلام .. وعدّهم إلى آخرهم ، إلى أنْ قال ـ : حدّثنا ابن الخصيب ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري ، الكوفي .. ) ثم ذكر طرقه. فلعلّ التعبير بالحضيني تصحيف للخصيبي.

__________________

(١) الكشكول ٣ : ١٩.

(٢) الفهرست : ١٠٣ / ٢٢١.

٣٦١

ويزيده تأييداً أيضاً كلام السيّد علي الطاووسي في كتابه ( الإقبال ) (١) ، حيث عدّ من جملة علماء الإماميّة المرضيّين والمعيِّنين وفاة الإمام العسكري عليه‌السلام في اليوم الثامن من ربيع الأول ، الحسين بن حمدان بن الخصيب.

وكفاه في علوّ مقامه عدّه أيضاً إيّاه في جملة الكليني ، والمفيد ، والشيخ الطوسي ، ومحمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي ، والتلعكبري.

وهو ظاهرٌ في اعتماده على هذا الكتاب وجريان مضامينه على نهج الصواب. وأمّا ما في ( العوائد ) من جعل الجنبلاني ، والحضيني ، والخصيبي ، كلّها لمسمّى واحد فلعلّه اشتباه في النظر ، والتعدّد هو المعتبر.

وممّا يناسب هذا المقام ، ذكر منام لبعض الأعلام ، وجدته على ظهر كتاب ( الهداية ) ، قال ما لفظه :

( بسم الله الرحمن الرحيم : الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة على محمّد وآله.

رأيتُ في الليلة الثامنة من شهر محرّم الحرام للسنة ١٠٩٩ في المنام ، بعد أنْ تذاكرتُ وبعض الإخوان الخلّص حال الحسين بن حمدان ، مصنّف هذا الكتاب ، لمّا رأينا ترجمة في ( الميرزا ) [ للحسين (٢) ] بن حمدان تتضمّن فساد مذهبه ولعنه ، وبقينا في شكّ فيه من ذلك ، كأنّ بعض العلماء العظام المشار إليهم يقول إليّ وقد سألته عن ذلك ، وهل هو أو غيره ـ : يا أخي ، الحسين بن حمدان صاحب ( الهداية ) رجلٌ جليل القدر ، عظيم الشأن ، إمامي المذهب ، وأين يكون في مذهب الحقّ مثل الحسين بن حمدان صاحب ( الهداية ). وأمّا المذكور في ( الميرزا ) فهو غيره ، ألا ترى أنّ فيه : ( لم ) يعني : لم يروِ وصاحب ( الهداية ) من خيار الرواة وثقاتهم.

فقلت : نعم ، إنّ فيه ( لم يروِ ) ، فقال تعرف كيف يكون هو هذا وقد روى مثل ( الهداية ) ، والله سبحانه أعلم. بقلم الرائي العبد الفقير إلى ربّه الغني علي بن حسن

__________________

(١) إقبال الأعمال ٣ : ١١٤ ، وفيه : « حسين بن حمدان بن الخطيب ).

(٢) في المخطوط : ( الحسين ) ، وما أثبتناه أنسب.

٣٦٢

البحراني ). انتهى ما وجدته بلفظه.

أقول : لعلّ الرائي المذكور بقرينة التاريخ المزبور هو الشيخ علي بن الشيخ حسن ابن الشيخ يوسف بن الشيخ حسن ، البحراني ، البلادي نسبةً إلى ( بلاد القديم ) قرية كبيرة من قرى بلادنا ( البحرين ) المعاصر للمحقّق الربّاني الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني ، المعروف بالماحوزي.

قال المحقّق المحدّث المنصف الشيخ يوسف في ( لؤلؤة البحرين ) : ( وكان الشيخ علي المذكور فاضلاً جليلاً ، سيّما في العربية والمعقولات ، مدرّساً ، إماماً في الجمعة والجماعة ، معاصراً للشيخ سليمان المذكور .. ) (١) إلى آخر كلامه ، زِيد في إكرامه.

وكيف كان ، فلا ضير في نظمها في سلك تلك الأدلّة ، إذ بانجبارها بعمل الطائفة والملّة ، وتأيّدها بتلك الوجوه السابقة تزول العلّة.

وممّا يصلح ولو في الجملة للتأييد والتأكيد أخبارٌ :

٣٠ ـ منها : ما رواه المحدّث الكاشاني في ( الصافي ) نقلاً من ( الكافي ) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، ويرفع بها صوته ، فتولّى قريش فراراً فأنزل الله عزوجل في ذلك ( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) » (٢) (٣).

أقول : هذا الخبر وإنْ كان مورده الجهر بها في غير الصلوات إلّا إنّه يستفاد منه أنّ في الجهر بها مزيةً شديدة ، وفضيلة أكيدة ، تقتضي كلّ منهما استحبابه في جميع الحالات الشاملة للصلوات بضميمة ما تقدّم من تلك الأخبار ، أو عدم القول بالفصل من غير الحلّي (٤) من علمائنا الأخيار ، إنْ لم يجرِ فحوى الخطاب في هذا المضمار ، بل يمكن حمله على حال الصلاة بحمل القرآن في الآية الشريفة بالنظر للّغة عليها ،

__________________

(١) لؤلؤة البحرين : ٧٤ / ٢٦.

(٢) الإسراء : ٤٦.

(٣) تفسير الصافي ٣ : ١٩٥ ، الكافي ٨ : ٢٢١ / ٣٨٧ ، الوسائل ٦ : ٧٤ ـ ٧٥ ، أبواب القراءة ، ب ٢١ ، ح ٢.

(٤) السرائر ١ : ٢١٨.

٣٦٣

كما في قوله تعالى ( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) (١) ، وكما في أحد الوجوه في قوله تعالى ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) (٢) أي : الصلاة ، تسمية للشي‌ء ببعض أجزائه ، يعني : صلاة الليل ، ثمّ نسخ بالصلوات الخمس ، إلّا إنّ عدم العثور على تفسيره بها هنا في شي‌ء من الآثار يوجب الوقوف ، بل العثار.

٣١ ـ ومنها : ما رواه ثقة الإسلام عن أبي هارون ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال لي : « كتموا بسم الله الرّحمن الرّحيم ، فنعم والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، ويرفع بها صوته ، فتولّى قريش فراراً .. » (٣) الحديث.

أقول : لا يخفى على أُولي الحلوم ما دلَّ عليه من الحثّ العظيم على الجهر بها على جهة العموم.

والتقريب فيه : أنّ المراد بكتمانها : إخفاؤها ، وعدم الجهر بها ؛ بدليل مقابلته بالجهر ، حيث إنّه عليه‌السلام رَدَّ على مَنْ يخفت بها في الصلاة بعموم فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله واستمراره على الجهر بها في الصلاة وغيرها ، من باب الاستدلال بالعامِّ على الخاصّ ، ولات حين مناص.

٣٢ ومنها : ما رواه شيخ الطائفة عطّر الله مرقده في ( التهذيب ) حسناً عن زكريا بن إدريس القمّي ، قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن الرجل يصلّي بقوم يكرهون الجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، فقال : « لا يجهر » (٤).

أقول : وجه الاستدلال أنّ الإمام عليه‌السلام إنّما خصّ نفي الجهر بحال التقيّة حقناً لدمه ودم أصحابه من الفئة البغية ، وأمّا حال الاختيار فحكمه هو الإجهار. والاستدلال بالمنهي عنه في بعض الأحوال على ثبوت الأمر به مطلقاً غير غريب عند أديب أريب ، ألا ترى أنّ الفقهاء استدلّوا على وجوب الصلاة على أموات المسلمين

__________________

(١) الإسراء : ٧٨.

(٢) المزّمّل : ٢٠.

(٣) الكافي ٨ : ٢٢١ / ٣٨٧ ، الوسائل ٦ : ٧٤ ـ ٧٥ ، أبواب القراءة ، ب ٢١ ، ح ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٨ ، الوسائل ٦ : ٦٠ ـ ٦١ ، أبواب القراءة ، ب ١٢ ، ح ١.

٣٦٤

ومشروعيّة القيام على قبورهم ، بقوله تعالى ( وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ ) (١) ، مع أنّ موردها النهي عن الصلاة على المنافقين والكفّار ، والقيام على قبورهم للدعاء وسؤال الرحمة عليهم ، معلّلاً بكفرهم ، فيزول النهي بزوال العلّة التي هي الكفر ، ويثبت الأمر بها في حقِّ المسلمين.

ولا يخفى على ذي نظر أنّ حال الاستدلال بالآية كحال الاستدلال بالخبر.

٣٣ ـ ومنها : ما رواه في ( البحار ) عن كتاب ( فقه الرضا عليه‌السلام ) ، حيث قال في بيان كيفيّة الصلاة وآدابها ، بعد الدعاء الثالث من أدعية التكبيرات الافتتاحيّة ، وهو دعاء التوجّه : « أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرّحمن الرّحيم ، وتجهر ببسم الله على مقدار قراءتك » (٢) .. إلى آخره.

والظاهر أنّ مراده بتقييد الجهر بمقدار القراءة بيان حدّ الجهر بها ، وأنّه ليس مغايراً لحدِّ سائر القراءات الجهريّة.

والنكتة فيه : أنَّه لمّا تكثّر الحثّ على الجهر بها ، والتظلّم من مخفيها ، ربّما يتوهّم متوهّمٌ أنّ الجهر بها زائدٌ على الجهر بغيرها ، فبيّن عليه‌السلام أنّ الجهر بها على حدِّ الجهر بغيرها ؛ لتأدّي النسبة بإسماع الغير ، الذي هو أقلّ الإجهار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

٣٤ ـ ومنها : ما رواه الشيخ قدس‌سره موثّقاً عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال : « ينبغي للإمام أنْ يُسمع مَنْ خلفه كلّ ما يقول ، ولا ينبغي لمن خلف الإمام أنْ يسمعه شيئاً ممّا يقول » (٣).

أقول : التقريب في هذا الخبر : أنّ البسملة ممّا يقوله الإمام ، فينبغي إسماعها مَنْ خلفه ؛ قضاءً للعموم المستفاد من الكلّيّة ، خرج غيرها بالدليل الخارجي كقوله في صحيح صفوان : ( جهر بالبسملة ، وأخفى ما سوى ذلك ) (٤) ، وغيره من الأخبار الآمرة

__________________

(١) التوبة : ٨٤.

(٢) البحار ٨١ : ٢٠٦ / ٣.

(٣) التهذيب ٣ : ٤٩ / ١٧٠ ، الوسائل ٨ : ٣٩٦ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٥٢ ، ح ٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦ ، الوسائل ٦ : ١٣٤ أبواب القراءة ، ب ٥٧ ، ح ٢. وفيهما : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) بدل : ( البسملة ).

٣٦٥

بالمخافتة بالقراءة ، فبقيت البسملة داخلةً في عموم ذلك ، كما لا يخفى على مَنْ سلك تلك المسالك ، وظفر بالنصيب الوافر من تلك المدارك ، لما تقرّر في محلّه من أنّ العامّ المخصّص حجّة في الباقي ، والله العالم بما هنالك.

فهذه نبذةٌ من مُعْتبر الأخبار ، وصريح الآثار ، الواردة عن الأئمّة الأطهار ، قد استقبلها العلماء الأبرار بعين القبول والاعتبار. هذا كلّه من طريق أصحابنا الأنجاب.

٣٦٦

أخبار العامّة

وأمّا من طريق أولي الأذناب فهو :

ما أخرجه الطبراني ، والدارقطني ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجهر بها في الحمد » (١). ونقلوا عمل الصحابة على ذلك.

وقال الرازي في تفسيره الكبير : ( روى البيهقي في ( السنن الكبرى ) عن أبي هريرة ، قال : كان رسولُ الله ( ص ) يجهر في الصلاة ببسم الله الرّحمن الرّحيم ).

ثم قال بعد أن نقل عن البيهقي أنّه روى الجهر بها عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ما لفظه : ( وأمّا إنّ عليّ بن أبي طالب رضى الله عنه كان يجهر بالتسمية ، فقد ثبت بالتواتر ، ومَنْ اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى. والدليل عليه قوله عليه‌السلام : « اللهم أدرِ الحقَّ مع عليٍّ حيث دار » ) (٢).

وقد مرّ تصريح الرازي والشافعي بأنّ الجهر بالتسمية مذهب جميع المهاجرين والأنصار (٣). ومرّ أيضاً تصريحه بأنّ ابتداء الإسرار إنّما وقع خوفاً من بني أُميّة الأشرار (٤).

ومنه : ما في التفسير المذكور أيضاً ، قال : ( وروى أبو قلابة عن أنس أيضاً ـ : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبا بكر ، وعمر ، كانوا يجهرون ببسم الله الرّحمن الرّحيم ) (٥).

ومنه : ما نقله بعضُ المعاصرين من السادة الأبرار في هامش كتابه ( روح القرآن في فضائل أُمناء الرحمن ) (٦) من كتاب ( جمع الجوامع ) في أُصول الفقه لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي الشافعي ، المتوفّى سنة ٧٧١ (٧) : ( في مسند بشر بن معاوية ،

__________________

(١) المعجم الكبير ١١ : ١٤٩ / ١١٤٤٢ ، وفيه عن ابن عباس. سنن الدارقطني ١ : ٣٠٢ / ٢. بتفاوتٍ فيهما.

(٢) التفسير الكبير ١ : ١٦٨. (٣) انظر ص ٧٤ هامش ٢.

(٤) انظر ص ٧٢ هامش ٤. (٥) التفسير الكبير ١ : ١٦٩.

(٦) غير متوفر لدينا ، وذكره صاحب الذريعة بقوله : ( روائح القرآن في فضائل أُمناء الرحمن » للسيد المفتي السيد محمد عباس التستري الهندي المتوفى ١٣٠٦ ، طبع في لكناهو ، جمع فيه مائة وإحدى وثلاثين آية من القرآن في فضائل أمير المؤمنين وأولاده الأئمة عليهم‌السلام وفرغ منه ١٢٧١ ). الذريعة ١١ : ٢٥٥.

(٧) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ( ٧٢٧ ٧٧١ ) ، أبو نصر ، قاضي القضاة ، المؤرخ ، الباحث ،

٣٦٧

عن أبي الهيثم البكالي ، بإسناده إلى بشر ومجالد أنّهما وفدا على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فعلّمهما ( يس ) والحمد لله ربِّ العالمين ، والمعوّذات الثلاث : قل هو الله ، والفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، وعلّمهما الابتداء ببسم الله الرّحمن الرّحيم ، والجهر بها في الصلوات ، والقراءات ) انتهى.

وهذا كلّه ممّا يدلّ على أنّ الجهر بها في العصر السالف مستند للسماع من النبيّ المختار والمطاع.

ولا يخفى ما فيه من العموم قضاءً لحقّ ( كان ) المفيدة للدوام والاستمرار في الأوقات ، بضميمة ما نقلوه عنه عليه‌السلام من أنّه كان يقرأ في الأُخريات.

أقول : وصاحب كتاب ( روح القرآن في فضائل أُمناء الرحمن ) هو السيّد السند والفاضل المعتمد السيّد عباس ، وقد يسمّى السيّد محمّد عباس ، من السادة المعاصرين ، وهو شوشتري الأصل ، هندي المسكن. ويظهر من مطاوي كلماته أنّه تارةً ينتسب للسيّد القاضي نور الله الشوشتري ، وأُخرى للسيّد نعمة الله الجزائري. ولعلّه لأحدهما بالأب ، وللآخر بالأُمّ.

وهذا الكتاب قد وضعه لفضائل أمير المؤمنين وأبنائه المعصومين ، وقد جمع فيه مائة آية وإحدى وثلاثين آية من كتاب الله المبين على الترتيب ، مضافاً لما ذكره آية الله العلّامة في ( إحقاق الحقّ ) ، وهو أربع وثمانون آية مع تذييل الآيات ببيانات شريفة ، وحكايات طريفة ، وأشعار لطيفة ، وذكر في آخره أنّه فرغ من تأليفه لثمانٍ بقين من محرّم الحرام للسنة الحادية والسبعين بعد المائتين والألف من هجرة سيّد الأنام.

وقد وضع له فهرساً لطيفاً ، سمّاه ( قلّة العجلان في فهرست روح القرآن ) جامعاً لما فيه إجمالاً من البيان وبيّنات الكتب المنقول منها لعلماء السنة وأحوال مؤلّفيها ،

__________________

ولد في القاهرة ، وانتقل الى دمشق مع والده فسكنها وتوفي بها ، نسبته الى ( سبك ) من أعمال المنوفية بمصر ، انتهى إليه قضاء القضاة في الشام ، له مصنفات عدّة منها : ( طبقات الشافعية ) ، ( معيد النعم ومبيد النقم ) ، ( جمع الجوامع ) في أُصول الفقه. انظر الأعلام ٤ : ١٨٤ ١٨٥.

٣٦٨

بحيث يصلح أن يكون كتاباً مستقلا مفيداً وتصنيفاً جديداً سديداً. جزاه الله عنّا وعن جميع المؤمنين أفضل جزاء المحسنين.

وله أيضاً ديوان شعر سمّاه ( رطب العرب ) (١) ، وهو من المطبوعات الهندية ، وله أيضاً كتب ورسائل في كثير من المسائل. وفّقنا الله وإيّاه لتحقيق المسائل وتنقيح الدلائل.

وأمّا ما أخرجه أبو عبيدة ، وابن سعد في ( الطبقات )، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وابن خزيمة، وابن الأنباري في ( المصاحف )، والدارقطني ، والحاكم وصحَّحَه ، والبيهقي ، والخطيب ، وابن عبد البرِّ، كلاهما في كتاب البسملة، عن أُمِّ سلمة رضي‌الله‌عنها : ( إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) (٢).

وما رووه عن أمّ سلمة رضى الله عنه : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلّى فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (٣).

وما رووه عن ابن المنذر : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم (٤).

وما رووه عن أبي هريرة : أنّه صلّى فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وقال : أنا أشبهكم بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٥).

فهي وإنْ أشعرت بالجهر بها بتقريب أنّ إخبارهم عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقراءته إيّاها إنّما كان لسماعهم إيّاها منه صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلواته على وجه الاستمرار ، وليس المراد من الإجهار إلّا إسماع الأغيار لكن إنّما سيقت لبيان أنّ البسملة جزءٌ من السورة ، للردّ على مَنْ يحذفها من أُولي الشقاق ، فلا ظهور لها في العموم أو الإطلاق وإنْ كان للتأمّل فيه

__________________

(١) ذكره في الذريعة بقوله : ( رطب العرب ، ديوان أشعار عربية من منشئات السيّد المفتي المير محمّد عبّاس التستري اللكنهوي المتوفى ١٣٠٦ هـ. وهو مطبوع بالهند في مطبعة الجعفري مرتّباً على الحروف ). الذريعة ١١ : ٢٤١.

(٢) الطبقات الكبرى ١ : ٢٨٣ ، المصنَّف ١ : ٤٤٩ ، مسند أحمد ٦ : ٣٠٢ ، سنن الترمذي ٢ : ١٤ / ٢٤٥ وفيه عن ابن عباس ، صحيح ابن خزيمة ١ : ٢٤٨ / ٤٩٣ ، سنن الدارقطني ١ : ٣٠٧ / ٢١ ، السنن الكبرى ٢ : ٦٥ / ٢٣٨٣ ، تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٧ / ٤٩٣٧ ، المستدرك ١ : ٣٥٦ / ٨٤٧ ، الدرّ المنثور ١ : ٢٦ ، عنهم جميعاً.

(٣) السنن الكبرى ٢ : ٦٦ / ٢٣٨٥. (٤) المغني ( ابن قدامة ) ١ : ٤٧٧.

(٥) السنن الكبرى ٢ : ٦٨ / ٢٣٩٤. المستدرك ١ : ٣٥٧ / ٨٤٩. سنن الدارقطني ١ : ٣٠٦ / ١٤.

٣٦٩

مجالٌ وانطلاق.

وكيف كان ، فلا يخفى على مَنْ كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ، وخلع ربقة الاعتساف عن الجيد ، وما في أكثر تلك الأخبار من العموم لموضع النزاع ، كما لا يخفى على ذي اطّلاع ولا يخفى على ذي رويّة أنّه لا تخصيص إلّا بمخصّص من الآيات القرآنيّة ، أو السنّة المعصوميّة.

وقد نصّت تلك الآثار على عموم استحباب ذلك الإجهار في جميع الصلوات من غير تخصيص بإحدى الركعات ، وعلى ملازمة سادات القادات وقادات السادات عليه في كلّ الأوقات ، إلّا في حال التقيّة من أُولئك الطغام الطغاة ، وأنه من سمات شيعتهم السراة. وقد دلّ محكم الآيات ومتواتر الروايات ومتضافر الدرايات على الاقتداء بأحوالهم ، والتأسّي بهم في جميع أفعالهم وأقوالهم.

وحينئذٍ ، فقصر الجهر بها على بعض الركعات غير لائق بمن تمسّك بذيل أُولئك الهداة ، بل قال بعض الأبدال : ( إنّ تخصيص الجهر بما تتعيّن فيه القراءة محض تحكّم بلا إشكال ). والمعصوم مَنْ عصمه الله ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ، ولا غَرْوَ فالصارم قد ينبو ، والنار قد تخبو ، والجواد قد يكبو ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

٣٧٠

المبحث الثاني

في الاستدلال على القول الثاني

أدلّة الوجوب : ويمكن الاستدلال عليه بوجوه :

الأوّل : بعض الأخبار المتقدّمة ، بدعوى ظهورها في تلك الدعوى غير المسلّمة ، كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خبر سُليم بن قيس : « ولألزمت الناس بالجهر ببسم الله الرّحمن الرّحيم » (١). وفي نسخةٍ أُخرى صحيحةٍ : « ولأمرت الناس ».

والتقريب فيه : أمّا على النسخة الأُولى فظاهر ، إذ لا إلزام بالمندوب ؛ لاختصاص الإلزام بالوجوب. وأمّا على النسخة الأُخرى ؛ فلأنّ لفظ الأمر للوجوب ، لذمِّ إبليس على ترك السجود المأمور به ، وإيجاب الحذر عند مخالفة الأمر.

وقوله عليه‌السلام في خبر بريرة : « إنّما أنا شافع ». بعد قولها : ( أتأمرني يا رسول الله؟ ) (٢) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لأمرتهم بالسواك » (٣) ، مع الإجماع على استحبابه.

وقول الصادق عليه‌السلام لهشام بن الحكم : « إذا أمرتكم بشي‌ء فافعلوا » (٤) ، كما في كتاب الحجّة من ( الكافي ) عن يونس بن يعقوب ، فليس إلّا لأنّ الأمر للوجوب. وهو المطلوب.

وكقول الصادق عليه‌السلام في خبر الأعمش : « والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلوات واجب » (٥).

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥١ / ٢١ ، الوسائل ١ : ٤٥٨ ، أبواب الوضوء ، ب ٣٨ ، ح ٣.

(٢) كنز العمال ١٦ : ٥٤٧ / ٤٥٨٣٨ ، وفيه : « إنما أنا شفيع له ».

(٣) الكافي ٣ : ٢٢ / ١ ، الفقيه ١ : ٣٤ / ٢٣ ، الوسائل ٢ : ١٧ ، أبواب السواك ، ب ٣ ، ح ٤ ، و: ١٩ ، أبواب السواك ، ب ٥ ، ح ٣.

(٤) الكافي ١ : ١٦٩ / ٣.

(٥) الخصال : ٦٠٤ / ٩.

٣٧١

والتقريب فيه : أنّ لفظ الوجوب ظاهر في ما هو قسيم المندوب ، فيجب حمله على ما هو الأصل فيه ، كما لا يخفى على نبيه.

وكمرسل ( أزهار الرياض ) السابق (١) ، الناهي عن الصلاة خلف مَنْ لا يجهر بها.

والتقريب فيه : أنّ النهي عن الصلاة خلفه يستلزم الوجوب ؛ للإجماع على جواز الاقتداء بتارك المندوب.

وكصحيحي زرارة (٢) الدالّين على أنّ مَنْ جهر في ما لا ينبغي الجهر فيه ، أو أخفى في ما لا ينبغي الإخفاء فيه متعمّداً ، فقد نقض صلاته ، وعليه الإعادة.

والتقريب : أنّ البسملة ممّا لا ينبغي الإخفاء فيه بما مرّ من الأدلّة الدالّة على الرجحان ، وعدم الالتفات إلى خلاف ابن إدريس ، لكونه من الضعف بمكان فتبطل الصلاة حينئذٍ بالإخفات ، فيلزم كون الجهر من الواجبات.

وكما نقله ابن أبي عقيل (٣) من تواتر الأخبار عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من نفي التقيّة فيه ، وليس ذلك إلّا للوجوب.

الثاني : الإجماع المستفاد من قول الصدوق قدس‌سره في المجلس المعقود لوصف دين الإماميّة : ( ويجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة ، عند افتتاح السورة وبعدها ) (٤).

والتقريب فيه : أنّ ذكره وجوب الجهر بها في وصف دين الإماميّة يقتضي أن كلّ من كان منهم قائلٌ بالوجوب ، الظاهر لفظه في قسيم المندوب ، فيتمّ المطلوب.

الثالث : قاعدة الشغل ، لدوران الأمر حينئذٍ بين الوجوب والاستحباب ، فلا يقين بفراغ الذمّة من الشغل اليقيني بالتكليف إلّا بالتزام الفعل على وجه الإيجاب.

الرابع : ملازمة النبيّ والأئمّة الهداة عليه وعليهم أفضل السلام والصلاة على

__________________

(١) انظر ص ٣٣٢.

(٢) الفقيه ١ : ٢٢٧ / ١٠٠٣ ، التهذيب ٢ : ١٦٢ / ٦٣٥ ، الوسائل ٦ : ٨٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٦ ، ح ١ ، ح ٢.

(٣) عنه في الحدائق ٨ : ١٦٧.

(٤) الأمالي ( الصدوق ) : ٥١١ / المجلس ٩٣.

٣٧٢

الجهر بها في جميع الحالات ، فيلزم التأسّي بهم عليهم‌السلام في ذلك ، كما يلزم في سائر الأوقات.

أقول : لا يخفى على الناقد البصير أنّ هذه الوجوه لا تدلّ على المدّعى ، ولا ينبّئك مثل خبير.

والجواب عن الأوّل :

أمّا إجمالاً ؛ فلمجي‌ء الوجوب في كلامهم كثيراً بالمعنى اللغوي ، الذي هو أعمّ من الحكم الشرعي الاصطلاحي ، وهو مطلق الثبوت تارةً ، ومراداً به تأكّد الاستحباب أُخرى ، في مواضع متعدّدة ، وأماكن متبدّدة ، كما لا يخفى على مَنْ جاس خلال ديار آثارهم ، واقتفى أثر أخبارهم ، والسبر والوجدان شاهدا عدلٍ لذوي الأذهان ؛ ولقيام القرائن القويّة الصارفة لهذه الأخبار عن الإيجاب ، كالشهرة المحقّقة ، والإجماعات الكثيرة المنقولة إنْ لم تكن محصّلة ـ ، وفهم محقّقي الأصحاب ، وصحيح الأخوين عبيد الله بن علي ، ومحمّد بن علي الحلبيين ، الذي رواه شيخ الطائفة في التهذيبين بطريقين عن أبي عبد الله الصادق بلا مَيْنٍ ، أنّهما سألا عمّن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أنْ يقرأ فاتحة الكتاب ، فقال : « نعم ، إنْ شاء سرّاً وإنْ شاء جهراً » (١). ولو كان واجباً لما خيّر عليه‌السلام بين الأمرين ، كما لا يخفى على ذي قلب خالٍ من الرين.

وحمل الألفاظ على حقائقها عند الإطلاق إنّما هو مع التجرّد عن القرينة الصارفة عنها ، أمّا معها فلا ، كما لا يخفى على مَنْ له في الصناعة أدنى خَلَاق.

هذا ، ويمكن أنْ يقال : إنّ مناط التخيير هو التقيّة وعدمها ، فلا ينافي الوجوب ، إلّا إنّه بعيد من حاقّ اللفظ وسياقه ، وخلاف المتبادر من وضعه وإطلاقه.

وأمّا تفصيلاً : فأمّا عن خبر سُليم بن قيس :

فأمّا على نسخة الإلزام فأوّلاً : بما مرّ من الكلام.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٩ ، الإستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ ، الوسائل ٦ : ٦١ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١٢ ، ح ٢.

٣٧٣

وثانياً : أنّ سياق كلامه عليه‌السلام المشتمل على تظلّماته من أُولئك الولاة الطغاة الطغام أنّ إلزامه عليه‌السلام بالجهر لا للوجوب ، بل للردّ على مَنْ سبقه من أعداء علّام الغيوب ، حيث أظهروا أنّه غير جائز ولا مشروع ، ولتنبيه مَنْ رسا (١) في قلبه ذلك الأمر المبدوع ، فأراد عليه‌السلام إظهار هذه السنّة الحميدة ، وأنّها من آكد السنن الأكيدة. ولا يلزم من الإلزام بها الوجوب ؛ لوقوع الإلزام بالمندوب ، فإنّ والي المسلمين إذا رآهم مكبّين على هجر السنن المحمّديّة ، ومعرضين عن الإتيان بها بالكلّيّة ، ولا سيّما السنن التي هي من شعار الإيمان ، جبرهم على الإتيان بها ، كما ورد مثل ذلك في زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأذان ، فإنّ المشهور بين الأصحاب إيجاب جبر الوالي على الزيارة مع قولهم بالاستحباب ، وعن علّامة ( المنتهي ) : ( إنّ الإجماع واقع على مقاتلة أهل المصر المجمعين على ترك الأذان ). ونَقلَ الإجماع عليه أيضاً بعض الأصحاب ، مع قوله وقول جلّ الفرقة بعدم الإيجاب.

وثالثاً : بحمل إلزامه عليه‌السلام على الإلزام بمطلق الجهر بها ، فيجهرون بها على وجه الوجوب في القراءة الجهريّة ، وعلى وجه الاستحباب في القراءة السريّة.

ورابعاً : بحمل الإلزام بالجهر بها على كونه كناية عن مطلق الإتيان بالبسملة ، في مقابلة مَنْ يحذفها من المخالفين للفرقة المفضّلة ، لكون الجهر أفضل الفردين الدالّين على التلفّظ بها ، فيلزم من الإتيان بها في الجهريّة الجهر بها من حيث التبعيّة ، ويستفاد الجهر بها في الإخفاتيّة من الأدلّة الخارجيّة.

وأمّا على نسخ : « ولأمرت » ، كما هو الأكثر ؛ فلأنّ الأمر وإنْ كان الأشهر فيه اختصاصه بالطلب الحتمي ، وفرّعوا عليه خروج المندوب عن الأمر ، إلّا إنّ الحقّ فيه كونه حقيقةً في مطلق الطلب ، الشامل للدعاء والالتماس ، الذي هو طلب المساوي.

ودعوى تبادر الطلب الحتمي منه ممنوعة ، وبعد تسليمها فهي بحمل التبادر على الإطلاقي دون الوضعي مدفوعةً.

__________________

(١) رَسَا : ثَبَتَ. لسان العرب ٥ : ٢١٦ رسا.

٣٧٤

واستعمالها في الأحاديث المذكورة للوجوب لا يستلزم كونها كذلك في كلّ موضع مطلوب ، إذ الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، كما لا يخفى على ذوي القلوب ، مضافاً لشيوع تعلّق الأمر بالأعمّ في كثير من المواضع ، في كلام الشارع والصادع ، قال تعالى ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) (١) وقال تعالى ( أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ) (٢) وقال تعالى حكاية عن قول فرعون لقومه ( فَما ذا تَأْمُرُونَ ) (٣) وقال تعالى ( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ ) (٤).

والتقريب في هذه الآيات :

أمّا في الآيتين الأُوليين ؛ فلأنّ المراد بالمعروف هنا كلّ فعلٍ يحسّنه الشرع والعقل ، سواء كان واجباً أو مندوباً ، كما أنّ البرَّ أيضاً اسم جامعٌ للخير كلّه ، مع أنّه تعالى أمر الناس في الآية الأُولى بأنْ يأمر بعضهم بعضاً بفعل المعروف ، ولا شكّ في صدق الامتثال بفعل المستحبّات ، كما أنّ الإنكار في الآية الثانية يترتّب على مَنْ أمر غيره بفعل المستحبّ ، مع أنّه لا يفعله ولو في بعض الأوقات.

وأمّا في الآية الثالثة ؛ فلأنّ سَوْق الآية القرآنيّة ومقتضى الحكمة الربّانيّة ، وكلام المفسّرين من الإماميّة ، ومدقّقي العربية ، يقتضي تعلّق الفعل بضمير المتكلّم ، لا الجنود والفرق العسكريّة ، ومن البعيد صدور الإلزام على المَلِكِ المطاع من الرعيّة ، خصوصاً من يُدّعى فيه الربوبيّة.

والتقريب في الآية الرابعة يظهر من التقريب في الأُولى ، لذِي الرواية.

والكلام في المسألة طويل الذيل ، موكول إلى الكتب الأُصوليّة ، وعلى اختصاص الأمر بالواجب ، فالجواب عنه كما مرّ بالسويّة.

وأمّا عن خبر الأعمش :

فأوّلاً بضعف سنده عن مقاومة ما مرّ من الأخبار والإجماعات.

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٢) البقرة : ٤٤.

(٣) الشعراء : ٣٥.

(٤) النساء : ١١٤.

٣٧٥

وثانياً بحمله على الوجوب التخييري ، الراجع إلى كونه أفضل الفردين ، أو على المعنى اللغوي أو تأكّد الاستحباب ، كما سمعته في سابقه ، فيزول الارتياب من البين.

وأمّا عن مرسل ( الأزهار ) فبحمله على مَنْ ينكره بالكلّيّة من الأشرار ، فيفيد النهي عن الاقتداء بمخالفي الأئمّة الأبرار ، ولهذا قرنه بما هو من ضروريّات مذهب أُولئك الأخيار. وقد تقدّم أنّ منكره بالكلّيّة خارج عن رِبْقَةِ (١) الفرقة المحقّة الإماميّة ، فيخرج عن محلّ النزاع ، وينكشف القناع.

وأمّا عن صحيحَيْ زرارة : فأوّلاً بأنّ المراد بـ ( ينبغي ) هنا الوجوب خاصّة ، لا مطلق الرجحان ، وكثرة استعمالها فيه لا ينافي حملها على الوجوب بدليل آخر في هذا المكان.

وثانياً بأنّ مقتضى الأدلّة في البسملة خصوص الاستحباب ، لا القدر المشترك ، فتخرج المسألة حينئذٍ عن ذلك العنوان.

وثالثاً بلزوم تمشية الحكم المذكور إلى كلّ ما يترجّح فيه الجهر كالقنوت ، والإقامة ، والأذان ، ولا قائل به من الأعيان ، واللازم باطلٌ ، فالملزوم مثله في البطلان ، ووجه الملازمة غنيّ عن البيان.

ورابعاً بانصراف ظاهرهما إلى خصوص القراءة الواجبة في الأُوليات ، لأنّها الفرد الشائع المنصرف إليه الإطلاق ، المتبادر من السياق ، لا كلّ ما يجهر فيه أو يخفى حيث كان.

وأمّا عمّا نقله ابن أبي عقيل من نفي التقيّة :

فأوّلاً بعدم الملازمة العرفيّة فضلاً عن العقليّة أو الشرعيّة بين الوجوب وعدم التقيّة ، إذ من القريب كون النفي من الأُمور التعبّديّة والأحكام الخارجيّة ، لا صفة تابعة لذات اللابديّة ، وحكماً ناشئاً من اللوازم الوجوبيّة ، كما لا يخفى على من أعمل عامل

__________________

(١) الرِّبْقة في الأصل : عُروة في حَبْلٍ تُجعل في عُنق البهيمة أو يدها تُمسكها ، فاستعارها للإسلام ، يعني ما يَشدّ المسلم به نفسه من عُرى الإسلام ، أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. لسان العرب ٥ : ١٢٣ ربق.

٣٧٦

الرواية ، وألغى عوامل العصبيّة.

وثانياً بقصوره عن درجة الحكومة أو المعارضة لأدلّة التقيّة العقليّة والنقليّة ، ولا ينافي نقله التواتر لأنّه بالنسبة إلينا آحاد ، إذ لم نعثر على ما يوافقه سوى مرسل ( البحار ) عن ( دعائم الإسلام ) ، المشتمل على خلاف ما أجمع عليه في النصوص ، وفتاوى علمائنا الأبرار من تخصيص الجهر بالبسملة بأوّل الصلاة التي يجب فيها الإجهار ، وقد مرّ نقله ، وسيأتي تمامُ الكلام عليه إن شاء الله في الخاتمة ، رزقنا الله حُسنها بمحمّد وآله الأطهار.

الجواب عن إجماع الأمالي

والجواب عن الثاني : أوّلاً بعدم ظهور كلام الصدوق قدس‌سره في دعوى الإجماع الحاسم لمادّة النزاع ، إذ قصارى الأمر ذكر الحكم في المجلس المعقود لوصف دين الإماميّة كما سمعت ؛ فلا يفيد إلّا انحصار القول بالوجوب في علمائهم ، دون سائر الفرق الغويّة ، لإطباقهم على عدم وجوبه وإنْ قال بعضهم باستحبابه ، فيصدق بقول بعضهم فضلاً عن أكثرهم.

ثانياً بمنع حصول الإجماع الكاشف عن قول الحجّة ، الذي هو مدار الحجيّة عند الإماميّة ، لأنّ مرجعه في الحقيقة إلى نقل سبب العلم الكاشف فقط ، من دون انضمام المعلوم المنكشف إليه ، إذ من البعيد الغريب استناده في نسبة الوجوب للإماميّة إلى السماع من الإمام عليه‌السلام ، مع عدم معرفته بعينه ؛ لانضمامه لجماعة لا تعرف أعيانهم ، كما أنّ من القريب استناده فيه إلى أمر حدسي لا يستلزم المطابقة لقوله عليه‌السلام بالنسبة إلينا وإن استلزمها بالنسبة إليه ، ولا بدع في ذلك لاستناد كثيرٍ من قدماء الفقهاء في الكشف عن قول الحجّة إلى الحدس النظري بواسطة النظر إلى أصل مقرّرٍ أو رواية

٣٧٧

خبر معتبر ، كما ادّعى السيّد (١) والمفيد (٢) إجماع الإماميّة على جواز إزالة النجاسة بسائر المائعات ؛ نظراً لإجماعهم على العمل بالأصل ما لم يثبت الناقل ، أو على وجود الرواية عنهم بذلك ، كما اعتذر به المحقّق (٣) للمفيد هنالك ، وكما ادّعى المفيد إجماع الإماميّة على أنّ المطلّقة ثلاثاً في مجلس واحدٍ تقع بها واحدة ؛ لإجماعهم على أنّ ما خالف الكتاب والسنّة فهو باطل ، مشيراً بالكتاب إلى قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (٤) ، وإلى السنّة بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ ما لم يكن على أمرنا فهو ردّ » (٥) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما وافق الكتاب فخذوه » (٦). وكما ادّعى الشيخ رحمه‌الله (٧) إجماع الفرقة على سقوط القَوَد ، وأخذ الدية من بيت المال لو بانَ بعد القتل فسق الشاهدين به ، لروايتهم : « إنّ ما أخطأت القضاة ففي بيت مال المسلمين » (٨).

وعلى استخراج السابق بالقرعة لو تعذّرت الشهود في مَنْ أعتقه المريض ، واختلفوا في التعيين ولم يفِ الثلث بالجميع ؛ نظراً إلى أنّ القرعة لكلّ أمر مجهول.

ومثله كثير يظهر للمتتبّع البصير ، وستسمع إنْ شاء الله تعالى شطراً منه في البحث مع ابن إدريس ، ولا ينبّئك مثل خبير.

وقد تقرّر في محلّه أنّ الإجماع الحجّة هو الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم ، المراد منه نقل الكاشف والمنكشف معاً ، فيسمّى المجموع إجماعاً مسامحةً وتجوّزاً ؛ لخروجه عن حدّ الإجماع الحقيقي ، المستدلّ على حجّيته في الأُصول ، ولا يلزم من المناقشة في عدم الكشف هنا المناقشة في إجماع الاستحباب ؛

__________________

(١) عنه في المعتبر ١ : ٨٢ ، الرسائل التسع : ٢١١.

(٢) عنه في المعتبر ١ : ٨٢ ، الرسائل التسع : ٢١١.

(٣) الرسائل التسع : ٢١٦.

(٤) البقرة : ٢٢٩.

(٥) مثله في غوالي اللئلئ ١ : ٣٨٣ / ١٠ ، مستدرك الوسائل ١٧ : ٣١٠ ٣١١ ، كتاب القضاء ، ب ١٠ ، ح ١٤. وقريب منه في غوالي اللئلئ ١ : ٢٤٠ / ١٦٠ ، مستدرك الوسائل ١٨ : ١٨٦ ، كتاب الحدود والتعزيرات ، ب ٨ ، ح ٤٥.

(٦) الكافي ١ : ٦٩ / ١ ، الوسائل ٢٧ : ١٠٩ ـ ١١٠ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ١٠.

(٧) الخلاف ٦ : ٢٨٩ ـ ٢٩٠ / مسألة ٣٦.

(٨) الكافي ٧ : ٣٥٤ / ٣ ، التهذيب ١٠ : ٢٠٣ / ٨٠١ ، الوسائل ٢٩ : ١٤٧ ، أبواب دعوى القتل ، ب ٧ ، ح ١ ، بتفاوتٍ في الجميع.

٣٧٨

لاختلاف ذلك باختلاف الموارد والأحوال والأسباب ، فتأمّل ، والله العالم بالصواب.

وثالثاً بقيام القرائن الكثيرة على إرادة خلاف ظاهره ؛ لحكاية بعض محقّقي الأصحاب كالشهيد (١) ، وغيره تصريحه بالاستحباب ، وغلبة تعبير القدماء بالألفاظ الباقية على معانيها اللغويّة ، كما هو كذلك في لسان الأئمّة الأطياب ، ولذا عبّر الصدوق قدس‌سره في ( العلل ) عن استحباب قضاء النافلة بالوجوب ، حيث قال : ( باب العلّة التي [ من أجلها لا (٢) ] يجب قضاء النوافل على من تركها بمرض ) ، ثم أورد خبر محمّد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، وفيه : « .. إنّها ليست بفريضة ، إنْ قضاها فهو خير له ، وإنْ لم يفعل فلا شي‌ء عليه » ، وخبر إسماعيل بن جابر ، عن الصادق عليه‌السلام ، وفيه « .. ليس عليك قضاء ، إنّ المريض ليس كالصحيح » (٣).

والتقريب فيه ظاهر ، حيث عبَّر عن استحباب قضاء النوافل بوجوب قضائها ، كما وجدناه في نسخ ( العلل ) ، حتّى إنّ بعض المحشّين عليه فسّر مراده قدس‌سره من الوجوب بالاستحباب المؤكّد ، فيصير قرينةً على إرادته هنا من الوجوب ، ولبعد جهل الصدوق قدس‌سره بما علم من عدم إجماع الإماميّة على الإيجاب.

اللهم إلّا أنْ يقال : إنّ غاية المعلوم من مذهبهم كون الجهر من شعارهم فقط ، أمّا الندب فلا.

ويرد عليه : النقض بعدم معلوميّة الإيجاب ، فترجيحه على الاستحباب الظاهر الراجح خلاف الصواب. وحينئذٍ فلا مناص عن حمله على الوجوب بالمعنى اللغوي الأوّلى ، دون المعنى الشرعي الثانوي ، في مقابلة مَنْ ينفيه من أهل المذهب الغوي ، أو على تأكّد الاستحباب ؛ لغلبة التعبير عنه بالوجوب في لسان قدماء الأصحاب ، أو على الوجوب التخييري ؛ للزوم القراءة لأحد الوصفين ، واجتماع الاستحباب الخصوصي مع الوجوب التخييري ، فيؤوّل كلامه حينئذٍ إلى كون

__________________

(١) الذكرى : ١٩١.

(٢) من المصدر.

(٣) علل الشرائع ٢ : ٦٠ / ١ ، ٢.

٣٧٩

الجهر أفضل الفردين الواجبين ، ولهذا حمل شهيد ( الذكرى ) (١) عبارات الموجبين على هذا المعنى المستبين ، وحمله بعض المحقّقين على الجهر في الأُوليين.

وفيه : أنّ المعلوم من كلمات السادة الميامين ، وعبارات أصحابهم المتقدّمين ، هو اتّحاد الأُوليين والأخيرتين بالنسبة إلى البسملة في الوجوب والندب ، في الإيجاب والسلب الكلّيّين.

وأمّا الفرق بينهما بالجزئيّين فلم يظهر إلّا من بعض المتأخّرين ، كما يشهد به التتبّع الصادق من السالك الحاذق.

الجواب عن قاعدة الشغل

والجواب عن الثالث : أوّلاً بانقطاع الشغل بالإطلاقات المتكاثرة ، بل العمومات المتضافرة ، والشهرة المحقّقة من الفرقة المحقّة المحقِّقة ، فتوًى وروايةً وعملاً ، قديماً وحديثاً ، على وجه يبرئ الذمّة يقيناً ، كما هو مقتضى قولهم الزاهر : « خذ ما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر » (٢) ، مضافاً إلى الإجماعات الكثيرة المنقولة إنْ لم تكن محصّلةً ، بل لا يبعد تحصيل الإجماع من الأشراف على ما هو الحقّ من طرق الانكشاف.

وثانياً بما قيل من أنّ مقتضاها حينئذٍ ليس مجرّد التزام الجهر ؛ للدوران بين الشرطيّة والمانعيّة ، فلازمها حينئذ ؛ إمّا التكرار للصلاة ، أو للبسملة خاصّة ، أو اختيار التسبيح على بعض الوجوه ، أو التخيير على الوجه الآخر ، كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.

وفيه : أنّ مبناه على الاعتداد بالقول بالتحريم ، وقوّة الشبهة في طرف التلزيم ، والاحتياط إنّما يتبع الشبهة قوّةً وضعفاً ، ولا ريب مع قطع النظر عن قوّة دليل الاستحباب ، وقصره على النسبة بين التحريم والتلزيم في قوّة الوجوب دون التحريم.

__________________

(١) الذكرى : ١٩١.

(٢) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩.

٣٨٠