الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

الزمن الحديث السواد الأغلب ، وصار هو المعوّل عليه عندهم ، والشائع في المذهب. أو إنّ هذا القول إنّما حدث بعد صدور تلك الأخبار ، وأنّهم خذلهم الله تعالى حال الصدور أو قبله لا يجهرون أصلاً في جميع الأمصار ، كما يومي إليه خبر الهلالي وغيره من الآثار. أو إنّ معنى كون الجهر بها من شعار الشيعة أنّ كلّ شيعي يجهر بها لا العكس ، فالتشيّع لازم للجهر ، لا أن المجهر لازم للتشيّع ، فحينئذٍ لا ينافي الشعار وجود من يجهر بها من بعض الأشرار ، كما لو قال بعضهم بعدم جواز المسح على الخفّين ، أو بحلِّ المتعتين ، مع أنهما من ضروريّات مذهبنا من غير مَيْنٍ (١).

وربّما يجاب أيضاً بأنّ الجهر الذي هو من علامات الإيمان هو الجهر بعنوان الوجوب ، لا مجرّد الجواز أو الاستحباب ، أو الجهر بها حيث كانت من مواضع التسمية لا في خصوص الصلوات ، بل في جميع ما ورد فيه البسملة وجوباً أو ندباً من سائر الحالات.

إلّا إنّ الأوّل خلاف المشهور بين أصحابنا الثقات ، والثاني وإنْ ساعده ظاهر الإطلاقات إلّا أنّ خبر ( مختصر البصائر ) و ( الهداية الحضينية ) مقيّد لجهرهم بها في الصلاة فيكون مقيّداً لها بمقتضى القاعدة ، فتأمّل ، والله العالم العاصم.

الدليل الثاني : الإجماع منقولاً (٢) كما مرّ ، ومحصّلاً من تتبّع كلمات علمائنا الأكابر على رجحان الجهر بالبسملة في الركعات الأواخر ممّا عدا الحلّي في ( السرائر ) (٣) ، وإنْ وقع الخلاف في كونه على وجه الاستحباب كالمشهور (٤) ، أو الإيجاب كبعض الأصحاب.

ويؤيّده : ظهور حكاية الإجماع على استحباب هذا الإجهار ممّا سمعت من ظاهر ( مجمع البيان ) (٥) ، و ( المعتبر ) (٦) ، و ( التذكرة ) (٧) ، و ( الذكرى ) (٨) ، و ( كنز

__________________

(١) المَيْنُ : الكذب. لسان العرب ١٣ : ٢٣٦ مين.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٨٥.

(٣) السرائر : ٢١٨.

(٤) الجواهر ٩ : ٣٨٥.

(٥) مجمع البيان ١ : ١٩.

(٦) المعتبر ٢ : ١٨٠.

(٧) التذكرة ٣ : ١٥٢ مسألة / ٢٣٧.

(٨) الذكرى : ١٩١.

٣٠١

العرفان ) (١).

ولذا قال في ( الجواهر ) في ردّه قول الحلبي ببعض ما مرّ من العبائر : ( فصحّ تفرّده به ، وإنّ الإجماع قد سبقه ولحقه ) (٢). انتهى.

وهو قويٌّ متينٌ ؛ بناءً على إطلاق الإجماع على ما كشف عن الدليل ، الذي هو قول المعصوم الجليل ، وإنْ لم يكن بالمعنى الحقيقي المصطلح عليه بين جميع الأُصوليّين ؛ فإنّ المقرّر في فنّه : إنّ هذا الاتّفاق كالمصطلح عليه في الحجّيّة ، وإنْ خرج عنه بحسب الموضوعيّة ، قصاراه التجوّز في إطلاق الإجماعيّة ، ولا ضير فيه مع قيام القرينة القويّة. بل صرح كثيرٌ بأنّ الإجماع عند الإماميّة هو هذا المعنى ، وأمّا اتّفاق الكلِّ فهو اصطلاح العامّة العميّة ، فإنّ مدار الحجيّة ومنار الحقيّة عند الإماميّة العدليّة ليس إلّا الكشف عن قول الحجّة ، أو فعله ، أو تقريره ، التي بكلٍّ منها تتّضح المحجّة ، فلا يجدي كثرة القائلين مع عدم الاستناد إلى دليلٍ مبينٍ ، والبناء على أصلٍ متينٍ ، والرجوع إلى ركنٍ مكينٍ ، بل يتحقّق في المسألة التي يتحقّق فيها الخلاف حال تحقّق ذلك الانكشاف بالدلالة المطابقيّة ، أو التضمنيّة ، أو الالتزاميّة ، عقليّة أو عاديّة.

فإنْ قيل : هذا ينافي ما قرّرتموه من منع الإجماع في موضع النزاع.

قلنا : هذا ليس على إطلاقه ، بل هو مقيّد بما إذا كان الجانب المخالف قويّاً ؛ لقوّة دليله ، ووضوح سبيله ، وكثرة القائلين المعتبرين به.

أمّا إذا لم يكن كذلك كما نحن فيه فلا ؛ فإنّ مجرّد خلاف الواحد والاثنين والثلاثة لا يقدح في تحقّق الإجماع ، سيّما إذا كانوا معروفي النسب والمستند ، كما لا يخفى على ذي اطّلاع.

والحكم بتحقّقه في مسألة خاصّة لا يستلزم تحقّقه مطلقاً ، وبالعكس ؛ لدورانه في الحجيّة مدار الكشف وجوداً وعدماً ، لا مدار الكثرة والاتّساع.

ولنعم ما قاله سيّد المحقّقين وسند المدقّقين بحر العلوم السيّد المهدي الطباطبائي

__________________

(١) كنز العرفان ١ : ١٣٠.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٨٦ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.

٣٠٢

المرحوم : ( وطريق العلم بالإجماع تتبّع الفتوى والعمل ، والنقل المتواتر ، والمحفوف بقرائن العلم ، وتصفّح الأخبار والآثار ، وكثرة المزاولة ، وطول المراجعة ، وتواتر الخلف عن السلف ، وتناول الأثر يداً بيد ، وحصول التسامع والتضافر بالتدريج ) (١).

ولا يخفى على مَنْ نظر بعين الإنصات والإنصاف ، وتنكّب طريق الاعتساف ، تحقّق هذا الطريق في ما ندعيه بأوضح طريق ، إذ وقع الاتّفاق على الجهر في الزمن السابق ، ولم يُنقل الخلاف في الزمن اللاحق إلّا عن ابن إدريس ، مع العلم بأنّ مستنده غير مطابق ، فلا يخلّ بالإجماع ، كما لا يخفى على متتبّعٍ حاذقٍ.

ولا تزال تسمعهم يقولون : ولا عبرة بخلاف فلانٍ وفلانٍ وفلانٍ ؛ لمعروفيّة نسبهم ، وسبق الإجماع عليهم ، وتأخّره عنهم ، كما وقع لهم في دعوى الإجماع على وجوب الإخفات بالتسبيح في الأخيرتين ولم يعتبروا بخلاف ابن إدريس ، قالوا : لسبق الإجماع عليه ، وتأخّره عنه (٢).

وليت شعري ما الفارق بين الخلافين؟ مع اعتضاد هذه الدعوى بوفاق ابن الجنيد (٣) ، والشيخ (٤) ، والسيّد المرتضى (٥) ، فلينظر الناقد البصير ، ولا ينبّئك مثل خبير.

فإنْ قيل : إن عبارة ( الذكرى ) (٦) ، و ( التذكرة ) (٧) ، و ( المعتبر ) (٨) ، و ( مجمع البيان ) (٩) من قبيل حكاية الإجماع التقييدي ، الذي لا يعلم منه إرادة الإمام ، فلا يكون دليلاً في المقام.

قلتُ : أما على ما استظهره البعض من أنّ سيرة الفقهاء الثقات عدم فرقهم في بيان الإجماعات من تلك العبارات ، فظاهرٌ لذي التفات ، وأمّا على ما حقّقه بعض المحقّقين من مشايخنا المعاصرين ؛ فلأنّ ظاهرهم أنّهم إنّما يريدون بالفرق بين تلك

__________________

(١) مفاتيح الأُصول : ٤٩٥.

(٢) الجواهر ٩ : ٣٨٦. بالمعنى.

(٣) عنه في المختلف ٢ : ١٥٥ ، فتاوى ابن الجنيد : ٥٦.

(٤) الخلاف ١ : ٣٣١ ٣٣٢.

(٥) رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٤٠.

(٦) الذكرى : ١٩١.

(٧) التذكرة ٣ : ١٥٢ / مسألة ٢٣٧.

(٨) المعتبر ٢ : ١٨٠.

(٩) مجمع البيان ١ : ١٩.

٣٠٣

العبارات عدم دلالة بعضها كما نحن فيه على الإجماع الحقيقي الاصطلاحي ، لا نفي الحجيّة في نفي هذا الاتّفاق الكاشف أصلاً ، ولا نفي كونه إجماعاً باعتبار الكشف المنقول ولو مجازاً ، على أنّه إنّما يتمّ في الإجماع المنقول لا ما يدّعى من المحصّل الثابت الحصول ، إلّا إنّ في حجّيّة مثل هذا الاتّفاق كلاماً طويل الذيل ، مستمدّ السيل ، كما هو مبسوطٌ في فنّ الأُصول ، والله العالم الموفّق لنيل السؤل.

الدليل الثالث : الأخبار الكثيرة المتضافرة ، كما صرّح به ثاني الشهيدين في ( شرح النفليّة ) ، بل البالغة حدّ التواتر كما صرّح به بعض الفضلاء كـ ( الرياض ) (١) وغيره.

ويؤيّده : عمل السيّد المرتضى (٢) ، وابن البرّاج (٣) بها ، وحكمهم بموجبها ، مع ما علم من طريقهم من عدم عملهم بأخبار الآحاد الظنيّة ، وقَصْرِهم العمل على السنّة المتواترة القطعيّة.

ويزيده تأييداً : أنّ المعتبر في التواتر عند الإماميّة هو حصول العلم بصحّة النقل ، وأمّا العدد فغير معتبرٍ عندهم بالكلّيّة ، كما صرّح به المازندراني (٤) وغيره من محقّقي الإماميّة ، مضافاً إلى ما صرّح به غير واحدٍ من المحقّقين ، كالسيّد المرتضى (٥) ، والشيخ الطوسي (٦) ، والمحقّق الثالث في بحث الإجازة من ( المعالم ) ، وصاحب ( الرواشح السماويّة ) (٧) المعروف بثالث المعلّمين المحقّق العماد السيّد محمّد باقر الداماد ، والشيخ حسين بن شهاب الدين ، والورعين المجلسيّين ، والسيّد عبد الله الشوشتري ، وغيرهم من المحدّثين والمجتهدين ، بأنّ أخبارنا المعمول بها عندنا ؛ أمّا متواترة ، أو كالمتواترة في إفادة العلم واليقين ، على أنّه إنْ لم يحصل اللفظي فلا أقلّ من المعنوي.

__________________

(١) رياض المسائل ٢ : ٣٠٧.

(٢) رسائل المرتضى ( المجموعة الثالثة ) : ٤٠.

(٣) المهذّب ١ : ٩٧.

(٤) شرح أُصول الكافي ( المازندراني ) ٢ : ٢٦٧ ، وفيه : ( يشترط في التواتر كثرة الناقل في جميع المراتب ).

(٥) رسائل المرتضى ( المجموعة الأُولى ) ١ : ٢٦.

(٦) الاستبصار ١ : ٣ ـ ٥.

(٧) الرواشح السماويّة : ٤٠ ٤٢.

٣٠٤

قال بعض المحقّقين : ( والقول بأنّ الأصول الأربعة مستندةٌ إلى ثلاثة والتواتر لا يحصل بقولهم مدفوعٌ بأنّ العدد غير معتبرٍ في التواتر ، بل المعتبر هو حصول العلم بصحّة النقل. ولا يخفى على المنصف أنّ هؤلاء الثلاثة إذا اتّفقت دلالة رواياتهم مع اختلاف المتون ، أو اتّفقت المتون مع اختلاف السند ، يحصل العلم بالتواتر ؛ إمّا لفظاً أو معنى ، سيّما إذا صرّحوا بأنّ ما ذكروه مأخوذٌ من عدّة كتب من الأُصول المدوّنة في الأحاديث ؛ لأنّ العادة قاضيةٌ بأنّ هؤلاء مع كمال ورعهم ، وشدّة اهتمامهم في الدين ، وتقدّمهم على الفئة الناجية لا يكذبون في ذلك ، ولا يفترون على الله كذباً ). انتهى كلامه ، علت في فراديس الجنان أقدامه. وهو حقٌّ مبينٌ ، قويٌّ متينٌ ، وجوهرٌ ثمينٌ.

إذا تقرّر هذا ، فالذي عثرنا عليه من الأحاديث الصالحة للانتظام في سلك الاستدلال ، والسبق في حَلْبَةِ هذا المجال ، ممّا ينوف على عشرين حديثاً واردة عن الآل ، إلّا إنّها على أنحاء وأحوال ، تظهر للناظر فيها ، ولما نوشّحها به من الكلام بعين التأمّل التامّ.

وها نحن نتلوها عليك مشفوعةً بما يكشف عنها حجاب الإبهام ، ويميط حجال الإيهام :

١ ـ فمنها : ما رواه شيخ الطائفة في ( التهذيب ) ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران ، عن صفوان بن مهران ، قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً ، وكان يقرأ في فاتحة الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأخفى ما سوى ذلك ) (١).

ورواه في ( الاستبصار ) أيضاً ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد (٢) .. إلى آخره.

أقول : لا يخفى على ذي بالٍ صحّة هذا الحديث بلا إشكال ، كما يظهر من كتب

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٦.

(٢) الاستبصار ١ : ٣١٠ / ١١٥٤.

٣٠٥

علم الرجال ، إذ ليس في سنده مَنْ يتوقّف في حاله ، إذ كلّهم إماميّون ممدوحون بالتوثيق ، كما لا يخفى على مَنْ شرب بكأس رحيق التوفيق.

إلّا إنّه بطريق ( الاستبصار ) قد اختلف فيه علماؤنا الأبرار ، فمنهم من عدّه في الحسن ؛ لاشتماله على الحسين بن الحسن ، ومنهم من عدّه في الصحيح ، ولعلّه هو الصحيح.

وقد صحّح العلّامة وابن داود طرقاً كثيرةً هو فيها ، كما نقله عنهما الشيخ ياسين في ( معين النبيه ) ، والمحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح في ( منظومة الرجال ) ، وصرّحا بعدِّ حديثه في الصحيح.

وكيف كان ، فالخلاف هنا قليل الجدوى ؛ لاتّفاقهم على قبول حديثه والعمل به ؛ لكونه من مشايخ الإجازة.

وقد نطق هذا الصحيح بلسان البيان الصريح بأنّه عليه‌السلام كان يداوم على الجهر بها في جميع الصلوات ، قضاءً لصيغة ( كان ) المشعرة بالدوام.

ودلّ قوله : ( فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة ) .. إلى آخره ، على أنّه يجهر بها إذا قرأ الأخيرتين ، لتعميمه الجهر بها في الصلاة غير الجهريّة ، وهو شاملٌ للأخيرتين.

وهذا الصحيح وإنْ دلّ بظاهره على عدم قراءة السورة ، إلّا إنّ خبر صفوان المرويّ في ( الكافي ) (١) دلّ على قراءتها ؛ لقوله فيه : ( وكان يجهر في السورتين جميعاً ).

ثمّ لا يخفى على ذي ثبات ما فيه من عدم الدلالة على الاختصاص بالأُوليين بإحدى الدلالات ، إذ قصارى ما دلّ عليه الصدْرُ أنّه يقرأ في فاتحة الكتاب بالبسملة ، والعجزُ على أنّه يجهر بالبسملة في الصلاة الإخفاتيّة ، ويخفي ما سواها من أجزاء الفاتحة.

وكلاهما لا يدلّ على الاختصاص ، بل دلالتهما على العموم ظاهرة ، ولات حين مناص ؛ لأنّه عليه‌السلام ؛ إمّا أن يكون في الأخيرتين قارئاً ، أو مسبّحاً.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠ ، بتفاوت.

٣٠٦

فعلى الأوّل يثبت المطلوب ، إذ قد دلّ الصدر على أنّ الراوي أخبر عن الإمام عليه‌السلام أنّه يقرأ في فاتحة الكتاب البسملة ولا يحذفها ، ولو لم يجهر بها لم يعلم أنّه يحذفها أو يقرأها ، والعجز على جهرة بها في ما لا يجهر فيه بالقراءة ، من غير تقييدٍ في الموضعين بالأُوليين.

وعلى الثاني لا دلالة فيه على أحد الدعويين ، وهذا بحمد الله واضح المنار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

٢ ـ ومنها : ما رواه ثقة الإسلام في ( الكافي ) عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن صفوان الجمّال ، قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام أيّاماً ، وكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ، فإذا كانت صلاةٌ لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وكان يجهر في السورتين جميعاً ) (١).

أقول : إنّما جعلنا هذا خبراً على حدة مع احتمال اتّحاده مع الصحيح السابق احتمالاً قريباً ؛ اقتفاءً لأثر العلماء الأعلام الأبدال حيث جعلوه خبراً بالاستقلال.

وقد عدّه بعض الفضلاء (٢) من قسم الضعيف بالقاسم بن محمّد الجوهري ، وهو وإن كان واقفيّاً إلّا إنّ ابن داود وثّقه (٣).

وكيف كان ، فوقفه لا يوجب عدّ حديثه في الضعيف مع ثبوت توثيق ابن داود له.

وربّما توهم أنّه الأصفهاني المعروف بكاسولا ، وليس كذلك ؛ لأنّ رواية الحسين بن سعيد عنه قرينة على أنّه الجوهري ، إلّا إنّ في الاكتفاء بتوثيق ابن داود له نظراً ظاهراً :

أمّا أوّلاً ؛ فلانفراده به دون غيره من الأوائل والأواخر.

وأما ثانياً ؛ فلبنائه في ذلك على التعدّد لذكر الشيخ رحمه‌الله له في رجاله مرّةً في أصحاب

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٥ / ٢٠ ، وليس فيه : ( وكان يقرأ في فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم ).

(٢) مرآة العقول ١٥ : ١١٢.

(٣) كتاب الرجال ( ابن داود ) : ١٥٤.

٣٠٧

الكاظم عليه‌السلام (١) ومرّة في باب : من لم يروِ عنهم عليهم‌السلام (٢) ، وهو لا يدلّ على التعدّد ، لأنّه رحمه‌الله كثيراً ما يذكر الرجل مرّتين أو أكثر لبعض الاعتبارات ولو باختلاف أوصافه وأحواله ، كما لا يخفى على مَنْ راجع فهرسته وكتاب رجاله.

وكيف كان ، فالتقريب فيه كالأوّل.

٣ ـ ومنها : ما رواه رئيس المحدّثين محمّد بن علي الصدوق في ( العيون ) بسنده المتّصل إلى تميم بن عبد الله القرشي ، قال : ( حدّثني أبي ، عن أحمد بن علي الأنصاري ، قال : سمعت رجاء بن أبي الضحّاك يقول : بعثني المأمون في إشخاص علي بن موسى الرضا عليه‌السلام من المدينة .. ) ، ثمّ حكى جملةً وافرة من أحواله الطاهرة ، وعبادته الوافرة ، إلى أنْ قال : ( وكان عليه‌السلام يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع صلاته بالليل والنهار ) (٣).

أقول : لا يخفى على ذي فكر نقّاد وفهمٍ وقّاد ما في هذا الخبر الشريف من الدلالة على عموم جهره عليه‌السلام بها في حال الائتمام والانفراد ، إلّا إنّه مختصٌّ بالأُوليين ؛ لأنّه عليه‌السلام لا يقرأ في الأخيرتين ، بل كان عمله التسبيح ؛ لقوله فيه : ( وكان يسبّح في الأُخراوين ، يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاث مرّات ).

وفيه دلالةٌ على أنّه عليه‌السلام كان يجهر بالتسبيح ، كما لا يخفى على ذي فكر صحيح ، إلّا أنْ يُلتزم بعدم المنافاة بين الإخفات وسماع الغير ، كما مرّ فيه الكلام ، وأنّه غير رجيح.

وحينئذٍ ، لا دلالة فيه على أحد الدعويين ، وإنّما الغرض من ذكره الردّ على ابن الجنيد (٤) ؛ لتخصيصه الجهر بالإمام.

بل ربّما يستفاد من قوله : ( وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) .. إلى آخره ، أنّه لو كان يقرأ في الأخيرتين لجهر فيها بها ، ويستفاد منه ومن أمثاله أنّ السبب في عدم

__________________

(١) رجال الشيخ الطوسي : ٣٥٨.

(٢) رجال الشيخ الطوسي : ٤٩٠.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ ١٨٣ / ٥.

(٤) عنه المختلف ٢ : ١٥٥.

٣٠٨

التصريح بحكم البسملة في الأُخريات إنّما هو ملازمتهم عليهم‌السلام للتسبيح في غالب الأوقات ، والله العالم.

قال بعض الفضلاء المتأخّرين : ( ورجاء بن أبي الضحّاك وإنْ لم يكن من رجالنا لكن لا يستطيع في هذه الأحوال والأقوال عن الرضا عليه‌السلام أنْ يقول الزور ، فإنّ الله ألجم الألسنة أنْ تلوّث أعراض أئمتنا عليهم‌السلام بنوعٍ من النقص والقصور ، في الغيبة والحضور ). انتهى كلامه ، علت في الخلد أقدامه.

ولا يخفى ما فيه ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه ، والله العالم بظاهر الأمر وخافيه.

٤ ـ ومنها : ما رواه شيخ الطائفة في كتابي الأخبار حسناً عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن حمّاد بن زيد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : ( صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد بني كاهل ، فجهر مرّتين ببسم الله الرحمن الرحيم ، وقنت في الفجر ، وسلم واحدة ممّا يلي القبلة ) (١).

أقول : مسجد بني كاهل من المساجد الممدوحة في الكوفة ، ويعرف أيضاً بمسجد أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ لأنّه يصلّي فيه.

وهذا الخبر يحتمل وجوهاً من التأويل :

منها : ما خطر بالبال العليل ، والفكر الكليل ، وهو أحسنها وأقربها من الدليل : أنّ قول الراوي ( فجهر وقنت وسلم ) إخبار عمّا فعله الإمام عليه‌السلام أوقات صلاته في ذلك المسجد من الأُمور المخالفة لأفعال العامّة العمياء ، فأخبر أنّه عليه‌السلام جهر بالبسملة مرّتين ، أي : في وقتين من أوقات صلاته في ذلك المسجد ؛ لعدم حضور أحدٍ من العامّة فيهما.

وحينئذٍ ، يتّجه الاستدلال به للمشهور ، حيث أخبر الراوي أنّ الإمام عليه‌السلام جهر بالبسملة في ذينك الوقتين من غير تقييد بالأُوليين.

__________________

(١) الإسراء : ١١٠.

٣٠٩

ويؤيّده : أنّ جمعاً ممّن استدلّوا به له يقتصرون على قول الراوي : ( فجهر مرّتين ببسم الله الرحمن الرحيم ) ويتركون آخره ؛ بناءً على أنّه أحد الأُمور التي شاهدها منه في تلك الأوقات.

٥ ـ ومنها : أنّ تلك الصلاة كانت ثنائيّة كما هو ظاهر الخبر ، بناءً على جعل الظرف قيّداً للقنوت والجهر ، إلّا إنّه عليه‌السلام ترك بسملة السورة في الركعتين تقيّةً كما هو مذهب بعض الشافعيّة ؛ بناءً على عموم التقيّة فيها ، أو أنّه عليه‌السلام ترك الجهر بالبسملة في السورة كما هو قول جلّ العامّة ، أو أنّه ترك السورة تقيّةً ؛ لكونه مذهب الشافعي وغيره من الجمهور ، أو أنّ الراوي كان مسبوقاً بركعةٍ ، أو أنّه لم يسمع جهر الإمام عليه‌السلام في إحدى الركعتين لكثرة الصفوف وبُعْده عنه ، إذ لا يجب على الإمام إسماع المؤمنين إذا كثروا ؛ لصحيح عبد الله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : على الإمام أنْ يُسْمع مَنْ خلفه وإنْ كثروا؟ قال : « ليقرأ قراءة وسطاً ، يقول الله تبارك وتعالى ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (١) » (٢).

كما حمل عليه الشيخ خبر مِسْمَع البصري ، قال : ( صلّيت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) (٣) ، ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد ، ولم يقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثمّ قام في الثانية ، فقرأ الحمد ولم يقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) ثمّ قام في الثانية ، فقرأ الحمد ولم يقرأ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ).

حيث قال : ( لا ينافي هذا الخبر ما قدّمناه من تأكيد الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ؛ لأنّه يتضمّن حكاية فعل ، ويجوز أنْ يكون مِسْمَع لم يسمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ؛ لبُعْدٍ كان بينه وبينه ) (٤). انتهى كلامه ، علت في الخلد أقدامه.

وكيف كان ، فالوجه الحسن في تقريب هذا الحسن هو ما قدّمناه أوّلاً.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٨ / ١١٥٥ ، الاستبصار ١ : ٣١١ / ١١٥٧.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٧.

(٣) الحمد : ١ ـ ٢.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٨٨ / ١١٥٤ ، الاستبصار ١ : ٣١١ ـ ٣١٢ / ١١٥٨.

٣١٠

ويؤيّده : استدلال جمعٍ من أفاضل المحقّقين ممّن أمن عثارهم في التحقيق ، ولم يشق غبارهم في التدقيق ، كالسيّد السند (١) ، وبهاء الملّة والدين (٢) ، وغيرهما بهذا الخبر المأثور على القول المشهور ، وإلى الله تصير الأُمور.

لكنّه إنّما يتمّ على ما اعتمدوه من الاقتصار على رواية ( التهذيب ) و ( الاستبصار ) ، ولكن قد رواه المجلسي في مزار ( البحار ) عن مؤلّف ( المزار الكبير ) ومزار الشهيد ، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي ، قال : ( صلّى بنا أبو عبد الله عليه‌السلام في مسجد بني كاهل الفجر ، فجهر في السورتين ، وقنت قبل الركوع ، وسلم واحدةً تجاه القبلة ) (٣). انتهى.

وهو صريحٌ في كون تلك الصلاة ثنائيّةً ، ووقوع الجهر بها في كلتا السورتين بكلٍّ من الركعتين.

٥ ـ ومنها : ما رواه المحدّث الماهر المجلسي في ( البحار ) ، والمحدّث المحسن الكاشاني في ( الصافي ) في تفسير قوله تعالى ( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) (٤) ، نقلاً من تفسير الثقة الجليل محمّد بن عمر بن مسعود العيّاشي صحيحاً عن منصور بن حازم ، عن الصادق عليه‌السلام : « إنّه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى بالناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، فيتخلّف مَنْ خلفه من المنافقين عن الصفوف ، فإذا جاوزها في السورة عادوا إلى مواضعهم ، وقال بعضهم لبعض : إنّه ليردّد اسم ربّه ترداداً ، إنّه ليحب ربّه » (٥) .. إلى آخره.

أقول : لا يخفى على ذي لبٍّ خَلِي من الريب والرين ما دلّ عليه هذا الخبر الشريف من عموم الجهر بها في الأخيرتين ، كما يدلّ عليه إطلاق الخبرين الآتيين وغيرهما من أخبار سادات الثقلين.

لا يقال : إنّ الخبر ظاهرٌ في الأُوليين ؛ لاشتماله على ذكر السورة ، وهي لا تكون في قراءة الأخيرتين.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٩.

(٢) الحبل المتين : ٢٢٨.

(٣) البحار ٩٧ : ٤٥٣ / ٢٧.

(٤) الإسراء : ٤٦.

(٥) البحار ٨٢ : ٧٤ ، التفسير الصافي ٣ : ١٩٦ / ٤٦ ، تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٨ / ٨٧.

٣١١

لأنّا نقول : هذا إنّما يتمّ على جعل السورة حقيقةً في ما عدا الفاتحة من أجزاء القرآن المفتتحة بالبسملة التي أقلّها ثلاث آيات ، وأنّى له به ، بل الفاتحة مندرجة في ضابطة السورة ، وإنّما خصّت بهذا الاسم من دون سائر السور لأنّها أوّل القرآن (١) ، لأنّ فاتحة كلّ شي‌ء أوّله ، كما أنّ خاتمته آخره ، أو لأنّها أوّل السور نزولاً كما عليه جمٌّ غفير من المفسّرين (٢) ، أو لما نقل من كونها مفتتح الكلام المثبت في اللوح المحفوظ ، أو مفتتح القرآن المنزل جملةً واحدة إلى السماء الدنيا ، أو لأنّه يفتح بها مقفلات المطالب الدنيويّة والأُخرويّة ، إلى غير ذلك من التعليلات القويّة.

فهي في الأصل ؛ إمّا مصدر بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب ، أو صفة والتاء فيها للنقل من الوصفيّة إلى الاسميّة كالذبيحة والحقيقة ، ففاتحة الكتاب إنْ اعتبرت أجزاء الكتاب سوراً فالأوّليّة حقيقيّة ، وإنْ اعتبرت آيات أو كلمات مثلاً فمجازيّته من باب تسمية الكلّ باسم أجزائه ، وإضافة الفاتحة إلى الكتاب كإضافة الجزء إلى الكلّ ، كيد زيد ، وإضافة السورة إلى الفاتحة من إضافة العامّ إلى الخاصّ ، كبلدة البحرين. فاندفع بهذا التحقيق عدم اختصاص السورة بما عدا الفاتحة ، وثبت إطلاق السورة عليها ، فيبقى الخبر دالّاً على الجهر في الأخيرتين.

فحاصل المعنى حينئذٍ : أنّه إذا جهر بالبسملة تخلّف المنافقون ، فإذا تعدّاها وشرع في الفاتحة عادوا إلى مواضعهم ؛ بناءً على أن القراءة إخفاتيّة كما هو ظاهر السياق ، أو مطلقاً لمزيةٍ في البسملة دون غيرها من أجزاء القرآن ؛ لما ورد من أنّها أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها (٣). وغيره من مزاياها المذكورة في محالّها.

على أنّا لو تنزّلنا وسلمنا ظهوره في الأُوليين ، إلّا إنه غير دالٍّ على الإخفات في الأخيرتين ، إذ لم ينصّ فيه على أنّه يقرأ في الأخيرتين ويخفت بها ، بل قصارى ما دلّ

__________________

(١) مجمع البيان ١ : ١٧.

(٢) أسباب النزول : ١٧.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٥ / ١١ ، بالمعنى.

٣١٢

عليه أنّه إذا صلّى بالناس جهر بها ، فيدلّ على أنّه إذا قرأ جهر بها على جهة العموم.

ويؤيّد ما قلناه من أنّ المراد بالسورة هنا الفاتحة أمران :

الأوّل : عدم ذكر الفاتحة بالكلّيّة ، كما لا يخفى على ذي ملكة قدسيّة ، وعناية ربانيّة ، مع أنّه لا صلاة إلّا بها ، كما نطقت به الأخبار المعصوميّة (١).

الثاني : ما في صحيح زرارة الآتي ، من قوله فيه : « وإذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم نفروا وذهبوا ، فإذا فرغ منها عادوا واستمعوا » (٢).

٦ ـ ومنها : ما رواه المحدّثان المذكوران في الكتابين المزبورين ، نقلاً من تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم القمّي ، أنّه قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا صلّى تهجّد ، وتسمع له قريش لحسن صوته ، فكان إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فرّوا عنه » (٣).

أقول : لا يخفى على المتفنّن الماهر ما في هذا الخبر كسابقه من العموم الظاهر ، والتقريب فيه من وجهين :

الأوّل : إنّ قوله : « فكان إذا قرأ » .. إلى آخره ، إخبارٌ عن السماع ، وليس المراد من الجهر إلّا إسماع الغير ، إذ لو أسرّ بها لم يعلم أنّه قرأها أوّلاً.

الثاني : إنّ فرارهم عند قراءتها دليلٌ على الجهر بها ، إذ لو لم يجهر بها لم يفرّوا عنه.

فإنْ قيل : إنّ أخبار جهر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بها في هذا وغيره من الأخبار لا دلالة فيها على الجهر بها في الأخيرتين ؛ لاحتمال كون صلاته ثنائيّة ، بقرينة كونه في مكّة قبل فرضه الزيادة على الركعتين.

قلنا : لو سلّم ذلك فخصوص المورد لا يخصّص الوارد ، فهذا الإيراد غير وارد.

٧ ـ ومنها : ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره ، بأسانيد متعدّدة ، عن عمر بن أُذينة ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال « بسم الله الرحمن الرحيم أحقّ ما يجهر بها ، وهي الآية

__________________

(١) انظر : الوسائل ٦ : ٣٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٨ / ٨٦.

(٣) التفسير الصافي ٣ : ١٩٥ ـ ١٩٦ / ٤٦ ، البحار ١٨ : ٥١ / ٢ ، تفسير القمّي ٢ : ٢٠.

٣١٣

التي قال الله عزوجل : ( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً ) » (١) (٢).

أقول : دلّ هذا الخبر الشريف والأثر الطريف على عظم البسملة ، وعلوّ شأنها ، ورفعة قدرها ، وجلالة مكانها ، فمتى ذكرت في موضع من المواضع فهي حقيقةٌ بالجهر بها وإعلانها ، وكأنّ ذلك لما اشتملت عليه من الاسم المختصّ به تعالى ، وبعض أسمائه الحسنى ، وصفاته العليا ؛ ولهذا كان ذكرها يُفَلُّ به حدّ كيد الشياطين ، ويُحلّ به قيد الكافرين.

ولمثل هذا الوجه المنير نظر الرازي في تفسيره الكبير ، حيث إنّه بعد أنْ احتجّ للجهر بالبسملة بالحجّة الثالثة وهي أن الجهر بذكر الله يدلّ على كونه مفتخراً بذلك الذكر ، غير مبال بإنكار من ينكره .. إلى آخره قال : ( وممّا يقوّي هذا الكلام أيضاً أنّ الإخفاء والسرّ لا يليق إلّا بما يكون فيه عيبٌ ونقصان ، فيخفيه الرجل ويسرّه ، لئلّا ينكشف ذلك العيب ، أمّا الذي يفيد أعظم أنواع الفخر والفضيلة والمنقبة ، فكيف يليق بالعقل إخفاؤه ، ومعلوم أنّه لا منقبة للعبد أعْلى وأكمل من كونه ذاكراً لله بالتعظيم ؛ ولهذا قال عليه‌السلام : « طوبى لمن مات ولسانه رطب من ذكر الله » ، وكان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : « يأمن ذكره شرفٌ للذّاكرين ».

ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أنْ يسعى في إخفائه. ولهذا السبب نقل أنّ علياً رضي‌الله‌عنه كان مذهبه الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات.

وأقول : إنّ هذه الحجّة قويّة في نفسي ، راسخةٌ في عقلي ، لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين ) (٣). انتهى.

ومثله ما ذكره في الحجّة [ الثانية (٤) ] ، وهي : ( إنّ قوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، لا شكّ أنّه ثناءٌ على الله ، وذكرٌ له بالتعظيم ، فوجب أن يكون الإعلان به مشروعاً ؛ لقوله تعالى ( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (٥).

__________________

(١) الإسراء : ٤٦.

(٢) تفسير القمّي ١ : ٥٦.

(٣) التفسير الكبير ١ : ١٦٨.

(٤) في المخطوط : الثالثة ، وما أثبتناه موافقٌ للمصدر.

(٥) البقرة : ٢٠٠.

٣١٤

ومعلوم أنّ الإنسان إذا كان مفتخراً بأبيه ، غير مستنكفٍ منه ، فإنّه يعلن بذكره ، ويبالغ في إظهاره. أمّا إذا أخفى ذكره أو أسرّه ، دلّ ذلك على كونه مستنكفاً منه ، فإذا كان المفتخر عليه يبالغ في الإعلان والإظهار ، وجب أن يكون إعلان ذكر الله أوْلى ، عملاً بقوله تعالى : ( فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (١) ) (٢). انتهى.

ولا يخفى أنّ ما ذكره من هذا التعليل والاستحسان يقتضي استحباب الجهر بالبسملة في مواضع الإسرار كالإعلان ، كما يقوله علماؤنا الأعيان ، فلا وجه لقصر الجهر على مواضع الإجهار ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.

وإنّما أوردناه ليكون حجّة على أصحابه الموجبين للإسرار ، مع أنّه منافٍ لما يذهبون إليه من الاستدلال بالاستحسان والاعتبار ، وأمّا نحن ففي غُنْيةٍ بما عندنا من كلمات أئمّتنا الأبرار ، خزنة الأسرار ، المعصومين من الأرجاس والآصار.

٨ ـ ومنها : ما رواه رئيس المحدّثين الصدوق قدس‌سره في كتاب ( الخصال ) ، بسنده المتّصل إلى الأعمش ، عن جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ، قال : « هذه شرائع الدين لمن تمسّك وأراد الله هداه : إسباغ الوضوء كما أمر الله عزوجل في كتابه الناطق ، غسل الوجه واليدين إلى المِرْفقين ، ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين ، مرّة مرّة .. إلى أن قال عليه‌السلام ـ : والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجبٌ » (٣).

ونقله المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي من كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) ، ولا يخفى أنّه سهوٌ واضح.

٩ ـ ومنها : قول سيّد الموحّدين عليه‌السلام في الخطبة المتقدّمة : « وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٤). وفي بعض النسخ : « وأمرت ... ».

أقول : دلّ هذا الخبر على تأكّد الاستحباب ، المعبّر عنه في كثيرٍ من الأخبار كما

__________________

(١) البقرة : ٢٠٠.

(٢) التفسير الكبير ١ : ١٦٧.

(٣) الخصال : ٦٠٣ ٦٠٤.

(٤) الكافي ٨ : ٥١ / ٢١.

٣١٥

هنا بالإيجاب ، جمعاً بينها وبين صحيح الحلبيّين الآتي في المبحث الثاني حيث قال عليه‌السلام : « إنْ شاء سرّاً ، وإنْ شاء جهراً » (١) ، وبقرينة الإجماع الصارفة عنه. وسيأتي إنْ شاء الله تعالى في بحث الاستدلال على الوجوب كمالُ المطلوب.

١٠ ـ ومنها : ما رواه المجلسي عطّر الله مرقده في الجزء الرابع من ( البحار ) ، في باب ما كتبه الرضا عليه‌السلام للمأمون ، من مَحْض الإيمان وشرائع الدين ، نقلاً من كتاب ( تحف العقول ) للثقة الجليل الحسن بن علي بن شعبة : ( إنّ المأمون بعث الفضل بن سهل ذا الرئاستين إلى الرضا عليه‌السلام ، فقال له : إنّي أحبّ أنْ تجمع لي من الحلال والحرام ، والفرائض والسنن ، فإنّك حجّة الله على خلقه ، ومعدن العلم.

فدعا الرضا بدواة وقرطاس ، وقال للفضل اكتب : « بسم الله الرحمن الرحيم ، حسبنا شهادة لا إله إلّا الله ، أحداً صمداً ، لم يتّخذ صاحبةً ولا ولداً ، قيّوماً ، سميعاً ، بصيراً ، قويّاً ، قائماً ، باقياً ، نوراً ، عالماً لا يجهل ، قادراً لا يعجز ».

ثمّ ذكر كثيراً من الأُصول والفروع ، إلى أنْ قال عليه‌السلام :

« والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة مع فاتحة الكتاب » .. الى آخر الخبر الجليل ، وهو حديث شريف طويل ، اقتصرنا منه على موضع الدليل.

إلى أنْ قال عليه‌السلام :« .. فهذه أُصول الدين ، والحمد لله ربِّ العالمين ، وصلّى الله على نبيّه وآله وسلم تسليماً » (٢).

قال في ( البحار ) : ( ورأيت هذا الخبر برواية أُخرى ، عن أبي علي محمّد بن الحسين بن الفضل ، عن أحمد بن علي بن حاتم ، عن علي بن جعفر ، عن علي بن أحمد بن حمّاد والفضل بن سنان الهاشمي ، عن محمّد بن يقطين وإبراهيم بن محمّد ، رووا كلّهم عن الرضا عليه‌السلام.

وجمع بين الروايتين ، وإنْ كانت الأخيرة أوفق ، تركناها حذراً من التكرار ، وأوّل

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٦٨ / ٢٤٩ ، الإستبصار ١ : ٣١٢ / ١١٦١ ، الوسائل ٦ : ٦١ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١٢ ، ح ٢.

(٢) البحار ١٠ : ٣٦٠ ٣٦٦ / ٢ ، تحف العقول : ٤١٥ ـ ٤٢٣.

٣١٦

الرواية هكذا : « أما بعد .. أول الفرائض : شهادة أنْ لا إله إلّا الله » .. (١). انتهى.

أقول : لا يخفى ما فيه من رجحان الجهر بها في الصلاة من غير تقييدٍ بإحدى الركعات.

وهذا الكتاب ممّا اعتمده المجلسي وغيره من الإثبات ، وقال رحمه‌الله : ( إنّ نظمه يدلّ على رفعة شأن مؤلّفه ، وأكثره في المواعظ والأُصول المعلومة التي لا يحتاج فيها إلى سندٍ ، وهو كافٍ في المستند ) (٢).

١١ ـ ومنها : ما رواه الصدوق عطّر الله مرقده في ( العيون ) بسنده الصحيح المتّصل إلى الثقة الجليل الفضل بن شاذان ، قال : سأل المأمون علي بن موسى الرضا عليه‌السلام أنْ يكتب له محض الإسلام على الإيجاز والاختصار ، فكتب عليه‌السلام : « إنّ محض الإسلام شهادة أنْ لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ... ».

إلى أنْ قال عليه‌السلام : « والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلاة سنّة ». وفي بعض النسخ : « في جميع الصلوات سنّة » (٣).

أقول : لفظ ( السنّة ) وإنْ كان لا ملازمة بينه وبين الندب ؛ لمجيئه كثيراً بمعنى ما ثبت فرضه بالسنّة ، كما في مرسل بن فضّال ، عن الصادق عليه‌السلام : « الوقوف بالمشعر فريضةٌ ، والوقوف بعرفة سنّة » (٤). مع الإجماع على أنّ الوقوف بها ركنٌ ، مَنْ تركه عامداً بطل حجّه. ومثله غيره.

إلّا أنّ الظاهر المتبادر هو الاستحباب ، مع أنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة في هذا المجال ، ولو سلّم الاشتهار فالقرينة أوجبت حملها عليه ، كما سيأتي إنْ شاء الله تعالى في مبحثه الإشارة إليه.

١٢ ـ ومنها : ما رواه شيخ الطائفة في ( التهذيب ) عن أحمد بن محمّد ، عن ابن أبي نجران ، عن صباح الحذاء ، عن أبي حمزة الثمَالي ، قال : قال علي بن الحسين عليه‌السلام : « يا

__________________

(١) البحار ١٠ : ٣٦٦.

(٢) البحار ١ : ٢٩.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٢١ ـ ١٢٣ / ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٧ / ٩٧٧ ، الوسائل ١٤ : ١٠ ، أبواب الوقوف بالمشعر ، ب ٤ ، ح ٢.

٣١٧

ثمالي ، إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام ، فيقول : هل ذكر ربّه؟ فإن قال : نعم ، ذهب ، وإنْ قال : لا ، ركب على كتفيه ، فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ».

قال : فقلت : جعلت فداك أليس يقرءون القرآن؟ قال : « بلى ، ليس حيث تذهب يا ثُمَالي ، إنّما هو الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (١).

١٣ ـ ومنها : ما رواه في ( البحار ) نقلاً من تفسير العيّاشي عن أبي حمزة الثمَالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : « يا ثُمَالي ، إنّ الشيطان ليأتي قرين الإمام فيسأله هل ذكر ربّه؟ فإنْ قال : نعم ، اكتسع فذهب ، وإنْ قال : لا ، ركب على كتفيه ، فكان إمام القوم حتى ينصرفوا ».

قال : قلت : جعلت فداك ما معنى ذكر ربّه؟ قال : « الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٢).

أقول : لا يخفى على ذي بضاعة من تلك الصناعة ما دلّ عليه هذان الخبران من فضيلة الجهر بها ، والوقوع في شبك الشيطان عند الإسرار بها ، مع ما دلّا عليه من العموم لكلِّ موضع اشتمل على البسملة.

وقد مرّ في خبر العيّاشي : « أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جاوزها عاد المنافقون إلى مواضعهم » (٣). فلا يبعد أن يكون حال الشيطان كذلك ، فيتأكّد الجهر بها على كلِّ حال.

والمراد بقرين الإمام هو الشيطان الموكّل من إبليس بإفساد صلاة الإمام ، وإيقاعه في شبك الوساوس الشيطانيّة والأوهام. ويدلّ عليه التصريح في خبر تفسير العيّاشي : بأنّ الشيطان الآتي يسأل الشيطان الذي هو قرين الإمام ، ففيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إذا أمَّ الرجل القوم جاء [ شيطان إلى (٤) ] الشيطان الذي هو قرين الإمام ، فيقول : هل ذكر الله؟ يعني : هل قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، فإنْ قال : نعم ، هرب منه ، وإنْ قال : لا ، ركب عنق الإمام ، ودلّى رجليه في صدره ، فلم يزل الشيطان إمام القوم حتى يفرغوا من صلاتهم » (٥). انتهى.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٢. (٢) البحار ٨٢ : ٧٤ ، تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٨ / ٨٨.

(٣) تفسير العيّاشي ٢ : ٣١٨ / ٨٧ ، بتفاوتٍ يسيرٍ. (٤) من المصدر.

(٥) تفسير العيّاشي ١ : ٣٤ / ٧.

٣١٨

وهو صريحٌ في ما نريد ، وحمله بعضٌ على المَلَكِ ، وهو بعيد ، كما لا يخفى على ذي رأي سديد.

وقوله عليه‌السلام في الخبر الثاني : « اكتسع فذهب » ، إمّا من باب اكتسع الفحل : إذا خطر فضرب فخذيه بيديه ، واكتسع الكلب بذنبه : إذا استثفر (١) ، أو من اكتسع : بمعنى تأخّر. ولعلّ الأوّل أنسب وأظهر.

١٤ ـ ومنها : ما رواه شيخ الطائفة قدّس سره ونوّر قبره موثّقاً عن حَنَان بن سَدير الصيرفي ، قال : ( صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فتعوّذ بإجهار ، ثمّ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) (٢).

١٥ ـ ومنها : ما رواه ابنه الشيخ حسن في مجالسه ، بإسناده إلى أبي حفص الصائغ ، قال : ( صلّيت خلف جعفر بن محمَّد عليه‌السلام ، فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) (٣).

١٦ ـ ومنها : ما رواه الحِمْيري في ( قرب الإسناد ) ، عن محمّد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمّد ، قالا : ( صلّينا المغرب خلف أبي عبد الله عليه‌السلام فتعوّذ بإجهار ، ثمّ جهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) (٤).

أقول : لا يخفى على ذي بال أنّ هذه الأخبار الثلاثة وإنْ كان موردها الإمام ومورد الأخير الصلاة الجهريّة ، إلّا أنّها لا دلالة فيها على الاختصاص بالأُوليين إنْ لم يظهر منها الشمول للأخيرتين ، فإنّ الراوي لها عمّم في إخباره المقال ، ولو اختصّ الجهر ببعض الركعات لأخبر عنه الراوي ، وبالإخفات في ما سواه بلا إشكال.

ولفظ التعوّذ لو دلّ على الاختصاص لأفاد الاختصاص بالركعة الأُولى ، ولا قائل به من علمائنا الأبدال.

وتتميم الاستدلال بعدم القول بالفصل مستلزمٌ لاطّراح ظاهره على كلّ حال ، كما لا يخفى على مَنْ عرف الرجال بالحقّ ، لا الحقّ بالرجال ، ونظر إلى ما قيل ، لا إلى مَنْ

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٨٩ / ١١٥٨.

(٢) الأمالي ( الطوسي ) : ٢٧٣ / ٥١٣.

(٣) قرب الإسناد : ١٢٤ / ٤٣٦ ، بتفاوتٍ يسيرٍ ، الوسائل ٦ : ٧٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢١ ، ح ٣.

(٤) الخلاف ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٧ ، المبسوط ١ : ١٠٥.

٣١٩

قال.

ثمّ إنّ ما تضمّنه موثّق حنّان وخبر ( قرب الإسناد ) من جهره عليه‌السلام بالاستعاذة خلاف ما هو المشهور بين الطائفة قديماً وحديثاً ، بل ادّعى الشيخ عليه الإجماع من أنّها سريّة ولو في الجهريّة (١).

حتى إنّ الأردبيلي كما نقل عنه بعض الأمجاد في ( شرح الإرشاد ) عدّ اشتمالها عليه من المطاعن ، فإنّه لمّا استشهد به على استحباب الجهر بالبسملة ، قال : ( إنْ لم يكن صحيحاً بجهل بعض رجاله وهو عبد الصمد بن محمّد ، مع القول في حنّان بأنّه واقفي ، واشتماله على جهر التعوّذ ، المشهور خلافه أيضاً من صحيحة صفوان إلّا إنّه مؤيّد ) (٢) .. إلى آخره.

وحينئذٍ ، فهذان الخبران محمولان على تعليم الجواز كما قاله المحدّث الكاشاني وجماعة (٣) ، أو التقيّة لمطلق المخالفة بين شيعته وإنْ لم يقل به أحدٌ منهم كما عند بعض آخر.

وخصّ بعض مشايخنا الاستحباب بالإمام (٤) ، كما هو مورد الدليل ، وبعضهم بصلاة المغرب ، كما هو مورد خبر ( قرب الإسناد ) (٥). وتحقيق المقام موكولٌ إلى فنّه.

١٧ ـ ومنها : ما رواه المحدّث الماهر الباهر الآخوند الشيخ محمّد باقر المجلسي في ( البحار ) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : قال : « التقيّة ديني ودين آبائي ، إلّا في ثلاث .. » وعدّ منها : « الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٦).

١٨ ـ ومنها : ما رواه صاحب ( دعائم الإسلام ) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « التقيّة ديني ودين آبائي ، ولا تقيّة في ثلاث : شرب المسكر ، والمسح على الخفّين ، وترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٧).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ١١٢ باب العين / فصل الكاف.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ٢١١.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ١٣٥ ، الجواهر ٩ : ٤٢٠.

(٤) سداد العباد : ١٧١.

(٥) قرب الإسناد : ١٢٤ / ٤٣٦.

(٦) البحار ٧٧ : ٣٠٠ / ٦١.

(٧) دعائم الإسلام ١ : ٢٠٩.

٣٢٠