الرسائل الأحمديّة - ج ١

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٦

(٢) وخبره الآخر.

وفيه : الكلام على السند ، وأنّ القاسم بن محمّد هو الجوهري ، لا الأصفهاني المعروف بكاسولا ، والتنظّر في الاكتفاء في توثيق ابن داود له.

(٣) وخبر رجاء بن أبي الضحّاك.

وفيه : استشعار جهر الرضا عليه‌السلام بالتسبيح على وجه رجيح.

وفيه أيضاً : نقل الكلام لبعض المتأخّرين ، والتنظّر فيه.

(٤) وحسن الكاهلي.

وفيه : بيان ما فيه من الوجوه ، وأنّ مسجد بني كاهل من المساجد الممدوحة في الكوفة.

(٥) وصحيح منصور بن حازم المنقول من ( تفسير العيّاشي ).

وفيه : بيان الوجه في دلالته.

وفي معنى السورة.

(٦) والخبر المنقول من ( تفسير القمّي ) ، وفيه وجه دلالته.

(٧) وخبر ابن أذينة المنقول من ( تفسير القمّي ) أيضاً.

وفي ذيله نقل كلام الرازي في إثبات استحباب الجهر بها بالاستحسان.

(٨) وخبر الأعمش المنقول من ( الخصال ).

وفيه : التنبيه على سهو مَنْ نقله من ( الفقيه ).

(٩) وخبر سليم بن قيس الهلالي المنقول من ( روضة الكافي ).

وفي ذيله التنبيه على صرف ظاهره كسابقه عن الإيجاب إلى الاستحباب.

(١٠) وخبر ( تحف العقول ).

وفيه : الإشارة إلى وجه دلالته.

وإلى حال مصنّفه وجلالته.

(١١) وصحيح الفضل بن شاذان المرويّ في ( العيون ).

وفي ذيله بيان معنى السنّة.

٢٢١

ووجه دلالته على الاستحباب.

(١٢) والخبران المرويّان عن أبي حمزة الثمالي ؛ أوّلهما من [ التهذيب (١) ].

[١٣] والثاني عن ( العيّاشي ) (٢).

وفي ذيلهما وجه الدلالة.

ومعنى ( قرين الإمام ).

ومعنى ( اكتسع ).

(١٤) وخبر حنّان بن سدير المرويّ من ( التهذيب ).

(١٥) وخبر أبي حفص الصائغ المرويّ من ( مجالس ابن الشيخ ).

(١٦) وخبر محمّد بن عبد الحميد وعبد الله بن محمّد المرويّ من ( قرب الإسناد ).

وفي ذيل الثلاثة الكلام في وجه الدلالة.

وكلام في الجهر بالاستعاذة.

(١٧) ومرسل ( البحار ).

(١٨) وخبر ( الدعائم ).

(١٩) وما نقله ابن أبي عقيل.

وفي ذيلها الإحالة في بيانها على ما مرّ في أوّل المقام.

وعلى ما دلّت عليه من نفي التقيّة فيها ، على ما يذكر إن شاء الله تعالى في الختام.

(٢٠) وخبر ( التهذيب ) و ( المصباح ) في علامات المؤمن.

(٢١) والخبر المتكرّر الإسناد في تفسير قوله تعالى ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ) (٣) الآية.

(٢٢) وخبر عبد الله بن أبي أوفى في علامات الشيعة.

(٢٣) وخبر أبي بصير المتكرّر أيضاً في تفسير ( وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ ) (٤).

__________________

(١) في المخطوط : ( الكافي ) ، وما أثبتناه وفقاً لما جاء في متن الرسالة.

(٢) في فهرس المخطوط أُدرج الحديثان برقم واحد ، وأفردناهما وفقاً لما جاء في متن الرسالة.

(٣) الزمر : ٧٤.

(٤) الصافّات : ٨٣.

٢٢٢

وفي ذيل الأخبار الأربعة تنبيهات حسنة مخترعة.

والكلام في وجه الدلالة.

والكلام على ما في خبر ( الدعائم ) من تخصيص الجهر بها في ما يجهر فيه بالقراءة ، واطّراحه.

(٢٤) وصحيح زرارة المرويّ من ( تفسير العيّاشي ).

وفي ذيله الكلام في وجه دلالته.

( ٢٥ ٢٦ ) وخبران آخران عن ( العيّاشي ).

(٢٧) وخبر عمرو بن شمر المرويّ من ( تفسير فرات بن إبراهيم ).

وفي ذيله بيان وجه الدلالة في الأخبار الأربعة المذكورة.

(٢٨) ومرسل ( أزهار الرياض ).

وفي ذيله بيان حال الشيخ ناصر بن عبد الحسن البحراني المنامي.

وأبي الحسن بن شاذان الغامي أو القاضي.

وبيان وجه دلالته.

والكلام على الصلاة خلف من لا يجهر بالبسملة.

وخلف المجهول والسفيه ومن تشهد عليه بالكفر ويشهد عليك به ، وبيان معناه.

وخلف مَنْ يتولّى ولا يتبرّأ.

وفيه : بيان معنى البتريّة.

وخلف الواقفي.

وبيان معناه.

وسبب الوقف.

والجمع بين رواية هذا الخبر عن الصادق عليه‌السلام ، وبين حدوث الوقف بعد الكاظم عليه‌السلام.

٢٢٣

وخلف المجذوم.

وفيه : بحثٌ مع ( المدارك ) في عبد الله بن يزيد.

والجمع بين الأخبار المختلفة في الصلاة خلفه.

وخلف المحدود.

وفيه : استعمال ( لا ينبغي ) في التحريم.

وخلف الحاقن.

وفيه : الكلام على الأخبار المانعة.

وخلف الآدر.

وفيه : بيان معناه.

وخلف من يبتغي على الأذان أجراً.

وخلف من هو أقلُّ منك معرفة ، وفي دليله ، والجواب عنه.

وفيه : تفسير قوله تعالى ( يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ) (١).

وخلف غير المحترم.

وفيه : بيان معناه.

ودليله.

وفيه : إشارة لعدم الاعتماد على إجماعات الشيخ رحمه‌الله.

وخلف الأعمى.

وفي دليله ، والجواب عنه.

وخلف المخنَّث والمأبون.

وفيه : بيان معناهما.

وفيه : نقل اعتراف السيوطي ، وابن الأثير ، والضرير البابلي بأنَّ الثاني كان مخنّثاً أو مأبوناً ، وإن كذّبوا الروافض في معناه.

(٢٩) وخبر الحسين بن حمدان في هدايته.

__________________

(١) الإسراء : ٧١.

٢٢٤

وفي ذيله بيان دلالته.

والتنبيه على حال الحسين بن حمدان وصحّة عقيدته.

وترجيح تعدّده.

وبيان رؤيا لبعض الأعلام تتعلّق بحاله ، وحسن عقيدته.

وفيه : بحثٌ مع صاحب ( العوائد ) أيضاً في حكمه بالاتّحاد.

وفيه أيضاً : ترجمةُ الشيخ علي بن الشيخ حسن بن الشيخ يوسف البلادي.

(٣٠) والخبر المرويّ في ( الصافي ) نقلاً من ( الكافي ) في تفسير قوله تعالى ( وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) الآية.

وفيه : بيان دلالته.

(٣١) وخبر أبي هارون.

وفيه : بيان دلالته.

(٣٢) وحسن زكريا بن إدريس القمّي.

وفيه : بيان وجه دلالته.

(٣١) وخبر ( فقه الرضا ) المروي في ( البحار ).

وفيه : بيان معناه.

ووجه دلالته.

(٣٢) وعموم موثّق أبي بصير

ينبغي للإمام ...

وأمّا من طريق الخصم :

(١) فما أخرجه الطبراني ، والدارقطني ، عن عليّ عليه‌السلام.

(٢) وما رواه الرازي ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وما نقله عن البيهقي ، عن ابن الخطاب ، وابن عبّاس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وعليّ بن أبي طالب رضى الله عنه.

(٣) وما رواه عن أبي قلابة ، عن أنس.

__________________

(١) الإسراء : ٤٦.

٢٢٥

(٤) وما نقله بعض سادة الهند من أصحابنا المعاصرين ، من كتاب ( جمع الجوامع ) لعبد الوهاب السبكي الشافعي.

وفي ذيله وجه دلالته.

وبيان حال كتابه ( روح القرآن ) وجلالته.

(٥) وما أخرجه أبو عبيدة ، وابن أبي شيبة ، وأحمد ، والترمذي ، وابن خزيمة ، وابن الأنباري ، والدارقطني ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي ، والخطيب ، وابن عبد البرِّ ، عن أمّ سلمة.

(٦) وما رووه عن ابن المنذر.

(٧) وما رووه عن أبي هريرة.

وفي ذيل هذه الأخبار الإشارة إلى وجه الاستدلال.

المبحث الثاني : في الاستدلال على القول الثاني.

وهو من وجوه :

الأوّل : بعض الأخبار المذكورة في أخبار الاستحباب ، بدعوى ظهورها في الإيجاب.

والتقريب في وجوه الاستدلال.

الثاني : الإجماع المدَّعى من قول الصدوق رحمه‌الله في مجالسه.

والتقريب فيه.

الثالث : قاعدة الشغل.

الرابع : ملازمة النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام عليه.

وفي ذيلها الجواب عنها إجمالاً.

ثمّ تفصيلاً.

وفيه : التنبيه على تعبير الصدوق رحمه‌الله عن الاستحباب بالوجوب ، وهو أحد القرائن الصارفة لظاهر كلامه عن إرادة الوجوب الاصطلاحي.

وفيه أيضاً : بحثٌ مع بعض المعاصرين في ردِّه دليل الوجوب بخلوِّ الأخبار الآمرة

٢٢٦

بالقراءة من غير تعرّض للجهر بالبسملة.

المبحث الثالث : في الاستدلال على القول الثالث.

وفيه : الاكتفاء بنقل عبارة ( السرائر ) من أوّلها لآخرها.

ثمّ الجواب عنها بحذافيرها.

وفيه أيضاً : نقل عبارة ابن الجنيد ، والمرتضى ، في عدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما.

وفيه أيضاً : الكلام على موارد وجوب الاحتياط.

والمناقشة لابن إدريس في دعواه الإجماع.

ونقله الإجماع في جملة من المواضع في محلّ النزاع.

وبيان طريقته في تحقّق الإجماع.

وفيه أيضاً : البحث مع بعض الفضلاء المعاصرين بالاحتجاج لابن إدريس بإشعار بعض الأخبار بالإخفات بها في الأخيرتين.

وفيه أيضاً : توثيق محمّد بن عيسى العُبَيْدِي وتمييزه عن غيره.

وتوثيق أبي خديجة.

وفيه أيضاً : التنبيه على رواية عبد الله بن سنان الثقة ، عن أخيه محمّد ، ورواية أخيه محمّد عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد.

والردّ على من أنكر ذلك.

وفيه أيضاً : استغرابٌ من أبي عليّ في ( منتهى المقال ).

المبحث الرابع : في الاستدلال على القول الرابع.

وهو بالتمسّك بأصالة الإخفات.

والإجماع على وجوبه في القراءة الإخفاتية.

وفي ذيله المناقشة في تقرير الدليل.

ثمّ الجواب عنه بما يحسم مادّة القال والقيل.

المبحث الخامس : في الاستدلال على القول الخامس.

٢٢٧

ثمّ الجواب عنه.

المبحث السادس : في الاستدلال على القول السادس بوجوهه الثلاثة.

ثمّ الجواب عن كلّ واحد منها تفصيلاً.

الخاتمة : في بيان أمرين مهمّين :

الأوّل : في بيان ما ورد من الأخبار من نفي التقيّة في الجهر بالبسملة.

والجواب عنها.

الثاني : في بيان معنى الاستحباب ، وأنَّ المستحبّ هو الجهر نفسه ، لا القصد إليه واختياره.

ثمّ في الذيل تاريخ الفراغ من تأليف هذا النظام.

ونسأله سبحانه حسن الختام. حرّره بقلمه وقرّره بكلمة مؤلِّفُه الأقلُّ الجاني : أحمد بن صالح البحراني ، عامله الله بعفوه السيحاني ، ولطفه الصمداني.

٢٢٨

مقدّمة المؤلِّف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي يعلمُ الجهرَ وما يخفى ، والصلاةُ والسلامُ على محمّد المصطفى ، وآله الخلفاء الحنفاء ، حلفاء الصفا ، وأُلفاء الوفا.

أما بعد :

فيقول المتعطّش لفيض ربّه البحراني ، أحمد بن صالح بن طعّان البحراني : إنَّ الداعي لهذا التسجيل هو إبراز قسط قليل ، لإحراز طَسْقٍ (١) جليل ، في حكم الجهر بالبسملة في الأخيرتين ، وربّما انجرّ الكلام إلى الأُوليين بما ورد عن أئمّة المَلَوَيْنِ. وسمّيتها : ( قرّة العين في حكم البسملة في ما عدا الأُوليين ) ، وقد رتّبتها على : مقدّمتين ، ومقامين ، وخاتمة (٢) ، سائلاً منه سبحانه حسن الخاتمة.

أمّا المقدّمة الأُولى : ففي تأسيس الأصل في الصلاة ، وأنّه الجهر أو الإخفات.

وأمّا المقدّمة الثانية : ففي تحرير محلّ النزاع بين أولئك الأبدال.

وأما المقام الأوّل : ففي ذكر الأقوال.

وأمّا المقام الثاني : ففي ما يصلح لها دليلاً من كلام الآل عليهم سلام ذي الجلال ، ما

__________________

(١) الطسق بفتح الطاء مكيال ، أو ما يوضع من الخراج على الجربان ، أو شبه الخَراج له مقدار معلوم. لسان العرب ٨ : ١٦٢ طسق.

(٢) ورد في نسخة « ب » : ( وقد رتّبتها على مقدّمة ومقامين وخاتمة ) ، حيث لم تحتوِ تلك النسخة على المقدّمة الأُولى.

٢٢٩

سمح سِجَال (١) وسنح لآلٍ.

وأمّا الخاتمة : ففي الجمع بين ما ورد عن الأئمّة الأبرار الإبدال من جواز التقيّة في الجهر بها ، وما ورد من عدم التقيّة فيه من أولئك الأشرار الأنذال ، وفي المعنى المراد من ذلك الاستحباب في كلام العلماء الأنجاب.

فأقول وبالله الثقة وعليه الاتّكال في جميع الأحوال ، وأسأله التسديد والعصمة في الأفعال والأقوال ـ :

__________________

(١) ساجلَ الرجُلَ : باراهُ ، وأصلهُ في الاستقاء ، والمساجلة : المفاخرة بأن يصنع مثل صنيعه في جَرْي أو سقْيٍ. لسان العرب ٦ : ١٨١ سجل.

٢٣٠

المقدّمة الأولى

في تأسيس الأصل في الصلوات ، وأنّه الجهر أو الإخفات ، أو أنّ كلّاً منهما أصل برأسه

اعلم أنَّه لا نزاع في أنَّ الإخفات من حيث كونه أمراً عدميّاً هو الأصل الأوّلي ؛ لأنَّ العدم الأزلي هو الأصل في جميع الممكنات ، وأنَّ الجهر من حيث كونه وصفاً زائداً على ذات الحرف خلاف الأصل ؛ لصحّة نفيه بأصل العدم ، واحتياج إيجاده في الخارج لأمر آخر يقتضي الإثبات.

كما أنَّه لا نزاع في تطابق العقل والنقل على اتّحادهما في جهة الحسن المقتضية لحسن التكليف بكلّ منهما ، وإنَّما النزاع في أنّ الأصل الأوّلي هل ورد عليه دليل رافع لموضوعه ، أو أصل ثانوي حاكم عليه ، أم لا؟

وبعبارة اخرى : إنَّ الصفة المشروطة في تأدية ألفاظ الصلاة بمعنى المجعول أو المراد الشرعيين ، هل هو الجهر ، أو الإخفات ، أو كلاهما؟

وبعبارة اخرى : إنَّ الجعل أو الإرادة شرعاً هل تعلّق أحدهما بالجهر أو الإخفات ، أو أنّ كلّاً منهما أصل برأسه ، بمعنى تعلّق الجعل أو الإرادة بكلّ منهما بانفراده ؛ لانقسامها لجهريّة وإخفاتيّة؟

قد يظهر الأوّل من بعض ، كما قد يظهر الثاني من آخر ، والثالث من ظاهر الأكثر.

الاستدلال على أصالة الجهر

ويمكن الاستدلال على الأوّل بقوله تعالى : ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ

٢٣١

بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ) (١).

والتقريب من وجوه :

الأوّل : سبب النزول ، فإنَّ سبب نزولها كما عن العيّاشي عن أحدهما عليهما‌السلام ـ : « أنَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا كان بمكّة يجهر بصوته فيعلم بمكانه المشركون ، فكانوا يؤذونه (٢).

ولا يخفى دلالته على مداومته على الجهر واستمراره عليه ، فيكون هو الأصل ، لكنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بالقراءة بالجهر الوسط دون الذي كان يجهر به أوّلاً ؛ صوناً لنفسه وعرضه عن الأذى ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوحى ) (٣).

وليس هذا نسخاً ، بل دفاعاً عنه ؛ إذ الضرورة تتقدّر بقدرها ، إلّا إنَّ في دلالة الاستمرار على الأصالة نظراً متّجهاً.

الثاني : أنَّ الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان لا يجتمعان ؛ لعدم إمكان اجتماع الضدّين ، ولا يرتفعان ؛ لعدم انفكاك الكلام عنهما ، ولا بدّ من إرادة أحدهما ؛ لكونهما من مقولة الكيف الذي هو من الأعراض ، وليس لنا سواهما.

ولا يجوز إرادة الإخفات الوسط ؛ لعدم تصوّره ، أو ندرته وشيوع مقابله ، فليس المراد والله العالم إلّا الجهر الوسط ؛ لمعقوليّة الجهر بالتشكيك على أفراد كثيرة ، لتفاوته قوّة وضعفاً ، دون الإخفات. فالمراد حينئذٍ والله العالم ـ : وابتغ بين أدنى الجهر وأعلاه سبيلاً. وهو المطلوب.

ولو أراد البينيّة بين الجهر والإخفات لقال : وابتغ بين ذينك سبيلاً. إلّا أنْ يقال بلزوم مثله على الأوّل أيضاً ، وبإمكان القول بارتفاع الضدّين ووجود فرد آخر في البين ، فليتأمّل.

وما يقال من إمكان إرادة الإخفات الوسط ؛ لكونه مشكّكاً كالجهر ، مردودٌ :

بأنَّ ( ذلك ) مشار به للجهر ؛ لأنَّه لا يشار به إلَّا للبعيد ، أوّلاً.

وبمنع كونه ذا أفرادٍ ؛ لأنّه ليس له طرفان أدنى وأعلى ، ثانياً.

وبمنع كونه ذا وسطٍ بين القوّة والضعف ، إذ حدّه إسماع النفس ، فإذا تجاوز إسماع

__________________

(١) الإسراء : ١١٠.

(٢) تفسير العيّاشي ٢ : ٣٤١ / ١٧٥ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.

(٣) النجم : ٣ ، ٤.

٢٣٢

نفسه بلغ إسماع القريب الصحيح السمع ، وهو من الجهر ، بخلاف الجهر ، ثالثاً.

وبكونه فرداً خفيّاً لو سلّم وجوده فلا ينصرف الإطلاق إليه ، لوجوب حمل كلام الشارع على الفرد الشائع الذائع ؛ لحضوره في الذهن في أوّل وهلة ، بخلاف الوسط الجهري ؛ لكونه مشهوراً مألوفاً ، رابعاً.

وبأنّ المنساق إلى الفهم من قولنا لزيد : ( لا ترفع صوتك ولا تخفِه ) إنّما هو الأمر بالجهر الوسط لا غير ، خامساً.

وبأنّه لو سلّم إمكان وجوده بالقسمة العقليّة من أنّ كلّ ذي طرفين فله وسط ، إلّا إنّ العرف يقطع بعدم الوسط في مثله ، ولهذا لا تكاد تسمع إخفاتاً وسطاً ، إذْ ليس في الأصوات إلّا ما يسمع الإنسان نفسه ، وما يسمع القريب الصحيح السمع ، وما بينهما تقصر العبارة عن تحديده ، بل لا يتعقّل إلّا بالفرض العقلي.

وما تشتمل عليه القسمة العقلية الفرضيّة لا يلزم وقوعه واندراجه في أفراد الموجودات الخارجية ، وله أمثلة كثيرة في علوم كثيرة ، فالوسط الحقيقي حينئذ مستحيل ، سادساً.

وللنصّ (١) والإجماع (٢) على بطلان الصلاة ممّن لم يُسمع نفسه في الإخفات ، سابعاً.

وأما قوله تعالى ( فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ ) (٣) حيث صدق الإخفات على إسماع الغير فهو محمول على ما كان الغير أقرب للسمع من النفس ؛ لقربه من هواء الحرف بوضع الأُذن في فم المتكلّم ، وانحراف أُذنه عن فمه ؛ لأنّه الفرد الشائع في المخافتة والمسارّة للغير.

فإن قيل : قد روى الكليني رحمه‌الله صحيحاً عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يُسمع نفسه؟ قال : « لا بأس ألّا يحرّك لسانه ، يتوهّم توهّماً » (٤).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ ، و: ٣١٥ / ٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ، ١ ، ٢.

(٢) التذكرة ٣ : ١٥٤ ، الجواهر ٩ : ٣٧٦.

(٣) القلم : ٢٣.

(٤) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٥ ، الإستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٦ ، الوسائل ٦ : ٩٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ،

٢٣٣

وروى الحِمْيَري في ( قرب الإسناد ) ، عنه أيضاً ، عن أخيه عليه‌السلام ، أنّه سأل عن الرجل يقرأ في صلاته ، هل يجزيه أن لا يحرّك لسانه ، وأن يتوهّم توهّماً؟ قال : « لا بأس » (١).

وهما دالّان على أنَّ أدنى الإخفات حديث النفس ، ووسطه إسماعها ، وأعلاه إسماع القريب الصحيح السمع.

قلتُ : لا نسلِّم أنَّ حديث النفس أحد أقسام الإخفات ، بل الذي دلّ عليه متكاثر الأخبار وكلام العلماء الأبرار أنّ ما لا يُسمع المرء نفسه من تصوّر الألفاظ في الذهن لا يسمّى كلاماً ، فضلاً عن وصفه بالإخفات ؛ لوجوه :

الأوّل : دلالة الأخبار على أنّ أقلّه المجزي إسماع النفس لا حديثها ، لخلوّه عن التصوّر ، ففي صحيح زرارة عن الباقر عليه‌السلام : « لا يُكتب من القرآن والدعاء إلّا ما أسمع نفسه » (٢). وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال عليه‌السلام : « لا بأس بذلك إذا أسمع أُذنيه الهمهمة » (٣).

الثاني : نقل علّامة ( المنتهى ) (٤) ، ومحقّق ( المعتبر ) (٥) الإجماع على أنّ الإخفات أن يُسمع نفسه لو كان سامعاً ، وما لا يُسمعها لا يسمّى كلاماً ولا قراءة. ونحوه عن ( التذكرة ) (٦) ، و ( البيان ) (٧) ، و ( السرائر ) (٨) ، وغيرها. وأنّ أعلى الإخفات أن تسمع أذناك القراءة ، وليس له حدّ أدنى ، بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له ، وإن سَمِعَ مَنْ على يمينه أو شمالاً صار جهراً.

والإنصاف : أنَّه إن ثبت فيهما مراد شرعي فهو ، وإلّا كان مدارهما على العرف العام ، كما اختاره غير واحد من الأعلام.

الثالث : أنَّ الإخفات وصف للصوت ، ففي الدعاء : « وَهُوَ يَدعُوكَ بصَوْتٍ حَائِلٍ

__________________

ح ٥. ورد مثله في الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٥.

(١) قرب الإسناد : ٢٠٣ / ٧٨٥.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ ، الوسائل ٦ : ٩٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٩٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ٤.

(٤) المنتهى ١ : ٢٧٧.

(٥) المعتبر ٢ : ١٧٧.

(٦) التذكرة ٣ : ١٥٤. (٧) البيان : ١٥٨.

(٨) السرائر ١ : ٢٢٣.

٢٣٤

خَفِيٍّ » (١). ونمنع حصول صوت لا يمكن سماعه ؛ لأنّ الصوت هو الكيفيّة المتموّجة بالهواء ، الحامل له إلى سماع الأُذن ، إمّا بالقرع أو القلع ، على اختلاف الرأيين (٢).

فظهر أنّ حديث النفس ليس قسماً للإخفات ؛ لدخوله في حيّز العدم ، وإنّما اكتفي به لضرورة التقيّة ، وذلك أنَّه مخاطب بالصلاة معهم وبالقراءة لنفسه ، فلو أسمعها أفضى إلى الضرر الواجب دفعه ، فجُعِل حكمه الاكتفاء بمثل حديثها تفضّلاً من المولى على مولاه ؛ دفعاً للحرج المنفي آيةً (٣) وروايةً (٤) ؛ ولدخولهما في عموم قوله عليه‌السلام : « إذا أمرتم بشي‌ء فأتوا منه بما استطعتم » (٥) إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٦).

وإطلاق الخبرين مقيّد بالتقيّة ، حملاً للمطلق على المقيّد.

والمستند ما رواه الشيخ صحيحاً عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يصلّي خلف مَنْ لا يُقتدى بصلاته ، والإمام يجهر بالقراءة؟ قال : « اقرأ لنفسك وإن لم تُسمِع نَفسك فلا بأس » (٧) ، ومرسلاً عن محمّد بن أبي حمزة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « يُجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس » (٨).

فظهر أنّ حديث النفس ليس قسماً للإخفات مستمراً في جميع الأوقات ، وإنّما هو قضية في واقعة ؛ تفضّلاً من ربّ السماوات ؛ دفعاً للضرر المتوقّع من أولئك الطغام الطغاة.

فإن قيل : إنّ كلّ شيئين حكم بالتغاير بينهما فلا بدّ من جهة امتياز لكلّ واحد منهما عن الآخر ، وإلّا لما كانا اثنين.

قلنا : إنَّ المراد من الوسط المنفي للإخفات فرد وسط في القوّة والضعف بين فردين أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، لا الوسط الذي هو الاعتبار الذهني للشيئين

__________________

(١) الصحيفة السجّاديّة : ٧٧ / دعاؤه في الاعتراف وطلب التوبة.

(٢) الأسفار الأربعة ٤ : ٩٧ ٩٨. (٣) الحجّ : ٧٨.

(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٦ / ٩٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ ، أبواب القيام ، ب ١ ، ح ٥.

(٥) غوالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، وفيه : ( بأمر ) ، بدل : ( بشي‌ء ).

(٦) غوالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، وفيه : « لا يترك الميسور بالمعسور ».

(٧) التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٩ ، الوسائل ٦ : ١٢٧ ١٢٨ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٢ ، ح ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٢ ، ح ٣.

٢٣٥

المتعدّدين ، وهو ما يتوهّمه الذهن بين ما به الامتياز للشيئين.

إلّا إنّ المستفاد من الأخبار المفسّرة للآية الشريفة ثبوت وسط للإخفات أيضاً كالجهر ، فأدناه المنهي عنه مثل حديث النفس ، ووسطه المأمور به إسماعها ، وأعلاه المنهي عنه أيضاً إسماع الغير.

فعن العيّاشي ، عن سَمَاعة ، عن الصادق عليه‌السلام : « المخافتة ما دونَ سمعِكَ ، والجهر أن ترفع صوتك شديداً » (١).

ورواه الكليني (٢) ، والشيخ (٣) ، عن سَمَاعة مضمراً.

وعن القمّي بسنده عن إسحاق بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « الجهرُ بها رفع الصوت عالياً ، والتخافت ما لم تُسمع نفسك ، واقرأ ما بين ذلك » (٤).

وعن العيّاشي ، عن الصادق عليه‌السلام : « الجهر بها رفع الصوت ، والمخافتة ما لم تسمع أذناك ، وما بين ذلك قدر ما تسمع أذنيك » (٥).

وفي ( مجمع البحرين ) : ( وابتغ بين ذلك بين الجهر والمخافتة سبيلاً وسطاً ) (٦).

وحينئذٍ لا يتمّ الاستدلال ، بل مقتضى قوله عليه‌السلام في العيّاشي الثاني : « وما بين ذلك قدر ما تسمع أذنيك » ، إن أريد به الوسط في الإخفات لقربه وإنّ إلحاق الكاف باعتبار المخاطب لا المكان كما في نظائره فات المطلوب ، وانعكس المراد. وإن أريد به الوسط منهما لزم ما لا يلتزمه المستدلّ من تضادّهما عقلاً ؛ لاجتماعهما حينئذ في إسماع النفس ، بل تلازمهما ، فيلزم في التمييز بينهما في مواضعهما العسر والحرج ، أو تكليف ما لا يطاق.

إلّا أن يتمّ ما قيل في دفع المنافاة من أن مورد الاجتماع لا يجتزى به في شي‌ء من الصلوات ، ولعلّه خلاف النصّ والإجماع.

نعم ، لا يبعد دفعها بتقييد الغير في إسماع أعلى الإخفات بالغير الذي يكون

__________________

(١) تفسير العياشي ٢ : ٣٤١ / ١٧٣.

(٢) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٦ ، أبواب القراءة ، ب ٣٣ ، ح ٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٤.

(٤) تفسير القمي ٢ : ٢٩ ، الوسائل ٦ : ٩٨ ، أبواب القراءة ، ب ٣٣ ، ح ٦ ، ولم يرد فيهما : ( عالياً ).

(٥) تفسير العياشي ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ / ١٧٧ ، وفيه : « يسمع أذنيك » بدل : « تسمع أُذنيك ».

(٦) مجمع البحرين ٣ : ٢٥٣ جهر.

٢٣٦

سمعه أقرب لفم المتكلّم من أُذن نفسه ؛ لاندراجه حينئذ في الإسرار والإخفات ، والله العالم.

الثالث من وجوه التقريب : صحيح عبد الله بن سنان (١) ، المرويّ في ( الكافي ) و ( تفسير العيّاشي ) ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإمام ، هل عليه أن يُسمع مَنْ خلفه وإن كثروا؟ قال عليه‌السلام : « ليقرأ قراءة وسطاً ؛ إنّ الله يقول ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) (٢) » (٣) الحديث.

والتقريب : أنّ المتبادر من قوله عليه‌السلام : « قراءة وسطاً » الجهر الوسط في القراءة ؛ لأنّه في مقام البيان ، مع أنّ السؤال عن غاية الجهر ، وحدّ إسماع الإمام من خلفه.

وفيه : أنَّ أمر الإمام بالقراءة بالجهر الوسط في الصلاة الجهريّة لا يقتضي انحصار الوسطيّة فيه دون الإخفات الذي هو مناط الاستدلال والإثبات.

الرابع : استدلال قدماء الأصحاب كالصدوق (٤) وأضرابه بل متأخّريهم أيضاً (٥) بهذه الآية على القراءة بالجهر الوسط.

وفيه : أنَّ محلّ النزاع إنّما هو انحصار الوسط في الجهر دون الإخفات ؛ ليتوجّه الأمر إليه أوّلا وبالذات. والاستدلال إنّما هو على انحصار الأمر بالقراءة في الوسط من الجهر والإخفات.

هذا وقد أُيِّدت أيضاً أصالة الجهر بأُمورٍ :

الأوّل : الأخبار الواردة بأنّ الصلاة تحميد ودعاء وتسبيح وتكبير وثناء ، فالجهر حينئذ أوْلى من الإخفات ، كما صرّح به بعض الثقات ، قائلاً : ( إنَّه صريح بعض أخبار الهداة ).

وفيه : أوّلاً : أنَّ قصاراه كون الصلاة من الذكر للملك العلَّام ، وهو لا يقتضي المشاركة في جميع الأحكام.

وثانياً : أنَّ ما ادّعي صراحته معارض بظاهر قوله تعالى ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً

__________________

(١) في المخطوط زيادة : ( المتقدّم ). (٢) الإسراء : ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٧ ، تفسير العياشي ٢ : ٣٤١ / ١٧٤.

(٤) الفقيه ١ : ٢٠٢. (٥) مدارك الأحكام ٣ : ٣٥٧.

٢٣٧

وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (١). فإنَّ ظاهره أفضليةُ الإسرار بالأذكار بالأقربيّة للقبول والإخلاص ، وأبعديّته عن الرياء من الإجهار.

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام

قال الله تعالى : مَنْ ذكرني سرّاً ذكرتُهُ عَلانية (٢).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « مَن ذَكَرَ الله فِي السرِّ فَقَد ذَكَر الله كثيراً ، إنَّ المنافقين كانُوا يذكرون الله علانيةً ، ولا يذكرونَهُ في السرِّ ، فقالَ اللهُ تعالى ( يُراؤُنَ النّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلّا قَلِيلاً ) (٣) (٤).

وثالثاً : أنَّ الصلاة كلّها توقيفيّة ، كمّيّة وكيفيّة ، فلا يثبت شي‌ء منهما بالاستحسانات الظنّيّة ، ولا مسرح فيهما للاعتبارات العقليّة.

الثاني : الأخبار المتضمّنة لكيفيّة صلاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة الإسراء. ومنها ما رواه الصدوق رحمه‌الله في الصحيح ، بإسناده عن محمّد بن حمران ، عن الصادق عليه‌السلام ، في حديث قال فيه : « إنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به إلى السّماء ، كان أوّل صلاة فرض الله عليه الظهر يوم الجمعة ، فأضاف الله عزوجل إليه الملائكة تصلّي خلفَه ، وأمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجهر بالقراءة ليبين لهم فَضْله » (٥).

وفيه : أنَّه ظاهر في أنَّ الجهر حينئذ إنَّما هو لخصوصية الجماعة وظهر الجمعة ، ولهذا تركه في العصر لمّا لم يضف إليه الملائكة.

فقصاراه الدلالة على أصالته في الجماعة في نهار الجمعة ، ظهراً أو جمعة ، والمدّعى إنّما هو الأصليّة على وجه الكليّة.

الثالث : أنَّ الأصل يقال على الدليل والاستصحاب والراجح والقاعدة ، ولا يخفى عدم إرادة الأوّل ، فتعيّن إرادة الثلاثة الأُخر.

فأمّا الرجحان ؛ فلما عرفت من أنّ الصلاة إنّما هي تحميد ودعاء وذكر وثناء ، فالراجح فيها الجهر كما مرّ التصريح به من البعض.

__________________

(١) الأعراف : ٢٠٥.

(٢) الكافي ٢ : ٥٠١ / ١ ، الوسائل ٧ : ١٦٤ ، أبواب الذكر ، ب ١١ ، ح ٢.

(٣) النساء : ١٤٢.

(٤) الكافي ٢ : ٥٠١ / ٢ ، الوسائل ٧ : ١٦٤ ، أبواب الذكر ، ب ١١ ، ح ٣.

(٥) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ٩٢٥ ، الوسائل ٦ : ٨٣ ، أبواب القراءة ، ب ٢٥ ، ح ٢.

٢٣٨

وأمّا القاعدة ؛ فلأنّ المراد بها هنا الأمر المستمر كالقانون ، وقد عرفت مداومة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على الجهر واستمراره عليه.

وأمّا الاستصحاب ؛ فلما دلّ عليه صحيح محمّد بن حمران من أنّ أوّل صلاة شرّعت إنّما هي بالجهر ، فيرجع إليه حالة الشكّ في الحكم.

ولا يخفى ما فيه من عدم الدلالة والتأييد ، بعد الإحاطة بما ذكرناه من القول السديد.

أمّا رجحان الجهر في الأذكار والاستمرار ، فقد عرفت ما فيهما من المنع والإنكار.

وأمّا الاستصحاب فلتغيّر الموضوع بفوات الخصوصيّات المأخوذة قيداً فيه ، كما لا يخفى على نبيه ، ولو للشكّ في بقاء الموضوع مع القطع بزوال بعض القيود.

وحينئذ ، فما جنح إليه البعض من احتمال أصالة الجهر بعد ما وقفت على ما حرّرناه لا يعوّل عليه ولا يستند إليه.

الاستدلال على أصالة الإخفات

ومثله ما استند له بعض الإثبات من احتمال أصالة الإخفات ، قال رحمه‌الله محشّياً على صحيح الفضل بن شاذان (١) المعلّل للجهر في بعض الصلوات دون بعض بأنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة ، فوجب أنْ يجهر فيها ليعلم المارُّ أنَّ هنا جماعة تصلّي ، وصحيح محمّد بن حمران (٢) المعلّل للجهر في الجمعة والعشاءين والغداة ، والإخفات في الظهرين ، وخبر يحيى بن أكثم (٣) المعلّل للجهر في الصبح بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يغلس بها ما لفظه :

( لعلّ فيه دلالة على أنّ أصل الصلاة بالإخفات ، وإنَّما جهر في بعض الصلوات لعلّةٍ ، هي إعلام المارّ بأنّ هناك جماعة تصلّي. بل هو صريح في أنّ الصلوات التي يجهر فيها إنّما هي في أوقات مظلمة ، فوجب أن يجهر فيها للعلّة المذكورة. وفي

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٠٣ / ٩٢٧ ، الوسائل ٦ : ٨٢ ـ ٨٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٥ ، ح ١.

(٢) الفقيه ١ : ٢٠٢ / ٩٢٥ ، الوسائل ٦ : ٨٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٥ ، ح ٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٣ / ٩٢٦ ، الوسائل ٦ : ٨٤ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٥ ، ح ٣.

٢٣٩

الحديث الثاني دلالة على أنّ إجهار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بصلاة الجمعة والمغرب والعشاء إنّما هو لأجل تبيين فضله عند الملائكة ، والإجهار في الصبح لأجل تبيين فضله عند الناس. وفي الحديث الثالث أنَّه إنّما جهر بها ؛ لأنّه عليه‌السلام يغلس بها ) انتهى كلامه ، علت في الخلد أقدامه.

أقول : لا يخفى أنّ ما ذكره غير ناهض بالمدَّعى ، إذ التعليل لم يتوجّه إلى نفس الجهر من حيث هو ، وإنّما توجّه إلى ما هو أعمّ منه ؛ وذلك أنّه لمّا انتقش في ألواح الفِطَن السليمة ، وانغرس في حدائق الفِطَر المستقيمة غير السقيمة ، قبحُ ترجيح أحد المتساويين بلا مرجّح ، توجّه السؤال عن جعل الجهر في بعض الصلوات ، والإخفات في بعضها ، حيث قد صدر من الحكيم المطلق ، وكانت تلك الصلوات بأسرها مرادة له ، فأُجيب بوجه الترجيح.

الاستدلال على أصالة كلّ من الجهر والإخفات

والتعليل لا ينافي الأصالة كما يحكم به الذهن الرجيح ، وقد ثبت أنّ العلل الشرعية إنّما هي معرِّفات تقريبية لا حقيقية ، فهي إمّا للتقريب للإفهام القاصرة بالنكت الظاهرة ، أو لبيان وجه المصلحة أو الداعي والحكمة.

وأيّا ما كان لا يلزم عدم الأصالة ، ألا ترى أنّ أصل فرض الصلاة إنّما هو القصر مثنىً مثنىً ، كما نطقت به أخبار أهل الذكر عليهم‌السلام (١) ، مع أنّ قصر الرباعية في السفر وردّها إلى الأصل معلّل بالتخفيف من الله تعالى على عبده « لموضع سفره ونصبه ، واشتغاله بأمر نفسه ، وظعنه وإقامته ؛ لئلّا يشتغل عمّا لا بدّ منه في معيشته ، رحمة من الله ، وتعطّفاً عليه » (٢) ، كما في الخبر.

بل لو كان مجرّد التعليل منافياً للتأصيل لزم انقلاب الدليل ؛ إذ قد تضمّن صحيح الفضل (٣) تعليل عدم الجهر في صلاة النهار ؛ لكونها في أوقات مضيئة ، فهي من جهة

__________________

(١) علل الشرائع ٢ : ١٧ ـ ١٨ / ١ ، الوسائل ٤ : ٨٩ ، أبواب أعداد الفرائض ، ب ٢٤ ، ح ٧.

(٢) علل الشرائع ١ : ٣٠٩ ، الوسائل ٨ : ٥٢٠ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٢ ، ح ١٢.

(٣) الفقيه ١ : ٢٠٣ / ٩٢٧ ، الوسائل ٦ : ٨٢ ٨٣ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٥ ، ح ١.

٢٤٠