الفوائد المدنيّة

محمّد أمين الإسترابادي

الفوائد المدنيّة

المؤلف:

محمّد أمين الإسترابادي


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-511-04
الصفحات: ٥٩٢

الْكِتابِ مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (١) وقال سبحانه : ( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‌ءٍ ) (٢) وإنّما فعلوا ذلك طلبا للرئاسة ـ كما قلنا آنفا ـ وأوقعوا الخلاف والمنازعة بين الامّة ، فهم يهدمون الشريعة ويوهمون من لا يعلم أنّهم ينصرونها.

وبهذه الأسباب تحزّبت (٣) الامّة ووقعت العداوة بينهم وصاروا (٤) إلى الفتن والحروب ويستحلّ بعضهم دماء بعض. فإن اتّعظ (٥) بعض من يعرف الحقّ من العلماء وخاطب بعض رؤسائهم في ذلك وخوّفه بالله وأرهبه من عذابه عدل إلى العوامّ وقال لهم : هذا فلان! وأغرى العوامّ به ونسب إليه من القول ما لم تأت به شريعة ولا يقوله عاقل ، ولا يتمكّن ذلك العالم من أن يبيّن للعوام كيف جري الأمر في الشريعة ويوقظهم ممّا هم فيه ، لمكان ما قد علمه من عصيانهم والفهم بما قد نشئوا عليه خلفا عن سلف.

ولمّا رأى رؤساؤهم ذلك وأنّ العلماء مشمئزّة من العوامّ جعلوا ذلك شرفا لهم عندهم وأوهموهم أنّ ذلك انقطاع منهم عن القيام بالحجّة وإنّما سكوتهم وتخفّيهم لباطل يمنعهم وأنّ الحقّ هو ما أجمعنا عليه نحن ، فلا يزال ذلك دأبهم. والرؤساء فيهم يتزايدون في كلّ يوم واختلافاتهم تزيد واحتجاجاتهم ومناظراتهم وجدلهم تكثر ، حتّى هجروا أحكام الشريعة وغيّروا كتاب الله بتفسيرهم له بخلاف ما هو به كما قال سبحانه وتعالى : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ) (٦).

وفي أصل أمرهم قد خرّبوا الامّة من حيث لا يشعرون ، وتأوّلوا أخبار الرسول بتأويلات اخترعوها من أنفسهم ما أنزل الله بها من سلطان ، وقلّبوا المعاني وحملوها على ما يريدون ممّا يقوّي رئاستهم. وتفسيق أهل العلم دأبهم عند العوامّ ، يتوارث ذلك ابن عن أب وخلف عن سلف إلى أن يشاء الله إهلاكهم وانقراضهم ، ولم يزل هؤلاء الّذين هم علماء العوام أعداء الحقّ في كلّ أمّة وقرن ، فكم من نبيّ قتلوه ووصيّ جحدوه وعالم شرّدوه ، فهم بأفعالهم هذه يكونون أسبابا في نسخ الشرائع

__________________

(١) الانعام : ٣٨.

(٢) النحل : ٨٩.

(٣) من المحتمل : تخرّبت.

(٤) كذا في المصدر ، في النسخ : تتأدى.

(٥) كذا في المصدر ، وفي النسخ : فإن امتنع.

(٦) المائدة : ١٣.

٥٤١

وتجديدها في سالف الدهور إلى أن يتمّ وعد الله ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ ) (١) ( وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٢) ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ * إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ ) (٣) فهذه العلّة هي السبب في اختلاف الآراء والمذاهب.

وإذا كان ذلك كذلك فيجب على طالب الحقّ والراغب في الجنّة أن يطلب ما يقرّبه إلى ربّه ويخلّصه من بحر الاختلاف والخروج عن سجون أهله ، وإن غفلت النفس عن مصالحها ومقاصدها وترك طريق الجنّة والحقّ وأهله والدّين الّذي لا اختلاف فيه وانضمّ إلى أهل الخلاف وإلى رؤسائهم الأصنام المنصوبة كان ذلك سبب بوارها وهلاكها وبعدها عن جوار الله سبحانه وتعالى وقرنت بعفريت ، قال الله سبحانه وتعالى : ( وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ) (٤) فهكذا يكون حاله مع عالمه الّذي اقتدى به وغرّه بربّه. وجماعة العوامّ حوله وينمّق كلامه فيعبده من حيث لا يشعر ، لأنّه إذا حلّل بقوله وحرّم بقوله ورأيه فقد عبده ، قال الله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ ) (٥) فعليك أيّها الأخ البارّ الرحيم أيّدك الله بأهل العلم الّذين هم أهل الذكر من أهل بيت النبوّة المنصوبين لنجاة الخلق وقد قيل : استعينوا على كلّ صناعة بأهلها (٦) *.

______________________________________________________

* هذا الكلام كلّه من أوّله إلى آخره حكاية حال ما وقع بعد وفاة الرسول وزمان الأئمّة ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ ممّا هو مخصوص بحال العامّة. ومثله نقل كثير عن الأئمّة وغيرهم ، ويظهر من المصنّف إثبات هذه الأوصاف لمن يسي‌ء هو الاعتقاد فيهم من العلماء. وأنّه أورد هذا الكلام للدلالة على صحّة دعواه واعتقاده ، وجعل صاحبه من أهل التحقيق المطّلعين على المذهب الصحيح والحقّ الصريح ، والحال أنّه فاسد المذهب كما صرّح به من أنّه من الواقفة ،

__________________

(١) فاطر : ١٦ ـ ١٧.

(٢) الأعراف : ١٢٨.

(٣) الأنبياء : ١٠٥ ـ ١٠٦.

(٤) الزخرف : ٣٦ ـ ٣٨.

(٥) الأنبياء : ٩٨.

(٦) إخوان الصفاء ٣ : ١٥٢ ـ ١٥٦ ، مع اختلاف كثير في العبارات.

٥٤٢

انتهى ما أردنا نقله عن كتاب « إخوان الصفا ».

وأنا أقول : أيّها الأخ اللبيب والحكيم الأديب! انظر وتدبّر كيف اطّلع أهل التحقيق من الصوفيّة المتشرّعين ومن الفلاسفة الإسلاميّين على المذهب الصحيح والحقّ الصريح؟ وكيف تغافلت أو غفلت عنه أقوام من العرب ، الوالهون في تشييد أركان الرئاسة ، الحريصون في رجوع الخلق إليهم في أحكام الشريعة؟ فضلّوا وأضلّوا ، فاستحبّوا العمى على الهدى وهم عارفون ، ثمّ تبعهم الغافلون.

والمعصوم أرباب العصمة. ومن تمسّك بهم في كلّ مسألة لا يمكن عادة أن يقع

______________________________________________________

فدعاه الهوى إلى الشهادة له على الاطّلاع على المذهب الصحيح ، حيث ظنّ أنّ كلامه مؤيّد لاعتقاده ، فإن كانت الشهادة حقّا بالاطّلاع على الحقّ ، فلأيّ شي‌ء ذهب إلى الوقف ولم يتّبع الحقّ الّذي اطّلع عليه؟ ومع ذلك لم يكن في زمانه من العلماء الّذين أرادهم المصنّف أحد حتّى يصفه ويعيّنه بهذه الصفة ولا غيرهم ممّن يعتقد المصنّف مشاركتهم لهم في فعلهم الّذي قبّحه المصنّف.

وكلام هذا المتكلّم هو صورة ما وقع في زمن الخلفاء من انحرافهم عن أهل البيت عليهم‌السلام وعن مذهبهم وبذلهم أموالهم للعلماء والقضاة لإظهار ما يخالف مذهب الأئمّة عليهم‌السلام خصوصا في زمن أبي حنيفة وقد صرّحت الأئمّة بالشكاية من ذلك وبيان باطله والتحذير منه بما لا نسبة له في الزيادة والتكرار إلى كلام هذا المتكلّم. وهو أمر مختصّ بمن خالف مذهب الأئمّة وانحرف عنهم وعمل بالرأي والقياس استغناء عن سؤالهم والرجوع إليهم واتّبع أوامر الخلفاء في تغيير المعهود في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومخالفة المرويّ بالنصّ المتواتر.

وفي كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ في شرح ما حصل من جملة كلامه ما معناه : إنّه لمّا استمرّ ما حصل من التغيير والتبديل ومخالفة الحقّ ولم يكن إلّا ذلك توجّه للمتأخّر الجاهل حسنه واعتقد صحّته بعد مضيّ المتقدّم العارف واعتقد أنّ هذه الطريقة لو لم يكن حقّا لما ارتضاها المتقدّم العارف ، ولا يعلم منه وجه أصل سلوكها أكان بحقّ أو باطل؟ والناس على دين ملوكهم ، فجميع ما ورد في الحديث والخطب ومثل هذا الكلام راجع إلى ما أشرنا إليه ، وهو يقتضي أن يكون المتّصف به خارجا عن الإسلام فضلا عن الإيمان ، وعدوّا لأهل البيت ، فيجوز لمن يخاف الله أن ينسبه إلى علماء مذهبهم وشيعتهم ، وأيّ عالم منهم يجوّز العقل فيه أن تثبت له صفة من هذه الأوصاف؟ أو أيّ فعل صدر منه مخالف لمذهب أهل البيت؟

٥٤٣

فيها غفلة أو زلّة ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

وقد وقع الفراغ من تحرير الفوائد المدنية وحقائق قواعد الاصول الدينيّة في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وثلاثين بعد الألف من الهجرة النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله.

في مكّة المعظّمة ـ زادها الله شرفا وتعظيما ـ

______________________________________________________

نعم ما وقع من كلام هذا الرجل في مورد الذمّ من قوله : « خالف تعرف » متحقّق في حال المصنّف. وكأنّه وما كفاه ما نسبه إليهم واجترأه عليهم سابقا حتّى جعل خاتمته بتعريض هذه المناكر القبيحة المخرجة عن الإسلام بحالهم وأوصافهم.

ونعوذ بالله من الإصرار على الضلالة! ومن الدخول في مصداق قوله تعالى : ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ).

ونسأل الله من واسع كرمه وفضله أن يمنّ علينا وعليه بالمسامحة في الخطأ والزلل ، وأن يوفّقنا لما يرضيه في القول والعمل ، وأن يجعل نفوسنا منحطّة عن تصوّر كمال لها في طاعة أو رفعة توجب لها على غيرها الاتّباع والإطاعة ، وأن لا يجعل رغبتنا إلّا فيما لديه ، ولا نظرنا إلّا في الاتّكال عليه ، إنّه جواد كريم وبالمؤمنين رحيم.

والحمد لله أوّلا وآخرا وعلى كلّ حال ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم تسليما.

٥٤٤

المسائل الظهيريّة

الواردة من الشيخ حسين بن الحسن بن يونس بن يوسف بن ظهير الدين محمّد بن زين الدين عليّ بن الحسام الظهيري العاملي العيناثي ، استاذ الشيخ الحرّ [ صاحب الوسائل ] والمجيز له في ١٠٥١ والمترجم في أمل الآمل. والجوابات هذه للمولى محمّد أمين بن محمّد شريف الأسترآبادي المتوفّى بمكّة المعظّمة في ١٠٣٦.

الذريعة ٥ : ٢٢٧ ، الرقم ١٠٨٣

٥٤٥

كلمة من المحدّث الجليل الشيخ الحرّ العاملي في ترجمة صاحب المسائل :

الشيخ حسين بن الحسن بن يونس بن يوسف بن محمّد

ابن ظهير الدين [ بن عليّ ] بن زين الدين بن الحسام

الظهيري العاملي العيناثي

شيخنا ، كان فاضلا عالما ثقة صالحا زاهدا عابدا ورعا فقيها ماهرا شاعرا ، قرأ عنده أكثر فضلاء المعاصرين ، بل جماعة من المشايخ السابقين عليهم ، وأكثر تلامذته صاروا فضلاء علماء ببركة أنفاسه. قرأت عنده جملة من كتب العربيّة والفقه وغيرهما من الفنون ، وممّا قرأت عنده أكثر كتاب المختلف. وألّف رسائل متعدّدة ، وكتابا في الحديث ، وكتابا في العبادات والدعاء [ له شعر قليل ] وهو أوّل من أجازني. وكان ساكنا في جبع ومات بها رحمه‌الله.

أمل الآمل ١ : ٧٠ ، الرقم ٦٥

٥٤٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(١) نحمدك يا من هدانا سبيل الرشاد ودلّنا على المنهج الواضح والصواب ، ونشكرك يا من جعلنا من المتمسّكين بالعروة الوثقى من اولي الألباب ، ونصلّي ونسلّم على النبيّ المصطفى الأوّاب ، المنزّه دينه عن الشكّ والارتياب ، المفضّل كتابه الّذي جاء به على كلّ كتاب ، المبعوث كافّة للناس من عجم وأعراب ، وعلى عترته الأقربين ، المؤيّدين بالفيض الإلهي من ربّ الأرباب ، الأئمّة الهداة العالمين بتأويل الكتاب.

وبعد ، فإنّي وان كنت قاصرا عن رتبة المحصّلين وغير داخل في زمرة العلماء العارفين ، لكنّي بتوفيق إله العالمين ، راج أن أكون من المنصفين والآن قد وفّقني الله سبحانه وتعالى للوقوف على كتاب « الفوائد المدنية والفوائد المحمّدية » الّذي ألّفه مولانا وشيخ الأعلام وفقيه أهل البيت عليهم‌السلام الفاضل الكامل المحقّق وعلّامة الدهر ، ذو النفس الزكيّة والنفحة القدسيّة ، المؤيّد بالعناية الربّانيّة لتحقيق مذهب الإماميّة ، رئيس المتبحّرين وعمدة المحصّلين ، المشتهر بملّا محمّد أمين ـ أدام الله تعالى علاه ، وأعطاه في الدارين مناه ـ.

رأيته قد احتوى على نكت أبزرها ـ أيّده الله ـ من غصون الأخبار غريبة ،

__________________

(١) قد وردت هذه الأسئلة في آخر المطبوعة الحجريّة ، ناقصة من أوّلها قدر صفحتين غير متميّزة عن كتاب الفوائد المدنيّة ، وكنّا في أوائل عمليّة التحقيق متحيّرين ، من هو السائل ومن هو المسئول عنه! إلى أن قدم علينا السيّد الجليل الفاضل النبيل سماحة الحجّة السيّد حسين الموسوي دام إفضاله ( نزيل سراوان ) وأخبرنا باشتغاله بمهمّة تحقيق الكتاب ، فلمّا بلغه قيام المؤسّسة بهذا المشروع كفّ هو عن تتميم العمل. ثمّ تفضّل علينا سماحته حصيلة مجهوداته ومصوّرة النسخ الخطّية الّتي نال باقتنائها ، والّذي ظفر بها من نسخة خطّية كاملة لهذه الأسئلة من خزانة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي. ونحن نقدّم له شكرنا الجزيل سائلين الله له التوفيق في إحياء سائر آثار هذا المحدّث الأمين بعناية مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٥٤٧

ودقائق استخرجها من مظانّها عجيبة ، متّن فيه غرض شيوخنا الأعلام من المتقدّمين من الأخباريّين وغيرهم ، ونقد في هذا الكتاب على الأفاضل من المتأخّرين نقد ماهر متقن منصف نصير لقن فطن لبيب خبير ، لا تأخذه في الله لومة لائم.

فلله درّه! من مجاهد بذل في تحقيق مقاصد المتقدّمين جهده بلغ بذلك الغاية القصوى واستدرك على المتأخّرين الدقائق المطوية في أخبار العترة النبويّة ، فأزاح عن كلّ منهم علل البلول ، وخاض في كلّ فنّ من العلوم لا سيّما فقه الأحاديث عن أهل بيت العصمة ـ سلام الله عليهم ـ خوض متمسّك بالحبل الأقوى بتدقيق وتتبّع وإمعان نظر ، ابتغاء لإظهار الحقّ ، والنصيحة لأهل التقوى. فلمّا أخلص نيّته وبذل في المجاهدة همّته لحظه بعين العناية عالم السرّ والنجوى ، فعند ذلك كشف له الحجاب فاستخرج المكنون في أخبار الرسول ، فصار بيّنا للناظرين فكان كالبدر المنير وأضوى.

فانظر أيّها اللبيب! بعين البصيرة إلى ما حقّقه ـ أيّده الله ـ وتناوله بيد غير قصيرة ، والّذي أعتقده وأدين الله به إنّما منحه الله ـ جلّ ذكره ـ بهذا التحقيق الّذي قلّ من تنبّه إليه التنبّه التامّ أحد من متأخّري المتأخّرين ، لإخلاص عظيم وذوق سليم وفهم مستقيم ، ولمجاهدته أيضا في الله حقّ جهاده وفّقه سبحانه لمراده كما قال في الكتاب المبين ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) وغيرها من الآيات المحكمة في الكتاب.

فمن ثمّ أصاب الثواب وأبان الحقّ الواضح لاولي الألباب وأخذ العلم من معدنه وأخلص لله عمله ، فأوصله الله إلى ما أوصله ، فقرّر عند ذلك ما عليه الطائفة المحقّة من الدين الخالص من عقائدهم وشرائع دينهم وما يحتاجون ـ وجلّ ذلك ومعظمه مستفاد من أخبار أئمّتهم سلام الله عليهم ـ تقرير جازم حريص على حفظ الملّة الحنيفيّة والمذهب الّذي عليه الإماميّة. وكلّ ذلك على النهج السويّ المأخوذ من عترة آل النبيّ سلام الله عليهم.

فشكر الله سعيه وأطال بقاءه وجعل مدّته متّصلة بخروج حجّة الله على عباده وبقيّة الله في أرضه ، القائم من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسأل الله أن يجعله ممّن له الحظّ الوافر عنده عليه‌السلام وما ذلك على الله بعزيز ، وجزاه الله عن كلّ مؤمن منصف خيرا ،

٥٤٨

فلمثل هذا فليعمل العاملون ، ومن يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

ولا غرو أن يكون مثل هذا الفاضل الواصل في التحقيق إلى درجة الكمال والناقد على من قبله من فحول الرجال ، لأنّا قد وجدنا انّ غالب الرواة وأهل الولاية والمحدّثين من المشايخ الأعلام من أهل العجم ، فهم المتمسّكون بالحبل المتين : عترة المصطفى والكتاب المبين ، بل هم بمقاصد أئمّتهم ـ سلام الله عليهم ـ عارفون أكثر من غيرهم.

ولو قيل : إن التّحقيق في غالب العلوم محصور فيهم لكان جديرا.

وأيضا قد شاع وذاع عند كلّ ممارس على أنّ العلم لو كان في السهى [ بثريّا ] لناله رجال من فارس.

وأقول : إنّه قد يخطر في البال بطريق الاحتمال : ربما يعرض لبعض من لا تدبّر له إذا وقف على هذا التحرير في هذا الكتاب في أوّل وهلة قبل أن يتأمّل في معانيه ويجيل فكره في معانيه ولم يمعن تمام الإمعان فيه ، فحينئذ لم يتنبّه للصواب ، لوجوه :

منها : إمّا لتقصير في فهم ، وإمّا لعدم إحاطته واطّلاعه على كتب السلف.

ومنها : عدم المراعاة والإنصاف.

ومنها : أن يكون مقلّدا لغيره ، فيعتبر بمذهب من سلف من قدمائنا ، لالفة طريقتهم وحسن ظنّه بهم كأمثالنا بأهل هذا الزمان. وربّما يقول قائل منهم : غالب فقهائنا يعملون بالظنّ في بعض الأحكام الشرعية ، فكيف ينفرد صاحب هذه الفوائد في هذا الكتاب ويعمل بالقطع فيها؟ وكيف يخرج عن سمت من قبله؟ هذا عجيب! كأنّه لم يعلم أنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء من عباده.

ومنها : من يتعلّل بـ « لم » و « كيف » وأمثال ذلك من التعليلات الكاسدة والأفهام الباردة ، ولو تدبّر قوله تعالى في الذكر الحكيم : ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) (١) لأراح نفسه من هذه الاحتمالات.

__________________

(١) يوسف : ٧٦.

٥٤٩

وعلى كلّ حال ، فإنّ الحقّ قد اتّضح بغير مين وأضاء الصبح لذي عينين.

ومن لطائف ما يناسب ما نحن فيه : ما نظمه مولانا وشيخنا العلّامة والحبر المحقّق الفهّامة الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن ابن العالم الربّاني الشهيد الثاني ـ قدّس الله سرّهما ـ من جملة قصيدة له مسمّاة بـ « النفحة القدسيّة لإيقاظ البريّة » فإنّه قال ، ونعم ما قال :

وأين الّذي للفقه في الدين يبتغي

يقينا إذا استفيضت عليه مسائله

أو المستشير العزم للسير قاصدا

إلى وجهه شمار منها تناوله

فيوقل في الآفاق شرقا ومغربا

الا في سبيل الله ما هو فاعله

وما ذاك وجد القوم فرض كفاية

وقد درست آياته ومنازله

بل فرض عين يلحق الكلّ حكمه

بلا مزية قامت عليه دلائله

وإن أمره شي‌ء ويصبح مخلدا

إلى الأرض لا يلقى فقيها يسائله

ويحسب جهلا أنّه فاز بالتقى

وأدرك في الخيرات ما هو أهله

لفي غمّة من أمره وكأنّه

لفرط هواه فاقد العقل تأكله

وأين الّذي إن جاره من مذكر

حديث رشاد بالقبول يقابله

ومن ذا الّذي عرفته عيب طبعه

لا يستقيم حتّى تقوم مائله

لقد نال في الناس العدوّ مرامه

وليس لهم علم بما هو عامله

وممّا يناسب ذلك أيضا ما أنشده الشيخ الفاضل الأديب ناصر البويهي الّذي آباؤه بنوا الحضرة الغروية ـ على مشرّفها ألف سلام وتحيّة ـ ولآبائه مقبرة في النجف تعرف بمقبرة السلاطين ، فإنّه قال من جملة قصيدة أنشدها لبعض أجدادي حين أخّره عن درسه ، فأرسل إليه أبياتا يعاتبه فيها ، من جملتها هذا البيت :

وما كلّ من أدلى من البئر دلوه

يساق ولا من صفّح الكتب فاضل

وبالجملة ، فإنّ كلّ من لم يكن من المجاهدين كجهاده يتعيّن عليه أن يكون من المقلّدين ، كما قال الله سبحانه : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) (١) وقال جلّ

__________________

(١) يونس : ٣٥.

٥٥٠

ذكره : ( أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ) (١) وغير ذلك من الآيات.

وإذا لم يمكّن أيّها المولى ـ أيّدكم الله ـ أحد من القاصرين السماع منكم ولا الوصول إلى جهتكم فالمأمول منكم ـ أيّدكم الله بالعمر الطويل ـ تأليف كتاب وجيز في الفقه فيه مختاركم وما تذهبون إليه وتعتمدون عليه ، وإن لم يمكن فحاشية مختصرة على مختصر المحقّق الحلّي قدس‌سره فيها مختاركم ، قاصدين بذلك نفع المؤمنين المريدين وانتعاش القاصرين ، فإنّكم قد احطتم بمذهب أهل البيت خبرا واستغنمتم في كلّ فنّ من العلوم بتوفيق إلهيّ من الحيّ القيّوم ، لأنّ من شاهدناه في هذا الزمان من الناس في غمرة ساهون ، فلا بأس أيّها الوليّ بإيقاظهم من سنة الغفلة بتأليف كتاب لعلّهم إليه يرجعون وبه يعملون ، لأنّ القاصر إذا لم يمكنه الوصول إلى ما وصل به أهل التحقيق يتعيّن عليه التقليد للأعلم من أهل التدقيق والرجوع والعمل بما قاله واختاره ، حتّى يخرج من يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وحينئذ يبقى الدين الخالص ، نرجوا من الله تعجيل الفرج ، فينبغي إسعاف الإخوان المؤمنين بإظهار الحقّ المبين لقوله تعالى : ( وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢).

وكنت قديما أيّها المولى ـ أيّدكم الله تعالى ـ أتعجّب كثيرا في اختلاف أصحابنا ـ رضي‌الله‌عنهم ـ في المسائل الكثيرة ، وليس لي قوّة ولا ملكة أقتدر بها على مناقشتهم لقلّة بضاعتي في العلم المستند إلى تقصير في المجاهدة ، وقد مضى عمري بغير فائدة توصلني إلى حالة أعذر فيها وأنا خائف وجل ، والآن قد كبر سنّي عن الاستعداد ، فهل يكفيني العمل بمجموع ما قاله الفقهاء؟ وهل يصلح هذا عذرا أم لا؟

وهاهنا بعض مسائل خطرت بالبال اريد أن أسألكم عنها ، ولا تؤاخذني بإساءة الأدب من عبارة ركيكة وخلل ، فإنّي مقرّ بالتقصير في العلم والعمل.

مسألة : ما تقولون ـ أيّدكم الله تعالى ولطف بكم ـ هل يكفي الإنسان في عقيدته واعتقاده العلم الإجمالي في التوحيد؟ لأنّه قلّ أن ينفكّ عمّن له أدنى عقل. والّذي أعتقده : أنّ جميع ما سوى الله سبحانه وتعالى حادث عن العدم جوهرا كان

__________________

(١) الأنعام : ٩٠.

(٢) الروم : ٤٧.

٥٥١

أم عرضا بسيطا كان أم مركّبا ، وأنّه تعالى جلّ ذكره لا قديم إلّا هو ، وأنّه واجب الوجود لذاته ، وأنّه عالم حيّ سميع بصير غنيّ أزلي أبدي مريد كاره متكلّم صادق ، منزّه عن الجوهرية والعرضية وجميع لوازمها ، وأنّه واحد أحد بري‌ء عن الشريك والانقسام الذهني والخارجي ، وأنّ قدرته وعلمه يعمّان كلّ مقدور ومعلوم ، وأنّه لا يتّحد لغيره ، وأنّ صفاته عين ذاته ، كما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه « من تمام توحيده نفي الصفات عنه » (١) وأنّ كلامه حروف وأصوات مخلوقة مقروءة مسموعة موسومة بالحدوث ، وأنّه تعالى منزّه عن الإدراك بالبصر في الآخرة ، وأنّ كنه ذاته ممّا لا تصل إليه أيدي العقول والأفكار.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به ، وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، بشهادة كلّ صفة بأنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه وتعالى فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثنّاه ، ومن ثنّاه فقد جزّأه ، ومن جزّأه فقد جهله (٢).

والأخبار الواردة في التوحيد أكثر من أن تحصى :

منها : ما رواه ثقة الإسلام في الكافي بسند حسن ـ على اصطلاح المتأخّرين ـ عن ابن أبي عمير قال دخلت على سيّدي موسى عليه‌السلام فقلت : يا ابن رسول الله علّمني التوحيد ، فقال : يا محمّد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله في كتابه فتهلك ، واعلم أنّ الله تبارك وتعالى واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ، ولم يتّخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا ، وأنّه الحيّ الّذي لا يموت ، والقادر الّذي لا يعجز ، والقاهر الّذي لا يغلب ، والحكيم الّذي لا يعجل ، والدائم الّذي لا يبيد ، والباقي الّذي لا يفنى ، والثابت الّذي لا يزول ، والغنيّ الّذي لا يفتقر ، والعزيز الّذي لا يذلّ ، والعالم الّذي لا يجهل ، والعدل الّذي لا يجور ، والجواد الّذي لا يبخل ، وأنّه لا تقدّره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، ولا يحيط به الأفكار ، ولا يحويه مكان ، ولا تدركه الأبصار

__________________

(١) تحف العقول : ٦١ ، الاحتجاج ١ : ٢٠٠. وفيهما بدل « تمام » : نظام.

(٢) نهج البلاغة : ٣٩ ، الخطبة ١.

٥٥٢

وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ، ليس كمثله شي‌ء وهو السميع البصير ، ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم ولا خمسة إلّا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلّا هو معهم أينما كانوا ، وهو الأوّل الّذي لا شي‌ء قبله ، والآخر الّذي لا شي‌ء بعده ، وهو القديم وما سواه محدث مخلوق ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّا كبيرا (١).

وغير ذلك من الأخبار الّتي أوردها في الكافي ثقة الإسلام ، وأوردها رئيس المحدّثين في كتابه كتاب التوحيد.

وأمّا العلم التفصيلي المقرّر في علم الكلام والبحث عن كلّ مسألة مسألة ليس لي على الإحاطة ، بل لو الزمت عن الجواب عن كلّ مسألة منه لعجزت عن ذلك ، فهل يكفي في التوحيد ما وقع في ذهني من المعرفة الإجمالية مع مساعدة ظاهر الآيات القرآنية والأخبار الواردة عن العترة النبوية أم لا؟ وكذلك أعتقد أنّه ـ جلّ ذكره ـ أرسل رسلا ببيّنات وحجج لهداية عباده إليه ودلالتهم عليه ، أوّلهم آدم عليه‌السلام وآخرهم خاتم الأنبياء والمرسلين وأشرف الأوّلين والآخرين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ خليفته بلا فصل أفضل البشر من بعده أمير المؤمنين ـ سلام الله عليه ـ بالنصّ عليه وبعده الأئمّة الأحد عشر من ولده واحدا بعد واحد إلى صاحب الأمر والزمان محمّد بن الحسن المهدي ـ سلام الله عليهم أجمعين ـ وأنّ المهدي عليه‌السلام حيّ مستور عن الناس إلى أن يأذن الله له بالخروج ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وقال بعض الأفاضل (٢) : إنّ ما في الاصول من النبوّة والإمامة والمعاد الجسماني يستفاد من الكتاب والسنّة النبويّة والإماميّة بحيث لا مزيد عليها. فظهر أنّ تحصيل الإيمان لا يتوقّف على تعلّم علم الكلام ولا المنطق ولا غيرها من العلوم المدوّنة بل يكفي مجرّد الفطرة الإنسانيّة على اختلاف مراتبها والتنبيهات الشرعيّة من الكتاب والسنّة المتواترة أو الشائعة المشهورة بحيث يحصل من العلم [ بها ] العلم بالمسائل المذكورة ، فكلّ ممكن برهان ، وكلّ آية حجّة ، وكلّ حديث دليل ، وفهم المقصود استدلال ، وكلّ عاقل مستدلّ وإن لم يعلم الصغرى ولا الكبرى ولا التالي ولا المقدّم

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكافي ، رواه الصدوق في التوحيد : ٧٤ ، ح ٣٢.

(٢) لم نقف عليه.

٥٥٣

بهذه العبارات والعنوانات والاصطلاحات. انتهى كلامه رحمه‌الله فهل هو كما قال أم لا؟

وقال هذا الفاضل أيضا : إنّ علم الكلام إسلاميّ وصفه المتكلّمون بمعرفة الصانع وصفاته ، ذهبوا إلى أنّ الطريق منحصر فيه أو هو أقرب الطرق. والحقّ أنّه أبعدها وأصعبها وأكثرها خوفا وخطرا ؛ ولذلك نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الغور فيه ، حيث روي أنّه مرّ على شخصين مباحثين عن مسألة القضاء والقدر فغضب عليهما حتّى احمرّت وجنتاه (١).

وأورد هذا الفاضل رواية عبد الله بن سنان حين استئذان مؤمن الطاق في الدخول على أبي عبد الله عليه‌السلام. وأورد أيضا رواية أبي عبيدة الحذّاء المتضمّنة للنهي عن الكلام والخصومات. وأيضا رواية جميل بن درّاج قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « متكلّمو هذه العصابة من شرار من هم منهم » (٢). وعنه عليه‌السلام « يهلك الناس أهل الكلام وينجو المسلمون » (٣) وروي في موضع آخر « أنّ شرّ هذه الامّة المتكلّمون » (٤).

وأورد في المقام روايات اخر قرّر هذا المعنى ، ونقل كلاما آخر لابن طاوس (٥) يساعد كلامه ومدّعاه.

فهل ما قاله هذا الفاضل حقّ أم لا؟ وكان كلامه بحسب الظاهر شديد.

مسألة : ما وجه اختلاف أصحابنا الإماميّة في المسائل الشرعيّة سيّما المتأخّرون ، حتّى أنّ الواحد منهم ربّما خالف نفسه في المسألة الواحدة مرّتين أو مرارا ، وأطنبوا الكلام في الأحكام الشرعيّة وأسهبوا في الفروع الفقهيّة غاية الإسهاب ، وأكثروا التأليفات من كتب صغار وكبار يعجز الإنسان عن الإحاطة ببعضها أو يحصل الملل بمطالعتها لكثرة فروعها ، وفروض ذكروها قليلة الوقوع فما سبب هذا الانتشار العظيم؟

وكان الّذي يخطر بالبال إنّما هو لمضاهات أهل الخلاف والعامّة الطريق الّذي سلكوه ، لأنّهم اتّكلوا على رأيهم الفاسد وظنّهم الّذي لا يغني من الحقّ شيئا ،

__________________

(١) لم نقف على مأخذها.

(٢) كذا ، وفي كشف المحجّة : من شرارهم.

(٣) البحار ٢ : ١٣٢ ، وفيه : يهلك أصحاب الكلام ....

(٤) لم نقف على مأخذه.

(٥) كشف المحجّة : ٦٢ ـ ٦٣.

٥٥٤

فأطنبوا عند ذلك وأسهبوا واقتدوا باناس ناكثين عن الصراط المستقيم ، ادّعوا أنّهم أئمّتهم ، فنظيرهم كما حكى الله عزوجل عن الامم الماضية قبلهم بقوله سبحانه وتعالى : ( إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ ) (١) فالويل لهم! لكونهم لم يتمسّكوا بالعترة النبويّة ـ سلام الله عليهم ـ بغضا ونصبا وعنادا ابتغاء لإطفاء نور الله ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون.

وأمّا أصحابنا الإماميّة كان الأولى بهم ـ بحسب الوجدان ـ أن لا يجاوزوا الاختصار وعدم الإكثار والاكتفاء بما روي عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام لأنّهم عيبة علم الله والرسول وأهل بيت النبوّة وصاحب البيت أدرى بما فيه ، وعلمهم لدنيّ من عند الله تعالى وأهل الفيض الإلهي ، وليس لغيرهم هذه المزيّة العظمى ، فاتّباع أقوالهم والاغتراف من بحار علومهم والاعتراف بفضلهم أولى وأجدر مع أنّهم عليهم‌السلام قد بذلوا النصح لمن والاهم من الشيعة كما أفدتم في الفوائد ، فكان الأنسب لأصحابنا الإماميّة الاقتصار على ما تضمّنه أحاديث أئمّتهم وانتزاع المذهب الحقّ منه كما نبّهتم عليه من طريق القدماء ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ وليس ذلك بإيرادي عليهم ـ رضي‌الله‌عنهم ـ بل احتمال خطر بالبال لأنّي قاصر عن رتبة الكمال.

مسألة : ما تقولون ـ رضي الله عنكم ـ فيما نقل عن علم الهدى السيّد المرتضى رحمه‌الله من ادّعائه الإجماع في مسائل عديدة :

منها : أنّه ادّعى الإجماع على وجوب التكبيرات في كلّ ركعة للركوع والسجود والقيام بينهما ووجوب رفع اليدين بها (٢).

ومنها : دعواه الإجماع أنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوما (٣).

ومنها : دعواه الإجماع أنّ خيار الحيوان ثابت للمتبايعين (٤).

ومنها : دعواه الإجماع أنّ الشفعة تثبت في كلّ مبيع من حيوان وعروض ومنقول وقابل للقسمة وغيره (٥).

ومنها : دعواه الإجماع أنّ أكثر الحمل سنة (٦).

__________________

(١) الزخرف : ٢٣.

(٢) الانتصار : ١٤٧.

(٣) الانتصار : ١٢٩.

(٤) الانتصار : ٤٣٣.

(٥) الانتصار : ٤٤٩.

(٦) الانتصار : ٣٤٥.

٥٥٥

ومنها : دعواه الإجماع أنّ الهبة جائزة ما لم تعوّض وإن كانت لذي رحم (١).

ومنها : دعواه الإجماع على أنّ المهر لا تصحّ زيادته عن خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا فما زاد عنها يردّ إليها (٢).

ومنها : دعواه الإجماع على أنّ العقيقة واجبة (٣) وغير ذلك وهو كثير.

وكذلك شيخ الطائفة المحقّة على هذا المنهاج ، فإنّه رضى الله عنه ادّعى الإجماع في مسائل كثيرة مع أنّهما ـ رضي‌الله‌عنهما ـ من رؤساء المتقدّمين وملاذ الإمامية ، المحقّقون (٤) وتراجمة الفقه والحديث والاصول ، فما المراد ـ أيّدكم الله تعالى ـ بإجماعهما؟ إن كان المراد به دخول المعصوم عليه‌السلام في قول المجمعين فهو الحجّة ، وإلّا (٥) فحينئذ لا ينبغي العدول عن قولهما ، بل يتعيّن اتّباعهما في كلّ ما أجمعا عليه ، مع أنّه قلّ من عمل بذلك. وإن كان المراد به الكثرة والشهرة كما هو المشهور عند بعض المتأخّرين فكان الأنسب لهما ـ رضي‌الله‌عنهما ـ أن ينبّها على ذلك حتّى ينتفي الريب من القاصرين.

وكذلك دعوى جماعة من الفقهاء الإجماع كمحمّد بن إدريس والعلّامة الحلّي وغيرهما ، فإنّهم سلكوا على هذه السنن. ونحن لقصورنا عن الاستعداد لم نفهم المراد بالتفصيل الّذي لا ريب فيه ، فالمأمول منكم ـ رضي الله عنكم ـ تبيين ذلك هنا شافيا كافيا فإنّكم المحيطون خبرا.

مسألة : في صلاة الجمعة أمّا مع حضور الإمام فلا كلام في الوجوب العيني. وإنّما الكلام في غيبته عليه‌السلام كزماننا هذا ، فإنّ لأصحابنا فيه أربعة أقوال :

القول الأوّل : إنّها واجبة عينا على كلّ مكلّف عدا ما استثني. وبه صرّح الشهيد الثاني في رسالة الجمعة (٦) وقد أطنب البحث فيها وشكا من أهل زمانه وأظهر التألّم منهم جدّا ، وتبعه على ذلك تلميذه السيّد على الصائغ (٧) وابنه صاحب المنتقى يميل

__________________

(١) الانتصار : ٤٦٠.

(٢) الانتصار : ٢٩٢.

(٣) الانتصار : ٤٠٦.

(٤) كذا ، والمناسب : المحقّقين.

(٥) كذا ، والظاهر زيادة : وإلّا.

(٦) رسائل الشهيد الثاني : ٥٠.

(٧) له كتاب شرح الشرائع وكتاب شرح الإرشاد ، وغير ذلك ، راجع روضات الجنّات ٤ : ٣٧٨.

٥٥٦

أيضا إلى ذلك (١) وسبطه صاحب المدارك كذلك (٢).

والأخبار كما لا يخفى عليكم مطلقة متظافرة ومع ذلك معظمها قويّ الإسناد : منها : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام (٣). ومنها : صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن الصادق عليه‌السلام (٤). ومنها : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٥). ومنها : صحيحة عمر بن يزيد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (٦).

ومنها : صحيحة الفضل بن عبد الملك قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ... (٧).

ولو لم يكن إلّا قول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم : « من ترك الجمعة ثلاث جمع متوالية طبع على قلبه » (٨) وفي خبر آخر : « ختم على قلبه بخاتم النفاق » (٩) وغير ذلك من الأخبار المشتملة على التهويل العظيم. وعموم القرآن أيضا مطلق ما تقولون في هذا القول لطف الله بكم.

والقول الثاني ـ وهو المنسوب إلى الأكثر ـ : أنّ الوجوب في حال الغيبة تخييري بينها وبين الظهر. وهو المعبّر عنه بالاستحباب عندهم ، أرادوا بذلك استحبابها عينا وهو لا ينافي وجوبها تخييرا لاختلاف المحلّين. وقال السيّد عليّ الصائغ : وهذا القول لا يعرف له دليل متّضح سوى الإجماع ، وهو في غاية البعد ونهاية الضعف. ثمّ قال بعد ذلك : كيف يستدلّ بالإجماع على مثله فيها أربعة أقوال؟ ما هذا إلّا عجيب! انتهى كلامه قدس‌سره (١٠) وأنتم ما تقولون في هذا القول أطال الله بقاءكم؟

والقول الثالث : إنّ الوجوب التخييري مشروط بالفقيه الجامع لشرائط الفتوى حال الغيبة. قال الشهيد الثاني في رسالة الجمعة : اعلم أنّ هذا القول لم يصرّح أحد من فقهائنا ، وإنّما ظاهر عبارة العلّامة في التذكرة والنهاية والشهيد في الدروس واللمعة لا غير. وقال قدس‌سره بعد ذلك : ولكنّ المحقّق الشيخ عليّ اعتنى بهذا القول وترجيحه وادّعى إجماع القائلين بشرعيّتها عليه (١١).

__________________

(١) راجع منتقى الجمان ٢ : ٩٣.

(٢) راجع المدارك ٤ : ٥ ـ ٩.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠٩ ، ح ١٢١٩.

(٤) الكافي ٣ : ٤١٨ ، ح ١.

(٥) التهذيب ٣ : ٢٣٩ ، ح ١٨.

(٦) التهذيب ٣ : ٢٤٥ ، ح ٤٦.

(٧ و ٨) التهذيب ٣ : ٢٣٨ ، ح ١٦ و ١٤.

(٩) رسائل الشهيد الثاني : ٥٥.

(١٠) يعني كلام السيّد عليّ الصائغ ، ولا يوجد عندنا كتابه.

(١١) رسائل الشهيد الثاني : ٦٥.

٥٥٧

وقال السيّد عليّ الصائغ في شرحه على الإرشاد : إنّ دعوى الشيخ عليّ الإجماع دون ذلك خرط القتاد!

والقول الرابع : تحرم صلاة الجمعة في زمن الغيبة مطلقا. ونسب ذلك إلى ظاهر كلام السيّد المرتضى رضى الله عنه في بعض (١) وصريح سلّار (٢) وابن إدريس (٣) والشيخ إبراهيم البحراني من المتأخّرين (٤) ونقل أنّ عمدة الدليل اشتراط هذه الصلاة بالإمام أو من نصبه ، والفرض عدمه والمشروط عدم عند عدم شرطه. والثاني أنّ الظهر ثابتة في الذمّة بتعيّن ولا تبرأ إلّا بتعيّن مثله.

قال السيّد عليّ قدس‌سره : وهما في غاية الضعف ، أمّا الأوّل فأين الدليل عليه في زمن الحضور فضلا عن زمن الغيبة؟ وأمّا الثاني فهو عين العبارة ، بل في الحقيقة الأمر بالعكس ، لأنّ الثابت في الذمّة يوم الجمعة عند الزوال صلاة الجمعة. ثم إنّه قدس‌سره أطنب الكلام وتكلّم على أهل زمانه وأكثر النكير عليهم. وكذلك قبله شيخنا الشهيد الثاني في رسالته ، فما تقولون ـ رضي الله عنكم ـ في هذا القول أيضا؟

وأقول بعد ذلك : قد جاء في خاطري شي‌ء اريد أن ابديه لكم ، وهو أنّه لو قيل بالوجوب العيني في زمن الغيبة ، فهل تجب المهاجرة من المحلّ الّذي لا يتمكّن المكلّف من الإتيان بها في ذلك المحلّ إلى محلّ آخر يمكن إقامتها أم لا؟ حتّى لو قيل : إنّها أفضل الفردين الواجبين هل تترجّح المهاجرة أيضا لأجل الإتيان بفرض من فروض الله عزوجل على الوجه الأرجح أم لا؟ ولا يعلم تأويل هذه الأقوال بالأدلّة القطعية إلّا العالمون ، وأنتم قد احطتم بكلّ خبرا ، فالمأمول منكم ـ أيّدكم الله تعالى ولطف بكم ـ بيان ذلك وافيا بالمقصود.

مسألة : ما قولكم يا مولانا ـ أيّدكم الله بأحسن تأييده ـ في تقصير المسافر في البريد ، وهو الأربع فراسخ؟ فإنّ فقهاءنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ قد اختلفوا في

__________________

(١) نسبه إليه الشهيد الثاني في رسائله : ٦٣ ، ٦٤.

(٢) المراسم : ٧٧.

(٣) السرائر ١ : ٢٩٠.

(٤) صنّف رسالة في حرمة الجمعة زمان الغيبة مطلقا ردّا على الشيخ عليّ في رسالته الّتي ألّفها في وجوبها بشرط الفقيه الجامع للشرائط ، راجع لؤلؤة البحرين ، ١٦١.

٥٥٨

ذلك ، فمنهم من قال بالتخيير بين القصر والإتمام ، ومنهم من شرط الرجوع ليومه وهو ظاهر كلام شيخ الطائفة في التهذيب (١) ، ومنهم من لم يشترط الرجوع ليومه ، ومنهم من رجّح التقصير فيها ، ومنهم من رجّح الإتمام إذا لم يرد الرجوع ليومه ، وأقوالهم في ذلك منتشرة مضطربة ، فكيف حال من ليس له قوّة الاستدلال كما مثّلنا من القاصرين المقلّدين ، والأخبار الكثيرة كأنّها مطرحة بتعيّن التقصير على قاصد البريد وهو الأربعة فراسخ ، لأنّ بعضها بريد لا غير وفي بعضها اثنا عشر ميلا ، والأخبار :

منها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : التقصير في بريد والبريد أربعة فراسخ (٢) وهي مطلقة كما ترى خالية عن قيد الرجوع. وصحيحة إسماعيل بن الفضل (٣) قريب منها. وصحيحة زيد الشحّام (٤) فيها : اثنا عشر [ ميلا ]. وحسنة أبي أيّوب (٥) لا تزيد على البريد.

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال : لمّا نزل جبرئيل بالتقصير قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : في كم ذلك؟ قال : في بريد (٦).

فهذه الأخبار اقتصر فيها على تقدير أقصر مسافة يجب القصر على قطعها ذهابا وإيابا.

وأمّا الأخبار الّتي رسالتي اشتملت على التقدير والبيان :

فمنها : صحيحة زرارة بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التقصير؟ فقال : بريد ذاهب وبريد جائي ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتى ذبابا قصّر ، وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين (٧). وقريب منها صحيحة معاوية. وكذلك رواية سليمان بن حفص المروزي (٨) وهي مصرّحة بضمّ الإياب إلى الذهاب وبأنّ سفرهما واحد.

وليس في هذه الأخبار تعرّض لتقييد الرجوع بيوم الذهاب ولا بليله ، وكيف

__________________

(١) انظر التهذيب ٣ : ٢٠٨.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٣ ، ح ٣١.

(٣) التهذيب ٣ : ٢٠٨ ، ح ٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٢٣ ، ح ٣٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٢ ، ح ٢.

(٦) الفقيه ١ : ٤٤٧ ، ح ١٣٠٢.

(٧) الفقيه ١ : ٤٤٩ ، ح ١٣٠٣ ، وفيه : سألت أبا جعفر عليه‌السلام.

(٨) التهذيب ٤ : ٢٢٦ ، ح ٣٩.

٥٥٩

يجوز الإتمام في مواضع القصر؟ والحال أنّه قد روى رئيس المحدّثين في الفقيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من صلّى في السفر أربعا فأنا بري‌ء منه إلى الله (١).

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : التقصير في السفر واجب كوجوب الاتمام في الحضر (٢).

وقال الحلبي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صلّيت الظهر أربع ركعات وأنا في السفر ، فقال : أعد (٣).

وصحيحة معاوية بن عمّار قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ أهل مكّة يتمّون الصلاة بعرفات ، فقال : ويلهم أو ويحهم! وأيّ سفر أشدّ منه لا يتمّ (٤). وهذا الخبر مصرّح بتحتّم القصر وتحريم الإتمام. وقريب من ذلك صحيحة اخرى لمعاوية بن عمّار (٥) وحسنة اخرى أيضا له (٦) وقريب منها حسنة الحلبي أيضا (٧).

وروى إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في كم التقصير؟ فقال : في بريد ، ويحهم! كأنّهم لم يحجّوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقصّروا (٨).

وصحيحة زرارة بأمر عثمان لأمير المؤمنين عليه‌السلام بصلاة الظهر أربعا بالناس فأبى عليه‌السلام وقال : إذا لا اصلّي إلّا ركعتين (٩) ... وهي طويلة لا يخفى على شريف علمهم.

وغير ذلك من الأخبار ، وهي كما ترى خالية عن ذكر الرجوع ليومه. وخبر عرفات وغيره قرينة على عدم تحتّم الرجوع ليومه ، بل في بعضها تعيّن القصر في الأربعة لمقاصدها وإن لم يرد الرجوع ليومه مطلقا (١٠).

وقال بعضهم بتعيّن التقصير في الأربعة ، سواء رجع ليومه أم لم يرجع ، بشرط أن لا ينوي الإقامة على رأس الأربعة عشرة أيّام عند خروجه إلى الأربعة ، فإن قصد ذلك أتمّ في الأربعة.

فالمأمول من مولانا ـ أيّده الله تعالى ـ إمعان النظر في تحقيق هذه المسألة ، فإنّه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٣٨ ، ح ١٢٧٢. (٢) الفقيه ١ : ٤٣٤ ، ح ١٢٦٥.

(٣) التهذيب ٢ : ١٤ ، ح ٧.

(٤) التهذيب ٣ : ٢١٠ ، ح ١٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٤٣٣ ، ح ١٤٧.

(٦) الكافي ٤ : ٥١٨ ، ح ١.

(٧ و ٩) الكافي ٤ : ٥١٨ ، ح ٢ و ٣.

(٨) التهذيب ٣ : ٢٠٩ ، ح ١١.

(١٠) الكافي ٣ : ٤٣٣ ، ح ٥.

٥٦٠