الفوائد المدنيّة

محمّد أمين الإسترابادي

الفوائد المدنيّة

المؤلف:

محمّد أمين الإسترابادي


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-511-04
الصفحات: ٥٩٢

قال للحلال هذا حرام وللحرام : هذا حلال ودان بذلك ، فعندها يكون خارجا من الإيمان والإسلام إلى الكفر ، وكان بمنزلة رجل دخل إلى الحرم ثمّ دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.

قال مصنّف هذا الكتاب (١) : كان المراد من هذا الحديث : ما كان فيه من ذكر القرآن ومعنى ما فيه أنّه غير مخلوق ، أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنّه غير محدث ، لأنّه قد قال : « محدث غير مخلوق وغير أزلي مع الله تعالى ذكره » (٢) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

أقول (٣) : هذا الحديث الشريف موافق لقولهم عليهم‌السلام : « ستّة أشياء من صنع الله ليس للعباد فيها صنع : النوم واليقظة ، والرضا والغضب ، والعلم ، والجهل » (٤) وموافق لقول الحكماء وعلماء الإسلام : المفهومات الخبرية وغير الخبرية الضرورية الغير الاختيارية والكسبية الاختيارية كلّها فائضة على النفوس من الله تعالى ، لقوله تعالى : ( سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمْتَنا ) (٥).

ثمّ أقول : يستفاد من الأحاديث أنّ تأثيراته تعالى أنواع :

منها : خلق شي‌ء بأمر كن.

ومنها : جعل أشياء أسبابا لوجود أشياء اخر ، بأن يقال : كن سببا مستلزما لذلك.

ومنها : أن يقال : لا تكن شي‌ء من أفعال الخير وأفعال الشرّ إلّا بعد سبق مشيئتي وإرادتي وقدري وقضائي وإذني وكتاب وأجل. ولو لا النوع الأخير لكان العبد مستطيعا تامّا من كلّ فعل أراده ، ولزم التفويض. وقولهم عليهم‌السلام : « أبى الله أن بجري الأشياء إلّا بأسبابها » (٦) ناظر إلى ذلك.

فعلم من ذلك أنّ السبب قسمان : سبب طبيعي كطلوع الشمس لوجود النهار ، وسبب غير طبيعي كجعل الله تعالى إصابة العين والسحر سببا مستلزما لوجود

__________________

(١) يعني كتاب التوحيد.

(٢) التوحيد : ٢٢٠ ـ ٢٢٣ ، ح ٧.

(٣) هذا الفقرة إلى قوله : « أقول : معنى خلق المعرفة ... » في ص ٤٢٥ لم يرد في خ.

(٤) الخصال : ٣٢٥ باب الستّة ، وفيه : بدل « العلم » : المعرفة.

(٥) البقرة : ٣٢.

(٦) بصائر الدرجات : ٦ ، ب ٣ من الجزء الأوّل.

٤٢١

آثارهما ، وكجعل الله تعالى تحريك النفس الناطقة بعض قواها سببا لحضور بعض المفهومات عندها ، وكجعل حضور بعضها سببا لفيضان النتيجة عليها ، فعلم أنّ الفكر يرجع إلى تحريك النفس الناطقة بعض قواها حركة أينيّة. وإلى هذا يؤول كلام القدماء حيث فسّروا الفكر والنظر بمجموع الحركتين.

ومن جملة تأثيراته تعالى : جعل بدن شخص مسخّرا لنفس شخصية دون غيرها ، وتسليط الملك والشيطان على قلوبنا.

ومن جملة تأثيراته تعالى : جعل أشياء سببا لوجود اليقين في نفوسنا ، وجعل أشياء سببا لوجود الظنون في نفوسنا الصحيحة منها والفاسدة.

ومن جملة تأثيراته تعالى : أنّه نهانا عن اتّباع الظنّ المتعلّق بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من العقائد والأحكام الخمسة والأحكام الوضعية الشرعية ، وأمرنا باتّباع الظنّ في الجملة في غير ذلك ، كخرص الأثمار على اصولها لضمان الزكاة ، وقيم المتلفات ، واروش الجنايات ، وتعيين جهة الكعبة ، وعدد الأشواط والركعات ؛ كلّ ذلك لدفع الفتن ولنظام المعاش والمعاد.

فإن قلت : كيف تأثير النفس الناطقة في البدن؟

قلت : يتحرّك البدن بأمرها كما وقع التصريح به في الأحاديث (١).

فإن قلت : تحرّك البدن بأمر النفس من قبيل ترتّب المسبّبات على أسبابها الغير الطبيعيّة ، فيكون حركة البدن الإرادية من صنع الله تعالى ، أم من قبيل أنّ الله تعالى قال للنفس : كوني قادرة على خلق الحركة في البدن بأمر كن متحرّكا؟

قلت : المستفاد من الأحاديث الثاني. ويمكن تأويلها بأنّ أصل حركة البدن من صنع الله وتعيين جهاتها من صنع النفس.

فإن قلت : أمر النفس البدن من أيّ مقولة؟

قلت : عسى أن يكون من قبيل إيجاد كيف في البدن ، نظير جعل المفهومات ملاحظة ملتفتا إليها ، فإنّ كونها ملاحظة من مقولة الكيف.

__________________

(١) راجعنا بحار الأنوار باب « حقيقة النفس والروح وأحوالهما » ولم نقف على خبر مصرّح به ، بحار الأنوار : ج ٦١.

٤٢٢

ثمّ أقول : من جملة أدلّتي على أنّ التصديق القلبي الضروري والكسبي الّذي به يرتفع تردّد النفس وشكّها ليس من أفعال النفس الاختيارية بل من صنع الله تعالى ، إنّه لو كان من أفعال النفس لكان للنفس أن لا تصدّق بصانع ولا بنبيّ ولا بأمر ولا بنهي ، فيلزم إفحام الله تعالى عن إتمام الحجّة عليها ، ولما صحّ قوله تعالى : ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ) (١) ولكان للنفس أن لا تعتقد بلوغ المال قدر النصاب لتفرّ من وجوب الزكاة ، وغير ذلك.

وبعد اللتيّا والّتي ظهر عليك وانكشف لديك معنى قوله عليه‌السلام : « الجحود والمعرفة من صنع الله تعالى ليس للعباد فيهما صنع » وذلك لأنّ المراد به أنّ فيضان المفهومات الخبرية الصادقة الإيمانية على القلوب وأدلّتها القوية من صنع الله تعالى ؛ وكذلك فيضان المفهومات الخبرية الكاذبة الكفرية وشبهاتها الضعيفة. والسبب في الأوّل إلهام الملك وفي الثاني وسوسة الشيطان. وهما نظير كلام الواعظ والمضلّ من بني آدم.

ويمكن أن يكون المراد به فيضان اليقين بالمفهومات الخبرية الإيمانية في آن تصوّرها وفيضان الظنّ بالمفهومات الخبرية الكفرية في آن آخر بعد ذلك الآن مع الأمر باتّباع اليقين والنهي عن اتّباع الظنّ. وإلى ذلك ناظر قوله تعالى : ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (٢) أي نجد الخير ونجد الشرّ. والله أعلم.

وأمّا قوله تعالى : ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ) (٣) فمعناه : أنّه يفعل ذلك ، فمن اختار الضلالة على الهدى بعد المعرفة يرفع الملك عن قلبه والتخلية (٤) بينه وبين الشيطان. أو أنّ القلب الخبيث الثابت شقاوته يوم الميثاق ويتّبع وسوسة الشيطان فيضيق صدره بالظنّ الباطل الفائض من الله تعالى عقيب وسوسة الشيطان. والله أعلم بمراده.

ومن الموضحات لما ذكرناه : قول الرضا عليه‌السلام في رسالته المأمونيّة : اعلم أنّ الأجسام الإنسانيّة جعلت على مثال الملك ، فملك الجسد هو ما في القلب ، والعمّال العروق والأوصال والدماغ ، وبيت الملك قلبه ، وأرضه الجسد ، والأعوان يداه

__________________

(١) الأنفال : ٤٢.

(٢) البلد : ١٠.

(٣) الأنعام : ١٢٥.

(٤) كذا ، والظاهر : يخلّيه.

٤٢٣

ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه واذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، وحجابه صدره. فاليدان عونان يقرّبان ويبعّدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك. والرجلان ينقلان الملك حيث يشاء. والعينان يدلّان على ما يغيب عنه ، لأنّ الملك من وراء حجاب لا يوصل إليه إلّا بهما وهما سراجاه أيضا. وحصن الجسد وحرزه الاذنان لا يدخلان على الملك إلّا ما يوافقه ، لأنّهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتّى يوحي الملك إليهما ، فاذا أوحى إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتّى يسمع منهما ، ثمّ يجيب بما يريد ، فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد وبخار المعدة ومعونة الشفتين ، وليس للشفتين قوّة إلّا بالأسنان وليس يستغنى بعضها عن بعض ، والكلام لا يحسن إلّا بترجيعه في الأنف ، لأنّ الأنف يزيّن الكلام كما يزيّن النفخ المزمار. وكذلك المنخران هما ثقبتا الأنف يدخلان على الملك ممّا يحبّ من الرياح الطيّبة فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الريح. وللملك مع هذا ثواب وعقاب. فعذابه أشدّ من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم. فأمّا عذابه فالحزن ، وأمّا ثوابه فالفرح ، وأصل الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الثرب والكليتين. ومنهما عرقان موصلان إلى الوجه ، فمن هناك يظهر الفرح والحزن ، فترى علامتهما في الوجه. وهذه العروق كلّها طرق من العمّال إلى الملك ومن الملك إلى العمّال ، ومصداق ذلك أنّه إذا تناولت الدواء أدّته العروق إلى مواضع الداء بإعانتها (١). انتهى ما أردنا نقله من الرسالة الشريفة.

وقول أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) المذكور في اصول كتاب الكافي ـ في باب أنّ الإيمان مبثوث بجوارح البدن كلّها ـ : أبو عمرو الزبيري ، قال ، قلت له : إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟ قال : نعم ، لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها ، فمنها : قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الّذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره (٣).

__________________

(١) البحار : ٦٢ / ٣٠٢. « نقلا عن الرسالة المذهّبة المعروفة بالذهبيّة ».

(٢) عطف على قوله : ومن الموضحات لما ذكرناه.

(٣) الكافي ٢ : ٣٤ ، ح ١.

٤٢٤

حمّاد بن عمرو النصيبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم وفرّقه عليها ، فمنها : قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الّذي لا تورد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره (١). والحديثان الشريفان طويلان نقلنا منهما موضع الحاجة (٢).

أقول : معنى خلق المعرفة والجحود في القلوب خلق أنّ هذا حقّ وخلافه باطل مع الأدلّة على ذلك ، كما قال الله تعالى : ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (٣) يعني نجد الخير ونجد الشرّ ، وكما قال الله تعالى : ( وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٤) وهم يعرفون كما وقع التصريح به في الأحاديث وسيجي‌ء في الفصل الثاني عشر تفسير هذا الحديث الشريف.

وقول الصادق عليه‌السلام : ما من أحد إلّا وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه قبله أم تركه وذلك انّ الله تعالى يقول في كتابه : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمّا تَصِفُونَ ) (٥).

وقوله عليه‌السلام : ليس من باطل يقوم بإزاء الحقّ إلّا غلب الحقّ الباطل ، وذلك قوله : ( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ) (٦) (٧) انتهى.

[ وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ * فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ) (٨) ] (٩).

وفي الكافي للإمام ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني قدّس الله سرّه ـ في

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٩ ، ح ٧.

(٢) من قوله : « أقول : هذا الحديث الشريف ... » في ص ٤٢١ إلى هنا لم يرد في خ.

(٣) البلد : ١٠.

(٤) فصّلت : ١٧.

(٥) المحاسن ١ : ٤٣١ ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ، ح ٩٩٥.

(٦) الأنبياء : ١٨.

(٧) المحاسن ١ : ٤٣٢ ، باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ح ٩٩٩.

(٨) المائدة : ١٢ ـ ١٣.

(٩) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.

٤٢٥

باب الاضطرار إلى الحجّة ـ عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال للزنديق الّذي سأله من أين أثبتّ الأنبياء والرسل؟ قال : إنّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق الله وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشرونه ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أنّ له سفراء في خلقه يعبّرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس ـ على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ـ في شي‌ء من أحوالهم ، مؤيّدين عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثمّ ثبت ذلك في كلّ دهر وزمان بما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين ، لكيلا تخلو أرض الله من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته (١).

وعن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ الله أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون بالله ، قال : صدقت. قلت : إنّ من عرف أنّ له ربّا فقد ينبغي له أن يعرف لذلك الربّ رضا وسخطا ، وأنّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحي أو رسول ، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فإذا لقيهم عرف أنّهم الحجّة وأنّ لهم الطاعة المفترضة. وقلت للناس : تعلمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هو الحجّة من الله على خلقه؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا : القرآن ، فنظرت القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئي والقدري والزنديق الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيّم ، فما قال فيه من شي‌ء كان حقّا ، فقلت لهم : من قيّم القرآن؟ فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم ، وعمر يعلم ، وحذيفة يعلم ، قلت : كلّه؟ قالوا : لا ، فلم أجد أحدا يقال : إنّه يعرف ذلك كلّه إلّا عليّا صلوات الله عليه ، وإذا كان الشي‌ء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٨ ، ح ١.

٤٢٦

هذا : أنا أدري ، فأشهد أنّ عليّا عليه‌السلام كان قيّم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ ما قال في القرآن فهو حقّ. فقال : رحمك الله (١).

وفي كتاب العقل من الكافي : عن أبي عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : حجّة الله على العباد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والحجّة فيما بين الله وبين العباد العقل (٢).

وفيه أيضا : يا هشام! إنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهم‌السلام وأمّا الباطنة فالعقول (٣).

وقال ابن السكّيت لأبي الحسن عليه‌السلام : ما الحجّة على الخلق اليوم؟ فقال عليه‌السلام : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدّقه والكاذب على الله فيكذّبه. قال ابن السكّيت : هذا والله هو الجواب (٤).

[ أقول : إنّ الله تعالى يوقع في القلب نجد الخير ونجد الشرّ مع المنبّهات على كلّ واحد منهما ، وأنّ الشيطان يوقع فيه خلاف ذلك ، فالعقل يميّز بين الصواب والخطأ والظنّ واليقين ويختار الصواب واليقين. وهذا معنى كونه حجّة كما يستفاد من الروايات ، وأنّ العقل مستقلّ بتحصيل المقدّمات كما ذهبت إليه المعتزلة.

وفي كتاب الله تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ * إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (٥) ] (٦).

وفي كتاب التوحيد لشيخنا الصدوق : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار عن أبيه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ستّة أشياء ليس للعباد فيها صنع : المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة (٧).

حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه قال حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن درست بن أبي منصور ، عن بريد

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٨ ، ح ٢.

(٢) الكافي ١ : ٢٥ ، ح ٢٢.

(٣) الكافي ١ : ١٦ ، ح ١٢.

(٤) الكافي ١ : ٢٥ ، ح ٢٠.

(٥) المائدة : ١١١ ـ ١١٢.

(٦) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.

(٧) التوحيد : ٤٠٠ ، ح ٦.

٤٢٧

بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس لله على خلقه أن يعرفوا قبل أن يعرّفهم ، وللخلق على الله أن يعرّفهم ، ولله على الخلق إذا عرّفهم أن يقبلوه (١).

حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان الأحمر ، عن حمزة بن الطيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال لي : اكتب ، فأملى عليّ : إنّ من قولنا : إنّ الله يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثمّ أرسل إليهم رسولا وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهى ، أمر فيه بالصلاة والصوم فنام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الصلاة ، فقال : أنا أنيمك وأنا اوقظك فاذهب وصلّ ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ، ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك ؛ وكذلك الصيام أنا امرضك وأنا اصحّحك فإذا شفيتك فاقضه. ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق ولم تجد أحدا إلّا ولله عليه الحجّة وله فيه المشيئة ، ولا أقول : إنّهم ما شاءوا صنعوا. ثمّ قال : إنّ الله يهدي ويضلّ. وقال : وما امروا إلّا بدون سعتهم ، وفي كلّ شي‌ء أمر الناس به فهم يسعون له ، وكلّ شي‌ء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكنّ أكثر الناس لا خير فيهم. ثمّ قال : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ ) فوضع عنهم ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ... ) الآية (٢) فوضع عنهم لأنّهم لا يجدون (٣) *.

______________________________________________________

* قال المصنّف قوله عليه‌السلام : « إنّ من قولنا ... الخ » قصده عليه‌السلام أنّ الله تعالى وسع على الناس في أوامره ونواهيه وكلّفهم دون طاقتهم ، فبطل ما قالته المعتزلة والأشاعرة : من أنّ الله تعالى كلّفهم بالنظر والفكر في تحصيل معرفة الله ومعرفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

أقول : لا منافاة بين الحديث وبين ما نقله عن المعتزلة والأشاعرة ـ وهو المعروف أيضا من اتّفاق علماء مذهب الشيعة ـ وذلك لأنّ الله سبحانه خلق للعبد موادّ المعرفة وهيّأها له ، فلم تبق له حجّة في التقصير عن تحصيلها حيث صارت في مقدوره ، وبهذا المعنى صحّ استناد ذلك

__________________

(١) التوحيد : ٤٠٠ ، ح ٧.

(٢) التوبة : ٩١ ـ ٩٢.

(٣) التوحيد : ٤٠٢ ، ح ١٠.

(٤) قاله الماتن قدس‌سره في هامش الكتاب.

٤٢٨

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حمّاد بن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلحك الله! هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال ، فقال : لا. قلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ولا يكلّف الله نفسا إلّا ما آتاها. وسألته عن قول الله عزوجل : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١) قال : حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه (٢).

وبهذا الإسناد عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سعدان يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل لم ينعم على عبد بنعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجّة من الله عزوجل ، فمن منّ الله عليه فجعله قويّا فحجّته عليه القيام بما كلّفه واحتمال من هو دونه ممّن

______________________________________________________

وأمثاله إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن والحديث بأنّها من فعله.

وأمّا ما تضمّنه الحديث ممّا يتعلّق بالرسول ـ صلوات الله عليه ـ فلا شكّ أنّ الله ـ سبحانه ـ إذا تعلّقت حكمته بوجود فعل من العبد في وقته لمصلحة تقتضي وجوده منه فلا بدّ من وجوده ، ولا يخرج بذلك فعل العبد عن الاختيار. وقوله عليه‌السلام في أثناء الحديث : « إنّ الله يهدي ويضلّ » وقوله قبله : « لا أقول أنّهم ما شاءوا صنعوا » إن حملنا على ظاهره فهو عين الخبر الّذي تعتقده الأشاعرة. وقد وقع مثله في القرآن وأوّلته المعتزلة والشيعة بما يوافق الحقّ ، وهو في القرآن ربما أكثر منه مما وقع في الحديث. ولو كان التأويل يستلزم محذورا كان ذلك في القرآن أظهر. ولو استلزم خللا في الهداية كان أيضا فيه أبلغ ، لأنّه أصل الهداية. ومع هذا الاشتباه لم يحف (٣) الحقّ عن المجتهدين في طلبه ، ولله الحمد.

وقوله عليه‌السلام : « وكلّ شي‌ء امر الناس به فهم يسعون له وكلّ شي‌ء لا يسعون له فهو موضوع عنهم » فيه دلالة واضحة على سعة الرجوع إلى الظنّ في أحكام التكليف عند تعذّر العلم أو تعسّره ، فإيراد المصنّف هذا الحديث لظنّه موافقة اعتقاده إن كان بما يتعلّق بمذهب الأشاعرة فالحكم لله في حقّه ، وإن كان لغير ذلك فقد بيّنّا دلالته على خلاف ما يتوهّمه ويقرّره ويكرّره بأوضح بيان.

__________________

(١) التوبة : ١١٥.

(٢) التوحيد : ٤٠٢ ، ح ١١.

(٣) في الأصل : لم يخيف ، وفي نسخة الهامش : لم يحيف.

٤٢٩

هو أضعف منه ، ومن منّ الله عليه فجعله موسعا عليه فحجّته عليه ماله ، يجب عليه تعاهد الفقراء بنوافله ، ومن منّ الله عليه فجعله شريفا في بيته جميلا في صورته فحجّته عليه أن يحمد الله على ذلك وأن لا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله (١). أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة ، عن أبيه قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس ، فإنّه ما كان لله فهو لله وما كان للناس فلا يصعد إلى الله. ولا تخاصموا الناس لدينكم ، فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب ، إنّ الله عزوجل قال لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) (٢) وقال : ( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) (٣) ذروا الناس فإنّ الناس أخذوا عن الناس ، وإنّكم أخذتم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعت أبي يقول : إنّ الله عزوجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (٤).

وحدّثنا أبي رضى الله عنه قال حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال : إنّ الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكّل به ملكا يسدّده ، وإذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء وسدّ مسامع قلبه ووكّل به شيطانا يضلّه ، ثمّ تلى هذه الآية : ( فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ ) (٥) (٦).

حدّثنا عبد الله بن محمّد بن عبد الوهّاب قال : أخبرنا أحمد بن الفضل بن مغيرة قال : حدّثنا منصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصفهاني قال : حدّثنا عليّ بن عبد الله قال : حدّثنا أبو شعيب المحاملي ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن المعرفة أمكتسبة هي؟ فقال : لا ، فقيل له : فمن صنع الله عزوجل وعطائه هي؟ قال : نعم ، وليس للعباد فيها صنع ، ولهم اكتساب الأعمال.

__________________

(١) التوحيد : ٤٠٣ ، ح ١٢.

(٢) القصص : ٥٦.

(٣) يونس : ٩٩.

(٤) التوحيد : ٤٠٣ ح ١٣.

(٥) الأنعام : ١٢٥.

(٦) التوحيد : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ح ١٤.

٤٣٠

وقال عليه‌السلام : أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين (١).

حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري ، عن حمدان ، عن سليمان قال : كتبت إلى الرضا عليه‌السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ فكتب عليه‌السلام : أفعال العباد مقدّرة في علم الله عزوجل قبل خلق العباد بألفي عام (٢).

حدّثنا أبي رضى الله عنه قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمّد الأصفهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم (٣).

حدّثنا أبي رضى الله عنه قال حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن الحكيم قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المعرفة صنع من هي؟ قال : من صنع الله عزوجل ليس للعباد فيها صنع (٤).

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا الحسين بن الحسن ابن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن الطيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل احتجّ على الناس بما آتاهم وما عرّفهم (٥).

حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن الطيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (٦) قال : حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه ، وقال : ( فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ) (٧) قال : يبيّن لها ما تأتي وما تترك ، وقال : ( إِنّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمّا شاكِراً وَإِمّا كَفُوراً ) (٨) قال : عرّفناه إمّا آخذا وإمّا تاركا ، وفي قوله عزوجل : ( وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى ) (٩) وهم يعرفون (١٠).

__________________

(١) التوحيد : ٤٠٤ ح ١٥. (٢) التوحيد : ٤٠٤ ـ ٤٠٥ ح ١٦.

(٣) التوحيد : ٤٠٥ ، ح ١٧.

(٤ و ٥) التوحيد : ٣٩٩ ، ح ١ و ٢.

(٦) التوبة : ١١٥.

(٧) الشمس : ٨.

(٨) الانسان : ٣.

(٩) فصلت : ١٧.

(١٠) التوحيد : ٣٩٩ ـ ٤٠٠ ، ح ٤ ، وفيه : قال : عرّفناهم فاستحبّوا العمى على الهدى وهم يعرفون.

٤٣١

حدّثنا أحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم رحمه‌الله عن أبيه ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن محمّد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ ) (١) قال : نجد الخير ونجد الشرّ (٢).

أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحجّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الأعلى بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّن لم يعرف شيئا هل عليه شي‌ء؟ قال : لا (٣).

حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار رضى الله عنه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي الحسن زكريّا بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (٤).

وفي الكافي ـ في باب بعد باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ـ محمّد بن أبي عبد الله ، عن سهل بن زياد ، عن عليّ بن أسباط ، عن الحسين بن زيد ، عن درست بن أبي منصور ، عمّن حدّثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ستّة أشياء ليس للعباد فيها صنع : المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة (٥) *.

وفي الكافي ـ في باب البيان والتعريف ولزوم الحجّة ـ محمّد بن يحيى وغيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد بن حكيم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : المعرفة من صنع من هي؟ قال : من صنع الله ، ليس للعباد

______________________________________________________

* هذا الحديث مع زيادة ضعف سنده يدلّ على أنّ الله ـ سبحانه ـ لو لم يخلق للعبد القوى الّتي تحصل له بها هذه الحالات الّتي عدّدها لم يكن له فيها صنع من نفسه ، وذكر الرضا والغضب والنوم واليقظة فيه دلالة واضحة على ما ذكرناه ، لأنّها لا شكّ أنّها من أفعال العبد تعرض عند عروض أسبابها ، ولا فرق بينها وبين باقي حالات الإنسان من الجوع والعطش والتعب والراحة ، وليس لها خصوصيّة تقتضي تميّزها عمّا ذكرناه. فعلم أنّ المراد من الحديث ما ذكرناه ، لاشتراك الجميع فيه وأنّ إضافتها إلى الله ـ سبحانه ـ ونفيها عن العبد بهذا المعنى. والله أعلم.

__________________

(١) البلد : ١٠.

(٢) التوحيد : ٤٠٠ ح ٥.

(٣) التوحيد : ٤٠١ ، ح ٨ و ٩.

(٤) التوحيد : ٤٠١ ، ح ٨ و ٩.

(٥) الكافي ١ : ١٦٤ ، ح ١.

٤٣٢

فيها صنع (١).

وفي الكافي ـ في باب حجج الله على خلقه ـ محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن درست بن أبي منصور ، عن بريد بن معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس لله على خلقه أن يعرفوا ، وللخلق على الله أن يعرّفهم ، ولله على الخلق إذا عرّفهم أن يقبلوا (٢).

أقول : المراد من « المعرفة » اليقين الّذي يقع في القلب من الله تعالى ، وهو ليس من فعل القلب كما تواترت به الأخبار عنهم عليهم‌السلام (٣) والمراد من « القبول » الإقرار اللساني والجناني والأركاني ، وهذا الإقرار المركّب من أجزاء ثلاثة من أفعالنا الاختياريّة وهو أحد معاني الإيمان ، فإنّه تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأنّ الإيمان كلّه عمل وبأنّه مركّب من فعل اللسان وفعل القلب والجوارح (٤).

محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن فضّال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي الحسن زكريّا بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم (٥).

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن خالد ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبان الأحمر ، عن حمزة بن الطيّار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال لي : اكتب ، فأملى عليّ : أنّ من قولنا : إنّ الله يحتجّ على العباد بما آتاهم وعرّفهم ، ثمّ أرسل إليهم رسولا وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهى ... إلى آخر الحديث (٦). وقد تقدّم نقله فاكتفينا بما تقدّم.

وفي الكافي : عن داود البرقي عن العبد الصالح عليه‌السلام قال : إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف (٧).

حسن بن علي الوشّاء قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٣ ، ح ٢.

(٢) الكافي ١ : ١٦٤ ، ح ١.

(٣) الظاهر المراد بها تلك الأخبار الّتي تقدّمت وتأتي في نفس الكتاب.

(٤) الكافي ٢ : ٣٢ ، باب في أنّ الإيمان مبثوث لجوارح البدن كلّها.

(٥ و ٦) الكافي ١ : ١٦٤ ، ح ٣ و ٤.

(٦) الكافي ١ : ١٦٤ ، ح ٤.

(٧) الكافي ١ : ١٧٧ ، ح ١.

٤٣٣

الحجّة لا تقوم لله عزوجل على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف (١).

محمّد بن عمارة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلّا بإمام حتّى يعرف (٢).

أبو بصير عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قال : إنّ الله عزوجل لم يدع الأرض بغير عالم ، ولو لا ذلك لم يعرف الحقّ من الباطل (٣).

وفي الكافي ـ في باب إنّ السكينة هي الإيمان ـ محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ) (٤) قال : هو الإيمان. قال : وسألته عن قول الله عزوجل : ( وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) (٥) قال : هو الإيمان (٦).

[ أقول : المراد من الإيمان هنا نفس المعرفة. ويستفاد من كلامهم عليهم‌السلام أنّ الكفر جاء في كتاب الله بخمسة معان ، والإيمان جاء بمعان ثلاثة :

أحدها : نفس المعرفة الّتي يتوقّف عليها حجّية الأدلّة النقلية ، وهي من صنع الله.

والثاني : الإقرار القلبي واللساني على وفق تلك المعرفة ، وهذا من صنع العبد.

والثالث : طاعة الله تعالى قلبا ولسانا وجوارحا في كلّ ما أوجب وحرّم ، والأخير يزول بارتكاب صغيرة من الصغائر ثمّ يرجع بالتوبة كما وقع التصريح بهما في الأحاديث. ] (٧)

عنه ، عن أحمد بن صفوان ، عن أبان ، عن الفضيل قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ( أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٨) هل لهم فيما كتب في قلوبهم صنع؟ قال : لا (٩) *.

______________________________________________________

* الظاهر أنّ المراد من الكتابة الإثبات من باب اللطف ، وهو زيادة البصيرة والتحقّق ، وما كان كذلك فليس للعبد في حصوله له صنع إلّا أن كان بعمل أوجب أن يمنحه الله به. وعلى كلّ تقدير ليس للعبد في نفس حصوله له صنع وإن احتمل اللفظ أنّه ليس للعبد في تغييره وتبديله صنع ، فذلك ظاهر ، لأنّه لا معونة له على ذلك إلّا بالشيطان ، وليس للشيطان قدرة على تغيير

__________________

(١ و ٢) الكافي ١ : ١٧٧ ، ح ٢ و ٣.

(٣) الكافي ١ : ١٧٨ ، ح ٥.

(٤) الفتح : ٤.

(٥ و ٨) المجادلة : ٢٢.

(٦ و ٩) الكافي ٢ : ١٥ ، ح ١.

(٧) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.

٤٣٤

وفي كتاب المحاسن للثقة الجليل أحمد بن أبي عبد الله البرقي قدس‌سره : عنه ، عن أبيه ، عن صفوان قال : قلت للعبد الصالح عليه‌السلام : هل في الناس استطاعة يتعاطون بها المعرفة؟ قال : لا ، إنّما هو تطوّل من الله. قلت : أفلهم على المعرفة ثواب إذا كانوا ليس فيهم ما يتعاطونه بمنزلة الركوع والسجود الّذي امروا به ففعلوه؟ قال : لا ، إنّما هو تطوّل من الله عليهم وتطوّل بالثواب (١).

عنه ، عن ابن فضّال ، عن عليّ بن عقبة وفضل الأسدي ، عن عبد الأعلى مولى بني سام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لم يكلّف الله العباد المعرفة ، ولم يجعل لهم إليها سبيلا (٢).

عنه ، عن الحسن بن عليّ بن الوشّاء ، عن أبان الأحمر بن عثمان ، عن فضل أبي العبّاس البقباق قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ) (٣) هل لهم في ذلك صنع؟ قال : لا (٤).

عنه ، عن الوشّاء ، عن أبان الأحمر ، عن الحسن بن زياد قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإيمان هل للعباد فيه صنع؟ قال : لا ولا كرامة ، بل هو من الله وفضله (٥).

عنه ، عن محمّد بن خالد ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن أيّوب الحرّ ، عن الحسن بن زياد قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ) (٦) هل للعباد بما حبّب صنع؟ قال : لا ولا كرامة (٧) *.

______________________________________________________

ألطاف الله تعالى. ولو حملنا الحديث على أنّ الإيمان أيضا ليس في قدرة العبد ـ كما يظهر من كلام المصنّف في استدلاله بظواهر هذه الأحاديث ـ بطل فعل العبد وبطل استحقاقه الثواب والعقاب على الإسلام والإيمان. ونعوذ بالله وبرسوله من اعتقاد ذلك!

* هذا الحديث ينفي بظاهره أن يكون الإيمان من اختيار العباد وكسبهم كما نفيت المعرفة كذلك في غيره ، ولا شكّ أنّه قد ثبت التكليف بالإيمان لكلّ إنسان بالغ عاقل والعقاب على تركه ، فيلزم حينئذ التكليف بغير المقدور وبطلانه ظاهر محقّق من مذهب الشيعة ، فمهما كان

__________________

(١) المحاسن ١ : ٤٣٧ ، ح ٤١٦.

(٢) المحاسن ١ : ٣١٥ ، ح ٢٦.

(٣) المجادلة : ٢٢.

(٤) المحاسن ١ : ٣١٥ ، ح ٢٧.

(٥) المحاسن ١ : ٣١٦ ، ح ٢٨.

(٦) الحجرات : ٧.

(٧) المحاسن ١ : ٣١٦ ، ح ٢٩.

٤٣٥

عنه ، عن أبيه ، عن فضالة بن أيّوب ، عن جميل بن درّاج ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ ) (١) قال : كان ذلك معاينة لله فأنساهم المعاينة وأثبت الإقرار في صدورهم ، ولو لا ذلك ما عرف أحد خالقه ولا رازقه وهو قول الله عزوجل : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) (٣).

عنه ، عن أبيه ، عن عليّ بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (٤) قال : فطرهم على معرفة أنّه ربّهم ، ولو لا ذلك لم يعلموا إذا سئلوا من ربّهم ولا من رازقهم (٥) *.

عنه ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ) (٦) قال : ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوما ، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه (٧).

وفي الكافي ـ في كتاب الإيمان والكفر ـ باب آخر منه ، فيه زيادة وقوع

______________________________________________________

الجواب هنا فهو الجواب في حال المعرفة وأمثالها بعينه ، ولا بدّ من التأويل كما أشرنا إليه سابقا. اللهمّ إلّا أن كان المصنّف يلتزم بمدلول ظواهر هذه الأحاديث ويخرج عن المذهب. ولا يظنّ به ذلك ـ إن شاء الله ـ ونسأله العفو عنّا وعنه من كلّ خطأ وزلل ، إنّه جواد كريم وبالمؤمنين رحيم.

* هذه الأحاديث وما قابلها يقتضي أن يكون كلّ إنسان له اسّ بالمعرفة ويحصل ذلك في طبعه ، فإذا تنبّه له والتفت إليه بأدنى تأمّل حصل مطلوبه ، وهذا هو المراد المكلّف به الإنسان من تحصيل المعرفة. فلو كانت المعرفة غير مقدورة له ولا سبيل له إلى تحصيلها بوجه لم يوافق ذلك مضمون هذه الأحاديث ، فلا بدّ من التأويل فيها بأن لا يخرج الفعل عن اختيار العبد ولا أن يكون من غير إقدار الله ـ سبحانه وتعالى ـ وربما يستفاد من بعضها : أنّ المعرفة لكلّ إنسان حاصلة بالظاهر كما أشرنا إليه أنّه مذهب بعض الصوفيّة.

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢. (٢) الزخرف : ٨٧.

(٣) المحاسن ١ : ٤٣٨ ، ح ٤١٧.

(٤) الروم : ٣٠.

(٥) المحاسن ١ : ٣٧٥ ، ح ٢٢٧.

(٦) الاعراف : ١٧٢.

(٧) المحاسن ١ : ٣٧٦ ، ح ٢٢٨.

٤٣٦

التكليف الأوّل : محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن صالح بن عقبة ، عن عبد الله بن محمّد الجعفي وعقبة جميعا ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل خلق الخلق ، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ فكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة من النار ، ثمّ بعثهم في الظلال. فقلت : وأيّ شي‌ء الظلال؟ فقال : ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيئا وليس بشي‌ء ، ثمّ بعث منهم النبيّين فدعوهم إلى الإقرار بالله عزوجل ، وهو قوله عزوجل : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (١) ثمّ دعوهم إلى الإقرار بالنبيّين فأقرّ بعضهم وأنكر بعضهم ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها والله من أحبّ وأنكرها من أبغض وهو قوله : ( فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ ) (٢) ثمّ قال أبو جعفر عليه‌السلام : كان التكذيب ثمّ (٣).

وفي كتاب التوحيد لشيخنا الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه ـ في باب فطرة الله عزوجل الخلق على التوحيد ـ أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن سنان ، عن العلاء بن الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) (٤) قال التوحيد (٥).

أقول : المراد من التوحيد هنا حصر خالق العالم في شخص واحد معيّن.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قلت : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : التوحيد (٦).

حدّثنا محمّد بن موسى المتوكّل رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم قال : حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) ما تلك الفطرة؟ قال : هي الإسلام ، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم على التوحيد ، فقال : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) (٧) وفيه المؤمن والكافر (٨).

__________________

(١) الزخرف : ٨٧.

(٢) الأعراف : ١٠١.

(٣) الكافي ٢ : ١٠ ، ح ٣.

(٤) الروم : ٣٠.

(٥) التوحيد : ٣٢٠ ، ح ١.

(٦) التوحيد : ٣٢٠ ، ح ٢.

(٧) الأعراف : ١٧٢.

(٨) التوحيد : ٣٢٠ ـ ٣٢١ ، ح ٣.

٤٣٧

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن إبراهيم بن هاشم ويعقوب بن يزيد ، عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : فطرهم على التوحيد (١).

أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن أبي جميلة ، عن محمّد الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : فطرهم على التوحيد (٢).

أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن رئاب ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : فطرهم جميعا على التوحيد (٣).

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار ، عن عليّ بن حسّان الواسطي ، عن الحسن بن يونس ، عن عبد الرحمن بن كثير مولى أبي جعفر عليه‌السلام عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : التوحيد ومحمّد رسول الله وعليّ أمير المؤمنين (٤).

أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن زراة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله ، قول الله عزوجل في كتابه : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها ) قال : فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفة أنّه ربّهم. قلت : وخاطبهم؟ قال : فطأطأ رأسه ثمّ قال : لو لا ذلك لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم (٥).

أبي رحمه‌الله قال : حدّثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ومحمّد بن الحسين ابن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ) (٦) وعن الحنيفيّة ، قال : هي الفطرة الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ، قال :

__________________

(١) التوحيد : ٣٢١ ، ح ٤.

(٢) التوحيد : ٣٢١ ، ح ٥.

(٣) التوحيد : ٣٢١ ، ح ٦.

(٤) التوحيد : ٣٢١ ، ح ٧.

(٥) التوحيد : ٣٢٢ ح ٨.

(٦) الحج : ٣١.

٤٣٨

فطرهم على المعرفة.

قال زرارة : وسألته عن قول الله عزوجل ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ... ) (١) الآية قال : أخرج من ظهر آدم ذرّيته إلى يوم القيامة فخرجوا كالذرّ ، فعرّفهم وأراهم صنعه ، ولو لا ذلك لم يعرف أحد ربّه. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « كلّ مولود ولد على الفطرة » يعني على المعرفة بأنّ الله عزوجل خالقه ، فذلك قوله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) (٣).

حدّثنا أبو أحمد أبو القاسم بن محمّد بن أحمد السرّاج الهمداني قال : حدّثنا أبو القاسم جعفر بن محمّد بن إبراهيم السرنديبي قال حدّثنا أبو الحسن محمّد بن عبد الله بن هارون الرشيد بحلب قال : حدّثنا محمّد بن آدم أبي أياس قال : حدّثنا ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تضربوا أطفالكم على بكائهم ، فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأربعة أشهر الصلاة على النبيّ وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه (٤).

وفي كتاب الكافي ـ في باب فطرة الله على الخلق على التوحيد ـ أحاديث قريبة ممّا نقلناه عن كتاب التوحيد (٥).

وفي كتاب المحاسن للبرقي قدس‌سره : عن بعض أصحابنا ، عن عبّاد بن صهيب ، عن يعقوب ، عن يحيى بن المساور ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال موسى بن عمران عليه‌السلام : يا ربّ ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال : حبّ الأطفال ، فإنّي فطرتهم على توحيدي ، فإن أمتّهم أدخلتهم برحمتي جنّتي (٦).

وفي الكافي ـ في باب الغيبة ـ زرارة بن أعين قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا بدّ للغلام من غيبة. قلت : ولم؟ قال : يخاف وأومأ بيده إلى بطنه ، وهو المنتظر ، وهو الّذي يشكّ الناس في ولادته ، فمنهم من يقول : حمل ، ومنهم من يقول : مات أبوه ولم يخلف ، ومنهم من يقول : ولد قبل موت أبيه بسنتين. قال زرارة ، فقلت : وما تأمرني

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

(٢) لقمان : ٢٥ ، الزمر : ٣٨.

(٣) التوحيد : ٣٢٢ ، ح ٩.

(٤) التوحيد : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، ح ١٠.

(٥) الكافي ٢ : ١٢ ، ح ١ ـ ٥.

(٦) المحاسن ١ : ٤٥٧ ، ح ٤٥٩.

٤٣٩

لو أدركت ذلك الزمان؟ قال : ادع الله بهذا الدعاء : اللهمّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني نبيّك فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ ، اللهمّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني (١) *.

وفي الكافي ـ في باب دعائم الإسلام ـ عن عيسى بن السري أبي اليسع قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شي‌ء ، منها الّذي من قصر عن معرفة شي‌ء منها فسد عليه دينه ولم يقبل منه عمله ، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق ممّا هو فيه لجهل شي‌ء من الامور جهله ، فقال : شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان بأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال الزكاة ، والولاية الّتي أمر الله عزوجل بها ولاية آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله. قال : فقلت له هل في الولاية شي‌ء دون شي‌ء فضل يعرف به لمن أخذ به؟ قال : نعم ، قال الله عزوجل : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية » وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان عليّا عليه‌السلام. وقال الآخرون : كان معاوية ثمّ كان الحسن ثمّ كان الحسين. وقال الآخرون : يزيد بن معاوية وحسين بن عليّ ولا سواء (٣). قال : ثمّ سكت ثمّ قال : ازيدك؟ فقال له حكم الأعور : نعم جعلت فداك! قال : ثمّ كان عليّ بن الحسين ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر ، وكانت الشيعة قبل أن

______________________________________________________

* المفهوم من هذا الدعاء أنّ المسئول به زيادة المعرفة ، لأنّها ممّا تقبل الزيادة وهذا وأمثاله يرد الدعاء به من الإمام عليه‌السلام أيضا ، ولا يدلّ ذلك على أنّ المعرفة غير حاصلة للداعي ويسأل أصل حصولها له بالدعاء في ذلك الوقت. وأيضا فإنّ الشيطان رغبته في فساد العبادة وتعطيلها ، فإن لم تدرك العبد عناية الله ـ سبحانه ـ ويدفع عنه الشيطان عند هذه المطالب لا يتيسّر له تحصيلها ولا ثباتها إن حصلت ، فمعنى « عرّفني نفسك » ـ والله أعلم ـ ثبّت معرفتي بك وزدني بها يقينا عمّا عندي بإزاحة ما يصدّني عن ذلك من وسوسة الشيطان وتعرّضه لي ؛ وكذا القول في الباقي. وباب التأويل واسع إذا احتاج الأمر إليه.

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٤٢ ، ح ٢٩.

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) في الكافي زيادة : ولا سواء.

٤٤٠