الفوائد المدنيّة

محمّد أمين الإسترابادي

الفوائد المدنيّة

المؤلف:

محمّد أمين الإسترابادي


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-511-04
الصفحات: ٥٩٢

له الحسنة وكتبت عليه السيّئة وعوقب ، وإذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك ، وذلك انّها تحيض لتسع سنين (١).

قلت : الوجوب جاء في كلامهم عليهم‌السلام بمعنى تأكّد الاستحباب كثيرا في مواضع باب الأغسال. والشائع في كلامهم عليهم‌السلام إطلاق الفرض والفريضة بمعنى الوجوب المتعارف عند علماء الاصول ، والجمع بين الأحاديث يقتضي حمل الوجوب على تأكّد الاستحباب. ] (٢)

ثمّ أقول : الخطاب الوضعي إذا تعلّق بفعل الصبيّ أو المجنون أو بفعل البهيمة ، قد يكون مقتضاه تعلّق خطاب اقتضائي بمالك البهيمة ، وقد يكون مقتضاه تعلّق خطاب اقتضائي بعاقلة الصبيّ أو المجنون أو وليّهما أو بمن يكون بيت مال المسلمين تحت يده ، وقد يكون مقتضاه تعلّق خطاب اقتضائي بالصبيّ أو المجنون إذا كملا. وتعيين تلك المقتضيات منوط بالسماع عن الصادقين عليهم‌السلام لا بهذه الاعتبارات الظنّية الخيالية إلّا عند من زعم أنّ الله تعالى لعدم تناهي (٣) الأحكام الشرعية [ وامتناع أن يودعها عند أحد لأجل ذلك ] (٤) ناطها بدلائل وربطها بأمارات ومخائل.

والشهيد الثاني رحمه‌الله سلك في كتاب تمهيد القواعد مسلك العامّة في اصطلاحاتهم وقواعدهم وتعريفاتهم بأدنى تصرّف فيها ، ولمّا أراد تغيير عباراتهم عن نسقها بحذف أو بزيادة أو بتقديم أو تأخير قصرت عباراته في مواضع كثيرة عن إفادة المراد.

والعبارة الواضحة الغير القاصرة في هذا المقام ما ذكره الفاضل المدقّق بدر الدين الزركشي الشافعي في أوائل شرحه لجمع الجوامع حيث قال : قول الفقهاء : الصبيّ يثاب ويندب له ، كلّه على سبيل التجوّز عند الاصوليّين ، ولا يكون ندب ولا كراهة إلّا في فعل المكلّف ، وهذا أمر مرفوع عنه عند الاصوليّين ، نبّهوا عليه بقولهم : « المتعلّق بأفعال المكلّفين » كذا قال المصنّف ، وسبقه إليه الهندي فقال الدليل على أنّه لا يتعلّق بفعل الصبيّ حكم شرعي الإجماع ، فإنّ الامّة أجمعت على أنّ شرط التكليف العقل والبلوغ وإذا انتفى التكليف عنهم لفقد شرطه انتفى الحكم الشرعي

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٨٤ ، ح ١٦.

(٢) ما بين المعقوفتين ليس في خ.

(٣) في خ بدل « لعدم تناهي » : لكثرة.

(٤) ما بين المعقوفتين ليس في خ.

٤٠١

عن أفعالهم ، والمعنيّ بتعلّق الضمان بإتلاف الصبيّ أمر الولي بإخراجه من ماله.

وقال الشيخ تقي الدين عبّر بعضهم بأفعال العباد ليشمل الضمان المتعلّق بفعل الصبيّ والمجنون ، ومن اعتبر التكليف ردّ ذلك الحكم إلى الوليّ وتكليفه بأداء القدر الواجب.

قلت : وكذا القول في اتلاف البهيمة ونحوه ، فإنّه حكم شرعي وليس متعلّقا بفعل المكلّف ، والحاصل ردّه إلى التعلّق بفعل المكلّف ، لأنّ التعلّق تارة يكون بواسطة وتارة يكون بغير واسطة (١) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

الفائدة الثالثة

قال الشهيد الثاني قدس‌سره في تمهيد القواعد الاصولية والعربية : الأصل لغة ما يبنى عليه الشي‌ء ، وفي الاصطلاح يطلق على الدليل والراجح والاستصحاب والقاعدة.

ومن الأوّل قولهم الأصل في هذه المسألة الكتاب والسنّة. ومن الثاني : الأصل في الكلام الحقيقة. ومن الثالث : تعارض الأصل والظاهر. ومن الرابع قولهم : لنا أصل وهو أنّ الأصل يقدّم على الظاهر ، وقولهم : الأصل في البيع اللزوم ، والأصل في تصرّفات المسلم الصحّة ، أي القاعدة الّتي وضع عليها البيع بالذات ، وحكم المسلم بالذات اللزوم وصحّة تصرّفه ، لأنّ وضع البيع شرعا لنقل مال كلّ من المتبايعين إلى الآخر ، وبناء فعل المسلم من حيث إنّه مسلم على الصحّة ، وذلك لا ينافي رفعه (٢) بدليل خارجي ، كوضع الخيار في البيع ، وعروض مبطل لفعل المسلم ، وتقديم الظاهر على الأصل في موارد. وأمّا قولهم : الأصل في الماء الطهارة ، فيجوز كونه من هذا القسم وهو الأنسب ، وأن يكون من قسم الاستصحاب (٣) انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

وأنا أقول : إن شئت تحقيق المقام بما لا مزيد عليه فاستمع لما نتلوا عليك من الكلام بتوفيق الملك العلّام.

فنقول : مرادهم من الراجح ما يترجّح إذا خلّي الشي‌ء ونفسه ، مثلا إذا خلّي

__________________

(١) لا يوجد عندنا هذا الشرح.

(٢) في تمهيد القواعد : نقضه ، وفي نسخة منه : وضعه.

(٣) تمهيد القواعد : ٣٢.

٤٠٢

الكلام ونفسه أي لم يكن قرينة صارفة يحمله المخاطب على المعنى الحقيقي ، لأنّه راجح حينئذ.

والمراد من الأصل في قولهم : « الأصل براءة الذمّة » هذا المعنى ، وكذلك من قولهم : « الأصل في الماء عدم تنجّسه » ويمكن أن يكون المراد من الأصل في هاتين الصورتين المستصحب أي الحالة السابقة. وأمّا قولهم : « الأصل في كلّ ممكن عدمه » فيمكن حمله على الحالة الراجحة ، ويمكن حمله على الحالة السابقة ، لكنّ الثاني إنّما يصحّ عند من لم يقل بعدم بعض الممكنات ، وجمهور الفلاسفة قالوا بذلك على التفصيل المشهور في كتب الحكمة والكلام. والأشاعرة قالوا بقدم الصفات السبع في حقّه تعالى.

واعلم أنّ المذكور في شرح المختصر مكان « الاستصحاب » « المستصحب » وهو بفتح الحاء ، وهو من جملة معاني الأصل وإنّما عدل الشهيد الثاني رحمه‌الله عنه ، لأنّ من جملة الأدلّة الشرعية الاستصحاب لا المستصحب ، وإطلاق مأخذ الاشتقاق وإرادة المشتقّ شائع ذائع.

مثال تعارض الأصل والظاهر : ثوب القصارين وأرض الحمّامات ، فإنّ الظاهر ـ أي المظنون ـ ورود النجاسة عليهما ، والأصل أي الحالة السابقة عدم الورود. ويمكن حمل الأصل هنا على الحالة الراجحة كما لا يخفى على اللبيب.

وأمّا قولهم : « الأصل يقدّم على الظاهر » فيصحّ بمعنى المستصحب وبمعنى الحالة الراجحة. وهذه القاعدة موافقة لتصريحات كلامهم عليهم‌السلام لكنّها عند التحقيق والنظر الدقيق جارية في الوقائع الجزئية لا في أحكام الله تعالى ، لأنّه تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام بأنّ لكلّ واقعة حكما معيّنا قطعيا واردا من الله تعالى حتّى أرش الخدش ، والجاهل بعينه يجب عليه التوقف إلى أن يطّلع عليه.

وأمّا قولهم : « الأصل في البيع اللزوم » فمن المعلوم : أنّ الأصل فيه ليس بمعنى الحالة السابقة ، ولا بمعنى الحالة الراجحة إذا خلّي الشي‌ء ونفسه ، لثبوت خيار المجلس ، فلذلك حمل على القاعدة. وكثيرا ما يتمسّك بتلك القاعدة الفقهاء في

٤٠٣

إثبات صحّة بيع مشتمل على شرط اختلف في صحّته. وتلك القاعدة ليست موافقة لأحاديثهم عليهم‌السلام بل أحاديثهم عليهم‌السلام ناطقة ببطلانها ، وبأنّ العقود المشتملة على القيود بعضها صحيح وبعضها فاسد ، وبأنّ التمييز بينهما منوط بالسماع عنهم عليهم‌السلام لأنّهم عارفون بما يوافق منها كتاب الله.

وأمّا قولهم : الأصل في تصرّفات المسلم الصحّة ، فهذه القاعدة موافقة للأحاديث الواردة في أبواب متفرّقة ، فنحن معاشر الأخباريّين نقول بها ولا نغفل عن الفرق بين أخبار المسلم وبين أفعاله ، فإنّ في الأوّل يجب التوقّف.

وأمّا قولهم : « الأصل في الماء الطهارة » فيمكن أن يحمل على الحالة الراجحة سواء فسّرت الطهارة بمعنى عدمي ، أو فسّرت بمعنى وجودي ، نظير ذلك قولهم : « الأصل في الكلام الحقيقة » وكما أنّ هناك الحقيقة فرع الوضع ، هنا الطهارة فرع الشرع ، والمراد التخلية عمّا عدا ما اعتبر فيهما من وضع أو شرع. ويمكن أن يحمل على الحالة السابقة. ويمكن أن يحمل على القاعدة ، وهي موافقة لقولهم عليهم‌السلام : كلّ شي‌ء طاهر حتّى يستيقن أنّه قذر (١) ولقولهم عليهم‌السلام كلّ ماء طاهر حتّى يستيقن أنّه قذر (٢) *.

______________________________________________________

* احتمال حمل أصل الطهارة للماء على الحالة الراجحة لا وجه له ، بل يتعيّن حمله على الحالة السابقة ، لأنّ أصل الماء من ذاته كلّه طاهر ، النابع من الأرض والنازل من السماء ، ولا ينجس إلّا بعارض. وليس التعارض بين طهارة الماء ونجاسته كتعارض الحقيقة والمجاز في كلّ لفظ ، لمعلوميّة الأصل في الأوّل دون الثاني.

* * *

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ ح ٨٣٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٣٤ ، ح ٥.

٤٠٤

الفصل الحادي عشر

في بيان أغلاط المعتزلة والأشاعرة ومن وافقهم في تعيين أوّل الواجبات

وتوضيح المقام : أنّ كلّ من تكلّم في مسألة أوّل الواجبات وفي مسألة أهل الفترة والأطفال وأشباههما بمقتضى عقله ـ وهم المعتزلة والأشاعرة وجمع قليل من أفاضل أصحابنا ـ زلّت قدمه وخرّ أبعد ما بين السماء والأرض! ومن تمسّك فيهما وفي غيرهما بأصحاب العصمة عليهم‌السلام العاصمين للامّة عن الخطأ في المسائل النظرية نجا ، وهم الأخباريّون من أصحابنا الملتزمون للتمسّك بكلام العترة الطاهرة عليهم‌السلام في كلّ مسألة ليست من ضروريّات الدين ، والباعث لالتزامهم ذلك أمران : عقلي ، ونقلي :

أمّا العقلي : فما حقّقناه سابقا من أنّ المنطق غير عاصم عن الخطأ في موادّ الأفكار والعاصم عنه صاحب العصمة.

وأمّا النقلي : فما مضى في كلامنا : من أنّه تواترت الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام بأنّه يجب التمسّك بكلامهم عليهم‌السلام في كلّ مسألة لم تكن من ضروريّات الدين.

ولننقل طرفا من كلام القوم ، ثمّ نشتغل بذكر ما استفدناه من كلام أصحاب العصمة ـ صلوات الله عليهم ـ.

ففي شرح المواقف : المقصد السادس : النظر في معرفة الله ـ أي لأجل تحصيلها ـ واجب إجماعا منا ومن المعتزلة. وأمّا معرفة الله تعالى فواجبة إجماعا من الامّة ، واختلف في طريق ثبوته ـ أي ثبوت وجوب النظر في المعرفة ـ فهو يعني طريق الثبوت عند أصحابنا السمع ، وعند المعتزلة العقل.

٤٠٥

وفيه أيضا : المقصد السابع : قد اختلف في أوّل واجب على المكلّف أنّه ما ذا؟ فالأكثر ـ ومنهم الشيخ أبو الحسن الأشعري ـ على أنّه معرفة الله تعالى ، إذ هو أصل المعارف والعقائد الدينية ، وعليه يتفرّع وجوب كلّ واجب من الواجبات الشرعيّة. وقيل : هو النظر فيها ـ أي في معرفة الله سبحانه ـ لأنّه واجب اتّفاقا كما مرّ ، وهو قبلها. وهذا مذهب جمهور المعتزلة والاستاذ أبي إسحاق الأسفرائني. وقيل : هو أوّل جزء من النظر ، لأنّ وجوب الكلّ يستلزم وجوب أجزائه ، فأوّل جزء من النظر واجب ومقدّم على النظر المتقدّم على المعرفة. وقال القاضي واختاره ابن فورك وإمام الحرمين : أنّه القصد إلى النظر ، لأنّ النظر فعل اختياري مسبوق بالقصد المتقدّم على أوّل أجزائه. والنزاع لفظي ، إذ لو أريد الواجب بالقصد الأوّل ـ أي اريد أوّل الواجبات المقصودة أوّلا وبالذات ـ فهو المعرفة اتّفاقا ، وإلّا ـ أي وإن لم يرد ذلك بل اريد أوّل الواجبات مطلقا ـ فالقصد إلى النظر ، لأنّه مقدّمة للنظر الواجب مطلقا ، فيكون واجبا أيضا. وقد عرفت أنّ وجوب المقدّمة إنّما يتمّ في السبب المستلزم دون غيره (١) انتهى ما أردنا نقله.

وفي الشرح العضدي للمختصر الحاجبي ـ في مقام ذكر أدلّة المعتزلة لإثبات الحسن والقبح العقليّين وردّها ـ قالوا : لو كان شرعيّا لزم افحام الرسل ، فلا تفيد البعثة وبطلانه ظاهر. بيانه : إذا قال الرسول : « انظر في معجزتي كي تعلم صدقي » فله أن يقول : « لا أنظر فيه حتّى يجب عليّ النظر وأنّه لا يجب حتّى أنظر » أو يقول : « لا يجب عليّ حتّى يثبت الشرع ولا يثبت الشرع حتّى أنظر وأنا لا أنظر » ويكون هذا القول حقّا ولا سبيل للرسول إلى دفعه ، وهو حجّة عليه وهو معنى الإفحام.

الجواب أمّا أوّلا : فإنّه مشترك الإلزام ، لأنّه إن وجب عندهم بالعقل فليس ضروريا لتوقّفه على إفادة النظر للعلم مطلقا وفي الإلهيات خاصّة ، وعلى أنّ المعرفة واجبة وأنّها لا تتمّ إلّا بالنظر وأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب ، والكلّ ممّا لا يثبت إلّا بالنظر الدقيق. وإذا كان وجوبه نظريا فللمكلّف أن يقول ما تقدّم بعينه ، وهو أنّه « لا يجب ما لم أنظر ولا أنظر ما لم يجب » أو « لا يجب ما لم يحكم

__________________

(١) شرح المواقف ١ : ٢٥٧ و ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٤٠٦

العقل بوجوبه ولا يحكم ما لم يجب ». وأمّا ثانيا : فبالحلّ وهو أنّ قوله : « لا أنظر حتّى يجب » غير صحيح ، لأنّ النظر لا يتوقّف على وجوب النظر وهو ظاهر. وقد يقال : فلا يمكن إلزامه النظر ، وهو معنى الإفحام. ولو سلّم أنّ النظر يتوقّف على وجوبه فقوله : « لا يجب حتّى أنظر ، أو حتّى يثبت الشرع » غير صحيح ، فإنّ الوجوب عندنا ثابت بالشرع نظر أو لم ينظر ثبت الشرع أو لم يثبت ، لأنّ تحقّق الوجوب لا يتوقّف على العلم به ، وإلّا لزم الدور وليس ذلك من تكليف الغافل في شي‌ء فإنّه يفهم التكليف وإن لم يصدق به (١) انتهى.

وأنا أقول أوّلا : قد نقل عن الصوفيّة أنّ معرفته تعالى عندهم ضرورية لا كسبية ، فكيف يصحّ قوله : فأمّا معرفته تعالى فواجبة إجماعا من الامّة؟

ثمّ أقول ثانيا : قد تواترت الأخبار عن أهل بيت النبوّة متّصلة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ معرفة الله تعالى [ ومعرفة توحيده ] (٢) بعنوان أنّه خالق العالم وأنّ له رضى وسخطا ، وأنّه لا بدّ من معلّم من جهة الله تعالى ليعلّم الخلق ما يرضيه وما يسخطه من الامور الفطرية الّتي وقعت في القلوب بإلهام فطريّ إلهيّ ، كما قال الحكماء : الطفل يتعلّق بثدي أمّه بإلهام فطري إلهي.

وتوضيح ذلك : أنّه تعالى ألهمهم بتلك القضايا ، أي خلقها في قلوبهم وألهمهم بدلالات واضحة على تلك القضايا ، ثمّ أرسل إليهم الرسول وأنزل عليه الكتاب ، فأمر فيه ونهى.

وبالجملة ، أنّه لم يتعلّق بهم وجوب ولا غيره من التكليفات إلّا بعد بلوغ خطاب الشارع ، ومعرفة الله تعالى قد حصلت لهم قبل بلوغ الخطاب بطريق الإلهام بمراتب [ وكلّ ما بلغته دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقع في قلبه من الله تعالى يقين على صدقه ، فإنّه تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأنّه : ما من أحد إلّا وقد يرد عليه الحقّ حتّى يصدع قلبه ، قبله أو تركه ] (٣) فأوّل الواجبات الإقرار اللساني بالشهادتين.

__________________

(١) شرح القاضي : ٧٦.

(٢) لم يرد في ط.

(٣) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ. والرواية وردت في المحاسن ١ : ٤٣١ ، ح ٣٩٧.

٤٠٧

وكذلك تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأنّه على الله التعريف والبيان وعلى الخلق أن يقبلوا ما عرّفهم الله تعالى (١). وطريق التعريف والبيان أنّه تعالى أوّلا يلهمهم بتلك القضايا وكذلك يلهمهم بدلالات واضحة عليها صادعة قلبهم ، ثمّ بعد ذلك تبلغهم دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والدلالة على صدقه ، ثمّ بعد ذلك يجب عليهم الإقرار [ أي : الاعتراف اللساني ثمّ الاعتراف القلبي ] (٢) بالشهادتين وبباقي ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إجمالا. وبأنّ (٣) من لم يحصل في حقّه هذه الامور ـ سواء كان من أهل الفترة أو كان له مانع آخر ـ لم يتعلّق به تكليف في دار الدنيا ويتعلّق به تكليف بدل ذلك يوم القيامة ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة *.

[ ويفهم من كلامهم عليهم‌السلام : أنّ الاعتراف والإقرار القلبي أمر مغاير للمعرفة التصديقية الّتي بها يرتفع الشكّ والتردّد ، وأنّ الأوّل فعل مطلوب من العبد ، وأنّ الثاني من خلق الله في القلوب.

وتوضيح ذلك : أنّ العبد الغير المنافق إذا قال : لا إله إلّا الله ومحمّد رسول الله ، فقد حصل إقراران : اللساني والقلبي ، فحديث النفس بذلك المعنى لأجل الانقياد اعتراف قلبيّ.

______________________________________________________

* مفاد كلام المصنّف ما ذهب إليه من أنّ معرفة الله تعالى ليست كسبيّة للعبد ، لأنّها ليست في مقدوره ، وبيّنّا أنّ ذلك خلاف المجمع عليه. وخلاصة القول في هذه المسألة : أنّ الواجب على المكلّف تحصيل المعرفة المعتبرة في التكليف ، لتوقّف صحّة العبادة على معرفة المعبود ، فإن كانت حاصلة ـ كما هو منقول عن بعض الصوفية أنّها ضروريّة ـ حصل المقصود ، وإلّا يوجب على المكلّف الالتفات والتذكّر والتفكّر والتعقّل لما يفيد ذلك.

وما ورد في القرآن والأخبار ما ينافي بظاهره ذلك وأمثاله من الامور المتّفق في مذهب الحقّ على خلافها فلا بدّ من تأويله وحمله على وجه لا يخالف المتّفق عليه. هذا إن لم تردّ أكثر الروايات المخالفة بضعف السند ، وإلّا فيؤوّل الوارد منها بنفي السبيل للعبد إليها بالحمل على المعرفة

__________________

(١) راجع المحاسن ١ : ٤٣٠ ، ح ٣٩٤ و ٣٩٥.

(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.

(٣) عطف على قوله : تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأنّه ....

٤٠٨

ويفهم من كلامهم عليهم‌السلام : أنّ تأليف معان مخصوصة بعضها مع بعض لأجل إيقاعها هو إرادة العبد ، وتأليف معان اخر مخصوصة لأجل الانقياد بها هو الاعتراف القلبي ، ومن ثمّ وقع التصريح في كلامهم عليهم‌السلام في مواضع كثيرة بأنّ فعل العبد ثلاثة : تفكّر القلب ، والنطق باللسان ، وعمل الجوارح (١) وحقيقة تفكّر النفس تحريك بعض القوى الداركة ليترتّب عليه حضور معان مخصوصة وحصول تأليف مخصوص بينهما ، كما أنّ حقيقة الإحساس تحريك بعضها ليترتّب عليه الحضور والإحساس ] (٢).

وذكر ابن حجر المكيّ في شرح القصيدة الهمزية عند قول ناظمها :

لم تزل في ضمائر الكون مختار

لك الامّهات والآباء

لك أن تأخذ من كلام الناظم الّذي علمت من الأحاديث مصرّحة به لفظا في أكثره ومعنى في كلّه : أنّ آباء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غير الأنبياء وأمّهاته إلى آدم وحواء ليس فيهم كافر ، لأنّ الكافر لا يقال في حقّه : إنّه مختار ولا كريم ولا طاهر ، بل نجس كما في آية ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (٣) وقد صرّحت الأحاديث السابقة بأنّهم يختارون وأنّ الآباء كرام والامّهات طاهرات. وأيضا فهم إلى إسماعيل عليه‌السلام كانوا من أهل الفترة ، وهم في حكم المسلمين بنصّ الآية الآتية ، وكذا من بين كلّ رسولين. وأيضا قال الله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ ) (٤) على أحد التفاسير فيه : أنّ المراد تنقّل نوره من ساجد إلى ساجد (٥) وحينئذ فهو صريح في أنّ أبوي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله آمنة وعبد الله

______________________________________________________

الكاملة. وما يدلّ على أنّه ليس للعبد فيها استطاعة وإنّما هي تطوّل بأنّ المراد بالتطوّل الإقدار ونصب الأدلّة والتوفيق بالقرب إلى تحصيلها وأنّه لو لا الإعداد والتطوّل على العبد يتيسّر أسباب تحصيلها لم يمكن حصولها من نفس وسعه وقدرته ، وأمّا بعد حصول اللطف من الله سبحانه بالإعداد لذلك يحصل المطلوب بأدنى التفات ونظر. وسيأتي في آخر مكاتبة عبد الرحمن القصير ما يشير إلى أنّ المعرفة بالاختيار والكسب.

__________________

(١) لم نعثر بهذا اللفظ ، راجع الكافي ٢ : ٢٧ ، الخصال ١ : ١٧٩ ، باب الثلاثة ح ٢٤٠.

(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في خ.

(٣) التوبة : ٢٨.

(٤) الشعراء : ٢١٩.

(٥) التفسير الكبير للرازي : ذيل الآية المباركة ، والتبيان للطوسي : ذيل الآية.

٤٠٩

من أهل الجنّة لأنّهما من أقرب المختارين. وهذا هو الحقّ ، بل في حديث صحيح غير واحد من الحفّاظ ـ ولم يلتفتوا لمن طعن فيه ـ أنّ الله تعالى أحياهما له فآمنا به خصوصية لهما وكرامة له صلى‌الله‌عليه‌وآله فقول ابن دحية : « بردّه القرآن والإجماع » ليس في محلّه ، لأنّ ذلك ممكن شرعا على جهة الكرامة والخصوصيّة ، فلا يردّه قرآن ولا إجماع. وكون الإيمان به لا ينفع بعد الموت محلّه في غير الخصوصيّة والكرامة ، وقد صحّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ردّت عليه الشمس بعد مضيّها فعاد الوقت حتّى صلّى العصر أداء (١) كرامة له صلى‌الله‌عليه‌وآله فكذا هنا. وطعن بعضهم في صحّة هذا ممّا لا يجدي أيضا. وخبر « إنّ الله تعالى لم يأذن لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في الاستغفار لامّه » (٢) إمّا كان قبل إحيائها له وإيمانها به ، أو أنّ المصلحة اقتضت تأخير الاستغفار لها عن ذلك الوقت فلم يؤذن له فيه حينئذ.

فإن قلت : إذا قرّرتم أنّهما من أهل الفترة وأنّهم لا يعذّبون فما فائدة الإحياء.

قلت : فائدته اتّحافهما بكمال لم يحصل لأهل الفترة ، لأنّ غاية أمرهم أنّهم الحقوا بالمسلمين في مجرّد السلامة من العقاب ، وأمّا مراتب الثواب العليّة فهم بمعزل عنها ، فالحقا بمرتبة الإيمان زيادة في شرف كمالهما بحصول تلك المراتب لهما.

ولا يرد على الناظم « آزر » فإنّه كافر مع أنّ الله تعالى ذكر في كتابه العزيز أنّه أبو إبراهيم عليه‌السلام وذلك ، لأنّ أهل الكتابين أجمعوا على أنّه لم يكن أباه حقيقة وإنّما كان عمّه والعرب تسمّي العمّ أبا ، بل في القرآن ذلك ، قال تعالى : وآبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق (٣) مع أنّه (٤) عمّ يعقوب ، بل لو لم يجمعوا على ذلك وجب تأويله بهذا جمعا بين الأحاديث. وأمّا من أخذ بظاهره ـ كالبيضاوي وغيره ـ فقد تساهل واستروح.

وحديث مسلم قال رجل : يا رسول الله أين أبي؟ قال : « في النار » فلمّا قفا دعاه فقال : « إنّ أبي وأباك في النار » (٥) متعيّن تأويله ، وأظهر تأويلاته : أنّه أراد بأبيه عمّه

__________________

(١) كنز العمّال ١٢ : ٣٤٩ ح ٣٥٣٥٣.

(٢) السيرة الحلبية ١ : ١٠٦.

(٣) كذا ، والآية ( آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ) يوسف : ٣٨ ، فلا تصلح للاستدلال ، نعم يصحّ الاستدلال بقوله تعالى حكاية عن بني يعقوب : ( نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ ) البقرة : ١٣٣.

(٤) يعني إسماعيل عليه‌السلام.

(٥) صحيح مسلم ١ : ١٩١ ، ٣٤٧.

٤١٠

أبا طالب ، أو أنّه إنّما قصد بذلك أن يطيب خاطر ذلك الرجل خشية أن يرتدّ أو كان ذلك قبل أن ينزّل عليه ( وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (١) كما وقع أنّه سئل عن أطفال المشركين ، فقال : « هم من آبائهم » ثمّ سئل عنهم فذكر أنّهم في الجنّة (٢) *.

وأمّا قول النووي في حديث مسلم « إنّ من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو في النار » : وليس في هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة ، فإنّ هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره عليه الصلاة والسلام (٣) فبعيد جدّا ، للاتّفاق على أنّ إبراهيم ومن بعده لم يرسلوا للعرب ورسالة إسماعيل إليهم انتهت بموته ، إذ لم يعلم لغير نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله عموم بعثة بعد الموت.

وقد يؤوّل كلامه بحمله على عبّاد الأوثان الّذين ورد فيهم أنّهم في النار.

وبهذا يؤول كلام الفخر الرازي القريب من كلام النووي (٤).

ثمّ رأيت الآبي ـ شارح مسلم ـ بالغ في الردّ على النووي بأنّ كلامه متناف لحكمه بأنّهم أهل فترة ، وبأنّ الدعوة بلغتهم ومن بلغتهم الدعوة ليسوا أهل فترة ، لأنّهم الامم الكائنة بين أزمنة الرسل الّذين لم يرسل إليهم الأوّل ولا أدركوا الثاني.

ثمّ قال (٥) : ولمّا دلّت القواطع على أن لا تعذيب حتّى تقوم الحجّة علمنا أنّ أهل الفترة غير معذّبين انتهى. وهو موافق لما ذكرته.

وأمّا الّذين صحّ تعذيبهم مع كونهم من أهل الفترة ، فلا يردون نقضا على ما عليه الأشاعرة من أهل الكتاب والاصول والشافعية من الفقهاء من أنّ أهل الفترة لا يعذّبون ، وسبب ذلك أنّنا عهدنا في الغلام الّذي قتله الخضر عليه‌السلام أنّه حكم بكفره

______________________________________________________

* لو صحّ الحديث لم يصحّ تأويله بأبي طالب رضى الله عنه لأنّه لم يمت إلّا على الإسلام ، والعقل والنقل شاهد بذلك ، وكان كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه ليتيسّر له الذبّ عن رسول الله والانتصار له عليه‌السلام. وأمر الله سبحانه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخروج من مكّة بعد وفاته وتعليله بموت ناصره وهو أبو طالب وغير ذلك أدلّة واضحة على إسلامه لا تحتمل الريب.

__________________

(١) الاسراء : ١٥.

(٢) الدرّ المنثور : ذيل الآية ١٥ من سورة الإسراء.

(٣) صحيح مسلم بشرح النووي ٣ : ٧٩.

(٤) انظر التفسير الكبير للرازي : ذيل الآية ١٥ من سورة الإسراء.

(٥) أي الآبي شارح صحيح مسلم.

٤١١

مع صباه لأمر يعلمه الله (١) ورسوله ، فلا يرد هؤلاء نقضا على ما استفيد من الآية ومشى عليه اولئك الأئمّة ، لأنّ أهل الفترة لا يعذّبون.

هذا الّذي ذكرته في الجواب أولى من الجواب بأنّ أحاديثهم أخبار آحاد ولا يعارض القطع بأنّ أهل الفترة لا يعذّبون ، أو بأنّ التعذيب المذكور في الأحاديث مقصور على من بدّل وغيّر من أهل الفترة بما لم يعذر به ، كعبادة الأوثان وتغيير الشرائع ، وكان قائل هذا ممّن يرى وجوب الإيمان بالعقل. والّذي عليه أكثر أهل السنّة والجماعة أنّه لا يجب توحيد ولا غيره إلّا بعد إرسال الرسول إليهم ، ومن المقرّر : أنّ العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل عليه‌السلام وأنّ إسماعيل انتهت رسالته بموته ، فلا فرق بين من غيّر وبدّل وغيره ، ما عدا من صحّ تعذيبه فيقصر ذلك عليه ، لأنّه لا قياس في ذلك.

وقول أبي حيّان : إنّ الرافضة قائلون بأنّ آباء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله غير معذّبين مستدلّين بقوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ ) (٢) لك ردّه بأنّ مثل أبي حيّان إنّما يرجع عليه في علم النحو وما يتعلّق به وأمّا المسائل الاصوليّة فهو عنها بمعزل ، كيف! والأشاعرة ومن ذكر معهم فيما مرّ آنفا قالوا بأنّهم مؤمنون غير معذّبين ، فنسبة ذلك للرافضة وحدهم ، مع أنّ هؤلاء الّذين هم أئمّة أهل السنّة قائلون به قصور وأيّ قصور وتساهل وأيّ تساهل؟! (٣) انتهى ما أردنا نقله من كلام ابن حجر المكّي.

فلنذكر طرفا من تلك الأخبار :

ففي كتاب العلل (٤) في باب علل الشرائع واصول الإسلام : حدّثني عبد الواحد بن محمّد عبدوس النيسابوري العطار قال : حدّثني أبو الحسن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري : إن سأل سائل فقال : أخبرني عن تكليف الحكيم عبده فعلا من الأفاعيل لغير علّة ولا معنى؟

قيل له : لا يجوز ذلك ، لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل.

__________________

(١) في ط زيادة : وحده ، فكذا هو لا تحكم بكفرهم بخصوصهم وإن لم تبلغهم الدعوة لأمر يعلمه الله.

(٢) الشعراء : ٢١٩.

(٣) شرح القصيدة لابن حجر المكّي : لا يوجد عندنا.

(٤) هذا الخبر وما بعده لم يردا في خ.

٤١٢

فإن قال : فأخبرني لم كلّف الخلق؟

قيل : لعلل :

فإن قال : فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي ، أم غير معروفة ولا موجودة؟

قيل : بل هي معروفة موجودة عند أهلها.

فإن قال : أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟

قيل : لهم منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه.

فإن قال : فما أوّل الفرائض؟

قيل : الإقرار بالله وبما جاء به من عند الله.

فإن قال : لم أمر الخلق بالإقرار بالله وبرسوله وحجّته وبما جاء به من عند الله؟

قيل : العلل كثيرة ، منها : أنّ من لم يقرّ بالله لم يتجنّب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحدا فيما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد ، كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض ، فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والسبي وقتل بعضهم بعضا من غير حقّ ، ولا جرم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل.

ومنها : أنّ الله عزوجل حكيم ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلّا الّذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح ويزجر عن الظلم وينهى عن الفواحش ، ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي من الفواحش إلّا بعد الإقرار بالله ومعرفة الآمر والناهي ، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفة لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد ، إذ لا أمر ولا نهي.

ومنها : أنّا قد وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة مستورة عن الخلق ، فلو لا الإقرار بالله وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحدا في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبيرة إذا كان فعل ذلك مستورا عن الخلق غير مراقب لأحد ، فكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين ، فلا يكون قوام الخلق

٤١٣

وصلاحهم إلّا بإقرار منهم بعليم خبير يعلم السرّ وأخفى أمر بالصلاح ونهى عن الفساد ولا يخفى عليه خافية ، ليكون في ذلك انزجار لهم عمّا يخفون به من أنواع الفساد.

فإن قال : فلم وجب عليكم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان لهم.

قيل : لأنّه لمّا لم يكن في خلقهم وقوامهم بما يصيبون به (١) لمباشرة الصانع عزوجل حتّى يكلّمهم ويشافههم ، وكان الصانع عن أن يرى ويباشر ، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهرا لم يكن بدّ لهم من رسول بينه وبينهم معصوم يؤدّي إليهم أمره ونهيه وأدبه ويقفهم على ما يكون به اجتلاب منافعهم ودفع مضارّهم إذا لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من منافعهم ومضارّهم ، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجي‌ء الرسول منفعة ولا صلاح ، وليس هذا من صفة الحكيم الّذي أتقن كلّ شي‌ء.

فإن قال : ولم جعل اولي الأمر وأمر بطاعتهم؟

قيل : لعلل كثيرة :

منها : أنّ الخلق إنّما وقفوا على حدّ محدود وامروا أن لا يتعدّوا تلك الحدود ، لما فيه من فسادهم ، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلّا بأن يجعل عليهم فيها أمينا يأخذهم بالوقت عند ما يبيح لهم ويمنعهم من التعدّي على ما حظر عليهم ، لأنّه لو لم يكن ذلك لكان أحد لا يترك لذّته ومنفعته بفساد غيره ، فجعل عليهم قيّم يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

ومنها : أنّا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا إلّا بقيّم ورئيس لما لا بدّ لهم في أمر الدين والدنيا ، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لا بدّ لهم منه ولا قوام لهم إلّا به ، فيقاتلون به عدوّهم ويقسّمون به فيئهم ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم.

ومنها : أنّه لو لم يجعل لهم إماما قيّما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملّة وذهب الدين وغيّرت السنن والأحكام ، ولزاد فيه المبتدعون ونقص فيه الملحدون

__________________

(١) في المصدر : « لأنّه لمّا لم يكتف في خلقهم وقواهم ما يثبتون به ... » وفيه اختلافات اخر أيضا.

٤١٤

وشبّهوا ذلك على المسلمين ، إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين ، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت أنحائهم (١) فلو لم يجعل فيها قيّما حافظا لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بيّنّاه ، وغيّرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد وأكثر من ذلك؟

قيل : لعلل :

منها : أنّ الواحد لا يختلف فعله وتدبيره والاثنين لا يتّفق فعلهما وتدبيرهما ، وذلك أنّا لم نجد إلّا اثنين مختلفي الهمم والإرادة ، فإذا كان اثنين ثمّ اختلفت هممهما وإرادتهما وكانا كلاهما مفترض الطاعة لم يكن أحدهما أولى بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ، ثمّ لا يكون أحد مطيعا لأحدهما إلّا وهو عاص للآخر فتعمّ المصيبة أهل الأرض ، ثمّ لا يكون مع ذلك السبيل إلى الطاعة والإيمان ، ويكونون إنّما أتوا في ذلك من قبل الصانع والّذي وضع لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر إذا أمرهم باختلاف المختلفين.

ومنها : أنّه لو كان إمامين كان لكلّ من الخصمين أن يدعو إلى غير الّذي يدعو إليه الآخر في الحكومة ، ثمّ لا يكون أحدهما أولى بأن يتّبع من صاحبه فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.

ومنها : أنّه لا يكون واحد من الحجّتين أولى بالنظر والحكم والأمر والنهي من الآخر وإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن ينبذوا الكلام ، وليس لأحدهما أن يسبق صاحبه بشي‌ء إذا كانا في الامّة شرعا واحدا ، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز للآخر مثل ذلك ، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام وعطّلت الحدود وصار الناس كأنّهم لا إمام لهم.

فإن قيل : فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قيل : لعلل :

__________________

(١) في العلل : حالاتهم.

٤١٥

منها : أنّه لمّا كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بدّ من دلالة تدلّ عليه ويتميّز بها من غيره ، وهي القرابة المشهورة والوصيّة الظاهرة ، ليعرف من غيره ويهتدي إليه بعينه.

ومنها : أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان فضل من ليس برسول على الرسول ، إذ جعل أولاد الرسول أتباعا لأولاد أعدائه ـ كأبي جهل وابن أبي معيط ـ لأنّه قد يجوز بزعمه أنّه ينتقل بذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فتصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله متبوعين ، فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحقّ.

ومنها : أنّ الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبّر أحد منهم عن أن يتّبع ولده ويطيع دولته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس ، وإذا كان في غير جنس الرسول كان كلّ واحد منهم في نفسه أولى به من غيره ودخل من ذلك الكبر ولم تسنح (١) أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم ، فكان يكون في ذلك داعية لهم إلى الفساد والنفاق والاختلاف.

فإن قال : فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ الله تعالى واحد أحد؟

قيل : لعلل :

منها : أنّه لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم أن يتوهّموا مدبّرين أو أكثر من ذلك ، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره ، لأنّ كلّ إنسان منهم لا يدري لعلّه إنّما يعبد غير الّذي خلقه ويطيع غير الّذي أمره ، فلا يكونوا على حقيقة من صانعهم وخالقهم ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه ، إذ لا يعرف الأمر بعينه ولا الناهي من غيره.

ومنها : أنّه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبد ويطاع من الآخر ، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن لا يطاع الله ، وفي أن لا يطاع الله الكفر بالله ولجميع كتبه ورسله وإثبات كلّ باطل وترك كلّ حقّ وتحليل كلّ حرام وتحريم كلّ حلال والدخول في كلّ معصية والخروج من كلّ طاعة وإباحة كلّ فساد وإبطال كلّ حقّ.

__________________

(١) في العلل : لم تسخ.

٤١٦

ومنها : أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لابليس أن يدّعي أنّه ذلك الآخر حتّى يضاد الله في جميع حكمه ويصرف العباد إلى نفسه ، فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشدّ النفاق.

فإن قال : فلم وجب عليه الاقرار بالله بأنّه ليس كمثله شي‌ء؟

قيل : لعلل :

منها : لأن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره ، غير مشتبه عليهم ربّهم وصانعهم ورازقهم.

ومنها : أنّهم لو لم يعلموا أنّه ليس كمثله شي‌ء لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام الّتي نصبتها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا أن يكون مشبّها ، وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلّها وارتكاب معاصيه كلّها على قدر ما يتناهى إليهم من إخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها.

ومنها : أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أن ليس كمثله شي‌ء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغيير والزوال والفساد والكذب والاعتداد ، ومن جاز عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقّق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه ، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبية.

فإن قال : لم أمر الله عزوجل العباد ونهاهم؟

قيل : لأنّه لا يكون بقاؤهم وصلاحهم إلّا بالأمر والنهي والمنع عن الفساد والتغاصب.

فإن قال : لم تعبّدهم؟

قيل : لئلّا يكونوا ناسين لذكره ولا تاركين لأدبه ولا لاهين عن أمره ونهيه إذا كان فيه صلاحهم وفسادهم وقوامهم ، فلو تركوا بغير تعبّد لطال عليهم الأمد وقست قلوبهم.

فإن قيل : فلم امروا بالصلاة؟

قيل : لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبيّة ، وهو صلاح عامّ ، لأنّ فيه خلع الأنداد

٤١٧

والقيام بين يدي الجبّار بالذلّ والاستكانة والخضوع والاعتراف والطلب في الإقالة من سالف الذنوب ، ووضع الجبهة على الأرض كلّ يوم ليكون ذاكرا لله عزوجل غير ناس له ، ويكون خاشعا وجلا متذلّلا طالبا راغبا مع الطلب للدين والدنيا بالزيادة ، مع ما فيه من الانزجار عن الفساد جدّا ، وصار ذلك عليه في كلّ يوم وليلة لئلّا ينسى العبد مدبّره وخالقه فيبطر ويطغى ، وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربّه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا عن أنواع الفساد.

فإن قال : فلم أمر بالوضوء وبدأ به؟

قيل : لأنّه يكون طاهرا إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه مطيعا له فيما أمره نقيا من الأدناس والنجاسة ، مع ما فيه من ذهاب الكسل وطرد النعاس وتذكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار.

فإن قال : فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ، ومسح الرأس والرجلين؟

قيل : لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار فإنّما ينكشف من جوارحه ويظهر ما وجب فيه من الوضوء ، وذلك أنّه بوجهه يسجد ويخضع ، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتّل ، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده ، وبرجليه يقوم ويقعد (١). والحديث الشريف طويل نقلنا منه موضع الحاجة.

حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رضى الله عنه قال : حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري قال : قلت للفضل بن شاذان ـ لمّا نقلت منه هذه العلل ـ : أخبرني عن هذه العلل الّتي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل أو هي ممّا سمعته ورويته؟ فقال لي : ما كنت أعلم مراد الله عزوجل بما فرض ولا مراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما شرع وسنّ ، ولا اعلّل من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام مرّة بعد مرّة والشي‌ء بعد الشي‌ء فجمعتها فقلت فاحدّث بها عنك عن الرضا عليه‌السلام؟ فقال : نعم (٢).

وفي باب القرآن من كتاب التوحيد لابن بابويه : أخرج شيخنا محمّد بن الحسن

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٥١ ، ح ٩.

(٢) علل الشرائع : ٢٧٤. هذا الحديث وما قبله لم يردا في خ.

٤١٨

ابن أحمد بن الوليد ـ رضى الله عنه ـ في جامعه ، وحدّثنا به عن محمّد بن الحسن الصفّار عن العبّاس بن معروف قال : حدّثني عبد الرحمن بن أبي نجران عن حمّاد بن عثمان عن عبد الرحيم القصير قال كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك! اختلف الناس في أشياء قد كتبت بها إليك ، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تشرح لي جميع ما كتبت إليك ، اختلف الناس جعلت فداك بالعراق في المعرفة والجحود ، فأخبرني جعلت فداك أهما مخلوقان؟. واختلفوا في القرآن ، فزعم قوم : أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام الله مخلوق. وعن الاستطاعة أقبل الفعل أم مع الفعل؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ورووا فيه. وعن الله تبارك وتعالى هل يوصف بالصورة أو بالتخطيط؟ فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليّ بالمذهب الصحيح من التوحيد. وعن الحركات أهي مخلوقة أو غير مخلوقة؟ وعن الإيمان ما هو؟

فكتب عليه‌السلام على يدي عبد الملك بن أعين :

سألت عن المعرفة ما هي ، فاعلم رحمك الله أنّ المعرفة من صنع الله عزوجل في القلب مخلوقة ، والجحود صنع الله في القلب مخلوق ، وليس للعباد فيهما من صنع ، ولهم فيهما الاختيار من الاكتساب ، فبشهوتهم للإيمان اختاروا المعرفة فكانوا بذلك مؤمنين عارفين ، وبشهوتهم للكفر اختاروا الجحود فكانوا بذلك كافرين جاحدين ضلّالا وذلك بتوفيق الله لهم وخذلان من خذله الله ، فبالاختيار والاكتساب عاقبهم الله وأثابهم.

وسألت رحمك الله عن القرآن واختلاف الناس قبلكم ، فإنّ القرآن كلام الله محدث غير مخلوق (١) غير أزلي مع الله تعالى ذكره وتعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، كان الله عزوجل ولا شي‌ء غير الله معروف ولا مجهول ، كان عزوجل ولا متكلّم ولا مريد ولا متحرّك ولا فاعل جلّ وعزّ ربّنا ، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه جلّ وعزّ ربّنا ، والقرآن كلام الله غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم

__________________

(١) يأتي توجيه الجمع بين كون القرآن محدثا وغير مخلوق عن الصدوق رحمه‌الله بعد انتهاء الحديث.

٤١٩

وخبر من يكون بعدكم ، انزل من عند الله على محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وسألت رحمك الله عن الاستطاعة للفعل ، فإنّ الله عزوجل خلق العبد وجعل له الآلة والصحّة ، وهي القوّة الّتي يكون العبد بها متحرّكا مستطيعا للفعل ، ولا متحرّك إلّا وهو يريد الفعل وهي صفة مضافة إلى الشهوة الّتي هي خلق الله عزوجل مركّبة في الإنسان ، فإذا تحرّكت الشهوة في الإنسان اشتهى الشي‌ء وأراده ، فمن ثمّ قيل للإنسان : مريد ، فإذا أراد الفعل وفعل كان مع الاستطاعة والحركة فمن ثمّ قيل للعبد : مستطيع متحرّك ، فإذا كان الإنسان ساكنا غير مريد للفعل وكان معه الآلة ـ وهي القوّة والصحّة اللتان بهما تكون حركات الإنسان ـ كان سكونه لعلّة سكون الشهوة فقيل : ساكن ، فوصف بالسكون. فإذا اشتهى الإنسان وتحرّكت شهوته الّتي ركبت فيه اشتهى الفعل وتحرّك بالقوّة المركّبة فيه واستعمل الآلة الّتي بها يفعل الفعل ، فيكون الفعل منه عند ما تحرّك واكتسبه فقيل : فاعل ومتحرّك ومكتسب ومستطيع ، أو لا ترى أنّ جميع ذلك في صفات يوصف بها الإنسان.

وسألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك ، فتعالى الله الّذي ليس كمثله شي‌ء وهو السميع البصير ، تعالى الله عما يصف الواصفون المشبّهون الله تبارك تعالى بخلقه المفترون على الله عزوجل ، فاعلم رحمك الله : أنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عزوجل ، فانف عن الله عزوجل البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الوجود ، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون ، ولا تعد القرآن فتضلّ بعد البيان.

وسألت رحمك الله عن الإيمان ، فالإيمان هو الإقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالأركان ، فالإيمان بعضه من بعض ، وقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما ، فالإسلام قبل الايمان وهو يشارك الإيمان ، فإذا أتى العبد بكبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي الّتي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الإيمان وساقطا عنه اسم الإيمان وثابتا عليه اسم الإسلام ، فإذا تاب واستغفر الله عاد إلى الإيمان ولم يخرج إلى الكفر والجحود. وإذا

٤٢٠