الفوائد المدنيّة

محمّد أمين الإسترابادي

الفوائد المدنيّة

المؤلف:

محمّد أمين الإسترابادي


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-511-04
الصفحات: ٥٩٢

مثاله : قصد رجل مسافة ولم يعلم أنّها بلغت الحدّ المعتبر شرعا. ومثاله الآخر : أن نشكّ في هلال شهر رمضان أو هلال عيد الفطر أو هلال عيد الأضحى ، أو أنّ الصوم يضرّ بالمريض أم لا ، أو أنّ الحصرم على الكرم بلغ قدر النصاب أم لا.

جوابه :

أنّ كلّ صورة يكون تحصيل القطع فيها متعذّرا أو متعسّرا اكتفى الشارع فيها بالظنّ أو بالقطع بالعلامات المفيدة للظنّ ، مثل استقبال جهة الكعبة ، ومثل إضرار الصوم بالمريض ، فيجب الفحص. ومع العجز يحتاط المتحيّر في القبلة ، ويتمسّك بالأصل المتحيّر في الإضرار ويبني على عدم الإضرار *. وكلّ صورة يتمكّن من

______________________________________________________

* ظاهر كلام المصنّف أنّه رجع عن مذهبه في جهتين :

الاولى : أنّه حكم مع تعذّر العلم أو تعسّره في حكم المسألة بأن يرجع إلى الظنّ ، ولا شكّ أنّ ما فرضه من المسائل أحكامها يصدق عليها أنّها أحكام شرعية ، لأنّا لا نعني بالحكم الشرعيّ إلّا ما يكون فرض المكلّف فعله أو تركه.

الثانية : أنّ في المسألة الاولى من فرضه إذا صار المكلّف في مكان حصل عنده الشكّ هل بلغ فيه مسافة أم لا وحضر وقت الصلاة ومراد المكلّف أن يعلم حكم الله في حقّه في ذلك الوقت القصر أو التمام ، فعلى معتقد المصنّف ينبغي أن لا يجوز خلوّ نصّ قاطع بحكم هذه المسألة ، لأن كلّ الأحكام عليها دليل قاطع يمكن العلم به ، فكيف يجعل هذه المسألة هنا وأمثالها ممّا يتعذر أو يتعسّر العلم بحكمها؟ أو يعوّل فيها على الظنّ؟ بعد أن جزم وقرّر أنّ الأئمّة عليهم‌السلام أثبتوا لشيعتهم جميع الأحكام في أحاديثهم وأمروا أصحابهم بتدوينها حتّى لا يحتاج معها إلى شي‌ء إلّا أن كان من تقصير الطالب. ثمّ جعله هذه الأحكام من غير أحكام الله لم يظهر مراده من ذلك ، لأنّا لا نعرف حكم الله إلّا الّذي ذكرناه سابقا ، والأمثلة الّتي عدّدها غير متساوية في الحكم ، فبعضها يمكن فيه تحصيل العلم بما كلّف به بأن يفعل ما فيه الاحتياط ، كصلاة القصر والتمام في مسألة قاصد المسافة. وأمّا الشكّ في هلال شهر رمضان والشكّ في ضرر المريض فلا يتيسر الاحتياط فيهما ، لأنّ في الأوّل لا يجوز صوم ذلك اليوم على أنّه من رمضان ، وفي الثاني يحتمل أن يكون الصوم مضرّا به ، فيكون غير مشروع ، لأنّ في كلّ موضع يحتمل فيه تحريم الفعل لا مساغ لفعله كصوم يوم عرفة مع الشكّ في أنّه العيد ، إلّا أنّه في هذه المسألة لم يجوّزوا له الإفطار في الصوم

٣٤١

القطع فيها من غير مشقّة لا يتحمّل مثلها عادة ـ كالهلال وكدخول وقت الصلاة وكبلوغ المسافة الحدّ المعتبر شرعا وكبلوغ الإبل قدر النصاب المعتبر شرعا ـ اعتبر أمرا حسّيا من رؤية أو شهادة أو غيرهما فيجب الفحص. ومع العجز عن الظفر بالمقصود بنى على العدم في هلال شهر رمضان وفي هلال عيد الفطر ويحتاط في هلال عيد الأضحى ، لاشتغال ذمّته بإيقاع أفعال الحجّ في وقت معيّن وقد اشتبه عليه بالغيم.

هذا مقتضى الخيالات الاصولية الّتي قد تصيب وقد تخطئ كما هنا. والحقّ أنّ حكم الأهلّة الثلاثة واحد ، وكلّها داخل تحت القاعدة الشريفة المتواترة وهي قولهم عليهم‌السلام : « لا ينقض يقينا بشكّ أبدا وإنّما ينقضه بيقين آخر » (١) فيحكم ببقاء الشهر الأوّل إلى أن يحصل اليقين بما يوجب شرعا الحكم بدخول الشهر الثاني كشهادة عدلين أو إخبار صبيّ مفيد لليقين بقرينة مقامية. وأمّا أمرهم عليهم‌السلام بتكرير أعمال ليلة القدر إذا اشتبه الهلال بالغيم (٢) فهو كأمرهم عليهم‌السلام بصوم يوم الشكّ بنيّة شعبان (٣).

ولا يدلّ على مشروعية الوقوف بعرفة مثلا يوم الثامن إذا اشتبه الهلال احتياطا لا بطريق الوجوب ولا بطريق الاستحباب ، كما لا يدلّ على مشروعية صلاة العيد يوم التاسع مثلا احتياطا ، إذ ليس وقوف مطلوب شرعا يوم الثامن ولا صلاة عيد يوم التاسع. بخلاف أعمال ليلة القدر ، فإنّها مشروعة في غير ليلة القدر. وبخلاف الصوم فإنّه مشروع في سلخ شعبان أيضا. ويحتاط في مسألة المسافة بالجمع بين القصر والإتمام ، كما يحتاط في مسألة بلوغ الماء قدر الكرّ بالاجتناب عنه والتيمّم. ويتوقّف في مسألة بلوغ الإبل البعيدة عنه قدر النصاب ليظهر حقيقة الحال. والحديث

______________________________________________________

الواجب إلّا مع ظنّ الضرر ، لأنّ الوجوب متحقّق ولم يثبت ما ينافيه بوجه. والمصنّف حكم هنا بالبناء على عدم الإضرار مع الحيرة على الإطلاق ، وهو لا يتمّ إلّا إذا لم يحصل ظنّ الضرر معها. وأمّا تقدير الحصرم ما دام على الكرم فلا يمكن العلم به إلّا إذا علم بحسب العادة تجاوزه قدر النصاب ، وبدون ذلك يمكن الاحتياط بإخراج القدر الواجب ممّا يحتمل فيه بلوغ النصاب أو يرجع إلى الأصل من عدم الوجوب ما لم يتحقّق بلوغ قدر النصاب.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ ، ح ١١.

(٢) الكافي ٤ : ١٥٦ ، ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٨١.

٣٤٢

الوارد في دخول وقت الصلاة المشتمل على قوله عليه‌السلام : « تأخذ بالحائط لدينك » (١) صريح في وجوب القطع في مسألة الوقت ، كما أنّ الأحاديث الواردة في استقبال الكعبة صريحة في كفاية الظنّ في مسألة القبلة.

ثمّ أقول : انظر أيّها اللبيب! كيف فرق الشارع بين الحيرة في نفس أحكامه وبين الحيرة في غير أحكامه؟ فأوجب التوقّف في الاولى دائما ، وأوجب البناء على العدم تارة والبناء على الاحتياط تارة في الثانية ، فلا مجال لما فعلته العامّة وجمع من الخاصّة في كثير من المسائل الاصولية من إجراء حكم مسألة التحيّر في غير أحكامه تعالى من البناء على العدم في مسألة التحيّر في نفس أحكامه تعالى.

السؤال الثاني عشر

هل يكون عندكم حكم هلال شهر رمضان وحكم بلوغ المال حدّ النصاب وحكم بلوغ المال قدر الاستطاعة للحجّ واحدا؟ يعني كما يجب في مسألة الهلال الفحص كذلك يجب هنا أم لا؟

جوابه :

أنّه ليس حكم المسألتين واحدا ، وذلك لأنّه بلغنا وجوب صوم شهر معيّن من أشهر السنة فيجب رعاية ذلك فيجب الفحص ، ولم يبلغنا أنّه لا بدّ من بلوغ مالنا قدر النصاب أو قدر الاستطاعة في شهر من شهور السنة (٢) حتّى يجب علينا الفحص عن ذلك ، وإذا حدث في قلبنا ظنّ بلوغ المال قدر النصاب فله صورتان :

إحداهما : صورة يتعذّر تحصيل القطع بالقدر الواجب فيها عادة كما في الحصرم. والاخرى : لا يتعذّر كما في الإبل.

وحكم الصورة الثانية حكم بلوغ المسافة الحدّ المعتبر شرعا وحكم بلوغ الماء قدر الكرّ. وفي الصورة الاولى يكفي الظنّ. والحديث الوارد في باب الزكاة المتضمّن خرص الأثمار على اصولها ثمّ ضمان المالك حصة الفقراء إذا أراد أن يتصرّف

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٩ ، ح ٦٨.

(٢) ط : وقت ما.

٣٤٣

فيها (١) صريح في كفاية الظنّ في الصورة الاولى *.

وتوضيح المقام : أنّا لا نحكم بوجوب الزكاة في الحصرم وفي الإبل إلّا بعد القطع ببلوغهما قدر النصاب ، لدخول هذه الواقعة تحت قولهم عليهم‌السلام : « لا ينقض يقينا بشكّ أبدا » فإنّ الحالة السابقة القطع بعدم [ وجود النصاب عندنا وبعدم ] (٢) وجوب الزكاة في مالنا.

وبعد ما قطعنا بذلك نفرّق بين البابين في القدر الواجب بأنّ في أحدهما يكفي الظنّ كما في جهة الكعبة ، دون الآخر كما في بلوغ الماء قدر الكرّ وكما في بلوغ المسافة قدر القصر.

ومن ظنّ أنّه احتلم فبلغ يستحبّ أن يتفحّص ، كمن ظنّ أنّه أصابت ثوبه نقطة من بول عند من يقول : باب (٣) خطاب الشارع إذا كان من باب الكراهة أو الندب يعمّ الصبيّ المميّز ، وعند من يقول باختصاص خطاب الشارع كلّه بالبالغ العاقل لا يستحبّ.

______________________________________________________

* الظاهر في الجواب أنّه لا فرق بين الحكمين ، فإنّه كما بلغنا وجوب صوم شهر رمضان كذلك بلغنا وجوب الحجّ عند الاستطاعة وبلغنا وجوب الزكاة مع ملك النصاب على حدّ واحد ، لأنّ هذه الأحكام من التكليفات العامّة لجميع المكلّفين والخطاب فيها ظاهر معلوم ، غاية الأمر أنّ بعضها معيّن بوقت وبعضها مشروط بشرط ، فيجب على المكلّف مراعاة ذلك الوقت والشرط عند احتمال حصوله ليخرج من عهدة التكليف به. وهذا الوجه يجري في كثير من الأحكام بمراعاة التحفّظ ممّا يخل بالواجب ، فمن ذلك مراعاة طلوع الفجر عند احتماله لمريد فعل ما ينافي الصوم ، وكذلك مريد تأخير الغسل الواجب المتوقّف عليه الصوم ، ومنه استعلام مريد السفر عن حال بلوغ المسافة في سفره المقصود له هل يبلغه أم لا.

ثمّ إنّ المصنّف شبّه حكم الصورة الثانية الّتي لا يتعذّر فيها القطع بحكم بلوغ المسافة الحدّ المعتبر شرعا ، بمعنى أنّه لا يتعذّر فيها القطع ببلوغ المسافة بقول مطلق ، والحال أنّه قد يتعذّر بالنسبة لبعض المكلّفين استعلام الحال خصوصا عند ضيق وقت الصلاة وعدم إمكان اختبارها بمساحة أو سؤال عارف بها ، فالحكم بالمساواة ليس في محلّه.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣٣. الباب ١٢ من أبواب زكاة الغلّات ، ح ١ و ٢.

(٢) لم يرد في خ.

(٣) خ : ما من.

٣٤٤

بقي الكلام فيمن ظنّ أنّه كمل خمسة عشر سنة هل يجب عليه الفحص أم لا؟

وجوابه واضح ، لأنّ تعلّق التكليف إنّما يكون بعد ثبوت البلوغ.

السؤال الثالث عشر

هل يكون حكم فعل بلغنا حديث ضعيف صريح في وجوبه وحكم فعل بلغنا حديث صحيح صريح في أنّه مطلوب غير صريح في وجوبه وندبه واحدا من جهة جواز الترك؟

وجوابه :

أنّ للفرض الثاني صورا :

احداها : أن يكون الظاهر الوجوب ولم يكن نصّا فيه. ومن المعلوم : أنّ الترك حينئذ من باب الجرأة في الدين ، وتعيين الاحتمال الظاهر كذلك جرأة في الدين ، فيجب الاحتياط في الفتوى والعمل.

وثانيها : تساوي الاحتمالين. وهنا يجب التوقّف عن تعيين أحدهما ومصداقه الاحتياط.

وثالثها : أن يكون الظاهر الندب. وقد مضى حكمه سابقا.

لا يقال : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الكاظم عليه‌السلام في السؤال الثاني صريحة في وجوب الاحتياط في هذا الموضع أيضا.

لأنّا نقول : تلك الصحيحة وردت فيمن علم اشتغال الذمّة بشي‌ء ولم يعلم كيفيّته بعينها. ورواية عبد الله بن صباح عن الكاظم عليه‌السلام وردت فيمن علم أنّ الصلاة واجبة عليه في وقت معيّن ولم يقطع بدخول ذلك الوقت.

فإن قلت : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » شامل لما نحن فيه.

قلت : لا يوجب القطع ، لجواز أن يكون المراد به العدول عن فعل وجودي يحتمل الحرمة إلى ما لا يحتمل الحرمة (١) أو يكون المراد به الاستحباب كما ذهب

__________________

(١) في خ العبارة هكذا : لجواز أن يكون المراد به اختيار بعض الأفعال الوجودية على بعض ، كالجمع بين الصلاتين الاكتفاء بواحدة.

٣٤٥

إليه جمع من العامّة (١) والخاصّة (٢).

ولك أن تقول : الفرض الأوّل والصورة الثالثة (٣) مندرجان تحت قوله عليه‌السلام : « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » وقوله عليه‌السلام : « رفع القلم عن تسعة أشياء ... » من جملتها « ما لا يعلمون » فنحن معذورون ما دمنا متفحّصين وخرج عن تحتهما كلّ فعل وجودي لم نقطع بجوازه بالحديث المشتمل على حصر الامور في ثلاثة وبنظائره. ومن هنا ظهر عليك وانكشف لديك الفرق بين احتمال وجوب فعل وجودي وبين احتمال حرمته ، بأنّه لا يجب الاحتياط في المسألة الاولى ويجب الاحتياط في المسألة الثانية.

ومن جملة الغرائب الّتي وقعت من جمع من متأخّري الخاصّة موافقا للعامّة! أنّهم إذا رأوا خطابا يحتمل وجوب فعل واستحبابه كالأحاديث الواردة في غسل الجمعة يفتون بأنّ المظنون أنّه مندوب في حكم الله ويتمسّكون في ذلك بالبراءة الأصلية ، وكذلك إذا رأوا خطابا يحتمل الحرمة والكراهة يفتون بأنّ المظنون أنّه مكروه في حكم الله تعالى للبراءة الأصلية وعدم ظهور مخرج عنها ، وهم في غفلة عن دقيقة هي : أنّا علمنا ورود حكم من الله تعالى في هذه الواقعة ولم نعلمه بعينه هل هو وجوب أو ندب أو حرمة أو كراهة ، ومن المعلوم : أنّ أحكامه تعالى تابعة للحكم والمصالح المظنونة له تعالى ولم يمكن (٤) أن يقال : مقتضى المصلحة موافقة البراءة الأصلية.

وبالجملة ، التمسّك بالبراءة الأصلية [ إنّما يتّجه عند من لم يقل بالواجبات الذاتية ومحرّماتها ، ثم على هذا المذهب ] (٥) إنّما يتّجه قبل إكمال الدين أو بعده مع تجويز خلوّ بعض الوقائع عن حكم وارد من الله تعالى.

نعم ، يمكن أن يقال بناء على ما نقله في كتاب العدّة رئيس الطائفة عن سيّدنا الأجلّ المرتضى ـ رضي‌الله‌عنهما ـ من أنّه ذهب إلى أنّ في زمن الفترة الأشياء على الإباحة ، بمعنى أنّه لم يتعلّق بأهل زمن الفترة شي‌ء من التكاليف المخفيّة عنهم

__________________

(١) المبسوط السرخسي ٣ : ٧٧.

(٢) مشرق الشمسين ( الحبل المتين ) : ٣٦٥.

(٣) خ : الصورة الثانية.

(٤) خ : ما يمكن.

(٥) لم يرد في ط.

٣٤٦

الواردة من الله تعالى ، إذ تعلّق التكليف يتوقّف على بلوغ الخطاب عند الأشاعرة ، ويتوقّف على أحد الأمرين ـ تفطّن العقل بالحكم ، أو بلوغ الخطاب ـ عند المعتزلة ومن وافقهم ، والمفروض انتفاء الأمرين في زمن الفترة فانتفى تعلّق التكليف : إنّ (١) من لم يتفطّن بحكم الله في واقعة لم يتعلّق به ذلك الحكم. لكن هذا خلاف قواعدهم ، لأنّهم لم يبنوا فتاويهم على أنّ زمانهم زمان الفترة ، بل يقولون : هكذا نزلت الشريعة. وبين المقامين بون بعيد.

وتوضيح المقام : أنّ أهل الفترة معذورون لغفلتهم عن ورود الشريعة ، وكذلك من علم إجمالا ولم يعلم تفصيلها ، وبعد العلم بالتفاصيل في أمّهات الأحكام مثل ( آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ) (٢) ومثل ( لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (٣) ومثل ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٤) مع قوله تعالى : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٥) وغير ذلك لا يتّجه العذر.

ثمّ اعلم أنّ التمسّك بما اختاره السيّد المرتضى الفترة في زمن إنّما يجري في زمن الغيبة الكبرى في سقوط وجوب فعل وجودي وفي الفتوى بسقوطه عنّا ما دمنا جاهلين متفحّصين. ولا يجري في سقوط حرمته ، لأنّا بلغنا القواعد الكلّية الواردة عنهم عليهم‌السلام المشتملة على وجوب الاجتناب عن كلّ فعل وجوديّ لم نقطع بجوازه عند الله.

هكذا ينبغي أن تحقّق هذه المباحث. والتكلان على توفيق الملك العلّام ودلالة أهل الذكر عليهم‌السلام وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا.

السؤال الرابع عشر

إذا اغتسل رجل غسل يوم الجمعة ولم يكن على وضوء ثمّ شكّ في كون

__________________

(١) مقول لقوله : يمكن أن يقال.

(٢) يونس : ٥٩.

(٣) الاسراء : ٣٦.

(٤) يونس : ٣٦.

(٥) الأعراف : ١٦٩.

٣٤٧

الوضوء بعد غسل الجمعة بدعة وفي وجوبه بعده للصلاة وعجز عن تحصيل العلم بما هو حكم الله تعالى ، كيف يكون حكمه؟

جوابه :

يجب عليه الوضوء ، لأنّه علم اشتغال ذمّته بما يتوقّف على الطهارة ولم يعلم تلك الطهارة بعينها ، والوضوء بعد الغسل بدعة إذا علم أنّ الغسل مغن عنه ، والمفروض أنّه جاهل بحكم الله تعالى متردّد فيه. وكذلك إذا شكّ أحد في أنّ الّذي خرج منه بول أو مني مع علمه بأنّه أحدهما ، يجب عليه الطهارتان ، لما مرّ.

السؤال الخامس عشر

كيف عملكم في ماء وردت عليه نجاسة ونشكّ في بلوغه كرّا وتعذّر الاعتبار والاختبار وانحصر الماء فيه ، هل توجبون الجمع بين الطهارتين أو تكتفون بالتيمّم أو بالوضوء بهذا الماء؟

جوابه :

أنّ مقتضى الأحاديث الواردة في باب الكرّ تعليق الحكم بنجاسة ذلك الماء على العلم بعدم بلوغه كرّا وتعليق الحكم بطهارته على العلم ببلوغه كرّا ، ومقتضى هذين التعليقين وأيضا مقتضى الروايات الدالّة على وجوب التوقّف في كلّ ما لم نعلم حكمه بعينه وجوب التوقّف عن الحكمين. ومن المعلوم : أنّ التوقّف ملزوم للاجتناب عنه ، فتعيّن الاكتفاء بالتيمّم. وهذه المسألة عندنا كسائر ما نختاره من القطعيات.

لا يقال : الأصل عدم بلوغه كرّا فيحكم بنجاسته.

لأنّا نقول : يلزمك وجوب الاجتناب عمّن باشره بزعم أنّه علم كرّيته. وأيضا هذا خلاف ظاهر النصوص ، لأنّ ظاهرها تعليق الحكمين على العلمين ، وأيضا لا يصحّ استعمال لفظ « الأصل » هنا بشي‌ء من معانيه ، كما لا يخفى على اللبيب.

ولا يقال : الأصل طهارة الماء ، وأيضا تواترت الأخبار عنهم عليهم‌السلام بأنّ كلّ شي‌ء

٣٤٨

طاهر حتّى يستيقن أنّه قذر (١) وبأنّه كلّ ماء طاهر حتّى يستيقن أنّه قذر (٢).

لأنّا نقول : التمسّك بالأصل وبتلك الأخبار إنّما يتّجه إذا لم نعلم طروّ تلك الحالة ، وبعد علمنا بطروّها لا يتّجه * على أنّا نقول : الروايتان الواردتان في الإنائين المشتبهين والروايات الواردة في الثوبين المشتبهين والواردة في اختلاط لحم المذكّى بغير المذكّى والواردة في اختلاط الحلال بالحرام ، موجبة للقطع بوجوب الاجتناب عن ذلك الماء وعن الإنائين المشتبهين.

ثمّ اعلم أنّ هنا أقساما ثلاثة : المحكوم عليه بالطهارة ، والمحكوم عليه بالنجاسة والمحكوم عليه بوجوب التوقّف عن الحكمين وبوجوب الاجتناب عنه. ومن المعلوم : أنّ الملاقي لأحد الثلاثة حكمه حكم أحد الثلاثة.

وللمتأخّرين في هذه المسائل تدقيقات لا تشفي عليلا ولا تروي غليلا والله الموفّق للصواب.

فائدة

تختلف طريقة الاحتياط في أحكام الله تعالى بحسب قلّة البضاعة في علم

______________________________________________________

* مدلول هذه الأحاديث مع أنّ الأصل في الأشياء الطهارة : أنّه لا يحكم بنجاسة الماء إلّا عند تيقّن النجاسة ، وفي هذه الحالة لم يتيقّن النجاسة. وفي بعض الأحاديث دلالة على الحكم بطهارة الماء وإن غلب على الظنّ النجاسة ، كصحيحة أبي خالد القمّاط أنّه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة والجيفة : إن كان الماء قد تغيّر ريحه أو طعمه فلا تشرب ولا تتوضّأ ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ (٣).

وهذه الرواية صريحة في المطلوب ومعتضدة بالأصل والأحاديث المذكورة وغيرها ، فكيف يجوز العدول عنها والقطع بتعيّن التيمّم؟ مع أنّه لا يشرع إلّا عند تيقّن فقد الماء إذا كان هو المسوّغ له ، وهو خلاف الاحتياط والتوقّف الّذي يوجب المصنّف الرجوع إليه في غالب الأحكام. وأكثر قطعيّاته وتيقّناته من هذا القبيل.

__________________

(١) راجع الوسائل ٢ : ١٠٥٣ الباب ٣٧ من أبواب النجاسات.

(٢) راجع الوسائل ١ : ٩٩ الباب الاول من أبواب الماء المطلق.

(٣) الوسائل ١ : ١٠٣ الباب ٣ من أبواب ماء المطلق ، ح ٤.

٣٤٩

الحديث وكثرتها ، وهذا يقتضي وجوب رجوع المتحيّر الواجب عليه الاحتياط إلى من هو أعلم منه ، لأنّ هذا نوع من الاحتياط الواجب بقدر الإمكان. ومع العجز عن ذلك أو الغفلة عنه فهو موكول إلى طريقة تخطر بباله دفعا للحرج البيّن الواضح.

وأمّا ظنّ ضرر الصوم بالمريض فقد يكون من الظنون الوجدانية المختصّة بصاحب المرض ، وقد يكون من الظنون المشتركة بين أهل الحيرة ، ففي الصورة الاولى موكول إلى نفسه ، وقع التصريح به في الأحاديث (١) معلّلا بقوله تعالى : ( بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) (٢).

وأمّا طريق حفظ أنواع الودائع فيختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة وبحسب تجاريب الناس ، فيجب الرجوع فيه إلى ظنّ أهل الخبرة كما في خرص الأثمار ، ومع الغفلة عن ذلك أو العجز عنه فهو موكول إلى ما يخطر بباله ، ولا حاجة في جميع تلك الصور إلى قطع ويقين ، لما مرّ من الفرق بين باب أحكام الله وبين باب غير أحكام الله تعالى.

وهنا دقيقة اخرى ، وهي : أنّه كثيرا ما تجامع براءة الذمّة من الإثم اشتغال الذمّة بقيمة الشي‌ء أو بالدية. ولتكن هذه الفوائد على ذكر منك تنتفع بها في مواضع لا تعدّ ولا تحصى إن شاء الله تعالى.

السؤال السادس عشر

كيف عملكم فيمن شكّ بين حرمة عبادة ووجوبها عليه ، كمرأة حاضت عند الميقات وشكّت بين وجوب الإحرام عليها وبين حرمته ولم تجد عالما بحكم الله تعالى تسأله ، وكمرأة اشتبه عليها وعلى أهل الخبرة من النساء أنّ دمها دم الحيض أو العذرة أو القرحة فشكّت في حرمة الصلاة وفي وجوبها ، وكفاقد الطهورين يشكّ بين وجوب الصلاة حينئذ وبين حرمتها ولم يجد عالما بحكم الله ليسأله؟

__________________

(١) راجع الوسائل ٧ : ١٥٦ ، الباب ٢٠ من أبواب من يصحّ منه الصوم.

(٢) القيامة : ١٤.

٣٥٠

وجوابه :

ما تقدّم من وجوب التوقّف ومن أنّ مصداقه هنا ترك الفعل الوجودي لعدم القطع بجوازه. وقد مرّ أنّ تقريره عليه‌السلام المرأة الّتي تركت الإحرام عند الميقات لحيضها وجهلها بحكم الله فيها (١) مؤيّد لما ذكرناه من أنّ مصداق التوقّف هنا ترك الفعل الوجودي. وأيضا قد تواتر عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام : إيّاك أن تفتي الناس برأيك وتدين الله بما لا تعلم » (٢) والمتردّد بين حرمة عبادة ووجوبها غير عالم بها ، فليس له أن يدين الله بها. ولو كان الاستصحاب الّذي اعتبرته الشافعية وجمع من متأخّري الخاصّة صحيحا جاريا في أحكام الله تعالى ، لما نطقت الأحاديث بخلافه في هذه المواضع. فعلم أنّ معنى قولهم عليهم‌السلام : « لا تنقض يقينا بشكّ أبدا وإنّما تنقضه بيقين آخر » كما مرّ وينادي عليه موضع ورود ذلك الحديث وأشباهه أنّ الّذي جعله الشارع ناقضا لشي‌ء إنّما جعل اليقين ناقضا ، لا الظنّ به ولا الشكّ فيه.

السؤال السابع عشر

ما قولكم في حيوان خرج من البحر لم نعلم حكم الله فيه؟

وجوابه :

التوقّف ومصداق الاجتناب عن أكله وترك الإفتاء بحلّه وبحرمته ، وترك الإنكار على من أكله إذا احتمل علمه بحلّيته.

لا يقال : قولهم عليهم‌السلام : « ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم » جار هنا.

لأنّا نقول : من المعلوم أنّ المراد به أنّ ما حجب الله العلم بوجوبه عن العباد وجوبه موضوع عنهم ، وقد مرّ تحقيقه. وكذلك ما حجب الله العلم بحرمته حرمته موضوعة عنهم ، وما حجب الله العلم بوجوب التوقّف فيه التوقّف فيه موضوع عنهم ، وهاهنا وجوب التوقّف معلوم بالروايات ، وقد مرّ تحقيقه (٣).

__________________

(١) مرّ في ص ٣٣٤.

(٢) راجع الكافي ١ : ٤٢ ، باب النهي عن القول بغير علم.

(٣) مرّ في ص ٣٢٥.

٣٥١

ثمّ أقول : ما اشتهر في كتب الشافعية وجمع من متأخّري الخاصّة كتمهيد القواعد للشهيد الثاني رحمه‌الله : من الفرق بين الطهارة وبين حلّية الأكل ، لأنّ النجاسة محصورة وما ليس بنجس غير محصورة (١) ومأكول اللحم محصور وغير مأكول اللحم غير محصور ، فعلى هذه القاعدة يحكم بطهارته وبعدم حلّية أكله (٢) كلام خطابي خيالي لا يجوز التمسّك به في أحكام الله تعالى *.

فائدة

الشي‌ء الّذي يجب علينا الاجتناب عنه لشبهة إذا لم يجتنب عنه غيرنا لا يجوز نهيه ، لأنّ النهي عن المنكر إنّما يكون مع علم الناهي بحرمته.

لا يقال : الوقوف عند الشبهة يجب عليه أيضا.

لأنّا نقول : ربّما يكون هو في غفلة عنها أو ربّما يعلم حاله.

والجواب الأول مبنيّ على أنّه يجب على العالم تبليغ علمه ولا يجب عليه تبليغ ما اشتبه عليه.

السؤال الثامن عشر

ذكر الفاضل المدقّق مولانا أحمد الأردبيلي قدس‌سره في أوّل تفسيره لآيات الأحكام :

______________________________________________________

* إنّ كلام الشهيد الثاني ـ قدّس الله روحه ـ في غاية الصحّة والمتانة والوضوح لمن كان له ذوق وفهم صحيح ، وذلك لأنّ الحكم بالطهارة في مثل هذا داخل في عموم قولهم عليهم‌السلام : « كلّ شي‌ء طاهر حتّى يستيقن أنّه قذر » (٣) وأمّا حلّ الأكل فالحيوانات كلّها محرّمة قبل التذكية بالاتّفاق ، فما ثبت حلّها بالتذكية حكمنا به وما عداه ممّا لم يثبت حلّه بالتذكية بقي على أصل الحرمة السابقة. ولكن يحقّ التمثّل في هذا المقام بقول القائل :

وكم من عائب قولا صحيحا

وآفته من الفهم السقيم

__________________

(١) كذا ، والمناسب : غير محصور.

(٢) راجع تمهيد القواعد : ٢٩٠.

(٣) الوسائل ٢ : ١٠٥٤ باب ٣٧ من أبواب النجاسات ، ح ٤.

٣٥٢

اعلم أنّ هنا فائدة لا بدّ قبل الشروع في المقصود من الإشارة إليها ، وهي : أنّ المشهور بين الطلبة أنّه لا يجوز تفسير القرآن بغير نصّ وأثر ، حتّى قال الشيخ أبو عليّ الطبرسي ـ قدّس الله سرّه ـ في تفسيره الكبير : واعلم أنّه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمّة عليهم‌السلام : « أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح » (١) وروى العامّة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحقّ فقد أخطأ » (٢) قالوا : وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيّب وسالم بن عبد الله وغيرهم. والقول في ذلك : أنّ الله سبحانه وتعالى ندب إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما فقال : « لعلمه الّذين يستنبطونه منهم » (٣) وذمّ اخرى على ترك تدبّره والإضراب عن التفكّر فيه فقال : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) (٤) وذكر أنّ القرآن منزل بلسان العرب فقال : ( إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) (٥) إلى أن قال : هذا وأمثاله يدلّ على أنّ الخبر متروك الظاهر ، فيكون معناه ـ إن صحّ ـ أنّ من حمل القرآن على رأيه ولم يعلم شواهد ألفاظه فأصاب الحقّ فقد أخطأ الدليل.

وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه.

وروي عن عبد الله بن عبّاس أنّه قال قسّم وجوه التفسير على أربعة أقسام : تفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير تعرفه العرب بكلامهم ، وتفسير تعرفه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلّا الله تعالى ، فأمّا الّذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم الكافّة من الشرائع الّتي في القرآن وجمل دلائل التوحيد. وأمّا الّذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم. وأمّا الّذي تعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الأحكام. وأمّا الّذي لا يعلمه إلّا الله عزوجل فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة. تمّ كلامه (٦).

__________________

(١) مجمع البيان : المقدمة ، الفنّ الثالث.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٣٢٠ ، الرقم ٣٦٥٢.

(٣) النساء : ٨٣.

(٤) محمّد : ٢٤.

(٥) الزخرف : ٣.

(٦) أي كلام الطبرسي.

٣٥٣

أقول (١) : تحرير الكلام إنّ الخبر محمول على ظاهره غير متروك الظاهر وأنّه صحيح مضمونه على ما اعترف به في أوّل كلامه ، حيث قال صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

بيانه : أنّ الشيخ أبا عليّ رحمه‌الله قال في أوّل تفسيره : التفسير معناه كشف المراد عن اللفظ المشكل ، والتأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الآخر. وقيل : التفسير كشف المغطّى ، والتأويل انتهاء الشي‌ء ومصيره وما يؤول إليه أمره. وهما قريبان من الأوّلين ، فالمعنى : من فسّر وبيّن وجزم وقطع بأنّ المراد من اللفظ المشكل مثل المجمل والمتشابه كذا ، بأن يحمل المشترك اللفظي مثلا على أحد المعاني من غير مرجّح ـ وهو إمّا دليل نقلي كخبر منصوص أو آية اخرى كذلك أو ظاهر أو إجماع أو عقلي ـ ، أو المعنوي (٢) المراد به أحد معانيه بخصوصه بدليل غير الدليل المذكور على فرد معيّن ، فقد أخطأ (٣).

وبالجملة ، المراد من التفسير الممنوع برأيه وبغير نصّ هو القطع بالمراد من اللفظ الّذي غير ظاهر فيه من غير دليل بل بمجرّد رأيه وميله ، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا ، كما يوجد في كلام المبدعين ، وهو ظاهر لمن تتبّع كلامهم. والمنع منه ظاهر عقلا ، والنقل كاشف عنه ، وهذا المعنى غير بعيد عن الأخبار المذكورة بل ظاهرها ذلك (٤). انتهى كلامه أعلى الله مقامه.

وأنا أقول : أوّلا : كلام الفاضل الصالح ـ نوّر الله مرقده ـ ناطق بغفلته عن الأحاديث الواردة عن أهل الذكر عليهم‌السلام المتعلّقة باصول الفقه والمتعلّقة بما يجب على الناس بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله والمتعلّقة بكتاب الله والمتعلّقة بكلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عدم إمعانه النظر فيها أو دخول شبهة عليه أوجبت طرح تلك الأحاديث أو تأويلها بزعمه. وينبغي أن يحمل فعله على أحسن الوجوه الّتي ذكرناها ، لأنّه كان من عظماء المقدّسين ـ قدّس الله أرواحهم ـ وتلك الأحاديث الشريفة مع تواترها معنى صريحة في أنّ استنباط الأحكام النظرية من كتاب الله ومن السنّة النبوية شغلهم ـ

__________________

(١) قائله الأردبيلي رحمه‌الله.

(٢) يعني بأن يحمل المشترك المعنوي.

(٣) جواب لقوله : من فسّر وبيّن ....

(٤) زبدة البيان : ١ ـ ٣.

٣٥٤

سلام الله عليهم ـ لا شغل الرعية ، معلّلا بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر الله تعالى خصّ أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم‌السلام بتعليم ناسخ القرآن ومنسوخه وبتعليم ما هو المراد منه وبتعليم أنّ أيّة آية من القرآن باقية على ظاهرها وأيّة آية لم تبق منه على ظاهرها ، وبأنّ كثيرا من ذلك مخفي عندهم عليهم‌السلام وبأنّ ما اشتهر بين العامّة ـ من أنّ كلّ ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من حكم وتفسير ونسخ وتقييد وغيرها أظهره بين يدي أصحابه وتوفّرت الدواعي على أخذه ونشره ولم تقع بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله فتنة اقتضت إخفاء بعضها ـ غير صحيح.

وثانيا : أنّ أحاديثهم عليهم‌السلام صريحة في أنّ مراده تعالى من قوله ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) ومن نظائره أهل الذكر عليه‌السلام خاصّة (١) لا صاحب الملكة من الرعيّة.

وأمّا كلام ابن عبّاس : فمعناه واضح لا غبار عليه ، وهو أنّ معاني القرآن بعضها من ضروريّات الدين يعرفه المسلمون كوجوب الصلاة والزكاة والحجّ إمّا من القرآن أو من غيره ، وبعضها من ضروريّات اللغة يعرفها كلّ عارف بها ، وبعضها من النظريّات لا يعلمها إلّا العلماء.

وأقول : الظاهر أنّ مراده علماء آل محمّد عليهم‌السلام لأنّه من تلامذة أمير المؤمنين عليه‌السلام والظاهر أنّه تكلّم موافقا لما سمعه منه عليه‌السلام.

وفي التهذيب ـ في باب الزيادات في القضاء والأحكام ـ سعد بن عبد الله عن محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حمّاد عن عاصم قال : حدّثني مولى لسلمان عن عبيدة السلماني قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : يا أيّها الناس اتّقوا الله! ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال قولا آل منه إلى غيره ، وقد قال قولا من وضعه غير موضعه كذب عليه ، فقام عبيدة وعلقمة والأسود واناس معهم فقالوا : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما قد خبّرنا به في المصحف؟ فقال : يسأل عن ذلك علماء آل محمّد عليهم‌السلام (٢).

وفي كتاب بصائر الدرجات ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم‌السلام اعطوا تفسير القرآن ـ

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ٢٦٠.

(٢) التهذيب ٦ : ٢٩٥ ، ح ٣٠.

٣٥٥

محمّد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن عاصم قال : حدّثني مولى سلمان عن عبيدة السلماني قال سمعته يقول : يا أيّها الناس اتّقوا الله! ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد قال قولا آل منه إلى غيره ، من قال قولا وضع على غير موضعه كذب عليه ، فقال عبيدة وعلقمة والأسود واناس معهم : يا أمير المؤمنين فما نصنع بما خبّرنا في المصحف؟ فقال : سلوا عن ذلك علماء آل محمّد عليهم‌السلام (١).

وأقول ثالثا : ذكر العلّامة أبو عليّ الطبرسي في أوائل مجمع البيان : روي عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار » وصحّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من رواية العامّ والخاصّ أنّه قال : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وأنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » وإنّما أحذف أسانيد هذه الأحاديث ايثارا للتخفيف ولاشتهارها عند أصحاب الحديث ثمّ ذكر (٢) :

واعلم أنّ الخبر قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمّة القائمين مقامه عليهم‌السلام أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح ، وروت العامّة أيضا عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحقّ فقد أخطأ » قالوا : وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالرأي كسعيد بن المسيّب وعبيدة السلماني ونافع وسالم ابن عبد الله وغيرهم. والقول في ذلك : إنّ الله سبحانه وتعالى ندب إلى الاستنباط وأوضح السبيل إليه ومدح أقواما عليه فقال : « لعلمه الّذين يستنبطونه منهم » وذمّ آخرين على ترك تدبّره والإضراب عن التفكّر فيه فقال : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها ) وذكر أنّ القرآن منزل بلسان العرب فقال : ( إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا ) وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا جاءكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله فما وافقه فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط » فبيّن أنّ الكتاب حجّة ومعروض عليه ، وكيف يمكن العرض عليه وهو غير مفهوم المعنى؟ فهذا وأمثاله يدلّ على أنّ

__________________

(١) بصائر الدرجات : ١٩٦ ، ح ٩.

(٢) لا يخفى أنّ جميع ما ذكره ـ من قوله : واعلم ... الخ ـ قد تقدّم قريبا في ضمن ما نقله عن المحقّق الأردبيلي قدس‌سره انظر ص ٣٥٣.

٣٥٦

الخبر متروك الظاهر فيكون معناه إن صحّ : أنّ من حمل القرآن على رأيه ولم يعمل بشواهد ألفاظه فأصاب الحقّ فقد أخطأ الدليل ، وقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « إنّ القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه » وروي عن عبد الله بن عبّاس أنّه قسّم وجوه التفسير على أربعة أقسام : تفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تعرفه العرب بكلامها وتفسير تعرفه العلماء وتفسير لا يعلمه إلّا الله عزوجل. فأمّا الّذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم الكافّة من الشرائع الّتي في القرآن وجمل دلائل التوحيد ، وأمّا الّذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم ، وأمّا الّذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه وفروع الأحكام ، وأمّا الّذي لا يعلمه إلّا الله فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة (١) انتهى كلام العلّامة أبي عليّ الطبرسي قدس‌سره.

وأقول : أوّل كلامه قدس‌سره صريح في أنّه لا يجوز تعيين مراد الله من العمومات ومن غيرها ممّا يقبل أن يصرف عن ظاهره وتعيين ناسخه من منسوخه إلّا بدلالة أهل الذكر عليهم‌السلام. فعلم أنّ قوله : « والقول في ذلك ... الخ » داخل في حيّز « قالوا ... » وأيضا لو لم يكن داخلا فيه يلزم التهافت بين أوّل كلامه وبين قوله : « إن صحّ » وكيف يظنّ بالعلّامة الطبرسي مثل هذا الأمر الشنيع؟!

وأيضا قد علمت سابقا أنّ هذا المعنى ممّا تواترت به الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام وأيضا يفهم من كتاب الاحتجاج للطبرسي قدس‌سره أنّ طريقته كانت طريقة قدمائنا ، ولذلك فهو قدس‌سره في تفاسيره لم يعين مراد الله تعالى قطّ في موضع لم يكن فيه أثر عنهم عليهم‌السلام بل رواه عن رجل من مفسّري العامّة.

السؤال التاسع عشر

أن يقال : المتأخّرون القائلون بجواز التمسّك في أحكام الله تعالى النظرية بغير خطاب صحيح صريح قد تحيّروا في كثير من المسائل الّتي تعمّ بها البلوى ، كصلاة الجمعة في زمن الغيبة الكبرى ، وكوجوب غسل الجنابة لنفسه أو لغيره ، وكبعض

__________________

(١) مجمع البيان : مقدّمة المؤلّف.

٣٥٧

مسائل باب الميراث وباب الطلاق ، وكثير من مسائل باب الرضاع ، وكقيود نيّات العبادات كنيّة غسل الجنابة في أوائل ليالي شهر رمضان ، وكصرف الخمس في زمن الغيبة الكبرى مع سعة طرق الاستدلالات في الاستنباطات الظنّية عندهم ، فإذا انسدّت تلك الأبواب وما بقي إلّا باب واحد زادت الحيرة وكثر الإشكالات والتردّدات.

جوابه أن يقال :

إن روعيت الأحاديث الواردة عن العترة الطاهرة عليهم‌السلام الموجودة في كتب الأئمّة الثلاثة ـ قدّس الله أرواحهم ـ وكتاب غيرهم من الثقات ، وروعيت القرائن الموجبة للقطع بورودها عنهم عليهم‌السلام كالقرينة العادية القاطعة بأنّ أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام مع وجود كثير من الأفاضل الأعلام وأصحاب التدقيق والورع والتحقيق فيهم ومع شدّة حرصهم في أخذ الأحكام عنهم عليهم‌السلام وفي ضبطها ونشرها وحفظها وتأليفها ونقدها وتصحيحها كانوا متمكّنين من ذلك في مدّة تزيد على مدّة ثلاثمائة سنة ، والقاطعة بأنّهم لم يقصّروا في ذلك بل ألّفوا وصحّحوا وضبطوا ونشروا ، وكالقرينة العادية القاطعة بأنّ الأئمّة الثلاثة ـ قدّس الله أرواحهم ـ اقتفوا أثرهم في ذلك وأخذوا أحاديث كتبهم من اصولهم الصحيحة ولم يخلطوا بينها وبين ما ليس مأخوذا منها من غير نصب علامة مميّزة بينهما ، فإنّ فيه تخريب الدين وقصدهم إرشاد المرشدين ، وكاجتماع أخبار الأئمّة الثلاثة بأنّ أحاديث كتبهم صحيحة بمعنى ثبوت ورودها عنهم عليهم‌السلام ، وكتعاضد ذلك بما نقلناه عن السيد المرتضى وبما نقلناه عن المحقّق الحلّي والفاضل صاحب كتابي المعالم والمنتقى ـ قدّس الله أرواحهم ـ وبما نقلناه عن الفاضل محمّد بن إدريس الحلّي وبما نقلناه عن كتاب الكشّي : من أنّه اجتمعت العصابة في حقّ ثمانية عشر رجلا من مصنّفي الاصول على تصحيح ما يصحّ عنهم (١). ومن المعلوم : أنّ اصول جمع من متأخّري هؤلاء كانت جامعة لجميع أحاديث جميع أبواب الفقه ـ كما يفهم من كلام المحقّق الحلّي في المعتبر (٢) ويقطع به المتتبّع

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢٣٨ ، الرقم ٤٣١ ، ٣٧٥ ، الرقم ٧٠٥ ، ٥٥٦ ، الرقم ١٠٥٠.

(٢) المعتبر ١ : ٢٦.

٣٥٨

الماهر اللبيب ـ حقّ رعايتها (١) لكان موضع الحيرة في المسائل الّتي تعمّ بها البلوى من النوادر. وجلّ هذه الإشكالات إنّما نشأ من عدم رعايتها كما ينبغي ، وسبب عدم الرعاية أحد الامور الآتية :

منها : أنّ أهل الاستنباطات الظنّية قصدوا الاطّلاع على ما هو حكم الله في الواقع ولم يكتفوا بما يكفيهم في صحّة العمل.

ومنها : عدم رعايتهم القواعد (٢) الاصوليّة المذكورة في كلامهم عليهم‌السلام.

ومنها : ألفة أذهانهم باعتبارات عقلية اصولية ظنّية حسبوها أدلّة عقلية قطعية فيتحيّرون في الجمع بينها وبين الأخبار الصحيحة الصريحة.

ومنها : قلّة تفكّرهم في أطراف المباحث وعدم ظفرهم بالقرائن الّتي تحصل من تتبّع الروايات ومن اجتماعها في الذهن ، وهي توجب القطع العادي في كثير من المواضع.

ومنها : جمودة ذهن بعضهم.

ومنها : قلّة بضاعة بعضهم.

ومنها : عدم استقامة طبع بعضهم ـ والله المستعان ـ وللحروب رجال وللثريد رجال! وكلّ ميسّر لما خلق له ، والعلم نقطة كثّره الجاهلون ، والجاهل إمّا مفرط أو مفرّط.

وأمّا اختلاف قدمائنا الأخباريّين في بعض الفتاوى : فبسبب اختلاف ما بلغهم من أحاديثهم عليهم‌السلام وهذا النوع من الاختلاف لا ينتهي إلى تناقض ، لابتناء أحد طرفي الاختلاف على ما ورد من جهة ضرورة التقيّة ، كما حقّقه رئيس الطائفة قدس‌سره (٣).

السؤال العشرون

أن يقال : إنّ رئيس الطائفة قد يطرح في كتابي الأخبار وغيرهما بعض الروايات الّتي يظهر من القرائن أنّها من جملة الروايات المأخوذة من الاصول المعتمدة ، معلّلا بأنّه ضعيف.

__________________

(١) متعلّق بقوله في أوّل الجواب : إن روعيت الأحاديث.

(٢) خ : القوانين.

(٣) راجع ص ١٤٩ ـ ١٦٥.

٣٥٩

وجوابه :

أنّه ليس المراد بالصحيح والضعيف في كلامهم وفي كلام من تقدّمه المعنى المراد منهما عند العلّامة الحلّي ومن جاء بعده ، بل للصحيح عندهم ثلاثة معان :

أحدها : ما قطع بوروده عن المعصوم.

وثانيها : ذلك مع قيد زائد وهو إن لم يظهر معارض له أقوى منه في باب العمل.

وثالثها : ما قطع بصحّة مضمونه في الواقع أي أنّه حكم الله في الواقع ولو لم يقطع بوروده عن المعصوم.

وكذلك للضعيف عندهم ثلاثة معان مقابلة لتلك المعاني الثلاثة ، يشهد بذلك اللبيب المنصف *.

______________________________________________________

* هذه المعاني الّتي فسّر الصحيح بها لم يبيّن من أين أخذها؟ ولا من نسبها إليه؟ ويكفيه أنّه اعترف في بعض الأقسام بأنّ الضعيف هو الّذي لم يقطع بوروده عن المعصوم ، وهو المقابل لأوّل وجوه الصحيح.

وأمّا الوجه الثاني من الصحيح فمقتضاه أيضا أن يكون مقابله ما لم يقطع بأنّه عن المعصوم ويظهر له معارض أقوى منه ، فهو اعتراف أيضا بأنّه غير مقطوع به عن المعصوم. ويرد عليه مع ذلك أنّه كيف يتحقّق المعارضة بما هو أقوى منه والفرض أنّه مقطوع بوروده عن المعصوم ولا يكون هناك مجال للحمل على التقيّة؟

وأمّا الثالث : فكيف يحصل القطع بأنّه حكم الله في الواقع ويجوز أن لا يكون واردا عن المعصوم؟ والمعصوم يشمل النبيّ والأئمّة عليهم‌السلام فمن أيّ جهة يكون وروده اقتضى القطع بمضمونه؟ وربما أن يكون مراده أن يحمل الضعيف في كلام الشيخ على المقابل للوجه الثالث ، وهو ما قطع بأنّه وارد عن المعصوم ولم يحكم بصحّة مضمونه. وهذا غير متّجه أوّلا : أنّه من أين علم أن يكون مراد الشيخ هذا المعنى البعيد الّذي لم يعلم به قائل ولا وجد به اصطلاح؟ وغيره ظاهر قريب. وثانيا : أنّ الشيخ صرّح في مواضع عديدة بأنّ سبب ضعف الحديث ضعف الراوي ،

فكيف يجامع ذلك القطع بورود كلّ الأحاديث عن المعصوم عليه‌السلام؟ وعلى كلّ حال بعد هذا الخلل في كلامه يلزم أن يكون الضعيف هو الّذي لم يقطع بأنّه وارد عن المعصوم. وقد حكم الشيخ بضعف بعض الأحاديث ، وهو لا يجامع أنّه مأخوذ من الاصول المعتمدة المتحقّقة الثبوت

٣٦٠