الفوائد المدنيّة

محمّد أمين الإسترابادي

الفوائد المدنيّة

المؤلف:

محمّد أمين الإسترابادي


المحقق: الشيخ رحمة الله رحمتي الأراكي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-511-04
الصفحات: ٥٩٢

المهمّات على آرائهم ، كأنّ كلّ امرئ منهم إمام نفسه قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات وأسباب محكمات (١).

ومن كلامه عليه‌السلام في وصيّته لابنه الحسن عليه‌السلام : دع القول فيما لا تعرف والخطاب فيما لا تكلّف ، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإنّ الكفّ عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال. واعلم يا بنيّ إنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك والأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك والصالحون من أهل بيتك ، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر وفكّروا كما أنت مفكّر ، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا والإمساك عمّا لا يكلّفوا ، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما كانوا علموا ، فليكن طلب ذلك بتفهّم وتعلّم لا بتورّط الشبهات وعلق الخصومات ، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك والرغبة إليه في توفيقك وترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة أو أسلمتك إلى ضلالة ، فإذا أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع وتمّ رأيك واجتمع وكان همّك في ذلك همّا واحدا فانظر فيما فسّرت لك ، وإن أنت لم تجمع لك ما تحبّ من نفسك وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنّك تخبط العشواء وتتورّط الظلماء ، وليس طالب الدين من خبط أو خلط ، والإمساك عن ذلك أمثل ، فتفهّم يا بنيّ وصيّتي (٢) انتهى كلامه عليه‌السلام.

وفي الكافي ـ في باب البدع والرأي والمقاييس ـ محمّد بن يحيى ، عن بعض أصحابه وعليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام. وعليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن محبوب ، رفعه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : إنّ من أبغض الخلائق إلى الله عزوجل لرجلين : رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل مشعوف بكلام بدعة ، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به ، ضالّ عن هدى من كان قبله مضلّ لمن اقتدى به في حياته وبعد موته ، حمّال خطايا غيره رهن بخطيئته. ورجل قمش جهلا في جهّال الناس عان بأغباش الفتنة ، قد سمّاه أشباه الناس عالما ولم يغن فيه يوما سالما ، بكّر فاستكثر [ من

__________________

(١) نهج البلاغة : ١٢١ ، الخطبة ٨٨.

(٢) نهج البلاغة : ٣٩٢ ، الكتاب ٣١.

٢٠١

جمع ] (١) ما قلّ منه خير ممّا كثر ، حتّى إذا ارتوى من آجن واكتنز من غير طائل جلس بين الناس قاضيا ، ماضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره ، وإن خالف قاضيا سبقه لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده كفعله بمن كان قبله ، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيّأ لها حشوا من رأيه ثمّ قطع ، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت ، لا يدري أصاب أم أخطأ ، لا يحسب العلم في شي‌ء ممّا أنكر ولا يرى أنّ وراء ما بلغ فيه مذهبا ، إن قاس شيئا بشي‌ء لم يكذّب نظره ، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه لكيلا يقال له : لا يعلم ، ثمّ جسر فقضى ، فهو مفتاح عشوات ركّاب شبهات خبّاط جهالات ، لا يعتذر ممّا لا يعلم فيسلم ، ولا يعضّ في العلم بضرس قاطع فيغنم ، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم ، تبكي منه المواريث وتصرخ منه الدماء ، يستحلّ بقضائه الفرج الحرام ويحرّم بقضائه الفرج الحلال لا ملئ بإصدار ما عليه ورد ولا هو أهل لما منه فرط من ادّعائه علم الحقّ (٢).

وأنا أقول : من المعلوم أنّ هذه العبارات الشريفة صريحة في أنّ ما عدا اليقين شبهة ، وجه الصراحة : أنّها ناطقة بحصر الامور في اليقين والشبهة ، فلو لم يكن الظنّ شبهة لزم بطلان الحصر (٣) وفي أنّ كلّ طريق يؤدّي إلى اختلاف الفتاوى من غير ضرورة التقية مردود غير مقبول عند الله تعالى.

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه قال الصادق عليه‌السلام : الحكم حكمان : حكم الله عزوجل ، وحكم أهل الجاهلية ، فمن أخطأ حكم الله عزوجل حكم بحكم الجاهلية ، ومن حكم بدرهمين بغير ما أنزل الله عزوجل فقد كفر بالله تعالى (٤).

وفي كتاب الكافي ـ في باب طلب الرئاسة ـ عن أبي حمزة الثمالي قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إيّاك والرئاسة! وإيّاك أن تطأ أعقاب الرجال! قال قلت : جعلت فداك! أمّا الرئاسة فقد عرفتها ، وأمّا أن أطأ أعقاب الرجال ، فما ثلثا ما في يدي إلّا ممّا وطئت أعقاب الرجال ، فقال لي : ليس حيث تذهب ، إيّاك أن تنصب رجلا دون

__________________

(١) لم يرد في المصدر.

(٢) الكافي ١ : ٥٤ ، ح ٦.

(٣) خ : حصرهم عليهم‌السلام.

(٤) الفقيه ٣ : ٤ ، ح ٣٢٢١.

٢٠٢

الحجّة فتصدّقه في كلّ ما قال (١).

وعن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أترى لا أعرف خياركم من شراركم ، بلى والله! وإنّ شراركم من أحبّ أن يوطأ عقبه ، إنّه لا بدّ من كذّاب أو عاجز الرأي (٢).

أقول : الكذّاب : المفتري في باب الروايات عنهم [ عليهم‌السلام ] وعاجز الرأي : المفتي بظنونه.

وفي كتاب الكافي ـ في باب أصناف القضاة ـ أبو عليّ الأشعري ، عن محمّد بن عبد الجبّار ، عن ابن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الحكم حكمان : حكم الله ، وحكم الجاهلية ، وقد قال الله عزوجل : ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) (٣) وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية (٤).

عليّ ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمّد بن حمران ، عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله عزوجل فهو كافر بالله العظيم (٥).

وفي باب « من حكم بغير ما أنزل الله عزوجل » : عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن أبي عبد الله المؤمن ، عن معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : أيّ قاض قضى بين اثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء (٦).

عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن داود بن فرقد قال : حدّثني رجل عن سعيد بن أبي الخضيب البجلي قال : كنت مع ابن أبي ليلى مزاملة حتّى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ دخل جعفر بن محمّد عليهما‌السلام فقلت لابن أبي ليلى تقوم بنا إليه ، فقال : وما تصنع عنده؟ فقلت : نسائله ونحدّثه ، فقال : قم ، فقمنا إليه فسألني عن

__________________

(١) الكافي ٢ : ٢٩٨ ، ح ٥.

(٢) الكافي ٢ : ٢٩٩ ، ح ٨.

(٣) المائدة : ٥٠.

(٤) الكافي ٧ : ٤٠٧ ، ح ٢.

(٥) الكافي ٧ : ٤٠٨ ، ح ٢.

(٦) الكافي ٧ : ٤٠٨ ، ح ٤.

٢٠٣

نفسي وأهلي ، ثمّ قال : من هذا معك؟ قلت : ابن أبي ليلى قاضي المسلمين ، فقال له : أنت ابن أبي ليلى قاضي المسلمين؟ قال : نعم ، قال : تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتقتل هذا وتفرّق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك أحدا؟ قال : نعم ، قال : فبأيّ شي‌ء تقضي؟ قال : بما بلغني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن عليّ عليه‌السلام وعن أبي بكر وعمر ، قال : فبلغك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال إنّ عليّا أقضاكم؟ قال : نعم ، قال : فكيف تقضي بغير قضاء عليّ وقد بلغك هذا؟ فما تقول إذا جي‌ء بأرض من فضّة وسماء من فضّة ثمّ أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك فقال : ربّ إنّ هذا قضى بغير ما قضيت؟ قال : فاصفرّ وجه ابن أبي ليلى حتّى عاد مثل الزعفران ثمّ قال لي : التمس لنفسك زميلا ، والله لا اكلّمك من رأسي كلمة أبدا (١).

وفي باب « أنّ المفتي ضامن » : عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه ، فلمّا سكت قال له الأعرابي أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ شيئا ، فأعاد عليه المسألة فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الأعرابي أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : هو في عنقه قال أو لم يقل ، وكلّ مفت ضامن (٢).

محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه (٣).

وفي الكافي في باب « النهي عن القول بغير علم » : محمّد بن يحيى عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن مفضّل بن يزيد قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال : أنهاك عن أن تدين الله بالباطل ، وتفتي الناس بما لا تعلم (٤).

عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤٠٨ ، ح ٥.

(٢) الكافي ٧ : ٤٠٩ ، ح ١.

(٣) الكافي ٧ : ٤٠٩ ، ح ٢.

(٤) الكافي ١ : ٤٢ ، ح ١.

٢٠٤

عبد الرحمن بن الحجّاج قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : إيّاك وخصلتين! ففيهما هلك من هلك : إيّاك أن تفتي الناس برأيك وتدين بما لا تعلم (١).

الحسين بن محمّد عن معلّى بن محمّد ، عن عليّ بن أسباط ، عن جعفر بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما حقّ الله على العباد؟ قال : أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا ما لا يعلمون (٢).

عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس ، عن أبي يعقوب إسحاق بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله خصّ عباده بآيتين من كتابه : أن لا يقولوا حتّى يعلموا ، ولا يردّوا ما لا يعلمون ، وقال عزوجل : ( أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ ) (٣) وقال ( بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ) (٤) (٥).

وفي الكافي ـ في باب من عمل بغير علم ـ محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال عمن رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح (٦).

وفي الكافي ـ في باب النوادر ـ محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن عليّ بن النعمان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن داود بن فرقد ، عن أبي سعيد الزهري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، وتركك حديثا لم تروه خير من روايتك حديثا لم تحصه (٧).

محمّد عن أحمد بن محمّد ، عن ابن فضّال عن ابن بكير ، عن حمزة ابن الطيّار : أنّه عرض على أبي عبد الله عليه‌السلام بعض خطب أبيه حتّى إذا بلغ موضعا منها قال : كفّ واسكت ، ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبّت والردّ إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد ويجلوا عنكم فيه العمى ويعرّفوكم فيه الحقّ ، قال الله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢ ، ح ٢.

(٢) الكافي ١ : ٤٣ ، ح ٧.

(٣) الأعراف : ١٦٩.

(٤) يونس : ٣٩.

(٥) الكافي ١ : ٤٣ ، ح ٨.

(٦) الكافي ١ : ٤٤ ، ح ٣.

(٧) الكافي ١ : ٥٠ ، ح ٩.

٢٠٥

لا تَعْلَمُونَ ) (١).

عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حقّ الله على خلقه؟ قال : أن يقولوا ما يعلمون ، ويكفّوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه (٢).

أقول : من تدليسات العامّة أنّهم ذكروا في كتبهم الاصولية : أنّ العلم الشرعي هو التصديق المطلق المشترك بين القطع والظنّ.

وفي الكافي ـ في باب البدع والرأي والمقاييس ـ محمّد بن يحيى عن أحمد ابن محمّد ، عن الوشّاء ، عن مثنّى الحنّاط ، عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنّة فننظر فيها؟ فقال : لا ، أما إنّك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت فقد كذبت على الله عزوجل (٣).

عليّ بن إبراهيم عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة قال : حدّثني جعفر عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا قال : من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس. قال : وقال أبو جعفر عليه‌السلام : من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم ، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضادّ الله حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم (٤).

وفي باب « دعائم الكفر وشعبه » عليّ بن إبراهيم عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عمر اليماني ، عن عمر بن اذينة ، عن أبان بن أبي عيّاش ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل ومن عمي نسي الذكر واتّبع الظنّ وبارز خالقه (٥).

أقول : الذكر هو القرآن والمراد نسيان قوله تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (٦) وقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٧) ونظائر ذلك من الآيات الشريفة.

ثمّ أقول : من المعلوم عند اولي الألباب أنّ مقتضى تلك الأحاديث أنّ كلّ فتوى

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٠ ، ح ١٠. والآية : النحل : ٤٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٠ ، ح ١٢.

(٣) الكافي ١ : ٥٦ ، ح ١١.

(٤) الكافي ١ : ٥٧ ، ح ١٧.

(٥) الكافي ٢ : ٣٩١ ، ح ١.

(٦) يونس : ٣٦.

(٧) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

٢٠٦

لم تكن جامعة للصفتين : من المطابقة للواقع (١) والجزم بها فهي غير مرضية ، ومن المعلوم أنّ الفتوى المخالفة لما أنزل الله إذا وردت من باب التقية لا تجري فيها * خلاصة ما يستفاد من تلك الأحاديث.

وفي كتاب المحاسن للبرقي بسنده عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا (٢).

______________________________________________________

* لو صحّ أنّ مقتضاها ذلك لانسدّ باب علم أحكام التكليف بعد غيبة الإمام عليه‌السلام لأنّه لا يتيسّر ذلك إلّا لمن شافه الأئمّة عليهم‌السلام بالسؤال والجواب وانتفى عنه كلّ احتمال يوجب الخطاء في فهم المعنى من كلامه عليه‌السلام لأنّ مجرّد الاحتمال العقليّ والعاديّ يؤثّر في عدم القطع والجزم بأنّه في الواقع كذلك. ومن أنصف من نفسه في مثل هذا الزمان يرى أنّ أحدا من الناس من أهل الفتوى أو من غيرهم إذا راجع وجدانه في الأحاديث الغير المعلوم مضمونها بالضرورة من الدين [ لا ] (٣) يحصل له اليقين والجزم والقطع بأنّ ما تضمّنه الحديث مطابق للشريعة في نفس الأمر والواقع مع امتداد الزمان وتعدّد نقل الحديث وكثرة الرواة واحتمال الغلط والسهو والخلل في نقل الحديث بالمعنى حيث جوّزوه ، هذا مع كون سند الحديث موصوفا بالصحّة على الاصطلاح ، فكيف إذا لم يكن كذلك وقد علمنا الاختلاف في الحديث واحتمال الكذب من زمان الأئمّة عليهم‌السلام وتعمّد بعض الثقات الأجلّاء الرواية عن الضعفاء ، فيلزم على ما ادّعاه المصنّف انسداد باب العمل بالأحكام الشرعيّة في غير المعلوم بالضرورة والاتّفاق الّذي لا يتطرّق إليه احتمال بوجه من الوجوه. وهذا لا يتصوّره عاقل ، وما ندري تصوّر المصنّف في وقته كيفيّة العمل بالأحكام الشرعيّة إذا بطل الاجتهاد والتقليد على مدّعاه؟ فإنّ العامّي الّذي لا يمكنه فهم الحديث ولا يعرف صحّته من ضعفه ولا يحسن قراءته ليفهم معناه كيف يفعل إن سأل غيره وكان المسئول واحدا لا يحصل له بقوله غير الظنّ ، لأنّ القرائن في هذه الحالة لا مجال لدعواها على العلم بكون كلام المسئول مطابقا للمشروع والواقع في نفس الأمر وان تعدّد سؤاله بجماعة عديدة حتّى يحصل له العلم بذلك فربّما لا يتيسّر له ، فانسدّ عليه أحكام ما كلّف به.

وأيضا المسئول للعامّي الّذي يجوز له سؤاله لم يفهم أيضا من المصنّف ما يشترط فيه من قدر العلم والمعرفة.

__________________

(١) ط : الورود من صاحب الشريعة في الواقع.

(٢) المحاسن ١ : ٣٤٠ ، ح ١٠٢.

(٣) أضفناه لضرورة السياق.

٢٠٧

وفي كتاب المحاسن للبرقي ـ في باب النهي عن القول والفتيا بغير علم ـ عنه ، عن أبيه ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن داود بن فرقد ، عمّن حدّثه ، عن عبد الله بن شبرمة قال : ما أذكر حديثا سمعته من جعفر بن محمّد إلّا كاد أن يتصدّع قلبي ، قال : قال أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ( قال ابن شبرمة : واقسم بالله ما كذب أبوه

______________________________________________________

وأمّا غير العامّي الصرف فيجوز له على قوله أن يعمل بأيّ حديث رآه في الكتب الأربعة ، لكن من شرط ذلك أن يتيقّن أن مدلول هذا الحديث هو عين ما أنزله الله على نبيّه ـ صلوات الله عليه وآله ـ هذا إذا لم يكن له في الكتب الأربعة حديث آخر ينافيه أو يضادّه ، ومتى يحصل هذا الأمر ويتحقّق لواحد من الناس؟ إلّا أن كان للمصنّف ودعواه ذلك مكابرة يكذّبها العقل والوجدان.

على أنّه صرّح بأنّ خبر التقيّة إذا لم نعلم أنّه من باب التقيّة يجب العمل به وإن لم يكن مطابقا للشرع في الواقع ، لأجل ضرورة عدم العلم بكونه للتقيّة وأنّ ذلك مأثور عن الأئمّة عليهم‌السلام. فإذا كان تعذّر العلم بالواقع ينتج العمل بالأمر الباطل في نفس الأمر ، فلا ينتجه بالمظنون ظنّا راجحا أنّه موافق لنفس الأمر مع دعاء الضرورة إليه ، ولازم ذلك أنّه لا يجب في الحكم العلم بكلّ جهات الدليل من أن تكون مطابقة للواقع ، فإنّ في هذا الفرض إذا علم متن الحديث أنّه عن الإمام لم يعلم أنّ مراده مدلوله الحقّ أو غيره على جهة التقيّة ومع ذلك وجب عليه العمل به. فتبيّن أنّه قد يجب العمل بالدليل وإن لم يكن موافقا للواقع في نفس الأمر فلا محذور على المفتى به. وربّما يتأتّى ذلك في أحكام عديدة من الأحاديث ولا يمنع من العمل بها للأخذ بظاهر الدلالة ، وهي لا تفيد القطع بمطابقة نفس الأمر ، كما اشترطه المصنّف في الحكم والفتوى.

إذا تقرّر ذلك تبيّن أنّه لو لا طريق الاجتهاد والتقليد الموصل لمعرفة الأحكام الشرعيّة لكلّ مكلّف بها لانسدّ باب المعرفة إلّا بما هو ضروريّ علمه من الدين. وما يوجّهه المصنّف من طريق العلم بذلك من دون هذا الاحتياج فهو من قبيل المحالات والخرافات الّتي تعوّدها ما أنزل الله بها من سلطان.

وممّا يدلّ على ذلك : أنّ الأئمّة عليهم‌السلام لو لا علمهم بأنّه لا بدّ لشيعتهم من علماء فضلاء صلحاء يحفظون حديثهم واصول شريعتهم ويعرفون المجمل من حديثهم والخفيّ من معانيه وما يجوز حمله على ظاهره وما لا يجوز وأنّهم داخلون في أهل الذكر الّذين يجب الرجوع إليهم وسؤالهم ، لما جاز أن يقع الخفاء في أحاديثهم ولا أن يهملوا فرعا من فروع المسائل الّتي يحتاج المكلّفون

٢٠٨

على جدّه ولا كذب جدّه على رسول الله ) فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك (١).

وعنه ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبان الأحمر ، عن زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ، إنّ الرجل لينتزع آية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض (٢).

وفي باب « المقاييس والرأي » عنه ، عن أبيه ، عن النضر بن سويد ، عن القاسم ابن سليمان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : سمعت أبي يقول : ما ضرب الرجل القرآن بعضه ببعض إلّا كفر (٣).

وفي باب « التثبّت » عنه ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا (٤).

وفي الكافي ـ في باب النهي عن القول بغير علم ـ عدّة من أصحابنا عن أحمد ابن محمّد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء ، عن أبان الأحمر عن زياد بن أبي رجاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ،

______________________________________________________

إليها بغير حكم صريح ، لأنّ الفرض عدم الاحتياج إلى الاجتهاد. ولمّا كان ذلك لا يمكن الإحاطة به مفصّلا فيتعيّن الرجوع فيه إلى الاصول والقواعد بالاجتهاد.

وأيضا ما كان يجوز لهم أن يحدّثوا بحديث والمراد خلاف ظاهره أو يحتمله ، وقد وقع في أحاديثهم نظير ما وقع في القرآن والحوالة في معرفة ذلك زمن الغيبة على أهل الذكر والفضل من علماء شيعتهم عليهم‌السلام وهذا المعنى يدخل فيه الاستنباط من قواعدهم عليهم‌السلام في الأحكام الّتي يتعذّر العلم بها وحصول الظنّ المتبع من ذلك لا يخرج عن شريعتهم ، فليس على حدّ الظنّ الّذي تعتمد عليه العامّة المؤسّس على غير الحقّ المخصوص بالذمّ في جميع ما استقصاه المصنّف من الأحاديث والخطب وبالغ في تعداده ، ومآله ومفاده والجواب عنه واحد ، فكان يغني عن ذلك الوحدة في الدليل والجواب ، ولكنّ المصنّف يريد بغير طائل إطالة الكتاب.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٣٢٦ ، ح ٦١.

(٢) المحاسن ١ : ٣٢٦ ، ح ٦٢.

(٣) المحاسن ١ : ٣٣٥ ، ح ٨٥.

(٤) المحاسن ١ : ٣٤٠ ، ح ١٠٢.

٢٠٩

إنّ الرجل لينتزع الآية من القرآن يخرّ فيها أبعد ما بين السماء والأرض (١).

عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى ، عن يونس بن داود بن فرقد ، عمّن حدّثه ، عن ابن شبرمة قال : ما ذكرته حديثا سمعته من جعفر بن محمّد عليهما‌السلام إلّا كاد أن يتصدّع قلبي ، قال حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ابن شبرمة : واقسم بالله ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك (٢).

وفي كتاب المحاسن ـ في باب التثبّت ـ أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن ابن فضّال ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن طيّار : أنّه عرض على أبي عبد الله عليه‌السلام بعض خطب أبيه ، حتّى إذا بلغ موضعا منها قال له : كفّ ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اكتب ، فأملى عليه : أنّه لا ينفعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبت فيه وردّه إلى أئمّة الهدى حتّى يحملوكم فيه على القصد عنه (٣).

عن أبيه عمّن حدّثه رفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّه لا يسعكم فيما ينزل بكم ممّا لا تعلمون إلّا الكفّ عنه والتثبّت فيه والردّ إلى أئمّة المسلمين ، حتّى يعرّفوكم فيه الحقّ ويحملوكم فيه على القصد قال الله عزوجل : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٤).

وفي كتاب المحاسن ـ في باب المقاييس والرأي ـ عنه ، عن أبيه ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ قوما من أصحابنا قد تفقّهوا وأصابوا علما ورووا أحاديث فيرد عليهم الشي‌ء فيقولون فيه برأيهم؟ فقال : لا ، وهل هلك من مضى إلّا بهذا وأشباهه؟ (٥).

وفي كتاب بصائر الدرجات تأليف محمّد بن الحسن الصفّار في فصل « فيه أمر الكتب » أحمد بن محمّد عن الحسين بن سعيد عن محمّد بن أبي عمير ، عن محمّد ابن حكيم ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إنّما هلك من كان قبلكم بالقياس وإنّ الله تبارك

__________________

(١) الكافي ١ : ٤٢ ، ح ٤.

(٢) الكافي ١ : ٤٣ ، ح ٩.

(٣) المحاسن ١ : ٣٤١ ، ح ١٠٥.

(٤) المحاسن ١ : ٣٤٠ ، ح ١٠٣ ، والآية : الأنبياء : ٧.

(٥) المحاسن ١ : ٣٣٦ ، ح ٨٧.

٢١٠

تعالى لم يقبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه فجاءكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغنون (١) به وبأهل بيته بعد موته وأنّه مخفيّ (٢) عند أهل بيته حتّى أنّ فيه لأرش الخدش الكفّ (٣).

وفي الكافي ـ في باب الردّ إلى الكتاب والسنّة وأنّه ليس شي‌ء من الحلال والحرام وجميع ما تحتاج إليه الناس إلّا وقد جاء فيه كتاب أو سنّة ـ عن عمر بن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إنّ الله تبارك تعالى لم يدع شيئا تحتاج إليه الامّة إلّا أنزله في كتابه وبيّنه لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجعل لكلّ شي‌ء حدّا ، وجعل عليه دليلا يدلّ عليه ، وجعل على من تعدّى ذلك الحدّ حدّا (٤).

وعن سليمان بن هارون قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ما خلق الله عزوجل حلالا ولا حراما إلّا وله حدّ كحدّ الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار ، حتّى أرش الخدش فما سواه والجلدة ونصف الجلدة (٥).

وفي باب « البدع والرأي والمقاييس » عن حريز ، عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلال والحرام ، فقال : حلال محمّد حلال أبدا إلى يوم القيامة وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة ، لا يكون غيره ولا يجي‌ء غيره (٦).

وعن حمّاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ما من شي‌ء إلّا وفيه كتاب أو سنّة (٧).

وعن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله أصل في كتاب الله ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (٨).

وعن سماعة ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال ، قلت له : أكلّ شي‌ء في كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يقولون فيه؟ قال : بل كلّ شي‌ء في كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٩).

وفي باب « البدع والرأي والمقاييس » عن سماعة بن مهران ، عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال ، قلت : أصلحك الله؟ أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يكتفون به في عهده؟

__________________

(١) في المصدر : تستغيثون.

(٢) في المصدر : مصحف.

(٣) بصائر الدرجات : ١٤٧ ، ح ٣.

(٤) الكافي ١ : ٥٩ ، ح ٢.

(٥) الكافي ١ : ٥٩ ، ح ٣.

(٦) الكافي ١ : ٥٨ ، ح ١٩.

(٧) الكافي ١ : ٥٩ ، ح ٤.

(٨) الكافي ١ : ٦٠ ، ح ٦.

(٩) الكافي ١ : ٦٢ ، ح ١٠.

٢١١

فقال : نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. فقلت : فضاع من ذلك شي‌ء؟ فقال : لا هو عند أهله (١).

وعن أبي شيبة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة! إملاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وخطّ عليّ عليه‌السلام بيده ، إنّ الجامعة لم تدع لأحد كلاما ، فيها علم الحلال والحرام ، إنّ أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحقّ إلّا بعدا ، إنّ دين الله لا يصاب بالقياس (٢).

وفي كتاب من لا يحضره الفقيه ـ في باب العتق وأحكامه ـ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الّذي لم يخرجني من الدنيا حتّى بيّنت للامّة جميع ما تحتاج إليه (٣).

والحديث مذكور في كتاب الكافي (٤) وفي تهذيب الحديث (٥). والظاهر أنّ المراد بيان الكلّ لوصيّه عليه‌السلام وبيان البعض للرعيّة ، ويمكن حمله على كلّ ما تحتاج إليه الامّة في عصره عليه‌السلام.

وفي الكافي ـ في باب فرض العلم ووجوب طلبه والحثّ عليه ـ عليّ بن محمّد وغيره عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن أبي حمزة ، عن أبي إسحاق السبيعي ، عمّن حدّثه قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : أيّها الناس! اعلموا أنّ كمال الدين طلب العلم والعمل به ، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال ، إنّ المال مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه وسيفي لكم ، والعلم مخزون عند أهله وقد امرتم بطلبه من أهله فاطلبوه (٦).

وفي الكافي ـ في باب سؤال العالم وتذاكره ـ عليّ بن محمّد عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمّد الأشعري ، عن عبد الله بن ميمون القدّاح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال : إنّ هذا العلم عليه قفل ومفتاحه المسألة (٧).

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٧ ، ح ١٣.

(٢) الكافي ١ : ٥٧ ، ح ١٤.

(٣) الفقيه ٣ : ١١٢ ، ح ٣٤٣٢.

(٤) لم نقف عليه في الكافي ، نقله عنه في الوسائل ١٨ : ٢٢٢ ب ٣٣ ، ذيل الحديث ١.

(٥) التهذيب ٦ : ٣١٩ ، ح ٨٦.

(٦) الكافي ١ : ٣٠ ، ح ٤.

(٧) الكافي ١ : ٤٠ ، ح ٣.

٢١٢

عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله (١).

محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد العجلي قالوا : قال أبو عبد الله عليه‌السلام لحمران ابن أعين في شي‌ء سأله : إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون (٢).

وفي كتاب المحاسن ـ في باب المقاييس والرأي ـ عنه عن أبيه ، عن درست ابن أبي منصور ، عن محمّد بن حكيم قال أبو الحسن عليه‌السلام : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا ، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها أنا ـ ووضع يده على فيه ـ فقلت : ولم ذاك؟ قال : لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى الناس بما اكتفوا به على عهده وما يحتاجون إليه من بعده إلى يوم القيامة (٣).

عنه عن عليّ بن إسماعيل الميثمي عن محمّد بن حكيم عن أبي الحسن عليه‌السلام قال أتاهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما يستغنون به في عهده وما يكتفون به من بعده كتاب الله وسنّة نبيّه (٤).

وفي كتاب المجالس للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه قدس‌سره : حدّثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه رضى الله عنه قال : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل رحمه‌الله قال : حدّثنا محمّد بن يعقوب قال : حدّثنا أبو محمّد القاسم بن العلاء ، عن عبد العزيز بن مسلم قال : كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم الجمعة في بدء مقدمنا ، فأدار الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي ومولاي الرضا عليه‌السلام فأعلمته ما خاض الناس فيه ، فتبسّم عليه‌السلام ثمّ قال : يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن دينهم! إنّ الله عزوجل لم يقبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كلّ شي‌ء ، وبيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما تحتاج إليه الناس كملا ، فقال عزوجل : ( ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ

__________________

(١) المصدر ، ذيل الحديث ٣.

(٢) الكافي ١ : ٤٠ ، ح ٢.

(٣) المحاسن ١ : ٣٣٧ ، ح ٩٠.

(٤) المحاسن ١ : ٣٦٨ ، وفيه : بما اكتفوا به في عهده واستغنوا به من بعده.

٢١٣

مِنْ شَيْ‌ءٍ ) (١) وأنزل في حجّة الوداع وهي في آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) (٢) وأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض عليه‌السلام حتّى بيّن لامّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيله (٣) وتركهم على قصد الحقّ ، وأقام لهم عليّا عليه‌السلام علما وإماما وما ترك شيئا تحتاج إليه الامّة إلّا بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزوجل لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ومن ردّ كتاب الله فهو كافر. فهل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم ، إنّ الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن تبلغه الناس بعقولهم أو أن ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما باختيارهم ، إنّ الإمامة خصّ الله عزوجل بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكرها انّ الإمام اسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفي‌ء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى دين (٤) ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة ، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يؤخذ منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منزلة ولا اكتساب بل اختصاص من المفضل الوهّاب ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة فلم يزدادوا منه إلّا بعدا ، قاتلهم الله أنّى يؤفكون لقد راموا صعبا وقالوا إفكا وضلّوا ضلالا بعيدا ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة (٥) وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ، رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ ) (٦). إنّ العبد إذا اختاره الله عزوجل لامور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاما ، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير

__________________

(١) الأنعام : ٣٨.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) في المصدر : سبله.

(٤) في المصدر : سبيل.

(٥) ط : عن غير بصيرة.

(٦) القصص : ٦٨.

٢١٤

فيه عن الصواب ، وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد قد أمن الخطأ والزلل والعثار ، خصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (١) *.

والحديث الشريف بطوله مذكور في كتاب المجالس نقلنا طرفا منه.

______________________________________________________

* لم يظهر وجه موجب لهذه الإطالة ، لأنّه ما من عاقل ولا جاهل يتصوّر نقصا في دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد قال الله سبحانه : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ) وما أفاده هذا الحديث وأمثاله لا شكّ ولا شبهة فيه ، وهو صريح في حقّ الّذي احتاج إلى العمل بالقياس وبالرأي ، وكان لهم في ذلك الوقت مندوحة عنه بسؤال الأئمّة عليهم‌السلام عن كلّ ما جهلوه ، فعدلوا عن الحقّ مع عدم خفائه عنهم إلى الباطل. وقوله عليه‌السلام : « جاءكم بما تحتاجون إليه » إلى آخره ، فيه دلالة واضحة على خلاف ما يقرّره المصنّف من التوقّف عند مجرّد الشبهة وإن ضعفت وعند اختلاف الحديث أو عدم فهم معناه وفي كلّ موضع لا يحصل القطع والجزم بالحكم ، لأنّه لا يجوز التعويل على الظنّ عنده ، لأنّ اللازم من ذلك عدم حصول الحاجة وتعطّل الأحكام ، ولا سبيل إلى علمها ، فلا يتحقّق أنّ الشريعة يستفاد منها كلّ ما يحتاج إليه المكلّف ولا شكّ أنّه مع صحّة الاجتهاد المتّفق عليه لا يتعطّل حكم من الأحكام ، ولا يخرج ذلك إذا كان مستندا إلى اصول الدين وقواعده عن أن يكون من جملة الدين.

وممّا يؤكّد ذلك من جهة العقل : أنّ الأحكام والفروع لا يمكن الإحاطة بتفاصيلها فلا بدّ لها من أمر جامع يرجع إليه في استخراج الجزئيّات من الكلّيات. وهذه القاعدة معتبرة في جميع العلوم ، لعدم الإحاطة بكلّ مسألة على وجه التفصيل ، ولا تخرج المسائل باستخراجها من تلك القواعد عن ذلك العلم. ومن يدّعي أنّ جميع ما يمكن فرضه من الفروع والمسائل يستفاد حكمه بنصّ واضح عليه بالخصوص فظهور بطلانه أوضح من الصبح ، والوجدان يكذّبه.

وكأنّ المصنّف يعتقد أنّ الاجتهاد والقول به يوجب لقائله نقصا في الدين فيتمّم به ، وهذا عين الجهل والخطاء لمن تصوّره ، فإنّ الاجتهاد إنّما هو لإثبات تماميّة الدين وعدم تعطيل حكم من أحكامه ممّا يحتاج المكلّفون إليه والّذي لا يجوّز الاجتهاد أحقّ بأن ينسب إليه اعتقاد النقص بسبب عدم حصول الحاجة عند التوقّف وتعطيل الحكم.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٣٦ ، ح ١.

٢١٥

وفي كتاب المحاسن ـ في باب إنزال الله في القرآن تبيانا لكلّ شي‌ء ـ عنه ، عن الحسن بن عليّ بن فضّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عمّن حدّثه ، عن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما من أمر يختلف فيه اثنان إلّا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال (١).

أقول : من المعلوم عند اولي الألباب أنّ هذه الأحاديث الشريفة ناطقة بأنّ كلّ واقعة تحتاج إليها الامّة إلى يوم القيامة ورد فيها خطاب قطعي عن الله تعالى ، فلم يبق شي‌ء على مجرّد إباحته الأصليّة ، فالتمسّك بالبراءة الأصلية لا يجوز في نفي أحكام الله تعالى.

ثمّ أقول : صرّحوا عليهم‌السلام بوجوب التوقّف فيما لم يقطع بحكم الله فيه ولا بحكم ورد عنهم عليهم‌السلام فلو جاز التمسّك في نفي أحكام الله تعالى بالبراءة الأصليّة لما أوجبوا التوقّف * ، والحديث النبوي المتواتر بين الفريقين المتضمّن لحصر الامور في ثلاثة

______________________________________________________

* إنّا قد بيّنّا أنّه لا نزاع أنّ الشريعة في نفسها وافية بكلّ الأحكام الّتي يحتاج إليها العباد ، لكن دعوى حصول العلم القطعيّ منها في كلّ مسألة خلاف الوجدان. أمّا الكتاب : فإنّ فيه المحكم والمتشابه ، وقال سبحانه : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) وقوله عليه‌السلام : « ولكن لا تبلغه عقول الرجال » (٢) واتّفاق الاصوليّين على أنّ متنه قطعيّ ودلالته ظنّية. وأمّا الحديث : فكذلك وقد بيّنّاه سابقا.

ولو كانت الأحكام كلّها ظاهرة مقطوعا بها لكلّ أحد يطلبها من الكتاب والسنّة لم يحصل اختلاف. وكونها معلومة للأئمّة عليهم‌السلام لا ينفعنا إذا لم يصل علمها إلينا ولا أمكن استعلامه بالقطع. والتوقّف المأمور به إن صحّ إنّما يكون عند تعارض الأدلّة واشتباه المرجّح أو جهالة المعنى المقصود من اللفظ في الحديث.

والبراءة الأصليّة من جملة أدلّة الشرع ـ كما بيّنّاه سابقا ـ ولا يعمل بها إلّا عند انتفاء غيرها من الأدلّة بكلّ وجه ، فليست منافية للتوقّف في محلّه ، وهي من جملة الأدلّة شرعا على الإباحة غير الدليل العقلي الّذي استدلّوا به على الإباحة الأصليّة ، فالدليل الشرعيّ كاشف عنه ، كما أشرنا

__________________

(١) المحاسن ١ : ٤١٧ ، ح ٣٦١.

(٢) البحار ٨٩ : ١٠٠ ، ح ٧١.

٢١٦

أيضا ناطق بوجوب التوقّف فيما لم يكن حكمه بيّنا واضحا ، فلم يبق مجال للتمسّك بالأصل ولا بالاستصحاب ، إذ من شرط التمسّك بهما عدم بلوغ خطاب مخرج عنهما ، لا خطاب خاصّ ولا عامّ.

وفي أوائل الكافي في تفسير ( إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) روايات كثيرة نافعة فيما نحن بصدده ، من جملتها : عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث طويل : والله كذلك لم يمت محمّد إلّا وله بعيث نذير ، قال : فإن قلت لا فقد ضيّع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من في أصلاب الرجال من أمّته. قال السائل وما يكفيهم القرآن؟ قال : بلى إن وجدوا له مفسرا قال

______________________________________________________

في مثله إليه سابقا أيضا على أنّ اختلاف الاصوليّين في الإباحة الأصليّة إنّما هو في دليل العقل. وأمّا الشرع فكلام الشيخ رحمه‌الله في العدّة يقتضي أنّه لا نزاع في أنّه قد دلّ دليل الشرع على أنّ الأشياء على الإباحة بعد أن كانت على الوقف.

وممّا يدلّ على ذلك أيضا موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كلّ شي‌ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك (١).

واعلم أنّ قول المصنّف : « فلم يبق شي‌ء على مجرّد إباحته الأصليّة » مقتضاه : أنّ كلّ ما تحتاج إليه الامّة قد ورد فيه خطاب قطعيّ ، وذلك يقتضي أن تكون الإباحة من جملة ما ورد فيها دليل قطعيّ ، ونحن نقول بذلك ، ومن جملته البراءة الأصليّة ، فهي دليل على ثبوت حكم الله بالإباحة ، لا على نفي الحكم فيها ، إذ لا نعني بالإباحة الثابتة بالبراءة الأصليّة إلّا هذا المعنى ، لا الإباحة الّتي كانت قبل ورود الشرع المختلف في دلالة العقل عليها مع قطع النظر عن الشرع ، فكيف يلائم ذلك قوله : « فالتمسّك بالبراءة الأصليّة لا يجوز في نفي أحكامه تعالى »؟ لأنّا لم نتمسّك بها إلّا بعد ورود الشرع بالتمسّك بها عند عدم دليل الحكم بخلافها ، فهي دليل شرعيّ قد ثبت من الشرع التمسّك بها ، وهي راجعة إلى ما دلّ في الشرع على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة إذا لم يدلّ دليل على خلافه ، فلو لم يدلّ عليها بالصريح قول الصادق عليه‌السلام : « ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم » (٢) لدلّ على التمسّك بها الدليل الدالّ على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة عند عدم الدليل على خلافه.

__________________

(١) البحار ٢ : ٢٧٣ ، ح ١٢.

(٢) البحار ٢ : ٢٨٠ ، ح ٤٨.

٢١٧

وما فسّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : بلى قد فسّره لرجل واحد ، وفسّر للامّة شأن ذلك الرجل وهو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال السائل : يا أبا جعفر كان هذا أمر خاصّ لا يحتمله العامّة؟ قال : أبى الله أن يعبد إلّا سرّا حتّى يأتي إبّان أجله الّذي يظهر فيه دينه (١).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي ـ في احتجاج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الغدير على تفسير كتاب الله والداعي إليه ـ ألا إنّ الحلال والحرام أكثر من أن احصيهما واعرّفهما ، فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد ، فامرت أن آخذ البيعة منكم (٢) والصفقة لكم (٣) بقبول ما جئت به عن الله عزوجل في عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة من بعده. يا معاشر الناس! تدبّروا القرآن وافهموا آياته وانظروا في محكماته ولا تتّبعوا متشابهه ، فو الله! لن يبيّن لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلّا الّذي أنا آخذ بيده (٤).

ومن كلامه عليه‌السلام المنقول في نهج البلاغة : واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك (٥) من الخطوب ويشتبه عليك من الامور ، فقد قال سبحانه لقوم أحبّ إرشادهم : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‌ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ) (٦) فالردّ إلى الله الأخذ بمحكم كتابه ، والردّ إلى الرسول الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة (٧).

وفي كتاب المحاسن ـ في باب المقاييس والرأي ـ عنه ، عن أبيه ، عن الحسن ابن عليّ بن فضال ، عن ابن بكير ، عن محمّد بن الطيّار قال : قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : تخاصم الناس؟ قلت : نعم ، قال : ولا يسألونك عن شي‌ء إلّا قلت فيه شيئا؟ قلت : نعم ، قال : فأين باب الردّ إذا؟ (٨).

أقول : في هذه الرواية وأشباهها تصريح بتعذّر المجتهد المطلق *.

______________________________________________________

* إنّ هذه الرواية ـ مع عدم التعرّض لردّها وردّ أكثر ما يورده بالضعف ـ مفهومها : أنّ الراوي كان جوابه لخصمه على قدر ما يخطر بباله خطاء أو صوابا من غير رجوع فيه إلى أصل

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٤٩ ، ح ٦.

(٢) ط وخ : عليكم.

(٣) ط وخ : منكم.

(٤) الاحتجاج ١ : ٦٥ ، ٦٠.

(٥) ط وخ : يطلعك.

(٦) النساء : ٥٩.

(٧) نهج البلاغة : ٤٣٤ ، الكتاب ٥٣.

(٨) المحاسن ١ : ٣٣٧ ، ح ٩١.

٢١٨

وفي كتاب الكافي في كتاب الحجّة ـ في باب الاضطرار إلى الحجّة ـ محمّد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قلت للناس : أليس تزعمون أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان هو الحجّة من الله تعالى على خلقه؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان الحجّة على خلقه؟ فقالوا : القرآن ، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجئ والقدري والزنديق الّذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيّم فما قال فيه من شي‌ء كان حقّا ، فقلت لهم : من قيّم القرآن؟ فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم ، قلت : كلّه؟ قالوا : لا ، فلم أجد أحدا يقال إنّه يعرف ذلك كلّه إلّا عليّا عليه‌السلام وإذا كان الشي‌ء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال : أنا أدري ، فأشهد أنّ عليّا عليه‌السلام كان قيّم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ ما قال في القرآن فهو حقّ ، فقال : رحمك الله (١).

وفي أواسط كتاب الروضة من الكافي : عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد ابن خالد ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن زيد الشحّام قال : دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر عليه‌السلام فقال : يا قتادة إنّك فقيه أهل البصرة؟ فقال : هكذا يزعمون ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : بلغني أنّك تفسّر القرآن؟ قال له قتادة : نعم ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : فإن كنت تفسّره بعلم فأنت أنت ، وإن كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ، ويحك يا قتادة! إنّما يعرف القرآن من خوطب به (٢). والحديث الشريف طويل نقلنا منه موضع الحاجة.

______________________________________________________

من كتاب أو سنّة ، ويعتقد أنّ ذلك صواب فأجابه عليه‌السلام بأنّ الصواب إذا حصل الاختلاف أن يردّ استعلامه إلى من عنده علمه. وفي زمانهم عليهم‌السلام إمكان الردّ إليهم ظاهر. وأمّا مع عدم الإمكان فاجتهاد المجتهد لا يخرج عن الردّ إليهم أيضا ، لأنّ مناط اجتهاده راجع إلى اصولهم وآثارهم ، فلا وجه في الرواية يقتضي التصريح بما ادّعاه المصنّف.

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٨ ، ح ٢.

(٢) روضة الكافي : ٣١١ ، ح ٤٨٥.

٢١٩

وفي كتاب المجالس لابن بابويه مسندا إلى ابن عبّاس قال : صعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنبر فخطب واجتمع الناس إليه فقال : يا معاشر (١) المؤمنين! إنّ الله عزوجل أوحى إليّ أنّي مقبوض وأنّ ابن عمّي عليّا مقتول ، فقال : وإنّي أيّها الناس اخبركم خبرا إن عملتم به سلمتم وإن تركتموه هلكتم ، إنّ ابن عمّي عليّا هو أخي ووزيري وهو خليفتي وهو المبلّغ عنّي وهو إمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين ، إن استرشدتموه أرشدكم وإن اتّبعتموه نجوتم وإن خالفتموه ظللتم وإن أطعتموه فالله أطعتم وإن عصيتموه فالله عصيتم ، إنّ الله عزوجل أنزل عليّ القرآن ، وهو الّذي من خالفه ضلّ ومن ابتغى علمه عند غير عليّ فقد هلك ، أيّها الناس! اسمعوا قولي واعرفوا حقّ نصيحتي ولا تخلفوني في أهل بيتي إلّا بالّذي امرتم به ، من طلب الهدى في غيرهم فقد كذبني (٢). والحديث الشريف بطوله مذكور في المجالس نقلنا منه موضع الحاجة.

ومن كلامه عليه‌السلام في بعض خطبه المنقولة في نهج البلاغة : ثمّ اختار الله سبحانه وتعالى لمحمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لقاءه ورضي له ما عنده فأكرمه عن دار الدنيا ورغب به عن مقام البلوى ، فقبضه إليه كريما صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في اممها إذ لم يتركوهم هملا بغير طريق واضح ولا علم قائم ، كتاب ربّكم (٣) مبيّنا حلاله وحرامه وفرائضه وفضائله وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه وخاصّه وعامّة وعبره وأمثاله ومرسله ومحدوده ومحكمه ومتشابهه ، مفسّرا جمله (٤) مبيّنا غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق علمه وموسع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه معلوم في السنّة نسخه وواجب في السنّة أخذه مرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته وزائل في مستقبله ومباين بين محارمه ، من كثير أوعد عليه نيرانه أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه وموسع في أقصاه (٥).

وفي الكافي روايات مذكورة في باب تفسير قوله تعالى : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ

__________________

(١) في الأمالي : يا معشر.

(٢) أمالي الصدوق : ٦٢ ، ح ١١.

(٣) في النهج زيادة : فيكم.

(٤) في النهج : مجمله.

(٥) نهج البلاغة : ٤٤ ، الخطبة ١.

٢٢٠