إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

بقسم ، فكذلك جمعه ، اذ هو عبارة عن تضعيف الواحد ، وهو ضعيف ، فانه لا يلزم من كون اليمين حالة الانفراد ليست قسما أن لا يكون حالة الجمع قسما ، لانها هنا موضوعة للقسم بالعرف ، والوضع تابع للاصطلاح ، كما بين في أصول الفقه ، فلهذا قال المصنف : ولعل الانعقاد أشبه.

واحتج الكوفيون على صحة مطلوبهم بقول الشاعر :

*يبري لها من أيمن وأشمل*

فلو لم يكن جمعا لما قابلها بالاشمل ، ولان في جمعها في القسم زيادة توكيد.

وأجاب البصريون عن ذلك بأجوبة ليس هذا موضع ذكرها.

وعلى الوجه الذي لخصناه لا يظهر للخلاف فائدة في هذه المسألة ، لاتفاق الفريقين على كونها موضوعة للقسم ، وان اختلفوا في كونها مفردة أو جمعا.

وأما أيم الله ، فأصلها أيمن الله ، فحذف النون منها لكثرة استعمالها وتكسر همزتها وتفتح.

و « م الله » أصلها أيم الله ، فحذفوا الألف اختصارا واصل ايم الله أيم الله وكسروها ، لانها صارت حرفا واحدا فاشبهت الباء. وأما من الله ، ففيها لغات : ضم الميم والنون وفتحهما وكسرهما ، حكاه الجوهري في الصلاح (١) ، وأصلها أيمن الله أيضا ، فحذفت الهمزة تخفيفا ، فبقيت الياء ساكنة ، والابتداء بالساكن محال فحذفت أيضا وبقيت الهمزة والنون.

قال رحمه‌الله : وتصح اليمين من الكافر ، وقال في الخلاف : لا تصح ، وفي صحة التكفير منه تردد ، منشؤه الالتفات الى اعتبار القربة.

أقول : وجه الصحة النظر الى التمسك بالعمومات الدالة على وجوب الكفارة مع الحنث.

__________________

(١) صحاح اللغة ٦ / ٢٢٢١.

٨١

واعلم أن الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) حكم بصحة اليمين منه في حال كفره ، ولم يحكم بصحة تكفيره حالة كفره. وحكم في الخلاف (٢) ببطلانهما ، وهو قول أبي حنيفة ، الا أنه قال بعد ذلك : واستدل الشافعي بظواهر الاخبار وحملها على عمومها ، وهو قوي يمكن اعتماده.

والتحقيق أن يقال : موجبات الكفر مختلفة ، فقد يكون انكار مؤثر مختار أو وحدانيته وما في معناهما ، وقد يكون نبوة محمد عليه‌السلام ، وقد يكون انكار إمامة من يقوم مقامه ، فالاول لا يصح منه التكفير ، لكونه غير عارف بالله ، ولا يلزم مثله في الثاني والثالث.

قال رحمه‌الله : اذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد ، لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد وعمرو ، ولو اقتسماه على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة من وجوب التكفير ، ترك العمل بها في صورة الاكل من الطعام الذي يختص بشرائه زيد ، لتحقق الحنث حينئذ ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، ولان اليمين انما تناولت الطعام الذي يستقل باشترائه زيد ، وهو غير موجود هاهنا ، أما قبل القسمة فظاهر ، وأما بعد القسمة فلانه وان كان قد صار هذا القدر المقسوم مختصا بزيد ، فهو غير مختص بشرائه ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى أن الطعام قد اشترياه صفقة واحدة ، فيكون كل واحد قد اشترى بصفة ، بدليل أنه يلزم كل واحد ثمن النصف ، واذا ثبت ذلك وأكل من الطعام حنث ، لانه قد أكل من طعام يصدق عليه أنه اشتراه زيد ، كما لو حلف لا أكلت رغيف زيد ، فأطبق عليه رغيف عمرو فأكلهما حنث ، لانه قد أكل رغيف زيد وان

__________________

(١) المبسوط ٦ / ١٩٤.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٥٢.

٨٢

كان معه رغيف عمرو فكذا هنا ، لانه قد أكل من طعام اشتراه زيد وان كان مع غيره وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، وليس بجيد.

قوله « هذا طعام اشترياه معا فيكون لكل واحد نصفه » قلنا : مسلم ، فيحنث ، لانه أكل من طعام اشتراه زيد قلنا حقيقة أو مجازا ، الاول ممنوع لصدق النفي الذي هو من علامات المجاز على كل جزء جزء منه ، الثاني مسلم لكنه غير نافع في المطلوب ، اذ اللفظ حالة اطلاقه انما ينصرف الى حقيقته دون مجازه.

قوله « كما لو حلف لا أكلت رغيف زيد » الى آخره ، قلنا : الفرق بين الصورتين ظاهر ، لان كل واحد من الرغيفين يشار إليه أنه لزيد بالخصوصية ، ونمنع سلبه عنه والاخر لعمرو كذلك ، بخلاف الصورة الاولى ، بدليل أنه لو أشار الى جزء منه وقال : هذه اشتراها زيد ، لصح الجواب بـ « لا » وانما اشتراها زيد وعمرو.

قال رحمه‌الله : اذا حلف لا أكلت رءوسا ، انصرف الى ما جرت العادة بأكله غالبا ، كرءوس البقر والغنم والابل ، ولا يحنث برءوس الطير والسمك والجراد ، وفيه تردد ، ولعل الاختلاف عادي.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الرءوس حقيقة في جميع ذلك ، فيحنث بأكل أيها كان ، عملا بظاهر اللفظ ، وهو خيرة المتأخر.

والالتفات الى أن الرءوس المأكولة عرفا وعادة انما هي هذه الثلاثة ، فيتعلق اليمين بها ، اذ الاظهر في الاستعمال انما هو العرفي ، واللفظ اذا دار بين الحقيقة العرفية واللغوية ، فالترجيح للعرفية ، كما مر في أماكنه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١) والخلاف ومذهب الشافعي ، وقال في الخلاف : انما أخرجنا ذلك بالاجماع (٢).

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٣٨.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٧٣ ، مسألة ٧٢.

٨٣

فرع :

قال الشيخ رحمه‌الله في المبسوط : هذا الحكم انما يكون اذا لم يكن له نية فأما اذا كان له نية حنث وبر على نيته (١). وما قاله رحمه‌الله حسن.

قال رحمه‌الله : لو حلف لا يأكل لحما فأكل ألية ، لم يحنث وهل يحنث بأكل القلب والكبد ، فيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة البراءة ، ولان اليمين انما تناولت اللحم ، وليس الكبد والقلب لحما ، وهو اختيار الشيخ في كتابيه ومذهب الشافعي.

والالتفات الى أن ذلك يسمى لحما لغة وان لم يسم به عرفا فيحنث بأكله ، اذ الحقيقة السابقة انما هي اللغوية ، وهو اختيار المتأخر في القلب خاصة ، ولم يذكر حكم الكبد ، واختار أبو حنيفة الحنث بأكل الكبد والطحال ، لانهما يباعان معا مع اللحم.

فرع :

قال الشيخ رحمه‌الله : حكم الطحال حكم الكبد والقلب.

قال رحمه‌الله : لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا ، أو لا يأكل رطبا فأكل منصفا ، حنث ، وفيه قول آخر ضعيف.

أقول : المراد بالمنصف هنا ما نصفه بسر والنصف الاخر رطب.

اذا عرفت هذا فنقول : قال في الخلاف : اذا حلف لا يأكل رطبا أو لا يأكل بسرا ، حنث بأكل المنصف فيهما ، مستدلا بأن أكل المنصف يستلزم أكل ما تعلقت اليمين به من أي النوعين كان وزيادة (٢).

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٣٩.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٧٤.

٨٤

وقال في المبسوط : ان أكل الرطب من المنصف حنث ، وان أكل منه البسر لم يحنث ، وان أكله على ما هو به حنث ، لانه قد أكل الرطب. ثم قال : وهكذا لو حلف لا يأكل بسرا فأكل منصفا ، فعلى ما فصلناه (١).

والظاهر أنه أراد في الخلاف ما فصله في المبسوط ، وهو مذهب الشافعي وأصحابه.

وقال ابن ادريس : الذي يقوى في نفسي أنه لا يحنث للعرف ، لان السيد اذا قال لعبده : اشتر لنا رطبا فاشترى منصفا لم يعد ممتثلا لامره. وكذا لو أمره شراء البسر فاشترى المنصف ، وانما العرف العادي أن الرطب هو الذي جميعه قد نضج والبسر هو الذي جميعه لم ينضج.

وما قاله الشيخ أحسن ، وما اختاره ابن ادريس مذهب أبي سعيد الاصطخري. والظاهر أن المصنف أراد بالقول الضعيف ما ذكره ابن ادريس ، لا ما قاله الشيخ رحمه‌الله.

قال رحمه‌الله : اسم الفاكهة يقع على الرمان والعنب والرطب ، فمتى حلف لا يأكل فاكهة حنث بأكل واحدة من ذلك ، وفي البطيخ تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن للبطيخ نضجا ، كنضج الرطب يحلو اذا نضج ويؤكل كالعنب والرطب ، فلهذا كان من الفاكهة ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى أن ذلك لا يسمى فاكهة عرفا.

قال رحمه‌الله : اذا حلف لا آكل خلافا فاصطبغ به حنث.

أقول : المراد بالاصطباغ هنا الايتدام ، قال الله تعالى « وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ » (٢).

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٤١.

(٢) سورة المؤمنون : ٢٠.

٨٥

قال رحمه‌الله : أما لو قال : لاسكنت هذه الدار وهو ساكن بها ـ الى قوله : أما التطيب ففيه التردد ، ولعل الاشبه أنه لا يحنث بالاستدامة.

أقول : ينشأ : من النظر الى اصالتي براءة الذمة وعدم الحنث ، ترك العمل بها في صورة اللبس والركوب والسكنى والاسكان للاجماع ، ولان هذه الافعال تصح اضافتها الى المدة ، كما تصح اضافتها الى الابتداء ، فيقال : لا لبستهما شهرا لا ركبتها شهرا ، وكذلك السكنى والمساكنة فيه.

وليس كذلك التطيب ، اذ لا تصح اضافته الى المدة ، كما تصح اضافته الى الابتداء ، فلا يقال : لا تطيب شهرا ، بل انما يقال : منذ شهر فاقترفا ، ولان الشرع قد جعل استدامة اللبس كابتدائه ، ولم يجعل استدامة الطيب كابتدائه ، بدليل أنه لو أحرم لابسا فاستدامه فعليه الفدية ، كما لو ابتدأه بعد الاحرام.

ولو أحرم متطيبا فلا شي‌ء عليه ، وان كان ممنوعا من ابتدائه حال احرامه. قال في المبسوط : وعندنا في الاحرام مثل ذلك ، غير أنه يجب عليه ازالة الطيب عنه (١). وهو اختيار الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى أن التطيب في عرف الشرع يصح نسبته الى الاستدامة كما يصح نسبته الى الابتداء ، فيقع الحنث باستدامته.

أما المقدمة الصغرى ، فلان الشارع أوجب على المتطيب دم شاة ، سواء ابتداء الطيب في حال احرامه أو استدامته ، ولو لا أن هذا الفعل يمكن نسبته إليهما لما صح ذلك. وأما الكبرى فظاهرة مع تسليم الصغرى ، ولقائل أن يمنع الصغرى كما هو مذهب الشيخ في المبسوط.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٢٢.

٨٦

فرع :

قال الشيخ رحمه‌الله : والبحث في التطهر والنكاح كالبحث في التطيب ، وهو حسن.

قال رحمه‌الله : ولو قال : لا ضربت ، فأمر بالضرب لم يحنث ، وفي السلطان تردد ، أشبهه أنه لا يحنث الا بالمباشرة.

أقول : منشؤه : النظر الى أن اضافة الضرب الى الحالف يقتضي مباشرته له حقيقة ، فلا يحنث بالامر بالضرب ، لانه انما تصح اضافة ضرب المأمور إليه على سبيل المجاز لصحة نفيه ، واللفظ عند اطلاقه انما يحمل على حقيقته دون مجازه ولاصالتي براءة الذمة من وجوب الكفارة وعدم الحنث ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) ، واختاره المتأخر.

والالتفات الى أن العادة والعرف قاضيين بنسبة هذا الفعل إليه وان لم يصدر عنه ، فيحنث به. أما الصغرى فلانه يقال : باع الخليفة ، وان كان البائع وكيله ، وكما قيل زنا ماعز فرجمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وانما أمر برجمه ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (٢) أولا ، ثم قوى القول الاول أخيرا. وأما الكبرى فظاهرة حينئذ.

قال رحمه‌الله : ولو حلف لا بعت أو لا شريت ، فتوكل لغيره في البيع أو الشراء ، ففيه تردد ، والاقرب الحنث لتحقق المعنى المشتق منه.

أقول : منشؤه : النظر الى أن البائع شي‌ء صدر منه البيع ، وهذا المعنى متحقق في الوكيل البائع عن غيره ، فيحنث لايجاده الفعل الذي تعلقت به اليمين

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٥٧٦.

(٢) المبسوط ٦ / ٢٤٣.

٨٧

وهو البيع. وكذا البحث في الشراء.

والالتفات الى أن اطلاق اليمين ينصرف الى البيع عن نفسه عرفا لا عن غيره فلا يحنث ، وهو قوي لاصالة البراءة.

قال رحمه‌الله : اذا حلف لا ركبت دابة العبد ، لم يحنث بركوبها ، لانها ليست له حقيقة ، وان أضيفت إليه فعلى المجاز ، أما لو قال : لا ركبت دابة المكاتب ، حنث بركوبها ، لان تصرف المولى ينقطع عن أمواله ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ من النظر الى أصالتي براءة الذمة وعدم الحنث ، ولان المكاتب وان انقطع تصرف المولى عن أمواله ، فهو عبده ، فلا يحنث بركوب دابته ، اذ ليست له حقيقة بدليل أنه ممنوع من التصرف فيها وفي باقي أمواله ، الا مع مراعات الغبطة.

والالتفات الى أنها وان لم يكن ملكه ، فهي في حكم ملكه ، بدليل أنه هو المتصرف فيها دون سيده ، والسيد لا يملك بيعها ولا هبتها ولا التصرف فيها بوجه من الوجوه ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١).

والحق أنه ان ركب دابة المكاتب المطلق حنث ، وان ركب دابة المكاتب المشروط لم يحنث ، والفرق بينهما أن الاضافة الحقيقية يكفي في تحققها ثبوت الملكية في المضاف ، كلية كانت أو جزئية ، وهذا المعنى متحقق في دابة المكاتب المطلق فيحنث.

وانما قلنا انه متحقق لانه اما أن يؤدي جميع ما عليه أولا ، فان أدى فلا بحث لاستقرار ملكه للجميع حينئذ ، وان لم يؤد الجميع بل البعض فالاضافة متحققة أيضا ، لتحقق الملكية الجزئية.

قال رحمه‌الله : التسري هو وطئ الامة ، وفي اشتراط التحذير نظر.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٤٤.

٨٨

أقول : اختلف العلماء في حقيقة التسري ، فذهب أبو حنيفة ومحمد الى أنه عبارة عن الوطي والتحذير ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) ، محتجا بأن الجارية ضربان : سرية وخادمة ، فاذا حذرها ووطئ فقد ترك الاستخدام وتسرى وقواه في المبسوط ، واختاره المتأخر ، وهو أحد أقوال الشافعي.

وذهب في قوله الثاني الى أنه عبارة عن الوطي فقط ، وذهب في القول الثالث الى أنه عبارة عن الوطي مع الانزال ، وبه قال أبو يوسف ، وهو المذهب عند ، وقواه في المبسوط (٢) أيضا.

اذا عرفت هذا فنقول : منشأ نظر المصنف الالتفات الى أصالتي براءة الذمة وعدم الحنث ، ترك العمل بها في تحنيثه اذا وطئ وحذر ، لانعقاد الاجماع على أنه تسر ، اذ لا خلاف بين هؤلاء طرا أنه لو فعل ذلك كان متسريا ، وانما الخلاف في أنه لو حصل الوطي فقط ، أو الوطي والانزال هل يكون متسريا أم لا؟.

والالتفات الى أن الاحتياط يقتضي تحنيثه مع الوطي فقط ، أما أو لا فلتحصيل البراءة بيقين. وأما ثانيا فلان مع الاختلاف لا يأمن أن يكون الحق في أحد الاقوال لا بعينه ، واذا كفر مع حصول الوطي فقط كان عاملا بالاقوال جميعها ، فيجب عليه سلوك هذه الطريقة ، لقضاء العقل بوجوب سلوك الطريق المأمون دون غيره.

واعلم أن هذه المسألة فرضها الشيخ رحمه‌الله في صورتين : احداهما فيما اذا حلف ألا يتسرى ، ذكر ذلك في الخلاف (٣) الصورة الثانية فيما اذا قال : كل جارية تسريت بها فهي حرة ، ذكر ذلك في المبسوط.

ثم قال : فاذا قال ذلك نظرت ، فان لم يكن له جارية لم يتعلق به حكم ، فان

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٥٨١.

(٢) المبسوط ٦ / ٢٥١.

(٣) الخلاف ٢ / ٥٨١ مسألة ١٠٦.

٨٩

ملك جارية بعد هذا فيسري بها لم يحنث ، بلا خلاف بيننا وبين جماعة ، لانه عقد اليمين قبل وجود الملك ، وان كان له جارية فتسرى بها حنت ، لان العقد والصفة وجدا معا في ملكه كالطلاق (١).

قال رحمه‌الله : ولو أذن المولى لعبده في ايقاع اليمين انعقدت ، فلو حنث باذنه فكفر بالصوم ، لم يكن للمولى منعه ، ولو حنث بغير اذنه كان له منعه ، ولو لم يكن الصوم مضرا ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن صوم العبد تصرف في نفسه ، فلا يسوغ له فعله الا باذن مولاه ، ويكون له منعه منه ، والمقدمتان ظاهرتان ، وهو اختيار الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٢).

والالتفات الى أن الاذن له في ايقاع اليمين يستلزم الاذن له في الصوم مع الحنث ، فيكون له التكفير بالصوم ولا يشرع للمولى منعه.

أما المقدمة الاولى ، فلان الاذن في الشي‌ء اذن في توابع ذلك الشي‌ء ، ولقائل أن يمنع كون الصوم من توابع اليمين ، اذ مقتضاها المنع من الحنث لا وجوب الصيام ، بل هو من توابع الحنث ، وهو غير مأذون فيه ، كما لو أذن له في التزويج فانه يلزمه مهر زوجته ونفقتها ، لانه من توابع النكاح ، ولا شك أن الصوم مع الحنث مع توابع اليمين ، فيكون الاذن فيها اذنا فيه.

وأما المقدمة الثانية فظاهرة وهو الاقوى.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٥١.

(٢) المبسوط ٦ / ٢١٧.

٩٠

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب النذر )

قال رحمه‌الله : وكذا يتوقف نذر المملوك على اذن المالك ، فلو بادر لم ينعقد وان تحرر ، لانه وقع فاسدا ، وان أجاز المالك ففي صحته تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : منشؤه : النظر الى عموم قوله عليه‌السلام « من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصيه » (١) ولان المانع من الانعقاد انما هو عدم اذن السيد في الايقاع ، وهو منتف هنا ، ولان المقتضي للانعقاد موجود والمعارض هنا منتف فيجب القول بالانعقاد.

أما المقتضي فهو اللفظ الصريح الدال على الالتزام بالمنذور الصادر من البالغ العاقل المسلم.

وأما انتفاء المعارض ، فلان المعارض المذكور هنا ليس الا ثبوت سلطنة المولى عليه المقتضية لاستيلائه على منافعه المانعة من الانعقاد ، وهي هنا منتفية ، لوجود الاجازة الدالة على الرضا بذلك النذر.

__________________

(١) عوالى اللئالى ٣ / ٤٤٨.

٩١

والالتفات الى أن النذر ايقاع ، فلا يقع موقوفا كغيره ، والمعتمد الاول.

قال رحمه‌الله : ولو نذر أن يحج ولم يكن له مال ، فحج عن غيره ، أجزأ عنهما على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى الرواية (١) الدالة على الاجزاء ، وقد ذكرناها في كتاب الحج ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٢).

والالتفات الى أن اطلاق نذر الحج ينصرف الى الاتيان به عن نفسه لا عن غيره ، ولان الحج عن الغير مستحق بالاستئجار ، فلا يكون مجزيا عن النذر أيضا أما أولا ، فلاصالة عدم التداخل. وأما ثانيا ، فلاستحالة اجتماع العلل على معلول واحد.

والحق أن نقول : ان قصد الناذر ذلك اجزاء عنهما ، وان أطلق ولم يقصد ذلك لم يجزه الحج عن غيره ووجب عليه الاتيان بالحج عن نفسه.

قال رحمه‌الله : ولا ينعقد نذر الصوم اذا لم يكن ممكنا ، كما لو نذر صوم يوم قدوم زيد لم ينعقد نذره ، سواء قدم ليلا أو نهارا ، أما ليلا فلعدم الشرط ، وأما نهارا فلعدم التمكن من صيام اليوم المنذور ، وفيه وجه آخر.

أقول : ذهب الشيخ في الخلاف (٣) والمبسوط الى أن هذا النذر غير منعقد محتجا بوجهين :

الاول : اصالة براءة الذمة قاضية بعدم الوجوب ، فيتمسك بها الى حين ظهور الناقل.

الثاني : أن صوم هذا اليوم مستحيل ، وكل أمر مستحيل لا يصح نذره ، فهذا

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٣١٥ ، ح ٥٠.

(٢) النهاية ص ٥٦٧.

(٣) الخلاف ٢ / ٥٨٥ مسألة ١٣.

٩٢

لا يصح نذره.

أما الصغرى فلان المسافر اما أن يقدم ليلا أو نهارا ، ودليل الحصر ظاهر ، فان قدم ليلا لم يلزم الصوم أصلا ، لانه لم يوجد الشرط وهو القدوم نهارا ، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء كافة ، وان قدم نهارا لم يلزم الصوم ، لانه حينئذ يكون قد مضى جزء من النهار ، وهو بحكم المفطر ، واذا كان ذلك لم يصح صومه ، لان الصوم لا يتبعض ، لان بعض يوم لا يكون صوما ، وهو اختيار المتأخر أيضا وأحد قولي الشافعي ، واختاره أبو حامد من الجمهور أيضا.

وأما الكبرى فاجماعية ، وذهب الشافعي في القول الثاني الى انعقاد النذر واختاره المزني ، فحينئذ نقول : اما أن يقدم نهارا أو ليلا ، فان قدم ليلا لم يكن الفضاء له ، اذ لم يوجد شرط النذر لكن يستحب. وان قدم نهارا ، فهنا مسائل :

الاول : ورد الخبر بقدومه يوم كذا ، فنوى من ليلة ذلك اليوم أن يصوم غدا عن نذره ، فقدم من غده ، أجزأ صومه ولا قضاء عليه ، لانه قد صامه عن نذره ناويا له من الليل.

الثاني : قدم المسافر والناذر مفطر ، فعليه القضاء ، لانه ما صامه عن نذره.

الثالث : أن يقدم والناذر صائم تطوعا ، فانه يكمل بقية يومه ، ويقضيه اذا لم يثبت منه النذر من الليل. وهذه المسائل ساقطة عنا ، لما بيناه من عدم الانعقاد.

اذا عرفت هذا فنقول : يمكن أن يكون المصنف أشار بقوله « وفيه وجه آخر » الى ما ذكرناه عن الشافعي.

ويحتمل أن يكون أراد بذلك أن المسافر ان قدم قبل الزوال ولم يكن قد تناول الناذر شيئا من المفطرات ، وجب عليه إنشاء نية الصوم عن نذره وأجزأ عنه ، لان وقت نية الصوم يمتد الى الزوال عندنا ، ولهذا يجوز إنشاء النية ما لم يزل الشمس.

هذا في غير صوم رمضان ، فأما صوم رمضان فلا بد من اختصار النية فيه عند أول جزء من الصوم أو نيتها مستمرا علي حكمها.

٩٣

واعلم أن هذا الاحتمال ذكره الشيخ في المبسوط (١) في كتاب الصوم ، وقال في كتاب النذر منه بعد ذكر هذه المسألة بلا فصل : فان فرضنا قدوم زيد مع طلوع الفجر ، لم يجب عليه قضاء أيضا ، لان عند حصول الشرط يجب عليه ، فيحتاج أن ينوي فيما بعد الصوم عما وجب عليه ، وهذا لا يصح هاهنا ، لانه قد مضى جزء من اليوم وهو بحكم المفطر.

وهذا القول يدل على أن نية الصوم لا بدّ من احضارها عند أول جزء الصيام ، أو نيتها مستمرا على حكمها ، والمشهور بين علمائنا الاول.

قال رحمه‌الله : لو نذر الصيام في بلد معين ، قال الشيخ : صام اين شاء ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة من الوجوب ، ترك العمل بها في وجوب الصوم ، للاجماع ، ولعموم النصوص الدالة على وجوب الوفاء بالمنذور فيبقى معمولا بها فيما عداها.

والالتفات الى ان نذر الصيام في بلد معين طاعة ، فيجب الوفاء به ، ولا يجزي الصوم في غيره ، والمقدمتان ظاهرتان ، وهو ظاهر كلام المتأخر في كتاب الصوم.

ولقائل أن يمنع كون المجموع ـ أعني : الصوم وكونه في بلد معين ـ طاعة بل الطاعة انما هي الصوم فقط ، فيجوز ايقاع الصوم حينئذ في أي موضع شاء المكلف.

واعلم أن هذا المنع انما يتمشى اذا لم يكن الموضع الذي قد نذر فيه الصيام من الاماكن المشرفة. أما اذا كان من الاماكن المشرفة ، كالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وما شاكلهما ، فالاقوى ايقاع الصوم في الموضع المنذور.

قال رحمه‌الله : ولو نذر الصلاة في مسجد معين أو مكان معين من المسجد

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٨.

٩٤

لزم ، لانه طاعة. أما لو نذر الصلاة في مكان لا مزيّة فيه للطاعة على غيره ، قيل : لا يلزم ، وتجب الصلاة ويجزي ايقاعها في كل مكان ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ من النظر الى الاصالة الدالة على براءة الذمة من لزوم الصلاة في الموضع المعين ، ولان المنذور يشترط أن يكون طاعة ولا طاعة في الصلاة في هذا المكان ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى عموم قوله تعالى « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ » (١) وعموم قوله عليه‌السلام « من نذر أن يطيع الله فليطعه » (٢) وهو الذي قواه الشيخ أخيرا.

فرعان :

الاول : اعلم أن الشيخ رحمه‌الله قال في المبسوط : اذا نذر أن يصلي ركعتين في أحد هذين المسجدين ، وعنى مسجد النبي عليه‌السلام والاقصى ، انعقد نذره بالصلاة وهل يتعين عليه المكان بالنذر؟ قال قوم : يتعين عليه. وقال قوم : لا يتعين وله ايقاع الصلاة حيث شاء ، والاول أقوى.

واحتج على ذلك بأنه طاعة فيجب الوفاء به ، عملا بالخبر الذي ذكرناه نحن أولا ، ولان أبا سعيد الخدري روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الاقصى ، ومسجدي هذا.

ثم قال : واذ انذر اتيان غيره هذه ، فمسجد الكوفة والبصرة ونحو هذا ، فلا ينعقد نذره. وكذا لو نذر الصلاة فيها ، بل يصلي حيث شاء. ثم قال : ويقوى في نفسي أنه متى نذر الصلاة في هذه المساجد لزمه.

وأقول : والاول أقوى عندي ، عملا بظاهر رواية الخدري.

الثاني : قال رحمه‌الله في المبسوط أيضا : اذا نذر اتيان هذين المسجدين

__________________

(١) سورة النحل : ٩١.

(٢) عوالى اللئالى ٢ / ١٢٣.

٩٥

أعني : مسجد النبي عليه‌السلام والاقصى ، وجب ويلزمه عند الوصول صلاة ركعتين ، لان المقصود بالاتيان الطاعة والقربة ، وانما يحصلان بالصلاة فيه لا بقصده ، ولقائل أن يمنع المقدمة الثانية ، اذ نفس قصد أحدهما طاعة.

قال رحمه‌الله : اذا نذر أن يصوم أول يوم من شهر رمضان ، لم ينعقد نذره لان صيامه مستحق بغير النذر ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن صوم هذا اليوم واجب بأصل الشرع ، فلا يصح نذره أما أولا ، فلاستحالة تحصيل الحاصل. وأما ثانيا فلاشتماله على العيب ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، وأتبعه المتأخر.

والالتفات أنه ربما تحققت في هذا النذر فائدة ، وهو وجوب كفارة خلف النذر مع تعمد المخالفة بالافطار ، فيصح النذر لتحقق هذه الفائدة ، وهو اختيار شيخنا في المختلف (١).

تمت الترددات المذكورة في قسم الايقاعات ، والله المشكور على ما أسبغ من أنعمه السنيات.

__________________

(١) مختلف الشيعة ص ١١١ من كتاب الايمان.

٩٦

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الصيد )

قال رحمه‌الله : ويؤكل ما قتله المعراض اذا خرق.

أقول : المعراض السهم الذي لا ريش فيه ، ذكر ذلك الجوهري في الصحاح (١).

قال رحمه‌الله : اذا عض الكلب صيدا ، كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الاصح.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (٢) الى أن موضع العضة ليس بنجس ، فلا يجب غسله ، مستدلا بقوله تعالى « فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ » (٣) فأباح تعالى الاكل ولم يأمر بالغسل ، ولان الاخبار كلها دالة على ذلك ، اذ لم يؤمر فيها بغسل الموضع ، وهو أحد قولي الشافعي.

والحق الوجوب ، وهو اختيار المتأخر ، والقول الثاني للشافعي.

لنا ـ أنه نجس فيجب غسل الموضع الذي لاقاه بفمه ، أو غيره من سائر جسده

__________________

(١) صحاح اللغة ٣ / ١٠٨٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٥١٧.

(٣) سورة المائدة : ٤.

٩٧

والمقدمتان ظاهرتان اجماعيتان عندنا ، والآيات والاخبار متروكتا (١) الظاهر ، للاجماع المقدم ذكره. وقال في المبسوط : القول بعدم التنجيس أقوى ، والثاني أحوط (٢).

قال رحمه‌الله في فصل الذباحة : فان نحر المذبوح أو ذبح المنحور فمات لم يحل أكله. ولو أدرك ذكاته فذكى حل ، وفيه تردد ، اذ لا استقرار للحياة بعد الذبح أو النحر.

أقول : منشؤه : النظر الى أصل الاباحة ، ولان المقضي للاباحة وهو التذكية موجود ، فيحكم بها عملا بالمقتضي ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٣) ، وأتبعه المتأخر.

والالتفات الى أن التحليل حكم شرعي ، فيقف ثبوته على الدليل الشرعي ، ولم يوجد دليل دال على تحليل المنحور اذا ذبح أو المذبوح اذا نحر ، والتذكية انما تؤثر الاباحة اذا صادفت محلا قابلا لها ، وهو غير موجود هنا ، اذ المحل القابل انما هو ذو الحياة المستقرة اجماعا ، ونحن نمنع استقرار الحياة مع الذبح أو النحر ، وهو ظاهر كلام الشيخ في الخلاف (٤).

قال رحمه‌الله : وتكره الذباحة ليلا إلا مع الضرورة ، وبالنهار يوم الجمعة قبل الزوال ، وأن ينخع الذبيحة.

أقول : المراد بالنخع هنا ابانة الرأس من الجسد وقطع النخاع ، وهو الخيط الابيض الذي في جوف الفقار ، وهي منظومة فيه ، وهي من الرقبة ممدود عجب الذنب ، هذا تفسير الشيخ رحمه‌الله وابن ادريس.

__________________

(١) فى « س » : متركتى.

(٢) المبسوط ٦ / ٢٥٩.

(٣) النهاية ص ٥٨٣.

(٤) الخلاف ٢ / ٥٢٩.

٩٨

وقال الجوهري : يقال ذبحه فنخعه ، أي : جاوز منتهى الذبح الى النخاع ، ومنه دابة منخوعة (١).

قال رحمه‌الله : ذكاة الجنين ذكاة أمه ان تمت خلقته ، وقيل : ولم تلجه الروح ولو ولجته ، لم يكن بد من تذكيته ، وفيه اشكال. ولو لم يتم خلقته لم يحل أصلا ومع الشرطين يحل بذكاة أمه. وقيل : لو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله ، والاول أشبه.

أقول : قال الشيخ رحمه‌الله في النهاية : واذا ذبح شاة أو غيرها ، ثم وجد في بطنها جنين ، فان كان قد أشعر أو أوبر ولم يلجه الروح فذكاته ذكاة أمه. وان لم يكن تاما لم يحل أكله على حال ، وان كان فيه روح وجب تذكيته ، والا فلا يجوز أكله (٢). وتبعه ابن ادريس.

وبمضمونه قال في الخلاف (٣) والمبسوط ، الا أنه قال في المبسوط : وان خرج حيا نظرت ، فان عاش بقدر ما لا يتسع الزمان لذبحه فهو حلال ، وان عاش ما يتسع الزمان لذبحه ثم مات قبل الذبح فهو حرام ، سواء تعذر ذبحه لتعذر الآلة أو لغيرها (٤). وهو مذهب الشافعي وجماعة من قدماء الجمهور.

وقال المصنف في نكت النهاية حيث سئل هل أراد الشيخ رحمه‌الله بقوله « ولم يلجه الروح » أصلا أم وقت خروجه لم يكن فيه روح؟ وبما ذا يكون (٥) تاما؟ هل بعدم الاشعار أم بشي‌ء آخر؟ أراد بالذي ليس بتام ما لم يكن أشعر أو أوبر ،

__________________

(١) صحاح اللغة ٣ / ١٢٨٨.

(٢) النهاية ص ٥٨٤ ـ ٥٨٥.

(٣) الخلاف ٢ / ٥٤٢.

(٤) المبسوط ٦ / ٢٨٢.

(٥) فى « م » : لا يكون.

٩٩

وأراد عدم ولوج الروح فيه أصلا ، بحيث لو ولجته الروح فيه أصلا ، بحيث لو ولجته الروح في جوف أمه لم يحل ما لم يذك.

ثم قال : هذا مقصوده رحمه‌الله في كتبه كلها ، وتابعه المتأخرون على ذلك ، وعندي هذا في موضع المنع.

أما اشتراط تمام الخلقة ، فانا نسلمه اتفاقا ، ولرواية محمد بن مسلم عن أحدهما (١) ، ورواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) ، ورواية جراح المدائني عنه عليه‌السلام (٣) ، ورواية ابن مسكان عن أبي جعفر عليه‌السلام (٤).

وأما اشتراط عدم ايلاج الروح مع اشتراط الاشعار والايبار ، فبعيد. أما أولا فلعدم النقل ، وأما ثانيا فلقضاء العادة بخلافه. وما قاله المصنف سديد في موضعه.

قال رحمه‌الله : الثاني ـ الحشرات ، كالفأر وابن عرس والضب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، أشبهه أنه لا يقع.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الوقوع حكم من أحكام الشريعة ، فيقف ثبوته على الخطاب الشرعي ، وهو مفقود هنا.

والالتفات الى أنها طاهرة ، فيصح ذكاته. وانما كان عدم الوقوع أشبه ، لان ذبح الحيوان محظور الا بالشرع ، لما فيه من التعذيب المستقبح عقلا ولا شرع هنا.

قال رحمه‌الله : الرابع ـ السباع ، كالاسد والنمر والفهد والثعلب ، ففي وقوع الذكاة عليها تردد ، والوقوع أشبه.

أقول : ينشأ : من النظر الى ما ذكرناه في التردد السابق على هذا بلا فصل. وانما كان الوقوع هنا أشبه ، لما في تسويغه من المنفعة المقصودة للعقلاء ، وهي

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٥٨ ، ح ٢٤٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٥٩ ، ح ٢٤٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ٥٩ ، ح ٢٤٥.

(٤) تهذيب الاحكام ٩ / ٥٨ ، ح ٢٤٣ ، وفيه ابن سنان.

١٠٠