إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ٢

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠٠
الجزء ١ الجزء ٢

الانتفاع بجلود ما ذكرناه : أما مع الذكاة فقط ، أو مع الدبغ أيضا على الخلاف.

قال رحمه‌الله : ولو اتخذ موحلة للصيد ، فنشب بحيث لا يمكنه التخلص ، لم يملكه بذلك ، لانها ليست آلة معتادة ، وفيه تردد.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن الموحلة ليست آلة في العادة ، فلا يحصل بها ملك الصيد ، بل يفيد الاولوية ، فان تخطاها أحد وأخذ الصيد ملكه وان كان مسيئا وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى ان اتخاذ الموحلة للصيد يجري مجرى الحيازة يملك بها الصيد اذ هو مباح والمباح يملك بالحيازة ، ولان ذلك يسمى آلة لغة.

قال رحمه‌الله : ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له ، أو في مضيق لا يتعذر قبضه ملكه ، وفيه أيضا اشكال ، ولعل الاشبه أنه لا يملك هنا الا مع القبض باليد أو الآلة.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن ذلك ليس آلة معتادة للاصطياد ، ولان الملك حكم شرعي فيقف على موضع الدلالة ، وحيث لا دلالة فلا حكم.

والالتفات الى أن ذلك حيازة فيقع به الملك. وانما كان عدم الملك أشبه ، لدلالة الاصل عليه.

قال رحمه‌الله : ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه ، فان نوى اطلاقه وقطع نيته عن ملكه ، هل يملكه غيره باصطياده؟ الاشبه لا ، لانه لا يخرج عن ملكه بنية الاخراج ، وقيل : يخرج ، كما لو وقع منه شي‌ء حقير فأهمله ، فانه يكون كالمبيح له ، ولعل بين الحالين فرقا.

أقول : أشار بالفرق الى أن الاهمال هنا انما أفاد الاباحة على تقدير تسليمها ، وهو غير المتنازع فيه ، اذ النزاع انما وقع في افادة الملك وهو غير الاباحة.

قال رحمه‌الله في كتاب الاطعمة والاشربة : الاول ـ في حيوان البحر ، ولا يؤكل منه الا ما كان سمكا له فلس ، سواء بقي عليه كالشبوط والبياح ، أو لم يبق كالكنعت.

أقول : الكنعت ضرب من السمك ، ويقال أيضا : كنعد بالدال غير المعجمة ،

١٠١

نقل ذلك المتأخر في كتابه.

قال رحمه‌الله : ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية فهو حرام.

أقول : المراد بالصيصية هنا الجارحة من كف الطائر ، فانها بمنزلة الابهام من بني آدم ، وكل ما يحصن به صيصة بغير همز ، لانها مشتقة من الصياص ، وهي الحصون ، وقد يراد بها القرون أيضا ، ذكر ذلك جميعه المتأخر.

قال رحمه‌الله : المحرمات من الذبيحة خمسة : الطحال ، والقضيب ، والفرث ، والدم ، والانثيان ، وفي المثانة والمرارة والمشيمة تردد ، أشبهة التحريم لما فيها من الاستخباث.

أقول : منشؤه : النظر الى قضاء الاصالة بالإباحة ، وهو خيرة شيخنا المفيد وسلار.

والالتفات الى أن هذه الاشياء مستخبثة عرفا ، فتكون محرمة شرعا. أما المقدمة الاولى ، فظاهرة لكونها وجدانية.

وأما الكبرى ، فلقوله عليه‌السلام « كل ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن » (١) ولا شك أن استخباث هذه الاشياء حسن عند المسلمين ، فيكون حسنا عند الله تعالى ، عملا بظاهر الخبر ، وهو المراد بالتحريم هنا ، وهو اختيار الشيخ وأتباعه.

والمثانة بالثاء المنقطة بثلاث نقط موضع البول ومخففة ، ذكر ذلك الجوهري (٢) والمتأخر.

والمشيمة الغرس وأصلها مفعلة فسكنت الياء والجمع مشائم على مثال معايش ، ذكر ذلك الجوهري في صحاحه (٣). وعنى بالغرس بكسر الغين ما

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٣٨١.

(٢) صحاح اللغة ٦ / ٢٢٠٠.

(٣) صحاح اللغة ٥ / ١٩٦٣.

١٠٢

يخرج مع الولد كأنه مخاط ويقال : جليدة يكون على وجه الفصيل ساعة يولد فان تركت قتلته. قال الراجز :

يتركن في كل مناخ أبس

كل جنين مشعر في غرس (١)

قال رحمه‌الله : أما الفرج والنخاع والعلباء والغدد وذات الاشاجع ـ الى آخره.

أقول : قد مر تفسير النخاع ، وفيه لغتان : ضم النون وكسرها ، ومن العرب من يفتحها أيضا.

والعلباء بكسر العين عصبتان عريضتان صفراوان ممدودان من الرقبة على الظهر الى عجب الذنب.

والاشاجع أصول الاصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف ، الواحد أشجع ، قال لبيد :

وأنه يدخل فيها إصبعه

يدخلها حتى تواري أشجعه

قال الجوهري : وناس يزعمون أنه اشجع مثال اصبع ، ولم يعرفه أبو الغوث (٢).

قال رحمه‌الله : القسم الخامس في المائعات ، والمحرم منها خمسة : الخمر وكل مسكر كالنبيذ والبتع والفضيخ ، والنقيع والمزر.

أقول : البتع بكسر الباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة وسكون التاء المنقطة من فوقها بنقطتين شراب يتخذ من العسل.

والنقيع : شراب يتخذ من الزبيب. والمزر : شراب من الذرة. وأما الفضيخ ، فهو شراب يتخذ من تمر وسر ، ويقال : هو أسرع ادراكا.

__________________

(١) صحاح اللغة ٢ / ٩٥٢.

(٢) صحاح اللغة ٣ / ١٢٣٦.

١٠٣

قال رحمه‌الله : ودواخن الاعيان النجسة عندنا طاهرة ، وكذا كل ما أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا على تردد.

أقول : ينشأ : من النظر الى أن ايجاب الاصحاب الاستصباح بالدهن النجس تحت السماء دون الظلال يؤذن بنجاسة دخان الاعيان النجسة ورمادها ، وهو أصح وجهي الشافعي.

والالتفات الى أن الاصحاب رووا جواز السجود على جص أو قد عليه بالنجاسات ، وذلك يدل على أن دواخن الاعيان النجسة ورمادها ظاهران ، والا لزم السجود على النجس ، وهو باطل اجماعا ، وهذا الدليل عول عليه الشيخ في المبسوط (١) والمتأخر.

واحتج في الخلاف (٢) بأصالتي الطهارة وبراءة الذمة ، وبأن الحكم بالنجاسة وشغل الذمة يحتاج الى دليل ، ولقائل أن يمنع جواز السجود على الجص ، فيسقط حينئذ الاستدلال به.

ونمنع دلالة ايجاب الاستصباح بالنجس تحت السماء فحسب على النجاسة ولم لا يقال ان ذلك تعبد شرعي تعبدنا به؟ كما هو مذهب ابن ادريس والمصنف أو نمنع وجوب الاستصباح به تحت السماء دون السقف ، بل هو جائز ، أي : الاستصباح به تحت الظلال على كراهية ، كما هو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) ، وبالجملة فتردد المصنف هنا ضعيف بالمرة.

قال رحمه‌الله : لا يجوز أن يأكل الانسان من مال غيره الا باذنه ، وقد رخص مع عدم الاذن في التناول من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم منه الكراهية ،

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٨٣.

(٢) الخلاف ٢ / ٥٤٤ مسألة ٢٠.

(٣) المبسوط ٦ / ٢٨٣.

١٠٤

ولا يحمل منه ، وكذا ما يمر به الانسان من النخل ، وكذا الزرع والشجر على تردد.

أقول : ينشأ من النظر الى أن جواز ذلك في النخل ثبت على خلاف مقتضى الدليل ، للاجماع والنص ، فيبقى الباقي من الزرع والشجر على أصالة التحريم ، وهو اختيار الشيخ في الحائريات.

والالتفات الى الروايتين المرويتين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) دالتان على جواز الاكل من جميع ذلك ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢) والخلاف (٣) وكتابي الاخبار ، واختاره المتأخر ، الا أن المتأخر جوز التناول ما لم ينه المالك ، والشيخ أطلق القول بالجواز وخص الجواز في النهاية (٤) بالفواكه.

واعلم أنه قد روى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام ما يضاد ذلك ظاهرا قال : سألته عن الرجل يمر بالثمرة من النخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر ، أيحل أن يتناول ويأكل بغير اذن صاحبه؟ وكيف حاله ان نهاه صاحب الثمرة؟ وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال : لا يحل له أن يأخذ منه شيئا (٥). وحمل الشيخ ذلك على النهي عن الاخذ دون الاكل.

قال رحمه‌الله في أحكام المضطر : ولو وجد ميتة وطعام الغير ـ الى قوله : فان كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمنع أكل الطعام وضمنه ولم تحل الميتة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الضرورة المبيحة لاكل الميتة منفية هنا ، فلا

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٨٣.

(٢) المبسوط ٦ / ٢٨٨.

(٣) الخلاف ٢ / ٥٤٦.

(٤) النهاية ص ٤١٧.

(٥) تهذيب الاحكام ٧ / ٩٢ ، ح ٣٥.

١٠٥

يسوغ له أكلها ، وانما قلنا انها منفية لانه قادر على أكل طعام مستطاب حلالا ، بأن يقومه على نفسه ويؤدي ثمن مثله فيجب عليه ، وهو الذي قواه الشيخ في المبسوط (١).

والالتفات الى عموم النهي عن التصرف في مال الغير ، ترك العمل به في ما اذا لم يجد الاطعام الغير فقط ، للاجماع عليه ، ولتحقق الاضطرار إليه ، وحصول الضرر العظيم مع تركه ، فيبقى معمولا به فيما عداه ، وهو الاقوى.

__________________

(١) المبسوط ٦ / ٢٨٧.

١٠٦

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الغصب )

قال رحمه‌الله : ولو استخدم الحر لزمته الاجرة. ولو حبس صانعا لم يضمن أجرته ما لم ينتفع به ، لان منافعه في قبضته. ولو استأجره لعمل ، فاعتقله ولم يستعمله فيه تردد ، والاقرب أن الاجرة لا تستقر لمثل ما قلناه.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة من الاجرة ، ولان المنافع انما تضمن بالغصب ولا غصب هنا.

والالتفات الى أن عقد الاجارة اقتضى وجوب الاجرة للاجير على المستأجر كما اقتضى وجوب العمل للمستأجر عليه من أول زمان الامكان ، فاذا لم يستعمله في ذلك الزمان استقرت عليه الاجرة لتفريطه.

قال رحمه‌الله : ويضمن الخمر بالقيمة عند المستحل لا بالمثل ، ولو كان المتلف ذميا على ذمي ، وفي هذا تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الخمر من ذوات الامثال ، ونعني بالمثلي ما يتساوى أجزاؤه قيمة فيضمن بالمثل. أما المقدمة الاولى ، فظاهرة مع معرفة تفسير المثلي.

١٠٧

وأما المقدمة الثانية ، فاجماعية ولقوله تعالى « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » (١) ولان المقتضي للضمان بالمثل موجود والمعارض مفقود ، فيجب القول بضمان المثل.

أما المقتضي للضمان بالمثل ، فهو تلف العين المغصوبة التي من ذوات الامثال ولا شك في وجوده هنا.

وأما المعارض ، فهو عدم ملكية الخمر المانع من أدائها بدلا ، وذلك انما يتأتى في حق المسلم ، أما الذمي فلا ، وهو مذهب أبي حنيفة.

والالتفات الى أنه قول مشهور لعلمائنا ، فيجب تلقيه بالقبول ، اذ الكثرة أمارة الرجحان ، خصوصا وقد استدل الشيخ في الخلاف (٢) عليه باجماع الفرقة وأخبارهم.

فرع :

قال الطحاوي : لو أسلم المتلف وكان ذميا قبل أن يؤخذ منه مثل الخمر سقط عن ذمته. وهذا انما يتأتى على القول الاول. أما على قول الشيخ فلا ، بل تجب القيمة سواء أسلم المتلف أولا. ولما كان هذا الدليل ضعيفا ، لا جرم كان القول الاول أقوى.

قال رحمه‌الله : لو غصب شاة فمات ولدها جوعا ، ففي الضمان تردد. وكذا لو حبس مالك الماشية عن حراستها فاتفق تلفها. وكذا التردد لو غصب دابة فتبعها الولد.

أقول : منشأ التردد في هذه المسائل الثلاث من النظر الى أصالة براءة الذمة وهي دليل قطعي ، فيتمسك بها الى حين ظهور الدليل الناقل عنها ، وهو غير موجود هنا.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

(٢) الخلاف ١ / ٦٧٩ ، مسألة ٢٨ من كتاب الغصب.

١٠٨

ومن الالتفات الى أن سبب الاتلاف في هذه الصور صدر منه ، فيلزم الضمان ولعله الاقوى.

قال رحمه‌الله : أما لو فتح رأس الظرف ، فقلبته الريح أو ذاب بالشمس ، ففي الضمان تردد ، ولعل الاشبه أنه لا يضمن ، لان الريح والشمس كالمباشر ، فيبطل حكم السبب.

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة البراءة ، ولان الريح والشمس مستقلان بالاتلاف هنا ، فينتفي الضمان عنه ، بدليل أن المباشر للتلف أولى بالضمان من ذي السبب ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

والالتفات الى أن المباشر هنا ضعيف ، فيبطل حكمه ، والاول أقوى.

فائدة :

قال الشيخ في المبسوط : أصل هذا الباب وما في معناه كل من فعل فعلا بيده كان الضمان عليه ، كما لو باشر القتل وان كان بسبب ، فان كان مباحا كمن حفر بئرا فوقع فيها انسان في ظلمة كان عليه الضمان ، وان حصل منه سبب وحدث بعده فعل سقط حكم السبب ، ثم ينظر في المباشر ، فما يتعلق به الضمان ضمن ، كالحافر والدافع والممسك والذابح ، وان كان مما لا يضمن فعله سقط حكمه ، كالطائر بعد وقوفه عندهم ، وقد قلنا ما عندنا فيه (٢).

قال رحمه‌الله : وان لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم غصبه ، وهو اختيار الاكثر. وقال في الخلاف : يضمن أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف ، وهو حسن. ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك على تردد.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) المبسوط ٣ / ٩٠.

١٠٩

أقول : منشؤه : النظر الى أصالة براءة الذمة ، ترك العمل بها في صورة الزامه بالقيمة يوم غصبه ، أو أعلى القيم من حين يوم الغصب الى حين التلف ، فيبقى معمولا بها فيما عداها ، وهو خيرة الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١).

والالتفات الى أن الغاصب مأمور برد المغصوب في كل زمان يأتي عليه وهو في يده ، واذا ثبت أنه مأمور بذلك في كل أوان وجب عليه أعلى القيم من حين الغصب الى حين الرد ، ولان الغصب عقوبة وايجاب أعلى القيم مناسب لتلك العقوبة.

قال رحمه‌الله : وكل جناية [ ديتها ] مقدرة في الحر ، فهي مقدرة في المملوك بحساب قيمته ، وما ليست مقدرة في الحر ففيها الحكومة. ولو قيل : يلزم الغاصب أكثر الامرين من المقدر والارش ، كان حسنا.

أقول : القول الاول للشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٢) والخلاف (٣) ، واحتج عليه في الخلاف باجماع الفرقة وأخبارهم ، وأتبعه المتأخر ، ويؤيده الاصالة.

والقول الثاني للمصنف رحمه‌الله ، وربما كان أشبه لما فيه من تغليظ العقوبة على الغاصب.

قال رحمه‌الله : ولو استغرقت قيمته ، قال الشيخ رحمه‌الله : كان المالك مخيرا بين تسليمه وأخذ القيمة وبين امساكه ولا شي‌ء له ، تسوية بين الغاصب في الجناية وغيره ، وفيه التردد.

أقول : ايجاب القيمة مع تسليمه إليه للاجماع ، فيبقى معمولا بها فيما عداها

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٦٠.

(٢) المبسوط ٣ / ٦٢.

(٣) الخلاف ١ / ٦٧٢.

١١٠

وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) ، محتجا باجماع الفرقة وأخبارهم.

والالتفات الى أن تغليظ العقوبة يقتضي الزامه بأرش الجناية مع رد المملوك الى سيده.

قال رحمه‌الله : ولو غصب شيئين ينقص قيمة كل واحد منهما اذا انفرد عن صاحبه كالخفين ـ الى قوله : أما لو أخذ فردا من خفين يساويان عشرة ، فتلف في يده وبقي الاخر في يد المالك ناقصا عن قيمته بسبب الانفراد ، رد قيمة التالف ان لو كان منضما الى صاحبه ، وفي ضمان ما نقص من قيمة الاخر تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن أصالة براءة الذمة تنفي وجوب ذلك ، ولان سبب الضمان في هذه الصورة انما هو تلف المغصوب أو الغصب ، وهو مفقود هنا اذ المغصوب انما هو التالف دون غيره ، بخلاف ما لو غصبها معا ، وهو قوي.

والالتفات الى أن التفرقة جناية منه ، فيلزم ما نقص بها ، وهو ظاهر كلام الشيخ والمتأخر.

قال رحمه‌الله : ولو أغلا الزيت فنقص ضمن النقصان ، ولو أغلا عصيرا فنقص وزنه ، قال الشيخ : لا يلزمه ضمان النقيصة ، لانها نقيصة الرطوبة التي لا قيمة لها بخلاف الاولى ، وفي الفرق تردد.

أقول : اعلم أن الشيخ رحمه‌الله فرق في المبسوط (٣) بين المسألة الاولى وهذه بأن النار لا يفقد أجزاء الزيت ، فاذا ذهب بعض العين كان كالمتلف للزيت عينه وذاته ، فلهذا كان عليه ما نقص ، وليس كذلك العصير لان فيه ماء ، فالنار يأكل منه الماء وبعض الاجزاء ، ألا تراه يثخن ويزيد حلاوته ، فكأن الذي ذهب منه لا قيمة له ، فلهذا لم يضمن نقصان الكيل.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٦٤.

(٢) الخلاف ١ / ٦٧٣.

(٣) المبسوط ٣ / ٨١.

١١١

والمصنف رحمه‌الله منع الفرق بين الصورتين ، اذ هما متساويتان ، فيخصص احداهما بحكم ليس للاخرى ترجيح من غير مرجع. قوله « ألا تراه يثخن ويزيد حلاوته » قلنا : وكذلك الزيت يثخن.

قال رحمه‌الله : ولو أولدها المشتري كان حرا وعزم قيمة الولد ويرجع بها على البائع ، وقيل في هذه : له مطالبة أيهما شاء ، لكن لو طالب المشتري رجع على البائع ، ولو طالب البائع لم يرجع على المشتري ، وفيه احتمال آخر.

أقول : القائل هو الشيخ رحمه‌الله في المبسوط قال : أما المشتري فلانه وجب بفعله ، وأما البائع الغاصب فلانه سبب يد المشتري (١). والمتأخر قصر الرجوع على المشتري فقط لانه مباشر ، وهو ضعيف بغرور البائع اياه ، فيكون السبب أقوى ، ويجي‌ء على قول هذا القول الزام الغاصب البائع فقط.

وأما الاحتمال الذي أشار المصنف رحمه‌الله إليه فهو ما ذكر الشيخ رحمه‌الله والمتأخر ، من أنه اذا رجع المالك على البائع الغاصب ، فكل موضع قلنا لو رجع على المشتري رجع به المشتري على الغاصب ، كما يغرمه فيما لم يحصل له في مقابلته يقع كالولد ، فالغاصب هنا لا يرجع بشي‌ء ، وكل موضع قلنا لو رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب ، كما يغرمه في ما حصل له في مقابلته نفع فالغاصب هنا يرجع على المشتري لاستقرار الضمان عليه.

قال رحمه‌الله : اذا غصب مملوكة فوطأها ـ الى قوله : ولو سقط ميتا قال الشيخ رحمه‌الله : لم يضمنه ، لعدم العلم بحياته ، وفيه اشكال ينشأ من تضمين الاجنبي ، وفرق الشيخ بين وقوعه بالجناية وبين وقوعه بغير الجناية.

أقول : اعلم أن الشيخ رحمه‌الله ذكر ذلك في المبسوط (٢) ، محتجا بوجهين :

__________________

(١) المبسوط ٣ / ٦٨.

(٢) المبسوط ٣ / ٦٦.

١١٢

الاول : أن الموجب لضمان قيمة الولد هنا انما هو الحيلولة بين مولى الامة وبين التصرف فيه ، والحيلولة انما يتحقق أن لو وضعته حيا ، أما ميتا فلا ، لانا نعلم حياته قبل هذا.

الثاني : أصالة البراءة تنفي وجوب أداء القيمة مطلقا ، ترك العمل بها في صورة وضعه حيا ، للاجماع على ذلك ، فيبقى معمولا بها فيما عداه.

والمصنف استشكل ذلك ، ومنشأ اشكاله أن القول بتضمين الاجنبي القاؤها الجنين ميتا مع ضربه بطنها ، يقتضي وجوب الضمان مطلقا ، لان السبب المقتضي للضمان هناك انما هو القاء جنين بظن حياته ، وهذا المعنى بعينه موجود في صورة ما اذا وضعته ميتا من غير ضربه ، فيجب القول بضمان قيمته أن لو سقط حيا عملا بالمقتضي.

والشيخ رحمه‌الله فرق بين هذه الصورة والاولى ، بأنها لما ألقته عقيب الضرب كان الظاهر أنه سقط بحياته ، وليس كذلك اذا وضعته ميتا من غير ضرب ، لان الاصل الموت حتى يعلم غيره ، ولعله الاقرب.

قال رحمه‌الله : ولو كان الغاصب والامة عالمين بالتحريم ـ الى قوله : ولو مات ولدها في يد الغاصب ضمنه ، ولو وضعته ميتا قيل : لا يضمن ، لانا لا نعلم حياته قبل ذلك ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : ما ذكر في الاشكال السابق على هذا بلا فصل.

١١٣

فصل

( فى ذكر الترددات المذكورة فى كتاب الشفعة )

قال رحمه‌الله : وفي ثبوت الشفعة في النهر والطريق والحمام وما تضر قسمته تردد ، أشبهه أنها لا تثبت.

أقول : منشؤه : النظر الى أن ثبوت الشفعة على خلاف مقتضى الدليل ، لما فيها من منع المالك من التصرف في ملكه ، فلا يحكم بثبوتها الا لدليل أقوى ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف ، محتجا بما رواه أبو هريرة وجابر أن النبي عليه‌السلام أنه قال : الشفعة في كل ما لم يقسم ، فاذا وقعت الحدود وصرفت الحدود فلا شفعة.

قال : فوجه الدلالة أنه ذكر الشفعة بالالف واللام وهما للجنس ، فكان تقدير الكلام : جنس الشفعة فيما لم يقسم. يعني ما يصح قسمته شرعا وما لا يصح قسمته لا يدخل تحته ، وبأن اثبات الشفعة حكم شرعي ، فيفتقر الى الدليل الشرعي ، وبقوله عليه‌السلام « انما الشفعة فيما لم يقسم » ولفظة « انما » تفيد معنى « لا » فكأنه قال : لا شفعة فيما لم يقسم.

فاذا ثبت هذا فان تقدير الدلالة أن قوله « فيما لم يقسم » يفيد ما يقسم الا أنه لم

١١٤

يفعل فيه القسمة ، لانه لا يقال فيما لم يقسم ، وانما يقال فيما لا يقسم : ما لم ، وانما يقال فيه القسمة ، فلما قال « فيما لم يقسم » دل على ما قلناه (١).

وأقول : انما كان كذلك ، لان لفظة « لم » يفيد نفي الماضي ، فلهذا يصح دخولها على ما يصح قسمته ، وفي معناها « لما » وأما لفظة « لا » فانها يفيد نفي الابد ، فلهذا صح دخولها على ما لا يصح قسمته شرعا ، وفي معناها « الا » وهو اختياره في المبسوط (٢) وفي موضع من النهاية (٣) ومذهب الشافعي ومالك وربيعة ، وبه قال عثمان بن عفان.

والالتفات الى أن الشفعة انما شرعت لازالة الضرر عن الشفيع الحاصل بالشركة ، وهذا المعنى متحقق في سائر المبيعات المشتركة ، فيجب القول بثبوت الشفعة فيها عملا بالمقتضي ، وهو اختيار المتأخر ، ونقله عن السيد المرتضى وغيره من المشيخة ، واختاره الشيخ في الموضع الثاني من النهاية.

قال رحمه‌الله : وفي دخول الدولاب والناعورة في الشفعة اذا بيع مع الارض تردد ، اذ ليس من عادته أن ينقل.

أقول : ينشأ من النظر الى أن الدولاب والناعورة مما يمكن نقله ، فلا يثبت فيه الشفعة ، للدليل الدال على انتفاء الشفعة عن المبيعات المنقولة.

والالتفات الى أن ذلك لا ينقل عادة ، وان كان ممكنا ، فيثبت فيه الشفعة للدليل الدال على ثبوت الشفعة في هذا النوع من المبيعات.

واعلم أن هذا التردد انما يتمشى على قول من لا يثبت الشفعة في المنقولات ، أما على القول بعموم الشفعة في المبيعات فلا.

__________________

(١) الخلاف ١ / ٦٩٠ مسألة ١٦.

(٢) المبسوط ٣ / ١١٩.

(٣) النهاية ص ٤٢٤.

١١٥

قال رحمه‌الله : فروع على القول بثبوت الشفعة مع كثرة الشفعاء وهي عشرة : الاول ـ لو كان الشفعاء أربعة ، فباع أحدهم وعفى الاخر ، فللآخرين أخذ المبيع. ولو اقتصر في الاخذ على حقهما لم يكن لهما ، لان الشفعة لازالة الضرر ، وبأخذ البعض يتأكد.

أقول : هذا التعليل غير واضح ، بل الحق أن يقال : انما منعا من ذلك لما فيه من الاضرار بالمشتري ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (١) ، اذ الاضرار لا يتحقق هنا على تقدير تجويز أخذ حقهما فقط الا بالمشتري ، أما بهما فلا ، ولو أمكن تحققه لا يندفع (٢) باختيارهما.

والظاهر أن مراد المصنف بالضرر هنا ضرر الشفعاء ، ولا جرم أن يأخذ بعض المشفوع يتأكد ضررهما ، باعتبار ثبوت حق للمشتري بسبب الحصة المتخلفة ، فيمنعان من ذلك ، اذ هو سفه ، كما لو اتفقا على قسمة اللؤلؤة والجوهرة ، فان الحاكم يمنعهما لازالة الضرر عنهما.

قال رحمه‌الله : لو قال الحاضر : لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته لان التأخير لغرض لا يتضمن الترك ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن حق الشفعة يجب المطالبة به على الفور ، فيسقط بكل ما يعد تقصيرا وتوانيا ، ولا شك أن تأخير الاخذ مع التمكن منه توان فيسقط به.

والالتفات الى أن التأخير هنا لعذر ، فلا يبطل به الشفعة ، وهذا الذي قواه الشيخ في المبسوط (٣).

__________________

(١) المبسوط ٣ / ١١٤.

(٢) فى « م » : لا يدفع.

(٣) المبسوط ٣ / ١١٥.

١١٦

واعلم أن هذا التردد انما يتأتى على قول من يقول : ان حق الشفعة على الفور ، وهو الشيخ رحمه‌الله وأتباعه. أما على قول من لا يقول بذلك ـ وهو السيد المرتضى قدس الله روحه وأتبعه المتأخر ـ فلا اشكال في عدم البطلان.

قال رحمه‌الله : اذا كانت الارض مشغولة بزرع يجب تبقيته ، فالشفيع بالخيار بين الاخذ بالشفعة في الحال وبين الصبر حتى يحصد ، لان له في ذلك غرضا ، وهو الانتفاع بالمال ، وتعذر الانتفاع بالارض المشغولة ، وفي جواز التأخير مع بقاء الشفعة تردد.

أقول : منشؤه : ما ذكر في التردد السابق عليه بلا فصل.

قال رحمه‌الله : الشفعة تورث كالمال ، فلو ترك زوجة وولدا ، فللزوجة الثمن وللولد الباقي. ولو عفا أحد الوراث عن نصيبه لم يسقط ، وكان لمن لم يعف أن يأخذ الجميع ، وفيه تردد ضعيف.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الوراث يقومون مقام ورثهم. ولو عفا المورث عن بعض ، سقطت الشفعة كلها اجماعا ، فتسقط الشفعة كلها هنا بعفو أحد الوراث عن نصيبه تحقيقا للمشابهة.

والالتفات الى أنها شفعة لعدة من الشركاء ، فلا تسقط بعفو البعض ، كما لو وجب لهم بالبيع. وأما المورث فالمستحق واحد ، فاذا عفا عن نصف حقه سقط كله ، بخلاف هذه الصورة ، فان الشريك هنا انما عفا عن كل حقه ، فلهذا لم يسقط حق شريكه ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١) ، ولهذا كان التردد ضعيفا.

قال رحمه‌الله : إذا تبايعا شقصا ، فضمن الشفيع الدرك عن البائع ، أو عن المشتري ، أو شرط المتبايعان الخيار للشفيع ، لم تسقط بذلك الشفعة ، وكذا لو كان وكيلا لاحدهما ، وفيه تردد لما فيه من أمارة الرضا بالبيع.

__________________

(١) المبسوط ٣ / ١١٣.

١١٧

أقول : منشؤه : النظر الى عدم التنافي بين ثبوت الشفعة هنا وصحة هذه الاحكام وهو اختيار الشيخ في الخلاف (١) ، محتجا على الجواز بعدم المانع منه ، وعلى عدم السقوط بعدم الدليل الدال عليه ، وهو مذهب الشافعي ، واختاره المتأخر في الوكالة خاصة.

والالتفات الى أن ذلك دلالة على الرضا بالبيع ، فتسقط الشفعة كما لو رضي بالبيع ولان البيع انما يتم به ، كما اذا باع بعض حقه لم يجب الشفعة على المشتري وبه قال أهل العراق.

قال رحمه‌الله : اذا باع الشقص بعوض معين لا مثل له كالعبد ـ الى قوله : ولو كانت قيمة الشقص والحال هذه أقل من قيمة العبد ، هل يرجع الشفيع بالتفاوت؟ فيه تردد ، الاشبه لا ، لانه الثمن الذي اقتضاه العقد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن الشفيع انما يجب عليه أداء ما استقر ثمنا وليس إلا قيمة الشقص ، فلو كانت قيمة العبد أكثر من قيمة الشقص رجع بالتفاوت ، لانا بينا أنه أدى أكثر مما وجب عليه أداؤه ، فيكون الزائد باقيا على ملكه ، فيجوز له ارتجاعه ، عملا بقوله عليه‌السلام « الناس مسلطون على أموالهم » (٢).

والالتفات الى أن الشفيع انما يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد ، وانما استقر على أن العبد هو الثمن ، فاذا تعذر دفعه لتعذر المثلية ، وجب دفع قيمته ، ونمنع أن الواجب الاخذ بما استقر ثمنا ، بل الواجب الاخذ بما انعقد عليه العقد ثمنا ، وهو اختيار المتأخر ، وحكى الشيخ في المبسوط (٣) الوجهين ولم يرجح.

قال رحمه‌الله : لو كانت دارا لحاضر وغائب ـ الى قوله : ويرجع بالاجرة

__________________

(١) الخلاف ١ / ٦٩٣.

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٢٢٢ و ٤٥٧ و ٢ / ١٣٨ و ٣ / ٢٠٨.

(٣) المبسوط ٣ / ١٣٢.

١١٨

ان شاء على البائع ، لانه سبب الاتلاف ، أو على الشفيع لانه المباشر للاتلاف ، فان رجع على مدعي الوكالة ، لم يرجع الوكيل على الشفيع لانه غره ، وفيه قول آخر هذا أشبه.

أقول : أشار بالقول الاخر الى ما ذكره في المبسوط (١) ، من أنه اذا رجع على الشفيع لم يرجع الشفيع على الوكيل ، لان الشي‌ء تلف في يده فاستقر الضمان عليه ، وان رجع على الوكيل رجع الوكيل على الشفيع ، لان الضمان قد استقر عليه.

ثم حكى القول الذي اختاره المصنف رحمه‌الله ، وقوى الاول فقط ، والثاني أشبه عند المصنف ، لان المباشرة ضعيف بالغرور ، فكان السبب أقوى.

قال رحمه‌الله : ولو ترك عن الشفعة قبل البيع ، لم تبطل مع البيع ، لانه اسقاط ما لم يثبت ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أن حق الشفعة انما يثبت بعد عقد البيع ، فاذا عفا قبل البيع كان عفوه باطلا ، فيكون له المطالبة بالشفعة مع وقوع البيع وانما قلنا ان عفوه باطل ، لانه لم يصادف مستحقا ، وهو اختيار المتأخر.

والالتفات الى أن الشفعة مشروعة لمصلحة الشريك ودفع الضرر عنه ، فاذا لم يرده دل على عدم التضرر ، فلا تثبت الشفعة لانتفاء السبب.

قال المصنف في النكت ، وليس ذلك من باب الاسقاط ، فيتوقف على الاستحقاق ، كالابراء من الدين ، وهو ظاهر كلام الشيخ في النهاية (٢) ، وقد استدل كثير ممن ذهب الى ذلك بما روي عن النبي عليه‌السلام أنه قال : لا يحل له أن يبيع حتى يستأذن شريكه ، فاذا باع ولم يأذن به فهو أحق (٣). وجه الاستدلال أنه علق

__________________

(١) المبسوط ٣ / ١٤٥.

(٢) النهاية ص ٤٢٥.

(٣) عوالى اللئالى ٣ / ٤٧٩ ، برقم : ١٤.

١١٩

الاستحقاق على عدم الاستيذان ، فلا يثبت معه.

قال رحمه‌الله : وكذا لو شهد على البيع ، أو بارك للمشتري أو للبائع ، أو أذن للمشتري في الابتياع ، فيه تردد ، لان ذلك ليس بأبلغ من الاسقاط قبل البيع.

أقول : البحث في هذه المسائل كالبحث في السابقة وقد سلف.

قال رحمه‌الله : ولو بان الثمن مستحقا بطلت الشفعة ـ الى قوله : وكذا لو تلف الثمن المعين قبل قبضه لتحقق البطلان ، على تردد في هذا.

أقول : ينشأ من النظر الى أن الشفعة تابعة لصحة البيع ، والبيع هنا بطل لتلف عوضه ، فتبطل الشفعة تحقيقا للتبعية ، ولان البائع لا يملك مطالبة المشتري بالثمن لانه معين تلف قبل القبض ، فلا يجوز المطالبة ببدله ، لعدم تناول العقد له.

فاذا تعذر تسليم الثمن بطلت شفعة الشفيع ، لانه انما يأخذ الشفعة بالثمن الذي يلزم المشتري ، والمشتري ما لزمه الثمن ولا بدل الثمن ، فوجب أن تبطل الشفعة ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط.

والالتفات الى أن الثمن مضمون على المشتري ، فاذا تلف لزمه بدله ويصح البيع وتثبت الشفعة حينئذ لكونها تابعة له.

قال رحمه‌الله : قال في الخلاف : اذا ادعى أنه باع نصيبه من أجنبي وأنكر الاجنبي ، قضى بالشفعة للشريك بظاهر الاقرار ، وفيه تردد ، من حيث وقوف الشفعة على ثبوت الابتياع ، والاول أشبه.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (١) والمبسوط ، وحكم فيهما بثبوت الشفعة ، وهو مذهب جمهور الشافعية ، وهو تفريع المزني.

واحتج على ذلك في الكتابين بأن البائع أقر بحقين : أحدهما للمشتري والثاني للشفيع ، فاذا رد أحدهما ثبت حق الاخر ، كما لو أقر بدار لرجلين ،

__________________

(١) الخلاف ١ / ٦٩٥ مسألة ٣٤.

١٢٠