إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

الثالث : عبادة قابلة للنيابة في الدفع اجماعا ، فأجزأه نيابة الامام في النية ، كاجزائه في الدفع ، كما في الحج.

فرع :

لو أخذ الزكاة الجائز ، ففي الاجزاء قولان.

قال رحمه‌الله : لا تجب الفطرة على الفقير ، وهو من لا يملك أحد النصب الزكاتية. وقيل : من تحل له الزكاة. وضابطه : أن لا يملك قوت سنته له ولعياله ، وهو الاشبه.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) الى الاول ، وهو قول السيد المرتضى ، واختاره ابن البراج. وقال في الخلاف : تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا زكاتيا أو قيمته (٣).

وقال شيخنا المفيد قدس الله روحه : يشترط في وجوبها وجود الطول لها. ثم قال بعد : تجب على من عنده قوت السنة. وهو الحق ، واختاره في المعتبر (٤).

لنا ـ ان وجود الكفاية يمنع من أخذها ، فتجب عليه. أما المقدمة الاولى ، فقد تقدم بيانها. وأما الثانية ، فلقول الصادق عليه‌السلام : من حلت له لا تحل عليه ، ومن حلت عليه لا تحل له (٥).

احتجوا بأصالة البراءة. وهو ضعيف ، لما مر من الادلة.

قال رحمه‌الله : الزوجة والمملوك تجب الزكاة عنهما ، وان لم يكونا في

__________________

(١) النهاية ص ١٨٩.

(٢) المبسوط ١ / ٢٣٩.

(٣) الخلاف ١ / ٣٦٨ مسألة ٢٨.

(٤) المعتبر ٢ / ٥٩٣.

(٥) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٣ ، ح ١١.

٨١

عياله ، اذا لم يعلهما غيره. وقيل : لا تجب الا مع العيلولة ، وفيه تردد.

أقول : منشؤه : هل الفطرة تابعة للعيلولة أو الملك والتزوج؟ فيه احتمال فان جعلناها تابعة للعيلولة ، لم تجب الاخراج هنا ، لاستحالة وجود التابع من حيث أنه تابع بدون المتبوع وان جعلناها تابعة للملك ، أو العقد الدائم مع الدخول ، وجبت.

ولعل الثاني أقرب ، لان السيد والزوج وان لم يعلهما حقيقة ، فهو عائل لهما حكما ، لان ما بيد العبد للمولى ، ونفقة الزوجة لازمة للزوج اجماعا ، فتجب عليه قضاؤها.

قال رحمه‌الله : اذا أوصى له بعبد ، ثم مات الموصي ، فان قبل الوصية قبل الهلال ، وجبت عليه. وان قبل بعده سقطت. وقيل : تجب على الورثة. وفيه تردد.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢) الى أنه لا زكاة على الموصى له اذا قبل بعد الهلال ، ولا على الوارث ، أعني : وارث الموصي. وذهب بعض علمائنا الى وجوبها على الوارث هنا.

وهذه المسألة تبنى على أن قبول الموصى له هل هو كاشف أو ناقل ، فان قلنا بالاولى وجبت عليه. وان قلنا بالثاني ، وجبت على الوارث ، وسيأتي تحقيقه.

فرع :

وكذا البحث لو مات الموصى له أيضا قبل الهلال ، ثم قبل ورثته الوصية بعد الهلال ، سواء كان موته قبل موت الموصي على الاصح ، أو بعده.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٤٠.

(٢) الخلاف ١ / ٣٦٧ مسألة ٢٥.

٨٢

قال رحمه‌الله : ولو وهب له ولم يقبض ، لم تجب الزكاة على الموهوب. ولو مات الواهب ، كانت على الورثة. وقيل : لو قبل ومات ، ثم قبض الورثة قبل الهلال ، وجبت عليهم ، وفيه تردد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : ولو وهب له عند قبل الهلال ، فقبله ولم يقبض حتى استهل شوال ، فالفطرة على الموهوب له ، لانه ملكه بالايجاب والقبول وليس القبض شرطا في انعقاده ، ومن جعله شرطا أوجبها على الواهب ، لبقاء ملكه. قال : وهو الصحيح عندنا (١).

فان قبل ومات قبل القبض وقبل الهلال وقبضه الورثة بعد دخول شوال ، الزم الورثة فطرته ، وفيما ذكره في الورثة خلل من وجهين :

الاول : في ايجاب الفطرة على الورثة. والحق بطلان الهبة ، لان القبض شرط ولم يحصل ، وقد سلم هو ذلك في المسألة السابقة.

الثاني : سلمنا أن القبض ليس شرطا ، كما اختاره في مسائل الخلاف ، لكن تقييد الايجاب بالقبض ليس بجيد ، لتحقق الملك الموجب للفطرة بالقبول ، فلا معنى لاشتراط القبض حينئذ.

والظاهر أن مقصوده ايجاب الزكاة على الورثة من غير تعليق له على القبض فتسقط الاعتراض الثاني اذن.

قال رحمه‌الله : ولا تقدير في عوض الواجب ، بل يرجع الى قيمة السوق وقدره قوم بدرهم ، وآخرون بأربعة دوانيق فضة ، وليس بمعتمد ، وربما نزل على اختلاف الاسعار.

أقول : ظاهر قول بعض علمائنا يؤذن بهذا التقدير ، وربما كان تعويلا على

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٤٠.

٨٣

رواية (١) شاذة.

والحق أن الحوالة في التقدير على القيمة السوقية ، وهو مذهب أكثر الاصحاب لرواية اسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : جعلت فداك ما تقول في الفطرة؟ يجوز أن يؤديها فضة بقيمة هذه الاشياء التي سميتها ، قال : نعم ان ذلك أنفع له يشتري ما يريد (٢).

قال رحمه‌الله : تجب الفطرة بهلال شوال ، ولا يجوز تقديمها قبله ، الاعلى سبيل القرض ، على الاظهر.

أقول : ذهب الشيخ رحمه‌الله الى جواز تقديم الفطرة في شهر رمضان من أوله ، واختيار ابني بابويه رحمهما‌الله.

وذهب شيخنا المفيد الى أنه لا يجوز الا على سبيل الاقتراض ، وهو ظاهر كلام سلار وابن البراج ، واختاره أبو الصلاح ، وهو فتوى ابن ادريس ، وظاهر كلام الشيخ في الاقتصاد (٣).

احتج المجوزون بوجوه :

الاول : أن في تقديمها خيرا لحال الفقير ، فكان مشروعا. أما الاولى فظاهرة وأما الثانية ، فلان الاحكام منوطة بالمصالح عندنا ، ولا مصلحة أهم من هذه المصلحة.

الثاني : الاستناد الى ظاهر الرواية عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٤) من طرق عدة.

الثالث : الاصل الجواز ، ترك العمل به فيما قبل شهر رمضان للاجماع ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

__________________

(١) المقنعة ص ٤١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٨٦ ، ح ٧.

(٣) الاقتصاد ص ٢٨٥.

(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٦ ، ح ٤.

٨٤

واحتج المانعون بوجوه :

الاول : عبادة موقتة ، فلا يجوز فعلها قبل وقتها. والمقدمتان ظاهرتان.

الثاني : لو جاز التقديم في شهر رمضان لجاز قبله ، والتالي باطل اجماعا فكذا المقدم. بيان الشرطية : ان المقتضي للجواز جبر حال الفقير ، وهذا المعنى موجود هنا ، فيثبت (١) الحكم عملا بالمقتضي.

الثالث : الاستناد الى ظاهر رواية العيص عن الصادق عليه‌السلام (٢).

قال رحمه‌الله : ويجوز اخراجها بعده ، وتأخيرها الى قبل صلاة العيد أفضل فان خرج وقت صلاة العيد وقد عزلها ، أخرجها واجبا بنية الاداء ، وان لم يكن عزلها سقطت. وقيل : يأتي بها قضاء. وقيل : أداء. والاول أشبه.

أقول : البحث في هذه المسألة تتضح بتقديم تقدم مقدمة ، لو أخر دفعها عن الزوال لغير عذر أثم اتفاقا منا ، ولانه تارك للمأمور به ، فيكون عاصيا ، والعاصي مستحق للعقاب.

أما الاولى فظاهرة ، اذ لا خلاف أنه مأمور بدفعها قبل الزوال.

وأما الثانية ، فلقوله تعالى « لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ » (٣) « أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي » (٤).

وأما الثالثة ، فلقوله تعالى « وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً » (٥) أما لو كان لعذر ، فانه لا يأثم اجماعا منا.

اذا ثبت هذا فتقول : اذا أخر دفعها ، فاما أن يعزلها ـ أي : يفردها ـ عن

__________________

(١) فى « س » : فثبت.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٥ ـ ٧٦ ، ح ١.

(٣) سورة التحريم : ٦.

(٤) سورة طه : ٩٣.

(٥) سورة الجن : ٢٣.

٨٥

ماله أو لا ، فان عزلها أخرجها مع الامكان ، وهذا لا خلاف فيه أيضا. وان لم يعزلها قال المفيد رحمه‌الله : سقط وجوبها ، ومثله قال في الخلاف (١). وهو ظاهر كلام أبي الصلاح وابن البراج ، وذهب الشيخ الى وجوب الاتيان بها أداء.

واحتج الاولون بوجوه :

الاول : أصالة براءة الذمة ، ترك العمل بها في وجوب الاخراج قبل الزوال للامر الدال عليه ، فيبقى معمولا به فيما عداه.

الثاني : الفطرة عبادة موقتة اجماعا ، وكل عبادة موقتة تفوت بفوات وقتها والقضاء انما يجب بأمر جديد ولم يوجد. أما الصغرى ، فاجماعية [ اذ لا خلاف في ذلك ، وان اختلفوا في أوله أو آخره. وأما الثانية فاجماعية ] (٢) أيضا.

الثالث : ما رواه الاصحاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الفطرة ان أعطيت قبل الخروج الى صلاة العيد فهي فطرة ، وان أعطيت بعد ما يخرج فهي صدقة (٣).

واحتج الآخرون بالاحتياط ، اذ مع الاخراج تحصل براءة الذمة قطعا ، بخلاف الثاني ، وسلوك الطريق المأمون أولى من سلوك المخوف عقلا ، فيكون كذلك شرعا ، لقوله عليه‌السلام : ما رآه المسلمون حسنا ، فهو عند الله حسن (٤). وتعارض بمثله اذ اعتقاد ما ليس بواجب واجب (٥) خطأ.

احتج ابن ادريس بأن الزكاة المالية والبدنية انما تجب بدخول وقتها ، فاذا دخل صار المكلف مخاطبا بأدائها الى أن يفعله ، وهو ضعيف ، لان وجوبها موقت أولا

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٧٢.

(٢) ما بين المعقوفتين من « س ».

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٧٦ ، ح ٣.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣٧٩.

(٥) فى « م » : واجبا.

٨٦

وآخرا ، والا لما تضيقت عند الصلاة.

قال رحمه‌الله : لو وجد كنزا في أرض موات من دار الاسلام ، فان لم يكن عليه سكة ، أو كان عليه سكة الاسلام ، قيل : يعرف كاللقطة. وقيل : يملكه الواجد وعليه الخمس. والاول أشبه.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : وأما الكنوز التي توجد في بلاد الاسلام فان وجدت في ملك الانسان ، وجب أن يعرف أهله ، فان عرفه كان له. وان لم يعرفه ، أو وجدت في أرض لا مالك لها ، فهي على ضربين : فان كان عليها أثر الاسلام ، مثل أن يكون عليها سكة الاسلام ، فهي بمنزلة اللقطة سواء ، وسنذكر حكمها في بابها.

وان لم يكن عليها أثر الاسلام ، أو كان عليها أثر الجاهلية من الصور المجسمة أو غير ذلك ، فانه يخرج منها الخمس ، ويكون الباقي لمن وجدها (١).

وقال في الخلاف (٢) بالقول الثاني ، اذا لم يكن عليه أثر ملك ، واختاره ابن ادريس. والحق الاول.

لنا ـ أنه مال ضائع ، لا بدّ لاحد عليه ، فتكون لقطة. أما الصغرى ، فلانه التقدير ، وأما الكبرى فاجماعية.

احتج في الخلاف بالعموم الدال على وجوب اخراج الخمس من الكنوز من غير فرق.

والجواب : العام يخص للدليل ، وقد بيناه.

قال رحمه‌الله : الذمي اذا اشترى أرضا من مسلم ، وجب فيها الخمس ، سواء كانت مما فيه الخمس ، كالارض المفتوحة عنوة ، أو ليس فيه ، كالارض

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٣٦.

(٢) الخلاف ١ / ٣٥٨ مسألة ١٤٨.

٨٧

التي أسلم عليها أهلها.

اقول : قال المصنف قدس الله روحه : الظاهر أن مراد الاصحاب أرض الزراعة لا المساكن ، وعندي في هذا التخصيص نظر.

وقوله « الارض المفتوحة عنوة » فيه نظر ، سيأتي تحقيقه أيضا.

قال رحمه‌الله : الخمس يقسم ستة أقسام. وقيل : بل خمسة. والاول أشهر.

اقول : القول الاول مذهب أكثر الاصحاب ، والثاني منقول عن بعض الاصحاب ، تعويلا على رواية (١) شاذة ، ومع هذا فهي غير دالة على المطلوب صريحا ، وهي مخالفة للمذهب ، فانه يتضمن قسمة الاخماس الذي بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل على الاول ، وعليه دلت ظاهر الآية (٢) والرواية (٣).

قال رحمه‌الله : ويعتبر في الطوائف الثلاث انتسابهم الى عبد المطلب بالابوة فلو انتسبوا بالام خاصة ، لم يعطوا من الخمس شيئا ، على الاظهر.

اقول : للاصحاب في هذه قولان ، فذهب الشيخ الى اعتبار الانتساب بالاب في استحقاق الخمس ، واختاره ابن حمزة وابن ادريس ، ولم يعتبر السيد المرتضى ذلك ، بل جوز أن يكون منتسبا بالام أيضا. والحق الاول.

لنا ـ ان اطلاق النسب يقتضي الانتساب بالاب ، اذ لا يقال : تميمي الا لمن ينتسب الى تميم بالاب دون الام. ويؤيده قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وما روي عن العبد الصالح أبي الحسن الاول عليه‌السلام قال : من كانت أمه من

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٨ ، ح ١.

(٢) سورة الانفال : ٤١.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٦.

٨٨

بني هاشم وأبوه من سائر قريش ، فان الصدقة تحل له ، وليس له من الخمس شي‌ء ، لان الله يقول « ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ » (١).

احتج المرتضى قدس الله روحه بقوله عليه‌السلام عن الحسن والحسين عليهما‌السلام : هذان إمامان قاما أو قعدا (٢). والاصل في الاطلاق الحقيقة ، وهو ضعيف ، فان الاطلاق انما يدل على الحقيقة مع عدم المعارض ، والمعارض هنا موجود.

قال رحمه‌الله : مستحق الخمس ـ الى آخره.

أقول : هذه المسألة قد تقدم البحث فيها مستوفى.

قال رحمه‌الله : هل يجوز أن يخص بالخمس طائفة؟ قيل : نعم. وقيل : لا وهو الاحوط.

أقول : المراد بالخمس هنا ما عدا حصة الامام عليه‌السلام. وقد اختلف الاصحاب في قسمته ، فظاهر كلام الشيخ رحمه‌الله يشعر بوجوب التشريك ، ونص أبو الصلاح على ذلك ، حيث قال : والشطر الاخر للمساكين واليتامى وأبناء السبيل لكل صنف ثلاثة (٣).

ونقل صاحب كشف الرموز (٤) عن ابن ادريس تفصيلا عجيبا ، ومضمونه بسط شطر الخمس على الاصناف الثلاثة بالسوية مع حضورهم ، وجواز التخصيص مع عدم حضور الجميع.

ومنشأ الاختلاف النظر الى الآية ، فانها يحتمل أن يكون اللام فيها للتخصيص فيكون لبيان المصرف كما في آية الزكاة. ويحتمل أن يكون للتمليك ، فتجب

__________________

(١) تهذيب ٤ / ١٢٨ ـ ١٢٩ والآية فى سورة الاحزاب : ٥.

(٢) حديث متواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رواه جمع من الفريقين ، ورواه العلامة المجلسى فى البحار ٤٣ / ٢٧٨.

(٣) الكافى للحلبى ص ١٧٣ ـ ١٧٤.

(٤) كشف الرموز للآبي ـ مخطوط.

٨٩

قسمة الشطر على الاصناف الثلاثة حينئذ. ولعل الاول أقرب لوجهين :

الاول : أن التخصيص أعم من التمليك من غير عكس كلي ، واذا ثبت أن الاول أعم كان جعل اللام حقيقة فيه أولى ، لان الاحتياج الى الخاص يستلزم الاحتياج الى العام ، ولا ينعكس ، لان الاحتياج الى العام لا يستلزم الاحتياج الى الخاص ، وهو ظاهر ، وجعل اللفظ لما يكبر الحاجة الى التعبير عنه أولى من جعله لما ليس كذلك.

الثانى : الرواية المشهورة المأثورة عن أبي الحسن عليه‌السلام (١).

قال رحمه‌الله : هل يعتبر الفقر في اليتيم؟ قيل : نعم. وقيل : لا. والاول أحوط.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط (٢) الى عدم اعتباره ، واختاره ابن ادريس ، نظرا الى عموم الآية ، ولان اعتبار الفقر فيه يستلزم تداخل الاقسام ، فيكون اليتيم داخلا تحت المساكين.

والوجه اعتباره ، لان الخمس خير ومساعدة ، فيخص به ذوو الخصاصة والمسكنة دون غيرهم. أما الصغرى ، فلرواية زرارة السابقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

وأما الكبرى فظاهرة ، وإلا لزم تحصيل الحاصل ، وهو محال.

قال رحمه‌الله : الايمان معتبر في المستحق على تردد.

أقول : وجه الجواز النظر الى عموم الآية.

ووجه الاعتبار الالتفات الى فتوى الاصحاب ، ولانه أحوط للبراءة ، ولان غير المؤمن محاد لله ولرسوله ، فلا يفعل معه ما يؤذن بالمودة.

قال رحمه‌الله : والعدالة لا تعتبر على الاظهر.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٨ ، ح ٢.

(٢) المبسوط ١ / ٢٥٧.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٥٩ ، ح ٦.

٩٠

أقول : ذهب الشيخ في بعض كتبه الى اعتبار العدالة. والحق العدم ، عملا بعموم الآية وعليه الاكثر.

واعلم أن الشيخ رحمه‌الله رجع عما قاله بعد ذلك بلا فصل.

قال رحمه‌الله : ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده ، ومع عدمه قيل : يكون مباحا. وقيل : يجب حفظه ، ثم يوصي به عند ظهور أمارة الموت. وقيل : يدفن. وقيل : يصرف النصف الى مستحقه ، ويحفظ ما يختص به بالوصاة أو الدفن.

وقيل : بل تصرف حصته الى الاصناف الموجودين أيضا ، لان عليه الاتمام عند عدم الكفاية ، فكما يجب ذلك مع وجوده ، فهو واجب عليه عند عدمه ، وهو أشبه.

أقول : ليس للاصحاب في هذه المسألة نص صريح ، وقد طال التشاجر بينهم بسبب ذلك ، لكن الحق ما رجحه المصنف ، لموافقته العقل ، ولدلالة ظواهر (١) النقل عليه.

__________________

(١) فى « س » : ظاهر.

٩١

الفصل الرابع

( فى إيضاح الترددات المذكورة فى كتاب الصوم )

قال رحمه‌الله : يكفي في رمضان أن ينوي أنه يصوم متقربا الى الله ، وهل يكفي ذلك في النذر المعين؟ قيل : نعم. وقيل : لا. وهو الاشبه.

اقول : البحث في هذه المسألة يقع في مقامين :

الاول : في كيفية نية القربة ، والفرق بينها وبين نية التعيين. أما كيفية نية القربة ، فقد فسرها الشيخ في المبسوط ، فقال : معنى نية القربة : أن ينوي أنه صائم فقط متقربا الى الله تعالى. ونية التعيين أن ينوي أنه صائم شهر رمضان. ثم قال : فان جمع بينهما في رمضان كان أفضل ، وان اقتصر على نية القربة أجزأه (١). ونحوه قال في الخلاف (٢). وزاد ابن ادريس نية الوجوب فيهما ، وهو حسن.

اذا عرفت هذا فنقول : القدر الواجب في نية القربة شيئان : قصد التقرب ، والوجوب ، وفي نية التعيين ثلاثة أشياء : التقرب ، والوجوب أو الندب ، والقصد الى الصوم المخصوص.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٦.

(٢) الخلاف ١ / ٣٧٤.

٩٢

المقام الثاني : قد وقع الاتفاق على أن نية القربة كافية في شهر رمضان ، ووقع أيضا على أنها غير كافية فيما عدا شهر رمضان والنذر المعين.

وحصل الاختلاف في الاكتفاء بها في النذر المعين ، فذهب الشيخ الى أنها غير كافية ، بل لا بدّ من نية التعيين ، لانه زمان لم يعينه الشارع في الاصل للصوم فافتقر الى التعيين ، ولانه أحوط.

وذهب المرتضى قدس الله روحه الى الاكتفاء بها ، ومنعه ابن ادريس ، لان الشرع وان لم يعين زمانه في الاصل ، فقد يعين بالنذر ، وكما لا يفتقر رمضان الى نية التعيين لتعين زمانه ، فكذا هنا ، ونمنع المساواة بين المعنيين.

سلمنا لكن التعيين ليس أمرا وجوديا ، فلا يصلح للعلية ، واذا كان كذلك لم يكن الاكتفاء بنية القربة في شهر رمضان معللا بالتعيين ، بل بعلة غير معلومة لنا.

سلمنا لكن التعدي قياس ، وهو باطل عند كثير ، وبالجملة فأنا في هذه المسألة من المتوقفين.

قال رحمه‌الله : ولو زالت الشمس فات محل النية ، واجبا كان الصوم أو ندبا. وقيل : يمتد وقتها الى الغروب لصوم النافلة. والاول أشهر.

أقول : قد ذهب الى هذا القول بعض أصحابنا ، وهو اختيار السيد المرتضى وابن حمزة ، وتبعه ابن ادريس ، وبه روايات ، لكن الاول أنسب بالاصل وأظهر في النقل ، وعليه عمل أكثر الاصحاب.

وذهب أبو علي ابن الجنيد منا الى جواز ايقاع النية بعد الزوال لصوم الفرض أيضا ، ذاكرا كان أو ناسيا ، وهو قول شاذ وبه روايات أيضا.

قال رحمه‌الله : وقيل : يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه ، ولو سها عند دخوله فصام ، كانت النية الاولى كافية.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في كتب الفتاوى خاصة ومنعها

٩٣

ابن ادريس ، وهو الحق ، عملا بقوله تعالى « وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ » (١) وتقرير الاستدلال بها قد تقدم.

واحتجاجه بجواز تقديم النية من أول الليل وان تقدم الاكل أو غيره ضعيف أما أولا ، فلانه قياس ، وهو باطل عندنا. وأما ثانيا ، فلوجود الفارق ، وهو قوله عليه‌السلام : لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل (٢).

قال رحمه‌الله : وكذا قيل : يجزي نية واحدة لصيام الشهر كله.

أقول : هذه المسألة ذكرها الثلاثة قدس الله أرواحهم وأتباعهم ، ومنعها شيخنا دام ظله ، ورجحه المصنف في المعتبر (٣).

احتج الاولون بالاجماع. واحتج السيد المرتضى قدس الله روحه بأنه عبادة واحدة ، فتكفي نية واحدة. أما الصغرى ، فلان حرمته واحدة ، وهو ظاهر ، ولانه يخرج منه بمعنى واحد ، وهو الافطار. وأما الكبرى فاجماعية ، والاجماع ممنوع والصغرى ممنوعة ، ونمنع اتحاد الحرمة. سلمنا ولكنه غير دال على المطلوب وكذا الوجه الثاني ، وهو ظاهر.

قال رحمه‌الله : ولا يقع في رمضان صوم غيره. ولو نوى غيره ـ ولو نوى غيره ـ واجبا كان أو ندبا ـ أجزأ عن رمضان دون ما نواه.

أقول : هذه المسألة لها صورتان :

الاولى : أن يكون عالما بشهر رمضان ، ثم ينوي غيره.

الثانية : أن يكون جاهلا.

أما الاولى ، فقد حكم جماعة من أكابر علمائنا ، كالشيخ والسيد وأتباعهما

__________________

(١) سورة البينة : ٥.

(٢) سنن البيهقى ٤ / ٢١٣.

(٣) المعتبر ٢ / ٦٤٩.

٩٤

بوقوعها عن شهر رمضان ، ومنع ابن ادريس ذلك وقال : لا يجزي عن رمضان ولا غيره يعني : الذي نواه. ولعله أقرب.

احتجا بأن النية المعتبرة ـ وهي نية القربة ـ حاصلة ، وانما قلنا انها حاصلة لدخولها تحت نية التعيين تضمنا ، فيكون الزائد لغوا. واذا كانت النية المعتبرة حاصلة ، كان الصوم واقعا بشرطه ، فيكون مجزيا ، لان الامر للاجزاء على ما بين في أماكنه.

وهو ضعيف جدا ، فانا لا نسلم الغاء الزيادة ، اذ جزئيات الكلي متضادة ، وإرادة أحد الضدين تنافي الضد الاخر.

احتج ابن ادريس بقوله عليه‌السلام « الاعمال بالنيات ، وانما لامرئ ما نوى » (١) فحكم عليه‌السلام بأن الاعمال تابعة للقصود ، والتقدير : انه لم يوقع النية عن شهر رمضان ، فلا ينصرف إليه ، وصرف الصوم الى غيره لا يصح اتفاقا ، فلا يجزي عن أحدهما.

وأما الثانية (٢) ، فقد حكم الشيخ رحمه‌الله والسيد المرتضى قدس الله روحهما فيها بما حكما في الصورة الاولى ، ووافقهما ابن ادريس على ذلك ، وهو الظاهر من كلام الشيخ علي بن بابويه ، محتجين بما تقدم.

وعندي فيه اشكال ، منشؤه ما سلف من الجواب ، وانما خرجنا عن سبيلنا المألوف في هذا الكتاب ، ليكون هذه المسألة من امهات هذا الكتاب (٣).

قال رحمه‌الله : ولو صام آخر يوم من شعبان على أنه ان كان من رمضان كان واجبا ، والا كان مندوبا قيل : يجزي. وقيل : لا يجزي ، وعليه الاعادة ، وهو الاشبه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦.

(٢) فى هامش « س » عن نسخة : وأما النية.

(٣) فى « م » : الباب.

٩٥

أقول : القولان للشيخ قدس الله روحه ، لكن الثاني أقرب ، وهو اختيار ابن ادريس ، واختار ابن حمزة الاول.

لنا ـ أن الجزم شرط في النية ولم يحصل.

واحتج على الاول بأن نية القربة كافية في رمضان وقد حصلت.

والجواب : هذه قاعدة قد بينا ضعفها في المسألة السابقة ، سلمنا لكن نية التعيين انما تسقط فيما علم أنه من شهر رمضان لا فيما لا علم.

قال رحمه‌الله : ولو نوى الافطار في يوم من رمضان ، ثم جدد قبل الزوال قيل : لا ينعقد وعليه القضاء ، ولو قيل بانعقاده كان أشبه.

أقول : هذه المسألة ذكرها الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، والانسب بمذهبه عدم ايجاب القضاء ، وذاك أنه قال : لو عزم على فعل ما ينافي الصوم ، أو نوى الافطار ، لم يبطل صومه.

وأما على قاعدتنا ، فلا وجه للصحة ، وذاك انما يوجب استمرار النية حكما ، وكذلك الفرع الاخر انما يتمشى على قاعدة الشيخ لا على قاعدتنا ، وان كان لا يفهم من كلامه رحمه‌الله ذلك.

قال رحمه‌الله : يجب الامساك عن الجماع في القبل اجماعا ، وفي دبر المرأة على الاظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطي الغلام والدابة تردد وان حرم. وكذا القول في فساد صوم الموطوء ، والاشبه أنه يتبع وجوب الغسل.

أقول : الحق أن وجوب الامساك وفساد الصوم ولزوم القضاء والكفارة أحكام تابعة لوجوب الغسل ، فان قلنا بوجوبه ، لانهما معلولان علة واحدة ، يثبت هذه الاحكام ، والا فلا ، وقد استقصينا البحث عن ذلك في كتاب الجنابة.

واعلم أنه لا خلاف في فساد صوم الواطئ في جميع هذه الصور مع الانزال.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧٧.

٩٦

قال رحمه‌الله : وعن الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الائمة عليهم‌السلام وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم. وقيل : لا ، وهو الاشبه.

أقول : لا خلاف في وجوب الامساك عن ذلك مطلقا ، ويتأكد في شهر رمضان كسرقة. وانما الخلاف في افساد الصوم وايجاب الكفارة ، فذهب الشيخان رحمهما‌الله الى أنه يفسد ، ويوجب القضاء والكفارة ، واختاره المرتضى في الانتصار (١) ، واختاره أبو الصلاح وابن البراج ، وعده ابن بابويه من المفطرات. وقال علم الهدى : انه لا يفسد ، نقله الشيخ عنه في الخلاف (٢) ، وهو أقرب.

لنا ـ أصالة صحة الصوم ، ورواية محمد بن مسلم الصحيحة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا يضر الصائم ما صنع اذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والارتماس (٣).

واحتجاجهم بالروايات ضعيف ، لضعف سندها ، ولاشتمال بعضها على ما لا يقول به ، وهو نقض الوضوء أيضا ، ودعوى الاجماع مكابرة.

قال رحمه‌الله : وعن الارتماس. وقيل : لا يحرم بل يكره ، والاول أشبه. وهل يفسد لفعله؟ الاشبه لا.

أقول : البحث في هذه تقع في مقامين :

الاول : ذهب الشيخان وأكثر الاصحاب الى أن الارتماس محرم ، عملا بالروايات الدالة عليه. وذهب السيد المرتضى الى أنه مكروه في أحد قوليه ، واختاره ابن أبي عقيل ، عملا بالاصل ، ويؤيده رواية عبد الله بن سنان عن أبي

__________________

(١) الانتصار ص ٦٢.

(٢) الخلاف ١ / ٤٠١ مسألة ٨٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٩ ، ح ٢.

٩٧

عبد الله عليه‌السلام قال : أكره للصائم أن يرتمس في الماء (١).

والاصل يخالف لقيام الدليل ، وهو الروايات المشهورة الدالة على المنع ، والرواية ضعيفة السند ، مع أنها قابلة للتأويل ، فان المكروه يطلق على المحظور وعلى ترك الاولى ، وعلى المرجوح فعله بالاشتراك ، فيحمل على المحظور ، جمعا بين الادلة.

وأما المقام الثاني ، فذهب الشيخان الى أنه يوجب القضاء والكفارة أيضا ، عملا بالاحتياط ، وهو معارض بالاصل ، وقال أبو الصلاح بأنه يوجب القضاء فحسب.

وأطبق باقي الاصحاب القائلين بالتحريم على نفيهما ، وهو اختياره في الاستبصار (٢) ، وهو الحق ، عملا بأصالة براءة الذمة ، وأصالة العبادة ، ويؤيده رواية اسحاق بن عمار قال : قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم؟ قال : ليس عليه قضاء ولا يعودن (٣).

قال في المعتبر : ويمكن أن يكون الوجه في التحريم الاحتياط للصوم ، فان المرتمس في الاغلب لا ينفك أن يصل الماء الى جوفه فيحرم ، وان لم تجب عليه قضاء ولا كفارة إلا مع اليقين بابتلاعه ما يوجب الافطار (٤).

قال رحمه‌الله : وفي ايصال الغبار الغليظ الى الحلق خلاف ، والاظهر التحريم وفساد الصوم.

أقول : اضطرب قول الاصحاب في هذه المسألة ، لاضطراب الاحاديث ، فذهب الشيخ رحمه‌الله الى أن ايصال الغبار الغليظ الى الحلق محرم ، يوجب

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٠٩ ، ح ١٣.

(٢) الاستبصار ٢ / ٨٥.

(٣) الاستبصار ٢ / ٨٤ ـ ٨٥ ، ح ٦.

(٤) المعتبر ٢ / ٦٥٧.

٩٨

القضاء والكفارة.

وحكى في المبسوط (١) عن بعض الاصحاب ايجاب القضاء فحسب ، وهو فتوى الشيخ المفيد قدس الله روحه ، عملا بأصالة البراءة ، وظاهر كلام أبي الصلاح واختاره ابن ادريس مع تعمد الكون من غير ضرورة ، وفي أخبارنا ما يدل على الجواز. والاقرب عند المصنف قول الشيخ.

لنا ـ أنه أوصل الى جوفه بفمه ما ينافي الصوم ، فكان مفسدا له. أما الصغرى فظاهرة ، اذ ايصال الغبار الى الحلق مناف للامساك ضرورة. وأما الكبرى فاجماعية ، وخلاف المرتضى غير معتبر لرجوعه عنه.

ويؤيده رواية سليمان بن حفص المروزي قال : سمعته يقول : اذا شم الصائم رائحة غليظة أو كنس بينا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك له فطر ، مثل الاكل والشرب والنكاح (٢).

وفيه ضعف ، والرواية مقطوعة ، والاجماع انما انعقد على فساد ما يسمى مأكولا معتادا كان أو غيره ، كالحصى والبرد ، أو مشروبا كذلك لا مطلقا.

قال رحمه‌الله : وعن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة ، على الاشهر.

اقول : لا خلاف بين الاصحاب أن البقاء على ذلك محرم ، وانما الخلاف في أنه هل يوجب القضاء فحسب ، أم القضاء والكفارة؟ فذهب أكثر الاصحاب الى الثاني ، وذهب ابن أبي عقيل الى الاول ، عملا بأصالة براءة الذمة من الكفارة.

واختار ابن بابويه في المقنع (٣) ، ان لا قضاء ولا كفارة ، عملا بأصالة البراءة

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٧١.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٤ ، ح ٢٨.

(٣) المقنع ص ٦٠.

٩٩

ورواية حبيب الخثعمي عن الصادق عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ، ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر (١).

لنا ـ أن الا نزال نهارا موجب للقضاء والكفارة ، فكذا استصحابه ، بل هذا آكد ، لان الاول قد انعقد صومه ابتداءً بخلاف الثاني.

ويؤيده رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ، ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح ، قال : يعتق رقبة ، أو يصوم شهر بن متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا قال : ولادائه لا أراه يدركه أبدا (٢). وفي معناها رواية سليمان الجعفري (٣) ، والاصالة تخالف للدلالة بالروايتين ، ويحتمل وجوها :

الاول : أن يكون التأخير مقرونا بعذر.

الثاني : أن يكون المراد بالفجر الفجر الاول.

الثالث : أن يكون المقصود به التأخير الى قبل الطلوع بقليل ، بحيث يكون آخر جزء من الغسل مقارنا لاول جزء منه.

فرع :

لو طهرت الحائض أو النفساء ، فأخرتا الغسل الى طلوع الفجر ، وجب عليها القضاء والكفارة ، وأوجب ابن أبى عقيل القضاء فحسب ، بناء على قاعدته وقد عرفت ضعفها.

قال رحمه‌الله : لو نظر الى امرأة فأمنى ، لم يفسد صومه على الاظهر ، وكذا لو استمع.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٣ ، ح ٢٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٢ ، ح ٢٣.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ٢١٢ ، ح ٢٤.

١٠٠