إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي

إيضاح تردّدات الشرائع - ج ١

المؤلف:

نجم الدين جعفر بن الزهدري الحلي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك الرجل والمرأة.

اقول : في تحريم الاكتحال بالسواد قولان : الجواز ، قاله في الخلاف (١) والاقتصاد (٢) ، تمسكا بالاصل.

والثاني التحريم ، ذهب إليه في النهاية (٣) والمبسوط (٤) ، عملا برواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام (٥) ، وعليه الاكثر ، وجعله ابن بابويه مخصوصا بالمرأة اذا قصدت به الريبة.

وأطلق ابن الجنيد ، عملا برواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الاسود الا من علة (٦). وظاهر النهي التحريم ، كما بيناه في اصول الفقه ، والمشهور تحريم الاكتحال بما فيه طيب ، وجعله ابن الجنيد مكروها.

لنا ـ التمسك بالرواية.

قال رحمه‌الله : وكذا النظر في المرآة على الاشهر.

أقول : للشيخ قولان : التحريم ، ذهب إليه في النهاية (٧) والمبسوط (٨) ، وتبعه أبو الصلاح وابن ادريس ، عملا بالاحتياط وبالروايتين المرويتين عن الصادق

__________________

(١) الخلاف ١ / ٤٤٢ مسألة ١٠٦.

(٢) الاقتصاد ص ٣٠٢.

(٣) النهاية ص ٢٢٠.

(٤) المبسوط ١ / ٣٢١.

(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٠١ ، ح ٢٢.

(٦) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٠١ ، ح ٢١.

(٧) النهاية ص ٢٢٠.

(٨) المبسوط ١ / ٣٢١.

١٨١

عليه‌السلام (١).

والاخر الجواز ، تمسكا بالاصل ، واختاره ابن البراج وابن حمزة.

قال رحمه‌الله : ولبس الخفين وما يستر ظهر القدم ، فان اضطر جاز ، وقيل : يشقهما ، وهو متروك.

أقول : القائل بالشق ، أي : يشق ظاهر قدمهما ، هو الشيخ في المبسوط (٢) وقال في الخلاف : يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين على جهتهما (٣). محتجا بالاحتياط اذ مع الشق يحصل البراءة والصحة قطعا ، بخلاف العدم. وبمضمونه قال أبو علي ابن الجنيد.

وأما ابن حمزة ، فاختياره ما ذكره الشيخ في المبسوط ، واستحب قطع الساقين ، ولم يذكر في النهاية (٤) الشق ، بل سوغ لبسه مع الضرورة واطلق ، وصرح ابن ادريس بالعدم.

لنا ـ أصالة براءة الذمة ، واطلاق الرواية (٥).

لا يقال : ستر القدم حرام على المحرم اجماعا ، وانما يتحرز عنه بالشق ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

لانا نقول : متى يكون الستر محرما اذا اضطر الى لبس الخفين ، أو اذا لم يضطر ، الاول « م » والثاني « ع » والضرورة هنا متحققة فلا تحريم ، ويقوي عندي وجوب الشق ، عملا بالرواية المروية عن الباقر عليه‌السلام (٦) ، وجواز اللبس لا ينافيه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٠٢ ، ح ٢٧ و ٢٨.

(٢) المبسوط ١ / ٣٢٠.

(٣) الخلاف ١ / ٤٣٤ مسألة ٧٥.

(٤) النهاية ص ٢١٨.

(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٠ ، ح ٣٧.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٤٠.

١٨٢

قال رحمه‌الله : والفسوق. وهو الكذب.

أقول : وقال بعضهم : وهو السباب أيضا ، ولا بأس به ، اذ لا ينفك عنه الا نادرا ، وخصصه ابن البراج بالكذب على الله ورسوله وأئمته عليهم‌السلام ، وهو غريب.

قال رحمه‌الله : والجدال ، وهو قول لا والله وبلى والله.

أقول : قال أبو علي : وما كان من يمين يريد بها طاعة الله وصلة رحم ، فمعفو عنه ما لم يدأب في ذلك ، وهو حسن.

فرع :

لو ادعى عليه بدعوى كاذبة ، ففي جواز دفعها بلفظ الجلالة اشكال ، ينشأ : من عموم المنع ، ومن أن فيه دفعا للضرر ، فيكون سائغا ، لقوله عليه‌السلام : لا ضرر ولا اضرار (١).

قال رحمه‌الله : وقتل هوام الجسد حتى القمل.

أقول : سوغ ابن حمزة قتل القملة على البدن ، والمشهور المنع ، عملا بالرواية (٢).

قال رحمه‌الله : واخراج الدم الا عند الضرورة ، وقيل : يكره.

أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ المفيد قدس الله روحه ، الا مع الضرورة عملا برواية الحسن الصيقل عن الصادق عليه‌السلام عن المحرم يحتجم ، قال : لا ، الا أن يخاف على نفسه التلف ولا يستطيع الصلاة ، وقال : اذا آذاه الدم فلا بأس به ويحتجم ولا يحلق الشعر (٣).

وتحمل ما عداها مما تدل على الجواز الذي هو حجة القائلين على الضرورة

__________________

(١) عوالى اللئالى ١ / ٣٨٣ و ٢ / ٧٤ و ٣ / ٢١٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٩٧ ، ح ٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٠٦ ، ح ٤٢.

١٨٣

جمعا بين الادلة.

قال رحمه‌الله : وكذا قيل في حك الجسد المفضي الى ادمائه ، وكذا في السواك ، والكراهية أظهر.

أقول : البحث في هاتين كالبحث في السابقة ، وقد تقدم.

واعلم أن السواك المحرم هو المفضي الى الادماء فقط.

قال رحمه‌الله : ولبس السلاح لغير الضرورة ، وقيل : يكره (١) ، وهو أشبه.

أقول : القول الاول هو المشهور بين الاصحاب ، فيتعين اتباعه دفعا للضرورة والثاني مستنده الاصل ، ويعارض بالاحتياط.

قال رحمه‌الله : ويتأكد في السواد.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : لا يجوز (٢). والاقرب الكراهية ، عملا بالاصل ، والرواية (٣) الدالة على الحرمة محمولة على الكراهية.

قال رحمه‌الله : والنقاب للمرأة على تردد.

أقول : منشؤه : النظر الى أصل الجواز.

والالتفات الى فتوى الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٤) ، فانه أفتى بالتحريم ، وتبعه المتأخر ، وهو الحق عندي.

لنا ـ أن كشف وجهها واجب ، ولا يتم الا بترك النقاب ، وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب ، فيكون ترك النقاب واجبا ولا نعني بكونه محرما الا ذلك.

لا يقال : لو وجب كشف الوجه جميعا ، لما ساغ اسدال القناع الى طرف

__________________

(١) فى « س » : مكروه.

(٢) المبسوط ١ / ٣١٩.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٦٦ ، ح ٢٢.

(٤) المبسوط ١ / ٣٢٠.

١٨٤

الانف ، لانه من جملة الوجه ، اذ الوجه عبارة عما يحصل به المواجهة ، واللازم باطل اتفاقا منا ، فالملزوم مثله.

بيان الملازمة : أن التحريم هناك انما هو لكون النقاب ساترا لبعض الوجه وهذا المعنى متحقق في اسدال القناع فيثبت التحريم.

لانا نقول : نحن لا نجوز ذلك مطلقا ، بل يشترط في جواز الاسدال عدم اصابة القناع للوجه ، وهذا غير ممكن في النقاب فافترقا.

على أن الشيخ قال في المبسوط : ويجوز لها أن تسدل على وجهها ثوبا اسدالا وتمنعه بيدها من أن يباشر وجهها أو بخشبة ، فان باشر وجهها الثوب الذي تسدله تعمدا كان عليها دم (١).

وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : مر أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة متنقعة وهي محرمة ، فقال : احرمي واسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك ، فانك ان تنقبت لم يتغير لونك ، فقال رجل : الى أين ترخيه؟ فقال : تغطي عينيها ، قال قلت : يبلغ فمها؟ قال : نعم (٢).

قال رحمه‌الله : ولو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا ، فلا شي‌ء عليه ، وان كان عامدا أجبره ببدنة ، وان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما.

أقول : هذا التقدير هو المشهور بين الاصحاب ، ومستنده النقل عن أهل البيت عليهم‌السلام.

قال رحمه‌الله : اذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا ، فوقف ليلا ، ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فاته الحج ، وقيل : يدركه ولو قبل الزوال ، وهو حسن.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٢٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٧٤ ، ح ٥٣.

١٨٥

اقول : هذا القول ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه ، محتجا بالاجماع وأن كل من قال بوجوب الوقوف بالمشعر اجتزأ به ، ولو كان الوقوف قبل الزوال بلا فصل ، مع فوات الوقوف بعرفة لعذر من نسيان أو غيره ، فالفرق بين المسألتين خلاف اجماع المسلمين.

وكلاهما ضعيف. أما الاول ، فلان جماعة من أكابر علمائنا ، كالشيخ رحمه‌الله وأتباعه ، خالفوا في ذلك ، وحكموا بفوات الحج مع عدم ادراك أحدهما اختيارا ، محتجين بالاجماع وبالاخبار ، واذا تعارض الاجماعان تساقطا ، والا لزم الجمع بين النقيضين ، أو الترجيح من غير مرجح ، وهما محالان.

وأما الثاني ، فممنوع أيضا ، بل لو ادعي الاجماع المركب على خلافه أمكن اذ لم يدرك الوقوف الاختياري به.

اذا عرفت هذا ، فنقول : الحق أنه يدرك الحج مع الوقوف به ولو قبل الزوال لوجهين :

الاول : ايجاب الاعادة مشقة وحرج عظيم ، فيكون منتفيا بوجوه :

الاول : قوله تعالى « ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (١) وقوله تعالى « يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ » (٢) الآية.

الثاني : قوله عليه‌السلام « بعثت بالحنيفية السمحة السهلة » (٣) وغير ذلك من الاخبار التي لا تحصى كثرة.

الثاني : ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من أدرك المشعر

__________________

(١) سورة الحج : ٧٨.

(٢) سورة البقرة : ١٨٥.

(٣) عوالى اللئالى ١ / ٣٨١ ، برقم : ٣.

١٨٦

الحرام يوم النحر قبل زوال الشمس ، فقد أدرك الحج (١).

وفي اخرى : دخل اسحاق بن عمار على أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عمن لم يدرك الناس بالموقفين ، فقال له : اذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن يزول الشمس يوم النحر ، فقد أدرك الحج (٢).

قال الشيخ في التهذيب : هذان الخبران يحتملان معنيين : أحدهما أن من أدرك مزدلفة قبل زوال الشمس ، فقد أدرك فضل الحج وثوابه ، دون أن يكون المراد بهما أن من أدركه فقد سقط عنه فرض الحج.

ويحتمل أيضا أن يكون هذا الحكم مخصوصا بمن أدرك عرفات ، ثم جاء الى المشعر قبل الزوال فقد أدرك الحج ، لانه أدرك أحد الموقفين اختيارا.

محتجا على هذا التأويل برواية (٣) قاصرة عن افادة المطلوب ، ونقلهما في الخلاف (٤) ، وذلك ليس لهما تأويل.

احتج الشيخ بالروايات المشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وتحمل على ما ذكرناه ، جمعا بين الادلة ، وتوهم المتأخر هنا وهما فتوق زلله (٥).

فرع :

لو أدرك أحد الموقفين اضطرارا ، فالاقرب بطلان الحج ، لفوات أعظم الاركان.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٩١ ، ح ٢٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٩١ ـ ٢٩٢ ، ح ٢٦.

(٣) التهذيب ٥ / ٢٩٢.

(٤) الخلاف ١ / ٤٥٥.

(٥) كذا فى النسختين.

١٨٧

فرع آخر :

قال الشيخ في المبسوط : من فاته الوقوف بالمشعر لم يجزيه الوقوف بعرفة (١) وعنى به الوقوف الاختياري والاضطراري بعرفة.

لنا ـ قوله عليه‌السلام « الحج عرفة » (٢).

قال رحمه‌الله : ولو نوى الوقوف ، ثم نام او جن أو اغمي عليه ، صح وقوفه. وقيل : لا ، والاول أشبه.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : والمواضع التي تجب أن يكون الانسان فيها مفيقا أربعة : الاحرام ، والوقوف بالموقفين ، والطواف ، والسعي ، فان كان مجنونا أو مغلوبا على عقله ، لم ينعقد احرامه ، الا أن ينوي عنه وليه على ما قدمناه وما عداه يصح منه ، وصلاة الطواف حكمها حكم الاربعة ، وكذا طواف النساء ، وكذا حكم النوم سواء. والاولى أن نقول : تصح منه الوقوف بالموقفين وان كان نائما ، لان الغرض منه الكون فيه لا الذكر (٣).

قال ابن ادريس : هذا غير واضح ، ولا بدّ من نية الوقوف بغير خلاف ، لما قدمناه من الادلة. وعنى بها الآية والخبر المشهور ، قال : والاجماع أيضا حاصل عليه.

والحق أن نقول : ان سبقت منه نية الوقوف في وقته صح حجه ، والا فلا.

لنا ـ على الاول أنه مع فعل ذلك يكون قد أتى بالمأمور به على وجهه فخرج عن عهدة التكليف.

أما الصغرى ، فلان المأمور به ليس الا الكون في الموضع المخصوص فقط اجماعا منا ، وليس الذكر جزءا منه ، بل انما هو مستحب ، ومع سبق النية

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٦٧.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ / ١٠٠٣ ، برقم : ٣٠١٥.

(٣) المبسوط ١ / ٣٨٤.

١٨٨

على العذر في الوقت يكون ناويا للكون المأمور به ، فيكون آتيا به ، اذ الواجب ما يصدق عليه هذا الاسم فقط.

ومعنى قول الاصحاب وقت الوقوف ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس أي : ان هذا الزمان صالح لنية الكون ، ولا ريب في صدقه ، أعني : الوقوف بالمشعر ، لا بمعنى أنه يجب شغل جميع أجزاء هذا الزمان بالوقوف ، بمعنى أنه أي وقت منه نوى الوقوف فيه أجزأ ، كما في أوقات العبادات اليومية بعد حضور أول الوقت ناويا له.

وأما الثانية ، فلما بينا أن الامر للاجزاء ، اما اذا لم ينو أصلا ، أو نوى قبل دخول وقت الوقوف ، ثم حصل العذر ، لم يصح وقوفه ، لانه لم يأت بالمأمور به ، وهو ظاهر.

قال رحمه‌الله : وتجب فيه شروط ثلاثة : أن يكون مما يسمى حجرا.

أقول : قال الشيخ في الخلاف : لا يجوز الرمي الا بالحجر وما كان من جنسه من الجواهر والبرام وأنواع الحجارة. ولا يجوز بغيره ، كالمدر والاجر والكحل والزرنيخ والملح ، وغير ذلك من الذهب والفضة (١).

وقال في المبسوط (٢) والجمل (٣) : لا يجوز الرمي الا بالحصى ، وتبعه ابن ادريس ، وهو اختيار السيد المرتضى قدس الله روحه ، ونقله عن الشافعي أيضا ولعله أقرب.

لنا ـ أن الرمي عبادة شرعية ، فيقتصر منها على اذن الشارع.

واحتج المرتضى بالاجماع ، وطريقة الاحتياط ، اذ لا خلاف في اجزاء الرمي

__________________

(١) الخلاف ١ / ٤٥٥ ، مسألة ١٦٣.

(٢) المبسوط ١ / ٣٦٩.

(٣) الجمل والعقود ص ٢٣٤.

١٨٩

بالحجر ، وانما الخلاف فيما عداه.

وعارض الجمهور بما رووه عن الفضل بن عباس أنه قال : لما أفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من عرفة وهبط وادي محسر ، قال : يا أيها الناس عليكم بحصى الخذف (١). والامر للوجوب.

احتج الشيخ بأن المقصود الرمي ، وهو يحصل بكل واحد من هذه الامور ونمنع ذلك ، سلمنا لكنه منقوض بالكحل والزرنيخ وما أشبههما ، فان مسمى الرمي يحصل بهما مع أنه لا يجزيه.

قال رحمه‌الله : يستحب أن يرميها خذفا.

أقول : قال السيد المرتضى قدس الله روحه : ومما انفردت به الامامية القول بوجوب الخذف لحصى الجمار ، وهو أن يضع الرامي الحصاة على ابهام يده اليمنى ويدفعه بظهر اصبعه الوسطى : ولم يراع غيره ذلك ، وتبعه ابن ادريس ، وهو ظاهر كلام الشيخ في المبسوط (٢).

احتج المرتضى قدس الله روحه بالاجماع ، وبأن النبي عليه‌السلام في أكثر الروايات أمر بالخذف ، والخذف كيفية في الرمي مخالفة لغيرها.

وأقول : هذا القول ليس بعيدا من الصواب ، لكن الاول يعتضد بأصالة البراءة.

قال رحمه‌الله : ولو تمتع المكي وجب عليه الهدي.

أقول : قد مر البحث في هذه.

قال رحمه‌الله : ولا يجزئ الواحد في الواجب الا عن واحد ، وقيل : يجزي مع الضرورة عن خمسة وعن سبعة ، اذا كانوا أهل خوان واحد ، والاول أشبه.

اقول : اختلفت الآراء في هذه المسألة بسبب اختلاف الروايات ، فذهب

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ / ١٠٠٨.

(٢) المبسوط ١ / ٣٦٩.

١٩٠

الشيخ في كتابي الاخبار والنهاية (١) والمبسوط (٢) الى القول الثاني ، قال أيضا : وعن سبعين ، عملا بالرواية المروية عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما خف فهو أفضل قلت : عن كم يجزئ؟ فقال : عن سبعين (٣).

وذهب في الخلاف (٤) الى الاول ، واختاره المتأخر ، ولعله أقرب.

لنا ـ عموم قوله تعالى « فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ » (٥) وتحمل الرواية على التطوع ، جمعا بين الادلة.

قال رحمه‌الله : ويستحب أن يقسم الهدي أثلاثا : يأكل ثلثه ، ويتصدق بثلثه ويهدي ثلثه. وقيل : يجب الاكل منه ، وهو الاظهر.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : ومن السنة أن يأكل من هديه لمتعته يأكل ثلثه ، ويطعم القانع والمعتر ثلثه ، ويهدي لاصدقائه ثلثه (٦).

وقال ابن ادريس : فاما هدي التمتع والقارن ، فالواجب أن يأكل منه ولو قليلا ، ويتصدق على القانع والمعتر ولو قليلا ، لقوله تعالى « فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ (٧) » والامر عندنا يقتضي الوجوب والفور دون التراخي ، وهو الاقوى عندي ، وعليه دلت ظاهر الروايات.

قال رحمه‌الله : ومن فقد الهدي ووجد ثمنه ، قيل : يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، وقيل : ينتقل فرضه الى الصوم ، وهو الاشبه.

__________________

(١) النهاية ص ٢٥٨.

(٢) المبسوط ١ / ٣٧٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٠٩ ، ح ٤٢.

(٤) الخلاف ١ / ٤٥٧.

(٥) سورة البقرة : ١٩٦.

(٦) المبسوط ١ / ٣٧٤.

(٧) سورة الحج : ٣٦.

١٩١

اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في جميع كتبه. قال في المبسوط : فان لم يتفق شراؤه في ذي الحجة وجب ذبحه في العام المقبل في ذي الحجة (١) عملا بالاحتياط ، ولان العجز انما يتحقق بعدم الهدي وثمنه.

والقول الثاني ذهب إليه المتأخر ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب التخلف ، وللآية ، لان الله لم ينقلنا عند عدم الهدي الا الى الصوم ولم يجعل واسطة ، فمن أثبتها فعليه الدلالة ، كما في العتق.

والعجز يتحقق بعدم الرقبة وان وجد الثمن ، كما يتحقق بعدم الثمن وان وجد الرقبة ، وانكار ذلك مكابرة محضة.

لا يقال : الفرق يطلق على واجد الثمن أنه واجد.

لانا نقول : نمنع ذلك ، سلمنا لكن الوجدان له معنيان عرفي وشرعي ، والمراد به المعنى الاخير ، ولا شك في انتفائه مع انتفاء أحد الوصفين ، ونقل صاحب كشف الرموز عن المصنف أنه كان يعني بالاول ، وهو الاحوط عندي.

قال رحمه‌الله : ولو صام يومين وأفطر الثالث لم يجزيه واستأنف ، الا أن يكون ذلك هو العيد ، فيأتي بالثالث بعد النفر.

اقول : قال في المبسوط والجمل في كتاب الصوم : صوم دم المتعة ان صام يومين ثم أفطر بنى ، وان صام يوما ثم أفطر أعاد (٢).

قال ابن ادريس : هذا الاطلاق ليس بصحيح ، الا في موضع واحد ، وعنى به هذه الصورة ، والذي ذكره المصنف ، ولعله أقرب.

لنا ـ أن الامر ورد بالتتابع ، ترك العمل به في هذه الصور بالاجماع ، فيبقى معمولا به فيما عداها.

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٧٠.

(٢) المبسوط ١ / ٢٨٠.

١٩٢

واحتج الشيخ بأن تتابع الاكثر يجري مجرى تتابع الجميع ، كما في الشهرين والقياس ليس حجة عندنا.

قال رحمه‌الله : وصوم السبعة بعد وصوله الى أهله ، ولا يشترط فيها الموالاة على الاصح.

أقول : ذهب أكثر الاصحاب الى عدم اشتراط المتابعة ، تمسكا بالاصل ، واعتمادا على المشهور من النقل ، فذهب أبو الصلاح الى وجوب الموالاة ، عملا بقوله تعالى « وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ (١) » والامر للفور ، ونمنع ذلك.

قال رحمه‌الله : ولو مات من وجب عليه الصوم ولم يصم ، وجب على وليه الصوم عنه الثلاثة دون السبعة. وقيل : بوجوب قضاء الجميع ، وهو الاشبه.

اقول : قال الشيخ في المبسوط : فان مات من وجب عليه الهدي ولم يكن معه ثمنه ، ولا يكون صام أيضا ، صام عنه وليه الثلاثة أيام ، ولا يلزمه قضاء السبعة ، بل يستحب له ذلك.

هذا اذا كان يمكن من الصوم ولم يصم ، فاما ان لم يتمكن من الصوم أصلا لمرض ، فلا تجب القضاء عنه ، وانما يستحب ذلك على الولي.

وقال المتأخر بوجوب قضاء السبعة أيضا مع تمكن الميت من صيامها ، محتجا بالعمومات الدالة على أنه تجب قضاء ما فات الميت من الصيام مع تمكنه منه ، والاصل يخالف للدليل.

قال رحمه‌الله : فاذا فرغ من الذبح ، فهو مخير ان شاء حلق وان شاء قصر والحلق أفضل ، ويتأكد في الصرورة ، ومن لبد شعره. وقيل : لا يجزيه الا الحلق والاول أظهر.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٦.

١٩٣

أقول : قال الشيخ في النهاية (١) والمبسوط (٢) : الصرورة والملبد أي : الذي جعل في رأسه عسلا أو صمغا ، لئلا يقمل أو يتسخ ـ لا يجزيهما غير الحلق.

واختاره شيخنا المفيد ، عملا برواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصر ، انما التقصير لمن حج حجة الاسلام (٣).

وفي معناها رواية بكر بن خالد عنه عليه‌السلام (٤).

وفي رواية معاوية بن عمار عنه عليه‌السلام قال : ينبغي للصرورة أن يحلق وان كان قد حج ، فان شاء قصر وان شاء حلق ، قال : واذا لبد شعره أو عقصه ، فان عليه الحلق وليس له التقصير (٥).

ولم يفرق في الجمل (٦) بين كونه صرورة أو غيره ، لبد شعره أو لا ، لكن الحلق أفضل ، عملا بالاصل ، واستنادا الى الآية (٧) ، واختاره المتأخر ، وعليه الاكثر.

قال رحمه‌الله : ويجب تقديم التقصير على زيارة البيت لطواف الحج والسعي فلو عكس عامدا جبره بشاة ، ولو كان ناسيا لم يجب عليه شي‌ء ، وعليه اعادة الطواف على الاظهر.

أقول : لا أعرف بين الاصحاب في هذه خلافا فأنقله.

قال رحمه‌الله : وأن يكون مختونا.

اقول : ينبغي أن يراد فيه اذا أمكنه الختان. أما لو تعذر عليه ذلك ، جاز له

__________________

(١) النهاية ص ٢٦٢.

(٢) المبسوط ١ / ٣٧٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٤٣ ، ح ١٢.

(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٤٣ ، ح ١٣.

(٥) تهذيب الاحكام ٥ / ٢٤٣ ، ح ١٤.

(٦) الجمل والعقود ص ٢٣٦.

(٧) فى هامش « س » عن نسخة : الرواية.

١٩٤

الطواف ، وان كان الشيخ في المبسوط (١) أطلق.

قال رحمه‌الله : وتجب البدأة بالحجر الاسود والختم به.

اقول : لا خلاف في البدأة بالحجر والختم به ، وانما نذكر هنا مسألة ، وهي أنه لو ابتدأ الطواف من غير الحجر ، فاما أن يبتدأ به من موضع قبله أو بعده.

فان ابتدأه من موضع قبله لم يعتد بذلك الشوط الى أن ينتهي الى أول الحجر فاذا انتهى إليه جعل ابتداء طوافه منه. هذا ان نوى قطع الشوط الاول عنده وابتدأ طواف الفريضة منه. ويحتمل ضعيفا البطلان.

ولو ابتدأ به من موضع بعده ، لم يعتد به أيضا ، وجدد نية الاستئناف عند الوصول الى أول الحجر ، مع احتمال ذلك أيضا.

فرع :

لو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف ، فالاقوى البطلان ، وللشافعي وجهان حكاهما الغزالي في الوجيز.

قال رحمه‌الله : الزيادة على سبع في الطواف الواجب محظورة على الاظهر وفي النافلة مكروهة.

اقول : ذهب أكثر الاصحاب الى أن تعمد الزيادة في طواف الفريضة محرم مبطل ، عملا بالاحتياط ، ولان الطواف مساو للصلاة ، فيبطله ما يبطلها ، ولا شك أن الزيادة مبطلة للصلاة ، فتكون مبطلة لمساويها ، أعني : الطواف.

أما الاولى ، فلقوله عليه‌السلام « الطواف بالبيت صلاة » (٢).

وأما الثانية ، فلما ثبت من وجوب تساوي المثلين في جميع الاحكام اللازمة

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٥٨.

(٢) عوالى اللئالى ٢ / ١٦٧ ، برقم : ٣.

١٩٥

واستنادا الى الروايات المشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

وقال المتأخر : انه مكروه شديد الكراهة ، واختاره الشيخ في الاستبصار (١) عملا بأصالة عدم التحريم ، وتمسكا برواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : انما يكره أن يجمع الرجل بين الاسبوعين والطوافين في الفريضة ، فأما في النافلة فلا بأس (٢). وفي معناها رواية عمر بن يزيد عنه عليه‌السلام (٣).

وتحمل الروايتان الاخريان على ذلك دفعا للتناقض.

قال رحمه‌الله : يجب أن يصلي ركعتي الطواف.

أقول : المشهور وجوب ركعتي الطواف الواجب ومنهم من استحبها.

لنا ـ الآية والرواية. احتجوا بالاصل ، وهو معارض بما ذكرناه.

قال رحمه‌الله : من طاف في ثوب نجس مع العلم لم يصح طوافه.

أقول : هذا هو المشهور بين علمائنا ، وظاهر كلام ابن الجنيد الكراهية.

لنا ـ ما تقدم في مسألة الزيادة ، ولان الطواف في الثوب النجس يستلزم ادخال النجاسة الى المسجد ، وهو منهي عنه ، واستنادا الى الرواية المروية عن الصادق عليه‌السلام (٤).

احتجا بالاصل ، ويعارض بما ذكرناه.

فرع :

والبحث في نجاسة البدن ، كالبحث في نجاسة الثوب.

__________________

(١) الاستبصار ٢ / ٢٢١.

(٢) الاستبصار ٢ / ٢٢٠ ، ح ١.

(٣) الاستبصار ٢ / ٢٢٠ ، ح ٢.

(٤) تهذيب الاحكام ٥ / ١٢٦ ، ح ٨٧.

١٩٦

فرع آخر :

قال في الخلاف : ستر العورة شرط (١). وتبعه ابن زهرة ، عملا بالحديث الذي رويناه أولا. وفيه نظر.

قال رحمه‌الله : ويستحب له استلام الحجر على الاصح.

أقول : المشهور الاستحباب ، تمسكا بالاصل. وقال سلار : انه واجب ، وهو ظاهر كلام شيخنا المفيد كرم الله محله ، عملا بالاحتياط ، وتعارض بما ذكرناه.

قال رحمه‌الله : وأن يكون في طوافه داعيا ، ذاكرا الله سبحانه على سكينة ووقار ، مقتصدا في مشيه. وقيل : يرمل ثلاثا ويمشي أربعا.

أقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (٢) ، واختاره أبو الصلاح وابن ادريس ، وهو مذهب ابن الجنيد وابن أبي عقيل ، عملا بالرواية عن الصادق عليه‌السلام (٣).

وقال في المبسوط : يستحب أن يرمل ثلاثا ، أي : يسرع ويمشي أربعا في الطواف ، هذا في طواف القدوم فحسب ، اقتداء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كذا فعل ، رواه جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر. وليس على المريض والنساء رمل ، أعني : الرمل في الثلاثة الاول والمشي في الاربعة لا غير ، ولا على من يحمله أو يحمل ويطوف به (٤).

وجعله ابن حمزة مستحبا في الطواف كله ، وخصوصا في طواف الزيارة.

قال رحمه‌الله : ويستحب ثلاثمائة وستون طوافا ، فان لم يتمكن فثلاثمائة

__________________

(١) الخلاف ١ / ٤٤٦ مسألة ١٢٩.

(٢) النهاية ص ٢٣٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ١٠٩ ، ح ٢٤.

(٤) المبسوط ١ / ٣٥٦.

١٩٧

وستون شوطا ، ويلحق الزيادة بالطواف الاخير ، وتسقط الكراهية هنا بهذا الاعتبار.

أقول : مستند هذه المسألة رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه‌السلام قال : يستحب أن تطوف ثلاثمائة وستين اسبوعا عدد أيام السنة ، فان لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف (١).

وهذه الرواية قبلها أكثر الاصحاب وأفتى بمضمونها ، وليس في طريقها طعن ومع تحقق الرواية ينتفى كراهية الزيادة على السبعة ، لما عرفت أن العام يخص لدليل أخص منه ، لانهما دليلان تعارضا. فاما أن لا يعمل بهما ، أو يعمل بهما ، أو يعمل بالعام أو بالخاص ، والاقسام الثلاثة الاول باطلة ، فتعين الرابع ، وتمام الاستدلال مذكور في أصول الفقه.

ونقول : يلحق الاشواط الثلاثة بالطواف الاخير ، تخلصا من الجمع بين الطوافين ، فيكون عدد أشواطه عشرا. وأما سلار ، فاستحب زيادة أربعة أشواط أخر ، تخلصا من كراهية الزيادة ، ولا بأس به.

قال رحمه‌الله : ومن زاد على السبعة سهوا ، أكملها أسبوعين وصلى ركعتي الفريضة أولا وركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي.

أقول : هذا هو المشهور بين الاصحاب ، عملا بأصالة براءة الذمة من وجوب الاعادة ، ولان الاعادة فرض ثان يفتقر الى دليل ، وحيث لا دلالة فلا اعادة ، ويؤيده رواية عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وقال الصدوق بوجوب الاعادة ، وجعل فتوى الاصحاب رواية (٣) ، عملا

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١٣٥ ، ح ١١٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ١١٢ ، ح ٣١.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٩٦.

١٩٨

بالاحتياط ، واستنادا الى رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام (١). والاحتياط معارض بالاصل ، والرواية محمولة على تعمد الزيادة ، جمعا بين الادلة.

فائدة :

أطلق الشيخ رحمه‌الله الامر بالإضافة ولم يذكر أي الطوافين هو طواف الفريضة. وكذا ابن ادريس. أما ابن بابويه ، فانه جعل طواف الفريضة هو الثاني وجعل الركعتين الاولتين له ، والركعتين والطواف الاول ندب. وكذا ابن الجنيد.

والاليق بمذهب الشيخ قدس الله روحه أن يكون الاول هو الواجب والثاني المستحب ، اذ الزيادة انما تبطل عنده لو وقعت عمدا ، وانما يتمشى على قاعدة الصدوق رحمه‌الله من ابطال الطواف بالزيادة مطلقا ، سواء وقعت عمدا أو سهوا.

قال رحمه‌الله : من نسي طواف الزيارة حتى رجع الى أهله وواقع ، قيل : عليه بدنة والرجوع الى مكة للطواف. وقيل : لا كفارة عليه ، وهو الاصح. ويحمل القول الاول على من واقع بعد الذكر.

اقول : القول الاول ذهب إليه الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) ، عملا بالروايات المشهورة عن أهل البيت عليهم‌السلام.

والقول الثاني ذهب إليه ابن ادريس ، وهو الاقوى.

لنا ـ أنه مع النسيان يكون ما فعله سائغا بالاجماع ، فلا يترتب عليه كفارة ، وتحمل الروايات على من واقع بعد الذكر ، لان الوطي حينئذ يكون محرما يترتب عليه الكفارة.

قال رحمه‌الله : اذا نسي طواف النساء جاز أن يستنيب ، ولو مات قضاه

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١١١ ، ح ٣٣.

(٢) النهاية ص ٢٤٠.

(٣) المبسوط ١ / ٣٥٩.

١٩٩

وليه وجوبا.

اقول : لا يشترط (١) هنا في جواز الاستنابة تعذر العود ، عملا بالاصل السالم عن معارضة النص.

فرع :

لا خلاف أن الرجل اذا ترك طواف النساء ، حرم عليه وطؤهن حتى يطوف أو يستنيب.

وانما الخلاف في المرأة لو تركته ، فذهب ابن بابويه الى تحريم الرجال عليها لو تركته حتى تأتي به ، أو يستنيب فيه كالرجل.

وليس بجيد ، أما أولا فلان أصالة البراءة تنفي ذلك ، ترك العمل بها في الصورة الاولى ، للاجماع والنص ، فيبقى معمولا بها فيما عداها.

وأما ثانيا ، فلان حملها على الرجل قياس ، ونحن لا نقول به.

فرع آخر :

أوجب هذا القائل طواف الوداع ، وجعله قائما مقام طواف النساء في التحليل.

وليس بصواب ، فان طواف الوداع مستحب ، فلا يجزئ ، عن الواجب ، وبما قاله رواية نادرة رواها اسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام. وابن الجنيد يسمى طواف النساء طواف الوداع وأوجبه.

قال رحمه‌الله : من طاف كان بالخيار في تأخير السعي الى الغد ، ثم لا يجوز مع القدرة.

اقول : قال في المبسوط : من طاف بالبيت جاز له أن يؤخر السعي الى بعد

__________________

(١) فى « س » : الاشتراط.

٢٠٠