الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي
المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤
وأهله لأهلك وقاء
فلئن أخرتني الدهور ، وعاقني عن نصرك المقدور ، ولم أكن لمن حاربك محاربا ، ولمن نصب لك العداوة مناصبا ، فلأندبنك صباحا ومساء ، ولأبكين عليك بدل الدموع دما ، حسرة عليك وتأسفا على ما دهاك وتلهفا ، حتى أموت بلوعة (١) المصاب وغصة الاكتياب (٢).
اشهد انك قد أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر والعدوان ، وأطعت الله وما عصيته ، وتمسكت به وبحبله فأرضيته وخشيته ، وراقبته واستجبته ، وسننت السنن ، وأطفأت الفتن ، ودعوت إلى الرشاد ، وأوضحت سبل السداد ، وجاهدت في الله حق الجهاد.
وكنت لله طائعا ، ولجدك محمد صلىاللهعليهوآله تابعا ، ولقول أبيك سامعا ، والى وصية أخيك مسارعا ، ولعماد الدين رافعا ، وللطغيان قامعا ، وللطغاة مقارعا ، وللأمة ناصحا.
وفي غمرات الموت سابحا ، وللفساق مكافحا (٣) ، وبحجج الله قائما ، وللاسلام والمسلمين راحما ، وللحق ناصرا ، وعند البلاء صابرا ، وللدين كالئا ، وعن حوزته مراميا ، وعن شريعته محاميا.
__________________
(١) اللوعة : حرقة الحزن والهوى والوجد.
(٢) كئب : كان في غم وسوء حال وانكسار من حزن.
(٣) كفح العدو : واجهه واستقبله.
تحوط الهدى وتنصره ، وتبسط العدل وتنشره ، وتنصر الدين وتظهره ، وتكف العابث وتزجره ، وتأخذ للدني من الشريف ، وتساوي في الحكم بين القوي والضعيف.
كنت ربيع الأيتام ، وعصمة الأنام ، وعز الاسلام ، ومعدن الاحكام ، وحليف الانعام ، سالكا طرائق جدك وأبيك ، مشبها في الوصية لأخيك ، وفي الذمم ، رضي الشيم (١) ، ظاهر الكرم ، متهجدا في الظلم ، قويم الطرائق (٢) ، كريم الخلائق ، عظيم السوابق ، شريف النسب ، منيف الحسب ، رفيع الرتب ، كثير المناقب ، محمود الضرائب (٣) ، جزيل المواهب ، حليم رشيد منيب ، جواد عليم شديد ، امام شهيد ، أواه منيب ، حبيب مهيب.
كنت للرسول صلىاللهعليهوآله ولدا ، وللقران منقذا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا ، حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا (٤) عن سبل الفساق ، باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود.
زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها ، آمالك عنها مكفوفة ، وهمتك عن زينتها مصروفة ، وألحاظك عن بهجتها مطروفة ، ورغبتك في الآخرة معروفة.
حتى إذا الجور مد باعه ، واسفر الظلم قناعه ، ودعا الغي اتباعه ،
__________________
(١) الشيمة جمع شيم : الخلق والطبيعة.
(٢) الطريقة جمع طرائق : السيرة.
(٣) الضريبة جمع ضرائب : الطبيعة والسجية.
(٤) نكب عنه : عدل.
وأنت في حرم جدك قاطن ، وللظالمين مباين ، جليس البيت والمحراب معتزل عن اللذات والشهوات ، تنكر المنكر بقلبك ولسانك ، على قدر طاقتك وامكانك.
ثم اقتضاك العلم للانكار ، ولزمك ان تجاهد الفجار ، فسرت في أولادك وأهاليك ، وشيعتك ومواليك ، وصدعت بالحق والبينة ، ودعوت إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأمرت بإقامة الحدود ، والطاعة للمعبود ، ونهيت عن الخبائث والطغيان ، وواجهوك بالظلم والعدوان.
فجاهدتهم بعد الايعاظ لهم ، وتأكيد الحجة عليهم ، فنكثوا ذمامك وبيعتك ، وأسخطوا ربك وجدك ، وبدؤوك بالحرب ، فثبت للطعن والضرب ، وطحنت (١) جنود الفجار ، واقتحمت قسطل (٢) الغبار ، مجالدا بذي الفقار ، كأنك على المختار.
فلما رأوك ثابت الجأش ، غير خائف ولا خاش ، نصبوا لك غوائل مكرهم ، وقاتلوك بكيدهم وشرهم ، وامر اللعين جنوده ، فمنعوك الماء ووروده ، وناجزوك (٣) القتال ، وعاجلوك النزال (٤) ، ورشقوك (٥) بالسهام
__________________
(١) طحى : هلك.
(٢) القسطل : الغبار الساطع في الحرب.
(٣) ناجزه : قاتله وبارزه.
(٤) تنازل القوم : نزلوا إلى ساحة القتال فتضاربوا.
(٥) رشقه بالسهم : رماه.
والنبال ، وبسطوا إليك اكف الاصطلام
ولم يرعوا لك ذماما ، ولا راقبوا فيك آثاما ، في قتلهم أولياءك ، ونهبهم رحالك ، أنت مقدم في الهبوات (١) ، ومحتمل للأذيات ، وقد عجبت من صبرك ملائكة السماوات.
وأحدقوا بك من كل الجهات ، وأثخنوك (٢) بالجراح ، وحالوا بينك وبين الرواح ، ولم يبق لك ناصر ، وأنت محتسب صابر ، تذب عن نسوتك وأولادك.
حتى نكسوك عن جوادك ، فهويت إلى الأرض جريحا ، تطؤوك الخيول بحوافرها ، وتعلوك الطغاة ببواترها (٣) ، قد رشح (٤) للموت جبينك ، واختلفت بالانقباض والانبساط شمالك ويمينك ، تدير طرفا خفيا إلى رحلك وبيتك ، وقد شغلت بنفسك عن ولدك وأهلك ، وأسرع فرسك شاردا ، والى خيامك قاصدا ، محمحما (٥) باكيا.
فلما رأين النساء جوادك مخزيا ، ونظرن سرجك عليه ملويا ، برزن من الخدور ، ناشرات الشعور على الخدود ، لاطمات الوجوه ، سافرات (٦) ،
__________________
(١) الهبوة ج هبوات : العبرة.
(٢) ثخنته الجراح : أوهنته وأضعفته.
(٣) البائر ج بواتر : السيف القاطع.
(٤) رشح الجسد : عرق.
(٥) حمحم الفرس : ردد صوته.
(٦) سفر المرأة : كشفت عن وجهها.
وبالعويل داعيات ، وبعد العز مذللات ، والى مصرعك مبادرات
والشمر جالس على صدرك ، مولغ سيفه على نحرك ، قابض على شيبتك بيده ، ذابح لك بمهنده (١) ، قد سكنت حواسك ، وخفيت أنفاسك ، ورفع على القنا (٢) رأسك ، وسبي أهلك كالعبيد ، وصفدوا (٣) في الحديد ، فوق أقتاب (٤) المطيات ، تلفح وجوههم حر الهاجرات (٥) ، يساقون في البراري والفلوات ، أيديهم مغلولة إلى الأعناق ، يطاف بهم في الأسواق.
فالويل للعصاة الفساق ، لقد قتلوا بقتلك الاسلام ، وعطلوا الصلاة والصيام ، ونقضوا السنن والاحكام ، وهدموا قواعد الايمان ، وحرفوا آيات القران ، وهملجوا (٦) في البغي والعدوان.
لقد أصبح رسول الله صلىاللهعليهوآله موتورا ، وعاد كتاب الله عزوجل مهجورا ، وغودر الحق إذ قهرت مقهورا ، وفقد بفقدك التكبير والتهليل ، والتحريم والتحليل ، والتنزيل والتأويل ، وظهر بعدك التغيير والتبديل ، والالحاد والتعطيل ، والأهواء والأضاليل ، والفتن والأباطيل.
__________________
(١) المهند : السيف المطبوع من حديد الهند.
(٢) القنا : الرمح.
(٣) صفده : أوثقه وقيده بالحديد.
(٤) القتب : الرحل.
(٥) الهاجر : نصف النهار في القيظ أو عند زوال الشمس إلى العصر.
(٦) هملج البرذون : مشى مشية سهلة بسرعة.
فقام ناعيك عند قبر جدك الرسول صلىاللهعليهوآله ، فنعاك إليه بالدمع الهطول (١) ، قائلا : يا رسول الله قتل سبطك وفتاك ، واستبيح أهلك وحماك ، وسبيت بعدك ذراريك ، ووقع المحذور بعترتك وذويك.
فانزعج (٢) الرسول وبكى قلبه المهول ، وعزاه بك الملائكة والأنبياء ، وفجعت بك أمك الزهراء ، واختلفت جنود الملائكة المقربين ، تعزي أباك أمير المؤمنين ، وأقيمت لك الماتم في اعلا عليين ، ولطمت عليك الحور العين ، وبكت السماء وسكانها ، والجنان وخزانها (٣) ، والهضاب (٤) وأقطارها ، والأرض وأقطارها ، والبحار وحيتانها ، ومكة وبنيانها ، والجنان وولدانها ، والبيت والمقام ، والمشعر الحرام ، والحل والاحرام.
اللهم فبحرمة هذا المكان المنيف ، صل على محمد وال محمد واحشرني في زمرتهم ، وادخلني الجنة بشفاعتهم.
اللهم فاني أتوسل إليك يا أسرع الحاسبين ، ويا أكرم الأكرمين ، ويا احكم الحاكمين ، بمحمد خاتم النبيين ، رسولك إلى العالمين أجمعين ، وبأخيه وابن عمه الأنزع البطين ، العالم المكين ، علي أمير المؤمنين ، وبفاطمة سيدة نساء العالمين.
__________________
(١) هطل المطر : نزل متتابعا متفرقا عظيم القطر.
(٢) انزعج : قلق.
(٣) سكانها ( خ ل ).
(٤) الهضبة : الجبل المنبسط على وجه الأرض.
وبالحسن الزكي عصمة المتقين ، وبأبي عبد الله الحسين أكرم المستشهدين ، وبأولاده المقتولين ، وبعترته المظلومين ، وبعلي بن الحسين زين العابدين ، وبمحمد بن علي قبلة الأوابين ، وجعفر بن محمد أصدق الصادقين ، وموسى بن جعفر مظهر البراهين ، وعلي بن موسى ناصر الدين ، ومحمد بن علي قدوة المهتدين ، وعلي بن محمد أزهد الزاهدين ، والحسن بن علي وارث المستخلفين ، والحجة على الخلق أجمعين ، ان تصلي على محمد وال محمد ، الصادقين الأبرين ، ال طه ويس ، وان تجعلني في القيامة من الآمنين المطمئنين ، الفائزين الفرحين المستبشرين.
اللهم اكتبني في المسلمين ، والحقني بالصالحين ، واجعل لي لسان صدق في الآخرين ، وانصرني على الباغين ، واكفني كيد الحاسدين ، واصرف عني مكر الماكرين ، واقبض عني أيدي الظالمين ، واجمع بيني وبين السادة الميامين في اعلا عليين ، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين ، والصديقين والشهداء والصالحين ، برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم إني أقسم عليك بنبيك المعصوم ، وبحكمك المحتوم ، ونهيك المكتوم ، وبهذا القبر الملموم (١) ، الموسد في كنفه الامام المعصوم ، المقتول المظلوم ، ان تكشف ما بي من الغموم ، وتصرف عني
__________________
(١) بهذا القبر الملموم : اي الذي يلم وينزل به الناس للزيارة.
شر القدر المحتوم ، وتجيرني من النار ذات السموم
اللهم جللني بنعمتك ، ورضني بقسمك ، وتغمدني بجودك وكرمك ، وباعدني من مكرك ونقمتك ، اللهم اعصمني من الزلل ، وسددني في القول والعمل ، وافسح لي في مدة الاجل ، واعفني من الأوجاع والعلل ، وبلغني بموالي وبفضلك أفضل الأمل.
اللهم صل على محمد وال محمد واقبل توبتي ، وارحم عبرتي (١) ، وأقلني عثرتي ، ونفس كربتي ، واغفر لي خطيئتي ، وأصلح لي في ذريتي.
اللهم لا تدع لي في هذا المشهد المعظم ، والمحل المكرم ، ذنبا الا غفرته ، ولا عيبا الا سترته ، ولا غما الا كشفته ، ولا رزقا الا بسطته ، ولا جاها الا عمرته ، ولا فسادا الا أصلحته ، ولا املا الا بلغته ، ولا دعاء الا أجبته ، ولا مضيقا الا فرجته ، ولا شملا الا جمعته ، ولا أمرا الا أتممته ، ولا مالا الا كثرته ، ولا خلقا الا حسنته ، ولا انفاقا الا أخلفته ، ولا حالا الا عمرته ، ولا حسودا الا قمعته ، ولا عدوا الا أرديته ، ولا شرا الا كفيته ، ولا مرضا الا شفيته ، ولا بعيدا الا أدنيته ، ولا شعثا الا لممته ، ولا سؤالا الا أعطيته.
اللهم إني أسألك خير العاجلة وثواب الأجلة ، اللهم أغنني بحلالك عن الحرام ، وبفضلك عن جميع الأنام ، اللهم إني أسألك علما
__________________
(١) حيرتي ( خ ل ).
نافعا وقلبا خاشعا ، ويقينا شافيا ، وعملا زاكيا ، وصبرا جميلا ، واجرا جزيلا.
اللهم ارزقني شكر نعمتك على ، وزد في احسانك وكرمك إلى ، واجعل قولي في الناس مسموعا ، وعملي عندك مرفوعا ، وأثري في الخيرات متبوعا ، وعدوي مقموعا.
اللهم صل على محمد وال محمد الأخيار ، في اناء الليل وأطراف النهار ، واكفني شر الأشرار ، وطهرني من الذنوب والأوزار ، واجرني من النار ، وادخلني (١) دار القرار ، واغفر لي ولجميع إخواني فيك ، وأخواتي المؤمنين والمؤمنات ، برحمتك يا ارحم الراحمين.
ثم توجه إلى القبلة ، وصل ركعتين ، وتقرأ في الأولى سورة الأنبياء ، وفي الثانية الحشر ، وتقنت فتقول :
لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع والأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ، خلافا لأعدائه (٢) ، وتكذيبا لمن عدل به ، واقرارا لربوبيته ، وخشوعا لعزته ، الأول بغير أول ، والاخر بغير اخر ، الظاهر على كل شئ بقدرته ، الباطن دون كل شئ بعلمه ولطفه.
لا تقف العقول على كنه عظمته ، ولا تدرك الأوهام حقيقة ماهيته ،
__________________
(١) أحلني ( خ ل ).
(٢) خلافا : اي أقول كلمة التوحيد خلافا لهم.
ولا تتصور الأنفس معاني كيفيته ، مطلعا على الضمائر ، عارفا بالسرائر يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم إني أشهدك على تصديقي رسولك صلىاللهعليهوآله ، وايماني به ، وعلمي بمنزلته ، واني اشهد أنه النبي الذي نطقت الحكمة بفضله ، وبشرت الأنبياء به ، ودعت إلى الاقرار بما جاء به ، وحثت على تصديقه بقوله تعالى :
( الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التورية والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهيهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم ) (١).
فصل على محمد رسولك إلى الثقلين ، وسيد الأنبياء المصطفين ، وعلى أخيه وابن عمه ، اللذين لم يشركا بك طرفة عين ابدا ، وعلى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، صلاة خالدة الدوام ، عدد قطر الرهام (٢) ، وزنة الجبال والآكام (٣) ، ما اورق السلام (٤) ، واختلف الضياء والظلام ، وعلى اله الطاهرين ، الأئمة المهتدين ، الذائدين عن الدين ، علي ومحمد ، وجعفر وموسى ، و علي ومحمد ، وعلي والحسن والحجة ، القوام بالقسط ، وسلالة السبط.
__________________
(١) الأعراف : ١٥٥.
(٢) الرهام ـ كجبال ـ جمع الرهمة ـ بالكسر ـ ، وهي المطر الضعيف الدائم.
(٣) الأكمة : التل أو الموضع الذي يكون أكثر ارتفاعا مما حوله.
(٤) السلام ـ بالفتح ويكسر ـ شجر.
اللهم إني أسألك بحق هذا الامام فرجا قريبا ، وصبرا جميلا ونصرا عزيزا ، وغنى عن الخلق ، وثباتا في الهدى ، والتوفيق لما تحب وترضى ، ورزقا واسعا حلالا طيبا ، مريئا دارا ، سائغا فاضلا مفضلا ، صبا صبا ، من غير كد ولا نكد ، ولا منة من أحد ، وعافية من كل بلاء وسقم ومرض ، والشكر على العافية والنعماء ، وإذا جاء الموت ، فاقبضنا على أحسن ما يكون لك طاعة ، على ما امرتنا محافظين ، حتى تؤدينا إلى جنات النعيم ، برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم صل على محمد وال محمد وأوحشني من الدنيا ، وآنسني بالآخرة ، فإنه لا يوحش من الدنيا الا خوفك ، ولا يؤنس بالآخرة الا رجاؤك.
اللهم لك الحجة لا عليك ، واليك المشتكي لا منك ، فصل على محمد واله واعني على نفسي الظالمة العاصية ، وشهوتي الغالبة ، واختم لي بالعفو والعافية.
اللهم ان استغفاري إياك ، وأنا مصر على ما نهيت قلة حياء ، وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك ، تضييع لحق الرجاء ، اللهم ان ذنوبي تؤيسني ان أرجوك ، وان علمي بسعة رحمتك يمنعني ان أخشاك ، فصل على محمد وال محمد وصدق رجائي لك ، وكذب خوفي منك ، وكن لي عند أحسن ظني بك ، يا أكرم الأكرمين.
اللهم صل على محمد وال محمد وأيدني بالعصمة ، وأنطق
لساني بالحكمة ، واجعلني ممن يندم على ما ضيعه في أمسه ، ولا يغبن حظه في يومه ، ولا يهم لرزق غده.
اللهم ان الغني من استغنى بك وافتقر إليك ، والفقير من استغنى بخلقك عنك ، فصل على محمد وال محمد ، وأغنني عن خلقك بك ، واجعلني ممن لا يبسط كفا الا إليك.
اللهم ان الشقي من قنط (١) ، وامامه التوبة ووراءه الرحمة ، وان كنت ضعيف العمل فاني في رحمتك قوي الامل ، فهب لي ضعف عملي لقوة املي.
اللهم ان كنت تعلم أن في عبادك من هو أقسى قلبا مني ، وأعظم مني ذنبا ، فاني اعلم أنه لا مولى أعظم منك طولا ، وأوسع رحمة وعفوا ، فيا من هو أوحد في رحمته ، اغفر لمن ليس بأوحد في خطيئته.
اللهم انك امرتنا فعصينا ، ونهيت فما انتهينا ، وذكرت فتناسينا ، وبصرت فتعامينا ، وحددت (٢) فتعدينا ، وما كان ذلك جزاء احسانك إلينا ، وأنت اعلم بما أعلنا وأخفينا ، وأخبر بما نأتي وما اتينا ، فصل على محمد وال محمد ، ولا تؤاخذنا بما أخطأنا ونسينا ، وهب لنا حقوقك لدينا ، وأتم احسانك إلينا ، واسبل (٣) رحمتك علينا.
__________________
(١) قنط : يأس.
(٢) حذرت ( خ ل ).
(٣) الاسبال : ارسال الستر.
اللهم انا نتوسل إليك بهذا الصديق الامام ، ونسألك بالحق الذي جعلته له ، ولجده رسولك ، ولأبويه علي وفاطمة ، أهل بيت الرحمة ، ادرار الرزق الذي به قوام حياتنا ، وصلاح أحوال عيالنا ، فأنت الكريم الذي تعطي من سعة ، وتمنع من قدرة ، ونحن نسألك من الرزق ما يكون صلاحا للدنيا وبلاغا للآخرة.
اللهم صل على محمد وال محمد ، واغفر لنا ولوالدينا ، ولجميع المؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الاحياء منهم والأموات ، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
ثم تركع وتسجد وتجلس فتتشهد وتسلم ، فإذا سبحت فعفر خديك وقل :
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ـ أربعين مرة.
واسأل الله العصمة والنجاة ، والمغفرة والتوفيق لحسن العمل والقبول ، لما تتقرب به إليه وتبتغي به وجهه ، وقف عند الرأس ثم صل ركعتين على ما تقدم ، ثم انكب على القبر وقبله وقل :
زاد الله في شرفكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وادع لنفسك ولوالديك ولمن أردت ، وانصرف إن شاء الله تعالى (١).
__________________
(١) عنه البحار ١٠١ : ٣٢٨.
أورده المفيد في مزاره مقطوعا ، عنه البحار ١٠١ : ٣١٧.
ذكره الفيض في الصحيفة المهدية : ١٤٢.
١٠ ـ زيارة أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه يوم العشرين من صفر ، وهي زيارة الأربعين.
روي صفوان بن مهران الجمال قال : قال لي مولاي الصادق عليهالسلام في زيارة الأربعين : تزور عند ارتفاع النهار ، وتقول :
السلام على ولي الله وحبيبه ، السلام على خليل الله ونجيبه ، السلام على صفي الله وابن صفيه ، السلام على الحسين المظلوم الشهيد ، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات.
اللهم إني اشهد أنه وليك وابن وليك ، وصفيك وابن صفيك ، الفائز بكرامتك ، أكرمته بالشهادة ، وحبوته بالسعادة ، واجتبيته بطيب الولادة ، وجعلته سيدا من السادة ، وقائدا من القادة ، وذائدا من الذادة (١) ، وأعطيته مواريث الأنبياء ، وجعلته حجة على خلقك من الأوصياء.
فاعذر في الدعاء ، ومنح النصح ، وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة ، وقد توازر عليه من غرته الدنيا ، وباع حظه بالأرذل الأدنى ، وشرى اخرته بالثمن الأوكس (٢) ، وتغطرس (٣)
__________________
(١) الذود : السوق والطرد والدفع ، اي يطرد عن الاسلام والمسلمين ما يوجب الفساد.
(٢) الوكس : النقصان.
(٣) الغطرسة : الاعجاب بالنفس والتطاول على الاقران والتكبر ، وتغطرس تغضب ، وفي مشيته تبختر وتعسف الطريق.
وتردى (١) في هواه ، وأسخطك وأسخط نبيك ، وأطاع من عبادك أهل الشقاق والنفاق وحملة الأوزار المستوجبين للنار.
فجاهدهم فيك صابرا محتسبا ، حتى سفك في طاعتك دمه ، واستبيح حريمه ، اللهم فالعنهم لعنا وبيلا ، وعذبهم عذابا أليما.
السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن سيد الأوصياء ، اشهد انك امين الله وابن أمينه ، عشت سعيدا ومضيت حميدا ، ومت فقيدا مظلوما شهيدا ، واشهد ان الله منجز لك ما وعدك ، ومهلك من خذلك ، ومعذب من قتلك.
واشهد انك وفيت بعهد الله ، وجاهدت في سبيله ، حتى اتاك اليقين ، فلعن الله من قتلك ، ولعن الله من ظلمك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به ، اللهم إني أشهدك اني ولي لمن والاه ، وعدو لمن عاداه.
بابي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، اشهد انك كنت نورا في الأصلاب الشامخة والأرحام الطاهرة (٢) ، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ، ولم تلبسك المدلهمات من ثيابها (٣) ، واشهد انك من دعائم الدين وأركان المسلمين ، ومعقل المؤمنين.
__________________
(١) تردى في البئر : سقط.
(٢) المطهرة ( خ ل ).
(٣) ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها ( خ ل ).
واشهد انك الامام البر التقي ، الرضي الزكي ، الهادي المهدي واشهد ان الأئمة من ولدك كلمة التقوى ، واعلام الهدى ، والعروة الوثقى ، والحجة على أهل الدنيا.
واشهد اني بكم مؤمن ، وبإيابكم موقن ، بشرايع ديني (١) ، وخواتيم عملي ، وقلبي لقلبكم سلم ، وامري لامركم متبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يأذن الله لكم.
فمعكم معكم لا مع عدوكم ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم ، وشاهدكم وغائبكم ، وظاهركم وباطنكم ، امين رب العالمين.
ثم تصلي ركعتين ، وتدعو بما أحببت وتنصرف إن شاء الله (٢).
__________________
(١) بشرايع ديني ، لعل المعنى ان شرايع ديني وخواتيم عملي يشهد معي بذلك على سبيل المبالغة والتجوز ، اي كونهما موافقين لما أمرتم به شاهد لي باني بكم مؤمن.
(٢) رواه الشيخ في التهذيب ٦ : ١١٣ ، باسناده عن جماعة ، عن التلعكبري ، عن محمد بن علي بن معمر ، عن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال ، عن سعدان بن مسلم ، عن صفوان ، عن الصادق عليهالسلام ، عنه البحار ١٠١ : ٣٣١.
ذكره الشيخ في مصباحه : ٧٣٠ مرسلا عنه عليهالسلام.
أورده السيد في مصباح الزائر : ١٥٢ ، الاقبال ٣ : ١٠٠ ، باسناده عن التلعكبري ، عن محمد بن علي بن معمر ، عن أبي الحسن علي بن محمد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال ، عن سعدان ، عن صفوان ، عن الصادق عليهالسلام.
ذكره الشهيد في مزاره : ١٨٥ ، والكفعمي في مصباحه : ٤٨٩ ، البلد الأمين : ٢٧٤ مرسلا عنه عليهالسلام.
١١ ـ زيارة أخرى له عليهالسلام مختصرة ، يزار بها في كل يوم وفي كل شهر ، ويزار بها عند قائم الغري.
فقد جاء في الأثر ان رأس الحسين عليهالسلام هناك ، وان الصادق جعفر ابن محمد عليهماالسلام زاره هناك بهذه الزيارة وصلى عنده أربع ركعات.
تأتي مشهده صلى الله عليه بعد اغتسالك ولباسك أطهر ثيابك ، فإذا وقفت على قبره فاستقبله بوجهك واجعل القبلة بين كتفيك وقل :
السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا مولاي ، يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته.
اشهد أنك أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في الله حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه محتسبا حتى أتاك اليقين.
واشهد ان الذين خالفوك وحاربوك ، وان الذين خذلوك ، والذين قتلوك ملعونون على لسان النبي الأمي ، وقد خاب من افترى ، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين ، وضاعف عليهم العذاب الأليم.
اتيتك يا مولاي يا ابن رسول الله ، زائرا عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، مستبصرا بالهدى الذي أنت عليه ، عارفا بضلالة من خالفك ، فاشفع لي عند ربك.
ثم انكب على القبر وضع خدك عليه وتحول إلى عند الرأس وقل :
السلام عليك يا حجة الله في ارضه وسمائه ، صلى الله على روحك الطيبة وجسدك الطاهر ، وعليك السلام يا مولاي ورحمة الله وبركاته.
ثم تحول إلى عند الرجلين فزر علي بن الحسين صلوات الله عليهما ، وقل :
السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ، لعن الله من ظلمك ، ولعن من قتلك ، وضاعف عليهم العذاب الأليم.
ثم ادع بما أردت وزر الشهداء منحرفا من عند الرجلين إلى القبلة ، فقل :
السلام عليكم أيها الصديقون ، السلام عليكم أيها الشهداء الصابرون ، اشهد انكم جاهدتم في سبيل الله ، وصبرتم على الأذى في جنب الله ، ونصحتم لله ولرسوله ولابن رسوله حتى اتاكم اليقين.
اشهد انكم احياء عند ربكم ترزقون ، جزاكم الله عن الاسلام وأهله أفضل جزاء المحسنين ، وجمع بيننا وبينكم في محل النعيم.
ثم امض إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين عليهماالسلام ، فإذا اتيته قفت عليه وقل :
السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسوله.
اشهد انك قد جاهدت ونصحت وصبرت حتى اتاك اليقين ، لعن الله الظالمين لكم من الأولين والآخرين والحقهم بدرك الجحيم.
ثم صل في مسجده تطوعا ما أحببت ، وانصرف.
فإذا أردت وداع سيدنا أبي عبد الله عليهالسلام عند انصرافك من مشهده فقف على قبره كما وقفت عليه أولا ، وقل :
السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد الله ، هذا أوان انصرافي ، غير راغب عنك ، ولا مستبدل بك غيرك ، واستودعك الله واقرأ عليك السلام ، امنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين.
اللهم لا تجعل زيارتي هذه اخر العهد مني بزيارته ، وارزقني العود إليه ابدا ما أحييتني ، فإذا توفيتني فاحشرني معه ، واجمع بيني وبينه في جنات النعيم (١).
__________________
(١) عنه البحار ١٠٠ : ٢٩٣ ، ١٠١ : ٢٥٦ ، المستدرك ١٠ : ٢٢٦