المزار الكبير

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي

المزار الكبير

المؤلف:

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤

واجعلني من عبادك الذين صرفت عنهم البلايا والأمراض ، والفتن والأعراض ، من الذين تحييهم في عافية ، وتميتهم في عافية ، وتدخلهم الجنة في عافية ، وتجيرهم من النار في عافية ، ووفق لي بمن منك صلاح ما أؤمل في نفسي وأهلي وولدي وإخواني ومالي ، وجميع ما أنعمت به علي ، يا أرحم الراحمين.

ثم انكب على القبر وقل :

السلام عليك يا حجة الله وأمينه (١) ، وخليفته في عباده ، وخازن علمه ، ومستودع سره ، بلغت عن الله ما أمرت به ، ووفيت وأوفيت ، ومضيت على يقين شهيدا وشاهدا ومشهودا صلوات الله ورحمته عليك.

أنا يا مولاي وليك ، اللائذ بك في طاعتك ، ألتمس ثبات القدم في الهجرة عندك وكمال المنزلة في الآخرة بك ، أتيتك بأبي أنت وأمي ونفسي ومالي وولدي زائرا ، وبحقك عارفا ، متبعا للهدى الذي أنت عليه ، موجبا لطاعتك ، مستيقنا فضلك ، مستبصرا بضلالة من خالفك ، عالما به ، متمسكا بولايتك وولاية آبائك وذريتك الطاهرين ، ألا لعن الله أمة قتلتكم وخالفتكم ، وشهدتكم فلم تجاهد معكم ، وغصبتكم حقكم.

اتيتك يا ابن رسول الله مكروبا ، واتيتك مغموما ، واتيتك مفتقرا

__________________

(١) السلام عليك يا حجة الله وابن حجته ، اشهد انك حجة الله وأمينه ( خ ل )

٣٨١

إلى شفاعتك ، ولكل زائر حق على من أتاه ، وأنا زائرك ومولاك وضيفك ، النازل بك ، والحال بفنائك ، ولي حوائج من حوائج الدنيا والآخرة.

بك أتوجه إلى الله في نجحها وقضائها ، فاشفع لي عند ربك وربي في قضاء حوائجي كلها ، وقضاء حاجتي العظمى التي إن أعطانيها لم يضرني ما منعني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطاني فكاك رقبتي من النار والدرجات العلى ، والمنة علي بجميع سؤلي ورغبتي ، وشهواتي وإرادتي ومناي ، وصرف جميع المكروه والمحذور عني ، وعن أهلي وولدي وإخواني ومالي وجميع ما أنعم علي ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

ثم ارفع رأسك وقل :

الحمد لله الذي جعلني من زوار ابن نبيه ، ورزقني معرفة فضله والاقرار بحقه ، والشهادة بطاعته ، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، السلام عليك يا ابن رسول الله.

لعن الله قاتليك ، ولعن الله خاذليك ، ولعن الله سالبيك ، ولعن من رماك ، ولعن من طعنك ، ولعن المعينين عليك ، ولعن السائرين إليك ، ولعن من منعك شرب ماء الفرات ، ولعن من دعاك وغشك وخذلك ، ولعن الله ابن آكلة الأكباد ، ولعن الله ابنه الذي وترك.

ولعن الله أعوانهم واتباعهم وأنصارهم ومحبيهم ، ومن أسس

٣٨٢

لهم ، وحشا الله قبورهم نارا ، والسلام عليك بأبي أنت وأمي ورحمة الله وبركاته.

ثم انحرف عن القبر وحول وجهك إلى القبلة ، وارفع يديك إلى السماء وقل :

اللهم من تهيأ وتعبأ ، وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق ، رجاء رفده وجائزته ، ونوافله وفواضله وعطاياه ، فإليك يا رب كانت تهيئتي وتعبئتي ، وإعدادي واستعدادي وسفري ، وإلى قبر وليك وفدت ، وبزيارته إليك تقربت ، رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وعطاياك وفواضلك.

اللهم وقد رجوت كريم عفوك ، وواسع مغفرتك ، فلا تردني خائبا فإليك قصدت ، وما عندك أردت ، وقبر إمامي الذي أوجبت علي طاعته زرت ، فاجعلني به عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، وأعطني به جميع سؤلي ، واقض لي به جميع حوائجي ، ولا تقطع رجائي ، ولا تخيب دعائي ، وارحم ضعفي ، وقلة حيلتي ، ولا تكلني إلى نفسي ولا إلى أحد من خلقك.

مولاي فقد أفحمتني (١) ذنوبي ، وقطعت حجتي ، وابتليت بخطيئتي ، وارتهنت بعملي ، وأوبقت (٢) نفسي ، ووقفتها موقف الأذلاء

__________________

(١) أفحمتني : أسكنتني ولم تدع لي عذرا وجوابا.

(٢) أوبقه : حبسه وأهلكه

٣٨٣

المذنبين ، المجترئين عليك ، التاركين أمرك ، المغترين بك ، المستخفين بوعدك.

وقد أوبقني ما كان من قبيح جرمي وسوء نظري لنفسي ، فارحم تضرعي وندامتي ، وأقلني عثرتي ، وارحم عبرتي ، واقبل معذرتي ، وعد بحلمك على جهلي ، وباحسانك على إساءتي ، وبعفوك على جرمي ، وإليك أشكو ضعف عملي ، فارحمني يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر لي ، فاني مقر بذنبي ، معترف بخطيئتي ، وهذه يدي وناصيتي أستكين بالفقر مني يا سيدي ، فاقبل توبتي ، ونفس كربي ، وارحم خشوعي وخضوعي وأسفي على ما كان مني ، ووقوفي عند قبر وليك ، وذلي بين يديك.

فأنت رجائي ومعتمدي ، وظهري وعدتي ، فلا تردني خائبا ، وتقبل عملي ، واستر عورتي ، وآمن روعتي ، ولا تخيبني ، ولا تقطع رجائي من بين خلقك يا سيدي.

اللهم وقد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلى الله عليه وآله : ( ادعوني أستجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) (١).

يا رب وقولك الحق ، وأنت الذي لا تخلف الميعاد ، فاستجب لي يا رب ، فقد سألك السائلون وسألتك ، وطلب الطالبون وطلبت منك ،

__________________

(١) غافر : ٦٠.

٣٨٤

ورغب الراغبون ورغبت إليك ، وأنت أهل أن لا تخيبني ولا تقطع رجائي ، فعرفني الإجابة يا سيدي ، واقض لي حوائج الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.

ثم انحرف إلى عند الرأس ، فصل ركعتين ، تقرأ في الأولى منهما فاتحة الكتاب وسورة يس ، وفي الثانية فاتحة الكتاب وسورة الرحمن.

فإذا سلمت وسبحت تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، ومجد الله كثيرا واستغفر لذنبك ، وصل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم ارفع يديك وقل :

اللهم إنا أتيناه مؤمنين به ، مسلمين له ، معتصمين بحبله ، عارفين بحقه ، مقرين بفضله ، مستبصرين بضلالة من خالفه ، عارفين بالهدى الذي هو عليه ، اللهم إني أشهدك واشهد من حضر من ملائكتك ، أني بهم مؤمن ، وبمن قتلهم كافر.

اللهم اجعل ما أقول بلساني حقيقة في قلبي وشريعة في عملي ، اللهم اجعلني ممن له مع الحسين بن علي قدم ثابت ، وأثبتني فيمن استشهد معه.

اللهم العن الذين بدلوا نعمتك كفرا ، سبحانك يا حليم عما يعمل الظالمون في الأرض ، يا عظيم ترى عظيم الجرم من عبادك فلا تعجل عليهم ، فتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا يا كريم.

أنت شاهد غير غائب ، وعالم بما أوتي إلى أهل صلواتك وأحبائك ، من الأمر الذي لا تحمله سماء ولا أرض ، ولو شئت لانتقمت

٣٨٥

منهم ، ولكنك ذو أناة ، وقد أمهلت الذين اجترؤوا عليك وعلى رسولك وحبيبك ، فأسكنتهم أرضك ، وغذوتهم بنعمتك إلى أجل هم بالغوه ، ووقت هم صائرون إليه ، ليستكملوا العمل فيه ، للذي قدرت ، والأجل الذي أجلت ، في عذاب ووثاق ، وحميم وغساق ، والضريع والاحراق ، والأغلال والأوثاق ، وغسلين وزقوم وصديد ، مع طول المقام في أيام لظى ، وفي سقر التي لا تبقي ولا تذر في الحميم والجحيم ، والحمد لله رب العالمين.

ثم استغفر لذنبك وادع بما أحببت ، فإذا فرغت من الدعاء فاسجد وقل في سجودك :

اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك ، أنك أنت الله لا إله إلا أنت ربي ، والاسلام ديني ، ومحمد نبيي ، وعلي والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمد بن علي ، وعلي بن محمد ، والحسن بن علي ، والخلف الباقي ، عليهم أفضل الصلوات ، أئمتي ، بهم أتولى ، ومن عدوهم أتبرأ ، اللهم إني أنشدك دم المظلوم ـ ثلاثا.

اللهم إني أنشدك بايوائك (١) على نفسك لأوليائك ، لتظفرنهم

__________________

(١) الوأي : الوعد الذي يوثقه الرجل على نفسه ويعزم على الوفاء به ، وعدي بعلى بتضمين معنى الجعل

٣٨٦

بعدوك وعدوهم ، أن تصلي على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر ـ ثلاثا.

ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل :

يا كهفي حين تعييني المذاهب ، وتضيق علي الأرض بما رحبت ، ويا بارئ خلقي رحمة بي وقد كان عن خلقي غنيا ، صل على محمد وعلى المستحفظين من آل محمد ـ ثلاثا.

ثم ضع خدك الأيسر على الأرض وقل :

يا مذل كل جبار ، ويا معز كل ذليل ، صل على محمد وال محمد وفرج عني.

ثم قل :

يا حنان يا منان ، يا كاشف الكرب العظام ـ ثلاثا.

ثم عد إلى السجود وقل : شكرا شكرا ـ مائة مرة ، واسأل حاجتك.

باب زيارة علي بن الحسين عليه‌السلام

ثم امض إلى عند الرجلين فقف على علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده الصالحين ، عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة الله وبركاته ، وصلى الله عليك وعلى أهل بيتك وعلى عترة آبائك الأخيار الأبرار ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وعذب الله قاتلك بأنواع

٣٨٧

العذاب ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

زيارة الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم أوم إلى ناحية الرجلين بالسلام على الشهداء ، فإنهم هناك ، وقل :

السلام عليكم أيها الربانيون ، أنتم لنا فرط (١) ونحن لكم تبع وأنصار ، اشهد أنكم أنصار الله جل اسمه ، وسادة الشهداء في الدنيا والآخرة ، صبرتم واحتسبتم ولم تهنوا ، ولم تضعفوا ، ولم تستكينوا ، حتى لقيتم الله جل وعز على سبيل الحق ونصره ، وكلمة الله التامة ، صلى الله على أرواحكم وأبدانكم وسلم تسليما ، أبشروا رضوان الله عليكم بموعد الله الذي لا خلف له ، الله تعالى مدرك بكم ثأر ما وعدكم ، إنه لا يخلف الميعاد.

اشهد انكم جاهدتم في سبيل الله ، وقتلتم على منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن رسوله عليه‌السلام ، فجزاكم الله عن الرسول وابنه وذريته أفضل الجزاء ، الحمد لله الذي صدقكم وعده وأراكم ما تحبون

باب زيارة العباس بن علي صلوات الله عليه :

ثم امش حتى تأتي مشهد العباس بن علي عليه‌السلام ، فإذا اتيته فقف

__________________

(١) فرط : إذا تقدم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء.

٣٨٨

على باب السقيفة وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، وجميع الشهداء والصديقين ، والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح ، عليك يا ابن أمير المؤمنين ، اشهد لك بالتسليم والتصديق لخلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المرسل ، والسبط المنتجب ، والدليل العالم ، والوصي المبلغ ، والمظلوم المضطهد (١).

فجزاك الله عن رسوله وعن أمير المؤمنين وعن الحسن والحسين أفضل الجزاء ، بما صبرت واحتسبت وأعنت ، فنعم عقبى الدار ، لعن الله من قتلك ، ولعن الله من جهل حقك ، واستخف بحرمتك ، ولعن الله من حال بينك وبين ماء الفرات ، اشهد انك قتلت مظلوما ، وان الله منجز لكم ما وعدكم.

جئتك يا ابن أمير المؤمنين وافدا إليكم ، وقلبي مسلم لكم ، وانا لكم تابع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين ، فمعكم معكم لا مع عدوكم ، اني بكم وبإيابكم من المؤمنين ، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين ، لعن الله أمة قتلتكم بالأيدي والألسن.

ثم ادخل ، وانكب على القبر ، وقل :

السلام عليك أيها العبد الصالح ، المطيع لله ولرسوله ، ولأمير المؤمنين والحسن والحسين صلى الله عليهم وسلم ، السلام

__________________

(١) المهتضم ( خ ل ).

٣٨٩

عليك ورحمة الله وبركاته ومغفرته وعلى روحك وبدنك.

اشهد واشهد الله انك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله ، المناصحون له في جهاد أعدائه ، المبالغون في نصرة أوليائه ، الذابون عن أحبائه ، فجزاك الله أفضل الجزاء ، وأوفر جزاء أحد ممن وفى ببيعته ، واستجاب له دعوته ، وأطاع ولاة امره.

واشهد انك قد بالغت في النصيحة ، وأعطيت به غاية المجهود ، فبعثك الله في الشهداء ، وجعل روحك مع أرواح السعداء ، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلا ، وأفضلها غرفا ، ورفع ذكرك في العليين ، وحشرك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

اشهد انك لم تهن ولم تنكل ، وانك مضيت على بصيرة من امرك ، مقتديا بالصالحين ، ومتبعا للنبيين ، فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المحسنين ، فإنه ارحم الراحمين.

ثم انحرف إلى عند الرأس فصل ركعتين ، ثم صل بعدهما ما بدا لك ، وادع الله كثيرا ، وقل عقيب الركعات :

اللهم صل على محمد وال محمد ولا تدع لي في هذا المكان المكرم والمشهد المعظم ذنبا الا غفرته ، ولا هما الا فرجته ، ولا مرضا الا شفيته ، ولا عيبا الا سترته ، ولا رزقا الا بسطته ، ولا خوفا الا آمنته ، و لا شملا الا جمعته ، ولا غائبا الا حفظته وأديته ، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضى ولي فيها صلاح الا قضيتها ، يا ارحم الراحمين.

٣٩٠

ثم عد إلى الضريح فقف عند الرجلين وقل :

السلام عليك يا أبا الفضل العباس بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن سيد الوصيين ، السلام عليك يا بن أول القوم اسلاما وأقدمهم ايمانا وأقومهم بدين الله وأحوطهم على الاسلام.

اشهد لقد نصحت لله ولرسوله ولأخيك ، فنعم الأخ المواسي (١) ، فلعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة استحلت منك المحارم ، وانتهكت حرمة الاسلام.

فنعم الصابر المجاهد المحامي الناصر ، والأخ الدافع عن أخيه ، المجيب إلى طاعة ربه ، الراغب فيما زهد فيه غيره ، من الثواب الجزيل والثناء الجميل ، فألحقك الله بدرجة ابائك في دار النعيم.

اللهم إني تعرضت لزيارة أوليائك ، رغبة في ثوابك ورجاء لمغفرتك وجزيل احسانك ، فأسألك ان تصلي على محمد وآله الطاهرين وان تجعل رزقي بهم دارا (٢) ، وعيشي بهم قارا (٣) ، وزيارتي بهم مقبولة ، وحياتي بهم طيبة ، وأدرجني ادراج المكرمين ، واجعلني ممن ينقلب من زيارة مشاهد أحبائك منجحا ، قد استوجب غفران الذنوب وستر العيوب وكشف الكروب ، انك أهل التقوى وأهل المغفرة.

__________________

(١) المواساة : المشاركة والمساهمة.

(٢) دارا : أي كثيرا يتجدد شيئا فشيئا ، من قولهم : در اللبن إذا زاد وكثر جريانه من الضرع.

(٣) قارا : أي مستقرا دائما غير منقطع ، أو واصلا إلى حال قراري في بلدي فلا احتاج في تحصيله إلى السفر.

٣٩١

وداع العباس بن علي عليه‌السلام :

فإذا أردت وداعه للانصراف فقف عند القبر وقل :

استودعك الله واسترعيك ، واقرأ عليك السلام ، امنا بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتي قبر ابن أخي رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وارزقني زيارته ابدا ما أبقيتني ، واحشرني معه ومع ابائه في الجنان ، وعرف بيني وبين رسولك وأوليائك.

اللهم صل على محمد وال محمد وتوفني على الايمان بك ، والتصديق برسولك ، والولاية لعلي بن أبي طالب والأئمة عليهم السلام والبراءة من عدوهم ، فاني رضيت بذلك ، وصلى الله على محمد وال محمد.

ثم ادع لنفسك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات ، وتخير من الدعاء ما شئت ، وارجع إلى مشهد الحسين عليه‌السلام ، فأكثر من الصلاة فيه والزيارة ، وليكن رحلك بنينوى والغاضرية وخلوتك للنوم والطعام والشراب هناك ، فإذا أردت الرحيل فودع الحسين عليه‌السلام.

باب الوداع :

والوداع هو ان تأتي القبر فتقف عليه كوقوفك في أول الزيارة ،

٣٩٢

وتستقبله بوجهك وتقول :

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا أبا عبد الله ، أنت لي جنة من العذاب ، وهذا أوان انصرافي ، غير راغب عنك ، ولا مستبدل بك سواك ، ولا مؤثر عليك غيرك ، ولا زاهد في قربك ، جدت بنفسي للحدثان ، وتركت الأهل والأوطان ، فكن لي يوم حاجتي وفقري ، يوم لا يغني عني والدي ولا ولدي ، ولا حميمي ولا قريبي.

أسأل الله الذي قدر وخلق ان ينفس بكم كربي ، واسأل الله الذي قدر علي فراق مكانك أن لا يجعله اخر العهد مني ومن رجوعي ، وأسأل الله الذي أبكى عليك عيني أن يجعله سندا لي ، وأسأل الله الذي نقلني إليك من رحلي وأهلي ان يجعله ذخرا لي ، وأسأل الله الذي أراني مكانك وهداني للتسليم عليك ولزيارتي إياك ان يوردني حوضكم ويرزقني مرافقتكم في الجنان مع ابائك الصالحين.

السلام عليك يا صفوة الله ، السلام على محمد بن عبد الله ، حبيب الله وصفوته ، وأمينه ورسوله ، سيد المرسلين ، السلام على أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين وقائد الغر المحجلين ، السلام على الأئمة الراشدين المهديين ، السلام على من في الحائر منكم ورحمة الله وبركاته.

السلام على ملائكة الله الباقين المقيمين المسبحين ، الذين هم بأمر ربهم قائمون ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والحمد لله

٣٩٣

رب العالمين.

ثم أشر إلى القبر بمسبحتك اليمنى ، وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، وأنبيائه المرسلين ، وعباده الصالحين ، يا ابن رسول الله عليك وعلى روحك وبدنك ، وعلى ذريتك ومن حضر من أوليائك ، أستودعك الله وأسترعيك ، وأقرأ عليك السلام ، امنا بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله ، اللهم فاكتبنا مع الشاهدين.

ثم ارفع يديك إلى السماء ، وقل :

اللهم صل على محمد وال محمد ، ولا تجعله اخر العهد من زيارتي ابن رسولك ، وارزقني زيارته أبدا ما أبقيتني ، اللهم وانفعني بحبهم يا رب العالمين.

اللهم إني أسألك أن تصلي على محمد وال محمد ، ولا تجعله اخر العهد من زيارتي إياه ، فان جعلته يا رب فاحشرني معه ، ومع ابائه وأوليائه ، وان أبقيتني يا رب فارزقني العود إليه ، ثم العود إليه ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم اجعل لي لسان صدق في أوليائك.

اللهم صل على محمد وال محمد ، ولا تشغلني عن ذكرك باكثار من الدنيا ، تلهيني عجائب بهجتها ، وتفتني زهرات زينتها ، ولا باقلال يضر بعملي كده ، ويملأ صدري همه ، وأعطني من ذلك غنى عن شرار خلقك ، وبلاغا أنال به رضاك ، يا رحمان ، السلام عليكم يا ملائكة الله

٣٩٤

وزوار قبر أبي عبد الله عليه‌السلام.

ثم ضع خدك الأيمن على القبر مرة والأيسر مرة وألح في الدعاء والمسألة.

وداع الشهداء رضوان الله عليهم :

ثم حول وجهك إلى قبور الشهداء فودعهم ، وقل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارتي إياهم ، واشركني معهم في صالح ما أعطيتهم على نصرتهم ابن نبيك وحجتك على خلقك وجهادهم معه.

اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك مع الشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، استودعكم الله واقرأ عليكم السلام ، اللهم ارزقني العود إليهم واحشرني معهم يا ارحم الراحمين.

ثم اخرج ولا تول وجهك عن القبر حتى يغيب عن معاينتك ، وقف قبل الباب متوجها إلى القبلة ، وقل :

اللهم إني أسألك بحق محمد وال محمد ، وبحرمة محمد وال محمد ، وبالشأن الذي جعلت لمحمد وال محمد ان تصلي على محمد وآل محمد وان تتقبل عملي ، وتشكر سعيي ، وتعرفني الإجابة في جميع دعائي ، ولا تجعله اخر العهد مني به ، وارددني إليه ببر وتقوى ، وعرفني بركة زيارته في الدين والدنيا ، وأوسع علي من فضلك الواسع

٣٩٥

الفاضل المفضل الطيب ، وارزقني رزقا واسعا حلالا ، كثيرا عاجلا ، صبا صبا ، من غير كد ولا من من أحد من خلقك ، واجعله واسعا من فضلك ، وكثيرا من عطيتك.

فإنك قلت : ( واسألوا الله من فضله ) (١) ، فمن فضلك اسال ، ومن يدك الملئ اسال ، فلا تردني خائبا ، فاني ضعيف فضاعف لي ، وعافني إلى منتهى اجلي ، واجعل لي في كل نعمة أنعمتها على عبادك أوفر النصيب.

واجعلني خيرا مما انا عليه ، واجعل ما أصير إليه خيرا مما ينقطع عني ، واجعل سريرتي خيرا من علانيتي ، وأعذني من أن يرى الناس في خيرا ولا خير في ، وارزقني من التجارة أوسعها رزقا.

وأتني يا سيدي وعيالي برزق واسع تغنينا به عن دناة خلقك ، ولا تجعل لاحد من العباد فيه منا ، واجعلني ممن استجاب لك ، وامن بوعدك ، واتبع امرك ، ولا تجعلني أخيب وفدك وزوار ابن نبيك ، وأعذني من الفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة ، واقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من زوار أوليائك ، ولا تجعله اخر العهد من زيارتهم ، وان لم تكن استجبت لي واغفر لي وارض عني ، قبل ان تنأى عن ابن نبيك داري.

فهذا أوان انصرافي ان كنت أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن

__________________

(١) النساء : ٣٢.

٣٩٦

أوليائك ، ولا مستبدل بك ولا بهم.

اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي ، فإذا بلغتني فلا تبرأ مني ، وألبسني وإياهم درعك الحصينة ، واكفني مؤونة جميع خلقك ، وامنعني من أن يصل إلي أحد من خلقك بسوء ، فإنك ولي ذلك والقادر عليه ، وأعطني جميع ما سألتك ، ومن علي به ، وزدني من فضلك يا ارحم الراحمين.

ثم انصرف وأنت تحمد الله تعالى وتسبحه وتهلله وتكبره إن شاء الله تعالى (١).

الباب (١٦)

في شهر شعبان (٢)

١ ـ فقد ورد في الترغيب في صومه مؤكدا غاية التأكيد ، وخاصة في اليوم الثالث منه ، فإنه اليوم الذي ولد فيه الحسين بن علي عليهما‌السلام

فخرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه‌السلام ان مولانا الحسين عليه‌السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ، فصمه مندوبا وادع فيه بهذا الدعاء :

__________________

(١) عنه وعن المزار للمفيد ، البحار ١٠١ : ٢٠٦ ـ ٢٢٠ ، ذكر بعضه ابن قولويه في الكامل : ٤٤٢ ، والشيخ في التهذيب ٦ : ٧٠ ، وفي مصباحه : ٦٧٢.

(٢) في الأصل : فاما شهر شعبان.

٣٩٧

اللهم إني أسألك بحق المولود في هذا اليوم ، الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته ، بكته السماء ومن فيها ، والأرض ومن عليها ، ولما يطأ لابتيها (١).

قتيل العبرة ، وسيد الأسرة (٢) ، الممدود بالنصرة يوم الكرة ، المعوض من قتله ان الأئمة من نسله ، والشفاء في تربته ، والفوز معه في أوبته ، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته ، حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار (٣) ، ويرضوا الجبار ، ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار.

اللهم فبحقهم إليك أتوسل ، وأسأل سؤال مقترف معترف مسئ إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه ، يسألك العصمة إلى محل رمسه ، اللهم فصل على محمد وعترته ، واحشرنا في زمرته ، وبوئنا معه دار الكرامة ومحل الإقامة.

اللهم وكما أكرمتنا بمعرفته فأكرمنا بزلفته ، وارزقنا مرافقته وسابقته ، واجعلنا ممن يسلم لامره ، ويكثر الصلاة عليه عند ذكره وعلى جميع أوصيائه وأهل أصفيائه ، الممدودين منك بالعدد الاثني عشر ، النجوم الزهر ، والحجج على جميع البشر.

__________________

(١) اللابة : الحرة ، وهي الأرض ذات الحجارة السود ، المراد قبل مشيه على الأرض.

(٢) الأسرة : عشيرة الرجل وأهل بيته.

(٣) يثأروا الثار : يطلبون الدم.

٣٩٨

اللهم وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة ، وانجح لنا فيه كل طلبة ، كما وهبت الحسين لمحمد جده ، وعاذ فطرس بمهده ، فنحن عائذون بقبره من بعده ، نشهد تربته ، وننتظر أوبته ، امين رب العالمين (١).

٢ ـ دعاء آخر في هذا اليوم :

ذكر ابن عياش قال : سمعت أبا عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري يدعو بهذا الدعاء ويقول : هو من أدعية يوم الثالث من شعبان الذي ولد فيه الحسين عليه‌السلام :

اللهم متعالي المكان (٢) ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلائق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما يشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابق النعمة ، حسن البلاء ، قريب إذا دعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب إليك ، قادر على ما أردت ، ومدرك ما طلبت ، وشكور إذا شكرت ، وذكور إذا ذكرت.

أدعوك محتاجا ، وارغب إليك فقيرا ، وافزع إليك خائفا ، وابكي إليك مكروبا ، وأستعين بك ضعيفا ، وأتوكل عليك كافيا ، احكم بيننا وبين قومنا بالحق ، فإنهم غرونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا ، ونحن

__________________

(١) رواه الشيخ في مصباحه : ٨٢٦ والسيد في الاقبال ٣ : ٣٠٤ ، باسنادهما عن قاسم بن العلاء الهمداني ، عنهما البحار ١٠١ : ٣٤٧.

رواه الكفعمي في مصباحه : ٥٤٣ ، والحلي في مختصر البصائر : ٢٣٥.

(٢) أنت متعالي المكان ( خ ل ).

٣٩٩

عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله ، الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على وحيك ، فاجعل لنا من أمرنا فرجا ومخرجا ، برحمتك يا ارحم الراحمين (١).

وروي انه آخر دعاء دعا به الحسين عليه‌السلام يوم الطف (٢).

ما يقال كل يوم منه :

١ ـ روى محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد السياري ، عن العباس بن مجاهد يقول : قال : كان علي بن الحسين عليه‌السلام يدعو عند كل زوال من أيام شعبان وفي ليلة النصف منه ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الصلاة ، يقول :

اللهم صل على محمد وال محمد شجرة النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة (٣) ومعدن العلم (٤) وأهل بيت الوحي.

اللهم صل على محمد وال محمد الفلك الجارية في اللجج

__________________

(١) رواه الشيخ الطوسي في مصباحه : ٨٢٨ ، والسيد ابن طاووس في اقبال الأعمال ٣ : ٣٠٥ ، عنهما البحار ١٠١ : ٣٤٨.

أورده أيضا الكفعمي في البلد الأمين : ١٨٦٠.

(٢) الطف ساحل البحر وجانب البر ، سمي مقتله عليه‌السلام بالطف لأنه طرف البر مما يلي الفرات وكانت تجري يومئذ قريبا منه.

(٣) مختلف الملائكة : مكان ترددها.

(٤) معدن العلم : أصله.

٤٠٠