المزار الكبير

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي

المزار الكبير

المؤلف:

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤

أمرهم ، فأمات بسيفك من عاندك ، فشفي وهوى ، وأحيا بحجتك من سعد فهدى ، صلوات الله عليك غادية ورائحة ، وعاكفة وذاهبة ، فما يحيط المادح وصفك ، ولا يحبط الطاعن فضلك.

أنت أحسن الخلق عبادة ، وأخلصهم زهادة ، وأذبهم عن الدين ، أقمت حدود الله بجهدك ، وفللت عساكر المارقين بسيفك ، تخمد (١) لهب الحروب ببنانك (٢) ، وتهتك ستور الشبه ببيانك ، وتكشف لبس الباطل عن صريح الحق ، لا تأخذك في الله لومة لائم.

وفي مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين وتقريظ الواصفين ، قال الله تعالى : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) (٣).

ولما رأيت قد قتلت الناكثين والقاسطين والمارقين ، وصدقك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعده ، فأوفيت بعهده ، قلت : اما آن أن تخضب هذه من هذه ، أم متى يبعث أشقاها ، واثقا بأنك على بينة من ربك وبصيرة من امرك ، قادما على الله ، مستبشرا ببيعك الذي بايعته به ، وذلك هو الفوز العظيم.

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك ،

__________________

(١) خمدت النار : سكن لهبها.

(٢) البنان : الإصبع.

(٣) الأحزاب : ٢٣.

٢٨١

واصلهم حر نارك ، والعن من غصب وليك حقه ، وأنكر عهده ، وجحده بعد اليقين ، والاقرار بالولاية له يوم أكملت له الدين.

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين ومن قتلته ، وأشياعهم وأنصارهم ، اللهم العن ظالمي الحسين وقاتليه والمتابعين عدوه وناصريه ، والراضين بقتله وخاذليه ، لعنا وبيلا.

اللهم العن أول ظالم ظلم ال محمد ومانعيهم حقوقهم ، اللهم خص أول ظالم وغاصب لآل محمد باللعن وكل مستن بما سن إلى يوم الدين.

اللهم صل على محمد خاتم النبيين ، وسيد المرسلين (١) وآله الطاهرين ، واجعلنا بهم متمسكين ، وبموالاتهم من الفائزين الآمنين ، الذين لاخوف عليهم ولا يحزنون ، انك حميد مجيد.

١٣ ـ الزيارة المختصة بيوم الغدير (٢) :

روى جابر الجعفي قال أبو جعفر عليه‌السلام : مضى أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام إلى مشهد أمير المؤمنين عليه‌السلام فوقف ثم بكى وقال :

السلام عليك يا امين الله في ارضه وحجته على عباده ، السلام

__________________

(١) في بعض الصادر : وعلى علي سيد الوصيين.

(٢) لا دليل على اختصاص هذه الزيارة بيوم الغدير ، ويؤيده عدها في كتب المزار بعنوان الزيارات المطلقة.

٢٨٢

عليك يا أمير المؤمنين

اشهد انك جاهدت في الله حق جهاده ، وعملت بكتابه ، واتبعت سنن نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، وقبضك إليه باختياره ، والزم أعداءك الحجة ، مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه.

اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك ، راضية بقضائك ، مولعة (١) بذكرك ودعائك ، محبة لصفوة (٢) أوليائك ، محبوبة في ارضك وسمائك ، صابرة على نزول بلائك ، [ شاكرة لفواضل نعمائك ، ذاكرة لسوابغ آلائك ] (٣) ، مشتاقة إلى فرحة لقائك ، متزودة التقوى ليوم جزائك ، مستنة بسنن أوليائك ، مفارقة لأخلاق أعدائك ، مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك.

ثم وضع خده على قبره ، وقال :

اللهم ان قلوب المخبتين إليك والهة (٤) ، وسبل الراغبين إليك شارعة ، واعلام القاصدين إليك واضحة ، وأفئدة العارفين منك فازعة ، وأصوات الداعين إليك صاعدة ، وأبواب الإجابة لهم مفتحة.

__________________

(١) المولعة : المتعلقة.

(٢) الصفوة : الخالصة.

(٣) زيادة من سائر المصادر.

(٤) المخبتين : الخاشعين ، والهة : متحيرة من شدة الوجد.

٢٨٣

ودعوة من ناجاك مستجابة ، وتوبة من أناب إليك مقبولة ، وعبرة من بكى من خوفك مرحومة ، والإغاثة لمن استغاث بك موجودة ، والإعانة لمن استعان بك مبذولة ، وعداتك (١) لعبادك منجزة.

وزلل من استقالك (٢) مقالة ، واعمال العاملين لديك محفوظة ، وأرزاقك إلى الخلائق (٣) من لدنك نازلة ، وعوائد المزيد إليهم واصلة ، وذنوب المستغفرين مغفورة ، وحوائج خلقك عندك مقضية ، وجوائز السائلين عندك موفرة ، وعوائد المزيد متواترة (٤) ، وموائد المستطعمين معدة ، ومناهل الظماء (٥) مترعة (٦).

اللهم فاستجب دعائي ، واقبل ثنائي ، (٧) واجمع بيني وبين أوليائي بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، انك ولي نعمائي ، ومنتهى مناي ، وغاية رجائي في منقلبي ومثواي.

قال الباقر عليه‌السلام : ما قاله أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه‌السلام

__________________

(١) عداتك : وعودك.

(٢) استقالك : طلب صفحك.

(٣) ارزاق الخلائق ( خ ل ).

(٤) متواترة : متتابعة.

(٥) زيادة : لديك ( خ ل ).

(٦) اترعه : ملاه.

(٧) زيادة : وأعطني جزائي ( خ ل ).

٢٨٤

الا وقع في درج (١) من نور ، وطبع عليه بطابع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى يسلم إلى القائم عليه‌السلام ، فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله (٢).

__________________

(١) الدرج ـ بالفتح ـ الذي يكتب فيه.

(٢) رواه ابن قولويه في الكامل : ٩٢ ، باسناده عن أحمد بن علي ، عن أبيه ، عن علي بن موسى ، عن أبيه ، عن جده ، عن السجاد عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٦٤.

أورد بهذا اللفظ وبغيره : الشيخ في مصباحه : ٦٨٢ برواية جابر الجعفي عن الباقر عليه‌السلام ، و السيد في مصباحه : ٥٨٣ ، والشهيد في مزاره : ٩٥ ، والكفعمي في مصباحه : ٤٨٠ وفي البلد الأمين : ٤٩٥ جميعا عن الباقر ، عن أبيه عليهما‌السلام.

ذكره السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس في فرحة الغري : ٤٠ ، باسناده عن محمد بن محمد الطوسي ، عن والده ، عن السيد فضل الله العلوي ، عن ذي الفقار بن معبد ، عن الشيخ ، عن المفيد ، عن محمد بن أحمد القمي ، عن محمد بن علي بن الفضل الكوفي ، عن محمد بن روح القزويني ، عن أبي القاسم النقاش بقزوين ، عن الحسين بن سيف بن عميرة ، عن أبيه سيف ، عن جابر الجعفي ، عن الباقر ، عن أبيه عليهما‌السلام.

ورواه أيضا مع اختلاف في فرحة الغري : ٤٣ عن علي بن بلال المهلبي ، عن أحمد بن علي ابن مهدي الرقي ، عن أبيه ، عن علي بن موسى عليهما‌السلام ، مثله ثم قال : وذكر ابن أبي قرة في مزاره عن محمد بن عبد الله ، عن إسحاق بن محمد بن مروان ، عن أبيه ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام.

ذكره السيد ابن طاووس في الاقبال ٢ : ٢٧٣ كما في فرحة الغري ، باسناده عن كتاب المسرة من كتاب مزار ابن أبي قرة ، عن جماعة إليه ، رواه عن محمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن الحسن بن يوسف بن عميرة ، عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام ، عن أبيه علي بن الحسين عليهما‌السلام.

أقول : قال السيد في الاقبال بعد ذكر الدعاء : ( وقد زاره مولانا الصادق عليه‌السلام بنحو هذه الألفاظ من الزيارة تركنا ذكرها خوف الإطالة ) ، وقريب منه ما ذكره السيد عبد الكريم بن أحمد ابن طاووس في فرحة الغري.

٢٨٥

فاما صلاة يوم الغدير والدعاء :

فإنه ينبغي ان يغتسل أولا يوم الغدير ، فإذا قرب من الزوال وبقي بينه وبين الزوال نصف ساعة صلى ركعتين ، يقرأ في كل واحدة منهما عشر مرات : ( قل هو الله أحد ) بعد الحمد ، وعشر مرات : ( انا أنزلناه في ليلة القدر ) ، وعشر مرات آية الكرسي.

فإذا سلم عقب بما أراد من تسبيح الزهراء عليها‌السلام وغير ذلك من الدعاء ، ثم تقول :

ربنا اننا سمعنا مناديا ينادي للايمان ان امنوا بربكم فآمنا ، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وأتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.

اللهم إني أشهدك وكفى بك شهيدا ، واشهد ملائكتك وأنبياءك وحملة عرشك وسكان سماواتك وارضيك ، بأنك أنت الله لا إله إلا أنت المعبود فلا يعبد سواك ، فتعاليت عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله ، واشهد ان أمير المؤمنين عبدك ومولانا.

ربنا سمعنا واجبنا وصدقنا المنادي رسولك صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ نادى بنداء عنك ، بالذي امرته ان يبلغ ما أنزلت إليه ، من ولاية ولي امرك ، وحذرته وأنذرته ان لم يبلغ ما امرته ان تسخط عليه ، ولما بلغ

٢٨٦

رسالاتك (١) عصمته من الناس ، فنادى مبلغا عنك : الا من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه ، ومن كنت نبيه فعلي اميره.

ربنا قد أجبنا داعيك النذير محمدا عبدك ورسولك إلى الهادي المهدي ، عبدك الذي أنعمت عليه ، وجعلته مثلا لبني إسرائيل ، علي أمير المؤمنين ومولاهم ووليهم ، ربنا واتبعنا مولانا وولينا وهادينا وداعينا ، وداعي الأنام وصراطك المستقيم وحجتك البيضاء ، وسبيلك الداعي إليك على بصيرة هو ومن اتبعه ، وسبحان الله عما يشركون.

واشهد انه الإمام الهادي الرشيد أمير المؤمنين ، الذي ذكرته في كتابك فإنك قلت وقولك الحق : ( وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) (٢).

اللهم فانا نشهد بأنه عبدك والهادي من بعد نبيك ، النذير المنذر ، وصراطك المستقيم ، وأمير المؤمنين ، وقائد الغر المحجلين ، وحجتك البالغة ، ولسانك المعبر عنك في خلقك ، وانه القائم بالقسط في بريتك ، وديان دينك ، وخازن علمك ، وأمينك المأمون ، المأخوذ ميثاقه وميثاق رسولك عليهما‌السلام من جميع خلقك وبريتك ، شاهدا بالاخلاص لك والوحدانية.

__________________

(١) رسالتك ( خ ل ).

(٢) الزخرف : ٤٣.

٢٨٧

بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وان عليا أمير المؤمنين جعلته وليك ، والاقرار بولايته تمام وحدانيتك وكمال دينك وتمام نعمتك على جميع خلقك من بريتك ، فقلت وقولك الحق : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) (١).

فلك الحمد بموالاته واتمام نعمتك علينا ، بالذي جددت من عهدك وميثاقك ، وذكرتنا ذلك ، وجعلتنا من أهل الاخلاص والتصديق بميثاقك ومن أهل الوفاء بذلك ، ولم تجعلنا من اتباع المغيرين والمبدلين ، والمنحرفين (٢) والمبتكين اذان الانعام ، والمغيرين خلق الله ، ومن الذين استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وصدهم عن السبيل والصراط المستقيم.

اللهم العن الجاحدين والناكثين ، والمغيرين والمكذبين بيوم الدين من الأولين والآخرين ، اللهم فلك الحمد على انعامك علينا بالهدى الذي هديتنا به إلى ولاة امرك من بعد نبيك ، الأئمة الهداة الراشدين ، واعلام الهدى ، ومنار القلوب والتقوى والعروة الوثقى ، وكمال دينك وتمام نعمتك ، ومن بهم وبموالاتهم رضيت لنا الاسلام ديناً.

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) المحرفين ( خ ل ).

٢٨٨

ربنا فلك الحمد ، امنا وصدقنا بمنك علينا بالرسول النذير المنذر والينا وليهم ، وعادينا عدوهم ، وبرئنا من الجاحدين والمكذبين بيوم الدين ، اللهم فكما كان ذلك من شأنك يا صادق الوعد ، يا من لا يخلف الميعاد ، يا هو كل يوم في شأن إذ أتممت علينا نعمتك بموالاة أوليائك ، المسؤول عنهم عبادك ، فإنك قلت : ( ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم ) (١) ، وقلت وقولك الحق : ( وقفوهم انهم مسؤولون ) (٢).

ومننت علينا بشهادة الاخلاص وبولاية أوليائك الهداة بعد النذير المنذر السراج المنير ، وأكملت لنا بهم الدين ، وأتممت علينا النعمة ، وجددت لنا عهدك ، وذكرتنا ميثاقك المأخوذ منا في ابتداء خلقك إيانا ، وجعلتنا من أهل الإجابة ولم تنسنا ذكرك ، فإنك قلت : ( وإذ اخذ ربك من بنى ادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم الست بربكم قالوا بلى ) (٣).

شهدنا بمنك ولطفك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت ربنا ، ومحمد عبدك ورسولك نبينا ، وعلي أمير المؤمنين عبدك الذي أنعمت به علينا ، وجعلته اية لنبيك عليه‌السلام ، وآيتك الكبرى ، والنبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنه مسؤولون.

__________________

(١) التكاثر : ٦.

(٢) الصافات : ٢٤.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

٢٨٩

اللهم فكما كان من شأنك ان أنعمت علينا بالهداية إلى معرفتهم فليكن من شأنك ان تصلي على محمد وال محمد وان تبارك لنا في يومنا هذا الذي أكرمتنا به ، وذكرتنا فيه عهدك وميثاقك ، وأكملت ديننا ، وأتممت علينا نعمتك ، وجعلتنا بمنك من أهل الإجابة والبراءة من أعدائك وأعداء أوليائك ، المكذبين بيوم الدين.

فاسالك يا رب تمام ما أنعمت به ، وان تجعلنا من الموفين (١) ، ولا تلحقنا بالمكذبين ، واجعل لنا قدم صدق مع المتقين ، واجعل لنا من المتقين إماما ، يوم تدعو كل أناس بإمامهم ، واحشرنا في زمرة أهل بيت نبيك الأئمة الصادقين ، واجعلنا من البرآء من الذين هم دعاة إلى النار ، ويوم القيامة هم من المقبوحين ، وأحينا على ذلك ما أحييتنا ، واجعل لنا مع الرسول سبيلا ، واجعل لنا قدم صدق في الهجرة إليهم.

واجعل محيانا خير المحيا ، ومماتنا خير الممات ، ومنقلبنا خير المنقلب ، على موالاة أوليائك ومعاداة أعدائك ، حتى تتوفانا وأنت عنا راض ، قد أوجبت لنا جنتك برحمتك ، والمثوى في جوارك في دار المقامة من فضلك ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ، ربنا وأتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد.

اللهم واحشرنا مع الأئمة الهداة من ال رسولك ، نؤمن بسرهم

__________________

(١) المصدقين ( خ ل ).

٢٩٠

وعلانيتهم ، وشاهدهم وغائبهم ، اللهم إني أسألك بالحق الذي جعلته عندهم ، وبالذي فضلتهم به على العالمين جميعا ان تبارك لنا في يومنا هذا الذي أكرمتنا فيه بالموافاة بعهدك الذي عهدته إلينا ، والميثاق الذي واثقتنا به من موالاة أوليائك والبراءة من أعدائك ان تتم علينا نعمتك ، ولا تجعله مستودعا واجعله مستقرا ولا تسلبناه ابدا ، ولا تجعله مستعارا ، وارزقنا مرافقة وليك الهادي المهدي إلى الهدى ، وتحت لوائه وفي زمرته ، شهداء صادقين على بصيرة من دينك ، انك على كل شئ قدير (١).

١٤ ـ زيارة جامعة لسائر الأئمة صلوات الله عليهم ، والقول في مبتدأ الامر في الزيارة إلى آخرها وردت عن الصادقين عليهم‌السلام.

إذا أردت زيارة قبور الأئمة عليهم‌السلام فليكن من قولك عند العقد على العزم والنية :

اللهم صل عزمي بالتحقيق ، ونيتي بالتوفيق ، ورجائي بالتصديق ، وتول أمري ولا تكلني إلى نفسي ، وأحل عقدة الحيرة والتخلف (٢) عن حضور المشاهد المقدسة.

__________________

(١) رواه في الاقبال ٢ : ٢٨٢ ، عنه البحار ٩٨ : ٣٠٢ ، رواه مع اختلاف في التهذيب ٣ : ١٤٣ ، مصباح المتهجد ٢ : ٦٩١.

(٢) عقدة الخيرة ( خ ل ) ، أتخلف ( خ ل ).

٢٩١

وصل ركعتين قبل خروجك وقل بعقبهما :

اللهم إني استودعك ديني ونفسي وجميع حزانتي ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل والمال والولد ، اللهم إني أعوذ بك من سوء الصحبة واخفاق الأوبة (١) ، اللهم سهل لنا حزن ما نتغول (٢) عليه ، ويسر علينا مستغزر (٣) ما نروح ونغدو له ، انك على كل شئ قدير.

فإذا سلكت طريقك فليكن همك ما سلكت له ، ولتقلل من حال تغص منك ولتحسن الصحبة لمن صحبك ، وأكثر من الثناء على الله تعالى ذكره والصلاة على رسوله.

فإذا أردت الغسل للزيارة فقل وأنت تغتسل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله ، اللهم اغسل عني درن الذنوب ووسخ العيوب ، وطهرني بماء التوبة ، وألبسني رداء العصمة ، وأيدني بلطف منك توفقني لصالح الأعمال ، انك ذو الفضل العظيم.

فإذا دنوت من باب المشهد فقل :

الحمد لله الذي وفقني لقصد وليه ، وزيارة حجته ، وأوردني

__________________

(١) اخفاق الأوبة : طلب حاجة فاخفق ، اي لم يدركها.

(٢) المغاولة : المبادرة في السير.

(٣) المستغزر : الذي يطلب أكثر مما يعطي.

٢٩٢

حرمه ولم يبخسني (١) حظي من زيارة قبره والنزول بعقوة (٢) مغيبه وساحة تربته ، الحمد لله الذي لم يسمني بحرمان ما أملته ، ولا صرف عزمي عما رجوته ، ولا قطع رجائي مما توقعته ، بل البسني عافيته وأفادني نعمته واتاني كرامته.

فإذا دخلت المشهد فقف على الضريح الطاهر وقل :

السلام عليكم أئمة المؤمنين وسادة المتقين وكبراء الصديقين وامراء الصالحين وقادة المحسنين واعلام المهتدين وأنوار العارفين ، وورثة الأنبياء وصفوة الأوصياء ، وشموس الأتقياء وبدور الخلفاء ، وعباد الرحمان وشركاء القران ، ومنهج الايمان ومعادن الحقائق وشفعاء الخلائق ، ورحمة الله وبركاته.

اشهد انكم أبواب الله ومفاتيح رحمته ، ومقاليد مغفرته ، وسحائب رضوانه ، ومصابيح جنانه ، وحملة قرآنه ، وخزنة علمه ، وحفظة سره ، ومهبط وحيه ، وأمانات النبوة ، وودائع الرسالة.

أنتم أمناء الله وأحباؤه ، وعباده وأسخياؤه ، وأنصار توحيده ، و أركان تمجيده ، ودعاته إلى دينه ، وحرسة خلائقه ، وحفظة شرائعه.

لا يسبقكم ثناء الملائكة في الاخلاص والخشوع ، ولا يضادكم ذو ابتهال وخضوع ، انى ولكم القلوب التي تولى الله رياضتها بالخوف

__________________

(١) بخسه حقه ـ كمنعه ـ نقصه.

(٢) العقوة : ما حول الدار والمحلة.

٢٩٣

والرجاء ، وجعلها أوعية الشكر والثناء ، وامنها من عوارض الغفلة ، وصفاها من شواغل الفترة ، بل يتقرب أهل السماء بحبكم وبالبراءة من أعدائكم ، وتواتر البكاء على مصابكم ، والاستغفار لشيعتكم ومحبيكم.

فانا اشهد الله خالقي واشهد ملائكته وأنبيائه وأشهدكم يا موالي باني مؤمن بولايتكم ، معتقد لإمامتكم ، مقر بخلافتكم ، عارف بمنزلتكم ، مؤمن بعصمتكم ، خاضع لولايتكم ، متقرب إلى الله بحبكم وبالبراءة من أعدائكم ، عالم بان الله قد طهركم من الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل ريبة ونجاسة ودنية ورجاسة ، ومنحكم راية الحق الذي من تقدمها ذل ، ومن تأخر عنها زل ، وفرض طاعتكم على كل اسود وابيض.

واشهد انكم قد وفيتم بعهد الله وذمته ، وبكل ما اشترطه عليكم في كتابه ، ودعوتم إلى سبيله ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته ، وحملتم الخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء ، ومذاهب الأوصياء ، فلم يطع لكم أمر ولم تصغ إليكم اذن ، فصلوات الله على أرواحكم وأجسادكم.

ثم تنكب على القبر وتقول :

بابي أنت وأمي يا حجة الله لقد أرضعت بثدي الايمان ، وفطمت بنور الاسلام ، وغذيت ببرد اليقين ، وألبست حلل العصمة ، واصطفيت

٢٩٤

وورثت علم الكتاب ، ولقنت فصل الخطاب ، وأوضح بمكانك معارف التنزيل ، وغوامض التأويل ، وسلمت إليك راية الحق ، وكلفت هداية الخلق ، ونبذ إليك عهد الإمامة ، وألزمت حفظ الشريعة.

واشهد يا مولاي انك وفيت بشرائط الوصية ، وقضيت ما الزمك من فرض الطاعة ، ونهضت بأعباء الإمامة ، واحتذيت مثال النبوة في الصبر والاجتهاد ، والنصيحة للعباد وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس ، وعزمت على العدل في البرية ، والنصفة في القضية ، ووكدت الحجج على الأمة بالدلائل الصادقة والشواهد الناطقة ، ودعوت إلى الله بالحكمة البالغة والموعظة.

فمنعت من تقويم الزيغ وسد الثلم (١) ، واصلاح الفاسد وكسر المعاند ، واحياء السنن وإماتة البدع ، حتى فارقت الدنيا وأنت شهيد ، ولقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنت حميد صلوات الله عليك صلاة تترادف وتزيد.

ثم صر إلى عند الرجلين وقل :

يا سادتي يا آل رسول الله ، إني بكم أتقرب إلى الله جل وعلا ، بالخلاف على الذين غدروا بكم ، ونكثوا بيعتكم ، وجحدوا ولايتكم ، وأنكروا منزلتكم ، وخلعوا ربقة طاعتكم ، وهجروا أسباب مودتكم ، وتقربوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم ، والاعراض عنكم ، ومنعوكم من

__________________

(١) الثلمة ـ بالضم ـ فرجة المكسور والمهدوم ، والثلم ـ محركة ـ ان ينثلم حرف الوادي.

٢٩٥

إقامة الحدود ، واستئصال الجحود ، وشعب الصدع ، ولم الشعث ، وسد الخلل ، وتثقيف الأود (١) ، وإمضاء الأحكام ، وتهذيب الاسلام ، وقمع الآثام ، وأرهجوا عليكم نقع (٢) الحروب والفتن ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد (٣) ، هتكوا منكم الستور ، وابتاعوا بخمسكم الخمور ، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين.

وذلك بما طرقت لهم الفسقة الغواة ، والحسدة البغاة ، أهل النكث والغدر ، والخلاف والمكر ، والقلوب المنتنة من قذر الشرك ، والأجساد المشحنة (٤) من درن الكفر ، أضبوا على النفاق ، وأكبوا على علائق الشقاق (٥).

فلما مضى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اختطفوا الغرة (٦) ، وانتهزوا الفرصة ، وانتهكوا الحرمة ، وغادروه على فراش الوفاة ، وأسرعوا لنقض البيعة ، ومخالفة المواثيق المؤكدة ، وخيانة الأمانة المعروضة على الجبال الراسية ، وأبت أن تحملها وحملها الانسان

__________________

(١) الثقاف : ما يقوم به الرماح ، يريد انه سوى عوج المسلمين.

(٢) أرهج : اثار الغبار ، النقع : الغبار.

(٣) أنحى عليه ضربا إذا أقبل ، وأنحى له السلاح ضربه بها.

(٤) شحنه وأشحنه : ملاه.

(٥) اضب فلانا : لزمه فلم يفارقه وعليه أمسك ، أكب عليه : إذا اقبل ولزم.

(٦) العترة ( خ ل ) ، الاختطاف : استلاب الشئ واخذه بسرعة ، اي اغتنموا غفلة الناس و اخذوها لتحصيل مرامهم.

٢٩٦

الظلوم الجهول ، ذو الشقاق والغرة ، بالآثام المؤلمة ، والانفة عن الانقياد لحميد العاقبة.

فحشر سفلة الأعراب ، وبقايا الأحزاب ، إلى دار النبوة والرسالة ، ومهبط الوحي والملائكة ، ومستقر سلطان الولاية ، ومعدن الوصية والخلافة والإمامة ، حتى نقضوا عهد المصطفى ، في أخيه علم الهدى ، والمبين طريق النجاة من طرق الردى.

وجرحوا كبد خير الورى ، في ظلم ابنته ، واضطهاد حبيبته ، واهتضام عزيزته ، وبضعة لحمه ، وفلذة كبده ، وخذلوا بعلها ، وصغروا قدره ، واستحلوا محارمه ، وقطعوا رحمه ، وأنكروا اخوته ، وهجروا مودته ، ونقضوا طاعته ، وجحدوا ولايته ، وأطمعوا العبيد في خلافته.

وقادوه إلى بيعتهم ، مصلتة سيوفها (١) ، مشرعة (٢) أسنتها ، وهو ساخط القلب ، هائج الغضب ، شديد الصبر ، كاظم الغيظ ، يدعونه إلى بيعتهم التي عم شومها الاسلام ، وزرعت في قلوب أهلها الآثام ، وعقت (٣) سلمانها ، وطردت مقدادها ، ونفت جندبها ، وفتقت بطن عمارها ، وحرفت القرآن ، وبدلت الأحكام ، وغيرت المقام ، وأباحت الخمس للطلقاء ، وسلطت أولاد اللعناء على الفروج ، وخلطت الحلال بالحرام.

__________________

(١) أصلت السيف : جرده من غمده.

(٢) مقذعة ( خ ل ) ، قذعه ـ كمنعه ـ رماه بالفحش وسوء القول وبالعصا ضربه ، وما في المتن هو الظاهر.

(٣) عقت من العقوق خلاف البر ، ولعله في الأصل : عنفت من التعنيف.

٢٩٧

واستخف بالايمان والاسلام ، وهدمت الكعبة ، وأغارت على دار الهجرة يوم الحرة ، وأبرزت بنات المهاجرين والأنصار للنكال والسوءة (١) ، وألبستهن ثوب العار والفضيحة ، ورخصت لأهل الشبهة في قتل أهل بيت الصفوة وإبادة نسله ، واستيطال شافته ، وسبي حرمه ، وقتل أنصاره ، وكسر منبره ، وقلب مفخره ، وإخفاء دينه ، وقطع ذكره.

يا موالي فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة (٢) في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة (٣) في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم.

وأنتم بين صريع في المحراب ، قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شكت أكفانه (٤) بالسهام ، وقتيل بالعراء قد رفع فوق القناة (٥) رأسه ، ومكبل في السجن قد رضت بالحديد أعضاؤه (٦) ، ومسموم قد قطعت بجرع السم أمعاؤه ، وشملكم عباديد (٧) تفنيهم العبيد وأبناء العبيد.

__________________

(١) السورة ( خ ل ) ، السورة : السطوة والاعتداء.

(٢) مغرقة ( خ ل ) ، معرقة من أعرق الشجرة إذا اشتدت عروقه في الأرض.

(٣) أشرعت الرمح نحوه سددت.

(٤) شكها بالرمح : خرقها.

(٥) العراء : الفضاء لا يستر فيه بشئ ، والقناة الرمح.

(٦) الكبل : القيد ، كبله حبسه في سجن أو غيره ، والرض : الدق.

(٧) العباديد : الفرق من الناس والخيل الذاهبون في كل وجه.

٢٩٨

فهل المحن يا ساداتي الا التي لزمتكم ، والمصائب الا التي عمتكم ، والفجايع إلا التي خصتكم ، والقوارع (١) إلا التي طرقتكم ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم ، ورحمة الله وبركاته.

ثم قبله وقل :

بأبي وأمي يا آل المصطفى ، إنا لا نملك إلا أن نطوف حول مشاهدكم ، ونعزي فيها أرواحكم ، على هذه المصائب العظيمة الحالة بفنائكم ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح ، وأورثت أكبادهم الجروح ، وزرعت في صدورهم الغصص.

فنحن نشهد الله أنا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدمين ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتلة أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة يوم كربلاء ، بالنيات والقلوب ، والتأسف على فوت تلك المواقف ، التي حضروا لنصرتكم ، والله وليي يبلغكم مني السلام (٢).

ثم اجعل القبر بينك وبين القبلة وقل :

اللهم يا ذا القدرة التي صدر عنها العالم مكونا مبروئا عليها ، مفطورا تحت ظل العظمة ، فنطقت شواهد صنعك فيه بأنك أنت الله

__________________

(١) القوارع : الدواهي.

(٢) عليكم منا السلام ، ورحمة الله وبركاته. ( خ ل )

٢٩٩

لا إله إلا أنت ، مكونه وبارؤه وفاطره

ابتدعته لا من شئ ، ولا على شئ ، ولا في شئ ، ولا لوحشة دخلت عليك إذ لا غيرك ، ولا حاجة بدت لك في تكوينه ، ولا لاستعانة منك على ما تخلق بعده ، بل أنشأته ليكون دليلا عليك ، بأنك بائن من الصنع ، فلا يطيق المنصف بعقله إنكارك ، والموسوم بصحة المعرفة جحودك.

أسألك بشرف الاخلاص في توحيدك ، وحرمة التعلق بكتابك ، وأهل بيت نبيك ، أن تصلي على آدم بديع فطرتك ، وبكر حجتك ، ولسان قدرتك ، والخليفة في بسيطتك ، وعلى محمد الخالص من صفوتك ، والفاحص عن معرفتك ، والغائص المأمون على مكنون سريرتك ، بما أوليته من نعمتك بمعونتك ، وعلى من بينهما من النبيين والمكرمين من الأوصياء والصديقين ، وأن تهبني لإمامي هذا.

وضع خدك على سطح القبر وقل :

اللهم بمحل هذا السيد من طاعتك ، وبمنزلته عندك ، لا تمتني فجأة ، ولا تحرمني توبة ، وارزقني الورع عن محارمك دينا ودنيا ، واشغلني بالآخرة عن طلب الأولي ، ووفقني لما تحب وترضى ، وجنبني اتباع الهوى ، والاغترار بالأباطيل والمنى.

اللهم اجعل السداد في قولي ، والصواب في فعلي ، والصدق والوفاء في ضماني ووعدي ، والحفظ والايناس مقرونين بعهدي

٣٠٠