المزار الكبير

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي

المزار الكبير

المؤلف:

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤

طلب من يعلم انك تعطي ، ولا ينقص ما عندك ، واستغفرك استغفار من يعلم أنه لا يغفر الذنوب الا أنت ، وأتوكل عليك توكل من يعلم انك على كل شئ قدير.

ثم تقول : العفو العفو ـ مائة مرة.

باب الوداع :

تقف عليه كوقوفك عليه حين وردت وتقول :

استودعك الله واسترعيك واقرأ عليك السلام عليك يا مولاي يا أمير المؤمنين ، امنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين.

اللهم لا تجعله اخر العهد من زيارة قبر وليك الهادي بعد نبيك ، النذير المنذر ، وارزقني العود إليه ابدا ما أبقيتني ، فإذا توفيتني فاحشرني معه وفي زمرته وتحت لوائه ، ولا تفرق بيني وبينه طرفة عين ، ولا أقل من ذلك ولا أكثر ، برحمتك يا ارحم الراحمين (١).

١١ ـ زيارة أخرى له عليه‌السلام :

تغتسل أولا للزيارة مندوبا وتقصد إلى مشهده عليه‌السلام وتقف على ضريحه الطاهر وتستقبله بوجهك ، وتجعل القبلة بين يديك وتقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٠٤ ، ذكر مثله السيد في مصباح الزائر : ٧٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ٣٠١.

٢٦١

يا ولي الله ، السلام عليك يا صفوة الله ، السلام عليك يا حبيب الله السلام عليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين.

اشهد انك قد بلغت عن رسول الله ما حملك ، وحفظت ما استودعك ، وحللت حلال الله وحرمت حرام الله ، وتلوت كتاب الله وصبرت على الأذى في جنب الله محتسبا حتى اتاك اليقين ، لعن الله من خالفك ، ولعن من قتلك ، ولعن من بلغه ذلك فرضي به ، انا إلى الله منهم براء.

ثم تنكب على القبر وتقبله وتضع خدك الأيمن عليه ثم الأيسر ، ثم تتحول إلى عند الرأس ، تقف عليه وتقول :

السلام عليك يا وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء ، اشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء.

اتيتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، متقربا إلى الله تعالى بزيارتك في خلاص نفسي وفكاك رقبتي من النار وقضاء حوائجي للدنيا والآخرة ، فاشفع لي عند ربك صلوات الله عليك.

ثم يقبل القبر ويضع خده الأيمن ويرفع رأسه ، ويصلي ست ركعات حسب ما قدمناه.

فإذا أراد وداعه عليه‌السلام فليقف على قبره كما وقف أولا ، ثم تقول :

٢٦٢

السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، استودعك الله واسترعيك واقرأ عليك السلام ، امنا بالله وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللهم اكتبنا مع الشاهدين.

اللهم لا تجعله اخر العهد لزيارة وليك ، وارزقني العود إليه ابدا ما أبقيتني ، فإذا توفيتني فاحشرني معه ومع ذريته الأئمة الراشدين عليه وعليهم‌السلام ورحمة الله وبركاته.

وتدعو بعد ذلك بما شاء ، إن شاء الله (١).

١٢ ـ زيارة أخرى لمولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه مختصة بيوم الغدير

اخبرني بهذه الزيارة الشريف الاجل العالم أبي جعفر محمد المعروف بابن الحمد النحوي ، رفع الحديث عن الفقيه العسكري صلوات الله عليه في شهور سنة إحدى وسبعين وخمسمائة.

وأخبرني الفقيه الاجل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي رضي‌الله‌عنه ، عن الفقيه العماد محمد بن أبي القاسم الطبري ، عن أبي علي ، عن والده ، عن محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه ، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمري ، عن أبي محمد

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣٤٦

٢٦٣

الحسن بن علي العسكري ، عن أبيه صلوات الله عليهما ، وذكر انه عليه‌السلام زار بها في يوم الغدير في السنة التي اشخصه المعتصم.

تقف عليه صلوات الله عليه وتقول :

السلام على محمد رسول الله ، خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وصفوة رب العالمين ، امين الله على وحيه ، وعزائم امره ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ، ورحمة الله وبركاته وصلواته وتحياته ، السلام على أنبياء الله ورسله ، وملائكته المقربين ، وعباده الصالحين.

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، ووارث علم النبيين ، وولي رب العالمين ، ومولاي ومولى المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، السلام عليك يا أمير المؤمنين (١) ، يا امين الله في ارضه ، وسفيره في خلقه ، وحجته البالغة على عباده.

السلام عليك يا دين الله القويم ، وصراطه المستقيم ، السلام عليك أيها النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون ، وعنه يسألون ، السلام عليك يا أمير المؤمنين.

امنت بالله وهم مشركون ، وصدقت بالحق وهم مكذبون ، وجاهدت وهم محجمون (٢) ، وعبدت الله مخلصا له الدين ، صابرا

__________________

(١) في بعض المصادر : يا مولاي يا أمير المؤمنين.

(٢) أحجم عن الامر : كف أو نكص هيبة.

٢٦٤

محتسبا حتى اتاك اليقين ، الا لعنة الله على الظالمين

السلام عليك يا سيد المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ، وامام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، ورحمة الله وبركاته.

اشهد انك أخو الرسول ووصيه ، ووارث علمه ، وأمينه على شرعه ، وخليفته في أمته ، وأول من امن بالله ، وصدق بما انزل على نبيه ، واشهد انه قد بلغ عن الله ما أنزله فيك ، وصدع بأمره ، وأوجب على أمته فرض ولايتك ، وعقد عليهم البيعة لك ، وجعلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما جعله الله كذلك.

ثم اشهد الله تعالى عليهم فقال : الست قد بلغت؟ فقالوا : اللهم بلى ، فقال : اللهم اشهد وكفى بك شهيدا ، وحاكما بين العباد ، فلعن الله جاحد ولايتك بعد الاقرار ، وناكث عهدك بعد الميثاق ، واشهد انك أوفيت بعهد الله تعالى وان الله تعالى موف بعهده لك ، ( ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما ) (١).

واشهد انك أمير المؤمنين الحق ، الذي نطق بولايتك التنزيل ، واخذ لك العهد على الأمة بذلك الرسول ، واشهد انك وعمك واخاك ، الذين تاجرتم الله بنفوسكم ، فأنزل الله فيكم :

( ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التورية

__________________

(١) الفتح : ١٠.

٢٦٥

والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم * التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) (١).

اشهد يا أمير المؤمنين ان الشاك فيك ما امن بالرسول الأمين ، وان العادل بك غيرك عادل عن الدين القويم ، الذي ارتضاه لنا رب العالمين ، فأكمله بولايتك يوم الغدير.

واشهد انك المعني بقول العزيز الرحيم : ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) (٢) ، ضل والله وأضل من اتبع سواك ، وعند عن الحق (٣) من عاداك.

اللهم سمعنا لأمرك ، وأطعنا واتبعنا صراطك المستقيم ، فاهدنا ربنا ، ولا تزغ قلوبنا بعد الهدى عن طاعتك ، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك.

واشهد انك لم تزل للهوى مخالفا ، وللتقى محالفا (٤) ، وعلى كظم الغيظ قادرا ، وعن الناس عافيا ، وإذا عصي الله ساخطا ، وإذا أطيع الله

__________________

(١) التوبة : ١١١ ـ ١١٢.

(٢) الانعام : ١٥٣.

(٣) عند عن الطريق : مال.

(٤) المحالفة : المؤاخاة.

٢٦٦

راضيا ، وبما عهد الله إليك عاملا (١) راعيا ما استحفظت ، حافظا ما استودعت ، مبلغا ما حملت ، منتظرا ما وعدت.

واشهد انك ما اتقيت ضارعا (٢) ، ولا أمسكت عن حقك جازعا ، ولا أحجمت عن مجاهدة عاصيك ناكلا (٣) ، ولا أظهرت الرضا بخلاف ما يرضى الله مداهنا ، ولا وهنت لما أصابك في سبيل الله ، ولا ضعفت ولا استكنت عن طلب حقك مراقبا.

معاذ الله أن تكون كذلك ، بل إذ ظلمت فاحتسبت ربك ، وفوضت إليه امرك ، وذكرت فما ذكروا ، ووعظت فما اتعظوا ، وخوفتهم الله فما يخافوا.

واشهد انك يا أمير المؤمنين جاهدت في الله حق جهاده ، حتى دعاك الله إلى جواره ، وقبضك إليه باختياره ، والزم أعداءك الحجة ، بقتلهم إياك ، لتكون لك الحجة عليهم ، مع ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه.

السلام عليك يا أمير المؤمنين عبدت الله مخلصا ، وجاهدت في الله صابرا ، وجدت بنفسك صابرا محتسبا ، وعملت بكتابه ، واتبعت سنة نبيه ، وأقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن

__________________

(١) حاملا ( خ ل ).

(٢) ما اتقيت ضارعا : اي متذللا متضعفا.

(٣) الناكل : الضعيف والجبان.

٢٦٧

المنكر ما استطعت ، مبتغيا مرضاة ما عند الله ، راغبا فيما وعد الله

لا تحفل (١) بالنوائب ، ولا تهن عند الشدائد ، ولا تحجم عن محارب ، افك (٢) من نسب غير ذلك وافترى باطلا عليك ، وأولى لمن (٣) عند عنك.

لقد جاهدت في الله حق الجهاد ، وصبرت على الأذى صبر احتساب ، وأنت أول من امن بالله ، وصلى له ، وجاهد ، وابدى صفحته في دار الشرك ، والأرض مشحونة ضلالة ، والشيطان يعبد جهرة.

وأنت القائل : لا تزيدني كثرة الناس حولي عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة ، ولو أسلمني الناس جميعا لم أكن متضرعا ، اعتصمت بالله فعززت ، واثرت الآخرة على الأولى فزهدت ، وأيدك الله وهداك ، وأخلصك واجتباك.

فما تناقضت أفعالك ، ولا اختلفت أقوالك ، ولا تقلبت أحوالك ، ولا ادعيت ولا افتريت على الله كذبا ، ولا شرهت (٤) إلى الحطام (٥) ، ولا دنسك الآثام ، ولم تزل على بينة من ربك ويقين من امرك ، تهدي إلى الحق والى صراط مستقيم.

اشهد شهادة حق ، وأقسم بالله قسم صدق ان محمدا واله

__________________

(١) لا يحفل بكذا : لا يبالي به.

(٢) افك : كذب.

(٣) أولى له ، كلمة تهديد ووعيد.

(٤) شره : غلب حرصه.

(٥) الحطام : ما تكسر به اليبس ، شبه به أموال الدنيا وزخارفها.

٢٦٨

صلوات الله عليهم سادات الخلق ، وانك مولاي ومولى المؤمنين وانك عبد الله ووليه وأخو الرسول ، ووصيه ووارثه ، وانه القائل لك : والذي بعثني بالحق ما امن بي من كفر بك ، ولا أقر بالله من جحدك.

وقد ضل من صد عنك ، ولم يهتد إلى الله تعالى ولا إلي من لا يهدى بك ، وهو قول ربي عزوجل : ( واني لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا ثم اهتدى ) (١) إلى ولايتك.

مولاي فضلك لا يخفى ، ونورك لا يطفى ، وان من جحدك الظلوم الأشقى ، مولاي أنت الحجة على العباد ، والهادي إلى الرشاد ، والعدة للمعاد.

مولاي لقد رفع الله في الأولى منزلتك ، واعلى في الآخرة درجتك ، وبصرك ما عمي على من خالفك (٢) ، وحال بينك وبين مواهب الله لك.

فلعن الله مستحلي الحرمة منك وذائد الحق (٣) عنك ، واشهد انهم الأخسرون ، الذين تلفح (٤) وجوههم النار ، وهم فيها كالحون (٥).

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) عن الجزري : في حديث الصوم : فان عمي عليكم ، قيل : هو من العمى السحاب الرقيق ، اي حال دونه ما أعمى الابصار عن رؤيته.

(٣) ذائد الحق : دافعه.

(٤) لفحت النار : أحرقت.

(٥) الكالح : العابس ، أو الذي قصرت شفتاه عن أسنانه.

٢٦٩

واشهد انك ما أقدمت ، ولا أحجمت ، ولا نطقت ، ولا أمسكت الا بأمر من الله ورسوله ، قلت : والذي نفسي بيده لنظر إلي رسول الله صلى الله عليه وآله ، اضرب قدامه بسيفي فقال : يا علي أنت عندي بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي ، وأعلمك ان موتك وحياتك معي وعلى سنتي ، فوالله ما كذبت ولا كذبت ، ولا ضللت ولا ضل بي ، ولا نسيت ما عهد إلي ربي ، واني لعلى بينة من ربي ، بينها لنبيه ، وبينها النبي لي ، واني لعلى الطريق الواضح ، ألفظه لفظا (١) ، صدقت والله وقلت الحق.

فلعن الله من ساواك بمن ناواك ، والله جل ذكره يقول : ( هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (٢) ، ولعن الله من عدل بك من فرض الله عليه ولايتك.

وأنت ولي الله وأخو رسوله ، والذاب عن دينه ، والذي نطق القران بتفضيله ، قال الله تعالى : ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين اجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما ) (٣).

وقال الله تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله

__________________

(١) ألفظه لفظا : أقول ذلك حقا لا أبالي به أحدا.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) النساء : ٩٥.

٢٧٠

والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين امنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها ابدا ان الله عنده اجر عظيم ) (١).

اشهد انك المخصوص بمدحة الله ، المخلص لطاعة الله ، لم تبغ بالهدى بدلا ولم تشرك بعبادة ربك أحدا ، وان الله تعالى استجاب لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله فيك دعوته.

ثم امره باظهار ما أولاك لامته ، اعلاء لشأنك ، واعلانا لبرهانك ، ودحضا للأباطيل ، وقطعا للمعاذير ، فلما أشفق من فتنة الفاسقين ، واتقى فيك المنافقين ، أوحى الله رب العالمين : ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (٢).

فوضع على نفسه أوزار المسير (٣) ، ونهض في رمضاء الهجير (٤) ، فخطب فأسمع ، ونادى فأبلغ ، ثم سألهم أجمع ، فقال : هل بلغت؟ فقالوا : اللهم بلى ، فقال : اللهم اشهد ، ثم قال : الست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

__________________

(١) التوبة : ١٩ ـ ٢٢.

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) أوزار المسير : أثقال المسير.

(٤) الرمضاء : شدة الحر ، الأرض الحامية من شدة حر الشمس ، الهجير : شدة الحر ، ونصف النهار عند زوال الشمس مع الظهر أو عند زوالها إلى العصر.

٢٧١

فقالوا : بلى ، فاخذ بيدك ، وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله.

فما امن بما انزل الله فيك على نبيه الا قليل ، ولا زاد أكثرهم الا تخسيرا ، ولقد انزل الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون : ( يا أيها الذين امنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) (١).

( إنما وليكم الله ورسوله والذين امنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن يتول الله ورسوله والذين امنوا فان حزب الله هم الغالبون ) (٢).

ربنا امنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك أنت الوهاب.

اللهم انا نعلم أن هذا هو الحق من عندك ، فالعن من عارضه واستكبر وكذب به وكفر ، وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون ، السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين ، وأول العابدين ، وازهد الزاهدين ، ورحمة الله وبركاته وصلواته وتحياته.

__________________

(١) المائدة : ٥٤.

(٢) المائدة : ٥٥.

٢٧٢

أنت مطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا لوجه الله لا نريد منهم جزاء ولا شكورا ، وفيك انزل الله تعالى : ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) (١).

وأنت الكاظم للغيظ ، والعافي عن الناس ، والله يحب المحسنين ، وأنت الصابر في البأساء والضراء وحين البأس ، وأنت القاسم بالسوية ، والعادل في الرعية ، والعالم بحدود الله من جميع البرية.

والله تعالى أخبر عما أولاك من فضله بقوله : ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون * اما الذين امنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا لما كانوا يعملون ) (٢).

وأنت المخصوص بعلم التنزيل وحكم التأويل ، ونصر الرسول ، ولك المواقف المشهورة ، والمقامات المشهورة والأيام المذكورة ، يوم بدر ويوم الأحزاب :

( إذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا * وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) السجدة ١٨ ـ ١٩.

٢٧٣

منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة ان يريدون الا فرارا ) (١)

وقال الله تعالى : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم الا ايمانا وتسليما ) (٢).

فقتلت عمروهم وهزمت جمعهم ، ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ) (٣).

ويوم أحد : ( إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوهم في أخراهم ) (٤) ، وأنت تذود بهم المشركين (٥) عن النبي ذات اليمين وذات الشمال ، حتى صرفهما عنكم الخائفين ، ونصر بك الخاذلين.

ويوم حنين على ما نطق به التنزيل : ( إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) (٦).

والمؤمنون أنت ومن يليك ، وعمك العباس ينادي المنهزمين : يا أصحاب سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، حتى استجاب له قوم قد

__________________

(١) الأحزاب : ١٠ ـ ١٣.

(٢) الأحزاب : ٢٢.

(٣) الأحزاب : ٢٥.

(٤) آل عمران : ١٥٣.

(٥) كذا في النسخ ، ولعل الباء للبدلية ، اي عوضا عنهم ، أو بمعنى عن ، ويمكن أن يكون : ( بهم ) جمع البهيم وهو المجهول الذي لا يعرف ، والأظهر انه تصحيف : ( الدهم ) بفتح الدال و سكون الهاء وهو العدد الكثير أو المصدر من قولك دهمه ـ كسمع ومنع ـ إذا غشيه ـ البحار.

(٦) التوبة : ٢٥ ـ ٢٦.

٢٧٤

كفيتهم المؤونة ، وتكفلت دونهم المعونة

فعادوا آيسين من المثوبة ، راجين وعد الله تعالى بالتوبة ، وذلك قوله جل ذكره : ( ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) (١) ، وأنت حائز درجة الصبر ، فائز بعظيم الاجر.

ويوم خيبر إذ ظهر الله خور (٢) المنافقين ، وقطع دابر (٣) الكافرين ، والحمد لله رب العالمين : ( ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار ، وكان عهد الله مسؤولا ) (٤).

مولاي أنت الحجة البالغة ، والمحجة (٥) الواضحة ، والنعمة السابغة ، والبرهان المنير ، فهنيئا لك ما اتاك الله من فضل ، وتبا لشانئك (٦) ذي الجهل.

شهدت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جميع حروبه ومغازيه ، تحمل الراية امامه ، وتضرب بالسيف قدامه ، ثم لحزمك المشهور ، وبصيرتك بما في الأمور ، امرك في المواطن ، ولم يك عليك أمير ، وكم من أمر صدك عن امضاء عزمك فيه التقى ، واتبع غيرك في نيله الهوى ،

__________________

(١) التوبة : ٢٧.

(٢) الخور : الضعف والفتور.

(٣) الدابر : الاخر ، اي أهلك آخر من بقي منهم ، كناية عن استيصالهم.

(٤) الأحزاب : ١٥.

(٥) المحجة : الطريق.

(٦) التب : الهلاك ، الشاني : المبغض.

٢٧٥

فظن الجاهلون انك عجزت عما إليه انتهى ، ضل والله الظان لذلك وما اهتدى.

ولقد أوضحت ما أشكل من ذلك لمن توهم وامترى (١) بقولك صلى الله عليك : قد يرى الحول القلب وجه الحيلة (٢) ، ودونها حاجز من تقوى الله ، فيدعها رأى العين ، وينتهز فرصتها من لا جريحة (٣) له في الدين ، صدقت وخسر المبطلون.

وإذ ماكرك الناكثان (٤) فقالا : نريد العمرة ، فقلت لهما : لعمري لما تريدان العمرة لكن الغدرة ، وأخذت البيعة عليهما ، وجددت الميثاق فجدا في النفاق ، فلما نبهتهما على فعلهما أغفلا (٥) وعادا ، وما انتفعا ، وكان عاقبة أمرهما خسرا.

ثم تلاهما أهل الشام فسرت إليهم بعد الاعذار ، وهم لا يدينون دين

__________________

(١) المرية : الجدل.

(٢) عن الجزري : الحول : ذو التصرف والاحتيال في الأمور ، والقلب الرجل العرف بالأمور الذي قد ركب الصعب والذلول وقلبها ظهرا وبطنا ، وكان محتالا في أموره حسن التقلب.

(٣) كذا في النسخ بتقديم الجيم على الحاء ، ويمكن أن يكون تصغير الجرح ، اي لا يرى أمرا من الأمور جارحا في دينه ، أو معناه الضيق ، والظاهر أن الصواب ما في نهج البلاغة : ( ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين ) بتقديم الحاء على الجيم ، ومعناه اي ليس بذي حرج والتحرج التأثم ، والحريجة : التقوى.

(٤) المعنى به الطلحة والزبير.

(٥) غفل عنه غفولا : تركه وسها عنه ، أغفله : وصل غفلته إليه.

٢٧٦

الحق ولا يتدبرون القرآن ، همج (١) رعاع ضالون ، وبالذي انزل على محمد فيك كافرون ، ولأهل الخلاف عليك ناصرون.

وقد أمر الله تعالى باتباعك وندب إلى نصرك ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) (٢).

مولاي بك ظهر الحق ، وقد نبذه (٣) الخلق ، وأوضحت السنن بعد الدروس (٤) والطمس (٥) ، ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل ، ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل ، وعدوك عدو الله ، جاحد لرسول الله ، يدعو باطلا ، ويحكم جائرا ، ويتأمر غاصبا ، ويدعو حزبه إلى النار.

وعمار يجاهد وينادي بين الصفين : الرواح الرواح إلى الجنة ، ولما استسقى ، فسقي اللبن كبر وقال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اخر شرابك من الدنيا ضياح (٦) من لبن وتقتلك الفئة الباغية ، فاعترضه أبو العادية الفزاري فقتله.

فعلى أبي العادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين ، وعلى

__________________

(١) الهمج : رذالة الناس والهمج ذباب صغير يسقط على وجوه الغنم والحمير ، وقيل هو البعوض ، فشبه به رعاع الناس ، ورعاع الناس غوغاؤوهم وسقاطهم وأخلاطهم.

(٢) التوبة : ١١٩.

(٣) نبذ الشئ : طرحه ورمى به لقلة الاعتداد به.

(٤) درس : انمحى.

(٥) طمس : درس وانمحى.

(٦) الضياح والضيح ـ بالفتح ـ اللبن الخاثر يصب فيه الماء ثم يخلط.

٢٧٧

من سل سيفه عليك وسللت عليه سيفك يا أمير المؤمنين من المشركين والمنافقين إلى يوم الدين ، وعلى من رضي بما ساءك ولم يكرهه ، واغمض عينه ولم ينكره ، أو أعان عليك بيد أو لسان ، أو قعد عن نصرك ، أو خذل عن الجهاد معك ، أو غمط (١) فضلك ، أو جحد حقك ، أو عدل بك من جعلك الله أولى به من نفسه ، وصلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته وسلامه وتحياته ، وعلى الأئمة من الك الطاهرين ، انه حميد مجيد.

والامر الأعجب والخطب الأفظع بعد جحدك حقك ، غصب الصديقة الزهراء سيدة النساء فدكا ، ورد شهادتك وشهادة السيدين سلالتك وعترة أخيك المصطفى صلوات الله عليكم ، وقد أعلى الله تعالى على الأمة درجتكم ، ورفع منزلتكم ، وابان فضلكم ، وشرفكم على العالمين ، فأذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيرا ، قال الله جل وعز : ( ان الانسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * الا المصلين ) (٢).

فاستثنى الله تعالى نبيه المصطفى وأنت يا سيد الأوصياء من جميع الخلق ، فما أعمه من ظلمك عن الحق ، ثم أفرضوك سهم ذوي

__________________

(١) غمطه : احتقره وازدرى به.

(٢) المعارج : ١٩ ـ ٢١.

٢٧٨

القربى مكرا (١) أو حادوه (٢) عن أهله جورا

فلما ال الامر إليك أجريتهم على ما أجريا رغبة عنهما (٣) بما عند الله لك ، فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء عليهم‌السلام عند الوحدة وعدم الأنصار ، وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه‌السلام ، إذ أجبت كما أجاب ، وأطعت كما أطاع إسماعيل صابرا محتسبا ، إذ قال له : ( يا بنى اني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني انشاء الله من الصابرين ) (٤).

وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله عليكما ، وأمرك ان تضطجع في مرقده ، واقيا له بنفسك ، أسرعت إلى اجابته مطيعا ، ولنفسك على القتل موطنا ، فشكر الله تعالى طاعتك ، وابان عن جميل فعلك بقوله جل ذكره : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) (٥).

ثم محنتك يوم صفين ، وقد رفعت المصاحف حيلة ومكرا ،

__________________

(١) أفرضوك سهم ذوي القربى مكرا : أعطوك منه سهما ونصيبا للتلبيس على الناس.

(٢) حادوه : مالوه وصرفوه.

(٣) رغبة عنهما ، اي عن فدك وذوي القربى ، أو عن الملعونين ومكافأتهما فيما فعلا ونقض ما صنعا.

(٤) الصافات : ١٠٢.

(٥) البقرة : ٢٠٧.

٢٧٩

فاعرض الشك (١) وعرف الحق واتبع الظن ، اشبهت محنة هارون إذ امره موسى على قومه (٢) فتفرقوا عنه ، وهارون يناديهم :

( يا قوم إنما فتنتم به وان ربكم الرحمان فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) (٣).

وكذلك أنت لما رفعت المصاحف قلت : يا قوم إنما فتنتم بها وخدعتم ، فعصوك وخالفوا عليك ، واستدعوا نصب الحكمين ، فأبيت عليهم ، وتبرأت إلى الله من فعلهم وفوضته إليهم.

فلما أسفر (٤) الحق وسفه (٥) المنكر ، واعترفوا بالزلل والجور عن القصد (٦) واختلفوا من بعده ، وألزموك على سفه (٧) التحكيم الذي أبيته ، وأحبوه وحظرته ، وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه (٨).

وأنت على نهج بصيرة وهدي ، وهم على سنن ضلالة وعمى ، فما زالوا على النفاق مصرين ، وفي الغي مترددين ، حتى أذاقهم الله وبال

__________________

(١) اعرض الشك : تحرك وسعى في اضلال الناس أو ظهر ، عن الجوهري : اعرض فلان اي ذهب عرضا وطولا وعرضت الشئ فاعرض اي أظهرته فظهر.

(٢) في الأصل : إذ امره السامري على قومه بالعجل ، ما أثبتناه من سائر المصادر.

(٣) طه : ٩٠ ـ ٩١.

(٤) أسفر الصبح : أضاء واشرق.

(٥) سفه المنكر ـ كعلم ـ اي ظهر سفهه وبطلانه.

(٦) القصد : استقامة الطريق ، والجور : الميل عن القصد.

(٧) السفه : الجهل.

(٨) اقترف : اكتسب.

٢٨٠