المزار الكبير

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي

المزار الكبير

المؤلف:

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤

يا سليل الأطائب ، يا سر الله ، ان بيني وبين الله تعالى ذنوبا قد أثقلت ظهري ، ولا يأتي عليه إلا رضاه (١) ، فبحق من ائتمنك على سره ، واسترعاك أمر خلقه ، كن إلى الله لي شفيعا ، ومن النار مجيرا ، وعلى الدهر ظهيرا ، فاني عبد الله ووليك وزائرك صلى الله عليك.

وصل ست ركعات صلاة الزيارة وادع بما أحببت ، ثم قل :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، عليك مني سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار.

ثم أومئ إلى الحسين عليه‌السلام وقل :

السلام عليك يا أبا عبد الله ، السلام عليك يا بن رسول الله ، أتيتكما زائرا ، ومتوسلا إلى الله ربي وربكما ، ومتوجها إليه بكما ، ومستشفعا بكما إلى الله في حاجتي هذه ، فاشفعا لي ، فان لكما عند الله المقام المحمود والجاه الوجيه ، والمنزل الرفيع والوسيلة.

إني أنقلب عنكما منتظرا لتنجز الحاجة وقضائها ونجاحها من الله بشفاعتكما لي إلى الله في ذلك ، فلا أخيب ، ولا يكون منقلبي عنكما منقلبا خاسرا ، بل يكون منقلبي منقلبا راجحا مفلحا ، منجحا مستجابا لي بقضاء جميع الحوائج ، فاشفعا لي.

أنقلب على ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، مفوضا أمري إلى الله ، ملجئا ظهري إلى الله ، متوكلا على الله ، وأقول حسبي الله وكفى ،

__________________

(١) اتى عليه الدهر : أهلكه واستأصله ، والمراد انه لا يذهبها ولا يفنيها الا رضاك.

٢٢١

سمع الله لمن دعا ، ليس وراء الله ووراءكم يا سادتي منتهى ، ما شاء الله ربي كان ، وما لم يشأ لم يكن.

يا سيدي يا أمير المؤمنين ومولاي ، وأنت يا أبا عبد الله ، سلامي عليكما متصل ما اتصل الليل والنهار ، واصل اليكما غير محجوب عنكما سلامي إن شاء الله ، وأسأله بحقكما أن يشاء ذلك ويفعل فإنه حميد مجيد.

أنقلب يا سيدي عنكما تائبا حامدا لله شاكرا راضيا (١) ، مستيقنا للإجابة ، غير آيس ولا قانط ، عائدا راجعا إلى زيارتكما ، غير راغب عنكما ، بل راجع إن شاء الله تعالى إليكما ، يا ساداتي رغبت إليكما بعد أن زهد فيكما وفي زيارتكما أهل الدنيا ، فلا يخيبني الله فيما رجوت وما أملت في زيارتكما ، إنه قريب مجيب.

ثم انفتل إلى القبلة وقل :

يا الله يا الله ، يا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف كرب المكروبين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا صريخ المستصرخين ، ويا من هو أقرب إلي من حبل الوريد.

يا من يحول بين المرء وقلبه ، ويا من هو بالمنظر الاعلى وبالأفق المبين ، ويا من هو الرحمن الرحيم ، يا من على العرش استوى ، يا من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويا من لا تخفى عليه خافية.

__________________

(١) راجيا ( خ ل ).

٢٢٢

يا من لا تشتبه عليه الأصوات ، يا من لا تغلطه الحاجات ، يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ، يا مدرك كل فوت ، يا جامع كل شمل ، يا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من هو كل يوم في شأن.

يا قاضي الحاجات ، يا منفس الكربات ، يا معطي السؤلات ، يا ولي الرغبات ، يا كافي المهمات ، يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في السماوات والأرض.

أسألك بحق محمد وعلي أمير المؤمنين ، وبحق فاطمة بنت نبيك ، وبحق الحسن والحسين ، فاني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا ، وبهم أتوسل ، وبهم أستشفع إليك ، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك ، وبالشأن الذي لهم عندك ، وبالذي فضلتهم على العالمين ، وباسمك الذي جعلته عندهم ، وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من كل فضل ، حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعا.

وأسألك أن تصلي على محمد وال محمد وأن تكشف عني غمي وهمي وكربي ، وأن تكفيني المهم من أموري ، وتقضي عني ديني ، وتجيرني من الفقر والفاقة ، وتغنيني عن المسألة إلى المخلوقين ، وتكفيني هم من أخاف همه ، وعسر من أخاف عسره ، وحزونة من أخاف حزونته ، وشر من أخاف شره ، ومكر من أخاف مكره ، وبغي من أخاف بغيه ، وجور من أخاف جوره ، وسلطان من أخاف سلطانه ، وكيد من أخاف كيده ، واصرف عني كيده ومكره ، ومقدرة من أخاف مقدرته

٢٢٣

علي ، وترد عني كيد الكيدة ومكر المكرة

اللهم من أرادني بسوء فأرده ، ومن كادني فكده ، واصرف عني كيده وبأسه وأمانيه ، وامنعه عني كيف شئت وأنى شئت ، اللهم اشغله عني بفقر لا تجبره ، وبلاء لا تستره ، وبفاقة لا تسدها ، وبسقم لا تعافيه ، وبذل لا تعزه ، ومسكنة لا تجبرها.

اللهم اجعل الذل نصب عينيه ، وأدخل عليه الفقر في منزله ، والسقم في بدنه ، حتى تشغله عني بشغل شاغل لا فراغ له ، وأنسه ذكري كما أنسيته ذكرك ، وخذ عني بسمعه وبصره ولسانه ، ويده ورجله وقلبه وجميع جوارحه ، وأدخل عليه في جميع ذلك السقم ولا تشفه ، حتى تجعل له ذلك شغلا شاغلا عني وعن ذكري ، واكفني يا كافي ما لا يكفي سواك.

يا مفرج من لا مفرج له سواك ، ومغيث من لا مغيث له سواك ، وجار من لا جار له سواك ، وملجأ من لا ملجأ له غيرك ، أنت ثقتي ورجائي ، ومفزعي ومهربي ، وملجأي ومنجاي ، فبك أستفتح وبك أستنجح ، وبمحمد وال محمد أتوجه إليك وأتوسل وأتشفع.

يا الله يا الله يا الله ، ولك الحمد ولك المنة ، واليك المشتكى وأنت المستعان ، فأسألك بحق محمد وال محمد أن تصلي على محمد وال محمد وأن تكشف عني غمي وهمي وكربي في مقامي هذا ، كما كشفت عن نبيك غمه وهمه وكربه ، وكفيته هول عدوه ، فاكشف عني

٢٢٤

كما كشفت عنه ، وفرج عني كما فرجت عنه ، واكفني كما كفيته ، واصرف عني هول ما أخاف هوله ، ومؤونة من أخاف مؤونته ، وهم من أخاف همه ، بلا مؤونة على نفسي من ذلك ، واصرفني بقضاء حاجتي وكفاية ما أهمني همه من أمر دنياي واخرتي ، يا ارحم الراحمين.

ثم تلتفت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وتقول :

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، والسلام على أبي عبد الله الحسين ما بقيت وبقي الليل والنهار ، لا جعله الله اخر العهد مني لزيارتكما ، ولا فرق الله بيني وبينكما ـ ثم تنصرف (١).

٦ ـ زيارة أخرى له عليه‌السلام من كتاب الأنوار ، وقيل : ان الخضر عليه‌السلام زار بها.

وبالاسناد عن يوسف الكناسي وعن معاوية بن عمار جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا أردت الزيارة لأمير المؤمنين عليه‌السلام فاغتسل حيث تيسر لك ، وقل حين تعزم :

اللهم اجعل سعيي مشكورا ، وذنبي مغفورا ، وعملي مقبولا ، واغسلني من الخطايا والذنوب ، وطهر قلبي من كل آفة ، وزك عملي ،

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٣١١.

رواه السيد في مصباح الزائر : ٧٧ مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، عنه وعن المفيد البحار ١٠٠ : ٣٠٤.

٢٢٥

وتقبل سعيي ، واجعل ما عندك خيرا لي ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين.

ثم امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي باب الحرم ، فقم على الباب وقل :

اللهم إني أريدك فأردني ، وأقبلت بوجهي إليك فلا تعرض بوجهك عني ، وإني قصدت إليك فتقبل مني ، وإن كنت ماقتا فارض عني ، وإن كنت ساخطا علي فاعف عني ، وارحم مسيري إليك برحمتك أبتغي بذلك رضاك ، فلا تقطع رجائي ولا تخيبني يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، واليك يعود السلام ، وأنت معدن السلام ، حيينا ربنا منك بالسلام ، الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، الحمد لله الذي خلق كل شئ فقدره تقديرا.

السلام عليك يا أبا الحسن ، اشهد أنك قد بلغت عن رسول الله ما أمرك به ، ووفيت بعهد الله ، وتمت بك كلمات الله ، وجاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين.

لعن الله من قتلك ، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي عنه ، أنا بأبي أنت وأمي ولي لمن والاك ، وعدو لمن عاداك ، أبرأ إلى الله ممن برئت منه وبرئ منكم.

ثم تقول :

السلام عليك يا أبا الحسن ورحمة الله وبركاته ، اشهد أنك تسمع

٢٢٦

صوتي ، اتيتك متعاهدا لديني وبيعتي ائذن لي في بيتك ، اشهد ان روحك المقدسة أغيبت بالقدس والسكينة ، جعلت لها بيتا تنطق على لسانك.

ثم ادخل وقل :

السلام على ملائكة الله المقربين ، السلام على ملائكة الله المردفين ، السلام على حملة العرش الكروبيين ، السلام على ملائكة الله المنتجبين ، السلام على ملائكة الله المسومين ، السلام على ملائكة الله الذين هم في هذا الحرم بإذن الله مقيمون.

الحمد لله الذي أكرمني بمعرفته ومعرفة رسوله ومن فرض طاعته ، رحمة منه وتطولا منه علي بذلك ، الحمد لله الذي سيرني في بلاده وحملني على دوابه ، وطوى لي البعيد ، ودفع عني المكاره ، حتى أدخلني حرم ولي الله وأرانيه في عافية ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عنده ، واشهد أن عليا عبد الله وأخو رسوله.

اللهم عبدك وزائرك ، متقرب إليك بزيارة أخي رسولك ، وعلى كل مزور حق على من أتاه وزاره ، وأنت أكرم مزور وخير مأتي.

فأسألك يا رحمان يا رحيم ، يا واحد يا أحد ، يا فرد يا صمد ، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أن تصلي على محمد

٢٢٧

وآل محمد ، وان تجعل تحفتك إياي من زيارتي في موقفي هذا فكاك رقبتي من النار ، واجعلني ممن يسارع في الخيرات رغبا ورهبا واجعلني من الخاشعين.

اللهم إنك بشرتني على لسان نبيك فقلت : ( وبشر الذين امنوا ان لهم قدم صدق عند ربهم ) (١) ، اللهم فاني بك مؤمن وبجميع آياتك موقن ، فلا توقفني بعد معرفتهم موقفا تفضحني على رؤوس الخلائق ، بل أوقفني معهم ، وتوفني على تصديقي فإنهم عبيدك ، خصصتهم بكرامتك ، وأمرتني باتباعهم.

ثم تدنو من القبر وتقول :

السلام من الله على رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيين وإمام المتقين ، السلام على أمين الله على رسالاته ، وعزائم رسله ومعدن الوحي والتنزيل ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن على ذلك كله ، والشاهد على الخلق ، والسراج المنير ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل على محمد وأهل بيته المظلومين ، أفضل وأكمل ، وأرفع وأنفع وأشرف ما صليت على أحد من أنبيائك وأصفيائك.

اللهم صل على أمير المؤمنين عبدك وخير خلقك بعد نبيك (٢)

__________________

(١) يونس : ٢.

(٢) أخي نبيك ( خ ل ).

٢٢٨

ووصي رسولك ، الذي انتجبته بعلمك ، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك ، والدليل على من بعثته برسالاتك ، وديان الدين بعدلك ، وفصل خطابك من خلقك ، والمهيمن على ذلك كله ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

اللهم وصل على الأئمة من ولده ، القوامين بأمرك من بعد نبيك المطهرين ، الذين ارتضيتهم أنصارا لدينك وأعلاما لعبادك.

ثم تقول :

السلام على الأئمة المستودعين ، السلام على خالصة الله من خلقه أجمعين ، السلام على المؤمنين الذين قاموا بأمر الله وخالفوا لخوفه العالمين ، السلام على ملائكة الله المقربين.

ثم تقول :

السلام عليك يا أمين الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا حجة الله ، السلام عليك يا إمام الهدى ، السلام عليك يا علم التقى ، السلام عليك أيها البر التقي ، السلام عليك أيها السراج المنير.

السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا أبا الحسن والحسين ، السلام عليك يا وصي الرسول ، السلام عليك يا عمود الدين ووارث علم الأولين والآخرين ، وصاحب الميسم والصراط المستقيم ، السلام عليك يا ولي الله.

٢٢٩

أنت أول مظلوم ، وأول من غصب حقه ، صبرت واحتسبت حتى أتاك اليقين ، واشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد ، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب.

جئتك يا ولي الله عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك ، معاديا لأعدائك ومن ظلمك ، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله ، إن لي ذنوبا كثيرة فاشفع لي فيها عند ربك ، فان لك عند الله مقاما محمودا ، وإن لك عنده جاها وشفاعة ، وقد قال الله تعالى : ( ولا يشفعون الا لمن ارتضى ) (١).

السلام عليك يا نور الله في سمائه وأرضه ، واذنه السامعة ، وذكره الخالص ، ونوره الساطع ، اشهد أن لك من الله المزيد ، وأن وجهك إلى قبل رب العالمين ، وأن لك من الله رزقا جديدا تغدو عليك الملائكة في كل صباح ، رب اغفر لي وتجاوز عن سيئاتي ، وارحم طول مكثي في القيامة به ، فإنك علام الغيوب وأنت خير الوارثين.

ثم تقول :

السلام عليك يا وارث ادم صفوة الله ، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله ، السلام عليك يا وارث هود نبي الله (٢) ، السلام عليك يا وارث داود خليفة الله ، السلام عليك يا

__________________

(١) الأنبياء : ٢٨.

(٢) موسى كليم الله ( خ ل ).

٢٣٠

وارث عيسى روح الله ، السلام عليك يا وارث محمد حبيب الله

السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك أيها الصديق الشهيد ، السلام عليك وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك ، السلام على ملائكة الله المحدقين (١) بك.

اشهد أنك أقمت الصلاة ، واتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، واتبعت الرسول ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وبلغت عن رسول الله ، ووفيت بعهد الله ، وتمت بك كلمات الله ، وجاهدت في سبيل الله حق جهاده ، ونصحت لله ولرسوله ، وجدت بنفسك صابرا محتسبا ، ومجاهدا عن دين الله ، موقيا لرسول الله صلى الله عليه وآله ، طالبا ما عند الله ، راغبا فيما وعد الله ، ومضيت للذي كنت عليه شاهدا ومشهودا ، فجزاك الله عن رسوله وعن الاسلام وأهله أفضل الجزاء.

وكنت أول القوم إسلاما ، وأخلصهم ايمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم عناء ، وأحوطهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، قويت حين ضعف أصحابه ، وبرزت حين استكانوا ، ونهضت حين وهنوا ، ولزمت منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله.

__________________

(١) المحدقين : المطيفين.

٢٣١

وكنت خليفته حقا ، برغم المنافقين وغيظ الكافرين ، وكيد (١) الحاسدين وضغن (٢) الفاسقين ، فقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا ، ومضيت بنور الله إذ وقفوا ، فمن اتبعك فقد هدي ، كنت أقلهم كلاما ، وأصوبهم منطقا ، وأكثرهم رأيا ، وأشجعهم قلبا ، وأشدهم يقينا ، وأحسنهم عملا ، وأعرفهم بالله.

وكنت للدين يعسوبا ، أولا حين تفرق الناس ، واخرا حين فشلوا ، كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا ، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا ، وحفظت ما أضاعوا ، ورعيت ما أهملوا ، وشمرت إذ جنبوا (٣) ، وعلوت إذ هلعوا ، وصبرت إذ جزعوا.

كنت على الكافرين عذابا صبا وغلظة وغيظا ، وللمؤمنين عينا وحصنا وعلما ، لم تفلل حجتك ، ولم يرتب قلبك ، ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك ، وكنت كالجبل لا تحركه العواصف ، ولا تزيله القواصف.

وكنت كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قويا في أمر الله ، وضيعا في نفسك ، عظيما عند الله ، كبيرا في الأرض ، جليلا في السماء (٤) ، لم يكن لأحد فيك مهمز ، ولا لقائل فيك مغمز ، ولا لأحد

__________________

(١) كره ( خ ل ).

(٢) صغر ( خ ل ).

(٣) خنعوا ( خ ل ).

(٤) عند المؤمنين ( خ ل ).

٢٣٢

عندك هوادة (١) الضعيف الذليل عندك قوي عزيز ، حتى تأخذ له بحقه والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق ، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء.

شأنك الحق والصدق والرفق ، وقولك حكم وحتم ، وأمرك حكم وحزم ، ورأيك علم وعزم ، اعتدل بك الدين ، وسهل بك العسير ، وأطفئت بك النيران ، وقوي بك الإسلام والمؤمنون ، وسبقت سبقا بعيدا ، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا ، فعظمت رزيتك في السماء ، وهدت مصيبتك الأنام ، فانا لله وإنا إليه راجعون.

ولعن الله من قتلك ، ولعن الله من شايع على قتلك ، ولعن الله من خالفك ، ولعن الله من ظلمك حقك ، ولعن الله من عصاك ، ولعن الله من غصبك حقك ، ولعن الله من بلغه ذلك فرضي به ، أنا إلى الله منهم برئ ، لعن الله أمة خالفتك ، وأمة جحدت ولايتك ، وأمة حادت عنك ، وأمة قتلتك ، الحمد لله الذي جعل النار مثواهم وبئس الورد المورود.

اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك ، بجميع لعناتك وأصلهم حر نارك ، اللهم العن الجوابيت والطواغيت ، وكل ند يدعى من دون الله ، وكل ملحد مفتر ، اللهم العنهم وأشياعهم وأتباعهم وأولياءهم وأعوانهم ومحبيهم لعنا كثيرا.

__________________

(١) الهوادة : السكون والرخصة والمحاباة.

٢٣٣

اللهم العن قتلة أمير المؤمنين ، اللهم العن قتلة الحسن والحسين اللهم عذبهم عذابا لا تعذبه أحدا من العالمين ، وضاعف عليهم عذابك بما شاقوا ولاة أمرك ، وعذبهم عذابا لم تحله بأحد من خلقك.

اللهم أدخل على قتلة رسولك وأولاد رسولك وعلى قتلة أمير المؤمنين وقتلة أنصاره وقتلة الحسن والحسين وأنصارهما ، ومن نصب لآل محمد وشيعتهم حربا من الناس أجمعين ، عذابا مضاعفا في أسفل درك من الجحيم ، لا يخفف عنهم من عذابها وهم فيه مبلسون ملعونون ، ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ، قد عاينوا الندامة والخزي الطويل ، بقتلهم عترة أنبيائك ورسلك واتباعهم من عبادك الصالحين.

اللهم العنهم في مستسر السر وظاهر العلانية في سمائك وارضك ، اللهم اجعل لي لسان صدق في أوليائك ، وحبب إلي مشاهدهم ، حتى تلحقني بهم وتجعلني لهم تبعا في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين.

ثم انكب على القبر وأنت تقول :

يا سيدي تعرضت لرحمتك بلزومي لقبر أخي رسولك صلوات الله عليه عائذا ، لتجيرني من نقمك وسخطك ، ومن زلازل يوم تكثر فيه العثرات ، يوم تقلب فيه القلوب والأبصار ، يوم تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه ، يوم الازفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ، يوم الحسرة والندامة.

٢٣٤

يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه ، يوم مقداره خمسون الف سنة يوم يشيب فيه الوليد ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت ، يوم تشخص فيه الأبصار ، وتشغل كل نفس بما قدمت ، وتجادل كل نفس عن نفسها ، ويطلب كل ذي جرم الخلاص.

ثم ارفع رأسك وقل :

اللهم ان ترحمني اليوم ، وفي يوم مقداره خمسون الف سنة ، فلا خوف ولا حزن ، وان تعاقب ، فمولى له القدرة على عبده وجزاه بسوء فعله ، ان لم ارحم نفسي فكن أنت رحيمها ، الحجج كلها لك ولا حجة لي ولا عذر.

ها أنا ذا عبدك المقر بذنبي ، فيا خير من رجوت عنده المغفرة بالاقرار والاعتراف ، هذه نفسي بما جنت معترفة ، وبذنبي مقرة ، وبظلم نفسي معترفة ، وذنوبي أكثر مما أحصيها ، وإنما يخضع العبد العاصي لسيده ، ويخشع لمولاه بالذل.

فيا من أقر له بالذنوب ، ما أنت صانع بمقر لك بذنبه ، متقرب إليك برسولك وعترة نبيك ، لائذ بقبر أخي رسولك صلوات الله عليهما ، يا من يملك حوائج السائلين ، ويعرف ضمير الصامتين ، كما وفقتني لزيارتي ووفادتي ومسألتي ورحمتني بذلك ، فاعطني مناي في اخرتي ودنياي ، ووفقني لكل مقام محمود تحب أن تدعى فيه بأسمائك وتسأل فيه من عطائك.

٢٣٥

اللهم إني لذت بقبر أخي رسولك ابتغاء مرضاتك ، فانظر اليوم إلى تقلبي في هذا القبر وبه فكني من النار ، ولا تحجب عنك صوتي ، ولا تقلبني بغير قضاء حوائجي ، وارحم تضرعي وتملقي وعبرتي ، واقلبني اليوم مفلحا منجحا ، وأعطني أفضل ما أعطيت من زاره ابتغاء مرضاتك.

ثم اجلس عند رأسه وقل :

سلام الله وسلام ملائكته المقربين ، والمسلمين لك بقلوبهم ، والناطقين بفضلك ، والشاهدين على انك صادق صديق عليك يا مولاي صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك.

اشهد أنك طهر طاهر مطهر ، من طهر طاهر مطهر ، اشهد لك يا ولي الله وولي رسوله بالبلاغ والأداء ، واشهد أنك حبيب الله ، واشهد أنك باب الله ، واشهد أنك وجه الله الذي منه يؤتى ، وأنك سبيل الله ، وأنك عبد الله.

اتيتك وافدا لعظيم حالك ومنزلتك عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله ، اتيتك متقربا إلى الله بزيارتك ، راغبا إليك في الشفاعة ، أبتغي بزيارتك خلاص نفسي ، متعوذا بك من نار استحقها مثلي ، بما جنيت على نفسي ، هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري ، فزعا إليك رجاء رحمة ربي.

اتيتك أستشفع بك يا مولاي إلى الله ليقضي بك حاجتي ، فاشفع

٢٣٦

لي يا مولاي ، اتيتك مكروبا مغموما ، قد أوقرت ظهري ذنوبا ، فاشفع لي عند ربك ، اتيتك زائرا عارفا بحقك ، مقرا بفضلك ، مستبصرا بضلالة من خالفك.

اتيتك انقطاعا إليك والى ولدك الخلف من بعدك على الحق ، فقلبي لكم مسلم ، وأمري لكم متبع ، ونصرتي لكم معدة ، حتى يحيي الله بكم دينه ويردكم ، فمعكم معكم لا مع غيركم ، اني من المؤمنين برجعتكم ، لا منكر لله قدرة ، ولا مكذب منه مشية.

اتيتك بأبي أنت وأمي ومالي ونفسي زائرا ومتقربا إلى الله بزيارتك ، متوسلا إليك بك ، إذ رغب عنكم مخالفوكم ، واتخذوا آيات الله هزوا ، واستكبروا عنها.

وتقول :

وأنا عبد الله ومولاك في طاعتك ، الوافد إليك ، التمس بذلك كمال المنزلة عند الله ، وأنت يا مولاي ممن حثني الله على بره ، ودلني على فضله ، وهداني لحبه ، ورغبني في الوفادة إليه ، وألهمني طلب الحوائج عنده.

أنتم أهل بيت لا يشقى من تولاكم ، ولا يخيب من ناداكم ، ولا يخسر من يهواكم ، ولا يسعد من عاداكم ، لا أجد أحدا أفزع إليه خيرا لي منكم ، أنتم أهل بيت الرحمة ، ودعائم الدين ، وأركان الأرض ، والشجرة الطيبة ، اتيتكم زائرا ، وبكم متعوذا ، لما سبق لكم من الله من الكرامة.

٢٣٧

اللهم لا تخيب توجهي إليك برسولك وآل رسولك ، واستنقذنا بحبهم يا من لا يخيب سائله ، اللهم انك مننت علي بزيارة مولاي وولايته ومعرفته ، فاجعلني ممن ينصره وينتصر به ، ومن علي بنصري لدينك في الدنيا والآخرة ، اللهم توفني على دينه.

اللهم أوجب لي من الرحمة والرضوان والمغفرة والرزق الواسع الحلال ما أنت أهله ، اللهم افعل بي ما أنت أهله ، اللهم إني أحيا على ما حيا عليه مولاي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأموت على ما مات عليه ، اللهم اختم لي بالسعادة والمغفرة والخير.

ثم تصلي ما بدا لك وتدعو وتقول :

اللهم لا بد من أمرك ، ولا بد من قدرك ، ولا بد من قضائك ، ولا حول ولا قوة إلا بك ، اللهم فكلما قضيت علينا من قضاء ، وقدرت علينا من قدر ، فاعطنا معه صبرا يقهره ويدمغه (١) ، واجعله لنا صاعدا في رضوانك ، ينمي في حسناتنا وتفضيلنا ، وسؤددنا وشرفنا ، ومجدنا ونعمائنا وكرامتنا في الدنيا والآخرة ، ولا تنقص من حسناتنا.

اللهم وما أعطيتنا من عطاء ، أو فضلتنا به من فضيلة ، أو أكرمتنا به من كرامة ، فاعطنا معه شكرا يقهره ويدمغه ، واجعله لنا صاعدا في رضوانك وفي حسناتنا وسؤددنا وشرفنا ، ونعمائك وكرامتك في الدنيا والآخرة.

__________________

(١) دمغه : شجه حتى بلغت الشجة الدماغ.

٢٣٨

اللهم ولا تجعله لنا أشرا (١) ولا بطرا ، ولا فتنة ولا مقتا ، ولا عذابا ولا خزيا في الدنيا والآخرة ، اللهم إني أعوذ بك من عثرة اللسان ، وسوء المقام ، وخفة الميزان.

اللهم صل على محمد وآل محمد ولقنا حسناتنا في الممات ، ولا ترنا أعمالنا علينا حسرات ، ولا تخزنا عند قضائك ، ولا تفضحنا بسيئاتنا يوم نلقاك ، وصل على محمد وآل محمد واجعل قلوبنا تذكرك ولا تنساك ، وتخشاك كأنها تراك حتى تلقاك ، وبدل سيئاتنا حسنات ، واجعل حسناتنا درجات ، واجعل درجاتنا غرفات ، واجعل غرفاتنا عاليات ، اللهم وأوسع لفقيرنا من سعة ما قضيت على نفسك.

اللهم صل على محمد وال محمد ومن علينا بالهدى ما أبقيتنا ، والكرامة إذا توفيتنا ، والحفظ فيما بقي من عمرنا ، والبركة فيما رزقتنا ، والعون على ما حملتنا ، والثبات على ما طوقتنا ، ولا تؤاخذنا بظلمنا ، ولا تقايسنا بجهلنا ، ولا تستدرجنا بخطيئتنا ، واجعل أحسن ما نقول ثابتا في قلوبنا ، واجعلنا عظماء عندك وفي أنفسنا أذلة ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما نافعا.

أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن عين لا تدمع ، وصلاة لا تقبل ، أجرنا من سوء الفتن يا ولي الدنيا والآخرة (٢).

__________________

(١) الأشر : شدة البطر ، والبطر : النشاط.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٣٣٤ ـ ٣٤١.

٢٣٩

٧ ـ زيارة أخرى له عليه‌السلام

حدثنا الحسن بن محمد ، عن بعضهم ، عن سعد بن عبد الله الأشعري ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن عيسى ، عن هشام بن سالم ، قال : حدثني صفوان الجمال قال :

لما وافيت مع جعفر الصادق عليه‌السلام الكوفة نريد أبا جعفر المنصور ، قال لي : يا صفوان أنخ الراحلة فهذا حرم جدي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فأنختها ، ونزل فاغتسل وغير ثوبه وتخفى وقال لي : افعل مثل ما افعله ، ثم اخذ نحو الذكوات (١) وقال لي : قصر خطاك والق ذقنك إلى الأرض ، فإنه يكتب لك بكل خطوة مائة الف حسنة ، ويمحى عنك الف سيئة ، ويرفع لك مائة الف درجة ، ويقضى لك مائة الف حاجة ، ويكتب لك ثواب كل صديق وشهيد مات أو قتل.

ثم مشى ومشينا معه وعلينا السكينة والوقار ، ونسبح ونقدس ونهلل ، إلى أن بلغنا الذكوات ، فوقف عليه‌السلام ونظر يمنة ويسرة ، وخط

__________________

أورده ابن طاووس في فرحة الغري : ٣٩ ، عن كتاب الأنوار ، عن يوسف الكتائيبي ومعاوية ابن عمار ، عن الصادق عليه‌السلام ، عنه البحار ١٠٠ : ٢٣٦.

(١) الذكوة في اللغة الجمرة الملتهبة ، فيمكن أن يكون المراد بالذكوات التلال الصغيرة المحيطة بقبره عليه‌السلام ، شبهها لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها ، لما فيها من الدراري المضيئة بالجمرة الملتهبة.

٢٤٠