المزار الكبير

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي

المزار الكبير

المؤلف:

الشيخ أبو عبد الله محمّد بن جعفر المشهدي


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: نشر القيوم
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-92002-0-7
الصفحات: ٧٠٤

اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي ، على موالاة أوليائك ومعاداة أعدائك ، وافعل بي ما أنت أهله يا ارحم الراحمين.

ثم نهض فسألناه عن المكان ، فقال : ان هذا الموضع بيت إبراهيم الخليل الذي كان يخرج منه إلى العمالقة ، ثم مضى إلى الزاوية الغربية فصلى ركعتين ثم رفع يديه وقال :

اللهم إني صليت هذه الصلاة ابتغاء مرضاتك وطلب نائلك ورجاء رفدك وجوائزك ، فصل على محمد واله وتقبلها مني بأحسن قبول ، وبلغني برحمتك المأمول ، وافعل بي ما أنت أهله يا ارحم الراحمين.

ثم قام ومضى إلى الزاوية الشرقية ، فصلى ركعتين ، ثم بسط كفيه وقال :

اللهم ان كانت الذنوب والخطايا قد أخلقت وجهي عندك فلم ترفع لي إليك صوتا ولم تستجب لي دعوة ، فاني أسألك بك يا الله فإنه ليس مثلك أحد ، وأتوسل إليك بمحمد واله ، وأسألك ان تصلي على محمد وال محمد وان تقبل إلي بوجهك الكريم وتقبل بوجهي إليك ، ولا تخيبني حين أدعوك ، ولا تحرمني حين أرجوك يا ارحم الراحمين.

وعفر خديه على الأرض وقام فخرج ، فسألناه بم يعرف هذا المكان ، فقال : انه مقام الصالحين والأنبياء والمرسلين.

١٤١

قال : فاتبعناه وإذا به قد دخل إلى مسجد صغير بين يدي السهلة فصلى فيه ركعتين بسكينة ووقار ، كما صلى أول مرة ، ثم بسط كفيه وقال :

الهي قد مد إليك الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك ، الهي قد جلس المسئ بين يديك ، مقرا لك بسوء عمله ، راجيا منك الصفح عن زلله ، الهي قد رفع إليك الظالم كفيه ، راجيا لما لديك ، فلا تخيبه برحمتك من فضلك ، الهي قد جثا العائد إلى المعاصي بين يديك ، خائفا من يوم يجثو فيه الخلائق بين يديك.

الهي قد جاءك العبد الخاطئ فزعا مشفقا ورفع إليك طرفه حذرا راجيا ، وفاضت عبرته مستغفرا نادما ، وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، وما عصيتك إذ عصيتك وانا بك جاهل ، ولا لعقوبتك متعرض ، ولا لنظرك مستخف ، ولكن سولت لي نفسي وأعانتني على ذلك شقوتي ، وغرني سترك المرخى علي ، فمن الان من عذابك يستنقذني ، وبحبل من اعتصم ان قطعت حبلك عني.

فيا سوأتاه غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفين جوزوا ، وللمثقلين حطوا ، أفمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط ، ويلي كلما كبرت سني كثرت ذنوبي ، ويلي كلما طال عمري كثرت معاصي ، فكم أتوب وكم أعود ، اما آن لي ان استحيى من ربي.

اللهم بحق محمد وآل محمد ارحمني واغفر لي وارحمني يا ارحم الراحمين وخير الغافرين.

١٤٢

ثم بكا وعفر خده الأيمن وقال :

ارحم من أساء واقترف ، واستكان واعترف.

ثم قلب خده الأيسر وقال :

عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، يا كريم.

فخرج فاتبعته وقلت له : يا سيدي بم يعرف هذا المسجد ، فقال : انه مسجد زيد بن صوحان صاحب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهذا دعاؤه وتهجده ، ثم غاب عنا فلم نره ، فقال لي صاحبي : انه الخضر عليه‌السلام (١).

الباب (٧)

ذكر ما ورد من الفضل في مسجد صعصعة بن صوحان العبدي

والصلاة والدعاء فيه

وبالاسناد قال : حدثنا علي بن محمد بن عبد الرحمان التستري (٢) ، قال : مررت ببني رواس فقال لي بعض إخواني : لو ملت بنا إلي مسجد صعصعة فصلينا فيه ، فان هذا رجب ويستحب فيه زيارة هذه المواضع

__________________

(١) عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٣ ، ذكره في مصباح الزائر : ٥٥ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٥.

أقول : لعل ـ والله العالم ـ القائل لهذا الدعاء هو من الخضر عليه‌السلام محتاج إلى رؤيته ، اي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى لفرجه الشريف ، كما في الرواية التالية.

(٢) كذا ، وفي مزار الشهيد : محمد بن عبد الرحمان ، والظاهر أنه محمد بن علي بن عبد الرحمان العبدي ، الذي روى عنه الحسين ومحمد ابنا علي بن إبراهيم ، راجع معجم الرجال ١٦ : ٣٣٠.

١٤٣

المشرفة التي وطأها الموالي باقدامهم وصلوا فيها ، ومسجد صعصعة منها.

قال : فملت معه إلى المسجد ، وإذا ناقة معقلة مرحلة قد أنيخت بباب المسجد ، فدخلنا ، وإذا برجل عليه ثياب الحجاز وعمته كعمتهم ، قاعد يدعو بهذا الدعاء ، فحفظته انا وصاحبي ، وهو :

اللهم يا ذا المنن السابغة (١) ، والآلاء الوازعة (٢) ، والرحمة الواسعة ، والقدرة الجامعة ، والنعم الجسيمة ، (٣) والمواهب العظيمة ، والايادي الجميلة ، والعطايا الجزيلة.

يا من لا ينعت بتمثيل ، ولا يمثل بنظير ، ولا يغلب بظهير ، يا من خلق فرزق ، والهم فأنطق ، وابتدع فشرع ، وعلا فارتفع ، وقدر فأحسن ، وصور فأتقن ، واحتج فابلغ ، وانعم فأسبغ ، وأعطى فأجزل ، ومنح فأفضل.

يا من سما في العز ففات خواطر الابصار (٤) ، ودنا في اللطف فجاز هواجس (٥) الأفكار ، يا من توحد بالملك فلا ند له في ملكوت سلطانه ،

__________________

(١) السابغة : التامة.

(٢) الآلاء : النعماء ، الوازعة : الكافة عن الأشياء المضرة.

(٣) الجسيم : العظيم.

(٤) خواطر الابصار ، المراد بالابصار البصائر أو الخواطر التي تحدث بعد الابصار ، وفوته عنها عدم ادراكها له.

(٥) هجس الشئ في صدره : خطر بباله.

١٤٤

وتفرد بالآلاء والكبرياء فلا ضد (١) له في جبروت شأنه

يا من حارت في كبرياء هيبته دقائق لطائف الأوهام ، وانحسرت (٢) دون ادراك عظمته خطائف ابصار الأنام ، يا من عنت (٣) الوجوه لهيبته ، وخضعت الرقاب لعظمته ، ووجلت القلوب من خيفته.

أسألك بهذه المدحة التي لا تنبغي الا لك ، وبما وأيت (٤) به على نفسك لداعيك من المؤمنين ، وبما ضمنت الإجابة فيه على نفسك للداعين.

يا اسمع السامعين ، وابصر الناظرين ، وأسرع الحاسبين ، يا ذا القوة المتين صل على محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته ، وأقسم لي في شهرنا هذا خير ما قسمت ، واحتم لي في قضائك خير ما حتمت ، واختم لي بالسعادة فيمن ختمت ، وأحيني ما أحييتني موفورا ، وأمتني مسرورا ، وتول أنت نجاتي من مسائلة البرزخ ، وادرأ عني منكرا ونكيرا ، وار عيني مبشرا وبشيرا (٥) ، واجعل لي إلى رضوانك وجنانك

__________________

(١) الضد والند نظائر ، والفرق بينهما ان الند عرض يعاقب اخر في محله وينافيه ، والضد هو المشارك في الحقيقة وان وقعت المخالفة ببعض العوارض.

(٢) انحسرت : انكشفت والخطف : الاستلاب والسرعة في المشي ، أي تنكشف وترتفع عند ادراك عظمته أو قبل الوصول إليه الابصار النافذة السريعة.

(٣) عنت : خضعت.

(٤) وأيت : وعدت.

(٥) الاستدعاء لرؤيتهما لأنهما لا يكونان الا للأبرار ، وفي بعض النسخ : ارعني ، وعليه معناه : وصهما برعايتي.

١٤٥

مصيرا ، وعيشا قريرا ، وملكا كبيرا ، وصل على محمد واله كثيرا

ثم سجد طويلا وقام فركب الراحلة وذهب فقال لي صاحبي : تراه الخضر ، فما بالنا لا نكلمه كأنما أمسك على ألسنتنا.

وخرجنا فلقينا ابن أبي داود الرواسي (١) فقال : من أين أقبلتما ، قلنا : من مسجد صعصعة ، وأخبرناه بالخبر ، فقال : هذا الراكب يأتي مسجد صعصعة في اليومين والثلاثة لا يتكلم ، قلنا : من هو ، قال : فمن تريانه أنتما ، قلنا : نظنه الخضر عليه‌السلام ، فقال : فانا والله ما أراه الا من الخضر محتاج إلى رؤيته ، فانصرفا راشدين ، فقال لي صاحبي : هو والله صاحب الزمان عليه‌السلام (٢).

الباب (٨)

ذكر مسجد غني ، والصلاة والدعاء فيه

اخبرني الشريف الاجل العالم أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة أدام الله عزه ، عن أبيه ، باسناد متصل إلى طاووس اليماني ، قال :

مررت بالحجر في رجب ، وإذا أنا بشخص راكع وساجد ، فتأملته ، فإذا هو علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فقلت : يا نفسي ، رجل صالح من أهل بيت

__________________

(١) كذا ، وفي الاقبال : ابن أبي رواد ، ولعله ابن أبي داود ، الذي ذكره الكشي في رجاله : ٥٦٠ ، الرقم : ١٠٥٨ في ترجمة أحمد بن حماد المروزي ، وفي معجم الرجال : ابن أبي دؤاد.

(٢) عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٦ ، ذكره السيد في الاقبال ٣ : ٢١٢ عن كتاب معالم الدين ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٧ ، ذكره الشهيد في مزاره : ٢٦٤.

١٤٦

النبوة ، والله لأغتنمن دعاءه ، فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته ، ورفع باطن كفيه إلى السماء ، وجعل يقول :

سيدي سيدي ، هذه يداي قد مددتهما إليك بالذنوب مملوة ، وعيناي إليك بالرجاء ممدودة ، وحق لمن دعاك بالندم تذللا ان تجيبه بالكرم تفضلا ، سيدي ، امن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي ، أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.

سيدي ، ألضرب المقامع خلقت أعضائي ، أم لشرب الحميم خلقت أمعائي ، سيدي ، لو أن عبدا استطاع الهرب من مولاه لكنت أول الهاربين منك ، لكني اعلم اني لا أفوتك.

سيدي ، لو أن عذابي يزيد في ملكك لسألتك الصبر عليه ، غير اني اعلم أنه لا يزيد في ملكك طاعة المطيعين ، ولا ينقص منه معصية العاصين ، سيدي ، ما انا وما خطري (١) ، هب لي خطاياي بفضلك ، وجللني بسترك ، واعف عن توبيخي بكرم وجهك.

الهي وسيدي ، ارحمني مطروحا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي ، وارحمني مطروحا على المغتسل يغسلني صالح جيرتي ، وارحمني محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي ، وارحم في ذلك البيت المظلم وحشتي وغربتي ووحدتي ، فما للعبد من يرحمه الا مولاه.

__________________

(١) خطري : منزلتي وقدري.

١٤٧

ثم سجد وقال :

أعوذ بك من نار حرها لا يطفى ، وجديدها لا يبلى ، وعطشانها لا يروى.

وقلب خده الأيمن وقال :

اللهم لا تقلب وجهي في النار بعد تعفيري وسجودي لك بغير من مني عليك ، بل لك الحمد والمن علي.

ثم قلب خده الأيسر وقال :

ارحم من أساء واقترف ، واستكان واعترف.

ثم عاد إلى السجود ، وقال :

إن كنت بئس العبد ، فأنت نعم الرب ، العفو ، العفو ـ مائة مرة.

قال طاووس : فبكيت حتى علا نحيبي ، فالتفت إلي وقال : ما يبكيك يا يماني ، أوليس هذا مقام المذنبين ، فقلت : حبيبي حقيق على الله أن لا يردك وجدك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال طاووس : فلما كان في العام المقبل في شهر رجب بالكوفة فمررت بمسجد غني ، فرأيته عليه‌السلام يصلي فيه ويدعو بهذا الدعاء ، وفعل كما فعل في الحجر ـ تمام الحديث (١).

__________________

(١) عنه وعن الشهيد في مزاره : ٢٦٧ ، البحار ١٠٠ : ٤٤٨ ، ذكره السيد في مصباح الزائر : ١٢١ مرسلا.

١٤٨

الباب (٩)

ذكر الصلاة والدعاء بمسجد جعفي

وحدثني الشريف الاجل عز الدين أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة العلوي أدام الله عزه املاء من لفظه ببلد الكوفة عند عوده من الحج في سنة أربع وسبعين وخمسمائة ، عن أبيه ، عن جده ، عن الشيخ أبي جعفر محمد بن بابويه رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا الحاكم أبو علي الحسين بن أحمد (١) البيهقي في داره بنيسابور سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قراءة ، قال : حدثني عون بن محمد الكندي ، قال : سمعت أبا الحسن علي بن ميثم ، يقول : حدثني ميثم رضي‌الله‌عنه قال :

أصحر بي مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليلة من الليالي ، حتى خرج من الكوفة وانتهى إلى مسجد جعفي ، توجه إلى القبلة ، وصلى أربع ركعات ، فلما سلم وسبح بسط كفيه وقال :

الهي كيف أدعوك وقد عصيتك ، وكيف لا أدعوك وقد عرفتك ، وحبك في قلبي مكين ، مددت إليك يدا بالذنوب مملوة ، وعينا بالرجاء ممدودة ، الهي أنت مالك العطايا وانا أسير الخطايا ، ومن كرم العظماء

__________________

(١) في الأصل : الحسن بن أحمد ، وفي البحار : الحسن بن علي ، وكلاهما مصحف وما أثبتناه هو الأصح ، راجع العيون ١ : ١١ و ٣٧ و ٣٠٧ ، التوحيد : ٤١٧ ، معجم الرجال ٥ : ١٩٥.

١٤٩

الرفق بالاسراء ، وانا أسير بجرمي مرتهن بعملي

الهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله ، وأوحش المسلك على من لم تكن أنيسه ، الهي لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك ، وان طالبتني بسريرتي لأطالبنك بكرمك ، وان طالبتني بشري لأطالبنك بخيرك ، وان جمعت بيني وبين أعدائك في النار لأخبرنهم اني كنت لك محبا ، وانني كنت اشهد ان لا إله إلا الله. (١)

الهي هذا سروري بك خائفا فكيف سروري بك امنا ، الهي الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك ، فهب لي ما تسرك واغفر لي ما لا تضرك ، فهب لي ما يسرك واغفر لي ما لا يضرك ، وتب علي انك أنت التواب الرحيم ، اللهم صل على محمد وال محمد وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري وامتحى من المخلوقين ذكري وصرت من المنسيين كمن نسي.

الهي كبر سني ودق عظمي ونال الدهر مني ، واقترب اجلي ، ونفدت أيامي وذهبت محاسني ، ومضت شهوتي ، وبقيت تبعتي وبلي جسمي ، وتقطعت أوصالي ، وتفرقت أعضائي وبقيت مرتهنا بعملي.

الهي أفحمتني ذنوبي وانقطعت مقالتي ، ولا حجة لي ، الهي انا المقر بذنبي ، المعترف بجرمي ، الأسير باسائتي ، المرتهن بعملي ، المتهور في خطيئتي ، المتحير عن قصدي ، المنقطع بي ، فصل على محمد وآل محمد وتفضل علي وتجاوز عني.

__________________

(١) الا أنت ( خ ل ).

١٥٠

الهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك املي ، الهي كيف انقلب بالخيبة من عندك محروما وكل ظني بجودك ان تقلبني بالنجاة مرحوما ، الهي لم أسلط على حسن ظني بك قنوط الآيسين ، فلا تبطل صدق رجائي من بين الآملين.

الهي عظم جرمي إذ كنت المطالب به ، وكبر ذنبي إذ كنت المبارز به ، الا اني إذا ذكرت كبر ذنبي وعظم عفوك وغفرانك ، وجدت الحاصل بينهما لي أقربهما لي رحمتك ورضوانك ، الهي ان دعاني إلى النار مخشي عقابك فقد ناداني إلى الجنة بالرجاء حسن ثوابك.

الهي ان أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد أنستني باليقين مكارم عفوك ، الهي ان أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيدي بكرم آلائك ، الهي ان عزب (١) لبي عن تقويم ما يصلحني فما عزب ايقاني بنظرك إلي فيما ينفعني.

الهي ان انقرضت بغير ما أحببت من السعي أيامي فبالايمان أمضيت السالفات من أعوامي ، الهي جئتك ملهوفا وقد البست عدم فاقتي وأقامني مع الأذلاء بين يديك ضر حاجتي ، الهي كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك ، وجدت بالمعروف فاخلطني باهل نوالك.

الهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا وعن التعرض لسواك بالمسألة عادلا ، وليس من شأنك رد سائل ملهوف ومضطر

__________________

(١) العزوب : الغيبة والذهاب.

١٥١

لانتظار خير منك مألوف

الهي أقمت على قنطرة الاخطار مبلوا بالاعمال والاختبار ان لم تعن عليها بتخفيف الأثقال والآصار ، (١) الهي امن أهل الشقاء خلقتني فأطيل بكائي ، أم من أهل السعادة خلقتني فأبشر رجائي.

الهي ان حرمتني رؤية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وصرفت وجه تأميلي بالخيبة في ذلك المقام فغير ذلك منتني نفسي ، يا ذا الجلال والاكرام والطول والانعام.

الهي لو لم تهدني إلى الاسلام ما اهتديت ، ولو لم ترزقني الايمان بك ما امنت ، ولو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت ، ولو لم تعرفني حلاوة معرفتك ما عرفت ، الهي ان أقعدني التخلف عن السبق مع الأبرار فقد أقامتني الثقة بك على مدارج الأخيار.

الهي قلب حشوته من محبتك في دار الدنيا كيف تسلط عليه نارا تحرقه في لظي ، الهي كل مكروب إليك يلتجئ وكل محروم لك يرتجي.

الهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا ، وسمع المزلون عن القصد بجودك فرجعوا ، وسمع المذنبون بسعة رحمتك فتمتعوا ، وسمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا ، حتى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك ، وعج إليك كل منهم عجيج الضجيج بالدعاء في بلادك ، ولكل

__________________

(١) الاصار جمع الاصر : الذنب والثقل.

١٥٢

امل ساق صاحبه إليك وحاجة

وأنت المسؤول الذي لا تسود عنده وجوه المطالب ، صل على محمد نبيك واله ، وافعل بي ما أنت أهله انك سميع الدعاء.

واخفت دعاءه وسجد وعفر وقال :

العفو العفو ـ مائة مرة.

وقام وخرج واتبعته حتى خرج إلى الصحراء وخط لي خطة وقال : إياك ان تجاوز هذه الخطة ، ومضى عني ، وكانت ليلة دلهة ، فقلت : يا نفسي أسلمت مولاك وله أعداء كثيرة اي عذر يكون لك عند الله وعند رسوله والله لأقفن اثره ولأعلمن خبره وان كنت قد خالفت امره.

وجعلت اتبع اثره ، فوجدته عليه‌السلام مطلعا في البئر إلى نصفه يخاطب البئر والبئر تخاطبه ، فحس بي والتفت عليه‌السلام وقال : من ، قلت : ميثم ، فقال : يا ميثم ألم آمرك الا يتجاوز الخطة ، قلت : يا مولاي خشيت عليك من الأعداء فلن يصبر لذلك قلبي ، فقال : أسمعت مما قلت شيئا ، قلت : لا يا مولاي ، فقال : يا ميثم :

وفي الصدر لبانات

إذا ضاق لها صدري

نكت الأرض بالكف

وأبديت لها سري

فمهما تنبت الأرض

فذاك النبت من بذري (١)

__________________

(١) عنه المستدرك ٥ : ١٣٠ ، رواه أيضا الشهيد في مزاره : ٢٧٠ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٤٩ ، المستدرك ٣ : ٤٤١.

١٥٣

الباب (١٠)

القول والعمل عند ورود الكوفة

فإذا وردت الكوفة فاخلع ثياب سفرك وانزل واغتسل قبل دخولها ، فإنها حرم الله وحرم رسوله وحرم أمير المؤمنين عليهما‌السلام.

وإذا أردت المضي إلى المشهد فاغتسل غسل الزيارة ، وصفة النية لهذا الغسل ان تنوي بقلبك : اغتسل لدخول الكوفة مندوبا قربة إلى الله تعالى ، وقل وأنت تغتسل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ، اللهم صل على محمد وآل محمد وطهر قلبي ، وزك عملي ، ونور بصري ، واجعل غسلي هذا طهورا وحرزا ، وشفاء من كل داء وسقم ، وآفة وعاهة ، ومن شر ما أحاذر ، انك على كل شئ قدير.

اللهم صل على محمد وال محمد واغسلني من الذنوب كلها ، والآثام والخطايا ، وطهر جسمي وقلبي من كل آفة يمحق بها ديني ، واجعل عملي خالصا لوجهك يا ارحم الراحمين.

اللهم صل على محمد وال محمد واجعله لي شاهدا يوم حاجتي وفقري وفاقتي انك على كل شئ قدير.

واقرأ : ( انا أنزلناه في ليلة القدر ).

فإذا فرغت من الغسل فالبس ما طهر من ثيابك ، وامش علي سكينة

١٥٤

ووقار ، فإذا دخلت الكوفة فقل :

بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله ، اللهم أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.

ثم صل ركعتين تحية المنزل مندوبا ، ثم امش وأنت تقول :

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ما استطعت.

وادخل إلى مشهد يونس النبي عليه‌السلام فزره بهذه الزيارة ، تقول :

السلام على أولياء الله وأصفيائه ، السلام على أمناء الله وأحبائه ، السلام على أنصار الله وخلفائه ، السلام على محال معرفة الله ، السلام على عباد الله المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، السلام على مظاهر أمر الله ونهيه ، السلام على الادلاء على الله ، السلام على المستقرين في مرضاة الله ، السلام على الممحصين في طاعة الله.

السلام على الذين من والاهم فقد والى الله ، ومن عاداهم فقد عادى الله ، ومن عرفهم فقد عرف الله ، ومن جهلهم فقد جهل الله ، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ، ومن تخلى منهم فقد تخلى من الله.

اشهد الله اني حرب لمن حاربكم ، وسلم لمن سالمكم ، مؤمن بما آمنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم ، مؤمن بسركم وعلانيتكم ، مفوض في ذلك كله إليكم ، لعن الله عدوكم من الجن والإنس.

١٥٥

ثم قبل التربة وصل ركعتين للزيارة ، وادع لنفسك ولمن أحببت

ويستحب ان يدعو بالدعاء المروي الذي دعا به زين العابدين علي ابن الحسين عليهما‌السلام عنده ، ويسمى دعاء الاستقالة ، وهو :

اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون ، ويا من إلى ذكر احسانه يفزع المضطرون ، ويا من لخيفته ينتحب (١) الخاطئون ، ويا انس كل مستوحش غريب ، ويا فرج كل محزون كئيب (٢) ، ويا غوث (٣) كل مخذول فريد ، ويا عضد (٤) كل محتاج طريد.

أنت الذي وسعت كل شئ رحمة وعلما ، وأنت الذي جعلت لكل مخلوق في نعمك سهما ، وأنت الذي عفوه أعلى من عقابه ، وأنت الذي تسعى رحمته امام غضبه ، وأنت الذي عطاؤه أكثر من منعه ، وأنت الذي اتسع الخلائق كلهم في وسعه ، وأنت الذي لا يرغب في جزاء من أعطاه ، وأنت الذي لا يفرط (٥) في عقاب من عصاه.

وانا يا الهي عبدك الذي امرته بالدعاء ، فقال : لبيك وسعديك ها انا ذا يا رب مطروح بين يديك ، انا الذي أوقرت (٦) الخطايا ظهره ، وانا الذي

__________________

(١) ينتحب : يرفع صوته بالبكاء.

(٢) محزون كئيب : مهموم حزين.

(٣) عون ( خ ل ).

(٤) العضد : المعين.

(٥) يفرط : يسرف.

(٦) أوقرت : أثقلت.

١٥٦

أفنت الذنوب عمره ، وانا الذي بجهله عصاك ، ولم تكن اهلا منه لذاك

هل أنت يا الهي راحم من دعاك فابلغ في الدعاء ، أم أنت غافر لمن بكا إليك فأسرع في البكاء ، أم أنت متجاوز عمن عفر (١) لك وجهه تذللا ، أم أنت مغن من شكا إليك فقره توكلا ، الهي لا تخيب من لا يجد معطيا غيرك ، ولا تخذل من لا يستغني عنك بأحد دونك.

الهي فصل على محمد وال محمد ولاتعرض عني وقد أقبلت عليك ، ولا تحرمني وقد رغبت إليك ، ولا تجبهني (٢) بالرد وقد انتصبت بين يديك ، أنت الذي وصفت نفسك بالرحمة فصل على محمد وال محمد وارحمني ، وأنت الذي سميت نفسك بالعفو فاعف عني.

قد تري يا الهي فيض دمعي من خيفتك ، ووجيب (٣) قلبي من خشيتك ، وانتفاض جوارحي من هيبتك ، كل ذلك حياء مني بسوء عملي ، ولذلك خمد صوتي عن الجأر (٤) إليك ، وكل لساني عن مناجاتك.

يا الهي فلك الحمد ، فكم من عائبة سترتها علي فلم تفضحني ، وكم من ذنب غطيته علي فلم تشهرني ، وكم من شائبة (٥) ألممت بها

__________________

(١) عفر : مرغ وجهه في التراب.

(٢) تجبهني : تستقبلني.

(٣) وجيب : خفقان واضطراب.

(٤) الجأر : رفع الصوت والاستغاثة.

(٥) الشائبة : القبيحة.

١٥٧

فلم تهتك عني سترها ، ولم تقلدني مكروه شنارها (١) ولم تبد سوأتها لمن يلتمس معايبي من جيرتي وحسدة نعمتك عندي ، ثم لم ينهني ذلك عن أن جريت إلي سوء ما عهدت مني.

فمن اجهل مني يا الهي برشده ، ومن أغفل مني عن حظه ، ومن أبعد مني من استصلاح نفسه ، حين أنفق ما أجريت علي من رزقك فيما نهيتني عنه من معصيتك ، ومن أبعد غورا (٢) في الباطل ، وأشد اقداما على السوء مني ، حين أقف بين دعوتك ودعوة الشيطان ، فاتبع دعوته على غير عمى مني في معرفة به ، ولا نسيان من حفظي له ، وانا حينئذ موقن بان منتهى دعوتك إلى الجنة ، ومنتهى دعوته إلى النار.

سبحانك ما أعجب ما اشهد به على نفسي ، واعدده من مكتوم أمري ، واعجب من ذلك أناتك (٣) عني ، وابطاؤك عن معاجلتي ، وليس ذلك من كرمي عليك ، بل تأنيا منك لي ، وتفضلا منك علي ، لان ارتدع عن معصيتك المسخطة (٤) ، واقلع عن سيئاتي المخلقة ، ولان عفوك عني أحب إليك من عقوبتي.

بل انا يا الهي أكثر ذنوبا ، وأقبح اثارا ، وأشنع أفعالا ، وأشد في

__________________

(١) شنارها : عارها.

(٢) غورا : عمقا.

(٣) أناتك : حلمك.

(٤) المسخطة : الموجبة لغضبك.

١٥٨

الباطل تهورا (١) واضعف عند طاعتك تيقظا ، وأقل لوعيدك انتباها وارتقابا ، من أن احصى لك عيوبي ، أو أقدر على ذكر ذنوبي ، وإنما أوبخ بهذا نفسي طمعا في رأفتك التي بها صلاح أمر المذنبين ، ورجاء لرحمتك التي بها فكاك رقاب الخاطئين.

اللهم وهذه رقبتي قد أرقتها (٢) الذنوب ، فصل على محمد واله ، وأعتقها بعفوك ، وهذا ظهري قد أثقلته الخطايا ، فصل على محمد واله ، وخفف عنه بمنك.

يا الهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني ، وانتحبت حتى ينقطع صوتي ، وقمت لك حتى تتنشر (٣) قدماي ، وركعت لك حتى ينخلع صلبي ، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي ، وأكلت تراب الأرض طول عمري ، وشربت ماء الرماد اخر دهري ، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني ، ثم لم ارفع طرفي إلى افاق السماء استحياء منك ، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي.

وان كنت تغفر لي حين استوجب مغفرتك ، وتعفو عني حين استحق عفوك ، فان ذلك غير واجب لي باستحقاق ، ولا انا أهل له باستيجاب ، إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار ، فان تعذبني

__________________

(١) التهور : الوقوع في الشئ بقلة مبالاة.

(٢) أرقتها : ملكتها.

(٣) تتنشر : تنتفخ.

١٥٩

فأنت غير ظالم لي

الهي فإذ قد تغمدتني (١) بسترك فلم تفضحني ، وتانيتني (٢) بكرمك فلم تعاجلني ، وحلمت عني بتفضلك فلم تغير نعمتك علي ، ولم تكدر معروفك عندي ، فارحم طول تضرعي ، وشدة مسكنتي (٣) ، وسوء موقفي.

اللهم صل على محمد واله ، وقني من المعاصي ، واستعملني بالطاعة ، وارزقني حسن الإنابة ، وطهرني بالتوبة ، وأيدني بالعصمة ، واستصلحني بالعافية ، وأذقني حلاوة المغفرة ، واجعلني طليق عفوك وعتيق رحمتك ، واكتب لي أمانا من سخطك ، وبشرني بذلك في العاجل دون الاجل ، بشرى أعرفها ، وعرفني فيه علامة أتبينها.

ان ذلك لا يضيق عليك في وسعك ، ولا يتكأدك (٤) في قدرتك ، ولا يتصعدك (٥) في أناتك ، ولا يؤودك (٦) في جزيل هباتك التي دلت عليه آياتك ، انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد ، انك على كل شئ قدير (٧).

__________________

(١) تغمدتني : غمرتني.

(٢) تأنيتني : أمهلتني.

(٣) مسكنتي : خضوعي وذلي.

(٤) يتكأدك : يشق عليك.

(٥) يتصعدك : يشتد عليك.

(٦) يؤودك : يثقل عليك.

(٧) رواه في الصحيفة السجادية الدعاء ١٦٦ ، عنها البلد الأمين : ٤٥١ ، ذكره الشهيد في مزاره : ٢٢٧ ، عنه البحار ١٠٠ : ٤٠٨.

لا يوجد من ( هيبتك ) إلى آخر الدعاء في النسخة ، أضفناه من الصحيفة.

١٦٠