كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

في معنى الإشاعة من أنها عبارة عن كون كل جزء جزء قابل للتنصيف الى نصفين قابلين للملك بين الشريكين ، فحقيقة القسمة الإجبارية ترجع الى دخول مال كل منهما الى ملك صاحبه بدون رضائه. وليس في شي‌ء من القواعد ما يساعده ، بل يدل عليه صريح قوله « لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه » بالبيان المتقدم آنفا.

وأن بقاعدة السلطنة دلالة على حصول تملك مال الغير بدون رضائه ، أم كيف يكفي كونها إضرارا جعليا في إمضاء الشارع إياه على وجه يخرج به عن قضية القواعد ، لان الجعل العرفي يحتاج إلى الإمضاء الشرعي ، ومع وجود الردع بنحو قوله « لا يحل » كيف يدعى الإمضاء؟

قلت : ما ذكرت من استتباع القسمة انتقال مال كل منهما إلى الأخر مبني على اعتبار عقلي ملغى في نظر العرف ، فإن القسمة عند العرف محض تميز وصرف افراز ، فتعيين النصف المشاع عند العرف يجري مجرى افراز أحد مصرعي الباب المتلاصقة عن الأخر أو كتشخيص أحد المشتبهين عن الأخر ، وليس لذلك الاعتبار العقلي أثر في نظرهم ، حتى ان الانتقال حقيقة غير موجود عندهم في القسمة.

وإذا كان الأمر كذلك كان منع الشخص عن افراز ماله منعا له عن التصرف في ماله عرفا وإدخالا للضرر عليه ، ولا ريب أن السلطنة والضرر من الموضوعات العرفية كالنقل والانتقال ، فيدوران مدار الصدق العرفي ، فالسلطنة على المال أمر عرفي كما أن نفس موضوع المال أيضا عرفي ، فكما لا يلتفت الى الدقة العقلية في بعض الأموال العرفية كالمعدومات كذلك لا يلتفت الى الدقة العقلية في بعض مصاديق السلطنة.

فكما أن دقيق النظر يمنع عن الحكم بملك المعدومات وكونها مالا كالمنافع المتجددة في الدهور اللاحقة ومع ذلك يجري عليها حكم الأموال عرفا وشرعا

٦١

كذلك يجري على القسمة حكم السلطنة عرفا وشرعا وان كان دقيق النظر يقضي بعدم كونها سلطنة.

فظهر أن ما ذكره الأصحاب في خصوص متساوي الأجزاء جنسا ووصفا من دخول الإجبار على القسمة منطبق على القاعدة. والله العالم.

التقاط

[ في أي نوع من القسمة يدخل الإجبار ]

بعد ما عرفت من دخول الإجبار على القسمة فاعلم : ان القسمة تنقسم أولا إلى قسمة ضررية وغيرها ، والثاني تنقسم إلى قسمة عينية وقسمة مالية وقسمة ردية :

والمراد بالقسمة الضررية ما يوجب خروج السهام بعد القسمة عن المالية مطلقا أو بما بعد في العرف ضررا كثيرا كتقسيم الجوهرة وتنصيفها نصفين.

وبالقسمة العينية أن ينقسم المشاع بعينها ، بأن يتحصص عينها حسب حصص الشركاء ، وذلك بأن يكون المشترك مالا متساوي الاجزاء في جميع صفات المالية وقابلا للتحصص بالحصص بالتجزية وتعديل السهام كما وكيفا بالوزن في الموزون والكيل في المكيل والزرع في المزروع والمساحة في الأراضي المتساوية الأجزاء وصفا وجنسا.

وبالقسمة المالية أن ينقسم المشاع بحسب المالية دون الكمية والكيفية ، وذلك بأن يكون المال المشترك مالا مختلفة الاجزاء في القيمية ، سواء كان من جنس واحد كالحنطة أو من أجناس مختلفة كالحنطة والشعير والدار والثوب ، ويلاحظ في تعديل السهام مقدار ماليتها فيجعل وزنتان من الشعير سهما ووزنة من الحنطة سهما.

٦٢

وبالقسمة الردية ما امتنع فيه تعديل السهام عينا وقيمة إلا بعد اضافة مال خارجي إليه حتى يصير بذلك مالا آخر قابلا للقسمة. وقد تطلق القسمة الردية على ما يعم القسمة المالية.

إذا تحقق ذلك فاعلم أن القسمة الضررية لا تقبل الإجبار ، لتعارض قاعدة السلطنة مع قاعدة نفي الضرر فيتساقطان ، أو أن قاعدة نفي الضرر حاكمة على قاعدة السلطنة كحكومتها على سائر القواعد العامة.

وهذا لا خلاف فيه ولا اشكال ، وسيأتي توضيح المراد بالضرر الواقع للإجبار ، فمورد القسمة الإجبارية هي ما عدا القسمة الضررية ، فنقول :

ان القسمة الردية أيضا لا تقبل الإجبار ولو كانت افرازا لا معاوضة ، لأن الدليل على الإجبار هي قاعدة السلطنة بالبيان المتقدم ، وهي لا تنهض بإدخال الإجبار في القسمة إذا كان فيها رد. لان المفروض عدم قابلية المال المشاع بنفسه للتقسيم عينا ولا قيمة ، فموضوع السلطنة حينئذ غير محقق وانما يتحقق بعد فرض اضافة أمر خارجي اليه ، فالمال المشاع الموجود غير قابل للسلطنة عليه وإفرازه والقابل ـ وهو المجموع المركب منه ومن الرد ـ ليس بمال مشترك.

والحاصل ان الواجب انما هو الإجابة إلى القسمة مع وجود موضوعها والمحل القابل لها ، وأما تحقيق موضوعها وإيجاد محل قابل لها بإضافة مال خارجي فليس بواجب على الشريك ولو امضاء ، بأن يكون الراد غير الممتنع.

واما القسمتان الأوليان ـ أعني العينية والمالية ـ في دخلهما الإجبار مع عدم الضرر ، لكن الأصل في الإجبار هو الأول. فمتى أمكن تعديل السهام بحسب الكم والكيف لم يجبر على التعديل بالقيمة ، لأن كل جزء من المال متعلق بحق الشركاء ، فلا وجه لمنعه عن حقه.

وبعبارة أخرى : ان حرمان الشخص عن عين ماله إلى القيمة حكم مناف

٦٣

لقاعدة السلطنة ، وانما يعدل عن العين الى المال مع عدم إمكان التوصل الى العين ، فلو كان المال أجناسا مختلفة كالحنطة والشعير لم يجبر على التعديل بالقيمة ، بل لكل من الشركاء الاقتراح بتقسيم كل جنس ، بل له الاقتراح بتقسيم كل جزء في الجنس الواحد ، فيقسم كل واحد من آحاد البطيخ إذا لم يرض أحد الشركاء الا بذلك.

نعم ليس له ذلك إذا لم يتعلق به غرض عقلائي ، كتقسيم كل جزء حبة من حبات الحنطة ولو لم يخرج عن المالية بسبب قابليته للطحن بعد التقسيم أيضا ، لأن مثل هذا الاقتراح بمعزل عن مقاصد العقلاء ، لان الإلزامات الشرعية لا تتعلق بما لا يتعلق به غرض العقلاء.

ومن هنا لا يلزم الوفاء بالشرط الخارج عن مقاصد العقلاء في ضمن العقد ولو تعلق به غرض في خصوص الواقعة الشخصية لبعض الشركاء ، ففي وجوب الإجابة حينئذ نظر : من عموم السلطنة مع اقترانها بالغرض الصحيح ، ومن كون المدار في أمثال المقام على ملاحظة حال العقلاء نوعا لا شخصا.

وعلى هذا فلا بد من تنزيل إطلاق كلماتهم في الإجبار على القسمة بحسب المالية في بعض الأمثلة على ما إذا تعذر فيه القسمة العينية لعذر عقلي أو شرعي وبه صرح في محكي التذكرة حيث قال ما حاصله : ان للشريك الامتزاج بتقسيم كل عين من أعيان المال المشترك وعدم الإجابة إلى التقسيم بحسب المالية بتعديل السهام قيمة وانه لا يجبر على ذلك مع إمكان تقسيم الأعيان.

[ عدم دخول الإجبار مع عدم إمكان التعديل في القسمة ]

هذا إذا أمكن التعديل بحسب الكم والكيف ولو بتقسيم كل عين من الأعيان المشتركة بحيالها ، وأما مع عدم إمكان ذلك وانحصار التقسيم في التعديل

٦٤

بحسب المالية والقيمة ـ كما إذا كان المال المشترك عبيدا متعددة قابلة للتعديل بالقيمة بأن يرى أحد العبيد مائة ومجموع الاثنين مائة ونحو ذلك من الفروض ـ ففي دخول الإجبار على القسمة حينئذ بالتعديل قيمة مطلقا أو عدم الإجبار مطلقا أو التفصيل بين ما يتسامح فيه العقلاء من حيث تعلق الغرض بنفس الأعيان فالإجبار وما لا يتسامح فالعدم ، وجوه.

( وجه الأول ) عموم قاعدة السلطنة وعدم الالتفات الى تعلق الغرض بالعين ، لأن فائدة القسمة هي التفصيل الى تكميل المال

وتخليصه من الإشاعة ، وهو حاصل مع التعديل بحسب القيمة ، وأما الغرض المتعلق بالعين فوضع القسمة الإجبارية على عدم مراعاته وإلغائه رأسا. والا امتنع الإجبار مطلقا ، لأن القسمة يلزمها انقطاع يد كل من الشريكين عن عين نصيب الأخر ، فلا يكون حينئذ إجبار أصلا حتى فيما يمكن فيه القسمة العينية ، ولذا جعل بعض الأصحاب سقوط الإجبار في القسمة بتعديل القيمة رأسا.

( ووجه الثاني ) ما عرفت آنفا من أن قطع سلطنة الشخص عن عين ماله وتعيين حقه في بعض أعيان المشترك غصبا عليه ليس مما يقتضيه قاعدة السلطنة ، بل هو مناف لتلك القاعدة ، فكما أن ملتمس القسمة يريد التوصل الى تكميل ماله بالقسمة فكذلك الممتنع يريد التمتع بعين ماله كالدار مثلا ، فالاقتراح عليه بإخراج عين الدار عن يده أو عين الفرس مثلا مناف لقاعدة نفي الضرر.

وان شئت قلت : ان القسمة إذا لم تتصور في كل عين من أعيان المال وانحصر تعديلها بالتقويم كانت ضررا ، لاستلزامها انقطاع يد الشريك عن عين ماله ، فيندرج تحت القسمة الضررية التي لا إجبار فيها.

ودعوى أن فوت الغرض المتعلق بالعين ليس بضرر ، إذ المعتبر في الضرر هو الضرر المالي. مدفوعة بأن الإشاعة ليس ضررا ماليا ، بل ربما يكون

٦٥

قيمة النصف المشاع مثلا أزيد من قيمة النصف المفروز أو مساويا ، مع أنهم استدلوا على الإجبار في القسمة بأن الشركة ضرر فيجب نفيه.

[ لا ترجيح لغرض الملتمس للقسمة على غرض الممتنع منها ]

والحاصل ان انقطاع سلطنة الشخص عن بعض أعيان ماله ولو على نحو الإشاعة والتعيين تمام حقه في بعض تلك الأعيان ليس مما يدل عليه دليل ، إذ لا ترجيح لغرض الملتمس على غرض الممتنع ، فكما أن الملتمس يريد التوصل الى بعض الأغراض التي لا يترتب على فوته ضرر مالي والاستقلال بالمال وإخراجه عن الإشاعة ، ضرورة عدم توجه ضرر مالي ونقصان في المالية اليه على فرض بقاء حصته على الإشاعة ، فكذلك الممتنع يريد محافظة بعض أغراضه التي لا يترتب على فوتها ضرر مالي ، وترجيح جانب الملتمس بإجبار الممتنع على القسمة ترجيح بلا مرجح.

( ووجه التفصيل ) ان الأغراض المتعلقة بالأعيان ليست على نهج واحد عند العقلاء ، فربما يكون الغرض المتعلق بالعين ملغى في نظر العرف كما هو مبنى دخول الإجبار في القسمة العينية ، أي القسمة بحسب الكم والكيف ، لان المال إذا كانت أجزاؤه متساوية وصفا وجنسا وقابلا للتعديل بحسب الكم والكيف لم يلزم من التقسيم والإفراز الا انقطاع يد كل من الشريكين عن عين نصيب الأخر.

وحيث أن المفروض عدم التفاوت العقلاني بين نصيبه ونصيب شريكه عينا ولا قيمة ألغاه الشارع أيضا ونزله منزلة الوصول الى تمام حقه عينا وقيمة.

وهكذا إذا كان المال مختلفة الاجزاء بالاختلاف المتسامح فيه عند العقلاء من حيث تعلق الغرض بالخصوصية ، فإن كل اختلاف في الاجزاء ليس مما يصحح تعلق الغرض بالخصوصية ، فربما يكون الغرض المتعلق بالخصوصية واجب

٦٦

المراعاة عند العقلاء ، مثل الغرض المتعلق بخصوصية الدار ، فإن منزلة الدار مثلا عند العقلاء ليس كمنزلة شي‌ء آخر يساويها في القيمة مثل الثوب أو الجام ونحو هما : فان كان الغرض المتعلق بالخصوصية من قبيل الأول الذي يتسامح فيه لم يجب مراعاته بل يجبر صاحب ذلك الغرض وهو الممتنع ، وان كان من قبيل الثاني يجب مراعاته فيزاحم حقه حق الملتمس. وهذا التفصيل أوفق بكلمات الأكثر.

ومن هنا قال العلامة « ره » بالإجبار في قسمة العبيد مع إمكان تعديلها بالقسمة ، وبعدم الإجبار في قسمة العبد والجوهر مثلا المشترك فيهما بين الاثنين ، فان الأغراض المتعلقة بخصوص بعض العبيد ليس مما يزاحم بها غرض الافراز والاستقلال بالمال عند العقلاء ، بخلاف الغرض المتعلق بجنس العبد أو الجوهر مثلا ، فان مما يعتنى به عند العقلاء ، حتى أنه ربما يرجح على غرض الافراز.

والحاصل ان المناط في الإجبار على القسمة بحسب المالية على هذا التفصيل عدم كون الغرض المتعلق بالخصوصية واجب المراعاة عند العقلاء نوعا حتى لا يزاحم به غرض الافراز والتعيين الذي دعا الملتمس الى التماس القسمة.

ومن أجل ذلك تطرق الاشكال والنظر والتردد في كثير من صور القسمة المالية التي اشتمل على جملة منها كتب الأصحاب باعتبار الشك في كون الغرض المتعلق بالعين واجب المراعاة عند العقلاء أو ملغى رأسا أو بحيث يزاحم به غرض الافراز والتعيين في المال.

وهذا هو الأقوى ، لأن اختلاف الأغراض ربما يرجع الى اختلاف حال الشركاء من حيث التضرر بالقسمة وعدمها ، كما إذا كانت تلك الأغراض مما يعتد بها العقلاء ، فتندرج القسمة حينئذ تحت القسمة الضررية التي لا إجبار فيها.

ودعوى عدم صدق الضرر على فوت الغرض العقلائي مع التساوي في

٦٧

مقدار المالية. قد ظهر فسادها نقضا بأصل الشركة وحلا بصدق الضرر عليه عرفا.

قال شيخنا الأستاد « ره » : وممن صرح بأن فوت الغرض ضرر على الشريك هو المحقق القمي في جواب سؤاله الفارسي. والله العالم.

التقاط

[ حكم الأموال المختلفة بين شركاء متعددين ]

إذا كان أموال متعددة بين اثنين بأسباب مختلفة ـ مثل ما إذا ورثا دارا من أبيهما وحماما من أمهما وتملكا أيضا بعقد بيع أو صلح أو نحو ذلك ـ فطريق القسمة حينئذ تقسيم كل مال بحياله إن أمكن ، ولو امتنع قسمة كل مال منفردا وانحصر الأمر في قسمة مجموعها بالتعديل بحسب القيمة ، فقد صرح بعض مشايخنا تبعا للمحكي عن الشيخ « ره » بعدم دخول الإجبار على القسمة حينئذ بل عدم شرعية القسمة رأسا الا أن ترجع الى نحو صلح ونحوه ، لأن القسمة حينئذ ترجع إلى معاوضة ما يستحقه أحد الشريكين في أحد العينين بما لصاحبه في الأخر ، فلا وجه للإجبار عليها. بخلاف ما لو كانت الشركة في مجموع الأموال ، فإن القسمة حينئذ ولو بتعديل السهام قيمة افراز لا معاوضة.

ومحصل هذا : ان سبب الشركة في كل منهما إذا كان مغايرا لسببها في الأخر كان هنا شركتان في مالين مشتركين ، ومقتضى كل شركة حصول الإشاعة في موضوعها ، فحق كل منهما في كل من العينين ثابت على وجه الإشاعة في تلك العين ولا يسري شيوعها الى العين الأخرى ، كما في صورة كون سبب الشركة واحدا ، فإذا أريد تقسيم العينين بالتعديل وجعل كل من العينين سهما رجع ذلك الى المعاوضة ، لأن السهمين إذا لم يكن كل منهما على البدل قابلا للاختصاص

٦٨

بأحد الشركاء بل كان نصف كل منهما مختصا بكل من الشريكين فلا جرم يقع بين النصف من هذه العين وبين النصف من العين الأخرى معاوضة.

وهذا الكلام صحيح إذا لاحظنا كل واحد من العينين بحيالها وجعلناها مالا مغايرا للآخر ، وأما إذا لاحظناهما مالا واحدا ونظرنا الى المجموع المركب منهما نظرا الى أن هذا المجموع أيضا مال آخر مغاير لكل منهما في لحاظ الانفراز لم ترجع القسمة حينئذ إلى تبديل ما يستحقه كل منهما في أحد العينين بما يستحقه الأخر في الأخرى ، لأن مالية مجموع المالين بالنسبة إلى مالكين مثل نسبة ماليته الى كل واحد.

فكما أن ذلك المجموع إذا كان لواحد كان نصفه وثلثه وربعه الى آخر الكسور ملكا على نحو الإشاعة ، فكذلك إذا كان لاثنين يكون كل نصف منه ملكا لكل منهما على سبيل الإشاعة ، بمعنى كونه صادقا على جميع ما يتصور فيه من الانصاف على البدل ولا ينحصر في النصف الملفق من نصف أحد العينين ونصف الأخرى ، بل يكون من مصاديقه كل واحد من العينين إذا كانتا متعادلتين بحسب القيمة. وبهذا الاعتبار يصح فيها القسمة تعديلا ، ويدخل عليها الإجبار أيضا إذا لم يكن اختلاف الأموال مما تتفاوت به الأغراض.

ومما يؤيد ما قلنا أو يدل عليه أنه لم يقل أحد في باب الشركة العقدية أن الأموال المشتركة لا تقسم تعديلا إذا امتنع قسمة كل من الأعيان افرازا مع ان مال التجارة المشتركة يتجدد يوما فيوما بحسب التقليب والتقلبات الحاصلة فيه من بيع وشراء ونحو هما.

ودعوى الفرق بين المال الشركة وبين ما نحن بأن ثمن الشركة مشاع بين الشريكين فيتجدد البيع ولو مع تعدد العقد. بيّن الفساد ، لأن الإشاعة في الثمن لا يوجب ارتفاع التعدد في تلك العقود الواقع كل منها على مبيع خاص

٦٩

مغاير للجميع في العقد الأخر. مع أن البيع والشراء قد يتحققان مع كون الثمن في ذمة الشريكين ، فلا بد أن يلتزم بعدم جواز قسمة ما يحصل منهما من الأموال بالتعديل.

وكذا يؤيد ما قلنا انقسام مال المضاربة بين العامل ورب المال مع ظهور الربح تعديلا مع حصوله بالأسباب المتعددة ، بل هذا أوضح لعدم الإشاعة في الثمن في المضاربة.

والحاصل ان تعدد الأسباب ليس بمانع عن القسمة تعديلا. نعم لا بد من إحراز كون تلك الأموال الحاصلة بالأسباب المتعددة مالا واحدا ولو بملاحظة مجموعها من حيث المجموع.

فان قيل : ان تعدد الأسباب يوجب عد ما يحصل من كل سبب مالا مستقلا ، فلا تأثير لملاحظة المجموع في جعلها مالا واحدا.

قلنا : تعدد الأسباب بمجرده لا يؤثر ، ولذا لو تملك نصف صبرة من الحنطة بسبب ونصفها الأخر بسبب آخر لم يخرج كون تلك الصبرة عن المال الواحد العرفي ، خصوصا إذا كان المالك واحدا ، فالمناط في جعل أمور متعددة مالا واحدا أو متعددة شي‌ء آخر ، اما قلة اختلافها جنسا أو وصفا أو غير ذلك.

وعلى أي حال فلا يتفاوت الحال بين حصول الشركة في كل واحد من تلك الأمور بسبب مستقل مختص وبين حصولها في الكل بسبب واحد. فالأظهر في صورة انحصار القسمة في التعديل الإجبار مع عدم توجه الضرر الى بعض ولو بفوت غرضه العقلائي كما مر. والله العالم.

٧٠

التقاط

[ ذوا اليد يقسم بينهما المال الذي يدهما عليه ]

إذا سأل الشريكان الحاكم القسمة وكان لهما بينة بالملك قسم بلا خلاف ولا اشكال ، وان لم يكن لهما بينة وكان يدهما عليه ولا منازع فالمشهور أيضا أنه يقسم ، ونقل عن المبسوط أنه لا يقسم وكذا نقل عن الدروس.

ومبنى المسألة على أن قسمة الحاكم حكم منه بالملك أو بمنزلته أو تصرف من التصرفات ، نظير العقد بين رجل وامرأة ، فإنه ليس حكما منه بالزوجية حتى لا يجوز نقضه. والثمرة بين الوجهين لا تكاد تحصى.

ومما ذكرنا يظهر جواز القسمة ، لأنها ليست بحكم بل هي كسائر تصرفاته التي لا تستدعي بعض موازين القضاء بل أمارة من أمارات العمل. والله العالم.

التقاط

[ المال المشترك الممتنع القسمة ]

إذا امتنع قسمة المال المشترك افرازا وتعديلا ، فهاهنا يتصور القسمة بوجهين آخرين :

( أحدهما ) أن يجعل الأكثر قيمة سهما والأقل سهما. وفائدة القسمة على هذا الوجه خروج الأقل خاصة عن الإشاعة وبقاء الأكثر بين الشريكين أيضا على وجه الإشاعة بحسب ما يبقى من حق آخذ الأقل. فلو كان المال عبدين قيمة أحدهما عشرة وقيمة الأخر عشرون وقسما على أن يكون الأقل سهما والأكثر قيمة سهما بقي الأكثر أيضا مشتركا بينهما ، فيكون حق آخذ الأقل من العبد الذي قيمته عشرون ربعه ، فيشار كان أرباعا.

٧١

( والوجه الثاني ) أن يضاف إلى الأقل ما يساوي معه الأكثر في القيمة. وهذا يسمى بقسمة الرد ، وحقيقتها تسالم الشريكين على صيرورة مال خارج عن المشترك لأحدهما خاصة بدلا عن جزء معين كالربع أو السدس ونحو هما من العين المشاعة.

ولذا اتفقت الكلمة على أن قسمة الرد مشتملة على معاوضة ومعادلة وان لم تكن بيعا ، فأحد العوضين لا بد أن يكون ملكا طلقا لأحد الشريكين والأخر جزءا معينا من المشاع ، لا بمعنى كون نفس ذلك الجزء مشاعا بينهما ، لاستحالة كون العوض والمعوض ولو بعضا من شخص واحد ، بل بمعنى كون ذلك الجزء من العين المشاعة.

ولا ريب أن الكسور المفروضة في الأعيان المشاعة تختص بكل واحد من الشركاء ببعض الاعتبارات ، فنصف العين مثلا مشاع بين زيد وعمرو ولكن نصف زيد مختص به وكذلك نصف عمرو ، فالمعوض هو الجزء المختص بأحدهما الذي يساوي الضميمة في المالية. فتدبر.

ولا خلاف ولا إشكال في أن قسمة الرد لا تقبل الإجبار كما ذكرنا سابقا ، وكذا لا إشكال في عدم الإجبار على الوجه الأول ، وهو الذي سمي بما لا يخرج معه المال عن الإشاعة رأسا ، لأن الضرر المترتب على هذا النحو من القسمة آكد من فوات الغرض الذي تقدم عدم الإجبار معه ، فلا بد في صحة كل من الوجهين من التراضي ، فلو اتفقا على الرد وعدلت السهام وأقرع فهل تلزم بنفس القرعة على القول بعدم اعتبار الرضا بعدها في قسمة الافراز أم لا تلزم الا بالرضا بعدها ولو قيل باللزوم في قسمة الافراز؟ ذهب الشيخ والأكثر الى الثاني.

وحاصل ما استدل به الشيخ على مختاره : ان القرعة تفيد في مثل المقام معرفة البائع من المشتري ، فقبل القرعة لا يعلم ، فاذا علم بها فلا بد له وللمشتري

٧٢

الذي تسالما على اشتغال ذمته بالزيادة في مقابل جزء من العين المشاعة والتراضي بعدها ، لان الرضا السابق ليس رضاء بالمعاوضة ، لعدم تعيين البائع والمشتري ، فالرضا بها ما يكون بعد معرفة دافع الزيادة الذي هو بمنزلة البائع ومعرفة من يخرج من ملكه ذلك الجزء.

وقد يستشكل فيه بأن أدلة القرعة تفيد اللزوم كما مر ، فلا مجال للرضا مع فرض شرعيتها ، ولذا استقرب بعض اللزوم من غير رضاء بعدها.

وفيه : ان لزوم العمل بالقرعة يختلف بحسب اختلاف المقامات ، فان كان مؤداها التعيين أو الافراز ترتب عليها اللزوم من غير رضاء بعدها ، وأما إذا كان مؤداها مجرد التعديل الذي هو مقدمة للقسمة ، فالعمل بمؤداها لا يزيد على الحكم بحصول التعديل بها.

وغرض الشيخ أن القرعة في قسمة الرد مقدمة للتعديل الذي هو مقدمة للقسمة وليست قسمة ، وذلك لان الأقل لا يعادل به الأكثر إلا بعد ضم مقدار من المال يساوي جزء من العين المشاعة اليه ، والمفروض عدم كون الضميمة عينا خارجية بل ولا كل ما في الذمة.

وحيث كانت تلك الذمة مرددة بين أن تكون ذمة هذا الشريك أو ذاك ، لم تصلح لان يكون ما فيها عوضا عن جزء من المشاع ، وكذا لا يصلح ذلك الجزء المردد بين أن يكون من مال هذا أو من مال ذاك معوضا ، لان ما في الذمة إنما يعد مالا إذا تعين محلها وعلم الملتزم بها على سبيل التعيين الظاهري أو الواقعي ، وأما إذا كان الملتزم بها شخصا مخيرا من أحد الشخصين غير معين في الظاهر ولا في الواقع فهذا لا يصلح بدلا لشي‌ء ، فإذا لم يصلح بدلا لم يفد ضم مثل ذلك الى الأقل التعديل بينه وبين الأكثر.

وبعبارة أخرى : إذا تراضيا بالرد والقرعة فقد تراضيا على استحقاق أحدهما

٧٣

الغير المعين على الأخر مالا في ذمته في مقابل جزء من المشترك ، وهذا التراضي لا يجعل الأقل مقابلا للأكثر ومعادلا له فعلا.

نعم إذا أقرع وتبين الملتزم بذلك المال الكلي حصل التعديل ، لان هذا المال الكلي في ذمة من خرجت باسمه مضافا الى الأقل يعادل الأكثر ، فإذا حصل التعديل قسم حينئذ بالتراضي ونحوه.

[ الفرق بين قسمة الرد وقسمة الافراز ]

ومن هنا بان الفرق بين قسمة الرد وقسمة الافراز ، لان الافراز لا يتوقف تعديل السهام فيه الى القرعة ، إذ المعادلة بين الأعيان الخارجية أمر حسي غير متوقف على القرعة ، فلا يبقى للقرعة بعد الافراز والتعديل أثر إلا حصول الانفراز ، ومعه يستغنى عن الرضاء المتأخر عملا بظاهر أدلتها. بخلاف القسمة الردية ، فان التعديل فيها أمر غير معقول قبل تعيين دافع الزيادة وأخذ الجزء ، فالقرعة حينئذ لا تفيد سوى ما ذكره الشيخ « ره » من معرفة البائع ، أراد أن معرفة البائع ليس نفس القسمة بل مقدمتها ، فعبد معرفته استعد المال للقسمة لحصول التعديل بملاحظة ضم الأقل مع ما التزمه دافع الرد.

هذا ، أقول : يمكن أن يقال ان كون مفاد القرعة حينئذ هو التعديل دون القسمة لا يستلزم اعتبار الرضا بعدها ، لإمكان القول بأن الرضا بالقرعة رضاء بالتعديل والقسمة معا ، فالشريكان إذا تسالما على الرد وعلى القرعة فقد تسالما على التعديل بموجب القرعة وعلى كونه قسمة وافرازا. وبعد ما استظهرنا اللزوم من أدلة القرعة بعد شرعيتها سقط اعتبار الرضا بعدها.

وأيضا إذا لم يكن مفاد القرعة تميز الحق ولا تعيين المجهول بل مجرد

٧٤

التعديل توجه المنع عن شرعيتها ، لما تقدم من أن شرعيتها منحصرة في أحد الموضعين.

ثمَّ أن للشيخ استدلالا آخر على المسألة لو تمَّ فإنما يفيد اعتبار الرضا بعدها في قسمة التعديل ، لأنه قال : لما لم يعتبر الرضا في قسمة الإجبار في الابتداء فكذلك في الاستدامة ، وهنا اعتبر التراضي في الابتداء فكذا في الانتهاء كأنه أراد اعتبار الرضا الى آن التصرف ، لأن القسمة بالتراضي قسمة معاطاتية فلا يلزم الا بعد التصرف ، فحيث كانت القسمة قسمة تراض ولو كانت بالتعديل اعتبر فيه الرضا الى زمان التصرف الذي هو زمان اللزوم.

التقاط

( في طور طريف آخر لتحقيق مقالة الأكثر )

[ التعديل المتوقف على الرد ]

وهو أن القسمة مسبوقة بالتعديل ضرورة ، والتعديل فيما يتوقف فيه على الرد انما يحصل صيرورة الرد جزءا من المقسم ، وكونه جزءا من المقسم يتوقف على تسالم الشريكين ، لكونه بدلا عن جزء مشاع في العين وعلى تعيين الملتزم به الذي هو بمنزلة المشتري وتعيين من يخرج عن ملكه العوض ـ أعني ذلك الجزء المشاع ـ وعلى اشتغال ذمة الملتزم بذلك الرد فعلا لا تصورا أو فرضا.

فهنا أمور ثلاثة : الأول تسالم الشريكين على المبادلة من غير تعيين باذل الرد الذي هو بمنزلة المشتري وباذل الجزء الذي هو بمنزلة البائع ، والثاني تعيين الباذل ، والثالث صيرورة الرد مستقرا في ذمته ، إذ لو لا الاشتغال الفعلي لم

٧٥

يكن الأقل معادلا للأكثر ، لأن تعيين الملتزم به من غير تحقق الالتزام فعلا لا يزيد في مالية الأقل حتى يعادل الأكثر.

والأول يجري مجرى المساومة في البيع ، والثاني يجري مجرى تعيين البائع من المشتري ، والثالث يجري مجرى البيع.

مثلا إذا كان المال المشترك عبدين قيمة أحدهما عشرة وقيمة الأخر عشرون فلا بد فيه أولا من تسالم الشريكين على مبادلة جزء من العبد الذي يسوى عشرين بمال ، فلا بد أولا من تقدير ذلك الجزء وتقدير قيمته ، وذلك الجزء في المثال هو ربع ذلك العبد ، لان نصفه يقابل بتمام العبد الأخر ، فيبقى ربعان منه مشتركا بين الشريكين ، فلكل منهما ربع من هذين الربعين وقيمة ذلك خمسة. ثمَّ بعد ذلك لا بد من تعيين من يدفع الخمسة وأخذ ربع شريكه حتى يخلص له تمام العبد الذي قيمته عشرون ، ويتبعه تعيين من يخرج عن ملكه ربعه المشاع في ذلك العبد ويتملك الخمسة وتمام ذلك العبد الأخر. ثمَّ بعد ذلك لا بد من اشتغال ذمة الملتزم بالخمسة بها فعلا حتى تقوم تلك الخمسة مقام الربع الذي يتملكه بدفعها من العبد المشاع ، إذ لو لا ذلك لما حصل التعادل بين العبد الذي قيمته عشرة وبين العبد الذي قيمته عشرون. ثمَّ بعد ذلك لا يحتاج الى التقسيم ثانيا ، لحصوله حينئذ بنفس ذلك التعديل.

إذا تحقق ذلك فنقول : ان التسالم على الرد يحصل به الأمر الأول والقرعة يحصل بها الأمر الثاني ، لأنها حينئذ تفيد معرفة البائع عن المشتري من غير تحقق نقل بعد ، فالتعديل بعد غير حاصل. وأما الأمر الثالث الذي به قوام التعديل ـ أعني استقرار الرد في ذمة المشتري كما عرفت ـ فلا بد فيه من التراضي فالتراضي سبب لأمرين التعديل والقسمة معا.

أما سببيته للأول فلان القرعة لم تفد سوى تعيين البائع ، وقد عرفت أن

٧٦

مجرد التعيين لا يكفي في تحقق التعديل ما لم تشتغل ذمة المشتري بالرد فعلا ، فلا بد في تنجز الاشتغال وتحققه فعلا من شي‌ء آخر ليس هو الا الرضا المتأخر. وأما سببيته للقسمة إذ لا مفهوم لها في المقام سوى استقرار الرد في ذمة أحد الشريكين معينا بإزاء ما يتملكه من الربع المشاع ، وقد فرضنا حصوله بالرضا.

فان قلت : إذا جوزت حصول التعديل والقسمة معا بشي‌ء واحد ـ وهو الرضا المتأخر ـ فلم لا يجوز حصولهما بنفس القرعة التي تسالما عليه سابقا. أو يقال : أن مجرد التسالم على مبادلة جزء من العبد الذي قيمته عشرون في المثال المزبور بشي‌ء يكفي في حصول التعديل ، ولا حاجة الى تعيين باذل المردود وباذل الجزء فضلا عن حصول الاشتغال الفعلي بالمردود.

قلنا : القرعة إنما شرعت للتميز لا للنقل ، إذ ليس من الأسباب الناقلة القرعة وقد عرفت أن قسمة الرد ترجع إلى مبادلة مال بمال ، ولهذا لا يجوز استناد أصل القسمة إليها بل إلى التراضي الذي هو مبادلة معاطاتية. مضافا الى ما في الأخيرين من التعسف ، لان التسالم على المبادلة من غير تعيين البائع والمشتري واستقرار ذمة المشتري بالرد فعلا لا يوجب كون العبد الذي قيمته عشرة عديلا للعبد الذي قيمته عشرون.

ومما ذكرنا يظهر أن قياس القرعة في المقام بها في قسمة الافراز والتعديل ليس في محله ، لأن قسمة الافراز والتعديل ليس فيهما مبادلة ، لما مر من أنها عبارة عن صرف إفراز الحق وتعيين المبهم ولو جعلا ، بخلاف قسمة الرد فإنها تشتمل على المعاوضة عرفا وشرعا بلا خلاف وان لم يكن بيعا ، وإذا لم تشتمل القسمة على المعاوضة ولو في نظر العرف لم يكن مانع من حصولها بنفس القرعة ، لأن القرعة تنهض بتعيين الحق وتميزه ولا تنهض بنقل مال بعوض. والله العالم.

٧٧

فرعان

[ يتعلقان بأحكام الرد في القسمة ]

( الأول ) ان المردود لا يجب أن يكون معادلا للجزء المشاع في المالية ، بل يجوز للشريكين التسالم على جعل شي‌ء قليل بدلا عن ذلك الجزء كما هو الشأن في سائر المعاوضات ، لان المتعاوضين لهما على الاقتراح على البيع بغير ثمن المثل أو الصلح عليه أو نحو هما من العقود ، فيجوز في المثال المزبور التسالم على بدلية قران واحد لربع العبد الذي فرضنا قيمته خمسة.

وهل يجري فيه خيار الغبن لو كان أحد الشريكين جاهلا بالحال؟ الظاهر الجريان لو كان مدرك خيار الغبن قاعدة لا ضرر ، ومثله الكلام لو ظهر في المردود عيب.

( الثاني ) قد ظهر أن قسمة الرد مشتملة على معاوضة ولكنها ليست بيعا.

ويتفرع على ذلك أن أحكام المعاوضة المطلقة تجري فيها ، وأما أحكام البيع خلاصة فلا تجري فيها. فالربا يجري في القسمة الردية ، فلا يجوز في المال الربوي جعل الرد زائدا عن الجزء المشاع وزنا. مثلا إذا كان المال المشترك مالين من جنس ربوي لم يكن تقسيمه بالإفراز للضرر ولا بالتعديل لعدم المعادلة ، فإن جعل الرد من غير الذهب مثلا كالفضة فلا اشكال ، وان جعل من جنسه فلا بد من مراعاة مساواته للجزء المشاع المعوض وزنا ، فلا يجوز جعل المردود مثقالين من الذهب إذا كان ما يقابله من الذهب الذي قيمته أكثر أقل من مثقالين كربع المثقال ، كما يتفق كثيرا في المسكوك فإن قيمة الذهب مثلا بملاحظة السكة غير قيمتها بدونها ، فيمكن أن يعادل ربع المثقال من المسكوك الربعين من غيره ولو مع التساوي في الجودة والرداءة فضلا عن صورة الاختلاف فيها.

٧٨

وأما العرف فلا يجري أحكامه فيها ، فلا يشترط في القسمة الردية التقابض في مجلس القسمة لو كان المال المشترك من جنس النقدين ، وهكذا الى سائر ما يخص البيع من الاحكام. والله العالم.

التقاط

[ ادعاء الغلط في القسمة وصوره ]

إذا ادعى أحد الشريكين الغلط في القسمة فالمدعى عليه اما قاسم الامام عليه‌السلام أو أحد الشريكين ، وعلى التقديرين فالكلام تارة في صحة الدعوى وأخرى في توجه اليمين عند عدم البينة.

ثمَّ الغلط في القسمة يتصور على قسمين : أحدهما أن تكون السهام غير متعادلة ، والثاني عدم وصول أحد الشريكين الى تمام نصيبه مع فرض التعادل ، كما إذا كان لأحد أربعة السدس وللآخر سدسان وعدلت السهام أسداسا وقسمت ولكن صاحب الأسداس الأربعة لم يكن وصل الى تمام حقه بل إلى ثلاثة أسداس.

فدعوى الغلط على الأول لعدم معادلة السهام ، وعلى الثاني دعوى لعدم وصول حقه بتمامه إليه. فإن ادعى الغلط على الوجه الثاني فقول المدعى مطابق للأصل ، فهو منكر حقيقة والمدعي صاحبه الذي يدعي وصول تمام الحق إليه. لكن الظاهر خروج دعوى الغلط على هذا الوجه من مفروض كلام الأصحاب.

أقول : بل الظاهر عدم صدق الغلط في القسمة على عدم وصول تمام حق أحد الشريكين اليه ، بل الظاهر عدم كون الشريك حينئذ مدعى عليه ، الا أن يدعي عليه خيانة من السرقة ونحوها ، لان عدم ظفر أحد الشريكين بتمام حقه المفروض ليس مما يوجب شيئا على الشريك الأخر.

٧٩

وأما الدعوى على الوجه الأول فقد يقال انه مدع ، لأن الأصل في القسمة الصحة. ويشكل ذلك بأن القسمة عبارة عن التميز ، وهو ليس مما ينقسم الى صحيح وفاسد حتى يجري فيه أصل الصحة كما نبهنا عليه في غير مثل المقام غير مرة ، حيث أشرنا الى أن مجرى أصل الصحة كل فعل ينقسم الى صحيح وفاسد لا مطلقا ، مثل الوطي والغصب والأكل والشرب والسرقة والزنا ونحوها من موضوعات الاحكام.

وحينئذ فإجراء أصل الصحة في القسمة اما بملاحظة التقسيم الصوري الذي يتصور فيه الصحة والفساد أو بملاحظة سبب القسمة وهو الفصل ، أو الإنشاء الخارجي القائم بالقاسم الذي يترتب عليه التميز وانفراز الحصص ، لان هذا الفعل باعتبار كونه مؤثرا لإفادة التميز تارة وغير مؤثر أخرى ينقسم الى صحيح وفاسد ، كالنقل وسببه الذي هو صيغة البيع ، فإن الأول لا يجري فيه أصل الصحة لعدم انقسام النقل الواقعي إلى صحيح وفاسد ، بخلاف الثاني وهو سبب النقل ـ أعني صيغة البيع ـ فإنه باعتبار تأثيره أثر النقل تارة وعدم التأثير أخرى يتصف بهما ، فيجري فيه أصل الصحة.

وحينئذ نقول : ان كان المدعى عليه الشريك فلا إشكال في توجه الدعوى حينئذ ، لأنه يدعي منه مالا في يده ، كما لا إشكال في توجه اليمين اليه. وانما الكلام في اشتراطها بدعوى أم لا؟ ظاهر إطلاق الأصحاب والأقوى الأخير عند شيخنا « قده » ، لما ذكر من أن الدعوى ان تعلقت بما في يده وان عين ماله في يده فالدعوى بفعل النفس ـ سواء كان القاسم غيره كقاسم الامام وغيره أو هو ـ وليس المقام من باب الدعوى على الوارث بفعل أبيه.

وقد تقدم في محله ان الدعوى إذا كانت متعلقة بفعل النفس توجه اليمين

٨٠