كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

وقد عرفت ما فيه وان المزج إذا كان على وجه يقرب من التداخل الحقيقي المستحيل صار سببا لزوال اختصاص ملك كل منهما بصاحبه من حيث العين ، لأنه كما تزول المالية وتبقى الملكية كذلك قد تزول أصل الملكية التي هي الاختصاص والسلطنة باعتبار عدم قابلية المحل لحقارته كيفا كالميراث أو كما مثل الجزء الذي لا يتجزأ على القول به أو باعتبار وجود المانع كما في المقام ، فان كل جزء من عين مال زيد مثلا يفرض ففيه جزء من عين مال عمرو ، وهو يمنع عن سلطنة كل منهما بعين ماله وعن اختصاصها به ولو لم يبلغ حد الجزء الذي لا يتجزأ ، فلا بد حينئذ من زوال ملكية كل منهما عن عين ماله وبقاء ماليته.

وبعبارة أخرى : ان الملك قبل الامتزاج للمالك اختصاص بعينه واختصاص بماليته وبالمزج يزول اختصاص الأول دون الثاني ، ومقتضى هذا قيام المالية بالمجموع المركب من المالين ، فيكون المجموع بمنزلة ملك جديد حاصل لهما من امتزاج ماليهما الممتازين المختصين.

ومن هنا لا بد في ملكية كل منهما شيئا من العين ملاحظة مقدار تأثير ماله في مالية المجموع ، فلو اختلط جيد بردي‌ء كان لصاحب الجيد من العين أكثر من صاحبه ، لأن تأثير الجيد في مالية المجموع أكثر من تأثير الردي‌ء فيه ، فيملك صاحب الجيد من العين بنسبة القيمتين. وأين هذا من الربا.

وأما ما ذكره الشيخ فيمكن تنزيله على ما لو قصد البائع المعاوضة ، بأن أخذ من العين بنسبة القيمة عوضا عن ماله الذي استهلك في مال المفلس ، فان ثبوت الربا بنفس الشركة لأنه معاملة برؤية في مقام التقسيم والتوصل الى ماله لا في أصل حصول الشركة. فكيف فالأظهر عدم ثبوت الربا لا في القسمة لكونها افرازا ولا في الشركة لكونها في الحقيقة عبارة عن تملك جديد لمال جديد. والله العالم.

٤١

التقاط

[ عدم حصول الشركة الحقيقية في مزج شيئين متماثلين ]

إذا كان المزج مزجا يقرب من المزج الحقيقي ـ كامتزاج المائين بل مطلق المائعين خصوصا إذا وقع بينهما فعل وانفعال بالغليان مثل السكنجبين ـ فقد عرفت حصول الإشاعة في مثله قهرا ، سواء كان المزج باختيارهما أو كان قهريا.

ولو كان المزج باختيار أحدهما غصبا أو عدوانا فقد ظهر الكلام فيه في باب الغصب وأن فيه أقوالا أربعة ، فارجع.

ولا يحتاج في إثبات الشركة الواقعية حينئذ إلى دليل شرعي.

ومن هنا يعلم ان الخلاف في اعتبار اتحاد الجنس في الممتزجين ليس على ما ينبغي بعد أن كان الحكم بالشركة في المتجانسين غير مستند الى دليل شرعي بل عقلي. وكيف يعقل بقاء اختصاص كل بماله في مثل السكنجبين مع أن كل جزء من الخل فيه جزء من السكر ، فلا بد من انتقال اختصاص كل بماله عن عين ماله الى المجموع المركب.

وأما إذا لم يكن المزج مزجا حقيقيا ـ كاختلاط الحنطة بالحنطة والدنانير بالدنانير والخيل بالخيل وأشباهها مما لا يخرج بالامتزاج أعيان مال كل عن قابلية الاختصاص ـ ففي عدم حصول الشركة الحقيقية فيها مطلقا نظرا الى عدم دليل شرعي يدل على ذلك مع انفراز عين مال كل منهما عن عين مال الأخر بحيث يقبل الاختصاص.

فلا وجه للحكم بالشركة التي هي عبارة عن استحقاق كل منهما شيئا من عين مال الأخر المفروز الممتاز في علم الله تعالى ، أو التفصيل بين ما يجري في العرف مجرى المزج الحقيقي في الحكم بخروج عين مال كل عن قابلية

٤٢

الاختصاص ـ مثل أجزاء الدقيق وحبات الحنطة المختلطة وكل دينار من الدنانير الممتزجة ـ وبين ما يجري مجرى المبهم والمشتبه كاختلاط الخيل بالخيل. وجوه ، ظاهر الأصحاب التفصيل ، لان حصول الشركة في مثل خلط الدنانير لعله إجماعي.

والدليل على حصول الشركة حينئذ ـ بعد تنزيل العرف له منزلة الاستهلاك والاختلاط الحقيقي ـ إمضاء الشارع ، فلا بد حينئذ في الامتزاجات الغير الحقيقية متابعة العرف وملاحظة تنزيلهم وحكمهم بخروج أجزاء مال كل عن قابلية الاختصاص ، إذ لا مرجع لذلك الا العرف حتى لو ورد في الدليل أن المزج سبب للشركة ، لأن المرجع في موضوعات الأدلة مفهوما ومصداقا ليس سوى العرف.

ومن هنا يجي‌ء الاختلاف في ثبوت الشركة في بعض الامتزاجات العرفية بين العلماء ، حيث أن تشخيص التنزيل العرفي ليس من المصاديق الجلية الغير القابلة للخلاف ، فكل مزج يوجب عد الممتزجين في العرف مالا واحدا وعد أعيان مال كل من الشريكين مستهلكة خارجة عن قابلية الاختصاص يحصل فيه الشركة ، وكل مالا يعد كذلك فهو من باب اشتباه مال بمال.

ومن هنا يختلف الحكم من حيث اختلاف الممتزجين كما مزج حبة من الحنطة بمثلها لا يؤثر في حصول الشركة ، لأنهما لا يعدان في العرف مالا واحدا أو ملكا كذلك ، فاختصاص كل منهما بعين ماله باقية وان اشتبها في الظاهر بخلاف مزج القبضة بالقبضة.

ويؤيده ما ورد في مسألة ما لو استودع من اثنين ثلاثة دراهم درهما من أحدهما ودرهمين من الأخر ثمَّ تلف أحدها من غير تفريط ، من أنه يعطى صاحب الدرهمين درهما ونصفا وصاحب الدرهم النصف ، فإنه غير منطبق على

٤٣

قاعدة الشركة ، مع أن حصول الشركة في مزج الدنانير مما لا خلاف فيه ، فليس ذلك إلا لمتابعة الحكم للصدق العرفي وعدم صدق المال الواحد على الممتزج من القليلين.

[ الدليل على حصول الشركة في مزج المائعات ]

ثمَّ ان الدليل في حصول الشركة في مزج المائعات ـ ولو كانت مختلفة بحسب الجنس ـ ما عرفت من خروج عين مال كل عن المالية بل الملكية وقيامها بالمجموع المركب ، فلا حاجة في إثبات الشركة فيها الى دليل شرعي.

وأما حصول الشركة في المزج العرفي فهو الإجماع ، لأن حصول الشركة هنا في الجملة مما لا خلاف فيه ، بل لو قيل ان الخلاف انما يجي‌ء فيه خفاء صدق المال الواحد على بعض صور المزج ووضوحه لا من قصور الدليل الشرعي وعدمه كان خفاء. والله العالم.

التقاط

[ صحة قسمة الإرث وجوازها ]

لا اشكال ولا خلاف في صحة القسمة وجوازها ، بمعنى ترتب آثارها التي كلها أو جلها ترجع إلى فوائد انفراز كل من النصيبين عن الأخر.

ويدل عليه ـ بعد الإجماع ـ أدلة نفي الضرر ، لأن الشركة ضرر.

وهل هي من قبيل العقود والإيقاعات أو الموضوعات المترتبة عليها الاحكام كالالتقاط والغصب والاحياء والحيازة والنسب ونحوها مما لا يرجع الى عقد أو إيقاع؟ فيه وجوه واحتمالات ، أقواها الأخير.

٤٤

ويؤيد الأول أو يدل عليه اعتبار التراضي من الطرفين فيها حتى في القسمة الإجبارية ، لأن الحاكم ولي الممتنع فيقوم رضاؤه مقام رضائه.

لكنه كما ترى ، إذ مجرد اعتبار التراضي لا يدل على كون المعتبر فيه عقدا ، لان كل عقد يعتبر فيه الرضا لا أن كل اعتبار رضاء يخص بالعقد ، والأمر فيه سهل ، وانما الكلام في سببها وما تحصل به ، فان فيه أقوالا ثلاثة : الأول حصولها بمجرد التراضي من دون قرعة ، والثاني اعتبار القرعة مطلقا ، والثالث القرعة المتعقبة بالرضا المتأخر.

( واستدل على الأول ) بعموم « الناس مسلطون على أموالهم » (١) وقوله « لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه » (٢) ، وقد أوضحنا ضعف الاستدلال بهما في أمثال المقام مرارا وقلنا : ان تعميم جهات السلطنة لا ينافي إناطة التصرف بسبب خاص ، فلو قال المولى « أنت مسلط على مالك وافعل ما شئت من البيع والصلح والهبة ونحوها » ثمَّ قال « لا يتحقق النقل والانتقال الا بسبب خاص كالصيغة العربية » لم يكن ذلك منافيا لقوله الأول ، لأن مقابل السلطنة العامة الحجر على بعض التصرفات ، والاقتصار في سبب النقل على شي‌ء خاص ليس فيه رائحة الحجر في التصرف كما لا يخفى.

وأما الاستدلال بالأخير فهو أضعف ، لأن مفاده مدخلية طيب النفس في الحل ، وهذا لا ينافي اعتبار شي‌ء آخر معه من عقد أو لفظ أو نحو هما ، لان مفاد مثل هذا الكلام ليس كون المستثنى علة تامة ، بل نظير قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله

__________________

(١) بحار الأنوار ٢ / ٢٧٢ الطبعة الحديثة.

(٢) الوسائل ج ٣ ب ٣ من أبواب مكان المصلى بلفظ « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفس منه ».

٤٥

« لا صلاة إلا بطهور » و « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » (١) وأشباهها من الدلالة على مدخلية المستثنى وشرطيته.

والنكتة في التعبير عن هذا الشرط بمثل هذه العبارة كونه في بعض الأحيان علة تامة ، كما إذا حصل بعد استجماع سائر الشرائط ، فإن الجزء الأخير بمنزلة تمام العلة في حصول الأثر عنده.

( واستدل على الثاني ) بأدلة القرعة وظهورها في اللزوم (٢). وهو كذلك ، لأن القرعة على تقدير جريانها في المقام يجب العمل بمقتضاها والا كانت لغوا.

مضافا الى اشتمال أخبارها على ما هو كالصريح في اللزوم.

الا أن يمنع عن جريان القرعة في المقام ، وهو خلاف الإجماع ظاهرا ، لأن شرعية القرعة في مقام التقسيم في الجملة أمر معلوم. وحيث علم صلاحية المقام له صح الاستدلال بإطلاق أو عموم أدلتها عند الشك في اعتبار أمر زائد.

نعم مع الشك في اصلاحية فهي من العمومات الموهونة الغير القابلة للاستدلال والاحتجاج ، نظير كثير من القواعد ، مثل قاعدة نفي الضرر والعسر وقاعدة الاعتداء المدلول بقوله « فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ » (٣).

( واستدل على الثالث ) باستصحاب بقاء الشركة وأصالة عدم ترتب أثر القسمة على مجرد القرعة ، لعدم نهوض أدلتها في الاستدلال عند الأصحاب في

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ب ١ من أبواب القراءة في الصلاة ح ١ بلفظ « لا صلاة له الا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ».

(٢) الوسائل ج ١٨ ب ٣ من أبواب كيفية الحكم ح ١٥.

(٣) سورة البقرة : ١٩٤.

٤٦

أشباه المقام ونظائره الذي لا يخفى على المطلع ، فيؤخذ حينئذ بالقدر المتيقن ، وهي القرعة المتعقبة بالرضا المتأخر.

والأظهر من الأقوال الأول ، ويدل عليه أمران :

( الأول ) انه لم يكتف بمجرد التراضي ، فأما يعتبر فيه غير القرعة كالصلح والبيع ونحوهما من العقود ـ بأن يبيع كل من الشريكين بعد تعديل السهمين حصة من أحدهما بحصته من الأخر أو يصالح عنه أو نحو ذلك ـ واما يعتبر فيه القرعة.

وكلاهما باطلان : أما الأول فلأن اعتبار مثل الصلح ونحوه يخرج القسمة عن كونها قسمة ، لأن القسمة ليست الا بحت الافراز وصرف التميز ، وتوقف حصولهما على مبادلة وصلح خلف محال ، فافهم. وأما القرعة فلمنع شرعيتها في المقام ، لأنها مشروعة في أحد مقامين ليس المقام منهما : أحدهما تميز المجهول الواقعي ، والثاني رفع التشاح والنزاع الفعليين أو الشأنيين عند تزاحم الحقين أو الحقوق ، مثل اختلاف المتسابقين الى مكان مباح أو اختلاف المتعلمين على معلم دفعة في السبق واللحوق أو العبدين فيما إذا أوجب عتق أحد هما الغير المعين ، كما لو نذر عتق أول مملوك يملك فملك اثنين دفعة ، فإنه يستخرج المعتق بالقرعة كما ورد بالأول الرواية (١).

وليس في المقام مشاجرة واختلاف بين الشريكين ، إذ الفرض تراضيهما على أن يكون أحد السهمين لأحدهما والأخر للآخر ، فالقرعة لما ذا؟ بل يجري مجرى اللغو والعبث حينئذ ، لعدم ترتب شي‌ء من الأثرين عليه.

ودعوى إطلاق أدلتها أو عمومها الشامل لصورتي التشاجر وعدمه. ممنوعة ، يظهر وجه المنع من التأمل في تلك الأدلة ومصبها وموردها ، فإنها بين ما

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ح ٢.

٤٧

يختص بالأول كالرواية الواردة في الابن المشتبه بين الاثنين أو الشاة الموطوءة المشتبهة (١) ، أو ما يختص بالثاني حقيقة كما إذا كان ظاهرا فيه أو حكما كما إذا كان مجملا وساكتا من هذه الجهة.

فإن قلت : سلمنا عدم شرعية القرعة وعدم فائدتها في مثل المقام لكن مجرد التراضي ليس بملزم ، فلا تحصل القسمة.

قلنا : الملزم هو صدق عنوان التميز على مجرد التراضي بعد تعديل السهام ، فإن حقيقة القسمة من الموضوعات العرفية وصدقها على التعديل المتعاقب بالتراضي معلوم بين معهود معروف معتاد بين الناس ، فاذا حصلنا عنوان القسمة وصدقها بمجرد التراضي ترتب عليها اللزوم ، لان الانفراز بين النصيبين إذا حصل احتاج العود إلى الشركة إلى سبب جديد.

فان قلت : مجرد الصدق العرفي لا يكفي بعد عدم الدليل الشرعي على صحته ، وأين الدليل؟

قلنا : علمنا وبينا عدم اعتبار مدخلية شي‌ء في القسمة سوى القرعة ، والصدق العرفي انما لا يكفي في حصول الأثر إذا شككنا في شرط شرعي أو في أصل مشروعيته عند الشارع ، وأما إذا علمنا أنها مشروعة ـ كما علمنا أن البيع عند الشارع ناقل في الجملة ثمَّ علمنا عدم صلاحية شي‌ء شرطا فيها كصلاحية جملة من الأشياء للشرطية في البيع ـ فلا جرم يتعقبها الإمضاء الشرعي أيضا. فتأمل.

ثمَّ ان هذا الكلام مع قطع النظر عن الدليل الثاني ، والا فهو دليل شرعي ، فيحسم الاشكال رأسا.

( الثاني ) قوله « المؤمنون عند شروطهم » (٢) لان الشرط معناه مجرد الالتزام ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ح ١.

(٢) الوسائل ج ١٥ ب ٢٠ من أبواب المهور.

٤٨

وهو موجود في المقام ، لأن التراضي في المقام عبارة عن التزام كل من الشريكين بأحد النصيبين فيلزمه.

ولا يقدح في الاستدلال به كونه من العمومات الموهونة ، لأن الفرض مطابقة قول صيانة لمضمونها وهو شرط العمل بمثلها ، كما قلنا في أدلة القرعة آنفا وفي نظائرها سابقا.

[ هل يشترط رضا الطرفين في القرعة ]

وحاصل الكلام أنه تتصور القرعة في صورتين :

« إحداهما » ـ ما إذا كان القاسم ثالثا كقاسم الإمام أو وكيل المتقاسمين ، فان التقسيم حينئذ بلا قرعة ترجيح بلا مرجح ، لان تعيين حق كل منهما في أحد السهمين إذا لم يكن من طرف صاحب الحق ورضائه لا يمكن الا بمعين.

« والثانية » ـ ما إذا تراضيا على القرعة ابتداء ، فإنها حينئذ تكون معينة لحق كل منهما عن الأخر.

وهل يعتبر بعدها الرضا؟ الظاهر العدم ، لأن القرعة ـ على تقدير شرعيتها ـ فظاهر أدلتها اللزوم كما عرفت. نعم مقتضى الاحتياط هو ذلك.

وأما إذا تراضيا بدون القرعة فليس لها مسرح في المقام ، لأن التراضي مرجعه الى تجاوز كل منهما عن حقه في السهم الأخر ، والقرعة اما لتعيين المجهول أو لترجيح أحد الحقوق على الأخر كما في تسابق الاثنين على مباح أو ماء ونحو هما ، والترجيح انما يحتاج اليه عند التشاح الفعلي أو الشأني ، فحيثما يجوز كل منهما عن حقه ويوقفه الى صاحبه لا يجري فيه القرعة.

وان شئت قلت : ان القرعة لتعيين أحد الحقين ، وهو انما يتصور إذا كان كل منهما باقيا على حقه وملتزماته ، فلو أسقط كل منهما حقه وتجاوز عنه كتجاوز

٤٩

كل من المتقاسمين عن حقه في السهم الذي يختاره صاحبه سقطت القرعة.

وهذا مع وضوحه يتضح من النظر في أخبار القرعة (١) ، فإنها بين ما لا تدل الا على شرعيتها في تعيين المجهول ، وبين ما تدل على كونها مرجحة لأحد الحقين المتزاحمين ، وبين ما تدل على أنها لرفع الأمور المشكلة ، وبين ما تدل على أنه ما فوض قوم أمرهم الى الله تعالى الا وقد هداهم الى الخير والصواب أو ما يقرب من هذا العنوان.

ولا يكاد ينطبق شي‌ء من هذه العناوين على المقام ، وهو ما إذا تراضى الشريكان وفوض كل منهما الأمر الى صاحبه ، بأن يقول له اختر ما شئت من السهمين المتعادلين.

فان قلت : بناء على ما ذكرت يلزم بسقط القرعة إذا فوض كل من العبيد أمر العتق الى صاحبه إذا كان على المولى عتق أحدهما المخير أو أعتقه كذلك بناء على صحة العتق.

قلت : العتق فيه جهة حق الله تعالى أيضا ولم يعلم أنه مما يمكن التفويض فيه ، والكلام انما هو بعد معلومية كون الحق حقا للاثنين محضا جائزا لكل منهما إسقاطه والتجاوز عنه ، فالحقوق المتزاحمة في مسألة العتق لا تتعين الا بمعين الهي. والله العالم.

التقاط

[ هل يعتبر في القاسم التعدد أم لا؟ ]

يعتبر في القسمة بالتقويم أن يكون المقوم متعددا جامعا لشرائط الشهادة ، لأن التقويم شهادة.

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٣ من أبواب كيفية الحكم.

٥٠

وهل يعتبر في القاسم من قبل الامام عليه‌السلام التعدد أم لا؟ فذهب الأصحاب كما في المسالك الى عدم الاعتبار اقامة له مقام الحاكم.

وتوضيح الكلام هو : ان حقيقة القسمة تحصل بأمرين : تعديل السهام ، وتعيين أحدها لأحد الشركاء.

لا شبهة ولا ريب أن الأمر الثاني مما لا معنى لاعتبار التعدد فيه ، لان التعيين لا بد أن يكون بالقرعة ، إذ لا وجه لاقتراح القاسم على المتقاسمين ، فتعدد القاسم في مسألة الافراز والتعيين الحاصلين بسبب القرعة لا معنى له.

وأما التعديل فهو مما لا بد من إحرازه في الواقع ولو بتسالم الشريكين ، إذ لو لم يحصل ذلك لم يحصل القسمة. مثلا إذا كان أحد السهمين صاعا والأخر صاعين لم يكن اختصاص كل منهما بأحد الشريكين قسمة سواء كان بالتراضي أو بالقرعة. فإذا وجب إحراز تعديل السهام وجب اعتبار التعدد فيمن يباشره وبخبر عنه عند الحاكم.

فكلام الأصحاب ناظر إلى أنه لا يحتاج الافراز بالقرعة إلى تعدد المقرع في السهام المتعادلة المفروغ عن تعادلها ، لا أن التعديل إذا كان خلافيا بين الشريكين أو نظريا عند الحاكم ، كما في بعض الاملاك والأراضي والعقارات المشتركة التي لا يخلو تقسيمها عن غرض وإشكال يجري فيه الواحد.

هذا ، ويحتمل أن يقال : ان القسمة من شؤون الحكومة ، فلا ضير في إناطتها بنظر الحاكم ومن يجري مجراه كالقاسم بكلا الجزئين ، ومرجعه الى أن الحاكم أو القاسم إذا أحرز معادلة السهام بنظره نفذ على المتقاسمين قهرا.

وقد يدعى ظهور عبارة المسالك في ذلك ، وهو بعيد احتمالا ومحتملا. والله العالم.

٥١

التقاط

[ اجرة القاسم على من هي؟ ]

إذا كان القاسم منصوبا من قبل الحاكم فأجرته من بيت المال لأنه من المصالح ، فان لم يتفق له الكفاية من بيت المال فأجرته على الشركاء ، سواء كان طالب القسمة جميعهم أو كان بعضهم. بلا خلاف محكي بين الأصحاب ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة وأحد وجهي الشافعي فيختص بالطالب. ورد بأن العمل المحترم وقع لهم أجمع فعليهم الأجرة.

وقد يناقش في ذلك وفيما ذكره الأصحاب بأن مجرد احترام العمل لا يوجب الأجرة على من ينتفع بل لا بد من صدوره بإذنه وأمره ، وإذا كان الطالب بعض الشركاء فغير الطالب غير راض بالقسمة فضلا عن أن يكون إذنا ، فمقتضى القاعدة كون الأجرة على الطالب خاصة ، الا أن الأصحاب على خلافه.

ولعل نظرهم إلى أنه يجب على الشريك اجابة شريكه في القسمة ، فإذا امتنع قام الحاكم مقامه في الاذن.

ويمكن النظر فيه بأن الواجب عليه عدم المعارضة مع الشريك إذا أراد افراز ماله عن ماله ولا يجب عليه القسمة مباشرة أو تسبيبا حتى يكون امتناعه سببا لقيام اذن الحاكم مقام اذنه ، فمبني المسألة حينئذ هو أن الواجب على الشريك هل هو الإجابة إلى القسمة إذا طلبها شريكه أو عدم المزاحمة والمعارضة ، فان بنى على الأول كانت الأجرة عليهم أجمع لقيام اذن الحاكم مقام اذن الممتنع ، وان بني على الثاني كانت الأجرة على الطالب خاصة لأنه الأمر والاذن وان كان نفع القسمة يصل الى غير الطالب أيضا.

٥٢

[ الأجرة توزع على الورثة بملاحظة الحصص ]

ثمَّ ان الأجرة توزع على الجميع بملاحظة الحصص لا بملاحظة الرؤس ، لأن الشركة في العمل انما هي بنسبة ما يترتب من الانتفاع المالي ، والا فهو في نفسه ليس مما يتملك حتى يتصور الشركة ، فإذا كان العمل لاثنين فان كان انتفاع كل منهما به بقدر انتفاع الأخر كان العمل بينهما نصفين وتكون أجرته عليهما أيضا كذلك ، وان كان انتفاع أحد هما به ضعف انتفاع الأخر كان العمل بينهما أثلاثا وكذا الأجرة ، وذلك كمحافظة المال المشترك ، مثل الزرع المشترك بين الاثنين أو ثلاث بنصب الناظور ، فمن كان حصته من الزرع أزيد كان عمل الناظور له أكثر ، فالقسمة عمل يصل نفعها الى المتقاسمين بحسب نصيبهم ، فمن كان مالكا للثلث مثلا كان له ثلث القسمة.

لا يقال : نتيجة القسمة تميز النصيبين وافراز كل منهما عن الأخر ، وهما في هذه متساويان ، إذ لا فرق بين السهم الزائد والسهم الناقص في صفة التميز والانفراز ، فكل منهما ممتاز عن الأخر بمثل امتياز الأخر عنه.

لأنا نقول : تميز السهم الأقل ليس مغايرا لتميز الأزيد في نفس التميز بل في مقدار المالية والانتفاع ، فان تميز الثلاثين مثلا أكثر نفعا من تميز الثلث.

وان شئت قلت : ان القسمة من مئونة الأملاك ، لأن الشركة عيب فيها وضرر ، والملك الكامل هو الملك الخاص ومئونة تحصيلها القسمة ، فإذا كانت القسمة من مئونة الاملاك كانت حالها كحال المنفعة في توزيعها على مقدار الملكية والمالية ، فكان صاحب الثلاثين قد وصل اليه ثلثا القسمة كثلثي المنفعة.

وبعبارة ثالثة : ان القسمة تحدث في مال كل من الشريكين صفة جديدة مالية ، وهي الخلوص والسلامة عن الإشاعة ، فكأن القاسم يريد من كل منهما أجرة

٥٣

إحداث ما يخص بمال كل منهما من الصفة ، فاذا اختلفت الصفتان في المالية نظرا الى أن خلوص الثلاثين أكمل في المالية من خلوص الثلث لزم على كل منهما دفع عوض ما حدث في ماله.

هذا كله في العمل البسيط العرفي كنظر الناظور والقسمة البسيطة العرفية كقسمة غير الموزون والمكيل والمزروع ونحوها مما لا يحتاج في قسمتها سوى النظر ، وأما القسمة المركبة من عدة أفعال خارجية مثل الوزن والكيل فالأمر فيه واضح ، لان عمل القاسم حينئذ لصاحب الثلاثين ضعف عمله لصاحب الثلث كما وكيفا ، لان الفراز ثلثي المال الموزون بالوزن أكثر عملا من افراز ثلثه.

أقول : ولكن المدار ليس على ذلك ، بل على ملاحظة مقدار الانتفاع ، فقد يكون المتقاسمان متساويين في الانتفاع المالي مع كون العمل الخارجي لأحدهما أكثر ، مثل ما إذا تراضيا على أن يكون لأحدهما الردي‌ء الأكثر وللآخر الجيد الأقل ، فالظاهر هنا قسمة الأجرة عليهما بالسوية.

ثمَّ انه لا يقدح في تقسيم الأجرة بنسبة الحصص إفضاؤه إلى ذهاب مال قليل الحصة رأسا ، فإنه من خواص القسمة لا من خواص تقسيم الأجرة بنسبة الحصص ، إذ لو قسم بنسبة الرؤس فربما يفضي الى ذهاب مال كل من المتقاسمين أيضا. والحاصل ان أجرة القاسم قد تزيد على قيمة مجموع الحصص ، وهذا عيب في القسمة لا في تقسيم أجرتها بنسبة الحصص. والله العالم.

التقاط

[ اجرة القاسم على من استأجره ]

إذا لم يكن القاسم من طرف الحاكم بل من طرف أرباب المال ، فاما أن يستأجره الجميع أو بعضهم ، فإن استأجره الكل فلا إشكال في صحة الإجارة ،

٥٤

وكذا لو استأجره بعضهم أصالة عن نفسه ووكالة عن الباقي وكيفية تقسيم الأجرة كما تقدم أن لم يتعين في ضمن العقد ما على كل واحد من الشركاء ، وان استأجره بعضهم ففي صحة استيجار الثاني ذلك الأجير فيما لو كان الشركاء اثنين اشكال ، لا تميز حق الثاني يحصل بعين تميز حق الأول والمفروض أنه مستحق على الأجير بمقتضى العقد الأول ، فالعقد الثاني يبقى بلا مورد ، لان شرط صحة الإجارة وقوعها على عمل مملوك غير مستحق عليه ببعض أسباب الاستحقاق.

وقد يقرر الإشكال : بأن تميز حق الثاني واجب على الأجير مقدمة لتميز حق الأول ، وأخذ الأجرة على الواجب غير جائز ، فيتوقف ورود الإشكال حينئذ على القول بوجوب المقدمة والقول بعدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات ، ففي القول بعدم وجوب المقدمة حينئذ استراحة عن الاشكال ، وكذا القول بجواز أخذ الأجرة على الواجبات التوصلية.

وفيه : أولا ان تميز حق الثاني ليس مقدمة لتميز حق الأول بل عينه ، لان التميز بين الاثنين نسبة الى كل منهما مثل نسبته إلى الأخر ، كفصل الشي‌ء المتصل فإنه إذا حصل انفصل كل من المتفاصلين عن الأخر بعين ذلك الفصل الجزئي الحقيقي.

وليس هنا فصلان متغايران أحدهما يكون متعلقا بأحدهما والأخر بالآخر.

نعم يحصل من الفصل الواحد والتميز الواحد مفهومان متضايفان كل منهما في عرض الأخر ، وهما تميز كل من المتمايزين عن الأخر وانفصاله عنه ، لان تميز هذا عن ذاك غير تميز ذاك عن هذا مفهوما ، إلا أنهما متضايفان متحصلان من فعل واحد خارجي ، وهو التميز والفصل الخارجيين.

فتوهم كون تميز حق الثاني مقدمة لتميز حق الأول. بين الفساد ، لأنه ان أريد به التميز حقه المصدري ففيه أن تميز حقه الأول ، فلا مغايرة

٥٥

بينهما لا مفهوما ولا مصداقا وانما المغايرة بينهما بالإضافة والاعتبار ، فان قيس ذلك الفعل الخارجي إلى نصيب أحد الشريكين قيل انه تميزه عن نصيب الأخر وان عكس انعكس. وان أريد التميز الذي هو حاصل التميز المصدري فهو ليس بمقدمة لتميز حق الأول ، لأنهما مفهومان متضايفان حاصلان من فعل واحد في مرتبة واحدة لا يجوز الاستيجار لأحد هما بعد الاستيجار للآخر ، لان النتائج بنفسها ليست بمجرى الإجارة إلا بملاحظة مقدماتها التي هي الاعمال القابلة لها ، فاذا عقد على عمل باعتبار بعض نتائجه لم يجز العقد عليه ثانيا باعتبار النتيجة الأخرى.

ومن هنا يظهر أنه لا فرق في ورود الاشكال بين أن يكون المعقود عليه في العقد الثاني تميز حق الثاني ـ أي الفعل الذي يحصل به الانفراز ـ أو التميز الذي هو الانفراز.

وثانيا ـ انه لا ربط لوجوب المقدمة بالمقام بعد تسليم المقدمة ، لأن المانع من صحة العقد الثاني ليس هو وجوب التميز على الأجير بل كونه مستحقا عليه ، وعدم وجوب المقدمة لا ينافي كونه غير مملوك له مستحقا عليه بالعقد الأول.

وثالثا ـ أنه لا ربط لحرمة أخذ الأجرة على الواجبات بالمقام ، لأنا لو لم نقل بذلك فالإشكال أيضا وارد ، لما عرفت من أن المانع ليس هو وجوب تميز الحق الثاني بل كونه غير مملوك له مستحقا للغير ، وانما قيدنا محل الإشكال في العقد الثاني بما إذا كان الشركاء اثنين لأنهم لو كانوا ثلثاه كان العقد الثاني صحيحا ، لان العقد الأول قد ورد على تميز حق أحد الشركاء ، فيبقى تميز حق الشريكين مملوكا له وغير مستحق عليه. نعم يتطرق الإشكال حينئذ في العقد الثالث كما يظهر بالتأمل.

هذا ، وقد أجيب عن الاشكال بوجوه :

٥٦

( أحدها ) النقص بما لو استؤجر شخص في البيع عن أحد والشراء عن آخر ، فإن الأجير في البيع يجب عليه تحصيل الشراء مقدمة ، فيكون العقد على الشراء عقدا على غير مملوك مستحق عليه. ذكره الفخر في محكي الإيضاح.

وفيه : ان البيع والشراء فعلان مستقلان ، والواجب على الأجير في البيع إنشاء إيجاب النقل عند وجود المشتري ولا يجب عليه الشراء حتى يكون مستحقا عليه.

ولو قيل : ان المراد بالبيع ليس هو مجرد إنشاء الإيجاب بل هو إيجاد النقل الخارجي ، والنقل الخارجي يتوقف على الشراء فيجب عليه تحصيل الشراء مقدمة. وبعبارة أخرى : يجب على الأجير في البيع إنشاء الإيجاب المقرون بالقبول ، فتحصيل القبول واجب عليه من باب كونه مقدمة لحصول صفة المقارنة.

قيل : ان وجوب إنشاء النقل المقرون بالقبول لا يجعل القبول مستحقا عليه ، لان المراد بالقبول القبول الاختيار الذي هو مملوك للقابل ، فالمستحق عليه هو تحصيل المقارنة لا نفس المقرون الذي هو القبول. وبعبارة أخرى : القبول فعل مملوك للقابل ووجوب تحصيل مقارنته لا يخرجه عن كونه مملوكا للقابل ، فاذا يجوز له العقد على نفس القبول كالعقد على نفس الإيجاب ـ فافهم انه دقيق.

( والثاني ) ما نقله في المسالك أيضا ، وهو أن السؤال مبني على أنه يجوز استقلال بعض الشركاء باستئجار القسام لإفراز نصيبه ، ولا سبيل إليه ، لأن إفراز نصيبه لا يمكن الا بالتصرف في نصيب الآخرين مترددا أو تقديرا ، ولا سبيل إليه إلا برضاهم. نعم يجوز أن ينفرد واحد منهم برضى الباقين فيكون أصيلا ووكيلا ولا حاجة الى عقد الباقين ـ انتهى.

ويرد عليه : ان المانع من ترتيب العقود ليس هو استلزام صحة العقد الأول

٥٧

التصرف في نصيب الآخرين ، لإمكان فرض جواز التصرف أو عدم الحاجة إليه ، بل المانع هو وقوع العقد الثاني على عين ما وقع عليه الأول ، وهو غير مرتفع برضاء الشركاء ، إذ على تقدير رضاهم بالعقد الأول فاما يعقدون على القسمة ثانيا أو يكتفون بالأول ، والثاني خلاف الفرض والأول غير جائز لعدم محل قبل العقد الثاني.

وقد أجيب أيضا بوجه آخر غير ناهض في رفع الاشكال. والتحقيق أنه لو فرض للعقد الثاني محل مغاير لمورد العقد الأول صح العقد الثاني والا فلا. والله العالم.

التقاط

[ الإجبار في تقسيم المثليات ]

إذا كان المقسوم مما يتساوى أجزاؤه جنسا ووصفا وقيمة كالحبوب والادهان ونحو هما من المثليات دخل على قسمتها الإجبار.

قال في الشرائع : ويقسم هذا القسم كيلا ووزنا متساويا ومتفاضلا ربويا كان أو غيره ، لان القسمة تميز حق لا بيع.

وأخذه في المسالك بما حاصله : ان التفاضل ان كان باعتبار اختلاف السهام كثرة وقلة كالثلث والثلاثين فهذا ليس تفاضلا في القسمة ، لأن الأصل في القسمة أن يكون بنسبة الاستحقاق ، وان كان باعتبار ترجيح أحدهما على الأخر بتوفير جانبه زيادة على حقه فليس ذلك داخلا في القسمة بل هو هبة محض الزائد ، فلو ترك قوله متساويا ومتفاضلا كان أولى.

وفي بعض حواشي المسالك : فرض التفاضل بأخذ أحدهما الأقل لجودته والأخر الأكثر لرداءته. وهذا جيد لكنه لا يجوز في مسألة الإجبار على القسمة ،

٥٨

لأن شرط الإجبار تساوي الاجزاء جنسا ووصفا وقيمة ، مع أنه صرح في هذا القسم بالإجبار على القسمة. وتأويل كلامه أنه أراد الإجبار في بعض الصور ، بناء على ان مراده بالتساوي الاجزاء المثليات مطلقا سواء تساوى أجزاؤه في القيمة أم لا. تعسف في تعسف.

ويمكن أن يوجه بأنه أراد بالتفاضل الإشارة إلى جواز حصول الشركة في العين الممتزجة من الجيد والردي‌ء المتساويين في المقدار ، لأنه قول في المسألة كما نقل صاحب المسالك في باب المفلس عن الشيخ أنه نقل هذا القول عن بعض ، فإنه على هذا القول تكون القسمة بالتفاضل مع دخول الإجبار عليه ، وهو بعيد.

وكيف كان فالأصل في القسمة اعتبار التراضي ، فالإجبار مخالف للأصل مطلقا ، لأن حقيقة القسمة وان كانت افرازا الا أنها إفراز جعلي يستتبع انتقال مال كل منهما إلى الأخر بالحس والعيان ، فلا بد فيها من التراضي ، لأصالة بقاء ملك كل على ماله.

ويدل عليه أيضا قوله « لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه » (١) بناء على أن الحل كناية عن خروجه عن ملكه ، بل ولو أبقي على ظاهره من جواز التصرف ، لأنه إذا لم يجز التصرف في ملك الغير الا بطيب نفسه فلا ينتقل ملكه الى غيره الا بالطيب بالفحوى والأولوية الجلية ، فلا بد في دخول الإجبار على القسمة من قيام دليل.

فقد يستدل على ذلك بقاعدة السلطنة ، بناء على أن إفراز المال من وجوهها ، ولعله يشير الى ذلك قول المحقق : ويجبر الممتنع على مطالبة الشريك بالقسمة

__________________

(١) الوسائل ج ٣ ب ٣ من أبواب مكان المصلى بلفظ « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ما له الا بطيبة نفس منه ».

٥٩

لأن الإنسان له ولاية على الانتفاع بماله والانفراز أكمل نفعا ، وهو محصل ما ذكره الشيخ في محكي المبسوط.

ويمكن المناقشة فيه بأن السلطنة على الافراز ترجع إلى السلطنة على تقليب مال وهو المشاع الى مال آخر وهو المعين. وهذا ليس من وجوه الانتفاع بالمال وطرق السلطنة عليه ، إذ لا يفهم بين قولنا « زيد مسلط على داره » و « ليس له جعل داره حماما » مثلا منافاة.

والسر في ذلك أن مقتضى عموم القضية وكليتها ليس سوى سريان الحكم الى جميع أفراد موضوعه مع بقاء الموضوع على حاله ، وليس له دلالة على كيفية حال الموضوع وأنه مما يمكن تقلبه الى موضوع آخر.

ويمكن أن يقال : ان إفراز مال المشاع وتعينه ـ وان كان تبديلا للمال بمال آخر في دقيق النظر بمعنى افنائه رأسا واحداث مال جديد لا إخراجه من الملك فافهم ـ الا أن التعيين والإشاعة في العرف معدودان من الأحوال الطارئة على مال واحد ، فالإفراز بعد عرفا من وجوه التصرف في المال المشاع.

[ ضعف الاستدلال بقاعدة لا ضرر على دخول الإجبار ]

هذا ، ومما ذكرنا ظهر ضعف الاستدلال بقاعدة لا ضرر على دخول الإجبار في القسمة أيضا بل ، الاستدلال به أضعف ، لأن الضرر إذا كان من لوازم وجود المال فلا وجه لرفعه بتبديله الى مال آخر. ويجري فيه التوجيه المزبور أيضا ، لأن التقسيم إذا عد من وجوه التصرف في المال كان في منعه وعدم الإجابة اليه مع عدم الضرر ضررا على الملتمس.

فان قلت : في القسمة يحصل انتقال كل مال من الشريكين إلى الأخر ولو كانت افرازا ، لان كونها كذلك جعلي لا واقعية له على ما هو المختار المنصور

٦٠