كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

هذا كله إذا حلف المدعون أجمع ، فإن امتنعوا عن الحلف أجمع حكم بالدار ميراثا ولهم إحلاف باقي الورثة المنكرين ان ادعوا عليهم العلم بالوقفية ونصيبهم وقف بمقتضى إقرارهم على أنفسهم ، فإن ماتوا صرف حقهم إلى أولادهم على سبيل الوقف دون الإرث ، لأن إقرار مورثهم نافذ عليهم.

هذا إذا كان الوارث والبطن الثاني متحدين ، فان اختلفا صرف الى البطن الثاني وقفا ولا يعطى الوارث لإقرار مورثهم ، وهل يحتاج البطن الثاني إلى اليمين في أخذهم له وقفا؟ في المسالك وجهان مبنيان على تلقي الوقف كما تقدم.

ويشكل ذلك بأن البطن الثاني لا معارض له لأنهم الوارث ، ولو فرض كون الوارث غيرهم فهم ممنوعون عن الإرث بإقرار مورثهم ، فلا مدعي للبطن الثاني حتى يحلفوا له.

ويمكن أن يقال : ان الحاكم يحلفهم باعتبار رجوع أمر الوقف اليه بعد فرض حرمان الوارث فلا يعطيه مدعي الوقفية بلا يمين ، وهل للأولاد أن يحلفوا على أن جميع الدار وقف كما كان ذلك للبطن الأول؟ في المسالك فيه وجهان : من كون الأولاد تبعا لا بأيهم فإذا لم يحلفوا لم يحلفوا ، ومن أنهم يتلقون الوقف من الواقف فلا تبعية.

وفيه : ان المقتضي للحلف موجود والمانع مفقود ، لان البطن الثاني سواء كان متلقى من البطن الأول أو من الواقف يدعون وقف الدار عليهم ، وهي دعوى ممنوعة فلهم الحلف مع شاهدهم ، وتلقيهم من الأول ليس يرجع الى نحو الإرث كما عرفت ، فلا ربط له بالمقام.

وهل يكفيهم اقامة البطن الأول الشاهد ، إذ لا بد لهم من تجديد اقامته؟

٢١

والثمرة تظهر عند خروج الشاهد عن شرائط القبول في عصر البطن الثاني. وسيجي‌ء إنشاء الله تعالى في باب الشهادات تحقيق هذا المقام.

ولا يبعد القول بالكفاية ، لان الخصوم بمنزلة الخصم الواحد لاتحاد دعواهم فلا يقاس بغيرهم في عدم الكفاية ، لأن المناط في اتباع الشاهد استجماعه لشرائط القبول عند المتبع لا عند غيره.

ولو حلف بعضهم ونكل بعض ـ بأن كانوا ثلاثة فحلف واحد ونكل اثنان ـ أخذ الحالف الثلث والباقي تركة يقضى منه الديون والوصايا وما فضل يقسم بين من عدا الحالف من الورثة كما عن المبسوط. وقيل يقسم على الكل حتى الحالف ، ولا وجه له وجيه.

نعم لو كان نصيب الحالف إرثا أكثر من نصيبه وقفا كان الزائد في حكم مجهول المالك ، لان الحالف ممنوع منه بإقراره اوقفية الموجبة لنقصان حظه وكذا الوراث لإنكارهم الوقف ، فالزائد بزعمهم مال الحالف ويجري عليه حكم مجهول المالك ، وهي الصدقة بناء على جريانه في كل مال امتنع إيصاله إلى مالكه ولو كان معلوما تفصيلا أو إجمالا ، نظرا الى عموم مناط دليله وهو كون الصدقة أقرب طرق الإيصال المأمور به حينئذ. ويحتمل فيه القرعة بناء على معارضة من خرجت باسمه بإقرار الأخر فيدس حينئذ في مال من خرجت باسمه. ويحتمل الصلح بين الحالف وبين من عداه.

وهذه الوجوه الثلاثة تحتمل في كل مال مردد بين اثنين ينفيه كل منهما عن نفسه ، والأول أوجه ثمَّ الثاني. والله العالم.

٢٢

القول في كتاب قاض الى قاض

التقاط

[ عدم الاعتداد بكتاب القاضي في القضاء ]

المعروف بين أصحابنا « ره » عدم الاعتداد بكتاب القاضي ، وقد روى طلحة والسكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام أن عليا « ع » كان لا يجيز كتاب قاض الى قاض لا في حد ولا في غيره الى أن ولت بنو أمية فأجازوا بالبينات (١).

وسند رواية السكوني إلى السكوني على ما أخبر به شيخنا دام ظله صحيحة ، والسكوني عامي الا أن رواياته معمول بها عند الأصحاب ، فلا شين فيها من حيث السند.

وأما دلالتها ففيها بعض الكلام ، لأنها كالصريحة في أن عليا عليه‌السلام كان لا يجيز كتاب القاضي مطلقا حتى مع البينة ، بقرينة مقابلة فعل بني أمية لفعله « ع » ، مع أن الكتابة الثابتة بالبينة كالقول الثابت به في بعض الفروع.

وتوضيح الحال أن يقال : ان إنهاء الاحكام وابلاغها الى الحكام قد يكون

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٢٨ من أبواب كيفية الحكم ح ١.

٢٣

مع الواسطة وقد يكون بدونها ، والوسائط بعد خروج الوسائط المفيدة للعلم منحصرة في البينة وإقرار المدعى عليه ، والإنهاء بدون الواسطة منحصر في القول والفعل كالكتابة والإشارة ونحو هما ، فهنا مسائل أربع :

[ لو كانت الواسطة بين القاضيين الكتابة ]

( الاولى ) أن تكون الواسطة هي الكتابة ، وقد عرفت أنها غير معتبرة عند الأكثر سوى المحقق الأردبيلي إذا علم بصدور الكتابة عن قصد. نعم نقل عن ابى علي إجازتها في حقوق الناس مطلقا.

وتحقيق المقام هو ان الكتابة فيها أمور عديدة يمكن استناد عدم الاعتبار إليها :

« منها » ـ احتمال كونها مزورة على القاضي كما ذكره المحقق.

« ومنها » ـ احتمال صدورها لا عن قصد معناها كما في المسالك ، اما بعدم قصد أصل الكتابة وصدورها بمثل السهو ونحوه أو بعدم قصد افادة شي‌ء بل لغرض آخر مثل اختبار القلم أو المشق أو نحوهما.

« ومنها » ـ احتمال كونها إنشاء لا اخبارا ، كما هو المتعارف في مثل هذا الزمان من إنشاء الاحكام بالارقام لا بالألفاظ.

« ومنها » ـ عدم الدليل على اعتبار الكشف الكتبي بعد الفراغ عن الأمور السابقة والعلم بصدورها قصدا لحكاية مضمونها من صدور الحكم سابقا ، كما ذكره بعض مشايخنا « قده ».

وهذه الاحتمالات كلها صالحة لمنع الاعتداد بالكتابة :

( أما الاحتمال الأول ) فلا سبيل الى دفعه إلا بقرائن الأحوال المفيدة للقطع.

( وأما الاحتمال الثاني ) فيمكن دفعه بالأصل كما يدفع ذلك في القول ، لأن أصالة عدم السهو والخطأ والنسيان والعبث وأشباهها لا يفرق في اعتبارها

٢٤

عند العقلاء بين القول والكتب الا احتمال قصد غرض آخر غير الإفادة ، فإنه أمر غير بعيد في الكتابة لم يعلم بناء العقلاء على الجري بمقتضى عدمه عند الشك ، فان غرض المشق في الكتابة مثلا أو غرض اختبار القلم أو نحو هما من الأغراض ليس بمثابة سائر الأغراض الحاصلة في الأحوال غير الإفادة في الندرة ، فلا بعد في منع ذلك عن اعتبارها.

( وأما الاحتمال الثالث ) فكذلك لا أصل فيه يرجع إليه ، لأن الصورة صالحة للأخبار وللإنشاء ، كالقول فإنه أيضا إذا تردد بين الاخبار والإنشاء يتوقف فيه ، الا أن الأقوال قد يكون الأصل فيها يقتضي الاخبار ، مثل صيغة الماضي مثل « حكمت » و « بعت » و « اشتريت » ، فإنه لو شك في مثل ذلك بل أريد به الاخبار أو الإنشاء فمقتضى أصالة الحقيقة الثاني.

وكذا الكلام في الجملة الاسمية مثل « أنت طالق » و « أنت حر » و « أنا ضامن » فإنها عند الشك أيضا محمولة على الاخبار ، اما لأصالة الحقيقة بناء على ثبوت الوضع للمركبات أو للأصول الاعرابية كما قيل ، فيكون وضع الجملة الاسمية في اللغة للأخبار وتحمل عليه عند الشك أو لأصل آخر يرجع في أمثال المقام اليه. وليس الحال في الكتابة كذلك ، فإن صورة « حكمت » كما تصلح للأخبار كذلك للإنشاء ولا أصل هنا يرجع اليه. الا أن يقال بأن الكتابة تجري مجرى اللفظ عند العرف في جميع الاحكام ، وهو أمر غير ثابت.

نعم قد يقال : بأن الكتابة تكفي في إنشاء الحكم ، وليس الحكم مثل بعض الأمور المعتبر فيه اللفظ كالبيع والنكاح ونحو هما ، بل مثل الأمور التي لا يتفاوت في الكشف عنها بين القول والفعل كما ذكره في محكي مجمع البرهان كالوكالة والفتوى والرواية فإنها تتحقق بالكتابة كما تتحقق بالقول. لكن طريقة معظم الأصحاب من القدماء والمتأخرين على عدم المساواة بينهما وعدم الحكم بقيام

٢٥

الكتابة مقام اللفظ في مقام التعذر كخرس ونحوه ، أو في مقامات خاصة علم أن أحكامها الوضعية والتكليفية تابعة لمعانيها لا لألفاظها كالوكالة فان آثارها انما علم بثبوتها للإذن الذي يكشف عنه عبارة التوكيل عنها فيكتفي فيها بالكتابة ، ومثل الفتوى فان المطاع رأي المجتهد حتى لو علم به من غير كاشف عمل به.

ومثل تعديلات الرجال ، فان مدارها على ما يستكشف منها من الإذعان القلبي بعد التهم لا على الاخبار بذلك الإذعان ، كما هو الشأن في التعديل في الموضوعات خصوصا في مقام المرافعة فإن العبرة بالأخبار بالإذعان بالعدالة في شهود مثل الهلال أو دين أو حق على الغير أو نحوها.

والحاصل ان بناء الأصحاب على الاقتصار على الأقوال إلا في مقام التعذر أو في مقام علم من الخارج أن العبرة فيه بالمكشوف عنه لا بالكاشف ، وحينئذ فلا بد من النظر والتأمل في الحكم وأنه مثل الفتوى ، فلا عبرة فيها بخصوصية الكشف القولي أو مثل الشهادة في الاقتصار على الاخبار القولي أو مثل سائر الإنشاءات المعتبر فيها اللفظ خاصة ، ومقتضى الأصل الأولي معلوم والدليل الوافي غير معلوم.

( وأما الاحتمال الرابع ) فهو أيضا معتد به ، لعدم الدليل على اعتبار ظواهر الكتابة. لكنه ضعيف ، لأنا إذا أحرزنا صدور الكتابة عن قصد الاخبار بالحكم السابق وعلمنا به فلا يبقى في المقام جهة ظنية الأمن جهة احتمال سقط أو تجوز مع ترك القرينة ونحوها من الأمور التي لا يعتني بها عند العقلاء.

نعم ، هنا كلام آخر ، وهو أن الكتابة بعد الفراغ عن الأمور المزبورة تكون كالقول في الكشف عن الاخبار بالحكم ، فلا بد من التأمل في أن دليل قبول قول الحاكم على القول به هل يجري في الكتابة أم لا فمن الجائز اختصاصه به ، كما إذا استدللنا على قبول القول بقاعدة من ائتمن على عمل قبل قوله فيه مطلقا

٢٦

أو مع العدالة ، فإن هذه القاعدة يمكن منع جريانها في الفعل ، فلو أخبر النائب في الحج به قولان قبل قوله بناء على القاعدة ، وأما لو أخبر به كتبا أو إشارة فلاحتمال عدم القبول مجال واسع وأولى بالمنع ما لو لم يخبر أصلا وعلمنا أنه لو سئل عنه لا خبر به.

والحاصل ان الكتابة بعد الفراغ عن عدة أمور تصير كالقول الذي نتكلم فيه إنشاء الله تعالى ، فانتظر وتأمل في جريان دليل قبوله فيها.

[ أخبار القاضي للقاضي الأخر بحكمه ]

( الثانية ) أن تكون الواسطة قول القاضي واخباره بالحكم الذي حكم به ، اما للشاهد يشهد به عند القاضي الثاني كما هو المفروض في الشرائع أو للقاضي الثاني ، بأن يقول له شفاها « اني قد حكمت بينهما في وقت كذا » قاصدا للأخبار.

ويمكن الاستدلال على وجوب تصديقه بأمور :

« الأول » ـ كونها خبر عدل فيصدق ، بناء على أن الأصل في الخبر العدل القبول حتى في الموضوعات.

« الثاني » ـ قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به ، لان بعض مجاريه الظاهر لا اشكال ولا خلاف فيه. والمقام منه ، لان ظاهرهم إمضاء من كان إنشاؤه ماضيا يصرح به الفخر في محكي الإيضاح ، وعبارة الشرائع أيضا ظاهرة في هذا المعنى ، وفي المسالك ان الملازمة بين الأمرين ظاهرة.

وقد ذكرنا بعض الفروع المصرح بجريان القاعدة المزبورة فيها في باب اللقطة ، مثل قبول قول العبد المأذون في التجارة قبل الانعزال ، وقد نقل عن الشيخ في باب الجهاد وجوب تصديق من يخبر من العسكر بتأمين بعض الكفار قبل استقرار حكم الأسر.

٢٧

نعم لو بني في المسألة على ذلك وجب تقييد الحكم بما قبل زمان انعزال القاضي ، لأن هذه القاعدة على تقدير جريانها مختصة بزمان كون ذلك الشي‌ء المقربة مملوكا للمقر ، حتى أنهم صرحوا بأن إقرار المريض بما زاد عن الثلث غير نافذ ولو تعلق بفعله في زمان الصحة ، فارجع الى ما ذكرنا في باب اللقطة تجد شواهد واضحة على ذلك. وحينئذ فلو كان اخبار الحاكم في زمان رجوع الشهود عن الشهادة أو خروجهم عن العدالة لم يقبل أيضا ، لأنه في هذه الحال ليس للحاكم الأول إنشاء الحكم حتى يقبل اخباره.

« الثالث » ـ أدلة القضاء ، فإنها كما تدل على نفوذ إلزامات القاضي كذلك تدل على قبول إخباراته بالقضاء ، لان تصديق خبره في ثاني الزمان فصل ظاهري بين المتخاصمين وان كان اخبارا لا إنشاء.

فان قلت : انه فصل بلا ميزان.

قلنا : الميزان السابق يكفي في هذا الفصل أيضا.

ولا يذهب عليك أنا لا نقول ان الاخبار بالإلزام إلزام وفصل حقيقة ، بل نقول انه إخبار لو صدقناه ترتب عليه استمرار الفصل السابق فيجب أن يقبل ، للملازمة العرفية بين نفوذ الإلزام ونفوذ الاخبار بالإلزام ، فيستدل من دليل الأول على الثاني من باب لوازم الخطاب. ويمكن أن تكون عبارة الشرائع ناظرة الى ذلك.

وهذا نظير ما قالوا في باب الطلاق من أن إنكار الرجوع طلاق لأن إخباره يكشف عن رضائه بالزوجية ، فإذا كان في زمان جاز له الرجوع أثر أثره ، لأنه ان كان في الواقع صادقا في الاخبار بعدم الطلاق فهو وان كان كاذبا فهو راض بالزوجية ولو بقاءا ، فيكون في حكم الرجوع الذي هو عبارة عن الرضا بحدوث

٢٨

الزوجية لعدم الفرق بين الرضائين الرضا بإبقاء المدلول عليه بالأخبار الكاذب والرضا بالحدوث المكشوف عنه بالرجوع.

وفيما نحن فيه أيضا نقول : ان اخبار الحاكم بالفصل ان كان صادقا فهو والا فقد انقدح في ضميره عدم خصومة بين المتخاصمين ولو بقاءا ، فكما أنه إذا رأى عدم الخصومة حدوثا نفذ رأيه كذلك إذا رأى عدمها بقاءا ، فيكون اخباره بعدم الفصل بمنزلة إلزامه به من حيث الكشف عن تعلق رأيه بعدم الخصومة.

وللتأمل في جميع الأدلة المشار إليها مجال. والله العالم.

[ لو كانت الواسطة بين القاضيين البينة ]

( الثالثة ) أن تكون الواسطة البينة. والظاهر عدم الاشكال والخلاف المعتد به في اعتبارها في المقام ، إذ لا مانع منها مع عموم حجيتها ، فثبت بها حكم القاضي الأول عند القاضي الثاني ، فيلزم الناس بمتابعته إلزاما ناشئا من أطراف الحكومة لأمن أطراف الأمر بالمعروف والسياسات.

[ إقرار المحكوم بحكم قاض عند قاض آخر ]

( الرابعة ) أن تكون الواسطة الإقرار. واعتباره أظهر ، حتى أن اعتبار البينة في محكي الشرائع ثبت بالمقايسة إلى اعتباره. قال ما مؤداه : انه لو أقر المحكوم عليه بالحكم عند الحاكم الثاني لألزم فكذلك لو ثبت بالبينة ، لأنه كلما ينفذ الإقرار به يثبت بالبينة.

لكن في المقام إشكالين : أحدهما إخراج حقوق الله تعالى ، والثاني الحكم بعدم نفوذ حكم القاضي الأول بعد فسقه ونفوذه بعد موته وجنونه ونحوه.

٢٩

( وجه الإشكال الأول ) ان عموم حجية البينة تأبى عن التخصيص بحقوق الناس ، وكون حق الله مبنيا على التخفيف لا يصلح له والا لما ثبت بها عند الحاكم الأول أيضا.

ولو منع عن عموم حجية البينة فلا فرق أيضا في مسألة التنفيذ بين حقوق الناس وحقوق الله تعالى. وما ذكر في الفرق من أن القضاء قول بغير علم فيقتصر على موضع الحاجة والقدر المتيقن وهو حقوق الناس دون حقوق الله التي بنيت على التخفيف ، يدفعه أن التنفيذ مع البينة ليس بغير علم.

أقول : لو قيل ان إنفاذ الحكم الثابت بل المعلوم أمر غير مستفاد من أدلة القضاء بل يحتاج إلى أدلة أخرى ، كما يفصح عنه تمسك مثل المحقق في ذلك بأمور أخر غيرها مثل مساس الحاجة ونحوها من الوجوه الثلاثة أو الأربعة.

فبان الفرق بين المقامين ، لان الفرق حينئذ ليس قدحا في عموم حجية البينة بل قدحا في وفاء عموم ذلك الدليل بالتنفيذ في حقوق الله.

( ووجه الإشكال الثاني ) ان حكم الحاكم ان كان مثل الفتوى فلا بد من مراعاة جميع الشروط في زمان العمل حدوثا وبقاءا ، ولذا قلنا في مسألة البقاء على تقليد الميت ان من يقول به لا بد أن يقول بجوازه بعد عروض الفسق والجنون أيضا ، مع انه باطل إجماعا ، كما أن الملازمة من أوضح الواضحات المنبهة عليها في محلها ، فلا وجه لنفوذ الحكم بعد الجنون والموت أيضا وان كان من باب الرواية والخبر. فالشروط شروط في حال الرواية لا في حال التحمل لا في حال العمل ، فينبغي نفوذ حكمه بعد الفسق أيضا كما يعمل بالرواية بعد فسق الراوي. والله العالم.

٣٠

القول في القسمة

التقاط

[ حقيقة الإشاعة وتقسيم المال المشاع ]

القسمة تمييز أحد النصيبين من المال المشاع عن النصيب الأخر ، والكلام هنا في مقامين : أحدهما في حقيقة الإشاعة الخارجية ، والثاني في توضيح حقيقة القسمة.

( أما الأول ) فالإشاعة عبارة عن سريان ملك كل من الشريكين الى كل جزء يفرض من العين المشتركة ، بمعنى كونه ملكا لهما في الواقع ونفس الأمر بالمناصفة مثلا. ولو انتهى الجزء الى جزء غير قابل للقسمة ففيه كلام يعرف ، فنصفه بحسب المالية لهذا ونصفه الأخر لذاك.

ولنوضح الحال بتنظير الجزء المشاع كالنصف بالجزئي المشاع أعني الفرد ، فكما ان الفرد المطلق المشاع سار الى جميع المصاديق الطبيعية في الخارج وينطبق على كل واحد من مصاديقها في الواقع ونفس الأمر كذلك الجزء المشاع كالنصف سار الى جميع المال المشترك ، فكل جزء يفرض يكون نصفه المشاع لأحد ونصفه الأخر للآخر.

٣١

ثمَّ إذا فرضنا جزءا وقلنا ان نصفه المشاع لأحد لم يمنع ذلك بأن نقول أن ذلك الجزء على فرض تقسيمه نصفين يكون كل نصف منه بين الشريكين أيضا بطريق التنصيف ، لان ذلك هو قضية الإشاعة بحسب الأجزاء الخارجية ، بمعنى اشتمال كل جزء على حقهما واقعا ونفس الأمر.

وهاهنا تحقيق آخر لبعض مشايخنا في معنى الإشاعة ، ومرجعه الى أن إشاعة الحق عبارة عن تعلق الحق بجزء كلي صالح للصدق على جميع ما يمكن أن يكون مصداقا لذلك الجزء. كالنصف المشاع الكلي فإنه يصدق على جميع الانصاف المفروضة حتى أنصاف الاجزاء.

والفرق المميز بين الوجهين غير واضح ، لكن تعلق الحق بالكلي بعد ما كان المملوك هي العين الخارجية تعسف بل يحتاج الى الدليل مع أنه لا يكاد يتم ، لان كلا من مصاديق النصف في الخارج جزئي حقيقي ، ومقتضى انطباقه على نصف زيد مثلا أن يكون ملكا طلقا له ، لأنه مصداق للكلي الذي هو كذلك ، ومقتضى كونه مصداقا لنصف عمرو أن يكون ملكا له خاصة ، فلا بد من القول بأنه مردد بينهما أو القول بأنه بينهما نصفين ، والأول خارج عن حقيقة الإشاعة والثاني هو المراد ، وذلك مقدمة لتصحيح ما ذكره لا تأسيس كما لا يخفى.

[ معنى الشركة في العين ]

توضيح المقام : ان الشركة في العين تتصور على وجوه ثلاثة :

« أحدها » ـ أن يكون كل منهما مالكا لاجزاء معينة في الواقع مبهمة في الظاهر.

« والثاني » ـ أن يكون كل منهما مالكا للجزء الكلي المنتشر كالنكرة مثل النصف المشاع القابل للصدق على كل أنصاف من غير تعيين في الواقع كالنكرة.

٣٢

« والثالث » ـ أن يكون ملك كل منهما ساريا الى كل جزء بحيث لو فرض كل جزء كان بينهما ، فلا جزء في الواقع يكون منطبقا على ملك خصوص أحدهما ، بل كل جزء يفرض ففيه جزء من هذا أو جزء من ذلك.

والأول خارج عن حقيقة الإشاعة جدا ، لأن الشركة حينئذ مرجعها الى اشتباه المالين الغير المتمايزين ، كاشتباه أحد مصرعي الباب بالآخر واشتباه فرس بفرس. وكذا الثاني ، لعدم إمكان اختصاص مصاديق النصف بأحدهما الأعلى سبيل الترديد الذي عرفت فساده ، فتعين الثالث.

[ بحث حول الجزء الذي لا يتجزى ]

ثمَّ ان الجزء الذي لا يتجزى أو لا يقبل القسمة الخارجية ليس بمملوك لأحد ، وأما الجزء الذي ينقسم الى جزئين غير منقسمين فلا بد من كونه ملكا لأحد هما ومختصا به ، إذ العرض أن جزءه الفرضي الذي لا يتجزى أولا ينقسم غير قابل للملكية ، لأن الملك انما يعرض الأجسام وجزء الجسم الذي لا يتجزى على القول به حقيقة أو عرفا ليس بجسم ، فلا يكون ظرفا لإضافة الملك ، فلا بد أن يكون ذلك الجزء المركب من الجزئين الغير المتجزئين أو غير المنقسمين مختصا بمالك واحد أو باثنين على نحو كونهما مالكا واحدا لمملوك واحد.

وأما المركب من هذه الأجزاء الفرضية ـ أي الاجزاء المركبة من الجزئين الغير المتجزئين وهي العين المشتركة ـ فلما كان قسمتها الخارجية منتهية الى أجزاء غير قابلة للإشاعة بالمعنى المزبور ، بأن يكون جزء منه ملكا لأحدهما وجزء منه للآخر كما عرفت تطرق الإشكال في كون العين مشاعة بينهما أيضا ، لأن قضية تركبها من الاجزاء الفرضية الغير القابلة للإشاعة عدم تصور الإشاعة فيها وكونها بمنزلة ملك واحد مختصا بمالك واحد أو بمالكين على وجه

٣٣

كونهما بمنزلة مالك واحد ، على أن يكون الملك الواحد الذي هو عبارة عن الاختصاص نصفه لهذا ونصفه لذلك لا أن يكون اختصاص نصف العين لهذا واختصاص نصفها الأخر لذلك ، كما هو كذلك على تقدير الإشاعة.

والحاصل ان مقتضى الإشاعة أن يكون كل منهما مالكا لنصف العين الخارجي فيكون لكل منهما اختصاصا مطلقا وملكا مستقلا بنصف العين ، فكل منهما مالك مستقل وكل من النصفين المشاعين مملوك مستقل.

ومقتضى انتهاء القسمة الى أجزاء غير قابلة للإشاعة غير صالح لعروض الملكية لها نظرا الى كون الملكية من صفات الأجسام وجزء الجسم ليس بجسم كونهما معا بمنزلة مالك واحد وكون العين أيضا بمنزلة المملوك الواحد ، فيكون لكل منهما نصف الاختصاص بالعين ، كما أنه على الأول يكون لكل منهما الاختصاص بنصف العين.

ومقتضى دقيق النظر الثاني ، لأن الجسم وان لم يشتمل على الاجزاء الفعلية الغير المتجزية أو المنقسمة الا أن قسمتها الخارجية تنتهي الى ذلك.

ويندفع ذلك الإشكال بأن أبعاض الجسم الحاصل بالتجزية الخارجية يتصور على أقسام ثلاثة :

( أحدها ) أن يكون ذلك الجزء بحيث لو قسم نصفين أو أثلاثا مثلا كان كل نصف منه أو كل ثلث منه قابلا لعروض الملكية له ، بأن يكون لكل نصف مملوكا لأحد مستقلا بحيث يكون قابلا للشركة ، بل لا بد من اختصاصها بشخص واحد ، فلو قسم نصفين خرج كل نصف منه عن الملكية.

( والثاني ) أن يكون بحيث لو قسم خرج كل قسمة منه عن صلاحية عروض الملكية ، كالجزء المركب من الجزئين الغير المتجزئين على القول بإمكان الجزء

٣٤

الذي لا يتجزء ، ولازمه أن يكون ذلك الجزء مختصا ومملوكا لأحد فلا يصلح أن يكون مملوكا لاثنين على أن يكون كل منهما مالكا لجزئه ، إذ الفرض عدم قابلية جزئه للملكية ، فلو تعلق باثنين فلا بد من فرضهما كالمالك الواحد.

( والثالث ) أن لا يكون قابلا للتجزية كالجزء الذي لا يتجزى وأن لا يكون مختصا ومملوكا ، لأن الملكية من عوارض الأجسام وجزء الجسم الذي لا يتجزى ليس بجسم بل جزء منه.

وحينئذ نقول : ان القسمة قبل انتهائها إلى القسم الأول لا إشكال في تصور الإشاعة في العين ، لإمكان أن يكون كل جزء منه بين الشريكين على سبيل الإشاعة ، وبعد الانتهاء إليه فالإشاعة فيه عبارة عن كون أحد الجزئين منه على سبيل البدلية لأحد والجزء الأخر كذلك للآخر ، إذ الفرض عدم صلاحية أجزاء هذا الجزء الا أن يكون لأحدهما خاصة ، فالإشاعة هاهنا تغاير الإشاعة قبل الانتهاء فإنها قبل الانتهاء عبارة عن كون كل جزء منها مشتركا بينهما على سبيل الإشاعة وبعد الانتهاء عبارة عن اختصاص نصفه الكلي المخير بأحدهما ونصفه الأخر بالآخر.

وهذا ليس مرجعه الى القول الثاني ، أعني ملكية كل منهما لنصف العين الكلي الصادق على الانصاف المتوهمة في العين ، لان الالتزام به في تمام العين خروج عن حقيقة الإشاعة ، إذ الفرض أن نصف مجموع مصداقه قابل لان يكون بينهما بالإشاعة ، فلا وجه لاختصاصه بأحدهما وعلى سبيل البدل ، بخلاف ما نحن فيه ، فان الالتزام به في المقام ليس خارجا عن حد الإشاعة ، لأن الإشاعة الحقيقية إنما تتصور فيما إذا كان أجزاء العين المشتركة قابلة لان يكون بينهما ، فاذا انتهت القسمة إلى جزء لو قسمناه لم يصلح كل جزء منه الا للاختصاص

٣٥

بأحدهما ، فلا يتصور الشركة في مثل ذلك الجزء الا بأن يكون نصفه الكلي لأحد هما ونصفه الأخر للآخر.

فهذا هو الفارق بين المقامين ، فاذا انتهت القسمة إلى القسم الثاني فلا بد أن تكون الشركة حينئذ على نحو آخر ثالث ، وهو أن يكون هما معا بمنزلة مالك واحد ، إذ الفرض أن الجزء في هذه المرتبة ليس مركبا من جزئين قابلين للاختصاص حتى يكون أحدهما ملكا لأحد الشريكين والأخر للآخر ، فلا بد حينئذ من الاختصاص بأحدهما ليس إلا أو بهما على أن يكونا بمنزلة واحد. وحينئذ يكون الجزء مملوكا لهما على النحو المزبور ، إذ لا وجه للاختصاص بأحدهما دون الأخر الا أن يلتزم ذلك أو يتشخص بالقرعة ، كدوران المال الواحد بين الاثنين ، فان المقام من قبيل دوران المالك بينهما وإذا انتهت الى القسم الثالث خرج عن ملكية كل منهما. نعم يبقى اختصاص أعيان تلك الأعيان بهما اختصاصا غير راجع الى الملكية.

وعلى ما ذكرنا وحققنا في معنى الإشاعة يظهر وجه ما ذكروه فيما لو باع أحد الشريكين النصف المشاع من العين المشاع من أنه ينفذ في الربع ويكون في الربع الأخر فضوليا ، لان نصف العين المشاع قابل لان يكون بينهما نصفين فيكون لهما ، فلا ينفذ البيع إلا في الربع.

نعم لو باع نصف المشاع ـ بأن يقول « بعتك نصفي المشاع » ـ نفذ في تمام النصف ، لان العين إذا انقسمت إلى المرتبة الاولى من المراتب الثلاث المشار إليها وفرض أجزاءها التي لا تتصور الإشاعة في أنصافها الا على سبيل البدلية كما قلنا متلاشية ، فلا جرم يكون نصفها الكلي ـ أعني على سبيل البدلية ـ مختصا بأحدهما ، فإذا قال « بعتك نصفي المشاع » كان معناه أن نصف أجزاء

٣٦

العين المتلاشية التي لا تصلح أن تكون إلا لأحدهما ولو على سبيل البدلية بعته إياك ، فينفذ في تمام النصف. وبقية الكلام يظهر بالتأمل.

ثمَّ ان كلام القوم لا ينطبق على ما صورناه في معنى الإشاعة في بعض المقامات مثل ما قالوا فيما لو طلق امرأته قبل الدخول وكان نصف المهر تالفا ، فإن الأكثر ذهبوا الى أن المرأة تستحق نصف الباقي ، مع أن قضية معنى الإشاعة استحقاقها نصف الموجود ونصف التالف بالقسمة.

فلا بد من توجيه أمثال المقام ، مثل أن يقال ان استحقاق الزوج الطلاق استحقاق جديد متعلق بالنصف المضمون في المهر مثل الصاع في الصبرة ، ونحو ذلك من التوجيهات. لأن الذي بينا في معنى الشركة أمر وجداني عقلي بعد التأمل في حقيقة الإشاعة منطبق على جميع فروعاتها في أبواب الفقه ، فلا يقبل المناقشة بمجرد عدم مطابقة كلماتهم في بعض الفروع له لأنه قابل للتوجيه والله العالم.

[ القسمة هي تميز النصف المشاع وإفرازه ]

هذه حقيقة الإشاعة ، وأما حقيقة القسمة فهي عبارة عن تميز ذلك النصف المشاع مثلا عن النصف الأخر كذلك ، ومن الواضح أن حقيقة التميز في الإشاعة من المستحيلات التي لا تتعلق بها القدرة كتعلق حقيقة الملك بالعدم مثل المنافع لكن في العرف عمل يسمونه بالتميز وأمضاه الشارع كما في العرف معاملة يسمونه بتمليك المعدوم كالمنافع ، وذلك العمل عبارة عن أمر جعلي من قبل العرف لا يرجع الى بيع ولا الى صلح ولا إلى مبادلة مستقلة بل مباين للكل حقيقة وان كان مستلزما لانتقال مال أحد الشريكين إلى الأخر.

توضيحه : ان هذه الإنشاءات أمور متخالفة الحقيقة عند العرف وان

٣٧

تشاركت في بعض الأمر دائما أو أحيانا ، فحقيقة البيع مباينة لحقيقة الصلح وان أفاد كل منهما النقل والانتقال ، وكذا حقيقة الهبة مغايرة لهما ، كما اتضح ذلك كله في محله من أن إنشاء الطلب وإنشاء التمني والترجي والعرض ونحوها حقائق ممتازة بحسب الوجدان وان أفاد كل منها مطلوبية المطلوب والمتمني والمترجى.

وهكذا نقول في الفرق بين إنشاء المبادلة والمعاوضة وبين حقيقة القسمة ، فإن المبادلة حقيقتها أن تبدل مال نفسك بمال صاحبك بإخراجه عن ملك وإدخاله في ملك صاحبك عوضا عن ماله ، وحقيقة القسمة أن تفرز مال نفسك عن مال صاحبك المجتمعين في عين خارجية ، ولما لم يكن بين المالين تميز واقعي كما ظهر في توضيح معنى الإشاعة فلا جرم يكون الافتراز اقتراحا منك وجعلا من عندك نظير الحقيقة الادعائية ، فالتقسيم توسل من الشخص الى مال نفسه ولو اقتراحا ، والمبادلة توسل الى ملك مال الغير في مقابل مالك ملك ، ففي كل منهما يحصل انتقال شي‌ء من مالك الى صاحبك وبالعكس ، الا أن هذا الانتقال في الأول لم ينشأ من إنشاء النقل بل من الافراز الاقتراحي فيما لا تميز هنا في الواقع وفي الثاني نشأ من إنشاء النقل والمبادلة.

فظهر أن القسمة كما أنها لا ترجع الى العقود المعرفة من البيع والصلح والهبة كذلك لا ترجع إلى مبادلة مستقلة وتمليك مستبد ومعاوضة برأسها ، فلا يلحقها شي‌ء من أحكام المعاوضة. نعم منه الرد مشتملة على افراز ومبادلة ومعاوضة ، لأن الرد إذا لم يكن من العين المشاعة رجع إدخاله في ملك الشريك الى نحو معاوضة.

ثمَّ ان في جريان الربا فيه احتمال ذكرنا وجهه في باب الغصب في مسألة تخليط الغاصب المغصوب بمال نفسه بوجه مبسوط واف حاو لجميع ما في المقام من وجوه الاستدلال.

٣٨

ويحتمل العدم حتى على ذلك الوجه الذي مرجعه إلى مقالة المحقق من عدم اختصاص الربا بالبيع بل ثبوته في كل معاوضة صورية أو معنوية ، وذلك لان الإشاعة تمنع عن تعلق الملك بعين الجزء المشاع بل توجب تعلقها بالمجموع ، لان الملك عبارة عن الاختصاص والاختصاص يستدعي محلا ممتازا بحيث لا يكون متعلقا لحق الغير والا لم يكن محلا للاختصاص. والمفروض أن العين المشاعة باعتبار كون كل جزء منها مجمعا للحقين ومشتملا لعين مال الشريكين لا يمكن فيها فرض جزء فارغ حتى يتعلق به الاختصاص ، ففي صورة حصول الشركة بالمزج يلزم زوال ملكية كل من الشريكين عن رقبة ماله وقيامها بالمجموع.

[ الإشاعة تنحصر في الأسباب الشرعية للشركة ]

ومن مشايخنا قدس‌سره من زعم أن الإشاعة الواقعية لا تحصل بالمزج مطلقا وتنحصر في الأسباب الشرعية للشركة ، مثل الإرث والبيع ونحو هما بحسبان أن المالين في الواقع ممتازان في علم الله تعالى ، فيكونان كالمالين المتلاصقين.

ومما حققنا هنا يظهر أنه لا وجه له ، لان بعض صور المزج كمزج الماء بالماء لا إشكال في سببيته للشركة الواقعية ، لان أعيان مال كل منهما باعتبار الاستهلاك في الأخر خرج عن قابلية تعلق الملك بها ، لان الامتزاج يخرج عين مال كل منهما عن قابلية الملكية باعتبار استدعائها محلا فارغا ممتازا كما عرفت ، فالامتياز الواقعي بينهما لا ينفع بعد عدم صلاحيتهما لعروض الملكية ، فحال العين المركبة منهما حينئذ كحال العين الواصلة إليهما بالميراث الا من حيث تعلق ملك كل منهما بالرقبة.

نعم في بعض صور المزج ـ وهو الذي لم يوجب استهلاك كل من المالين

٣٩

حقيقة كمزج الدنانير والدراهم أو مزج الحنطة بعضها ببعض ـ يحتاج في الحكم بالإشاعة الواقعية فيه الى تنزيل عرفي وإمضاء شرعي ، فحيث يجري الممتزجان مجرى التالف المستهلك عندهم وأمضاه الشارع تحصل الإشاعة الواقعية وان كان أعيان مال كل واحد ممتازة عن أعيان الأخر في الواقع ، فكل دينار يفرض حينئذ فهو بينهما نصفين أو أثلاثا مثلا.

فكيف كان فيظهر مما ذكرنا أن التقسيم متفاضلا ليس معاوضة ربوية ولو بالمعنى الأعم من البيع ، لان التفاضل انما يحصل بين الأعيان التي عرفت خروجها عن ملك كل منهما ، والقسمة التي قلنا انها تستتبع انتقالا في العين بحسب اللب انما لوحظت بالنسبة إلى ماليتها ولا تفاضل بينهما ، فلو تقاسما وتراضيا بالتفاضل ـ بأن أخذ أحدهما الأقل لجودته والأخر الأكثر لرداءته ـ جاز ولا رباء.

ثمَّ ان التفاضل لا يكون بالقسمة كما صورنا وقد يكون في نفس الشركة ، بأن يكون أصل الشركة يحصل على وجه الربا والتفاضل كما إذا اختلط جيد بردي‌ء ، فلو حكمنا فيه بالشركة في العين دون القيمة لزم التفاضل في أصل الشركة ، لأن صاحب الجودة قبل المزج كان مالكا لصاع مثلا وبعده قد ملك صاعا ونصفا.

وظاهر كلماتهم في باب الشركة حصول الشركة بمزج الجيد والردي‌ء ، لكن في باب المفلس نقل صاحب المسالك عن الشيخ في مسألة ما لو اشترى المفلس زيتا فخلطه بماله ، أنه نقل قولا بأن البائع يشارك في العين المختلطة بنسبة قيمة المالين ، ثمَّ قال انه مستلزم للربا. قال في المسالك بعد نقل ذلك : وهو يتم على القول بثبوته في كل معاوضة ولو خصصناه بالبيع لم يكن القول بعيدا.

٤٠