كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

[ الجمع بين رأيي العلامة الحلي ]

وما ذكرنا من عدم قبول قول البائع لأحدهما هو الذي صرح به العلامة هنا ، لكنه قال سابقا في المسألة الثالثة من مسائل بقايا الدعاوي أنه لو أقر الثالث فالوجه أنه كاليد ترجح البينة فيه. وهو بظاهره مناف لما ذكره هنا.

ويمكن الجمع بأن الترجيح غير قبول قوله ، بمعنى كون إقراره حجة وسببا لصيرورة المقر له بمنزلة ذي اليد.

وقوله « كاليد » متعلق بقوله « ترجح » قدم للتوطئة ، وجعله في كشف اللثام خبرا لان. وهو بعيد ، لأنه يعطي إشكالا في كون إقرار ذي اليد لأحد بمنزلة كون المقر له صاحبه مطلقا ، سواء كان للمتداعيين بينة أم لا ، حيث أن لفظ « الوجه » يشعر بالخلاف أو الإشكال.

مع أنه ليس كذلك ، لان كون إقرار ذي اليد بمنزلة اليد في الجملة ولو في حال عدم البينة ليس محلا للإشكال. وجعل المراد انه كاليد في مفروض الكلام ـ أعني تعارض البينتين ـ رجوع الى ما ذكرنا مع قصور في العبارة عن تأدية المراد. فافهم.

ولو نكل وحلف الأخر انعكس الأمر ، ولو نكلا اقتسماهما بناء على ما تقدم نصفين ولكل منهما استرداد نصف الثمن ، وله أيضا الفسخ لتبعيض المبيع عليه قبل قبضه كما في الشرائع.

وقوله « قبل قبضه » إشارة إلى كون ذلك الخيار خيار التلف قبل القبض.

وعليه فيسقط خيار من كان منهما معترفا بتسلم العين كما عن الكشف.

وربما يتوهم أنه خيار خروج بعض المبيع مستحقا للغير بل مغصوبا ، وهو يقتضي ثبوت خيار التلف الذي لا بد فيه من عدم الاعتراف بقبض. فما أورد

٢٨١

بعض مشايخنا على الفاضل من عدم الفرق بين دعوييهما قبض المبيع وعدمها بناء على كون الخيار هذا لأجل ظهور المبيع مستحقا للغير. ليس في محله.

ولعله نشأ من الخلط بين ما نحن فيه وبين ما لو ادعى على المشتري وأقام البينة على كون المبيع له ، فان بطلان البيع حينئذ لأجل ظهور المبيع مستحقا للغير مع إمكان القول فيه أيضا بعدم البطلان من أصله بل من حينه.

وعلى التقديرين فهو خارج عما نحن فيه ، إذ المفروض في المقام اعتقاد كل منهما كذب الأخر وكذب بينته ، فهو من باب لو غصب المبيع بعد القبض في عدم كونه سببا لا فلانفساخ العقد إجماعا. والله العالم.

التقاط

[ ادعاء اثنين البيع مع تعيين المبيع والثمن ]

لو ادعى اثنان بيع شي‌ء معين من واحد بثمن معين عكس المسألة السابقة ، فحكم المسألة ما عرف في نظائره من الإقراع والإحلاف والتنصيف بعد نكولهما.

فلو اختلف تاريخ البينتين قضى بالثمنين كما في الشرائع لا مكان جمعهما ، بأن اشتراه من أحدهما ثمَّ باعه من الأخر فاشترى منه أيضا. وانما لم يؤثر في المسألة السابقة اختلاف التاريخ لان الشراء لا يجوز أن يكون لملك نفسه بخلاف البيع فإنه يجوز أن يكون لملك غيره ـ كذا قيل.

ومراده أن الإنسان لا يعقل أن يشتري مال نفسه ، فاذا ثبت تعدد الشراء بموجب البينتين لإمكان الجمع كما عرفت أشتغل ذمة المشتري بالثمنين لغيره. فعليه إيصال كل ثمن الى صاحبه ، بخلاف البيع فإنه لما كان في ملك الغير ممكنا فمجرد تعدد البيع لا يثبت استحقاق المتأخر للمبيع لإمكان كونه فضوليا عن المشتري الأول الذي ينكر بيع الثاني ويرده على تقدير وقوعه له أيضا فضولة.

٢٨٢

وأورد عليه بعض مشايخنا قدس‌سره أن احتمال كون الشراء لمال نفسه فضوليا أيضا ممكن.

قلت : وجه الإمكان أن زيدا مثلا يشتري دارا من عمرو ثمَّ يوكل شخصا عن نفسه في البيع ويشتري هو عن قبل بكر فضولة. وهو جيد ، لكن الشراء الفضولي مع إنكار المالك البائع لا يوجب على المشتري ثمنا ، لأن الإنكار رد للعقد الفضولي. والله العالم.

التقاط

[ ادعاء رقية الصغير المجهول النسب ]

الصغير المجهول النسب إذا كان في يد أحد وادعى رقيته قضي بذلك ظاهرا كما في الشرائع وغيره ، بل الظاهر باعتراف بعض أهل الخبرة عدم الخلاف في هذا المقام.

نعم نقل عن بيع التذكرة القول بعدم الحكم ، ولعله غير مختص به في غير المقام.

نعم في كون القضاء مراعى الى البلوغ أو منجزا خلاف ، كالخلاف في قبول دعوى الرقية مع اليمين كما عن الشيخ والتذكرة أو بدونها كما هو ظاهر الأكثر من المحقق وغيره.

ولعل اليمين هنا استظهار لجانب الصغير شبه اليمين الاستظهاري ، والتقييد بمجهول النسب ليس لأجل عدم تصور الشك في معلوم النسب ، بل لأجل أن النسب إذا كان معلوما فربما تقع المرافعة بين المدعي والمنسوب اليه ، فيخرج عن موضوع هذه المسألة ـ أعني القضاء فيما لا تعارض لذي اليد استنادا الى يده أو الى دعواه.

٢٨٣

وقد ناقش في قبول قوله بعض مشايخنا قدس‌سره لرواية حمران الواردة في تنازع رجل وامرأة على جارية يدعي الرجل أنها أمته وتدعي المرأة أنها بيته (١). وفيها : وان لم يقم الرجل البينة على ما ادعى ولم تقم البينة على ما ادعت خلي سبيل الجارية. ولان اليد انما تدل على الملكية بعد إحراز قابلية المحل لا مطلقا.

وربما يؤيده أن أحدا لا يحكم بملكية ولد يكون مع الرجل له من دون دعوى الرقية ، فبقي اعتبار قوله لأجل الدعوى بلا معارض.

وهو أيضا مشكل ، لأنه على ذلك ينبغي أن لا يفرق بين الصغير والكبير ، مع أن دعوى رقية الكبير الظاهر أنهم لا يقولون به هنا والا لغي التقييد بالصغير.

نعم عن غاية المراد التسوية بينه وبين الصغير ، بل قيل ان ذلك قضية كلام الأصحاب ، وصرح به المحقق في غير المقام ، بل في بيع القواعد أنه لا يسمع دعوى عبد يباع في الأسواق.

والذي يقتضيه التأمل هو عدم الاعتداد بمجرد اليد هنا ، لان اليد العارية عن التصرف لا تدل على الملك بل على تعيين المالك بعد إحراز كون ما هي عليه مالا ، ولذا يحكم بملكية اللقيط لثياب بدنه ونحوه.

بل الظاهر أن موضوع اليد مع عدم إحراز صلاحية ما عليه اليد للملكية غير متحقق ، فلا يقال ان زيدا صاحب يد على صغير في بيته لم يعلم أنه ابنه أو عبده ما لم يعامل معه معاملة العبد. وكذا الدعوى المجردة عن اليد ، كما إذا ادعى أحد رقية صغير أو كبير خارجين عن يده.

وأما اليد المجامعة مع التصرف كالاستخدام ونحوه ومع دعوى الملكية

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٢ من أبواب كيفية الحكم ح ٩.

٢٨٤

فالظاهر أنها تدل على الملكية بشرط سكوت من عليه اليد لصغر وجنون ونحوهما ، فلو ادعى الحرية فالظاهر تقديم قوله.

وما ورد في الروايات من عدم قبول دعوى العبد الذي يباع الحرية إلا بالبينة (١) كظاهر فتواهم في باب البيع لا بد أن ينزل على ما إذا تكرر البيع في الأسواق حتى تكون دعوى الحرية راجعة إلى دعوى التحرير والإعتاق أو على خصوص دعوى التحرير ، إذ لا يمكن الجمع بين ظاهر لفظ « العبد » و « الأمة » وظاهر لفظ « الحرية » في تلك الرواية ، فلا بد اما من حمل العبد والأمة على العبد والأمة الظاهريين ـ أي بمقتضى ظاهر اليد والتصرف ـ أو حمل دعوى الحرية على دعوى التحرير بقرينة إيقاف سمع دعواها على البينة مع كون الحرية على طبق الأصل الأولي.

[ الدليل على رقية الصغير المدعى رقيته ]

ثمَّ الدليل على ما ذكرنا من الحكم بالرقية في صورة اجتماع الأمور الثلاثة أو الأربعة ـ أعني اليد والتصرف والدعاء وسكوت المدعى عليه ـ بعد السيرة الجارية ـ تلك الروايات الدالة على مطالبة البينة من مدعي الحرية بعد استظهار الاحتمال الأول ، أعني كون المراد بالعبد والأمة الظاهريين ، أعني ما هو عبد وأمة بحسب الظاهر بحسب حال المسلم ، إذ هو لا يكون بمجرد اليد ولا بمجرد الدعوى ، لأنه لا يحصل الظهور النوعي إلا بعد اجتماعهما.

نعم في مقابلها روايات تدل على عدم سماع دعوى الرقية إلا بالبينة ، مثل صدر الرواية المتقدمة « الناس كلهم أحرار الا من أقر على نفسه بالرقية » (٢) ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ ب ٥ من أبواب بيع الحيوان.

(٢) الوسائل ج ١٨ ب ١٢ من أبواب كيفية الحكم ح ٩.

٢٨٥

وهو مدرك من أقام بينة على من ادعى من عبد أو أمة ، فإنه يدفع اليه ويكون رقا. ونحوها غيرها مع زيادة قوله « صغيرا كان أو كبيرا ».

لكن يمكن الجواب عنه بأن موردها ما إذا كان المقام مقام دعوى الرقية ، وهو لا يكون إلا إذا لم يكن للمدعي ظهور عرفي باليد والتصرف ، إذ لا يصدق حينئذ عليه المدعي ، فلا بد أن يكون المقام خاليا عن أمارة عرفية أو شرعية دالة على الرقية لا مثل العبد الذي يباع في الأسواق كما بينا.

بل الظاهر أن صورة قيام الظهور النوعي على الرقية باليد الجامعة للتصرف والادعاء غير مشمولة لهذه الرواية ولو مع قطع النظر عن الروايات المعارضة ، لظهور اختصاص هذه الرواية بصورة الدعوى التي لا تجامع مع كون المدعي محكوما بمالكيته عرفا ، وحينئذ فالاستثناء قرينة على أن المراد بالناس من كان يدعي رقيته دعوى عرفية أو شرعية لا كل من ادعى رقيته ولو بموجب اليد والتصرف ، فهو خارج عن موضوع هذه الرواية.

ومع الغمض عن ذلك فالروايات معارضة مخصصة لها كما لا يخفى.

وأما ذيل الرواية المشار إليها الواردة في تداعي رجل وامرأة على جارية ، فعدم شمولها لما نحن فيه أظهر ، لأن الجارية لم تكن تحت يد الرجل المدعي لرقيتها بل كانت بينة وبين المرأة المدعية لبنتيتها ـ كما هو ظاهر صدرها ـ عن جارية لم تدرك بنت سبع سنين مع رجل وامرأة.

ولو سلم كونها في يده ـ كما هو ظاهر قوله « قلت فان لم يقم شهودا أنها مملوكة له قال تخرج من يده » ـ فهو أيضا خارج عما نحن فيه الذي هو اجتماع اليد والتصرف مع ادعاء ذي اليد بلا معارض ، إذ المعارضة ولو من الأجنبي توجب انتفاء الظهور النوعي عن اليد في الملك مع عدم إحراز قابلية ما عليه اليد للملكية لشبهة الحرية ونحوها.

٢٨٦

والسر في ذلك أن اليد في غير الأمور المعلوم المالية ليس لها ظهور عرفي أو شرعي في الملكية ، بل موضوع اليد فيها لا يتحقق الا بعد كشفها عن التصرف المالكي ، والتصرف المالكي مع وجود مدعي الحرية لا يمكن إحرازه ، إذ الاستخدام ونحوه مشترك بين الحر والعبد ، فلا بد في تحصيل الظهور العرفي من فرض الاستخدام أو التعرض للبيع أو نحو ذلك مما هو متفرع على الملك مع السلامة عن ادعاء الحرية. وهذه الصورة هي القدر المتيقن من مجرى السيرة.

[ ادعاء حرية الرق الصغير بعد بلوغه ]

هذا ، ثمَّ ان قبول قوله في الرقية ان كان لأجل اليد لزم عدم سماع دعوى الصغير بعد البلوغ للحرية إلا مع البينة. وهذا معنى المحكي عن السرائر من عدم الالتفات الى قوله حتى بعد البلوغ لسبق الحكم برقيته ، وكذا يرجع الى هذا الوجه ما عن التذكرة وموضع من القواعد من قبول قوله وإحلاف ذي اليد.

ولا يتوهم أن الحلي أراد عدم السماع حتى مع البينة ، إذ لا وجه لذلك ولا يقول به أحد ظاهرا ، وان كان لأجل الدعوى بلا معارض لزم قبول قوله بعد البلوغ : اما مع اليمين ان قلنا بأن الدعوى بلا معارض لا يجعل صاحبها بمنزلة المنكر بالنسبة إلى الدعاوي المتأخرة ، أو مع يمين ذي اليد ان قلنا بأنها تجعل صاحبها كالمنكر. والأول محكي عن الإرشاد.

فصارت الأقوال في سماع دعواه بعد البلوغ ثلاثة : أحدها عدم السماع الا مع البينة وهو المراد من محكي السرائر كما عرفت ، وثانيها السماع مع

٢٨٧

اليمين كما عن الإرشاد ، وثالثها السماع مع اليمين على ما في يده كما عن التذكرة. فظهر وجوه الأقوال أيضا. والله العالم.

التقاط

[ اعتراف الرقية لأحد المدعيين ]

إذا ادعى اثنان رقية أحد فاعترف لأحدهما مع عدم البينة قضى له ، لأن الإقرار حينئذ يجعل المقر له مالكا ، فيصير جانبه قويا باعتبار كون قوله موافقا لأمارة شرعية.

فالوجه في تأثير إقرار الثالث هنا غير الوجه في تأثير إقراره في دعوى الأموال ، لأن إقراره يجعل المقر له صاحب يد ، لأن إقرار ذي اليد في الأموال لغيره يرجع الى الإقرار بأن يده متفرعة على يد المقر له بعارية ونحوها. بخلاف إقرار المدعى عليه هنا ، إذ الحر ليس له يد على نفسه حتى ينكشف بإقراره أن يده عارية من المقر له وأنه ذو اليد.

نعم في دعوى الأموال يجري الوجهان ، فالمقر له فيها يصير القول قوله من جهتين : ( إحداهما ) صيرورته مالكا بسبب الإقرار ، فهو الذي يوافق قوله أمارة شرعية ، كما قلنا في دعوى الحرية أيضا.

( وثانيتهما ) صيرورته صاحب يد لكشف إقرار ذي اليد عن كون يده من جانب المقر له.

هذا حال الإقرار مع عدم البينة ، وأما معها ففي قبوله لأحدهما وجهان تقدما في التداعي على العين ، فإن المسألتين من واد واحد.

وربما يظهر من كشف اللثام الفرق ، حيث مال في تلك المسألة إلى أنه كاليد ترجح البينة وفاقا لموضع من القواعد كما سبق ، وقال هنا بعدم قبول

٢٨٨

الإقرار. وهو بعيد ، لأن البينة في دعوى العين توجب خروج إقرار ذي اليد عن صلاحية النفوذ على الأخر ، لكونه إقرارا في حق الغير في دعوى الحرية توجب المقر عن صلاحية الإقرار ، فالفرق واضح.

وان شئت قلت : ان المدعى عليه في دعوى الحرية بعد اقامة البينتين لا ينفع إقراره لأحد المتداعيين ، سواء قلنا في التداعي على العين بقبول إقرار ذي اليد بعد تعارض البينتين أم لا. أما على الثاني فواضح ، وأما على الأول فلان قبول إقرار ذي اليد في العين اما لأجل كونه سببا لصيرورة يده نائبة عن يد المقر له فيكون المقر له ذا اليد أو لأجل صيرورة المقر له مالكا بسبب إقرار ذي اليد وكونه ملزما فيكون العين له ظاهرا.

وشي‌ء من الوجهين لا يجري في الإقرار بالرقية بعد تعارض البينتين : أما الأول فلان الإنسان لا يد له على نفسه ، لان الحر لا يدخل تحت اليد ، فلا يثبت بالإقرار كون يده عارية من المقر له. وأما الثاني فلان البينة على الرقية توجب خروج المقر عن صلاحية الإقرار ، فيكون لغوا.

وهذا بخلاف إقرار ذي اليد ، فإنه وان كان في حق الغير بعد قيام اقامة البينتين لكن وجه اعتباره على القول به هو حجية اخبار ذي اليد من حيث كونه ذا اليد ، سواء كان ذلك الأخبار إقرارا على نفسه ـ أي ملزما لشي‌ء على نفسه ـ كما في صورة عدم إقامة البينة أو لم يكن إقرارا وملزما بل كان محض اخبار كما إذا كان بعد قيام البينتين. فاذا كان اخباره معتبرا صح أن يكون سببا لترجيح بينة المقر له من باب الاعتضاد.

وحيث لا يد للشخص على نفسه كان الإقرار بالرقية بعد قيام البينتين لغوا ، لعدم كونه من باب اخبار ذي اليد ، فينحصر قبول إقراره في صورة عدم البينة.

٢٨٩

فإنه نافذ ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وهو موجب لصيرورة المقر له مالكا لرقيته بإقراره كما عرفت. والله العالم.

التقاط

[ كيفية تقسيم المدعى به مع إقامة البينة والاختلاف في المقدار ]

لو ادعى دارا في يد زيد وادعى عمرو نصفها وأقاما البينة ، فالمشهور أنه يقضى لمدعي الكل بثلاثة أرباع ولمدعي النصف بالربع ، فالدار يكون بينهما أرباعا على حد الحكم المنصوص في مرسل ابن حمزة عن الصادق عليه‌السلام في رجلين كان بينهما درهمان فقال أحدهما الدرهمان لي وقال الأخر هما بيني وبينك. قال « ع » : قد أقر أن أحد الدرهمين ليس فيه شي‌ء وأنه لصاحبه وأما الأخر فبينهما (١). ونحوه مرسل كما في كشف اللثام أنه لا فرق فيما ذكرنا بين كون العين في أيديهما كما هو مورد الرواية أو في يد ثالث كما يأتي.

نعم لو جعل مورد الرواية النزاع في درهم معين من الدرهمين ـ كما هو ظاهر لفظ « أحد الدرهمين » ـ خرج ما نحن فيه عن مورده ، وأما لو جعل المورد أحدهما الكلي كما يشعر به قوله « بيني وبينك » كان دليلا في المسألة زيادة على القاعدة.

وقد مر في السابق ذكر الاحتمالين في الرواية وترجيح الأول ، الا أن تنصيف النصف المختلف فيه فيما نحن فيه نظير تنصيف أحد الدرهمين هناك باعتبار كونه مرددا بينهما.

ووجه ما ذهب إليه الأكثر أن نصف الدار لا نزاع فيه ، سواء كان مدعي

__________________

(١) الوسائل ج ١٢ ب ٩ من أحكام الصلح ح ١.

٢٩٠

النصف مقرا بأنه لصاحبه أو ساكتا أو شاكا ، وانما النزاع في النص خاصة وقد تعارض فيه البينتان فوجب النصف بعد القرعة والنكول كما لو تداعيا عينا.

[ كلام ابن الجنيد في المسألة ورده ]

وذهب ابن الجنيد الى تقسيمها بطريق العول ، فقال : انها تقسم أثلاثا فيجعل لمدعي الكل ثلثان ولمدعي النصف ثلث ، نظير ضرب الديان في مال المفلس والميت نظرا الى أن المنازعة وقعت في النصف المشاع ، فكل جزء من العين مورد للمنازعة. ومقتضاه أن يجعل بين المتنازعين بنسبة دعواهما ، فيجعل لمدعي الكل الثلثان ولمدعي النصف الثلث ، لان نسبة النصف الى الكل نسبة الثلث الى الثلاثين. هذا خلاصة المحكي عنه في المسالك.

والأصل في المسألة هو أن المسألة هل في من باب تزاحم الحقوق أو من باب تعارض الامارات ، فان كانت من الأول اتجه كلام ابن الجنيد ، لأنه إذا اجتمع في شي‌ء حقوق لا يسع ذلك الشي‌ء لها لزم الجمع بطريق العول وإدخال النقص على كل واحد ، فاذا كان مدعي الكل حقه الكل بموجب بينته ومدعي النصف حقه النصف وأريد الجمع بين الحقين في الدار التي تداعياها لزم تقسيمها بينهما على وجه يكون الواصل الى كل ذي حق بقدر ما وصل الى الأخر بنسبة حقه ويكون الفائت من كل حق بقدر الفائت من الأخر ، وهو لا يكون الا بالعول. وان كانت من الثاني وجب فيه مراعاة قواعد الجمع ، وهو تصديق كل أمارة في مورد التعارض بقدر تصديق الأخر ، فيجب تصديق بينة الكل في محل التعارض بقدر تصديق بينة النصف عملا ، وهو لا يكون الا بالتنصيف.

إذا تحقق ذلك ظهر أن ما ذكره ابن الجنيد ليس في محله :

أما أولا : فلان المقام من باب تعارض الأمارتين ، لأن البينة كاشفة عن

٢٩١

الواقع ومثبتة له ، ومقتضى كشف بينة الكل إعطاء مدعيه نصف الدار ، لأنها لا معارض لها بالنسبة اليه. وان شئت جعلت النصف له من جهة عدم المعارض لأمن جهة البينة ، فيبقى النصف الأخر الذي يتعارض فيه البينتان هو محل النزاع فينصف ويعطى كل واحد ربع الدار عملا بقاعدة التعارض في باب تعارض البينة.

وأما ثانيا : فلان ما ذكره مبني على فرض أحد المتداعيين مستحقا للكل والأخر مستحقا للنصف حتى يكون من باب التزاحم كضرب الديان. وهذا لا دخل فيه لكون النصف الذي فيه النزاع مشاعا ساريا الى جميع الاجزاء ، إذ غاية ما يلزم من السراية جريان النزاع في كل جزء قابل للقسمة ، فجرى فيه ما قلنا في الكل من سلامة نصفه لمدعي الكل لعدم معارض له ولا بينة وتنصيف النصف الأخر. ولعل الغرض من توسيطه إشاعة النصف في أثناء الدليل الاحتراز عن صورة تعيين النصف المتنازع فيه ، فإنه لا وجه لطريق العول فيه.

فان قلت : قد سلف أن قيام المبينة في باب المرافعات سبب لثبوت الحق لا طريق اليه ، والا لكان اللازم التوقيف دون التنصيف ، ولو لم يكن لقضاء أمير المؤمنين عليه‌السلام بالتقسيم حسب عدد رؤوس الشهود في بعض قضاياه وجه كما مر (١) ، وحينئذ لا يكون المقام من باب التزاحم ، لان بينة الكل سبب لاستحقاق مدعيه إياه وكذا بينة النصف.

قلنا : قد ذكرنا أن البينة في غير صورة التعارض طريق وانما هي سبب في موضع النزاع. والأمر فيما نحن فيه أيضا كذلك ، لان بينة الكل بالنسبة إلى النصف الغير المتنازع فيه طريق صرف ، فيحكم به لمدعي الكل بلا معارض

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٤ من أبواب الشهادات ح ١ و ٢.

٢٩٢

وبالنسبة إلى النصف المتنازع فيه سبب محض ، كما أن بينة مدعي النصف أيضا كذلك ، فيعامل معهما معاملة السببية ، ونقول :

ان كلا منهما مستحق لتمام ذلك النصف باعتبار كون بينته سببا لاستحقاقه ، فلا بد من الجمع بين حقهما ، وهو لا يمكن إلا بطريق العول ، بأن يأخذ كذلك منهما ربعه ليكون الواصل الى كل والفائت من حقه بقدر الواصل والفائت من حق الأخر.

لا يقال : لا نسلم أن هنا نصفا غير متنازع فيه حتى يكون يعمل بينة الكل في ذلك النصف وانما يكون كذلك لو قال مدعي النصف لي أحد النصفين. وليس كذلك ، لأنه يدعي النصف الكلي ، ولذا لو باع مالك النصف المشاع نصفه نفذ في الربع دون الربعين ، وذلك لان النصف المشاع ليس عبارة عن أحد النصفين ، بأن يفرض العين نصفين ويكون كل منهما مشاعا ، بل هو عبارة عن النصف الذي لا يقابله نصف آخر ، وهو كلي سار الى جميع الاجزاء. فكل جزء يفرض قد وقع النزاع فيه معينا أو غير معين كالثلث والربع والنصف ونحوها ، فبينة الكل أيضا بينة في مورد الخصومة وليس بينة في غير مورده حتى بالنسبة إلى النصف حتى يعمل به من غير معارض.

قلت : لا فرق بين أن يكون المتنازع فيه أحد النصفين أو النصف الكلي ولا بين أن يكون نصف المجموع محلا للنزاع أو يكون نصف كل جزء قابلا للتنصيف ، لان نصف المجموع على التقدير الأول أو نصف كل جزء على التقدير الثاني يسلم لمدعي الكل من غير منازع ، فيعمل بينة فيه.

وان شئت قلت : ان النزاع في كل جزء على أي تقدير كان يرجع الى استحقاق مدعي النصف نصف ذلك الجزء وعدمه ، فمدعي الكل يقول ليس لك نصف هذا الجزء ومدعي النصف يدعيه ، فمقتضى الجمع بين البينتين

٢٩٣

تنصيف النصف المتنازع فيه ، ومجرد كون كل جزء محلا للدعوى وموردا للخصومة لا يقتضي التزاحم أو التعارض في مجموع الاجزاء ، لان سريان حق مدعى النصف الى كل جزء ليس باعتبار تمامه بل باعتبار بعضه.

[ هل النزاع في تمام العين أو تمام الأجرة ]

وتوضيح المقال يتوقف على تحرير محل النزاع وأنه تمام العين أو تمام الاجزاء باعتبار تمامها أو باعتبار بعضها :

( فان كان الأول ) فلا محيص عن مقالة ان الجنيد من العول ، سواء كان العمل بالبينة في الحقوق من باب الطريقية أو من السببية ، أما على الثاني فواضح ، وأما على الأول فلان الطريق إذا كان العمل به واجبا ولو مع المعارضة ولم يجز التوقف عند التعارض يكون حكمه حكم السبب ، إذ لا فرق بين سبب العلم أو سبب المعلوم إذا كان العمل بسبب العلم واجبا شرعا ، فالعمل بالبينة سبب لثبوت حق المتداعيين معا ، سواء كان وجه العمل كون البينة من باب أسباب وجود الحق كسائر الأسباب الشرعية أو من باب أسباب العلم به.

وانما يتجه الفرق بينهما لو كان سبب العلم باقيا على أصله من التوقف كما في الاحكام.

( وان كان الثاني ) اتجه قول الشيخ ، أعني عدم العول. ونحن قد بينا أن نصف العين سالم لمدعي الكل وليس مصبا للدعوى ومحل تعارض البينتين. وان كان قضية دعوى النصف المشاع سريان الدعوى الى تمام اجزاء العين من غير تعيين ولا تشخيص بإشارة حسية ، لأن وصف التمام ليس مصبا للدعوى وانما يتداعيان في التمام باعتبار نصفه ، فلا جرم يختص التعارض والتنازع في ذلك النصف.

٢٩٤

وهذا معنى قول الشيخ ان العمل في المسألة بقاعدة المنازعة ، يعني ان قاعدة المنازعة تقتضي إخراج ما لا نزاع فيه ثمَّ يقسم الباقي.

هذا ، ويمكن استظهار قول الشيخ ـ وهو القول المشهور ـ من مرسل حمزة المشار إليه ، إذ فيه تعليل اختصاص أحد الدرهمين بمدعي الاثنين بأن صاحبه أقر بأنه ليس له. وهذا ان لم يكن من العلة المنصوصة فلا أقل من صلاحية استيناس الحكم المشهور منه ، وهو أن أحد الخصمين إذا كان معترفا ببعض المدعى به لصاحبه وجب العمل بقاعدة القضاء في غيره.

هذا إذا قلنا بأن النزاع في الدرهمين لم يكن على وجه الإشاعة ، وإلا فهو دليل قاطع في المسألة.

ولا يذهب عليك أن محل الكلام هنا وان لم يكن خصوصا صورة إقرار مدعي النصف بالنصف الأخر لصاحبه ، الا أن التفصيل بينها وبين صورة السكوت غير موجود.

[ تأييد مذهب ابن جنيد في المسألة ]

هذا ، واحتمل في القواعد مذهب ابن الجنيد ، وذكر في كشف اللثام نظيرا للمسألة على هذا المذهب ، وهو أنه لو مات إنسان وعليه لاخر ألفان فإنه يقسم بينهما أثلاثا. ثمَّ أجاب عن دليل ابن الجنيد بما ذكره القوم ، وعن النظير بالفرق لان ديان الميت يتنازعون فيما على ذمته لا على عين وفي المثال المذكور كلهم يدعي كل التركة. ولذا قال في المختلف وهو ـ يعني قول ابي علي ـ أقوى عندي لو زاد المدعون على اثنين ، يعني واستوعب دعاوي غير مدعي الجميع العين أو زادت عليها.

قلت : أما الفرق المذكور فلا وجه له ، لان العول في ديون الميت ثابت

٢٩٥

ولو لم يكن كل واحد مستوعبا ، كما إذا خلف ألفا وعليه لاخر ألفان ولاخر خمسمائة. وأما تفسير مذهب العلامة في المختلف بما إذا استوعبت دعاوي غير مدعي الجميع العين فليس بظاهر من المختلف ، لأنه قوى قول ابي علي فيما إذا كان المدعون أريد من اثنين ، وهو أعم من صورة استيعاب دعاوي غير مدعي الجميع كما لا يخفى.

ثمَّ ان هنا تصويرا آخر للإشاعة يقرب قول ابن جنيد ، وهو أن يقال : ان الملك المشاع عبارة عن ملكية مجموع الأجزاء كافة على وجه النقصان ، والملك المطلق عبارة عن ملكيتها على وجه الاستقلال ، فمالك النصف على وجه الإشاعة له سلطنة على الكل سلطنة ناقصة.

وعلى هذا التصوير يتجه قول ابن جنيد بعد ما هو المقرر من أن البينة في المنازعات تجري مجرى الأسباب ، لأن مدعي النصف بموجب بينته استحق الكل أيضا استحقاقا ناقصا ومدعي الكل استحق الكل بمقتضى بينته استحقاقا تاما ، والجمع بين استحقاقهما للكل لا يمكن الا بالعول.

ذكره بعض المكلمين في مجلس البحث فأجبته بما ارتضاه ، وهو أن مورد الخصومة حينئذ هو استحقاق مدعي النصف للكل استحقاقا ناقصا وعدم ذلك الاستحقاق ، فمدعي الكل ينفيه ومدعي النصف يثبته ، ومقتضى الجمع بين البينتين تصديق كل من المتنازعين في النصف المدعى به ، ولا ريب أن تنصيف الاستحقاق الناقص للكل يرجع الى ثبوت الاستحقاق التام لمدعي النصف في الربع. فافهم.

[ ادعاء التركة بين أكثر من شخصين ]

هذا إذا كان المدعون اثنين ، ولو كانوا أكثر فهو على قسمين :

٢٩٦

( أحدهما ) أن تكون دعاوي غير مدعي الكل مستوعبة للعين بحيث لا يبقى لمدعي الكل شي‌ء من العين سليما عن المعارض. كما إذا ادعى أحدهم الجميع وادعى الأخر الثلاثين والثالث الثلث ، فطريق القسمة على مذهب المشهور هو أن يقسم العين تسعة عشر : ويعطى ثلثه وهي الستة لمدعي الكل ، إذ لا ينازعه فيه مدعي الثلاثين ولا مدعي الثلث ، وهما معا وان كانا يعارضانه الا أن المركب منهما ليس مدعيا آخر. ثمَّ يقسم ثلثه الأخر بين مدعي الكل ومدعي الثلاثين نصفين ، إذ لا ينازعهما فيه مدعي الثلث. ثمَّ يقسم الثلث الباقي بينهم أثلاثا ، لأنه موضع خصومة الثلاثة ، فيحصل لمدعي الكل أحد عشر ولمدعي الثلاثين خمسة ولمدعي الثلاث اثنان.

وتقسيمه على طريق العول هو أن يعطى مدعي الكل ستة من اثني عشر ، ومدعي الثلاثين ومدعي الثلث كلاهما ستة وهما يقسمانها أثلاثا فيأخذ مدعي الثلاثين ثلثاها وهي أربعة الثلث ثلثها وهو اثنان.

( والقسم الثاني ) هو أن لا يكون دعاوي الآخرين مستوعبة ، كما إذا ادعى أحدهم الجميع والأخر النصف والثالث الثلث ، وتقسيمه على طريق العول هو أن يعطى مدعي الكل ستة من أحد عشر ومدعي النصف منها ثلاثة ومدعي الثلث اثنان ، لان نسبة النصف الى الكل ثلثية ونسبة الثلث الى الكل ربعية ونسبة الثلث الى النصف نسبة الاثنين إلى الخمسة.

وعلى طريق المشهور هو أن يعطى مدعي الكل النصف أولا ، ثمَّ يقسم السدس الذي لا نزاع فيه لمدعي الثلث بينه وبين مدعي النصف نصفين ، ثمَّ يقسم الباقي ـ وهو الثلث ـ بين الكل أثلاثا ، فلمدعي الكل من ستة وثلاثين خمسة وعشرون والمدعي النصف سبعة ولمدعي الثلث أربعة.

وذهب العلامة في ظاهر المختلف الى التفصيل في المسألة ، فاختار مذهب

٢٩٧

ابي علي إذا كان المدعون أزيد من اثنين. وقد عرفت أن الفاضل أوله الى ما إذا كان دعاوي غير مدعي الكل مستوعبة ، حيث رأى عدم تأثير تجاوز المدعي عن الاثنين في المسألة إلا إذا كان من عدا مدعي الكل دعاويهم مستوعبة حتى يلاحظ مجموع دعاويهم دعوى واحدة وتجعل في مقابل دعوى مدعي الكل لينحصر الأمر في العول ، لأنه إذا فرض كذلك فلا بد من العول.

ولا وجه لمذهب المشهور ، كما لو ادعى اثنان وادعى كل منهما الكل ، فإن الأمر فيه منحصر في العول حتى على طريقة المشهور ، فيقال مثلا : ان مدعي الثلاثين ومدعي الثلث في المثال المتقدم بمنزلة مدع واحد لتمام العين ، فيجعل العين بين مدعي الكل وبينهما نصفين ، لان الثلاثين والثلث تمام العدد وقد ادعاهما الاثنان فيقسمان النصف بينهما أثلاثا كما قلنا.

وفيه ما عرفت من أن منازع مدعي الكل ليس الا مدعي الثلاثين ومدعي الثلث ، واما المركب منهما فليس بمدع آخر حتى يلزم العول في الكل. فالحق في المسألة هو المشهور مطلقا.

[ ملخص وجوه المسألة ]

ومما ذكرنا ظهر أن الوجوه في المسألة أربعة : أحدها عدم العول مطلقا وهو مذهب الشيخ والأكثر ، وثانيها العول مطلقا وهو مذهب ابن جنيد ، وثالثها التفصيل بين تجاوز المدعي عن اثنين فالعول وعدمه فعدمه وهو ظاهر المختلف ، ورابعها التفصيل في صورة التجاوز بين الاستيعاب فالعول وعدم الاستيعاب فالعدم وهو الذي فهمه الفاضل من المختلف وقد عرفت ما فيه.

هذا كله إذا كانت العين في يد ثالث ، ولو كانت في أيديهما فاما أن يكون لكل بينة أو لأحدهم أو لا يكون بينة أصلا ، وحكمها من حيث الدخول والخروج

٢٩٨

والتعارض والقرعة والنكول قد ظهر مما سلف ، واما من حيث العول وعدمه فهو مثل صورة خروجها عن أيديهم.

فلو كانت في أيديهما فادعى أحدهما الجميع والأخر النصف قسم بينهما بالسوية بعد حلف مدعي النصف لمدعي الكل لأنه ذو اليد بالنسبة اليه. ولو أقاما البينة وتكافئا : فإن قدمنا بينة الخارج كان الكل لمدعي الكل ، وان قدمنا بينة الداخل قضى بالتنصيف لمدعيه ، وان قلنا بالتعارض وأقرعنا وتحقق النكول من الطرفين فعلى المشهور تكون العين بينهما أرباعا كما قررنا ، وعلى العول تكون أثلاثا.

وإذا استوليت على حقائق ما قررنا عرفت حكم ما في الشرائع والقواعد وسائر كتب القوم من فرض المسألة. والله العالم.

التقاط

[ اختلاف الزوجين في متاع البيت ]

إذا تداعيا الزوجان متاع البيت ففيه أقوال ذكرها في المسالك ، منشؤها اختلاف الاخبار والاعتبار :

( أحدها ) ما عن المبسوط من العمل بمقتضى القاعدة ، فيحكم لمن له البينة ومع عدمها فيد كل منهما على النصف ، من غير فرق بين ما يصلح لخصوص الرجال أو لخصوص المرأة أو لهما ، الا أن يخص اليد بأحدهما كثياب البدن وما يجري مجراها في الاختصاص بأحدهما.

( وثانيها ) الفرق بين ما يصلح للرجال خاصة فيحكم بها لهم وكذا ما يصلح للمرأة وبين ما يصلح لهما ، فيعمل فيه بمقتضى القاعدة كما ذكر. وهذا محكي عن الشيخ أيضا في الخلاف ، وهو الذي نسبه في الشرائع إلى الأشهر في الروايات والأظهر بين الأصحاب.

٢٩٩

( وثالثها ) أنها للمرأة ويطالب الرجل بالبينة. وهذا مصرح به في غير واحد من الروايات ، معللا بأنه لو سئل من بين لا بيتها ـ أي بين جبلي منى ـ لا خبروك أن الجهاز والمتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت الرجل فيعطي التي جاءت به (١).

والعمل بهذه الرواية يقضي بالتفصيل بين البلدان والأقاليم والعمل في كل بلد بموجب ما جرت عليه عادته ، فقد يكون كما أخبر به الامام عليه‌السلام عن كون الجهاز والمتاع من المرأة وقد يكون بالعكس.

ومحصل التفصيل الذي يظهر من الرواية أن العادة ان كانت جارية على زف المرأة مع المتاع من مالها الى بيت الرجل حكم بمقتضى تلك العادة وتجعل تلك ظهورا متبعا شرعا في صورة التنازع حاكما على الأصل بل اليد أيضا ، إذ لو خلي وطبعه حكم بها للرجل إذا كان مالكا للدار ، لان مالك الدار مع ما فيها داخل تحت يده ، فاذا كانت العادة على زف المرأة مع المتاع خرجنا بها عن حكم اليد تقديما للظهور على اليد.

ومن هنا يظهر أن الحكم كذلك في جميع موارد تعارض الأصل والظاهر ، لأنه في قوة المنصوص العلة ، فكأنه عليه‌السلام قال : ان ظاهر الحال مع المرأة فيقدم قولها.

لكن العمل به مشكل ، لان بناء الأصحاب إيقاف تقديم الظاهر على ورود الدليل عليه ، حتى أنهم حصروا مواضع تقديمه على غيره من الأصول والطرق المعتبرة.

لكن لو كان الظهور مثل الظهور الذي حكم الامام عليه‌السلام باعتباره في هذه الروايات لم يكن التعويل عليه مطلقا بعيدا ، وميزانه أن تكون العادة جارية

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ح ١.

٣٠٠