كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

ما أحدث في داره ولا ندري ما أحدث له من الولد إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئا ولا حدث له ولد ولا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان لفلان بن فلان مات وتركها ميراثا بين فلان وفلان أو نشهد على هذا. قال : نعم. قلت : الرجل يكون له العبد والأمة فيقول أبق عبدي أو أبقت أمتي فيؤخذ في البلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان لم يبعه ولم يهبه أنشهد على هذا إذا كلفناه ونحن لم نعلم أنه أحدث شيئا. فقال عليه‌السلام : كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به (١).

دلت بصدرها وذيلها على جواز الشهادة بالملك مع احتمال حدوث الناقل وذيلها ـ وهو قوله « لم تشهد » ـ أظهر ، لأنه وقع موقع الاستفهام الإنكاري ، فيجري مجرى قوله عليه‌السلام في رواية حفص « ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق ».

والعجب أنه يحتمل بعض معارضة ذيلها لصدرها ، بحسبان أن قوله « لم تشهد » نفي بمنزلة النهي ، وهو مع وضوح فساده بل غلطيته بحسب العبارة ، لعدم وجه للتعبير عن لا نشهد بلم تشهد. مدفوع بملاحظة تعليق الحكم على المرء المسلم أو اضافة الغلام اليه ، فإنهما يأبيان عن النهي عن الشهادة ، كما لا يخفى على من له أدنى دراية بمعاني الكلام.

وربما يدل على المدعى أيضا ما ورد في تنازع أقرباء المرأة مع أبيها بعد موتها في الأشياء التي جاءت بها من بيت أبيها من تقديم قول الأب (٢) ، حيث

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٧ من أبواب الشهادات ح ٢.

(٢) الوسائل ج ١٧ ب ٨ من أبواب ميراث الأزواج ح ١.

٢٦١

أنها صريحة في الأخذ بالحالة السابقة مع احتمال انتقال الأشياء إليها هبة ونحوها وكون المرأة ذات يد عليها.

فان قلت : إذا جازت الشهادة بمقتضى الاستصحاب لغي اليد في مقابله ، ولازمه عدم ترتب آثار الملك في صورة غير المعارضة والمنازعة أيضا.

قلت : هذه الصورة يعلم حكمها بالسيرة الجارية بين المسلمين ، فتكون هي المقصود والمراد في أخبار اليد ، ففي غيرها لا بد من العمل بموجب الاستصحاب.

[ اليد المجردة عن التصرف والادعاء مقابل الاستصحاب ]

ومن هنا ربما يشكل فيما ذكرنا آنفا من عدم العبرة باليد المجردة عن التصرف والادعاء في مقابل الاستصحاب ، لأن قضية ما استثناه من الصورة بحكم السيرة أن يقال : ان نزاع المنازع شرط في حجية الاستصحاب ، فلو نازع أحد مع ذي اليد كان الاستصحاب حجة عليه ، لتعارض دعواه مع دعوى المدعي فيمحض المعارضة بين مجرد اليد والاستصحاب ، فيقدم الاستصحاب ، للإجماع ظاهرا على جواز العمل بالاستصحاب في مقابل اليد ، وجواز الشهادة بموجبة في صورة وجود المنازع ، وان لم ينازع أحد لم يجز العمل بالاستصحاب بل يجب الحكم بالملك لأجل اليد.

وهو من غرائب الكلام ، لان النزاع غاية تأثيره معارضة دعوى ذي اليد مع دعوى خصم المنازع وملخص المعارضة بين

مجرد اليد والاستصحاب ، وهذا موجود أيضا في صورة عدم ادعاء ذي اليد بشي‌ء من وجوه الادعاء ، فلا معنى لتقديم الاستصحاب على اليد مع المنازع وعدمه بدونه مع عدم الادعاء.

الا أن يقال : ان دعوى المنازع كما يبطل أثر ادعائه كذلك يبطل أثر يده ،

٢٦٢

فيكون الاستصحاب سليما ، ففي صورة عدم المنازع يتمحض المعارضة بين صرف اليد والاستصحاب ، فيمكن القول حينئذ بتقديم جانب اليد وعدم الاعتداد بالاستصحاب.

وفي كلام العلامة في محكي المختلف بعض الإشارة الى هذا المقام كما سننقل إنشاء الله تعالى.

ومن جميع ما ذكرنا في صورة إقرار ذي اليد للمدعي ظهر حكم صورة عدم الإقرار ، فان المدعي اما أن يقيم البينة على الملك الفعلي ولو بالتعويل على الاستصحاب ، بأن يقول « انه كان ملكه أمس مثلا ولا أعلم له مزيلا » وأما أن لا يقيم ، فإن أقام البينة انتزعت العين من ذي اليد ولا يلتفت الى يده لتقدم الاستصحاب عليه كما عرفت في صورة المنازع.

وان لم يقم فان كان الحاكم عالما بأنها كانت ملكا للمدعي سابقا ففي قضائه حينئذ بعلمه اشكال : من تقدم الاستصحاب على اليد كما عرفت ، ومن أن الملك السابق ليس أمرا ملزما على المدعى عليه كما سبق في مسألة تعارض التقديم والأقدم ، فلا وجه لقضائه عليه بعد أن لم يكن علمه متعلقا بأمر ملزم الا بعد الاستصحاب الذي ليس من موازين القضاء كما سبق.

ولعل الثاني أظهر ، بناء على ما مر من أن الثابت عند الحاكم لا بد أن يكون ملزما بنفسه على المدعى عليه من غير ضميمة استصحاب الحاكم ولو في الزمن السابق ، فعلمه بما ليس بملزم الا به ليس علما بالميزان.

نعم قد يقال : انه ينبغي أن يطالب البينة من ذي اليد ، لعدم العبرة بيده في مقابل الاستصحاب وان لم يصلح الاستصحاب ميزانا للقضاء ، فإن إبطاله أثر اليد لا مانع منه ولا بعد بالتزامه.

الا أن يقال : بأن استصحاب الحاكم غير مؤثر مطلقا لا في القضاء ولا في

٢٦٣

انقلاب المنكر مدعيا ، لان الانقلاب بالأخرة يرجع الى القضاء بالاستصحاب ولو في بعض الأحوال ، وهو صورة عدم إقامة ذي اليد البينة.

بقي شي‌ء ، وهو أن سائر الأحكام العملية غير القضاء هل يترتب على اليد في حال المنازعة أو يقدم الاستصحاب عليها في مقام العمل أيضا ، والظاهر الأخير لما مر.

تلخيص

( فيه توضيح لما ابسطنا )

وهو أن اليد اما أن لا تكون معارضة باستصحاب ملك أحد معين أو غير معين ، أو يكون :

فعلى الأول تكون دليلا على الملك مطلقا ، فيترتب عليها جميع أحكام الملك حتى الشهادة عند القائلين بجواز الشهادة بالملك لأجل اليد ، من غير فرق بين صورة تصرف ذي اليد أو ادعائه للملكية وعدمها ، ولا بين وجود المنازع وعدمه لكونهما دليلا على الملك في مقابل أصالة عدم مالكية صاحبها.

وعلى الثاني فاما أن لا ينازعه أحد أو ينازع : وعلى الأول يقدم اليد على الاستصحاب في جميع الاحكام مع التصرف أو الادعاء وبدونها على اشكال سبق. وعلى الثاني فاما أن يكون ذو اليد منكرا ـ بأن يكون المنازع غير من علم بكون العين ملكه سابقا ـ أو يكون مدعيا : وعلى الأول يقدم اليد على الاستصحاب أيضا في جميع الاحكام حتى في أحكام القضاء سواء كان ذلك الغير معلوما أو مجهولا. وعلى الثاني فاما أن يكون ذو اليد مقرا بملكه سابقا أم لا :

وعلى الأول لا عبرة باليد مطلقا ، وعلى الثاني فإن أقام المدعي بينة على الملك

٢٦٤

السابق فكذلك ، والا ففي قضاء الحاكم بعلمه بالملك السابق اشكال عرفته. والله العالم بحقائق الأحكام.

[ الشهادة على الملك باستناد العلم السابق ]

ولنختم الكلام بذكر مسألة ذكرها في محكي المختلف فان فيها بعض التأييد لما فصلنا ، قال قدس‌سره : مسألة قال أبو الصلاح : وإذا كان الشاهد عالما بتملك غيره دارا أو أيضا أو غير ذلك ثمَّ رأى غيره متصرفا فيها من غير منازعة من الأول ولا علم بإذن ولا مقتضى لإباحة التصرف من إجارة أو غير ذلك لم يجز له أن يشهد بملكها لواحد منهما حتى يعلم ما يقتضي ذلك في المستقبل.

وليس بجيد ، لان العلم السابق يستصحب حكمه الى أن يثبت المزيل ، والتصرف مع السكوت لا يدل على الخروج عن الملكية ، بخلاف ما لو شاهد غيره متصرفا بغير منازع ولم يعرف سبق الملك لأحد عليه ، فان جماعة من أصحابنا جوزوا له أن يشهد بالملك المطلق ، أما مع سبق العلم بالملك المعين فلا.

قال : وإذا غاب العبد أو الأمة عن مالكه لم يجز له أن يشهد ما كان يعلمه من تملكه لهما ، الا أن يعلم غيبته لا باق أو اذن المالك.

وليس بجيد كالأول. نعم ان اعترضه شك في بقاء الملك لم يجز له أن يشهد بأنه الان ملكه بل انه كان ملكه في الزمان الماضي وكان مقصوده ذلك ، وحينئذ يصح ما قاله « ره » ـ انتهى كلامه وسع الله مقامه.

ولقد أجاد بإفادته حقائق :

( منها ) خروج اليد المعارضة باستصحاب ملك أحد معين عن مورد جواز الشهادة بالملك لأجلها. ومن الواضح خروجها حينئذ عن جميع الاحكام المترتب

٢٦٥

على اليد من الشراء وغيره ، لثبوت الملازمة بينهما بحكم رواية حفص (١) ، حيث استدل فيها الامام عليه‌السلام بجواز الشراء على جواز الشهادة ، فصارت الملازمة بين الشهادة والشراء وغير هما من الأحكام أصلا حتى يثبت التفكيك من الخارج كما ثبت في البينة ، فإن الشراء وغيره من آثار الملك المترتب عليها قولا واحدا ، بخلاف الشهادة كذلك أو على المشهور.

( ومنها ) الفرق في دلالة اليد على الملك بين ادعاء ذي اليد وعدمه وبين وجود المنازع وعدمه وبين معارضته بالاستصحاب وعدمه ، وهي الأمور التي فصلنا الكلام فيها.

( ومنها ) جواز الشهادة بموجب الاستصحاب ان لم يعرض له شك في البقاء ، أعني التزلزل والتحير الذي لا يكون الا مع قيام أمارة عرفية أو شرعية على خلاف الحالة السابقة وعدم الجواز مع عروض الشك. وليس المراد مطلق الشك ، بل التحرير الذي ليس بناء العرف على الإغماض عنه بمجرد صرف الحالة السابقة ، كما هو الظاهر بعد تأمل ما في كلامه.

قال في الوسائل بعد ذكر أخبار اليد ورواية حفص وغيرها ما هذا لفظه : ولا ينافي هذا ما يأتي في باب الشهادات من جواز الشهادة بالاستصحاب ، لان المفروض هناك عدم دعوى التصرف الملكية ، على أنه لا منافاة بين جواز الشهادة وبين عدم قبولها لمعارضة ما هو أقوى منها ولا بين جوازها وعدم وجوب القضاء قبلها ـ انتهى كلامه رفع مقامه (٢).

وفي كلامه نظرات لا تخفى على المتأمل ، وان كان في اشتراط دعوى المتصرف في دلالة اليد بعض التأييد لما قلنا. والله العالم.

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ح ٢.

(٢) الوسائل ج ١٨ ب ١٢ من أبواب كيفية الحكم ح ١٥.

٢٦٦

القول في التداعي في العقود

التقاط

[ التنازع في العقد المتسالم على وقوعه ]

قد سبق في التداعي في الأملاك أن الأصل في القضاء أن يكون أولا بالبينة ومع تعذرها ـ بأن يكون نسبتها الى كل من المتداعيين بالسوية ـ فالقرعة مع اليمين ، ومع تعذرها ـ بأن نكل الأخر عن اليمين بعد رد من خرجت باسمه عنها ـ فالتنصيف ، ومع تعذره ـ بأن لا يكون قابلا له كالزوجية ـ فبالقرعة المجردة على أحد الاحتمالات كما مر.

إذا عرفت هذا فاعرف أنه إذا تنازعا في العقد المتسالم على وقوعه ، فهذا يتصور على وجهين :

( أحدهما ) أن يكون المقصود من النزاع في العقد عوضا أو معوضا صرف التوصل إلى النتيجة ، أعني المسبب ، كما إذا قال المالك « آجرتك بدرهمين » وقال المستأجر « بل بدرهم ».

( الثاني ) أن يكون الغرض سوى النتيجة ، بأن يكون الغرض حكما وضعيا

٢٦٧

ثابتا للعقد ، كأن يقول المستأجر « أجرتني بدرهمين » ويقول المالك « بل بدرهم » ، وذلك في مواضع : مثل أن يكون مقصود المستأجر إثبات الغبن فيفسخ المعاملة ، ومثل أن يكون النزاع بعد الفسخ مع تسليم العوض فتأمل ، ومثل أن يقول المشتري « اشتريت بألف » ويقول الشفيع « بل بمائة ».

وبالجملة سواء كان مدعي الزيادة هو المالك أو المستأجر أو البائع أو المشتري أو الأجنبي كالشفيع ، فان الغرض من هذه الدعوى في هذه الصور ونظائرها ليس المال واشتغال الذمة وعدمه ، بل الغرض حكم وضعي غير ثابت لنفس العقد.

فان كان الغرض هو الاشتغال فلا ريب ، كما أشرنا اليه أن ذكر العقد حينئذ مجرد توطئة لا يكون منشئا لملاحظة التداعي في نفسه ، بل لا بد حينئذ من النظر في الاشتغال وتقديم قول كل من يوافق قوله الأصل أو تقديم بينته.

وعن الشيخ القول بالتحالف. ولا وجه له كما تقدم ، لان ذكر العقد في هذا الفرض توطئة لدعوى اشتغال الزائد ، فلا بد من ملاحظة الدعويين في النتيجة لا في العقد حتى يكون كل منهما مدعيا فيجري فيه التحالف.

وان كان الثاني ـ وهو أن يكون للعقد جهة موضوعية بأن يكون الغرض ثابتا في نفس العقد كما في الصور المفروضة ـ فهاهنا يحكم بالتداعي والتحالف مع عدم البينة وبتعارض البينتين مع التساوي والقرعة.

لكن المحكي عن الحلي والأكثر تقديم قول المستأجر مع عدم البينة وترجيح بينة المؤجر مطلقا لكونه من باب المدعي والمنكر. وهو جيد في القسم الأول لا في هذا القسم الذي فرضنا تعلق الغرض فيه بنفس العقد.

ويمكن تنزيل إطلاق كلامهم على الغالب ، إذ الغالب في التداعي في الإجارة بعد التسالم على المنفعة في المدة المعينة كون المالك مدعيا لزيادة الأجرة ،

٢٦٨

فيكون مدعيا حينئذ لكونه من القسم الأول ، فيتجه تقديم بينة وكذا تقديم قول المستأجر مع عدم البينة.

[ الفرق بين المقام وما سبق من حكم المتداعيين ]

هذا ، واعلم أن التداعي في الاملاك مقتضى القاعدة فيها بعد تعارض البينتين القرعة دون التحالف كما أشرنا إليه هنا وأوضحناه فيما سبق ، ومقتضى القاعدة في المقام خلافه ، أعني التحالف.

والفرق هو أن كلا من المتداعيين فيما نحن فيه مدعي لشي‌ء وهو العقد المعين ومنكر لشي‌ء آخر وهو العقد الذي يدعيه صاحبه. ففي كل منهما جهة ادعاء وجهة إنكار ، ووظيفتهما باعتبار جهة الادعاء البينة وباعتبار جهة الإنكار الحلف ، فاذا تعذر القضاء بوظيفة الجهة الأولى لفقد البينة منهما أو لتعارض البينتين تعين القضاء بمقتضى الجهة الثانية ، وهو الحلف.

ولذا حكموا بالتحالف هنا عند عدم البينة ولم يحكموا به في التداعي في الاملاك بل بالقرعة أو التنصيف كما مر ، لعدم كون كل من المتداعيين هناك منكرا من جهة أخرى غير جهة الادعاء. لكن مع ذلك ترى الكل أو الجل هنا حاكمين بالقرعة بعد التعارض والتساوي ، ولعل الوجه في ذلك هو النظر إلى إطلاق ما دل على القرعة في تعارض البينتين أو عمومه الشامل للتداعي في الاملاك والعقود.

ومثل الأول ما لو رجعت الزيادة والنقيصة إلى اللفظ ، كما لو قال المؤجر بعشرة وقال المستأجر بل بخمسة عشر ، فان القول قول المالك ، لأصالة عدم ذكر الخمسة.

ومثل الثاني ما لو كان الاختلاف في الفرض بين المتباينين ، كما لو قال

٢٦٩

أحدهما « آجرتني بثوب » وقال الأخر « بل بعبد » ، فان الحكم فيه هو احكام التداعي ، فان لم يكن لأحدهما بينة تحالفا ، فان حلفا حكم بالتفاسخ ظاهرا.

ويشكل الأول بأنه يؤدي الى حبس كل منهما حق الأخر مقاصة ، مع أنه وردت أن اليمين تذهب بما فيه ، وقد تقدم رفع الإشكال في يمين المنكر ، فارجع وتأمل. ويشكل الثاني بأن الحلف ليس الا ميزانا للقضاء ، والتفاسخ يحتاج الى سبب جديد للنقل.

وقد يوجه ـ بعد ظهور الاتفاق الا عن الشيخ في محكي الخلاف حيث قال فيه أيضا بالقرعة نظير صورة تعارض البينتين ـ بأن حلف كل منهما على نفي استحقاق الأخر يوجب سقوط حقه أبدا ظاهرا ، لان يمين المنكر تذهب بما فيه مطلقا ، وهو معنى الانفساخ ، لان المالك إذا حلف على عدم الإجارة بعشرين مثلا سقط حق المستأجر عن العين المستأجرة ظاهرا بيمينه وكذا العكس ، فيترتب عليه إبقاء كل من العوضين في يد مالكه وهو الفسخ.

وان نكلا فهل يحكم أيضا بالتفاسخ؟ لم ينصوا على شي‌ء في المقام. والظاهر نعم كما عن الدروس لعين ما قلنا في صورة التحالف ، لان نكول كل منهما يوجب سقوط حق الناكل. ومرجعه الى التفاسخ ، لأنه إذا سقط حق المؤجر عن الأجرة بنكوله وسقط حق المستأجر عن المنفعة بنكوله لزم من النكولين إقرار المنفعة في يد المالك وإقرار الأجرة في يد الأجير.

وفيه : ان سقوط الحق بالنكول هذا لا بد أن يراعى الى زمان قيام البينة ، لنكول المدعي عن اليمين المردودة على ما بينا سابقا ، نظرا الى كون النكول هنا أيضا نكولا عن يمين المدعي المردودة من المنكر ، لأنه إذا نكل كل منهما عن يمينه التي هي يمين المنكر ، فلا بد من الرد إلى الأخر ، فنكول الأخر عن اليمين لا بد نكول عن اليمين المردودة وكذا الأول.

٢٧٠

نعم لو قلنا بأن النكول عن اليمين المردودة كيمين المنكر في إسقاط الحق أبدا وانه لا يسمع البينة بعده ، كما استدللنا بظاهر قوله عليه‌السلام « وان نكل ـ أي المدعي ـ فلا حق له » وبينا وجه دلالته في اليمين المردودة ، اتجه كون نكولهما في المسألة بمنزلة حلفهما في الإسقاط الأبدي ، ويتفرع عليه التفاسخ الظاهري.

وان أقام أحدهما البينة دون الأخر ففي المسالك قضى له ، وهو واضح.

وفيه اشكال سبق في مسألة أن بينة المنكر إذا سمعت بينته كما إذا كان إنكاره ملزوما أو لازما لجهة إثبات أمكن إقامة البينة عليه فهل تغني بينته عن حلفه.

وجه الاشكال : انه على تقدير عدم الإغناء كما هو القوي بل الأقوى كما تقدم لزم الحكم هنا بالحلف مع البينة ، لأنه منكر لما يدعي عليه صاحبه وان كان مدعيا عليه شي‌ء آخر واقامة البينة على دعواه وان كان تحققه لإنكاره لكن الحلف حق للمدعي فلا يسقط بثبوت حق لخصمه عليه.

ثمَّ ان إطلاق كلامه لا بد أن ينزل أيضا على ما إذا كان التداعي في العقد راجعا الى الاختلاف في أحد العوضين بأن يكون صدور عقد واحد معين مشخص مفروغا عنه فيما بينهما وكان نزاعهما في العوض أو المعوض كالأمثلة المتقدمة.

وأما إذا كان راجعا الى الاختلاف في العقدين مع احتمال تحقق كل منهما في نفس الأمر ، فأقامه أحدهما البينة على دعواه لا يوجب سقوط دعوى الأخر ، بل يجب القيام بوظائف تلك الدعوى من الحلف وغيره ، كما إذا اختلفا فقال البائع « بعتك دارا بدينار » وقال الأخر « بل فرسا بدرهم » فان قيام أحدهما البينة لا يوجب طي دعوى الأخر كما لا يخفى.

الا أن كون ذلك من التداعي في العقد لا يخلو عن شي‌ء ، لأن الاختلاف

٢٧١

هنا ينحل الى دعويين مستقلتين ، وان أقام كل منهما البينة فقد عرفت أن قضية القاعدة التحالف عكس التداعي في الاملاك.

لكن أدلة القرعة في تعارض البينتين مطلقة ، فلا بد من الإقراع ، وعليه الكل أو الجل. ومن خرجت باسمه حلف وقضي له ، وان نكل وحلف الأخر قضي له ، وان نكلا فقد يقال ان الحكم هنا أيضا التفاسخ بالبيان المشار اليه.

[ الفرق بين النكول نصا والنكول في دعوى الاملاك ]

ومن ذلك البيان يظهر أيضا وجه الفرق بين نكولهما نصا وبين نكولهما في دعوى الاملاك كالعين ، لان نكول كل منهما يوجب تعطيل العين ان لم يثبت كون التنصيف من وجوه القضاء بعد تعذر الجمع. بخلاف نكولهما في التداعي في العقد ، فإن قضية النكول سقوط حق الناكل ، ويترتب عليه بقاء كل من العوضين في يد مالكه.

وهل التفاسخ هنا أيضا مراعى أم لا؟ والظاهر العدم ، لان الفرق قيام كل منهما بينته وتساقطهما ، فلا شي‌ء بعدها حتى ينتظر ، فالتفاسخ حينئذ ثابت مطلقا الا أن يبنى على ترجيح البينة بالأكثرية ونحوها مما يتوقع حصوله في المستقبل فان المراعاة حينئذ لها وجه.

والأظهر أن نكولهما هنا لا يوجب الانفساخ ، وقياسه بنكولكهما في صورة التحالف ـ أعني صورة عدم البينة ـ باطل ، لان النكول هناك نكول عن اليمين المردودة عن المنكر كما بينا ، وقد عرفت الكلام فيه. بخلاف النكول هنا ، فإنه نكول عن اليمين التي هي بمنزلة جزء البينة ، لأن يمين من خرجت باسمه القرعة ليست يمين منكر ، لأن إنكاره إما من جهة كونه منكر الدعوى الأخر فهو حق ولكنه غير ملحوظ في صورة تعارض البينتين بحكم أخبار القرعة وان كان على

٢٧٢

خلاف القاعدة كما عرفت ، وان كان من جهة كون من خرجت باسمه منكرا باعتبار كون القرعة لتعيين المنكر وتميزه عن المدعي كما سبق الى بعض الأوهام ـ وفاقا للمحكي عن الشيخ ـ فقد عرفت فساده في دعاوي الاملاك في مسألة تعارض البينتين ، فليست اليمين هنا الا كيمين جزء البينة في كونها يمينا ثابتا للمدعي دون المنكر ، فاذا لم تكن هذه هي اليمين المردودة فلا توجب نكولها سقوط الحق ولو مراعى وانما غايته سقوط الدعوى.

نعم لو ثبت أن النكول عن كل يمين بمنزلته بالنسبة إلى الحق لا الى الدعوى فكما أن يمين من خرجت باسمه مثبتة لحقه فكذلك نكوله يكون مسقطا للحق لا للدعوى خاصة ، كان الحكم بالفسخ بعد نكولهما في المقام وجيها ، لان سقوط حق كل منهما في معنى الفسخ كما قررنا ، ولكنه غير ثابت. غاية الأمر كون النكول عن يمين المنكر كذلك وهو لا يوجب القول به في كل نكول.

وحيث أنه لا وجه لسقوط الدعويين أبدا في المقام بل في جميع المقامات لاستلزامه تعطيل الحق المنافي للحكمة الباعثة على تشريع القضاء ، ولا ينافي ذلك التوقيف في بعض الموارد الذي حصل فيه من عجز الخصمين عن القيام بالميزان مع كونه مجعولا من قبل الشارع كايقاف دعوى المدعي على اللص مثلا إذا لم يكن له بينة كما أوضحناه في مسألة القضاء بالتنصيف في التداعي في الاملاك اتجه الحكم هنا أيضا بالتنصيف لعين أدلة القضاء به في الاملاك.

فإن قلت : التبعيض في العقد غير جائز.

قلنا : نفس العقد من حيث هو مع قطع النظر عما يترتب عليه من الاحكام لا يصلح أن يكون مصبا للدعوى ، فمصب الدعوى هو الفرض المقصود ، والتنصيف في الفرض أمر ممكن حتى فيما إذا اختلفا في أحد العوضين على

٢٧٣

وجه التباين ، بأن يقول البائع « بعتك بعبد » وقال المشتري « بل بأمه » فإنه ينصف كل من العبد والأمة بينهما نصفين.

ولا ينافي ذلك العلم الإجمالي بخلافه ، لأنه لازم في موارد القضاء بالتنصيف مطلقا ، سواء كان في التداعي في الاملاك أو العقود. وقد وجهنا في تلك المسألة القضاء بالتنصيف مع كونه معلوم بطلانه إجمالا أو قلنا أنه مخالفة للعلم من حيث العمل لأمن حيث القضاء ، فان القضاء به قضاء بما لا يستطيع أحد المتخاصمين رده وعدم الرضا به إلا على وجه يحتج على فساده بالبينة التي هي من موازين القضاء ، فصار القضاء به من أطراف القضاء بالبينة وآثارها وفوائدها. فارجع وتأمل.

نعم لو كان التداعي في نفس العقد على وجه لا يعقل معه التنصيف ففيه القرعة المجردة ، لأن الحلف مع القرعة في مثله لغو كما ذكرنا سابقا ، لان الحلف الذي لا يترتب على نكوله ثمرة يكون طلبه لغوا.

اللهم الا أن يجوز إيقاف الدعاوي عند فقد الميزانين أعني الحلف والبينة وجعل الإيقاف من الثمرات ، فحينئذ يجب طلب الحلف أيضا رجاء لنكول من خرجت باسمه ، فيتوقف الدعوى.

واما على ما قوينا من عدم معنى للتوقيف فالوجه هو الاكتفاء بالقرعة ، ولا ينافي هذا ذكر الحلف في اخبار القرعة ، فإنه منزل على ما إذا كان الحلف له فائدة بأن يترتب على نكوله فائدة ولو إيقاف الدعوى ، فاذا لم يترتب الفائدة على النكول لغي الإحلاف.

لكن الإيقاف ليس من الفوائد ، لعدم جوازه عقلا بملاحظة الحكمة ، مضافا الى دلالة الروايات على كون التنصيف أيضا من طرق القضاء ، ولا مورد له الا في المقام ونظائره مما ليس فيه القضاء بالحلف والبينة والقرعة ممكنا.

٢٧٤

نعم يحتمل أن يقال بالقرعة المجردة ثانيا ، أي بعد القرعة الاولى والإحلاف ونكولهما لكن القول به مشكل بعد عدم بعد مصرح به من الأصحاب ، وكون عمومات القرعة لكل أمر مشكل من العمومات التي لا يعمل بها الا بعد فتوى جملة الأصحاب بمقتضاها.

وحيث ان ظاهر الأصحاب في المسألة ـ أعني التداعي في العقود بعد تعارض البينتين ـ عدم الاكتفاء بالقرعة الأولى مجردة عن اليمين ، انحصر الأمر بين التنصيف أو جعل النكول هنا كالنكول في صورة التحالف في كونه سببا للفسخ ، فأيهما يبطل بإجماع ونحوه يتعين الأخر. فلو ادعى أن التنصيف في الاختلاف في الثمن على وجه التباين أو المثمن مخالف للإجماع قلنا حينئذ بالتفاسخ لا بالقرعة المجردة.

والحاصل ان الاحتمالات في المسألة ـ أعني ما إذا أقرع وأحلف من خرجت باسمه ونكل ورد إلى الأخر مشكل أيضا ـ أربعة : أحدها الإقراع ثانيا من غير يمين ، والثاني إيقاف الدعوى وهما باطلان ظاهرا بالإجماع ، والثالث التنصيف مع الإمكان ، والرابع الانفساخ.

ومقتضى القاعدة هو الأول للعقل والنقل كما عرفت ، فان كان مخالفا للإجماع تعين الرابع ، فيجعل الإجماع على بطلان الاولى كاشفا عن كون النكول عن كل يمين واجبة موجبة لسقوط الحق ، أو عن كون القرعة في تعارض البينتين لتميز المنكر عن المدعي حتى يكون يمين من خرجت باسمه يمين إنكار. والله العالم.

التقاط

[ اختلاف الموجر والمستأجر في الأجرة أو مدة الإجارة ]

ذكر في الشرائع الاختلاف في زيادة الأجرة ونقصانها ، ونقل فيه قولين

٢٧٥

وتردد فيهما : أحد هما الحكم بتقديم بينة المالك لكون القول قول المستأجر فيكون بينته بينة الخارج ، والثاني الحكم بتعارض البينتين لان كلا منهما يدعي عقدا يتبعه الأخر.

ثمَّ قال : ولو ادعى استيجار دار فقال الموجر « آجرتك بيتا منها » قال الشيخ يقرع بينهما ، وقيل القول قول الموجر ، والأول أشبه ، لأن كلا منهما مدع.

ولو أقام كل منهما بينة تحقق التعارض مع اتفاق التاريخ ـ انتهى كلامه طيب مقامه.

وهذه المسألة عكس مسألة الاختلاف في الأجرة قلة وكثرة ، وظاهر هذه العبارة أن قول الشيخ بالقرعة انما هو في صورة عدم البينة مع أنها مورد التحالف لا القرعة.

نعم للشيخ قول آخر في محكي الخلاف بالقرعة في مورد حكم الأصحاب فيه بالتحالف ، أعني صور فقد البينة. ولكن هذا القول من الشيخ مذكور في المبسوط لا في الخلاف ، ومذهبه في المبسوط مثل مذهب الأصحاب ، أعني التحالف عند عدم البينة في التداعي. والدليل عليه أن العلامة نقل هذا القول عن مبسوط الشيخ في محكي التحرير ، وعبارته المحكية وكذا عبارة التحرير كلاهما صريحتان في أن مورد كلام الشيخ في مسألة الاختلاف في الدار أو البيت صورة عدم البينة ، ففي عبارة الشرائع نوع مؤاخذة.

وكيف كان فالأظهر في المسألة ما ذكره صاحب المسالك من أن النزاع هنا يرجع الى نزاع المدعي والمنكر لا إلى التداعي ، فقول القيل هو الأظهر ، لأن انتقال البيت متفق فيه وانما الشك في الزائد ، نظير الاختلاف في الأجرة.

لكن المحقق مع تردده في الاختلاف في الأجرة اختار في مسألة البيت قول الشيخ ، أعني تعارض البينتين الذي هو من خواص التداعي ، ولا يجري في المدعي والمنكر.

٢٧٦

والفرق بينهما بعيد كما في المسالك ، مع أنهم في باب الإجارة لم يفرقوا بين الاختلاف في الأجرة أو في العين المستأجرة ، فحكموا بتقديم قول المستأجر مطلقا إذا رجع النزاع الى مقدار أحد العوضين.

وقد يوجه الفرق بأن الدار مركبة ، ونقل شي‌ء مركب نقل واحد متعلق بأمر واحد وان كان مستلزما لنقل الاجزاء تبعا ، الا أن النقل التبعي غير ملحوظ في إنشاء نقل المتبوع ، بخلاف الأجرة إذا كانت مرددة بين الأقل والأكثر كالمائة والألف فإن تمليكها ينحل الى تمليكات عديدة حيث تعدد الاجزاء ، فالاختلاف في الأجرة مع ثبوت القدر المتيقن يرجع الى التداعي مطلقا. وفيه تأمل.

ثمَّ على تقدير كونه من التداعي والحكم بالقرعة والقضاء بالتنصيف بالنكول كما مر ، فالبيت ان اتفقا على إجارته كما في كشف اللثام وهو في إجارة الى أن تمضي المدة ويقتسمان الباقي نصفين ويسقط من الأجرة بحسبها.

قال بعض مشايخنا قدس‌سره : وفيه ان المتجه في الأول ثبوت تمام الأجرة مع أجرة ما فيه النزاع ، مثلا إذا كان الدار لها بيتان كان للمستأجر بيت ونصف بإزاء سبعة ونصف على الأول وبإزاء مجموع العشرة على الثاني.

وهو الحق ، لأن نظر الفاضل إلى قاعدة انفساخ العقد والمعاوضة بالنسبة الى نصف ما عدا البيت ، وعليه فلا بد من جعل قسط من العوض في مقابل ما عاد الى ملك الموجر.

وليس في محله ، فان تنصيف الباقي هنا انما هو لأجل العمل بالبينتين في نصف مؤداهما ، ومقتضاه العمل ببينة المؤجر في نصف البيت ، بأن يجعل نصف الدار ـ وهو البيت ـ في مقابل نصف الأجرة وهو الخمسة ، ويرجع حاصله إلى إعطاء بيت ونصف بإزاء العشرة.

ولك أن تقول : انه يجمع العوضان ـ وهو عشرون ـ ويجمع العوضان ـ

٢٧٧

وهو الدار وبيتا وهو نصفه في المثال المفروض ـ ويقسمان ، ويرجع الحاصل الى أن المستأجر يأخذ نصف العوضين وهو نصف الدار ونصف البيت الذي هو ربع الدار بإزاء نصف الأجرتين وهو العشرة.

ولك أن تقول : ان المتفق عليه يبقى بحاله ، فالأجرة والبيت يبقيان بحالهما ويقسم المختلف فيه ـ وهو ما عدا البيت من الدار ـ وقد يختلفان في الزمان مع الاتفاق في الأجرة والعين ، فيدعي المستأجر شهرين والموجر شهراً. ويعرف حكمه مما ذكر ، فيأخذ العين المستأجرة في شهر ونصف شهر بإزاء تمام الأجرة لما مر.

[ حكم ما لو كان البينتان مؤرختين ]

هذا كله إذا كان البينتان متفقتين في التاريخ أو مطلقتين ، فان كانتا مؤرختين بطل الثاني لعدم تعلقه بحمل قابل للأثر. ثمَّ ان كان المقدم بينة الدار فلا اشكال وان كان بينة البيت بطل الثاني بالنسبة الى البيت لا مطلقا ، فيصح العقد في الباقي ويسقط من الأجرة بالنسبة. ففي المثال المذكور ـ أعني البيت المشتمل على البيتين المتساويين ـ يثبت على المستأجر خمسة عشرة بإزاء مجموع الدار كما يظهر بالتأمل.

هذا إذا علم اتحاد العقد وفساد أحد العقدين ، ولو فرض إمكان اجتماعهما ـ كما إذا احتمل انتقال منفعة الدار بعد الإجارة السابقة إلى المالك لإقالة ونحوها ـ فعن الدروس انه يجمع بين الاجارتين ، لان الاستيجار يبطل ملك المستأجر فيما سبق ، وهو على تقدير حجته خارج عن مفروض كلام الأصحاب ، لأن الكلام في تعارض البينتين ، وهنا لا تعارض.

٢٧٨

مع إمكان المناقشة فيما ذكره من العمل بالاستيجار الثاني جمعا : أما أولا فلان الأكثر في مسألة تعارض بينة القديم والأقدم يرجح الأقدم ، وأما ثانيا فلان مقتضى الجمع تقديم السابق أيضا وانه مثل ما لو تداعيا على عين وأقام أحدهما بينة على أنه اشتراها من الأخر أمس وأقام هو على أنه ملكه في الحال أو بعد الأمس.

وقد عرفت سابقا في تلك المسألة أن بينة الأقدم إذا كانت مسببة عن سبب ملزم أخذ بها ويطرح بينة القديم بالملك المطلق. فارجع وتأمل.

وهنا كل من أقام البينة على الإجارة السابقة فقد أقامها على الملك المسبب عن سبب ملزم ، فيؤخذ بها. الا أن يقال : ان بينة القديم هنا أيضا تشهد بالملك المسبب كالاقدم. والله العالم.

التقاط

[ ادعاء مدعيين شراء دار معينة ]

لو ادعى اثنان شراء دار معينة في يد ثالث واقباض الثمن للبائع : فان لم يكن لأحدهما بينة أقرت في يد في اليد مع يمينه لهما ، وان صدق أحدهما دفعت اليه وحلف الاخران الإقرار بمنزلة التلف السماوي وإلا سقط الحلف لانفساخ العقد على تقدير ثبوته بالإقرار ، ولو قال « لا أدري لأيكما » تقارعا أو تحالفا على الوجهين المتقدمين في التداعي على العين ، ولو أقام كل واحد البينة أقرع بعد التساوي في التاريخ ، فان حلف من خرج اسمه أخذ العين وللآخر استرداد الثمن عملا ببينته من دون معارض ، لأن المعارضة انما كانت في المبيع لامتناع كونه لهما وأما إقباض كل منهما الثمن فأمر ممكن يثبت بالبينة.

وهل يفيد تصديق ذي اليد لأحدهما بأن يصير العين للمصدق أو يجعله

٢٧٩

داخلا فيقدم بينته أو بينة الأخر الخارج. وفي الشرائع لا يقبل قول البائع لأحدهما. وهو كذلك لعدم الدليل على حجية قوله بعد معلومية عدم كونه مالكا بموجب البينتين.

وما قلنا من قبول قوله مع عدم البينة لا يستلزم القبول معها ، لأنه في حال كونه محكوما بمالكية ما في يده إقراره نافذ في حقه ، فاذا أقر لأحدهما نفذ وثبت الملك ، وأما بعد معلومية عدم كونه مالكا فلا دليل على حجية قوله.

ودعوى أن قول ذي اليد مسموع فيما في يده ولو لم يكن يده يد ملك.

مدفوعة بعدم الدليل على أن اخباره حجة على الغير ، وقبول قوله مع عدم البينة انما هو لأجل كونه إقرارا لا لأجل كون إخباره حجة.

ونقل عن الشيخ في المبسوط قبول قول البائع تنزيلا للبينتين المتعارضتين منزلة ما إذا شهدت بينة واحدة على أنها لأحدهما ولم يتعين.

وفيه : ان الفرق بينهما غير بعيد ، لأن البينة القائمة على أنها لأحدهما وجودها كعدمها لأنها ليست حجة معتبرة. بخلاف البينتين المتعارضتين ، فإنهما معتبرتان في أنفسهما. والتعارض انما يرجع على التعيين ، فهما حجتان متعارضتان متفقتان في عزل المالك عن العين وجعله أجنبيا عنها ، فلا أثر لقوله حينئذ.

بخلاف البينة المحتملة ، فإنها ليست حجة في شي‌ء فلا توجب عزل المالك وجعله أجنبيا حتى لا ينفذ اخباره.

نعم لو بنى على احتمال أبداه في الدروس من تساقط البينتين وعود المالك الى الحالة الاولى ، أعني حالة عدم قيام البينة حتى أنه يحلف حينئذ لهما مثل صورة عدم البينة أمكن حينئذ قبول قوله لهما.

ولكنه خلاف ظاهر الأصحاب ، فإنهم قائلون في تعارض البينتين بالقرعة كما تقدم.

٢٨٠