كتاب القضاء - ج ٢

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ٢

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣١٩
الجزء ١ الجزء ٢

ذي اليد في الزمان السابق ، فيكون مثل الاشتغال السابق ، ولم يعلم قول الأصحاب بعدم كفاية البينة على الملك السابق في مثل هذا الفرض.

فائدة

[ الفرق بين شهادة البينة بالملك السابق ]

[ وإقرار ذي اليد ]

علل في القواعد الفرق بين شهادة البينة بالملك السابق وبين إقرار ذي اليد ، بأن البينة تخبر عن تخمين والإقرار اخبار عن تحقيق.

وهذا التعليل بظاهره عليل كما لا يخفى.

ويمكن توجيهه بما فيه بعض المنافاة لما ذكرنا في وجه الفرق ، وهو أن البينة اخبارها يحتمل أن يكون مستندا الى العلم بسبب الملك السابق وعلى العلم ببعض أمارات الملك كاليد. ومثل هذه لا تكون مطابقة للدعوى ، لأنها على تقدير استنادها إلى أمارة الملك السابق لم توجب بالفعل ـ أي في حال الدعوى ـ على المدعى عليه شيئا ، فلا تكون منطبقة على الدعوى وهو الملك الفعلي ، وذلك لان وجود السبب في أحد الأزمنة سبب ومقتض في جميع الأزمنة الى أن يعلم المزيل.

ويكفي في الانطباق قيام البينة على وجود المقتضي والسبب بالفعل ، لأن الدعاوي كما تثبت بثبوت نفسها كذلك تثبت بثبوت سببها ، فلا فرق بين البينة التي تشهد بالملك الفعلي وبين البينة التي تشهد بمقتضى الملك ـ أي بوجود المقتضي فعلا في حال الدعوى ، فاذا كان حال البينة مجملة لم تنفع ، فقوله « ان البينة تخبر عن تخمين » إشارة الى أن البينة لا يجب أن يكون مستند شهادتها العلم بالملك السابق عن سبب حتى تكون مطابقة للدعوى ، لاحتمال كون مستندها العلم به عن أمارة شرعية فلا تكون منطبقة ، بخلاف الإقرار فإنه من

٢٤١

الملزمات الشرعية سواء كان قبل الدعوى أو في حالها ، فيجري وجوده السابق مجرى السبب السابق في كونه مقتضيا للملك الفعلي.

فالفرق بين البينة والإقرار انما جاء من جهة كون الإقرار ولو سابقا بمنزلة الأسباب التي مقتضاها الملك في جميع الأزمنة ما لم يمنع المانع والمزيل ، بخلاف البينة فإنها أعم من أن يكون مؤداها وجود الملك سابقا عن سبب أو عن أمارة. فالإقرار بالملك السابق إقرار بما يقتضي المدعى به ـ أعني الملك الفعلي ـ ولو لم يكن علة له ، فيكون منطبقا على دعوى المدعي ، إذ لا فرق في الانطباق بين أن يكون الميزان الشرعي قائما بالمدعى به فعلا عن الملك الفعلي أو بما يقتضيه شأنا لو لم يكن له مزيل في الواقع.

وعلى هذا الفرق ينبغي أن يفرق أيضا بين شهادة البينة بنفس الاشتغال السابق أو بسببه كالقرض ، فينفع في الثاني دون الأول ، لأن الاشتغال السابق غير منطبق على الدعوى وهو الاشتغال الفعلي ، بخلاف سبب الاشتغال كالقرض السابق ، فإنه منطبق على الدعوى ، لان وجود سبب الشي‌ء ومقتضية في أحد الأزمنة يقتضيه مطلقا الى أن يحصل الرافع.

فالشهادة بالقرض السابق شهادة بالاشتغال الفعلي ـ أي يقتضيه فعلا ـ ولو لم تكن شهادته بعلته التامة ، بخلاف الشهادة بالاشتغال السابق والاشتغال في الحال كلاهما معلولان لعلة ثالثة وهو القرض أو شي‌ء آخر ، فلا ينطبق على الدعوى ، لان شرط الانطباق كون المشهود به عين المدعى به أو علته التامة أو مقتضية وسببه ، والاشتغال السابق ليس شيئا من الثلاثة.

وهذا خلاف الطريقة التي سلكناها في الفرق بين الشهادة بالملك السابق أو بالأسباب كالنكاح والبيع ونحو هما ، فان مقتضى تلك الطريقة عدم الفرق بين

٢٤٢

النكاح والزوجية أو بين القرض والاشتغال ، لان مناطها كان شيئا موجودا فيهما وهو كون المشهود به في السابق أمرا ملزما على المدعى عليه.

الا أن يقال : ان الشهادة بالزوجية أو بالاشتغال لا تكون إلا عن سببهما ولو غالبا ، بخلاف الشهادة بالملك فإنها غالبا مبنية على التخمين ـ أعني الاستناد إلى الأمارة ـ فلا تكون شهادة بالسبب ، ولذا لا تكفي في دعوى الملك الفعلي ولا أقل من الاحتمال.

والحاصل ان الشهادة بسبب المدعى به ولو في السابق شهادة به ، لان المدار في ثبوت الأشياء على ثبوت سببها ومقتضيها لا على ثبوت نفسها أو ثبوت علتها التامة ، فكل شهادة ترجع إلى الشهادة بالسبب تسمع ولو تعلقت بالمسبب كالزوجية السابقة والاشتغال السابق ، إذا الزوجية والاشتغال لا يعلمان الا بسببهما ، فالشهادة بهما شهادة بسببهما إجمالا ، فتسمع كالشهادة بسببهما تفصيلا.

لا يقال : ما ذكرت من كفاية الشهادة بالسبب وانطباقها على المدعى بدون ضم الاستصحاب ممنوع ، لان المدعى به ان كان هو نفس وجود السبب من غير ضم سلامته عن المانع في الحال فدعواه دعوى غير ملزمة ، إذ لا يترتب عليه بعد ثبوته وجود المسبب فعلا ، لان المسبب لا يتحقق الا بعد وجود السبب وسلامته عن المانع ، والمعلوم انما هو سلامته عنه في السابق دون اللاحق.

ففي زمان الدعوى لا يترتب على وجوده السابق شي‌ء لازم على المدعى عليه حتى يكون دعواه دعوى ملزمة ، وان كان المدعى به هو وجود المسبب مع عدم المانع فالبينة غير مطابقة للدعوى كما لا يخفى.

لأنا نقول : نحن نختار الأول ، أعني كون المدعى به هو وجود المسبب.

قولك ان نفس وجوده أمر غير ملزم في الحال ، قلنا ممنوع لان عدم كونه ملزما مبني على احتمال لو التفت اليه انقلب المنكر مدعيا مطالبا بالبينة ، وهو احتمال

٢٤٣

طرو المانع في الحال. وحيث أن هذه الدعوى التقديرية الثانية لا تجدي في حبس العين أو الدين ، لأنها على فرض تحققها لا ينفع في حبسهما بل عليه رد العين أو الدين مثلا قبل إقامة البينة على المزيل الرافع للمسبب في الحال ، فلا جرم يلزم بالدفع الى أن يدعي المزيل ويقيم عليه البينة فيستردان قضاء بوظيفة الدعوى الجديدة.

والظاهر أنه لا خلاف فيه أيضا بين الأصحاب ، يدل عليه ما ذكروه في ميزان الدعاوي المسموعة وأنها لا بد أن تكون ملزمة وأنه لو ادعى الهبة بدون دعوى القبض لم تسمع ، بل لا بد من ضم دعوى القبض ، مع أن دعوى الهبة المقبوضة ليس الا دعوى سبب الملك.

ولو قيل : ان مرادهم دعوى القبض مع دعوى الملك الفعلي. فهو واضح الفساد ، لان دعوى القبض حينئذ تكون لاغية ، لأن دعوى الملك الفعلي كافية في السماع. وقد صرح العلامة في هذا الباب بعد أن ذكر عدم كفاية البينة على الملك السابق : انه لو أقامها على الشراء من المدعى عليه في السابق كانت كافية.

وبالجملة الظاهر من دعاوي الأسباب دعاوي مسموعة ولو لم يضم إليها دعوى عدم المزيل أو دعوى وجود المسبب فعلا. نعم قد تقدم سابقا أن الشهيد منع في محكي الدروس عن سماع دعوى البيع بدون دعوى عدم تحقق الفسخ.

الا أن ذلك خلاف ظاهر بنائهم ، إذ لو لا ذلك لانسد باب الاشهاد على الأسباب كالبيع والصلح والقرض والنكاح ، وبطلانه ضروري.

فإن قلت : الاشهاد على الأسباب انما هو لأجل كونه مفيدا في بعض الصور وهو ما إذا أنكر المدعي أصل وجود السبب ، بأن تقول الزوجة مثلا : ان العقد لم يقع بيني وبين المدعي أصلا. فإن وجود السبب في مثل هذه الصورة يكون ملزما ، حيث أن المنكر إنما أنكر وجود المدعى به في الحال باعتبار إنكاره

٢٤٤

وجود السبب رأسا ، فبعد إثبات وجود السبب يبطل إنكاره ، لأنه معترف عدم وجود المزيل ، فأحد جزئي المدعى ـ وهو وجود السبب ـ ثبت بالبينة والجزء الأخر ـ وهو عدم المزيل ـ بالتسالم والإقرار.

قلت : الاعتراف التقديري ليس اعترافا ملزما ، فلا بد في هذه الصورة أيضا من إلقاء احتمال تجدد المزيل حتى تكون البينة مطابقة للدعوى ، وهو وجود السبب مع سلامته في الحال عن المانع والمزيل.

فكما يجب إلقاء هذا الاحتمال في هذه الصورة لكونه راجعا الى دعوى المزيل تقديرا ، فكذلك فيما إذا كان الإنكار ناظرا الى وجود المسبب في الحال بأن يقول في دعوى الدين مثلا ليس لك علي دين الان ، أو في دعوى النكاح لست أنا زوجتك ، فان الوجه فيهما واحد ، وهو كفاية البينة على السبب في إثبات المسبب فعلا.

فان قلت : على ما ذكرت يجب قبول البينة على وجود السبب في الجملة ، فلو أقام المدعي بينة على الشراء في السابق من زيد مثلا لزم أن يكون ذلك كافيا في الانطباق ، ولا يلزم أن يكون السبب المدعى به هو الشراء من المدعى عليه خاصة ، لأن الشراء حين وجوده كان علة للملك فعلا ومقتضيا له في جميع الأزمنة المستقبلة الى أن يعلم السبب الناقل ، فلا فرق بين البينة على الشراء من المدعى عليه سابقا أو من شخص آخر ، فما وجه الفرق بينهما كما ذكرت.

قلت : الشراء من زيد ليس سببا واقعيا للملك الا مع البناء على ملك زيد البائع بمقتضى يده ، فالشهادة على الشراء منه شهادة تخمينية أيضا ، لاحتمال استنادها في الشراء إلى أمارة ملك البائع ، فلا تكون شهادة لوجود السبب الواقعي.

٢٤٥

فإن قلت : يندفع هذا الاحتمال بما لو صرح البينة بأن المدعي اشتراها من مالكه الواقعي ، فلا بد من القبول.

قلت : هذا أيضا لا ينفع ، لأنها حينئذ تنحل الى شهادتين : إحداهما تحقيقية وهي الشهادة بالشراء ، والأخرى تخمينية وهي الشهادة بملكية البائع ، فتكون مثل الشهادة بالشراء من زيد مثلا.

والحاصل ان البينة إذا لم تكن صريحة في السبب الواقعي لم تكن نافعة ، لأن إنكار المدعي حينئذ لا ينحصر وجهه في دعوى المزيل شأنا ، لاحتمال كون إنكاره ناظرا الى تكذيب ملك البائع الذي كانت الشهادة به تخمينية.

نعم لو شهدت البينة على سبب الملك السابق إجمالا بأن يقول انه حصل في السابق سبب الملك للمدعي كانت مسموعة ، إذ لا فرق بين السبب المطلق والمقيد في كون كل منهما مقتضيا للملك في جميع الأزمنة.

الا أن يقال : ان مرجع الشهادة بالسبب المطلق إلى الشهادة بالشراء من المالك الواقعي ، لأن سبب الملك لا يرجع جميع مقدماته الى التحقيق ، بل يحتمل أن تكون الشهادة ببعض مقدماته ـ كملك البائع ـ راجعة إلى التخمين وحينئذ لا يتمحض إنكار المدعي في دعوى المزيل أو دعوى عدم مقدماته المبنية على التحقيق كنفس الإيجاب والقبول ، لاحتمال أن يرجع الى نفي مقدماته التي يحتمل كون الشهادة بها تخمينية ، فلا يصير إنكاره حينئذ باطلا ، لأن الشهادة المبنية على التخمين ليست شهادة بوجود المقتضي فعلا ، لأن الشهادة التخمينية شهادة بالمسبب لا بالسبب. مثلا إذا شهدت بأن البائع كان مالكا في حين البيع فهذه مثل الشهادة بأن المدعي كان مالكا سابقا.

ومن الواضح أن الشراء الصادر من البائع الذي شهد بكونه مالكا شهادة في الحقيقة بأن المدعي كان مالكا في السابق ، والمفروض أن ملك البائع الذي

٢٤٦

وقع الشراء منه ليس مقتضيا وسببا لملك المدعى في الحال ، فلا تكون منطبقة لأن شرط الانطباق أحد الأمرين اما الشهادة بالملك أو بوجود سببه فعلا. والله العالم.

التقاط

[ لو أقر المدعى عليه ان العين لغيره ]

إذا ادعى عينا في يد أخرى فقال المدعى عليه هو لفلان سقط عنه الخصومة ، سواء كان المقر له غائبا كما في الشرائع وغيره. والمراد سقوط المخاصمة من حيث العين لأمن حيث المالية ومن حيثيات أخرى كالولاية على الحفظ ونحوه.

وهل للمدعي إحلافه لو ادعى عليه العلم بأن العين مال المدعي ، قولان مبنيان على أن الإقرار بعد الإقرار هل يوجب الغرم للمقر له الثاني للحيلولة أم لا.

فان قيل بالأول ـ كما هو المشهور من بعد الشيخ ظاهرا ـ كان له الإحلاف وفائدته الغرم لو نكل عن الحلف بعد الرد الى المدعي أو بدونه ، وان قيل بالثاني ففي الشرائع أنه لا يجاب لعدم الفائدة حينئذ ، إذ لو أقر المدعى عليه بالعين للمدعي ثانيا لم يستفد شيئا وانما يجاب الى الحلف إذا كان الإقرار مفيدا للفائدة.

لكن في المسالك أنه على هذا القول ـ أعني القول بأن الإقرار لغو ـ لا محل له ولا يوجب الغرامة : ان قلنا ان النكول واليمين المردودة كالبينة فله التحليف ، لأنه قد ينكل فيحلف المدعي فإذا حلف وكانت العين تالفة أخذ القيمة وان قلنا إنهما كالإقرار لم يحلفه ، لأنه إن نكل وحلف المدعي لم يستفد شيئا.

وأورد عليه بعض مشايخنا قدس‌سره : أولا بأن تقييد الحكم بتلف العين

٢٤٧

لا وجه له ، بل يغرم ولو كانت باقية بناء على كونه مثل البينة. وثانيا بأن النكول عن الحلف بمنزلة البينة على مصب الدعوى وهو العلم ، ولا يترتب على علم المدعى عليه وإقراره شي‌ء ، والمفروض أن إقراره بعد الإقرار لغيره لغو لا يوجب الغرامة.

والظاهر أنه لا ورود لشي‌ء منهما :

( أما الأول ) فلان مراد صاحب المسالك بتلف العين كونها في حكم التالف باعتبار الإقرار الأول للحيلولة لا التلف الحقيقي ، لأن المسألة مفروضة في دعوى العين ، وهي صريحة في بقائها ، مضافا الى أن ما في سائر كلماته من الصراحة بذلك. فارجع وتأمل.

فالمراد أن المدعي إذا حلف اليمين المردودة وقلنا بأنه بمنزلة البينة والمفروض أن العين باعتبار الإقرار الأول صارت بمنزلة التالف للحيلولة أخذا بقيمته.

( وأما ثانيا ) فلما مر في مسألة يمين نفي العلم من أنها إذا ردت الى المدعي حلف على الواقع لا على العلم ، لان دعوى العلم شرط لسماع دعوى المال في موارد اشتراط دعواه وليس نفس العلم مصب الدعوى في تلك الموارد.

نعم يتجه هذا الكلام فيما إذا كان العلم موضوعا وتكون الدعوى متوجهة إليه ، فان المدعي يحلف بعد الرد على نفس العلم حينئذ.

نعم يرد على صاحب المسالك إيراد آخر مضافا الى ابتناء ما ذكره على كون النكول أو اليمين المردودة بمنزلة البينة حتى بالنسبة الى الثالث كما يصرح به العلامة في بعض كلماته ، وهو أن التحليف على هذا المبنى لا يخلو عن إشكال ، لان المدعى عليه إذا لم يترتب على إقراره شي‌ء فلا فائدة في إحلافه رجاء لنكوله ، لان احتمال نكوله معارض باحتمال إقراره ثانيا أو حلفه ، وكل منهما

٢٤٨

مقدور له ، خصوصا الإقرار الذي لا ينفع بحال المدعي ، فالتحليف في مثله لا طائل تحته.

ثمَّ لو بنينا على سماع دعوى الحلف رجاء للنكول فلا بد من تعميم دائرة سماع الدعوى ، بأن يقال : ان ميزان سماعها هو ما لو أقر المنكر بالمدعى به لنفع المدعي أو نكل عن الحلف لنفع المقر له.

هذا كله إذا علم بأن المقر له غير المدعي ، سواء كان معينا بأن يقول هذه العين لفلان أو غير معين بأن يقول انها لغير المدعي ، وأما إذا كان الإقرار الأول على وجه يحتمل كونه للمدعي أيضا بأن يقول أولا انها ليست لي بل لغيري ، فالظاهر نفوذ الإقرار للمدعي ، إذ لا منافاة بين الإقرارين حينئذ ، فيجمع بينهما وينزع العين من يده أخذا بالإقرار الثاني.

وفي مثله لا بد من الإجابة إلى التحليف ، لأنه لو أقر لنفع حتى في العين على القولين ـ أعني القول بنفوذ الإقرار بعد الإقرار والقول بعدم نفوذه كما عن الشيخ ـ لأن الإقرار الثاني حينئذ ليس لغوا.

هذا ، وهل للمدعي إحلافه على البت إذا ادعى عليه الغرامة تسبيبا أو الحلف أيضا على نفي العلم ، وجهان تقدما في مسألة ما لو تداعيا عينا في يد ثالث وأقر ذو اليد لأحدهما. كما تقدم قوة الوجه الثاني وفاقا للفاضل في كشف اللثام.

فرع

[ حكم ما يؤخذ غرامة ]

لو ادعى أن العين وقف وتوليته لي فقال المنكر هي لفلان ثمَّ أحلفه المدعي ونكل وقضينا بالنكول أو بعد الرد بالغرامة بناء على مذهب المشهور من نفوذ الإقرار بعد الإقرار ، فيما يأخذه غرامة يحتمل وجهين :

٢٤٩

أحدهما ـ أن تقوم مقام العين في الوقفية وتبذل على الموقوف عليهم.

والثاني ـ أن يشتري بها مثل العين الموقوفة ويجعل مكانه. والله العالم.

التقاط

[ لو ادعى المالك الإعارة وذو اليد الإجارة ]

إذا ادعى المالك على ذي اليد أنه أعاره العين وادعى هو أنه آجرها إياه ، فالقول هنا قول المالك لأصالة براءة ذمته عما يقتضيه الإجارة ، فلو أقام كل منهما بينة جرى فيه حكم تعارض بينة الداخل والخارج ، فيقدم قول الأجنبي ، لما ذكرنا على أظهر الوجوه.

ويدل عليه مضافا الى ما عرفت ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في الثوب يدعيه الرجل في يد رجل فيقول الذي هو في يده هو لك عندي رهن ويقول الأخر هو لي عندك وديعة. قال : القول قوله وعلى الذي في يده البينة أنه رهن عنده (١).

والوجه الثاني ما عن القواعد في باب الاختلاف في العقد وان البينتين يتعارضان فيجري فيه حكم تعارض البينتين. ووجه في محكي كشف اللثام بأن كلا منهما يدعي أمرا مخالفا للأصل ، لأن كلا من العارية والإجارة عقد مثل الأخر ثمَّ اختار ما رجحنا لما ذكرنا.

والوجه الثالث ـ وهو أردأ الوجوه ـ تقديم بينة المالك لكونه خارجا نظرا الى كون الأجنبي ذا يد ، فان اليد كما ترجح ملك العين كذلك ترجح ملك المنفعة. ذكره في محكي كشف اللثام احتمالا ، واستجوده بعض مشايخنا « قده ».

__________________

(١) الوسائل ج ١٣ كتاب الرهن ب ١٦ من أحكام الرهن ح ١ و ٣ و ٢.

٢٥٠

وليس بجيد ، لان اليد انما تجعل صاحبها منكرا إذا لم يكن صاحبها معترفا بعدم كونها يد ملك وإلا فلا أثر لليد ، ولذا لا يسمع دعوى الإجارة أو الوديعة مع إنكار المالك وادعاء غصبية ذي اليد.

هذا إذا كان مدعي الإجارة ذي اليد ، ولو انعكس ـ بأن ادعى المالك الإجارة وادعى الأجنبي الذي في يده العين العارية ـ فالحال أيضا ما عرفت من أن القول قول من ينكر الإجارة وهو هنا الأجنبي.

والوجه هو الوجه ، أعني الأصل دون اليد ، لان اليد هذه لا تجعل صاحبها منكرا فيما وقع النزاع فيه ، أعني ملك المنفعة أو عدم ملكها ، وان كان الثاني ـ وهو أن يكون التداعي بين الأجنبيين كما إذا ادعى أحدهما أن مالك العين آجرها إياه سنة وادعى الأخر أنه أعاره إياها في تلك السنة ـ فالظاهر أن الأصل لا يوافق أحدهما ، فلو أقاما البينة عمل معامل تعارض البينتين.

وكيف ما كان فحيثما يحكم فيه بتعارض البينتين لزم التوقف بعد التساوي حتى في القرعة.

قال في محكي الكشف في الفرض الأول ـ أعني فرض التداعي بين المالك وإلا جنبي بعد الحكم بتعارض البينتين ـ ان الحكم فيه القرعة مع اليمين ، ومع نكولهما يقسمان المنفعة بحسب المدة أو بانقسام العين في تمام المدة.

ويشكل ذلك فيما لو كان أحد العقدين غير ملزم بشي‌ء كالعارية والوديعة ، فإن تملك المنفعة حينئذ غير معلوم للأجنبي حتى تقسم بحسب الزمان. والله العالم.

التقاط

[ في دعوى اليد السابقة ]

ولو ادعى عينا في يد إنسان وأقام بينة انها كانت في يده أمس ، فإن كان

٢٥١

المقصود من دعوى اليد السابقة الملك السابق المسبب عن اليد ، فقد ظهر الحال فيه مما مر في المسألة السابقة من حيث اشتراط قبولها بضميمة قوله « لا أعلم مزيلا له » حتى تكون منطبقة مع الدعوى ، وهو الملك الحالي وعدم الاشتراط.

وان كان المقصود من هذه الدعوى انقلاب الدعوى وصيرورة ذي اليد مدعيا ـ كما قد يتفق كثيرا ـ فالظاهر القبول من غير الضميمة.

والفرق هو أن الملك السابق لا يلزم شيئا على المدعى عليه في الزمن السابق ولا يرجع الى الشهادة بالسبب والمقتضي أيضا ، فلا تسمع البينة عليه ، بخلاف اليد السابقة فإنها في ذلك الزمان يوجب علوا وتفوقا على المدعي الخارج فتسمع البينة بها ، لان الانطباق يحصل بمجرد وجود شي‌ء ملتزم في السابق وعدم وجود مزيل له عند الحاكم. وهذا ليس قضاء بالاستصحاب كما مر.

ويمكن المناقشة فيه بما مر أيضا من أن المناط في انطباق البينة للدعوى ـ وهي ثبوت الملك الفعلي ـ قيامها على نفس المسبب فعلا وهو الملك ، أو على وجود سببه ومقتضية فعلا وان احتاج الى الاستصحاب ـ أعني أصالة عدم المانع في الحكم بوجود المسبب ـ كما مر تفصيله. فليس الأمر هنا كذلك لان اليد السابقة ليست سببا ومقتضية للملك الفعلي أو لليد الحالية حتى يكون وجودها السابق عند الحاكم منطبقا للمدعي به ، أعني الملك الفعلي. والله العالم.

التقاط

[ التعارض بين الاستصحاب واليد ]

إذا ادعى على إنسان عينا في يده وأقام البينة على الملك السابق مع ضميمة قولها « ولا أعلم له مزيلا » فهاهنا يقع التعارض بين الاستصحاب واليد ، فان

٢٥٢

قلنا بتقديم اليد لم تسمع البينة ، وان قلنا بتقديم الاستصحاب قضي بتلك البينة وانتزعت العين من يده ولا يلتفت الى يده بعد ثبوت كون العين ملكا للمدعي في الأمس مثلا. ومعناه أن الاستصحاب يقدم على اليد في مقام الحكومة ولا يلزمه أن يكون مقدما في مقام العمل أيضا حتى فيما لا تعارض ولا تخاصم هنا.

توضيح المقام : هو أن المعارضة بين اليد والاستصحاب يكون في صور ، لأن معارضة اليد مع الاستصحاب قد يكون مع وجود المعارض والمنازع ، وقد يكون بدون المعارض أعني الخصم ، فان كان في غير مقام المعارضة ـ بأن وجد عين في يد شخص من غير ظهور خصم يدعيها ـ فهذا مقام العمل خاصة ، ولا ريب في أن اليد حينئذ مقدمة على الاستصحاب مطلقا ، بمعنى أن أصالة عدم كون ذي اليد مالكا أو أصالة بقاء ملك الغير ، وكذا غيرهما من الأصول المنافية لظاهر اليد غير ملتفت إليها.

فلو علم أنها كانت سابقا لغيره لم يقدح ذلك في ترتيب آثار الملك على ما في اليد ، سواء كان ذلك الغير معلوما أو مجهولا ، كما هو كذلك في الغالب إذا الغالب أن ما في الأيادي كان مملوكا لغير ذي اليد بل الأمر كذلك مطلقا ، الا في بعض الصور النادرة ، كما إذا احتمل ملك ذي اليد بمثل الحيازة من الأسباب الطارئة على المباحات الأصلية.

وبالجملة لا إشكال في جواز العمل على طبق اليد عند عدم المعارضة ، سواء كان معارضا باستصحاب أم لا ، بل لو أقر ذو اليد بأنها كانت لغيره أولا لم يقدح أيضا في جواز العمل على طبق اليد ما لم يعارضه معارض. لكن يشترط ذلك بأن يكون ذو اليد مظهرا لقول أو فعل يدل على ملكه ، بأن يرى نفسه مالكا ويعلم ذلك من فعله أو قوله أو بعض أحواله ، فلو كان يد مجردة عن ذلك أشكل البناء على ملكية ما فيها مع معارضة الاستصحاب ، فلو مات دلال وفي يده أموال

٢٥٣

الناس لم يحكم بعد موته بملكية تلك التي علمنا بأنه من الناس له ولو احتملنا انتقالها اليه قبل موته.

ويمكن توجيه ذلك مضافا الى ظاهر القول وبناء العرف أن الوارد في أدلة اليد ـ خصوصا في رواية فدك التي هي أعظمها ـ كون اليد التي هي أمارة على الملك هي ما كانت مقرونة بالملك العرفي والسلطنة والقهر العرفيين لا مجرد اليد الصورية ، ولذا يسمون يد اللقيط على ما في جوانبه باليد الحكمية.

ومن الواضح أن صاحب اليد إذا لم يستشعر منه دعواه ملكية ما في يده ـ كما إذا كان مبينا ـ لم تكن يده من تلك اليد المشار إليها ، أعني المقرون بالملك والظاهر العرفيين اللذين يلزمها دعوى الملكية. وبالجملة الحكم بالملك هنا لو لم يكن ممنوعا فلا أقل من كونه مشكلا محل تأمل.

نعم قد يقال بدلالة خبر حفص الوارد في جواز الشهادة بالملك لأجل اليد (١) ، مستدلا بجواز الشراء من ذي اليد على أن مجرد اليد دليل على الملك ولو لم يكن معه ادعاء من صاحبها ، إذ ليس فيه ما يوجب تقييد اليد بما إذا كان معه تملك عرفي وسلطنة عرفية ، كما في رواية فدك (٢) حيث أنها تدل على عدم مطالبة البينة على الناس فيما يتملكون ، أي فيما يتسلطون. نظير الرواية الواردة في متاع البيت من أن كلا من الزوج والزوجة إذا كان مستوليا على شي‌ء من متاع البيت فهو له (٣) ، فرواية حفص بإطلاقها تدل على أن مجرد اليد دليل على الملك ولو لم يصدر من ذي اليد ادعاء الملكية قولا أو فعلا أو حالا.

لكن يمكن الجواب عنها بتنزيلها على الغالب ، إذ الغالب ادعاء الإنسان

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ح ٣.

(٢) الوسائل ج ١٨ ب ٢٥ من أبواب كيفية الحكم ح ٢ و ٣.

(٣) الوسائل ج ١٧ ب ٨ من أبواب ميراث الأزواج.

٢٥٤

ملكية ما في يده ، فلا دلالة فيها أيضا على أن مجرد اليد بدون الادعاء دليل على الملك.

ولو سلم شموله لغير صورة الادعاء فلا نسلم شموله لما نحن فيه ـ أعني ما إذا علم بملكية ما في اليد لغير ذي اليد معينا ـ وذلك لان حفص بعد ما قال له الامام انه يجوز الشهادة بالملك لليد.

فان قلت : لعله لغيره ، وهذا السؤال لا ينطبق على مورد علم تفصيلا بأنه كان لغيره العين : أما أولا فلان الاحتمال المنافي للحالة السابقة خلاف ظاهر لعل ، لأنه ظاهر في إبداء تحت الاحتمال الذي ليس عليه أمارة. وأما ثانيا فلان المتبادر من الغير الغير المعين دون المعين ، وكلامنا فيما لو علم بأن ما في اليد كان ملكا للعين.

فان قلت : تسقط الرواية حينئذ عن الدلالة على حجية اليد في صورة العلم سبق الملك المعين حتى مع الادعاء مع انك بنيت على اعتبار ما فيها.

قلت : لا ضير في خروج هذه الصورة عن تحت هذه الرواية ، لأن حجية اليد فيها مع عدم المعارض والمنازع تستفاد من سائر الروايات كرواية فدك ورواية الاستيلاء الواردة في الزوجين.

فان قلت : يمكن الاستدلال بهما حينئذ على اعتبار اليد في هذه الصورة ولو بدون الادعاء.

قلت : قد عرفت أن الاستيلاء والتملك المذكور في رواية فدك لا يصدقان بدون أن يكون ذو اليد مدعيا ، لان التملك والتسلط العرفي يعتبر فيهما ادعاء الملكية قولا أو فعلا كالتصرف أو حالا.

فتلخص مما ذكرنا أن رواية فدك ورواية الاستيلاء يشملان صورة سبق العلم بكون ما في اليد ملكا لمعين لكنهما غير شاملين لصورة عدم الادعاء ، ورواية

٢٥٥

حفص شاملة لصورة عدم الادعاء لكنها غير شاملة لصورة العلم بسبق الملك لغير ذي اليد معينا ، ففي صورة سبق العلم مع عدم الادعاء سبق الحكم بالملكية بمجرد اليد محل اشكال وتأمل. فتدبر.

وان كان على صورة المعارضة فهي على قسمين :

أحدهما : ما كان ذو اليد فيه منكرا ، وذلك كما إذا كان المدعي غير الشخص الذي كان العين أولا ملكه ، فان اليد حينئذ وان كانت معارضة بالاستصحاب أيضا الا أن المدعي فرض كونه غير ذلك الشخص لم يخرج ذو اليد عن كونه منكرا.

والثاني : ان العلم بخلافه وأنه ليس متلقاة من ذلك بل كانت مرددة بين كونها عادية أو محقة ، ومنه صورة الشك في مبدئها.

( أما القسم الأول منهما ) فالظاهر أنه لا إشكال في عدم الاعتبار باليد حينئذ وان المحكم هو الاستصحاب ، وذلك لان وجه اعتبار الشارع لليد ليس حمل تصرف المسلم أو سلطنته الحسية على الصحة ، ولذا يلتزمون بأحكام اليد من الملك وغيره في موضع ليس فيه شي‌ء من التصرف والسلطنة الحسية ، فيحكمون بأن ما في جوانب اللقيط وحواليه ملكه مع عدم أهلية التصرف والسلطنة ، بل الوجه هو غلبة التلازم بين اليد والملك في الخارج.

ولذا قلنا مرارا ان اليد من الامارات العرفية اعتبار الشارع لها عبارة عن إمضائها على ما هي عليها عند العرف ، فاذا كان وجه اعتبارها الغلبة وعلمنا في موضع بأن اليد الفلانية خارجة عن الافراد الغالبة وداخلة في الأيادي النادرة ـ أعني الغير المالكة ـ فحكمه يبقى حينئذ على حاله الى أن يعلم ما يدل على الملك.

وهذا نظير استصحاب الحكم المخصص الخارج عن حكم العام بدليل ،

٢٥٦

فان اليد التي كان بدوها عارية ليست أمارة على الملك عند العرف ، فهي من الافراد النادرة ، فإذا لم تكن من الافراد الغالبة فوجودها عند الشك في تجدد الملك كعدمه ، فيجري عليها ما يجري على الشك عند عدم اليد رأسا ، فكان الاستصحاب في هذه سليما عن المعارض.

( وأما القسم الثاني ) ـ أعني ما لم يعلم بكونها عارية ونحوها واحتمل كونها عارية واحتمل كونها مالكة ـ ففيه أيضا صور : لان ذا اليد اما مقربا لملك السابق للمدعي أم لا ، وعلى الثاني فاما أن الحاكم عالم بأنه كان ملكا للمدعي سابقا أم لا.

أما صورة الإقرار فالظاهر أيضا عدم الاشكال كما عليه ظاهر الأكثر في عدم الاعتبار باليد وأنه ينزع العين منه وتسلم الى المدعي ، مع أنه لا تنافي بين الإقرار بالملك السابق واليد الحالية ، فلو كان الاستصحاب في مقابل اليد ملغى كان اللازم تقديم جانب ذي اليد المقر أيضا لعدم التنافي.

فيظهر من بنائهم هنا أن اليد في صورة المعارضة لا تعارض استصحاب ملك المدعي وأن الاستصحاب مقدم عليها ، وانما يكون الأمر بالعكس بالنسبة إلى استصحاب عدم ملك ذي اليد أو استصحاب ملك الغير إذا كان المدعي محكوما بعدم كونه مالكا ، كما إذا كان المالك معلوما أو مجهولا وكان المدعي شخصا آخر جار في حقه أصالة عدم الملك لا بالنسبة إلى استصحاب ملك المدعي ، كما إذا فرض كون العين ملكا له سابقا.

والحاصل ان الظاهر أنه لا عبرة باليد في مقابل استصحاب ملك المدعي ، بل الظاهر الإشكال في حكومة صرف اليد على الاستصحاب مطلقا حتى في غير صورة المعارضة ما لم يكن ذو اليد مدعيا لملكية ما في يده أو متصرفا كما عرفت

٢٥٧

فالأمر الثابت من أدلة اليد انما هو اعتبار دعوى ذي اليد قولا أو فعلا أو حالا في غير صورة المعارضة والمخاصمة ، وأما ما عداه ففي غاية الاشكال.

والظاهر أيضا أنه لا خلاف معتد به فيما قلنا ـ أعني عدم الاعتبار باليد في مقابل استصحاب ملك المدعي. يدل على ذلك ما ظاهر هم الاتفاق عليه من جواز الشهادة بالملك اعتمادا على الاستصحاب ، إذ قد عرفت في المسألة المتقدمة ـ أعني مسألة تعارض الملك القديم والأقدم ـ المفروغية عن قبول الشهادة بالملك القديم مع ضميمة قول الشاهد « لا أعلم مزيلا » ، وان الخلاف انما كان في الشهادة بالملك السابق مجردا عن الضميمة ، وان ظاهر المحقق وغيره سماع الشهادة المجردة أيضا ، فكيف عن صورة الضميمة أو صورة الشهادة بالملك الفعلي اتكالا على الحالة السابقة.

ودعوى ان الكلام في تلك المسألة كان مفروضا في تعارض بينة الخارجين ولا تعارض فيه بين اليد وبين الاستصحاب كما لا يخفى. مدفوعة بإطلاق كلماتهم في تلك المسألة حيث أن المحقق في الشرائع وغيره ذكرها على نحو الإطلاق الشامل لصورة المدعي والمنكر.

وقد صرح الشهيد في القواعد بأن المعتبر في الشهادة علم الشاهد بالمشهود به في زمان التحمل لا في زمان الأداء. وهذا صريح في جواز الشهادة بالاستصحاب خصوصا بعد ملاحظة ما ذكره بعد ذلك ، حيث استثنى عنه موارد لا ينفك العلم بها في زمان عن العلم به في زمان آخر كالنسب فقال انه يعتبر فيه العلم بالمشهود به في زمان الأداء أيضا ، ثمَّ قال في الوقف انه لو قيل بجواز بيعه كان كالأول ، أي مما يكفي فيه العلم في زمان التحمل خاصة وان قيل بعدم جواز بيعه كان كالثاني ـ أعني النسب.

والظاهر أن ذلك ـ أي جواز الشهادة بالاستصحاب في صورة التنازع ـ

٢٥٨

من المسلمات بين الفقهاء ، فلا وجه لوسوسة صاحب الكفاية تبعا للمقدس الأردبيلي في ذلك حتى استشكلا في نفوذ الإقرار بالملك السابق أيضا.

[ اليد لا تعارض الشهادة بمقتضى الاستصحاب ]

ودعوى ان جواز الشهادة بمقتضى الاستصحاب مقصور على مثل العقود والديون ونحو هما مما لا يعارضه فيه يد فعلية. مخالفة لظاهر الكل وصريح الجل كما لا يخفى على المتتبع الخبير.

فاذا جازت الشهادة بالاستصحاب بطل اعتبار اليد في مقابله ، إذ لا معنى للجواز مع حكومة اليد على الاستصحاب ، إذ لا يرد بالجواز هنا إلا المضي ، والا فمن الواضح أن الشهادة بكل أمارة شرعية أو عرفية جائزة تكليفا ، بمعنى أنه لا اثم على الشاهد مع عدم إبراز الاخبار والشهادة بصورة الجزم المؤدي إلى الكذب والتدليس.

فما في الوسائل من حمل الأخبار الدالة على جواز الشهادة بالاستصحاب على صرف الإباحة جاعلا له أحد وجوه الجمع بينها وبين ما دل على دلالة اليد على الملك كما يأتي إنشاء الله تعالى (١). لعله ليس على ما ينبغي.

نعم ظاهر الاخبار حكومة اليد على الاستصحاب لا طلاقها من حيث كون اليد معارضا باستصحاب ملك المدعي وعدمه ، الا أن يحمل على مقام العمل دون المرافعة والخصومة. وهو في غاية القرب والوجاهة ولو بعد ملاحظة بناء الأصحاب على جواز الشهادة بالملك السابق مع ضميمة « لا أعلم مزيلا » لكن مع مراعاة الشرط المذكور ـ أعني كون ذا اليد ذا ادعاء قولا أو فعلا أو حالا وحينئذ تكون حكومة اليد على الاستصحاب مقصورة على صورة ادعاء ذي اليد

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٧ من أبواب الشهادات ح ١ و ٢ و ٣.

٢٥٩

مع عدم معارضة ادعائه بادعاء آخر ، فلو تجردت اليد عن الادعاء فلا عبرة به على اشكال كما سبق.

وأما لو ادعى وكان ادعاؤه معارضا بادعاء آخر فلينظر فان كان المدعي هو الذي كان مالكا سابقا قدم الاستصحاب على اليد ، وان كان غيره كان اليد أيضا مقدما لأنه لا معارض لها حينئذ سوى أصالة عدم مالكية ذي اليد نفسه.

وقد عرفت أن اليد مع ضميمة الادعاء ـ أي ادعاء ذي اليد ـ حاكمة على أصالة عدم مالكية نفسه مطلقا ، وأما بالنسبة إلى أصالة بقاء الملك غير المدعي فهي وان لم تك مقدمة عليه الا أن هذا الاستصحاب لما لم يكن ملزما لشي‌ء للمدعي على المدعى عليه كان وجوده في تلك الدعوى كعدمه ، فلا يلتفت اليه الحاكم حتى يحكم بعدم اعتبار اليد لأجله ، لأن الحاكم وظيفته الاقتصار في العدول عما تقتضيه الأصول والظواهر على ما هو ميزان للقضاء ، بأن يكون نافعا للمحكوم عليه.

ومما يدل على ما ذكرنا من عدم الاعتبار باليد في مقابل استصحاب ملك المدعي ، رواية منصور المتقدمة (١) الواردة في تعارض بينة الداخل والخارج وغيرها من روايات أخر مشتملة على جواز الشهادة بموجب الاستصحاب.

وجه رواية منصور على ذلك : ان بينة المدعي في تلك الرواية كانت شاهدة بأن الدابة أنتجها المدعي ولم يهب ولم يبع. ومن الواضح أن المقصود بالهبة والبيع مطلق أسباب النقل ، والشهادة على عدم النقل لا تكون الا تعويلا على استصحاب عدم الناقل.

ونحوها في الدلالة رواية معاوية بن وهب قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في داره ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة ويدع فيها عياله ثمَّ يأتينا هلاكه ونحن لا ندري

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ١٢ من أبواب كيفية الحكم ح ١٤.

٢٦٠