كتاب القضاء - ج ١

ميرزا حبيب الله الرشتي

كتاب القضاء - ج ١

المؤلف:

ميرزا حبيب الله الرشتي


المحقق: السيد أحمد الحسيني
الموضوع : الفقه
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٤
الجزء ١ الجزء ٢

كان احتمال عدم ثبوت الحق واقعا قائما وانتفاؤه مما لم يتفرع على البينة في الصورتين ، فان هذا الاحتمال مع فرض حجية البينة في الصورتين لا يعتنى به بحيث يوجب توقف الحكم بالاشتغال الفعلي على ضم اليمين بالبينة ، للإجماع المحقق على أن المنكر إذا لم يستحلف المدعى يثبت الحق بالبينة في الصورتين ، فلو لا إتمام الحجة بمجردها لزم الحلف طلبه المنكر أو لم يطلب استكمالا للحجة.

ودعوى أنه إذا لم يطلب وسكت فسكوته دليل على اعترافه بعدم حصول البراءة على فرض وجود السبب ، فيؤخذ بمقتضى ظاهر سكوته في مقام البيان ، بخلاف ما إذا ادعى البراءة الفعلية. وان كان احتمالا وجيها الا أنه مجرد تخريج لا دليل عليه.

فثبت أن قيام الحجة على السبب يكفي في إثبات الحق الفعلي ولا يعتنى معها على احتمال البراءة الفعلية ، سواء ادعاها المنكر أم لم يدع. نعم له دعوى الإبراء أو الأداء أو نحوهما مما يوجب انقلاب المنكر مدعيا ، فيسمع حينئذ قوله ويستحلف المدعي حينئذ لكونه منكرا ، بلا خلاف ظاهر فيه بين الأصحاب.

وعليه نزل في كشف اللثام قول العلامة « ولو التمس بعد إقامة البينة عليه ـ أي على الحق ـ إحلاف المدعي على الاستحقاق أجيب » يعني انه لو التمس الإحلاف بعد دعوى ما يوجب انقلاب المنكر مدعيا كالإبراء والأداء لا دعوى البراءة الفعلية وعدم الاستحقاق الفعلي ، فإنه لا ينطبق الا على الاحتمال المزبور الذي لا دليل عليه ، ونعم التنزيل. وبه يجمع بينه وبين ما قال بعده « ولو التمس المنكر يمين المدعي مع الشهادة لم يلزم إجابته » فإنه لولاه لتناقض القولان جدا.

هذا إذا كان المدعى عليه حيا ، وأما إذا كان ميتا فيستحلف على المشهور ، لما في رواية عبد الرحمن البصري وقد تقدم ذكرها برمتها في المسألة السابقة (١) ،

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٤ من أبواب كيفية الحكم ح ١.

٢٤١

وفيها : وان كان المطلوب بالحق قد مات فأقيمت عليه البينة فعلى المدعي اليمين بالله الذي لا إله الا هو قد مات فلان وان حقه لعليه ، فإن حلف والا فلا حق له ، لأنا لا ندري لعله قد وفاه ببينة لا نعلم موضعها أو بغير بينة قبل الموت ، فمن ثمَّ صارت عليه اليمين مع البينة ـ الحديث.

وهذه الرواية لا شي‌ء عليها دلالة وسندا ، لان يس الضرير الذي ضعفت الرواية لأجله وكون مجهولا يتبين حسن حاله من كون الرواية مأخوذة من كتاب احمد بن إسحاق القمي لأنه كان لا يروي عن الضعفاء بل كان يأمر بإخراج من دأبه ذلك من قم مثل محمد بن خالد البرقي كما أشرنا إليه سابقا.

مع أن المناط عندنا ليس على وثاقة الراوي وعدالته ، بل على الظن الاطمئناني بالصدور الذي يتحقق غالبا من عمل جملة من الأصحاب فضلا عن عمل الجل أو الكل ، فالعمل بها في مواردها لا كلام فيه وانما الكلام في تنقيح العلة وإلغاء بعض الخصوصيات التي اشتمل عليها العلة ، مثل كون المدعي أصيلا لا وكيلا أو وصيا أو وليا وكون المدعى به دينا وكون المدعى عليه ميتا وكون الاحتمال المنفي باليمين احتمال حصول البراءة في حياة المدعى عليه لا في مماته ، وكون احتمال البراءة ناشئا من حصول مبرئة بعد الاشتغال لأمن احتمال فساد السبب الذي شهد به الشهود كالإقرار للتورية ، والعقد الفاقد لبعض الشروط المخفي على الشاهدين ، وكون الحجة خصوص البينة لا الشاهد واليمين وما في حكمهما وكون البراءة حاصلة من فعل الميت كما يقتضيه قوله « وفاه » لأمن إبراء المدعي أو وفاء الأجنبي ونحو ذلك مما لا يخفى.

[ الإشارة إلى مواضع تلغى فيها خصوصيات العلة ]

وبالجملة في العلة خصوصيات لا خلاف ولا إشكال في إلغائها وخصوصيات

٢٤٢

في إلغائها إشكال أو خلاف ، فهاهنا مقامات لا بأس بالإشارة إليها مفصلا ليرجع فيما يشك في إلغائه واعتباره الى الأصل وهو عدم الاعتبار :

( فمن الاولى ) كون المدعي والمدعى عليه رجلين على ما يقتضيه الجمود على ظاهر اللفظ ، إذ الظاهر عدم اعتبار الرجولية لا في المدعي ولا في المدعى عليه إجماعا.

( ومنها ) كون الاحتمال المنفي باليمين احتمال وفاء الميت في حال حياته ، إذ الظاهر عدم العبرة به أيضا ، فلو علم عدم وفائه واحتمل إبراء المدعي له في حال حياته أو وفاء الغير عنه تبرعا أو مع الاذن كالوكيل أو احتمال شي‌ء من المسقطات وأسباب براءة ذمة الميت في حال حياته وغيرها توجهت اليمين الاستظهاري أيضا ، بنفي ذلك كله.

ولا مدخلية لخصوصية وفاء الميت ، وان كان هو مقتضى الجمود على ظاهر اللفظ ، وحينئذ فيكون قوله عليه‌السلام ، « ولعله قد وفاه » كناية عن مطلق المبرئ للذمة ، مثل قول القائل « لا أبرح عن هذا المكان حتى يؤذن المؤذن ».

( ومن الثانية ) كون البراءة المحتملة هي البراءة حال الحياة ، فلو علم بموته مشغول الذمة واحتمل حصول البراءة بعد الموت فإنه محل الاشكال والتأمل في المسالك وغيره ، والجمود على صريح الرواية اختصاص الحكم باحتمال البراءة في حال الحياة ، فيرجع مع القطع بعدمه إلى القاعدة التي أشرنا إليها من عدم اعتبار ضم اليمين ولو احتمل حصولها بعد الموت.

وجه الاشكال : انه ينبغي النظر في أن اعتبار اليمين هنا هل هو من جهة توقف ثبوت الدعوى على اليمين المنضمة إلى البينة ، بأن تكون البينة باعتبار عدم نهوضها بإثبات الاستحقاق الفعلي إلا باعمال الاستصحاب ناقصة محتاجة في

٢٤٣

إثبات الفعلية إلا دفع احتمال البراءة الواقعية باليمين أو من جهة مراعاة احتمال دعوى الميت البراءة لو كان حيا.

وعلى الأول يتعدى في الحكم عما يقتضيه ظاهر اللفظ ويحمل التقييد باحتمال الوفاء في حال الحياة على الغالب ، لان الغالب عدم حصول البراءة بعد الموت إلا بأداء الوارث ويؤخذ بإطلاق الحكم ، كما هو الشأن في كل قيد جرى مجرى الغالب ، فيقال : ان قوله « فعلى المدعي اليمين » مطلق واختصاص العلة بما إذا كانت البراءة المحتملة في حال حياته محمول على الغالب ، وهو تسالم الوارث مع المدعي بقاء الحق فعلا على تقدير موته وعليه الحق ، فلا يؤثر في تقييد المطلق.

وعلى الأخير يقتصر في الحكم على ظاهر العلة ويقال : ان اليمين هذه انما شرعت لدفع احتمال ما للميت أن يدعيه لا لنقصان في هذه البينة على خلافها في غير الدعوى على الميت.

توضيحه : انه إذا ثبت الحق عند الحاكم ببينة عادلة فللمدعي عليه دعاوي مسموعة : أحدها دعوى جرح الشهود ، وهذه يقوم بها أولياء الميت. وثانيها دعوى الإبراء أو الوفاء مع البينة ، وهذه تدفع بالأصل ، لا صلاة عدم الحجة على الاحتمال المزبور. وثالثها دعوى أحدهما أو بما يقرب منهما في حصول براءة الذمة بلا بينة ، وهذه لا يترتب عليها سوى توجيه اليمين الى المدعي ، فجعل الشارع الحاكم نائبا منوب الميت في استحلاف المدعي مراعاة لجانب الميت.

ومثله اليمين في الدعوى على الغائب على القول بها ، فإنها اليمين التي لو كان المدعى عليه حاضرا لطلبها ، واليه أشار الشيخ في محكي المبسوط حيث قال : ان المدعى عليه الغائب لو حضر وادعى جرح الشهود أن اقامة البينة على

٢٤٤

التأدية فهو على حجته ، وان ادعى ما يتوجه عليه اليمين فيقول الحاكم أني قد استحلفته نيابة عنك. وعلى هذا فلا معنى للاستحلاف لا جل احتمال حصول البراءة بعد الموت ، إذ ليس للميت دعوى ذلك حتى يقوم الحاكم مقامه في الاستحلاف.

والحاصل ان الدعوى على الشخص في مماته تنزيل منزلة الدعوى عليه في حال حياته ، ويراعى حينئذ جانب الميت باستحلاف المدعي دفعا لاحتمال أنه لو كانت الدعوى في حال الحياة فربما كان يتوجه اليمين الى المدعي ، ومن الواضح أنه لو كانت الدعوى في حال الحياة لما كان له ادعاء حصول البراءة بعد الممات وانما يكون ذلك لو نزل الميت بمنزلة الحي في حال الدعوى كما لا يخفى.

وفرق واضح بين تنزيل الدعوى في حال الممات منزلة الدعوى حال الحياة وبين تنزيل المدعى عليه الميت منزلة الحي ، وادعاء حصول البراءة بعد الموت انما يتعقل منه على الثاني دون الأول. نعم للوارث دعوى البراءة بعد الموت وإحلاف المدعي ، ولا كلام فيه.

ويمكن ترجيح الاحتمال الثاني بظاهر العلة بعد حملها على العلة الحقيقية دون الصورية التي هي في قوة القضية الكلية. وجه الدلالة : ان قضية التعليل في كلمات المعصوم لا بد أن يكون بالأمور المعلومة المفروغ عنها أو المأنوسة عند المخاطب ، فان التعليل لحكم تعبدي توقيفي بأمر توقيفي غير معلوم للمخاطب ولا مأنوس قبل مستهجن جدا إلا فيما كان الغرض منها بيان قاعدة كلية دون العلة ، مثل أن يقال « زيد وارث عمرو لأنه ابنه » ، وهذا لا يتم على تقدير كون المراد بقوله عليه‌السلام « لأنا لا ندري » إبداء احتمال البراءة كما يقتضيه الجمود على ظاهر اللفظ ، لعدم صلاحية احتمال البراءة الواقعية لأن تكون علة للاستحلاف الا من باب أخذ أصل العلة أيضا أخذ المسلمات ، وهو كما ترى بمكان من القبح لعرائه عن الفائدة.

٢٤٥

[ فرض دعوى الميت البراءة لو كان حيا ]

وأما لو قولنا بأن المراد به إبداء احتمال دعوى الميت للبراءة على تقدير الحياة كان تعليله من الأمور المعلومة المفروغ عنها ، لان دعوى البراءة بعد ثبوت سبب الاشتغال مستتبعة شرعا لتوجه اليمين الى المدعي بحيث يعلمه كل أحد.

وإذا كانت الدعوى المزبورة حكمها الاستحلاف حسن تعليل وجوب الاستحلاف استظهارا عند احتمالها على تقدير الحياة ، وان كان تعليل أصل الاستحلاف بالاحتمال المزبور غير مستحسن ، لان الحكم ببعض آثار الشي‌ء إذا كان على وجه الاحتياط جاز تعليله باحتمال وجود ذلك الشي‌ء ، والذي لا يحسن تعليله بمجرد الاحتمال التقديري ، انما هو الحكم به لا على وجه الاستظهار والاحتياط.

توضيح المقام : ان الاستحلاف هنا بعد قيام البينة الاستصحابية خروج عما تقتضيه عمومات البينة وقاعدة الاستصحاب ، فلا بد من تعليله إذا علل بعلة غير مطردة في جميع مجاري الاستصحاب وأغلب مجاري البينة ، فإن التعليل بعلة مطردة مع عدم اطراد الحكم مستهجن جدا ، وحينئذ فإن كان المراد بقوله « لأنا لا ندري » إلخ ، تعليل الاستحلاف باحتمال البراءة الواقعية كان تعليلا بالعلة المطردة مع عدم اطراد الحكم ، لان هذا الاحتمال قائم في الدعوى على الحي أيضا مع عدم الاستحلاف هنا كما عرفت ، بخلاف ما لو قيل ان المراد تعليله باحتمال دعوى الميت البراءة ، فإن العلة حينئذ تختص بمورد الحكم وما يضاهيه من موارد قيام هذا الاحتمال كالدعوى على الغائب وأخواته ويحسن بذلك التعليل ويكون مرجعه إلى مراعاة الاحتياط في اعمال موازين القضاء ، كما أن الأول يرجع الى الاحتياط في الحكم باشتغال الذمة الذي يقتضيه البينة بضميمة الاستصحاب.

٢٤٦

ومن الواضح أن إيجاب الاحتياط في الحكم بالاشتغال مع اقتضاء الاستصحاب خلافه أمر غير معهود ، فلا يحسن تعليله بأمر يكون مثله في الغرابة ، أعني احتمال البراءة الواقعية.

وأما إيجاب الاحتياط في استعمال موازين القضاء بالجمع بين البينة واليمين مراعاة لاحتمال دعوى لا يترتب عليها سوى الاستحلاف ، أمر مأنوس بالاذهان كأنه من الأمور المعلومة عند المخاطب.

ويمكن استفادة ذلك أيضا من قوله « أو بغير بينة » ، إذ لو كان المقصود إبداء احتمال البراءة الذي يجري في جميع الموارد كفى في ذلك قوله « ببينة » ، فيعلم من ذلك أنه عليه‌السلام أراد بقوله « بغير بينة » إبداء احتمال يستتبع الاستحلاف إذ لو كان قد وفي بغير بينة فليس له سوى الاستحلاف.

وبالجملة فرق واضح بين قولنا « يجب الاستحلاف لاحتمال البراءة الواقعية » وبين قولنا « يجب لاحتمال دعوى البراءة » ، فإن الأول تعليل ركيك مخالف لقاعدة حجية البينة والاستصحاب والثاني غير مخالف لشي‌ء منهما ، أمر مأنوس بالاذهان كأنه أمر معلوم ، لان دعوى البراءة على تقدير فعليتها بعد ثبوت الاشتغال مستتبعة للاستحلاف جدا ، وعلى تقدير كونها تقديرية يناسبها الاستحلاف استظهارا ، ومرجعه الى الاحتياط والأخذ بالأوثق في استعمال ميزان القضاء ، لان الاحتياط في كل شي‌ء بحسبه.

والاحتياط في اعمال الموازين هو مراعاة جميع الدعاوي المحتملة واستعمال ما يناسب كل منها من الموازين حتى يكون الحكم جامعا للميزان على كل تقدير كما في المقام ، فان المدعى عليه لو كان حيا فاما يعترف بالحق أو يدعي البراءة الأصلية أو يدعي البراءة الطارئة بعد الاشتغال ببينة أو يدعيها بغير بينة ، وعلى جميع التقادير يقع الحكم موقعه ، أما على الأول فواضح وأما على الثاني فلان

٢٤٧

دعوى البراءة الأصلية لا يلتفت إليها للبينة القائمة على أصل الاشتغال ، وكذا على الثالث ، لان الفرض عجزه عن إقامة البينة وكذا عجز الحاكم أو الوارث ، وأما على الأخير فيلتفت الى دعواه ويستحلف المدعي ، فإذا حلف المدعي مع البينة كان الحكم بما يدعيه حكما جامعا لجميع ما تيسر من موازين القضاء.

ثمَّ ان المراد بقوله « لأنا لا ندري لعله وفي » إبداء احتمال دعوى البراءة الحاصلة قبل الموت كما هو صريح الرواية. فلا يتعدى الى احتمال دعوى البراءة الحاصلة بعد الموت ، وان كان هذا في حسن التعليل مثل الأول.

مضافا الى أن الإنسان إذا مات مشغول الذمة كان دعوى بقاء الاشتغال الى زمان الدعوى ادعاء على الورثة ، فيعامل معها حينئذ ما يعامل مع الدعاوي على الاحياء ، فلا وجه لاستحلاف المدعي مع عدم ادعاء الوارث للبراءة ، ومع الادعاء فلا اشكال ولا كلام في الاستحلاف لكونها دعوى صحيحة مسموعة يترتب عليها الاستحلاف مع عدم البينة.

[ بعض ثمرات قول المدعى « لا ندري » ]

ثمَّ انه لا يذهب عليك ما بين الوجهين من الفروع والثمرات ، فإنها كثيرة جدا :

( فمن الثمرات ) أنه لو قيل بالوجه الأول ـ أعني كون المقصود من قوله « لا ندري لعله وفاه » تعليل الاستحلاف بإبداء احتمال البراءة ـ لم يسقط الحلف إذا شهدت البينة بالاشتغال حال الموت ، إذ الفرض على هذا الوجه عدم صلاحية البينة المجردة لا ثبات الحق على الميت ، بل لا بد من ضم اليمين بها حتى يكونا معا حجة تامة ، فلا بد من الاستحلاف أيضا دفعا للاحتمال المخفي على الشهود تكملة للبينة ، وأما لو قيل بالوجه الثاني سقط الحلف جدا ، لان الشهود إذا شهدت بالاشتغال في حال الموت لم يلتفت الى دعواه البراءة ، لمصادمتها للشهود.

٢٤٨

( ومنها ) أنه لو كان المدعي على الميت لم يتمكن من الحلف كالوكيل بدون دعوى العلم عليه أو الوصي أو الولي سقط الحلف على الثاني ، لأن الحلف إذا كان وجهه الاحتياط في ميزان القضاء والدفع ما للميت أن يدعيه على تقدير الحياة ، اختص بما إذا كانت على تقدير فعليتها مؤثرة في الاستحلاف ، لان مزية الفرع على الأصل لا معنى لها. فاذا فرضنا أنه لو كان حيا وادعى البراءة لم يكن له استحلاف المدعي فكيف يستحلفه الحاكم مراعاة لتلك الدعوى.

وأما على الأول فلا يسقط ، لان اليمين شرعت حينئذ تكلمة للبينة وجزء من الحجة ، فإذا تعذرت نقصت الحجة ويوقف الدعوى ، وهذا معنى عدم السقوط.

وبعبارة أخرى : إذا قلنا بالوجه الثاني فاليمين شرط اختياري وإذا قلنا بالأول فهو شرط مطلقا.

( ومنها ) لو فرض أن المدعي ممن لا يجوز له أن يحلف على البت كالوارث : فعلى الأول يسقط الحلف ويوقف الدعوى ، لان اليمين المذكورة في الرواية يمين على الإثبات والاشتغال الواقعي ، فإذا قلنا ان يمين المدعي لدفع احتمال البراءة الواقعية تكملة للبينة فلا وجه للعدول عنها الى اليمين على نفي العلم إذا تعذرت على البت ، بل غاية الأمر إيقاف الدعوى لنقصان الميزان. وأما على الوجه الثاني ثبت الحلف وتمَّ القضاء ، لان الغرض من هذه اليمين لما كان دفع دعوى محتملة دارت من حيث كونها على البت وعدمه مدار الدعوى ، فان كانت في موضع يترتب عليها فيه اليمين على البت توجهت كذلك على المدعي والا فعلى نفي العلم.

( ومنها ) مسألة الدعوى على الغائب والمجنون والصغير والمغمى عليه ونحوهم فإنها متفرعة على الوجهين : فعلى الأول لا وجه لإلحاقهم بالميت ، لان عدم حجية البينة بالاستقلال بل مع اليمين في خصوص الدعوى على الميت لا يستلزم عدم الحجية في الدعوى على غيره أيضا ، فلا وجه للإلحاق. وأما على

٢٤٩

الوجه الثاني فلما كان مبناه على كون اليمين لدفع الدعوى فلا جرم يطرد في كل مقام يقوم فيه احتمال الدعوى.

ومن الثانية أيضا كون المدعى به دينا ، مقتضى الجمود على ظاهر الرواية اختصاص الحكم به وعدم التعدي إلى العين بقرينة « وفاه » ، فان ضميره الذي هو بمنزلة مفعوله الأول يرجع الى الرجل المدعى ومفعوله الثاني وهو الحق محذوف ، والمعنى وفي الرجل حقه ، وتوفية الرجل حقه ظاهر بل صريح في كون ذلك الحق دينا ، لان تأدية العين لا يطلق عليها التوفية ، يقال وفيت الرجل أو أوفيته إذا أديت دينه ، أما لان الوفاء عبارة عن إعطاء ما في الذمة وإبرائها عما عليها من الحق أو لأن الوفاء إذا بني على باب التفعيل أو الافعال ونسب الى الشخص فيراد به الخروج عن عهدة دينه لا عينه.

لكن يمكن إلغاء خصوصية الدين أيضا ، نحو إلغاء خصوصية مباشرة الميت للتوفية بذوق الفقاهة ، لأنه المعيار في مثل المقام ، والا فلا ضابطة لذلك بل الأمر يدور مدار الحدس ، فكما قلنا لا مدخلية لخصوصية التوفية بل لو احتمل إبراء المدعي أو وفاء الأجنبي وجب الاستحلاف أيضا ، فكذلك نقول ان خصوصية الدين أيضا ملغاة ، إذ المدار على قيام احتمال دعوى الميت لو كان حيا دعوى يترتب عليها الاستحلاف ، وهو في العين أيضا موجود ، فان الميت لو كان حيا فربما كان يدعي انتقال العين التي أقام المدعي على استحقاقها البينة ويستحلف.

المدعي والحاصل ان المسألة غامضة ، والمدار على حدس الفقيه القاطع بإلغاء خصوصية الدين.

( ومنها ) كون حجة المدعي خصوص البينة على ما يقتضيه الجمود على ظاهر الرواية أيضا ، لكن الظاهر عدم الفرق بينها وبين سائر الموازين كالشاهد واليمين ورجل وامرأتين ، وهل يعتبر تعدد الحلف بناء على التعدي في الأول

٢٥٠

أم يكفي يمين جامعة بين الحدوث والبقاء كما ذكره العلامة في محكي؟ وجه العدم :

انهما مترتبان ، لان اليمين الاولى جزء من الميزان للدعوى الاولى واليمين الثانية لدفع الدعوى الثانية المحتملة بعد الفراغ عن الدعوى الاولى ، فلا بد أولا من فصل الدعوى الاولى باليمين ثمَّ تقدير دعوى أخرى ثمَّ اليمين ، وهذا مثل ما لو انقلب المنكر مدعيا واستحلف ، فان اليمين هذه لتأخر رتبتها عن الدعوى الأولى التي كان فيها منكرا لا يستحلف قبل طي الدعوى الاولى ، فعدم كفاية اليمين الجامعة ليس لأن الواحدة لا تقوم مقام الاثنتين بل لما بينهما من الترتيب الرتبي. لكن الأظهر الكفاية لأن الترتيب انما هو بين الدعويين لا بين ميزانيهما ، فلو فرض كون إحداهما فعلية والأخرى تقديرية جاز اجتماعهما واجتماع ميزانيهما.

ومنه يعلم الوجه في عدم جواز الحلف قبل دعوى الإبراء إذا كان المدعى عليه حيا ، لان الدعويين المترتبتين المتحققتين لا يجتمعان جدا فلا يجمع بين ميزانيهما. وليس هذا من باب تداخل اليمين ، لان الحلف بأمور متعددة ينحل الى الايمان المتعددة ، ولذا لو قال « والله لأفعلن كذا وكذا وكذا » وحنث بترك الكل كان عليه ثلاث كفارات.

( ومنها ) كون احتمال البراءة ناشئا من احتمال حصول المبرئ بعد سبب الاشتغال إذا كان المدعى به دينا أو حصول الناقل بعد سبب الملكية إذا كان عينا ، لا من احتمال فساد السبب كالتورية في الإقرار وفساد الشرط في العقد ونحوهما ، فإن التعدي عن الأول الذي هو مورد التعليل الى الثاني أيضا مبني على حدس الفقيه.

ولا بعد فيه بناء على ما استظهرنا من التعليل من كون الغرض من اليمين دفع الدعوى المحتملة لا دفع احتمال البراءة ، فإنه إذا كان الاحتياط في ميزان القضاء

٢٥١

بمراعاة الدعاوي المحتملة واجبا على القاضي دار الحكم مدار تقدير دعوى يترتب عليه الإحلاف ، سواء تعلقت بالرفع بعد حصول السبب أو بالدفع بأن تتعلق بأصل السبب وتجعله غير مؤثر.

[ الدعوى على الحي الذي لا لسان له حين الدعوى ]

هذا كله في الدعوى على الميت ، وأما التعدي منه الى الحي الذي لا لسان له حين الدعوى كالغائب والمجنون والصغير والمغمى عليه ونحوهم فقد تقدم في ذكر ثمرات الوجهين المزبورين أنه على الوجه الثاني الذي استظهرنا لا إشكال في التعدي ، وأما على الوجه الأول فقد قلنا ان التعدي مشكل.

لكن الأظهر عدم الفرق بين الوجهين في المقام وان كان التعدي على الوجه الثاني أوضح ، لأن قوله عليه‌السلام « لأنا لا ندري لعله وفاه » علة منصوصة تجري في كل مقام يقوم فيه احتمال الوفاء ، ولا نقتصر على موردها الذي هو الميت ، ولو أخذنا بمجامع خصوصياتها ولم نتعد عن شي‌ء منها.

فما في المسالك من إبداء الفرق بين الميت وبين هؤلاء ، مبني على عدم الالتفات الى النص بالعلة ، وان منصوص العلة يكفي فيه خصوصية المورد ، فلا يقتصر في مثل قوله « الخمر حرام لإسكاره أو لأنه مسكر » على حرمة الخمر خاصة بل يتعدى الى كل مسكر ويحكم بحرمته باتفاق غير المرتضى « ره » ، وحينئذ نقول : ان الغائب بل كل من يتطرق في حقه احتمال الوفاء ولا لسان له حين الدعوى في حكم الميت لأنا لا ندره لعله وفاه ـ انتهى.

لكن في خصوص القضاء على الغائب وردت روايات صريحة في أنه إذا قامت البينة على الحق سلم المال الى المدعي بكفلاء ويكون الغائب على حجته

٢٥٢

إذا حضر (١) ، ومقتضاها عدم ثبوت اليمين الاستظهارية في الدعوى عليه من جهة الحصر الظاهر من السكوت في مقام البيان ، فيتعارض عموم العلة المنصوصة تعارض العامين ، لان عموم التعليل يقضي بالاستحلاف مع قيام احتمال دعوى الوفاء مطلقا في الميت وغيره.

وإطلاق قوله « يقضي على الغائب إذا قامت عليه البينة ويباع أمواله » يقضي بكفاية البينة سواء كان معها يمين أم لا ، ففي صورة حلف المدعي لا إشكال في القضاء ، وفي صورة عدم الحلف يتعارضان فيه.

وقد يقرر النسبة بينهما بأن التعليل صريح في صورة قيام احتمال الدعوى وعام من حيث كون المدعى عليه الغائب وغيره ، وتلك الرواية صريحة في الغائب ومطلقة من حيث قيام احتمال الدعوى وعدمه ، كما إذا كان بقاء الحق على تقدير ثبوته معلوما ، فمورد التعارض ـ أعني محل الاجتماع ـ هو الدعوى على الغائب مع قيام الاحتمال المزبور.

وقد يقال : ان الرواية أخص مطلقا من العلة ، لأن صورة عدم قيام احتمال الدعوى فرض نادر لا يصلح لحمل الرواية عليها ، فتكون كالصريح في صورة قيام الاحتمال الذي هو مورد الاجتماع ، وبعد ملاحظة الحصر المستفاد من السكوت في مقام البيان تكون أخص من العلة.

والانصاف أن ظهور العلة في الاستحلاف أقوى من ظهورها في العدم على أي تقدير ، فيعمل بظهور العلة ، لأن المدار في رجحان الدلالة على قوة الظهور وضعفه. ولذا حكمنا بأن ظهور منطوق آية النبإ من حيث العلة في عدم العمل بالظن ولو كان حاصلا من قول العدل أقوى من ظهور مفهومها في القبول وان كان المفهوم أخص من المنطوق.

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم ح ١.

٢٥٣

والسر فيما ادعينا أن ظهور السكوت في مقام البيان الذي يوجب كون الرواية أخص من العلة المنصوصة ظهور عقلي وظهور العلة ظهور لفظي ، فهو مقدم على الظهور العقلي وان كان هو مقدما على الأصول.

ودعوى ان ما في الرواية من أن الغائب على حجته يؤكد الحصر المستفاد من السكوت ممنوعة ، لأن المراد بالحجة التي عليها الغائب هي إقامة البينة ، ولو سلم إطلاقها الشامل للإحلاف أيضا مع أنه كما ترى نقول أيضا : ان كون الغائب على حجته بمعنى جواز الإحلاف له إذا حضر وادعى الإبراء لا ينافي استحلاف القاضي أيضا قبل حضوره ، لان استحلافه احتياط فيما يصدر منه من القضاء ، وهذا لا ينافي كون الغائب أيضا على حجته إذا حضر.

ومن هنا يظهر أن ما في الدروس من الجمع بين إحلاف الحاكم قبل حضور الغائب وإحلافه إذا حضر ، ليس كل البعيد. ولعل الكلام يأتي فيه إنشاء الله تعالى.

نعم لو قلنا بتكافؤ الظهورين وتساقطهما كان المرجع العمومات النافية لليمين مع البينة ، مثل قوله « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » بالبيان المتقدم.

ثمَّ ان المناط في الدعوى على الغائب وأخواته قيام احتمال البراءة إلى حين الدعوى الى زمان الغيبة كالموت في الدعوى على الميت ، فلا بد أن يكون اليمين على بقاء الحق فعلا وعدم حصول البراءة لا قبل الغيبة ولا بعدها على خلاف الدعوى على الميت ، فإنك عرفت أن المعتبر فيها احتمال البراءة قبل الموت لا بعده.

والفرق واضح ، لان احتمال البراءة بعد الموت ليس مما يتعلق بالميت بل بالورثة ، بخلاف احتمال البراءة بعد الغيبة ، فإن الغائب على فرض حضوره له دعوى البراءة بعد الغيبة.

٢٥٤

[ لو كان المدعى وكيلا عن غائب ]

هذا كله فيما إذا كان المدعي على الغائب مثلا أصيلا ، فلو كان وكيلا فهل يستحلف الوكيل مطلقا أو لا يستحلف مطلقا ، أو يفصل بين ما إذا كانت الدعوى المحتملة التقديرية دعوى إبراء الموكل أو قبضه فلا يستحلف وبين ما إذا كانت دعوى قبض الوكيل أو علمه بقبض الموكل فيستحلف؟ وجوه مبنية على استحلاف الوكيل المدعي على الحاضر مطلقا أو عدم الاستحلاف أو التفصيل بين الصورتين.

وحيث أن الأظهر الموافق لقول الأكثر في صورة دعوى الوكيل على الحاضر هو التفصيل ، كان الحكم في دعواه على الغائب أيضا كذلك ، لان الفرع لا يزيد على الأصل. فإذا كان المدعى عليه الحاضر ـ على تقدير إبراء الموكل أو قبضه ـ لا يستحلف الوكيل فكيف يستحلفه الحاكم لاحتمال دعوى الغائب إبراء الموكل.

نعم لما كان دعوى الحاضر على الوكيل قبضه أو علمه بقبض الموكل مسموعة مستتبعة لا حلافه استحلف أيضا في الدعوى على الغائب على عدم القبض أو عدم العلم به.

ولو قيل : ان دعوى الحاضر على الوكيل قبضه أو علمه غير مسموعة أيضا ، فلا يتوجه الحلف على عدمها على الوكيل ، كان الحكم في الدعوى على الغائب عدم الاستحلاف أيضا مطلقا. فظهر وجوه المسألة المشار إليها.

وكيف كان فلو قيل باستحلاف الوكيل فلا كلام ، والا ففي القضاء بالبينة أو عدم القضاء وإيقاف الدعوى الى زمان حضور الغائب أو مباشرة الموكل بنفسه الدعوى أيضا. وجهان أشير إليهما فيما تقدم من أن اليمين هل هي شرط في القضاء على الميت والغائب ونحو هما مطلقا أو إذا كانت ممكنة. وعلى الأول

٢٥٥

توقف الدعوى لعدم تحقق شرط القضاء الذي هو البينة مع اليمين ، وعلى الثاني يقضي كما مر.

وصرح بعض مشايخنا بعدم تسليم المال الى الوكيل ، لعدم ثبوت الحق بدون الحلف والوكيل لا يحلف ، وقد عرفت الحال في حلف الوكيل.

وقد تقدم أيضا أن اليمين إذا لم تكن مكملة للبينة ـ بأن كانت لدفع احتمال البراءة الخفي ـ بل مشروعة لدفع الدعاوي المحتملة احتياطا للقاضي في مسألة القضاء لا احتياطا في مراعاة الواقع كما على فرض التكملة كانت شرطا في حال الإمكان لا مطلقا. والله العالم.

التقاط

[ هل يسلم الحق الى المدعى لو كان المدعى عليه غائبا؟ ]

إذا ادعي على الغائب وتمَّ ميزان القضاء ففي الروايات أنه لا يسلم الحق الى المدعي أو وكيله الا بكفلاء ، وصرح بمضمونها في الشرائع وعمل بها ، لكنه لا يقول باليمين في الدعوى على الغائب والصبي ، فيكون الكفيل عنده عوضا عن اليمين كما في المسالك ، لكن عن القواعد اعتبار اليمين والكفيل معا.

ولعله أولى ، إذ مسألة التكفيل لا ربط لها بمسألة اليمين ، لأن القائل بعدم اليمين يقول أيضا بتمام الحجة بالبينة المحضة ، فيكون القول بالتكفيل للتعبد بالنص ، ولا مانع منه مع كون القضاء على هؤلاء مبنيا على مراعاة الاحتياط على ما اخترنا من اعتبار اليمين للعلة المنصوصة.

ثمَّ أن أخذ الكفيل هنا مشكل من حيث عدم انطباقه على القواعد :

أما أولا : فلان الحجة بعد ما تمت فلا وجه للتكفيل ، إذ ليس للغائب عليه سلطنة فعلية ، واحتمال اقامة الحجة بعد الحضور لا يعجل العقوبة ـ فتأمل.

٢٥٦

وأما ثانيا : فلان الكفالة هنا عبارة عن الضمانة ، خصوصا بقرينة ما في بعض هذه الروايات من اعتبار الملاءة في المدعى عند تسليم المال اليه وليس المراد بها الكفالة المصطلحة. والضمانة لا بد فيها من موجب معلوم للمضمون حتى لا يرجع الى ضمان ما لم يجب ولم يعلم بعد ثبوت كون المدعى مستحقا عليه.

الا أن يقال : انه ضمان ما لم يتبين أو ضمان العين. توضيحه : ان الضمانة على أقسام : ضمانة الدين ونحوه من الجرم والغرامة المترتبة على الإتلافات ، وضمانة العين وهي التي جوزها المحقق في كتاب الضمان واستشكل فيه صاحب المسالك ، وهو أن يتعهد الشخص لعين من الأعيان كتعهد اليد العارية لما تستولي عليه ، ومرجعها الى التزام الضامن بكون تلفها من كيسه لا من كيس مالكها ، وضمان ما لم يجب وهو أن يضم الشخص بشي‌ء لم يوجد سببه بعد كضمان صداق زوجة يتزوجها شخص بعد ، وضمان ما لم يتبين كضمان درك المبيع فإنه إذا احتمل كون المبيع مستحقا للغير احتمل استحقاق المشتري على البائع بعضوه ، فضمان شخص لما على المشتري إذا تبين فساد العقد ضمان لأمر محتمل الوجود غير معلوم وليس من ضمان ما لم يجب. وما نحن فيه يحتمل أن يكون من القسم الأخير أو من ضمانة العين.

التقاط

[ سكوت المدعى عند اقامة الدعوى ]

إذا سكت المدعي ولم يجب فان كان لعذر كوحشة أو غباوة أو صمم أو خرس أرفق به ، ويوصل في الأخيرين إلى معرفة الجواب بالإشارة الموصلة اليه. وان كان عند عناد ففيه أقوال ثلاثة نقلها في الشرائع : أحدها أنه يحبس

٢٥٧

حتى يتبين الحال ، والثاني أنه يجبر ويلزم بالضرب ونحوه حتى يجيب ، والثالث أنه يقول له الحاكم أجب والا جعلتك ناكلا.

والأخير أظهر ، لأن الإجبار أو الحبس متفرعان على أن لا يكون هناك ميزان شرعي لفصل الخصومة ، وأما معه فلا وجه للعدول عنه الى ما لم يتحقق سببه بعد. وإطلاق الأدلة الماضية قاضية بأن وظيفة المدعى عليه اليمين أو الرد فاذا سكت قضى بالنكول عليه مع الرد أو بدونه على الاختلاف المتقدم.

وفي رواية البصري الماضية « وان لم يحلف ـ أي المدعى عليه ـ فعليه » كما في الكافي والتهذيب ، ولا ريب أنه إذا سكت يصدق عليه أنه لم يحلف.

وحينئذ فإن قضينا بالنكول حكم عليه بعد قوله « أجب والا جعلتك ناكلا » والا فبعد رد اليمين الى المدعي.

ثمَّ ان ظاهر الأقوال الثلاثة أنه لا يسأل عن المدعى هل له بينة أم لا. وهو الذي استظهره المحقق القمي من كلامهم فيما حكي عنه ، وأورد عليهم بأن البينة مقدمة على الحبس أو الإجبار أو القضاء بالنكول.

والحق أن هذا الاستظهار ليس في محله ، فلا وقع للإيراد المذكور أيضا ، لأن كلماتهم هنا وان كانت مطلقة بحسب الظاهر لكن الظاهر بل المعلوم أن مصب الأقوال الثلاثة في بيان وظيفة القاضي إذا لم يكن للمدعي بينة لا مطلقا حتى لو أقام البينة لم تسمع ، إذ لا وجه لذلك ، كما لا وجه لتوهم قول الأصحاب به. فغرضهم ان الجواب بالسكوت حكمه ما ذا كما أن الجواب بالإنكار حكمه اليمين ، فكما أن قولهم بإحلاف المنكر انما هو بعد فقد البينة كذلك قولهم بحبس الساكت أو إجباره أو إجراء حكم النكول عليه.

٢٥٨

[ إذا قال المدعى « لا أدرى » ]

هذا واضح ، وانما الإشكال فيما لو قال في الجواب « لا أدري ما تقول » ، فان فيه أقوالا واحتمالات :

( أحدها ) توقف القضاء على البينة وعدم اليمين مطلقا وعدم الرد وعدم القضاء بالنكول تنزيلا له منزلة الميت الذي لا لسان له أو منزلة الصبي أو الغائب ونحوهم ممن لا لسان له في الجواب ، لأنه إذا قال « لا أدري » كانت الدعوى لا منكر لها. ولم نجد قائلا ، بل ذكر بعض مشايخنا قدس‌سره احتمالا معترفا بأنه خلاف الإجماع ظاهرا.

( والثاني ) انه يحلف يمين نفي العلم ، ويكتفى به في سقوط الدعوى ، لكن لو أقام البينة بعدها سمعت ، على خلاف يمين البت التي لا تسمع البينة بعدها. وهذا مختار بعض مشايخنا قدس‌سره.

واستدل عليه بما حاصله : ان المدعى عليه وظيفته اليمين نصا وفتوى ، وأما كونها على نحو البت أو على نفي العلم فيتبع كيفية الإنكار ، فإن كان على وجه ينفي الاستحقاق الواقعي فهي على البت ، أو على وجه ينفي الاستحقاق الظاهري فهي على نفي العلم. ويظهر من محكي مجمع البرهان الميل اليه ، وعن الكفاية نفي البعد عنه.

( والثالث ) انه يحلف يمين البت اتكالا على الأصل. ذكره في محكي الكفاية على نحو الإمكان والاحتمال.

( والرابع ) عدم توقف القضاء على البينة وعدم الاكتفاء باليمين على نفي العلم ، بل برد اليمين على المدعي بناء على عدم القضاء بالنكول أو مطلقا.

٢٥٩

وهو ظاهر الكل أو الجل على ما اعترف به غير واحد منهم الأردبيلي والسبزواري قدس سر هما ، وهو الأقوى.

لنا على ذلك ظهور الاتفاق وإطلاق الاخبار :

أما الأول ـ فلأنهم اتفقوا على أن الدعوى إذا كانت متعلقة بفعل المدعى عليه فاليمين لا بد أن تكون على نحو البت ، وإذا كانت متعلقة بفعل غير المدعى عليه كالميت فيكفي أن تكون على نفي العلم. ثمَّ انهم اختلفوا في بعض الفروع في كون اليمين على البت أو على نفي العلم ، مثل ما لو كانت الدعوى متعلقة بفعل البهيمة أو بفعل العبد ، ومثل دعوى الاخوة ونحوها ، فقيل انه لا بد أن تكون اليمين على نحو البت ، وقيل انه يكفي أن تكون على نفي العلم إلحاقا لها بفعل الغير.

ولا ريب انهم حيثما يقولون باعتبار البت في اليمين معناه القضاء بالنكول أو مع الرد حيثما تعذرت اليمين على نحو البت بعذر شرعي أو عقلي ، مثل ما إذا كان المدعى عليه المنكر قد نذر سابقا أن لا يحلف بالله صادقا وكاذبا ، فإن شرطية البت في اليمين حينئذ قاضية بالنكول أو مع الرد. والحاصل ان اليمين على نحو البت حيثما تعتبر فهي شرط مطلق ثابت في حال الإمكان والتعذر.

وقضية بقاء الشرطية مع العذر والقضاء بالنكول أو مع الرد ، ولعل المكتفى في مسألتنا هذه باليمين على نفي العلم يقول في صورة التعذر الناشئ من النذر بتوقف القضاء على البينة. وهو كما ترى ، وقد عرفت انهم اعتبروا البت في اليمين إذا كانت الدعوى متعلقة بفعل النفس ، وقضية ذلك أنه إذا تعذرت اليمين البتية قضى بالنكول أو مع الرد.

فان قلت : ما صرحوا به من البت في اليمين إذا كانت الدعوى متعلقة بفعل النفس مبنى على الغالب ، وهو علم الشخص بفعله ، فلا يجري فيما لا يعلم بفعله ، فإنه حينئذ كفعل الغير.

٢٦٠