نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

مشبها للرواية كان قويا وليس إخبارا ، ولهذا لا يسمى الأمر المخبر عن قوله (١) شاهدا ولا راويا مع قبول قوله وحده ، كقوله « هذا مذكى وهذا ميتة » لما في يده ، وقول الوكيل « بعت » أو « أنا وكيل » أو « هذا ملكي ».

ولا يرد على الفرق أن من الشهادات ما يتضمن العموم كالوقف العام والنسب المتصل إلى يوم القيامة وكون الأرض عنوة أو صلحا ، ومن الروايات ما يتضمن حكما خاصا كتوقيت الصلوات بأوقاتها المخصوصة ، لأن العموم هنا عارض. وفي الحقيقة التعيين هو المقصود بالذات ، فإنها شهادة على الواقف وهو شخص واحد ، وليس العموم من لوازم الوقف.

وكذا النسب المشهود عليه إلحاق معين بمعين والعموم طرا عليه ، وأما أوقات الصلاة وإن كانت متحدة بحسب صلاة صلاة إلا أنها شرع عام على جميع المكلفين.

فروع :

( الأول ) لو روى أحد المتنازعين رواية يقضي الحاكم له (٢) أو العبد رواية تقتضي عتقه ، فالأقرب السماع لأن العموم مع وصف العدالة (٣) يمنع التهمة مع الخصوص (٤)

__________________

(١) في ك : الأمي المخبر عن فعله. وفي الهامش : لو قال العامي كان أحسن لأن الأمي في عرف الفقهاء من لا يحسن الفاتحة ، ويمكن أن يراد بالأمي هنا من لا يحسن شيئا فيكون فائدة التخصيص التنبيه بالأدنى على الأعلى.

(٢) في ك : تقتضي الحكم له.

(٣) في ك : مع وازع العدالة.

(٤) في ك : في الخصوص.

٥٢١

( الثاني ) معنى « شهد » ، حضر ، ومنه « ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) » (١) ، وأخبر ومنه « الشهادة عند الحاكم » ، أو بمعنى علم وعلى ذلك (٢) سمي « شهيد » أي عليم ، وقوله تعالى « شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ » (٣) يحتمل الإخبار والعلم ، ومعنى « روى » تحمل ، فراوي الحديث تحمله عن شيخه ، ومن ثمَّ سمي البعير رواية لحمله الماء ، وأطلق عليه « المزادة » (٤) للمجاورة ، وليس هذا من باب أروي [ وروي ] (٥) وإلا لقيل مروية ومروية.

( الثالث ) رجح الأصحاب في بعض الصور الشهادة بالأعدل فالأكثر كما في الرواية ، ومنع بعضهم الأمرين ، وآخرون الترجيح بالعدد ، لأن الحاكم نصب لدرء الخصومة وقطع المنازعة.

ولو فتح باب الكثرة أمكن [ طلب ] (٦) الخصم الإمهال ليحضر شهودا أكثر ولو زورا فإذا أحضر أمكن خصمه طلب مثله فيتمادى النزاع ، بخلاف العدالة فإن العدالة لا يستفاد إلا من الحاكم ، فلا يمكن السعي في زيادتها.

وهذا خيال واه ، لأنا نمنع الإمهال أولا بل يحكم الحاكم بحسب الحال للحاضر لما كان الإمهال يؤدي إلى هذا الإخلال. سلمنا لكن المراد بالأعدل ظاهرا ، وقد يسعى في تحصيل أعدل ظاهرا أيضا.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٨٥

(٢) كذا في النسختين وفي القواعد : ومنه على كل شي‌ء شهيدا أي عليم.

(٣) سورة آل عمران : ١٨.

(٤) في ص : على المرادة.

(٥) ليس « وروي » في. أي ليس « رواية » من باب الإفعال والتفعيل وإلا يقال : مروية كمكرمة ومروية كمصرفة.

(٦) ليس « طلب » في ص.

٥٢٢

ولو زورا فإن العصمة إذا ارتفعت اتسع المجال ، فالمحذور لازم ، ولأنه من القضايا ما يمكن فيها تكثير الشهود وتبديلهم ، كالشهادة على بيع من معين ، فإنه يمكن أن يحضر جماعة فيأتي ببعضهم ثمَّ يسعى لإكمال الباقي ، أو على إقرار فيسعى لسماع الإقرار ثانيا وثالثا ، وذلك يمكن في الكثرة والأعدلية.

السادسة والعشرون :

يعتبر في الشهادة العلم لقوله تعالى ( إِلّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على مثلها فاشهد ـ وأشار إلى الشمس. ولدخوله تحت عموم « وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ » (٢) في التحريم والمعتبر في علم الشاهد حال التحمل.

ولا يشترط استمراره في كثير من الصور ، كالشاهد بدين أو ثمن مبيع أو ملك لوارث (٣) مع إمكان أن يكون قد وقع (٤) الدين وثمن المبيع وباع المورث ، وكالشهادة بعقد بيع أو إجارة مع إمكان الإقالة بعده. والمعتمد في هذه الصور إنما وهو الاستصحاب (٥).

أما الشهادة على السبب (٦) والولاء فإنهما على القطع ، لامتناع انتقالهما ، وكذا الشهادة على الإقرار [ فإنه إخبار عن وقوع النطق الزمان الماضي.

__________________

(١) سورة الزخرف : ٨٦.

(٢) سورة البقرة : ١٦٩.

(٣) في هامش ص : الموروث.

(٤) في ص : قد دفع.

(٥) في ك : الاستحضار.

(٦) في ك : على النسب.

٥٢٣

وأما الشهادة بالوقف فإن منعنا بيعه فهي من قبيل القطع ]. (١)

السابعة والعشرون :

كل كافر لا تسمع شهادته ولو على مثله إلا في الوصية مع عدم عدول المسلمين للآية (٢). وقال الشيخ في أحد قوليه : يجوز شهادته على مثله.

دليل القول الأول قوله تعالى « وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ » (٣) وقال عليه‌السلام لا تقبل شهادة عدو على عدوه. ولأن رد شهادة الفاسق يستلزم رد شهادته. والأول ثابت بقوله تعالى « وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » (٤) وفي قوله « منكم » اشتراط الإسلام ، وبقوله « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا » (٥) ولقوله عليه‌السلام لا يقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين (٦) ، فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم.

ويشكل بأن مفهومه قبول شهادتهم على أهل دينهم ، ولأن من لا يقبل شهادته على مسلم لا يقبل على غيره ، كالعبد عند بعض وعند العامة. وهذا إلزام.

دليل القول الآخر آية المائدة (٧).

وإذا قبلت شهادته على المسلمين فعلى مثله أولى ، لما ثبت أن النبي صلى

__________________

(١) ليس ما بين القوسين في ص.

(٢) إشارة إلى الآية ١٠٦ من سورة المائدة.

(٣) سورة المائدة ٦٤.

(٤) سورة المائدة ١٦٥.

(٥) سورة الحجرات : ٦.

(٦) راجع الكافي ٧ / ٣٩٨ ، التهذيب ٦ / ٢٥٢.

(٧) سورة المائدة ١٠٦. في نسخة من القواعد : لآخر آية المائدة.

٥٢٤

الله عليه وآله وسلم رجم اليهودي واليهودية لما جاءت اليهود بهما وذكروا زناهما. والظاهر أنه رجمهما بشهادتهم ، فقد روى الشعبي أنه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » قال إن شهد منكم أربعة رجمتهما.

ولأن الكافر تزوج ابنته بالولاية ، ويؤتمن لآية القنطار. وبما رواه سماعة عن الصادق عليه‌السلام في شهادة أهل الملة قال لا تجوز إلا على ملتهم ، فإن لم تجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب حق أحد (١).

ولرواية ضريس الكناسي عن الباقر عليه‌السلام في شهادة أهل الملة على غير أهل ملتهم. فقال لا إلا أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا يبطل وصيته. (٢)

والجواب : الجواز في الوصية للضرورة كما أشار إليه الحديثان ، ونقل (٣) أن اليهوديين اعترفا بالزنا ، ونقل أنه إنما (٤) رجمهما إلا بالوحي ، لأن الرجم لم يكن حدا للمسلمين حينئذ. والتورية لا يجوز الاعتماد عليها لتحريفها.

والفرق في الولاية أن وازع الولاية طبيعي بخلاف الشهادة ، فإن وازعها ديني. وعن آية الأمانة (٥) أنها لا تستلزم قبول الشهادة ، فإن الفاسق يقبل قوله في تلف أمانته ولا تقبل شهادته ، مع أن فيها قولهم « ليس علينا في الأميين سبيل » ومن أين لنا أن هذين الشاهدين لا يقولان هذا القول.

__________________

(١) الكافي ٧ / ٣٩٨ ، التهذيب ٦ / ٢٥٢.

(٢) الكافي ٧ / ٣٩٩ ، التهذيب ٦ / ٢٥٣

(٣) في ك : وقيل.

(٤) ليس « إنما » في ص.

(٥) في النسختين والقواعد هكذا.

٥٢٥

ويعارض الجميع بقوله تعالى « لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ » (١) وبقوله تعالى « أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ » (٢).

وفيه نظر ، لأن الاستواء غير حاصل على تقدير قبول شهادتهم على أهل الذمة ، لأن المسلمين مقبولو الشهادة على الإطلاق ، وشهادة هؤلاء مقصورة على أهل ملتهم.

وزعم بعض العامة أن آية المائدة منسوخة بقوله تعالى « وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » (٣) ولم يثبت مع أن المائدة [ من ] آخر القرآن نزولا.

تتمة :

لا تسمع شهادة الفاسق ، لما تقدم ولقوله تعالى « مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » (٤) والفاسق غير مرضي ، والمراد به من فعل كبيرة أو أصر على صغيرة. وقيل من ترك واجبا أو محرما. والأول أقوى للزوم الحرج ، إذ لا يتحقق الثاني إلا في المعصوم.

وهنا فوائد :

تتضمن قواعد :

__________________

(١) سورة الحشر : ٢٠.

(٢) سورة الجاثية : ٢١.

(٣) سورة الطلاق : ٢.

(٤) سورة البقرة : ٢٨٢.

٥٢٦

الأولى :

كلما توعد عليه الشرع بخصوصه فإنه كبيرة ، وقد ضبط ذلك بعضهم فقال (١) : هي الشرك بالله ، والقتل بغير حق ، واللواط ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والسحر ، والربا ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والغيبة بغير حق ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة ، والسرقة ونكث الصفقة ، والتعرب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله تعالى ، والأمن من مكر الله سبحانه وعقوق الوالدين ، وكلما ورد (٢) في الحديث منصوصا عليه بأنه كبيرة وورد أيضا التهمة وترك السنة ، ومنع ابن السبيل فضل الماء ، وعدم التنزه من البول ، والتسبيب إلى شتم الوالدين ، والإضرار في الوصية.

وهناك عبارات أخرى في حد الكبيرة ، منها : كل معصية توجب الحد ، ومنها : التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بكتاب أو سنة ، ومنها : كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث (٣) فاعلها بالذنب ، ومنها : كل معصية توجب في جنسها الحد.

وهذه الكبائر المعدودة عند التأمل ترجع إلى ما يتعلق بالضروريات الخمس التي هي مصلحة الأديان والعقول والنفوس والأنساب والأموال :

فمصلحة الدين منها ما يتعلق بالاعتقاد ، وهو إما كفر أو شرك بالله تعالى أو ليس بكفر ، وهو بترك السنة إذا لم ينته إلى الكفر ، ويدخل فيه مقالات المبتدعة

__________________

(١) في ص ليس « بعضهم قال » وبدله : فقيل.

(٢) في ك : وكل هذا ورد.

(٣) في حديث : لا يكترث لهذا الأمر ، أي لا يعبأ به ولا يباليه. ولا يستعمل إلا في النفي وقد جاء في الإثبات على شذوذ.

٥٢٧

من الأمة كالمرجئة (١) والخوارج والمجسمة.

وقد يكون في الاعتقاد في نفسه خطأ وإن لم يسم كفرا ولا بدعة ، كالأمن من مكر الله واليأس من روح الله. ويدخل فيه كل ما أشبهه كالسخط بقضاء الله

__________________

(١) قال في مجمع البحرين : وقد اختلف في المرجئة فقيل : هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الأيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجى تعذيبهم أي عن المعاصي أي أخره عنهم ، وعن أبي قتيبة أنه قال : هم الذين يقولون الإيمان قول بلا عمل لأنهم يقدمون القول ويؤخرون العمل. وقال بعض أهل المعرفة بالملل : إن المرجئة هم فرقة الجبرية الذين يقولون إن العبد لا فعل له وإضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات كجري النهر ودارت الرحا. وإنما سميت المجبرة مرجئة لأنهم يؤخرن أمر الله ويرتكبون الكبائر ، وفي المغرب نقلا عنه : سموا بذلك لإرجائهم حكم أهل الكبائر إلى يوم القيامة ، وفي الأحاديث : المرجئ يقول من لم يصل ولم يصم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل ـ إلى آخر ما قال ـ ولهم ذكر في مرآة العقول ٧ / ٢٤٨ ، بحار الأنوار ٦٨ / ٢٩٧ ، شرح أصول الكافي للعلامة المولى صالح المازندراني ٨ / ١١٦ وقال العلامة المحقق الشعراني رحمة الله عليه في تعليقه على هذا الشرح : هم « أي المرجئة » والخوارج على طرفي النقيض كان هؤلاء يعتقدون كفر الفساق وهم على غاية البغض والعداوة مع بني أمية الولاة في عصرهم والمرجئة كانوا يعتقدون تساوي الصالح والطالح والعابد والفاسق في الفضل عند الله وكانوا متملقين ومائلين إلى ولاتهم وكان يؤيدهم سياسة بني أمية أو جدتهم وروجت آراءهم بين المسلمين ـ إلى أن قال رحمة الله ـ فاخترعوا لهم مذهب المرجئة وغرضهم أن بني أمية مسلمون مؤمنون وإن ظهر منهم الفجور والقتل والمناهي وهم والصلحاء سواء عند الله في الفضل فيجب مودتهم والمصافاة معهم وإعانتهم في التدبير الملكي ونصرهم في جهاد عدوهم وبالجملة دفع تنفر الناس وما يلزمه ولما كان هذا من أضر الآراء في فرق الإسلام بل منافيا لأصل تشريع هذا الدين وكل دين لو لا احتمال الشبهة الممكنة في حقهم لحكم بكفرهم لمخالفتهم ضروري الإسلام بل ضروري كل دين ولانتفى فائدة إرسال الرسل وإنزال الكتب ولم يبق للطاعات واكتساب الفضائل ومكارم الأخلاق موقع. رد الأئمة عليهم‌السلام في هذه الأحاديث رأيهم ومذهبهم.

٥٢٨

سبحانه والاعتراض في قدره ، وقد يكون من أفعال القلوب المتعدية كالكبر والحسد والغل (١) للمؤمنين.

ومن مصالح الدين ما يتعلق بالبدن : إما خاص كالإلحاد في الحرم ، فيدخل فيه شبهة ، كإخافة المدينة الشريفة والإلحاد فيها ، والكذب على النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين. وإما متعد وقد نص منها (٢) على النميمة والسحر والفرار عن الزحف ونكث الصفقة لأن ضرره متعد.

وأما مصلحة النفس فكالقتل بغير حق ، فيدخل فيه جناية الطرف.

وأما العقل فشرب الخمر ، ويدخل فيه كل مسكر ، وأكل الميتة وسائر النجاسات في معناه لاشتمال الخمر على النجاسة.

وأما الأنساب فالزنا واللواط ، ويدخل فيهما القيادة. وعن النسب عقوق الوالدين والإضرار في الوصية.

الثانية :

جاء في الحديث « لا صغيرة مع الإصرار ». والإصرار إما فعلي وهو المداومة على نوع واحد من الصغائر بلا توبة ، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ، وإما حكمي وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها أما من فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها ، فالظاهر أنه غير مصر. ولعله مما يكفره الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام والوضوء كما جاء في الأخبار.

__________________

(١) الغل بالكسر : الحقد والبغض.

(٢) في ص : فمنها.

٥٢٩

الثالثة :

التوبة بشروطها تزيل الكبائر والصغائر ، وهل يشترط الاستبراء مدة تظهر فيها توبته وصلاح سريرته كما قال تعالى « إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا » (١)؟ الظاهر ذلك ، لأنا لا نتحقق التوبة بدونه.

ولا تقدير لتلك المدة وقدرها بعض العامة بسنة أو نصفها. وهو تحكم ، إذا المعتبر ظن صدقه في توبته ، وهو يختلف بحسب الأشخاص والأحوال المستفادة من القرائن.

على أن بعض الذنوب يكفي في التوبة منها تركها بمجرده من غير استبراء كمن عرض عليه القضاء مع وجوبه فامتنع ثمَّ عاد ، أو أوصى إليه وعلم بعد الموت فامتنع وعاد ، أو [ من ] تعينت عليه الشهادة فامتنع وعاد ، أو عضل المرأة عن التزويج ثمَّ عاد.

ويظهر من كلام الشيخ رحمه‌الله عدم الاستبراء بالكلية ، لأنه قال في المشهور بالفسق يقول له الحاكم « تب أقبل شهادتك ».

الرابعة :

كل مسلم أخبر عن أمر ديني يفعله فالظاهر قبوله. وهذه مخرجة من قبول قول الصحابي أمرنا بكذا أو أمرنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكذا أو نهى عن كذا ، لأن الظاهر من حال الصحابي تثبته (٢) ومعرفته باللغة ، فلا يطلق ذلك إلا بعد تيقن ما هو أمر أو نهي.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٨٩.

(٢) في ص : تثبيه.

٥٣٠

وفي هذه القاعدة مسائل ، كإخبار المسلم بوكالته في مبيع أو وصية أو بأن ما في يده طاهر أو نجس أو بأنه طهر الثوب المأمور بتطهيره.

تنبيه :

يشترط في بعض هذه الأمور هنا ذكر السبب عند اختلاف الأسباب ، كما لو أخبر بنجاسة الماء فإنه يمكن أن يتوهم ما ليس بسب سببا وإن كانا عدلين. اللهم إلا أن يكون المخبر فقيها يوافق اعتقاده اعتقاد المخبر.

ومنه عدم قبول شهادة النساء (١) باستحقاق الشفعة أو بأن بينهما رضاعا محرما لتحقق الخلاف في ذلك أو بأولية شهر أو بإرث زيد من عمرو أو بكفره ، والصور كثيرة.

ويشكل منها لو شهدا بانتقال الملك من زيد إلى عمرو ولم يبينا [ سبب الانتقال ، أو بأن حاكما جائز الحكم حكم بهذا ولم يبينا ] (٢) ، أو شهدا على من باع عبدا من زيد [ أنه عاد إليه من زيد ] (٣) ولم يبينا إقالة أو بيعا مثلا.

وبالجملة لا ينبغي للشاهد أن يرتب (٤) الأحكام على أسبابها ، بل وظيفته أن ينقل ما سمعه منها من إقرار أو عقد بيع أو غيره أو ينقل ما رآه ، وإنما ترتبت المسببات وظيفة الحاكم ، فالشاهد متغير (٥) والحاكم متصرف.

__________________

(١) في ص : الشاهد.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

(٣) ما بين القوسين ليس في ص.

(٤) في ص : أن يثبت.

(٥) في ك : فالشاهد سفير.

٥٣١

الثامنة والعشرون :

ذكر الشاهد السبب قد يكون سببا كما في صورة (١) الترجيح ، وقد يكون فعله وتركه سواء ، كما في صور كثيرة. وقيل : قد يكون ذكر السبب قادحا في الشهادة كما لو قال « أعتقد أن هذا ملكه » للاستصحاب وإن كان في الحقيقة مستندا إلى الاستصحاب ، وكذا لو صرح بأن هذا ملكه علمته بالاستفاضة.

وهذا ضعيف ، لأن الشرع جعل الاستفاضة من أسباب (٢) التحمل فكيف يضر ذكرها ، وإنما ضر ذكر الاستصحاب إن قلنا به لأنه يؤذن بشكه في البقاء ولو أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم. ولو قيل بعدم الضرر أيضا كان قويا.

وكذا الكلام لو قال هو ملكه لأني رأيت يده عليه أو رأيته يتصرف فيه بغير منازع. وغاية ما في الباب أن يقال : إن الشاهد ليس له وظيفة ترتب المسببات على الأسباب إنما يشهد بما يعلم ، وإنما ذلك وظيفة الحكام. قلنا : إذا كان الترتيب شرعيا وحكاه الشاهد فقد حكى صورة الواقع فكيف ترد شهادته بما هو مستندها في الحقيقة.

فائدة :

لو شاهد ماء الغير يجري على سطح آخر أو في ساقيته (٣) مدة طويلة بغير منازعة فهل للشاهد أن يشهد بالاستحقاق؟ الظاهر لا ، صرح بذلك أو لا.

وقال بعض العامة : يجوز كونه سببا للتحمل ، ولو صرح به ردت شهادته ،

__________________

(١) في ص : في صور.

(٢) في ص : من باب.

(٣) في ك : أو في ساحته.

٥٣٢

وهو من النمط الأول. وربما رجحوا هذا المأخذ بأن شاهد الرضاع لا يكفي قوله شاهدته ممتصا للثدي يحرك شفتيه ثمَّ حلقومه ، وإن كان مستند الشهادة بالرضاع ذلك.

قال شيخنا : قلنا وما المانع من صحة هذه الشهادة على هذا الوجه وهل النزاع إلا فيها.

أقول : الحق أن ذكر الشاهد السبب يوهم شكه وعدم قطعه بالمشهود به (١) وغير خفي أن المعتبر في الشهادة العلم والجزم. والحق الصريح التفصيل ، وهو أنه إذا ذكر السبب واقتصر عليه لم تسمع شهادته ، لأن هذه الأسباب إنما تصح الشهادة بها إذا أفادت البينة القطع (٢) ولم يتعرض له الشاهد هنا فترد شهادته وإن ذكر السبب وقال وأنا أشهد بصورة الجزم [ لم يضر ذكر السبب ، وكذا لو صرح وقال مستند شهادتي السبب المعين الذي حصل لي منه القطع ] (٣) أو الذي يجوز الشهادة به وكان من أهل المعرفة ، فإنه تسمع شهادته في الصورتين.

التاسعة والعشرون :

في شي‌ء من توابع القضاء. ثبت عندنا قولهم عليهم‌السلام كل أمر مجهول فيه القرعة (٤) ، وذلك لأن فيها عند تساوي الحقوق والمصالح وقوع التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار (٥) وقضاء الملك الجبار.

__________________

(١) في ص : بالمشهود فيه.

(٢) في ك : إذا أفاده الشاهد القطع.

(٣) ليس ما بين القوسين في ص.

(٤) النهاية : ٣٤٦ ، البحار ١٠٤ / ٣٢٥ ، التهذيب ٩ / ٢٥٨.

(٥) في ص : الإقرار.

٥٣٣

ولا قرعة في الأمانة الكبرى ، لأنها بالنص عندنا ، وإنما مواردها في غيرها وهي أنواع :

١ ـ أئمة الصلاة عند الاستواء في المرجحات ٢ ـ بين أولياء الميت في تجهيزه مع الاستواء ٣ ـ بين الموتى في الصلاة والدفن مع الاستواء في الأفضلية وعدمها.

٤ ـ بين المزدحمين في الصف الأول مع استوائهم في الورود.

٥ ـ في العقود في المسجد أو الموضع المباح.

٦ ـ في الحيازة وإحياء الموات.

٧ ـ في التقديم في الدعاوي والدروس إلا أن يكون فيهم مضطر بسفر أو أمر.

٨ ـ بين الزوجات في السفر وابتداء القسمة لو سيق إليه زوجات دفعة.

٩ ـ بين الموصى بعتقهم أو المنجز من غير ترتيب.

١٠ ـ عند تعارض البينتين.

١١ ـ تعارض الدعويين.

١٢ ـ تخصيص الحصة بعد القسمة. ولا يستعمل في العبادات في غير ما ذكرناه ولا في الفتاوى والأحكام المشتبهة إجماعا.

فائدة :

إنما روعيت القرعة في العبيد ولم يسع (١) العتق فيهم لوجوه :

__________________

(١) ساع الماء يسيع سيعا أي جرى واضطرب. في ك : لم يشيع ، في القواعد : لم يشع.

٥٣٤

( الأول ) ما روي أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه ولا مال له غيرهم فجزأهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.

( الثاني ) إجماع التابعين على ذلك ، مثل زين العابدين عليه‌السلام قوله عندنا حجة وعمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد وأبان بن عثمان وابن سيرين وغيرهم ، ولم ينقل في عصرهم خلاف في ذلك.

( الثالث ) أن في الاستعساء مشقة وضررا على العبد بالإلزام وعلى الوارث بتأجيل الحق وتعجيل حقوق العبد ، والأصول تقتضي تصرف الوارث في الثلاثين عند تصرف الموصى له في الثلث.

( الرابع ) أن المقصود من العتق تفرغ المعتق في الطاعات ووجوه الاكتساب وهو مما لا يحصل إلا بالإكمال والتجزئة تمنع ذلك في الحال وقد يستمر في المآل.

احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام « لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم » (١) و « المريض لا يملك سوى الثلث » (٢) ، وهو شائع في الجميع فينفذ عتقه فيه. والخبر حكاية حال في عين لا عموم لها ، واثنان يحتمل أن يكونا شائعين لا معينين لقضاء العادة باختلاف قيمة العبيد ، فيتعذر غالبا أن يكون اثنان معينان ثلث ماله.

ولأن القرعة على خلاف القرآن لأنها من الميسر وخلاف القواعد ، لأن فيه تحويل الحرية بالقرعة. ولأنه لو أوصى بثلث كل واحد صح وحمل على الإشاعة ، وكذا إذا أطلق قياسا عليه وعلى حالة الصحة ، ولأنه لو باع ثلث عبيده

__________________

(١) التهذيب ٨ / ٢٤٩ ، الكافي ٦ / ٦٣ ، الفقيه ـ روضة المتقين ٦ / ٢٩١ ، الوسائل ١٦ / ٨ ، قرب الإسناد : ٤٧ بألفاظ مختلفة والمعنى واحد.

(٢) الكافي ٧ / ٨ ، التهذيب : ٩ / ١٨٨.

٥٣٥

كان شائعا ، والعتق أقوى من البيع لأن البيع يلحقه الفسخ والعتق لا يلحقه الفسخ فهو أولى بعدم القرعة لأن فيها تحويل العتق ، ولأنه لو كان مالكا لثلثهم فأعتقه لم يجمع ذلك في اثنين منهم ، والمريض لا يملك غير الثلث فلا يجمع في إعتاقه ، إذ لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف ، ولأن مورد القرعة ما يجوز التراضي عليه فالحرية في حال الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها لم تجز القرعة فيها والأموال يجوز التراضي فيها فتدخل فيها القرعة.

أجيب : بأن العتق لم يقع إلا فيما يملك ، لأنه ملكه منحصر في اثنين.

والخبر تمهيد لقاعدة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكمي على الواحد حكمي على الجماعة (١). والحمل على اثنين شائعين باطل وإلا لم يكن للقرعة معنى.

واتفاق القيمة ممكن وقد كان واقعا في تلك القضية.

وليست القرعة من الميسر في شي‌ء ، لأنه قمار والقرعة ليست قمارا ، لإقراع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أزواجه ، واستعملت القرعة في الشرائع السالفة بدليل قوله تعالى « فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ » (٢) وقوله تعالى « إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ » (٣).

وليس هنا نقل الحرية وتحويلها ، لأن عتق المريض لا يستقر إلا بموته مع الشرائط ، ولهذا لو طرأ الدين المستوعب بطل وغير المستوعب يقدم.

وفرق بين الوصية والبيع وبين العتق ، لأن الغرض من العتق التخليص للطاعة

__________________

(١) البحار ٢ / ٢٧٢ عن غوالي اللئالي.

(٢) سورة الصافات : ١٤١.

(٣) سورة آل عمران : ٤٤.

٥٣٦

والتكسب والغرض من البيع والوصية التمليك وهو حاصل مع الإشاعة ، بخلاف العتق فإنه لا يحصل غايته إلا بتكميله ، وقد قدمنا أنه لا تحويل في العتق.

والفرق بين مالك الثلث فقط وبين هذا عدم التنازع فيه بخلاف صورة الخلاف. ولا نسلم أن العتق لا يجزي فيه التراضي ، لأنه لو رضي الوارث فتنفذ (١) الوصية عتق الجميع.

الثلاثون : في القسمة

لما كانت الشركة من النقائص (٢) التي يتنزه عنها ولهذا تنزه عنها مقام الربوبية ولما يترتب عليها من الفساد كما أشار سبحانه ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) (٣) في تمانع التصرفات ، ولمنافاتها مقام الامتنان بالانتفاعات الخالصة من المعارض بقوله تعالى( خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ ) (٤) وقال عليه‌السلام الناس مسلطون على أموالهم (٥).

شرعت القسمة لإزالة ذلك ، وهي عبارة عن تمييز حقوق الملاك ، فيستحب للإمام نصب قاسم أهل للأمانة عارف بقواعد الحساب ، وليس ذلك شرطا في من تراضى به الخصمان.

وللحاكم القسمة بين أصحاب اليد وإن لم يثبت عنده الملك ، ومنعه الشيخ.

__________________

(١) في ك والقواعد : بتنفيذ.

(٢) في ص : من النقائض.

(٣) سورة الأنبياء : ٢٣

(٤) سورة البقرة : ٢٩. وفي ص « خلق لكم ما في السماوات والأرض » ولم أعثر على هكذا آية.

(٥) البحار : ٢ / ٢٧٢.

٥٣٧

نعم لا يستحل بالملك إلا بقضاء اليد (١).

ولو كان أحد الشريكين طفلا أجبر وليه (٢) على القسمة في موضع الإجبار ، وإن لم يكن غبطة لكن هو لا يلبها إلا مع الغبطة.

وتمام البحث هنا بفوائد :

( الأولى ) لو اشتملت على تقويم لم يكف الواحد (٣) بل لا بد من العدلين ، لاستلزام إثبات حق في البين إلا مع رضى الشريكين.

( الثانية ) المنصوب من قبل الحاكم تلزم قسمته بنفس القرعة لكونها حكما وغير المنصوب لا يلزم إلا بالتراضي في قسمة الرد وأما غيرها فلا.

( الثالثة ) كل متساوي الأجزاء يجبر الشركاء على قسمته مع طلب بعضهم ، ويجوز الخرص إذ ليس ذلك بيعا. قال الشيخ : والأحوط اعتبار خارصين ، ولو طلب بعضهم قسمة المتساوي بعضا في بعض لم يجبر الممتنع ، ولو طلب قسمة كل نوع على حدته أجبر الممتنع ، أما مختلف الأجزاء فمع اشتمال القسمة على ضرر الجميع لم يجز وعلى ضرر بعض وامتنع ذلك (٤) المتضرر فله ذلك ولم يجبر ، ولو أذعن المتضرر وامتنع غيره فهل يجبر؟ إن فسرنا الضرر بعدم الانتفاع بعد القسمة لم يجبر لأنه ذريعة إلى إتلاف مال منهي عنه ، وإن فسر بنقص القيمة أجبر لأن الناس مسلطون على أموالهم. ولعل ضرر الشركة أعظم عنده من النقص القيمي. ومع اشتمالها (٥) على ضرر مطلقا يجبر الممتنع إذا لم يتضمن

__________________

(١) في ك : نعم لا يسجل بالملك إلا مقيدا باليد.

(٢) في ص : لم يجبر وليه.

(٣) في ك : بكف الواحد.

(٤) ليس « ذلك » في ص.

(٥) في ك : ومع عدم اشتمالها.

٥٣٨

ردا ، ومع تضمنها لم يجبر.

( الرابعة ) لو أمكن تعديل الثياب والعبيد وأمثالهما بالقيمة قسمت قسمة إجبار وإن لم يمكن قسمت قسمة تراض. والعلو والسفل في الدار يقسم بعضا في بعض مع إمكان التعديل قسمة إجبار ومع عدمه قسمة تراض.

ولو طلب واحد قسمة العلو أو السفل كل على حدته لم يجبر صاحبه ، وفي الثوب لو نقص بالقطع لم يجبر الممتنع وإلا أجبر.

( الخامسة ) يقسم الأرض وإن كان فيها زرع ولا يقسم ، ولو اقتسماه جاز إن ظهر سنبلا كان أو قصيلا (١) ، ولو طلبا قسمة الأرض والزروع بعضا في بعض فلا إجبار مع الرد ، ومع عدمه وإمكان التعديل يجبر وإلا فلا ، وكذا القرحان (٢) المتعددة والدكاكين المتجاورة.

وقال القاضي : إذا استوت الدور والأقرحة في الرغبات قسمت بعضا في بعض. قال : وكذا لو تضرر بعضهم بقسمة كل على حدته جمع حقه في ناحية.

( السادسة ) يجوز قسمة الوقف من الطلق لا الوقف نفسه وإن تعدد الواقف والمصرف ، ولو تضمنت ردا جاز من صاحب الوقف خاصة لا من صاحب الطلق وإلا لكان بذلا في مقابلة بعض الوقف فيكون بيعا له. وهو باطل.

فإن كان المبذول في مقابلة الوقف فالجميع وقف ، وإن كان في مقابلة عين فلا.

( السابعة ) إذا أريد قسمة الأرض مثلا صححت المسألة على سهامهم (٣) ثمَّ

__________________

(١) القصيل : وهو الشعير يجز أخضر لعلف الدواب.

(٢) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع أقرحة. والقرحان بضم القاف ضرب من الكمأة ، الواحدة أقرح أو قرحانة.

(٣) في ص : على سهام.

٥٣٩

عدلت بالتقويم لا بالمساحة ، وجعل للسهام أول يعينه المتقاسمون وإلا الحاكم ويكتب أسماءهم لا أسماء السهام حذرا من التفريق. وتردد الشيخ في المبسوط في كتابة الرقاع بعدد (١) الرءوس أو بعدد السهام ، نظرا إلى سرعة خروج صاحب الأكثر وحصول الغرض.

( الثامنة ) لو ظهر في المقسوم استحقاق جزء مشاع نقصت ، ولو كان الجزء متعينا وإخراجه لا يخل بالتعديل لم ينقص وإلا نقصت.

ومن موجب النقص أن يلزم بسد طريقه أو مجرى مائه.

ولا يضمن أحد الشركاء ما يحدثه الآخر من غرس [ أو بناء ] (٢) لو ظهر الاستحقاق.

( التاسعة ) لو اقتسم الورثة ثمَّ ظهر دين وامتنعوا من أدائه نقصت ولو امتنع بعضهم بيع نصيبه خاصة والقسمة بحالها.

والوصية بجزء من المقسوم تبطل القسمة ، بخلاف الوصية بالملك المطلق فإنها كالدين.

ولو اقتسم البعض وكان في الباقي وفاء أخرج منه الحق الواجب ، فإن تلف قبل أدائه كان الحق في المقسم فينقص إن لم تؤد الورثة.

( العاشرة ) لو تهايأ (٣) الشريكان بسكنى أحدهما بيتا والآخر آخرا وبالزمان كشهر وشهر كان جائزا وليس بلازم ، فإن استوفى أحدهما غرم الأجرة للآخر ،

__________________

(١) في ص : تعدد.

(٢) ليس « أو بناء » في ص.

(٣) تهايأ القوم تهايئوا : إذا جعلوا لكل واحد هيئة معلومة والمراد النوبة. وفي القاموس : تهايئوا : توافقوا.

٥٤٠