نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

السادسة : نسب وسبب ولا حاجب للنسب ، كزوج هو ابن عم.

السابعة : نسب وسبب والنسب محجوب ، كزوج هو ابن عم وللزوجة أخ أو ولد.

الثامنة : سببان ولا يحجب أحدهما الآخر ، كزوج هو معتق أو ضامن جريرة.

التاسعة : سببان ويحجب أحدهما الآخر ، كالإمام إذا مات عتيقه فإنه يورث بالعتق لا بالإمامة.

العاشرة : سببان وهناك من يحجب أحدهما ، كزوج معتقته ولها أخ أو ولده.

الثامنة عشر (١) :

موانع الإرث إن أخذت بمعنى السلب فهي كلما انتفى فيه السبب (٢) والشرط وإن أخذت بمعنى عدم الملكة فهي أقسام :

( الأول ) الرق ، وهو مانع من الطرفين ، إذ العبد لا يملك فلا مال له فيورث ولا يدخل في ملكه شي‌ء فيرث إلا في صورة عدم كل وارث سواه فيشتريه الإمام بمال من التركة ويعتقه فيرث الباقي إن وجد أو أنه يعتق على ميراث قبل قسمته.

والولد الرق لا يمنع ولده الحر ، فيرث جده.

ولو تحرر بعض الوارث ورث بحساب حريته ، فلو كان له ولد نصفه حر وأخ حر فالمال بينهما نصفان ، ولو كان الأخ نصفه حر فللابن النصف وللأخ الربع ، ولو كان هناك عم كله حر كان له الربع الباقي ، ولو كان نصفه حرا أخذ الثمن والباقي لغيره. وهكذا لا يمنع الوارث بجزئه الحر من بعد.

__________________

(١) في ص : السابعة عشر.

(٢) في ك : المسبب.

٤٦١

( الثاني ) الكفر ، فلا يرث الكافر المسلم لا العكس ، فإن المسلم يرث الكافر ولو أسلم الكافر قبل القسمة ورث.

( الثالث ) القتل ، وهو يمنع القاتل من الإرث إذا كان عمدا ظلما. وفي الخطأ خلاف أقربه المنع من الدية.

وقد ذكر أمور أخرى مانعة من الإرث هي في التحقيق راجعة إلى عدم السبب أو فوات الشرط ، فليست من هذا القسم فنذكرها.

التاسعة عشر (١) :

قد يقع حجب عن بعض الميراث ، وهو صورتان :

( الأولى ) الولد بالنسبة إلى الأبوين أو أحدهما وإلى الزوجين ، فإن الولد مطلقا ذكرا كان أو أنثى يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأدنى ، ويحجب الولد الذكر الأبوين أو أحدهما عما زاد على السدس.

( الثانية ) الإخوة فإنهم يمنعون الأم عما زاد على السدس مع وجود الأب بشروط :

١ ـ التعدد ، فلا بد من ذكرين أو أخ وأختين أو أربع أخوات ، والخنثى كالأنثى.

٢ ـ كونهم للأبوين أو للأب ، فلا يحجب كلالة الأم.

٣ ـ انتفاء موانع الإرث عنهم.

٤ ـ انفصالهم ، فلا يحجب الحمل.

٥ ـ حياته بعد موت أخيهم ، فلو اقترن الموتان فلا حجب ، ولو اشتبه

__________________

(١) في ص : الثامنة عشر.

٤٦٢

المتقدم والمتأخر فلا حجب لأصالة استحقاق النصيب.

وفي الغرقى نظر ، كما لو مات أخوان غرقا ومعهما أبوان ولهما أخ آخر حي أو غريق ، فإن فرض موت كل واحد منهما يستدعي حياة الآخر فيتحقق الحجب ، ومن أن الإرث حكم شرعي فلا بد فيه (١) من اطراد الحكم بالحياة مع احتمال عدم تقرير السبق بينهما.

٦ ـ المغايرة ، فلو كانت الأم أختا لأب فلا حجب كما يتفق للمجوس ، أو في الوطء الشبهة كمن وطئ ابنته فولدها أخوها لأبيها.

العشرون :

الفروض المسماة في كتاب الله ستة :

النصف ، وهو للزوج مع فقد الولد وإن نزل وللبنت الواحدة والأخت للأبوين أو للأب مع فقد الأخت للأبوين إذا لم يكن ذكر في الموضعين.

والربع ، وهو للزوج مع الولد وللزوجة أو الزوجات مع فقده.

والثمن ، وهو للزوجة أو الزوجات مع وجود الولد وإن نزل.

والثلثان ، وهو سهم البنتين فصاعدا والأختين فصاعدا للأبوين أو للأب مع فقد كلالة الأبوين إذا لم يكن ذكر في الموضعين.

والثلث ، وهو سهم الأم مع فقد الحاجب من الولد والإخوة وسهم الاثنين فصاعدا من ولد الأم ذكورا كانوا أو إناثا أو بالتفريق.

والسدس ، وهو لكل من الأبوين مع الولد وللأم مع الحاجب وللواحد من كلالة الأم ، وقد يجتمع السهم الواحد من هذه مع مثله ومع مخالفه ، وهو

__________________

(١) في ك : فلا يلزم فيه.

٤٦٣

يظهر لمن له أدنى تأمل. لكن يمنع اجتماع ربع وثمن وثلث وسدس فرضا ، ويمكن قرابة كزوج وأبوين.

ومخرج السهم أقل عدد يخرج منه صحيحا ، وهو اثنان للنصف والباقي من ستة كالأربعة للربع والثمانية للثمن والثلاثة للثلث والثلاثين ، فالمخارج حينئذ خمسة ، ومع اجتماعها يراعى فيها التساوي ، فمنها التساوي والتباين والتداخل والتوافق ، وكذا اجتماع الورثة قد يوجب ذلك وإن لم يكن لهم فرض.

فالمتساويان يجتزأ بأحدهما كالثلاثة والثلاثة في إخوة ثلاثة لأم وأخوات ثلاثة لأب وأم في باب الفرض وكأعمام ثلاثة وأخوال ثلاثة في باب القرابة.

والمتباينان وهما اللذان لا يعدهما إلا الواحد يضرب أحدهما في الآخر ، كالخمسة والستة.

والمتداخلان ـ ويسميان متناسبين ومتوافقين ـ وهما اللذان يعد أقلهما الأكثر ولا يتجاوز نصفه ، كالثلاثة والستة والأربعة والاثني عشر والخمسة والعشرين (١) يجتزأ بأكثرهما.

المتوافقان هما اللذان يعدهما عدد ثالث ، كالستة والثمانية يعدهما الاثنان والتسعة والاثني عشر يعدهما الثلاثة ، والثمانية والاثني عشر يعدهما الأربعة. ولذلك يسميان بالمتشاركين ، يجتزأ بضرب أحدهما في الكسر الذي ذلك المشترك سمي له ، كالنصف في الستة والثمانية والربع في الثمانية والاثني عشر والثلث في التسعة والاثني عشر ، ويتراقى إلى الجزء من أحد عشر فصاعدا.

ثمَّ الفريضة قد يكون بقدر السهام وتنقسم من مخارج السهام ، كأبوين وبنتين الفريضة سدسان وثلثان وهي مال كامل ، والمخرج ستة لدخول الثلاثة في الستة.

__________________

(١) في ص : والخمسة والعشرة.

٤٦٤

وقد لا تنقسم من المخارج ، فكسرها إما على فريق واحد أو أكثر ، فيراعى في سهم المنكسر عليهم وعددهم يناسب الأعداد بالموافقة وشبهها ، ومع الموافقة يؤخذ الوفق من العدد لا من النصيب ، ويراعى مع تعدد أعداد المنكسر عليهم التناسب المذكور سابقا.

ولنذكر هنا أمثلة :

١ ـ انكسرت على فريق واحد ولا وفق بين عدده وسهامه ، كأبوين وخمس بنات ، فإن الأربعة ينكسر على الخمسة وتباينها فيضرب الخمسة في الأصل وهو ستة تبلغ ثلاثين فيصح.

٢ ـ الصورة بحالها مع الوفق ، كأن كان البنات ستة فالتوافق والتشارك بالنصف فنضرب نصف عددهن في ستة تبلغ ثمانية عشر.

٣ ـ انكسرت على الجميع ولا وفق ، كزوجتين وثلاثة إخوة لأم وسبعة للأبوين فالمسألة من اثني عشر لأنها مخرج الربع والثلث ، فبين ثلثه الزوجتين وأربعة إخوة الأم والباقي وهو خمسة لإخوة الأبوين تباين فتضرب أيها شئت في الآخر ثمَّ المبلغ في الباقي ثمَّ المبلغ في أصل المسألة ، فتضرب الاثنين في المسألة ثمَّ الستة في السبعة ثمَّ الاثنين والأربعين في اثني عشر تبلغ خمسمائة وأربعة. وكل من كان له سهم من اثني عشر أخذه مضروبا في اثنين وأربعين.

ولا يعتبر هنا توافق مضروب المخارج مع أصل المسألة ولا عدمه ، لأنه لا أثر له هنا ، فلا يقال الاثنان والأربعون يشارك الاثني عشر هنا في السدس فتضرب سدس [ سدس ] (١) أحدهما في الآخر.

٤ ـ انكسرت على الجميع مع الوفق ، كست زوجات في المريض يطلق

__________________

(١) ليس في ص.

٤٦٥

ويتزوج ويدخل ثمَّ يموت قبل الحول وثمانية من كلالة الأم وعشرة من كلالة الأب فالمسألة من اثني عشر للزوجات ثلاثة توافق عددهن بالثلث ولكلالة الأم أربعة توافق بالربع ولكلالة الأب خمسة توافق بالخمس ، فترد الزوجات إلى اثنين وإخوة الأم إلى اثنين إخوة الأب إلى اثنين فيتماثل الأعداد فيجتزي باثنين فتضربها في اثني عشر تبلغ أربعة وعشرين للزوجات ستة لكل واحدة سهم ولإخوة الأم ثمانية لكل سهم ولإخوة الأب عشرة لكل سهم. ومنه يعلم ما لو انكسرت على بعضهم دون بعض أو كان لبعض من انكسر وفق دون بعض.

الحادية والعشرون (١) :

وفيها فائدتان :

( الأولى ) المناسخة أن يموت إنسان ولا تقسم تركته ثمَّ يموت أحد وراثه فيضطر إلى قسمة الفريضتين من أصل واحد ، فإن اتحد الوارث والاستحقاق كستة إخوة وست أخوات لميت فمات بعده أحد الإخوة ثمَّ إحدى الأخوات وهكذا حتى بقي أخ وأخت فمال الجميع بينهما أثلاثا إن تقربوا بالأب وبالسوية إن تقربوا بالأم ، وإن اختلف الوارث والاستحقاق أو أحدهما فإن انقسم نصيب الميت الثاني على ورثته على صحة صحت المسألتان من الأولى ، كزوج وأربعة إخوة لأب ثمَّ يموت الزوج ويترك ابنا وبنتين فتصح المسألتان من المسألة الأولى وهي ثمانية ، وإن لم ينقسم تنظر النسبة بين نصيب الميت الثاني وسهام ورثته ، فإن كان بينهما وفق ضربت وفق الفريضة الثانية لا وفق النصيب في الفريضة الأولى مثل أبوين وابن ثمَّ يموت الابن ويترك ابنين وبنتين ، فالفريضة الأولى ستة نصيب الابن أربعة وسهام ورثته ستة توافقها بالنصف فيضرب ثلاثة في ستة تبلغ

__________________

(١) في ص : العشرون.

٤٦٦

ثمانية عشر ، وإن كان بينهما تباين ضربت الثانية في الأولى ، مثل كون ورثة الابن ابنين وبنتا سهامهم خمسة تباين نصيب مورثهم فتضرب خمسة في ستة تبلغ ثلاثين.

ولو مات أحد وراث الثاني قبل القسمة فالعمل واحد ، وكذا لو فرض كثرة التناسخ.

( الثانية ) قسمة التركات وهو ثمرة الحساب في الفرائض ، فإن المسألة تصح من ألف والتركة إن كانت عقارا فهو يقسم على ما صحت فيه المسألة ، وإن كانت مكيلة أو موزونة أو مذروعة احتيج إلى عمل ، وفيه طرق :

١ ـ نسبة سهام كل وارث (١) من الفريضة فيؤخذ له من التركة بتلك النسبة. وهذا يقرب إذا كانت النسبة واضحة ، مثل زوجة وأبوين ولا حاجب ، فالفريضة اثنا عشر للزوجة ثلاثة هي ربع الفريضة فتعطى ربع وللأم أربعة هي ثلث الفريضة فيعطى ثلث التركة وللأب خمسة هي ربع وسدس فيعطى ربع التركة وسدسها. ومع ذلك قد لا يسهل استخراج هذه النسبة إلا بضرب التركة ، كأن كانت التركة خمسة دنانير والفريضة بحالها ، فإنه يحتاج إلى ضرب الخمسة في عدد سهام الفريضة فيكون ستين ، فتجعل الخمسة (٢) ستين جزءا كل دينار من ذلك اثنا عشر جزءا ، فللزوجة خمسة عشر جزءا هي دينار وربع وللأم عشرون جزءا هي دينار وثلثا دينار وللأب خمسة وعشرون جزءا هي ديناران ونصف سدس دينار.

٢ ـ أن تقسم التركة على الفريضة فما خرج بالقسمة ضريبة في سهام كل واحد فما بلغ فهو نصيبه. وهذا يقرب مع سهولة القسمة ، كالفريضة بحالها والتركة ستة فإنها إذا قسمت على الفريضة فلكل سهم نصف دينار ، فيضرب

__________________

(١) في ص : كل واحد.

(٢) في هامش ك : خمسين.

٤٦٧

نصف دينار في سهام الزوجة وهي ثلاثة تبلغ دينارا ونصفا ، ويضرب نصف دينار في سهام الأم وهي أربعة يكون دينارين ، ويضرب نصف دينار في سهام الأب وهي خمسة يكون دينارين ونصفا.

٣ ـ وهو المستعمل بين الفريضتين لشموله النسب المتقاربة والمتباعدة ، وله مثالان :

الأول : أن لا يكون في التركة كسر ، كاثني عشر دينارا ، فيؤخذ سهام كل وارث من الفريضة ويضرب في التركة فما بلغ قسم على أصل الفريضة ، فالخارج بالقسمة هو نصيب ذلك الوارث ، مثل ثلاث زوجات وأبوين وابنين وبنت ، فالفريضة من أربعة وعشرين ينكسر نصيب الأولاد على خمسة ولا وفق فتضربها في الأصل فيكون مائة وعشرين. فسهام كل زوجة خمسة تضرب في التركة وهي اثنا عشر يكون ستين جزءا تقسمهما على مائة وعشرين يخرج نصف جزء فهو نصيب كل زوجة ، وسهام كل من الأبوين عشرون فتضربها في اثني عشر يكون مائتين وأربعين تقسمها على مائة وعشرين يخرج ديناران فهو نصيب كل واحد منهما ، وسهام كل ابن ستة وعشرون تضربها في اثني عشر يكون ثلاثمائة واثني عشر جزءا تقسمها على مائة وعشرين يخرج ديناران وثلاثة أخماس دينار لكل ابن وللبنت دينار وثلاثة أعشار دينار.

الثاني : أن يكون في التركة كسر فتبسطها من جنس الكسر وتزيد عليها الكسر وتعمل فيه ما عملت في الصحاح ، كأن كانت في المثال المذكور اثني عشر ونصفا فتجعلها خمسة وعشرين ، ولو كان ثلاثا جعلتها سبعة وثلاثين وهكذا.

ومتى أمكن القسمة إلى القراريط والحبات والأرزات فعل ، سواء كان عددها منطقا كذي الكسر المستقيم ، أعني أن يكون من الكسور التسعة التي تنطق بها أو أصم كغيره أعني ما ينسب إليه بالجزئية كجزء من أحد عشر وثلاثة عشر

٤٦٨

وغيرها.

والدينار عشرون قيراطا ، والقيراط ثلاث حبات ، والحبة أربع أرزات ، وليس بعد الأرزة اسم خاص. وقيل الأرزة حبتان من الخردل البري. ونقل أن الدينار أربعة وعشرون طسوجا ، وهو ستون حبة ، والطسوج حبتان ونصف وهو عشر أرزات.

ومتى قسمت التركة جمعت ما حصل بالقسمة ، فإن ساوى التركة والقسمة صحيحة وإلا فلا.

٤٦٩

المقصد الخامس

( في العقوبات )

وفيه فصلان :

( الأول ـ في فوائد في الحدود )

قاعدة :

كل من وطئ حراما لعينه فعليه الحد مع العلم بالتحريم ، إلا في مواضع : كوطء الأب جارية ابنه ، والغانم جارية المغنم على قول ، وقيد بالعين ليخرج وطء الحائض ، والمحرم والمولى منها والمظاهرة وزوجته المعتدة عن وطء الشبهة.

قاعدة :

المتناول المغير للعقل إما أن تغيب معه الحواس الخمس أو لا ، والأول [ المرقد ، والثاني إما أن يحصل مع نشرة وسرور وقوة نفس عند غالب المتناولين

٤٧٠

له أو لا ، والأول ] (١) المسكر ، والثاني المفسد للعقل كالبنج والشوكران.

والنبات المعروف بالحشيشة اتفق علماء عصرنا وما قبله من العصور التي ظهرت فيها على تحريمها ، وهل هو لإفسادها فيعزر فاعلها أو لإسكارها فيحد؟ قال بعض العلماء : هي إلى الإفساد أقرب ، لأن فعلها السبات (٢) وزوال التعقل بغير عربدة حتى يصير متناولها أشبه شي‌ء بالبهيمة.

ولقائل أن يقول : لا نسلم أن الحد منوط بالعربدة والنشوة بل يكفي فيه زوال العقل [ وقد اشتهر زوال العقل ] (٣) بها فيترتب عليه الحد ، وهو اختيار الفاضل في القواعد.

وقد حد بعضهم السكر بأنه اختلال الكلام المنظوم وظهور السر المكتوم وفي المشهور أن هذا حاصل فيها. وقال بعضهم : إن أثرها إرادة (٤) الخلط الغالب ، فصاحب البلغم يحصل له السبات والصمت ، وصاحب السوداء البكاء والجزع ، وصاحب الدم السرور بقدر خياله وصاحب الصفراء الحدة. بخلاف الخمر فإنه لا ينفك عن النشوة ويبعد عن البكاء والصمت. وهذا إن صح فلا ينافي زوال العقل بل هو من مؤكداته. وأما النجاسة فلا ريب أنها معلقة على المسكر المائع بالأصالة ، فلا يحكم بنجاسة هذا النبات.

ولو جمد الخمر حكم بنجاسته ، كما لو كان مائعا. وقال بعضهم : السكر والنجاسة متلازمان ، فإن صح إسكارها حكم بنجاستها عملا بالعمومات الدالة على نجاسة المسكر ، وإلا فهي حرام قطعا لإفسادها وليست نجسة.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ك.

(٢) السبات بضم السين : النوم أو أوله.

(٣) ليس في ص.

(٤) في ص : آثاره.

٤٧١

فائدة :

لو قال له « أنت أزنى الناس » أو أزنى من فلان فلا حد على القائل حتى يقول في الناس زناة وأنت أزنى زناتهم أو فلان زاني وأنت أزنى منه.

وهذا خلاف الظاهر ، لأن الظاهر من قولهم هو أعلم الناس أنه أعلم علمائهم ، وأشجع الناس أنه أشجع شجعانهم ، ولكن هذا مجاز عرفي لا يعارض مقتضى الحقيقة اللغوية ، وهي لا تستدعي تحقق المشاركة بين المفضل والمفضل عليه.

وبتقدير التعارض يتساويان فيصير اللفظ به كالمجمل ، ولا دلالة في الألفاظ المجملة على شي‌ء بعينه.

فائدة :

يفرق بين الحد والتعزير من وجوه عشرة :

( الأول ) عدم التقدير في طرف القلة لكنه مقدر في طرف الكثرة بما لا يبلغ الحد ، وجوزه كثير من العامة ، لأن عمر جلد رجلا زور كتابا عليه ونقش خاتما مثل خاتمه مائة ، فشفع فيه قوم فقال : أذكرني الطعن وكنت ناسيا ، فجلده مائة أخرى.

( الثاني ) استواء الحر والعبد فيه.

( الثالث ) كونه على وفق الجنايات في العظم والصغر ، بخلاف الحد فإنه يكفي فيه مسمى الفعل ، فلا فرق في القطع بين سرقة ربع دينار وقنطار وشارب قطرة من الخمر وشارب جرة مع عظم اختلاف مفاسدها.

( الرابع ) أنه تابع للمفسدة وإن لم يكن معصية ، كتأديب الصبيان والبهائم

٤٧٢

والمجانين استصلاحا لهم. وبعض الأصحاب يطلق على هذا التأديب.

إما الحنفي فيحد بشرب النبيذ وإن لم يسكر ، لأن تقليده لإمامه فاسد ، لمنافاته النصوص عندنا مثل ما أسكر كثيره فقليله حرام ، والقياس الجلي عندهم وترد شهادته لفسقه.

( الخامس ) إذا كانت المعصية حقيرة لا تستحق من التعزير إلا الحقير وكان لا أثر له البتة فقد قيل لا يعزر لعدم الفائدة بالقليل وعدم إباحة الكثير.

( السادس ) سقوطه بالتوبة وفي بعض الحدود الخلاف ، والظاهر أنه إنما سقط بالتوبة قبل قيام البينة.

( السابع ) دخول التخيير فيه بحسب أنواع التقرير ، ولا تخيير في الحدود إلا في المحاربة.

( الثامن ) اختلافه بحسب الفاعل والمفعول والجناية ، والحدود لا تختلف بحسبها.

( التاسع ) لو اختلفت الإهانات في البلدان روعي في كل بلد عادته.

( العاشر ) أنه يتنوع إلى كونه على حق الله تعالى كالكذب وعلى حق العبد محضا كالشتم وعلى حقهما كالجناية على صلحاء الموتى بالشتم. ولا يمكن أن يكون الحد تارة لحق الله وتارة لحق لآدمي ، بل الكل حق الله تعالى إلا القذف على خلاف.

وعندي في الأخير نظر ، إذ كونه على حق العبد ، محضا ممنوع ، لأنه تعالى أمر بتعظيم المؤمن وحرم إهانته ، فإذا فعل خلاف ذلك استحق التعزير.

إن قلت : إنه متوقف على المطالبة من المستحق فيكون له.

قلت : لا يلزم من توقفه تمحضه ، لجواز كون حق العبد أغلب ، ويكون

٤٧٣

حق الله من الصغائر التي تقع مكفرة مع العفو من المستحق الآخر.

( الثاني ـ في الجنايات )

وفيه قواعد :

الأولى :

ينقسم القتل بانقسام الأحكام الخمسة :

فالواجب قتل الحربي إذا لم يسلم ، والذمي إذا لم يلتزم ولم يسلم ، والمرتد عن فطرة مطلقا وعن غيرها إذا أصر ، والمحارب إذا لم يتب قبل القدرة عليه وفي اشتراط بقتله الغير خلاف ، والزاني المحصن والزاني بالإكراه وبالمحارم واللائط ، وأصحاب الكبائر بعد التعزيرات ، والترس إذا لم يمكن الفتح إلا بقتله وإن كانوا غير مستحقين لولاه.

والحرام قتل المسلم بغير حق ، والذمي والمعاهد والمستأمن ونساء أهل الحرب وصبيانهم إلا مع الضرورة ، وقتل الأسير المأخوذ بعد انقضاء الحرب.

والمكروه قتل الغازي أباه.

والمستحب قتل الصائل إذا كان الدفع أولى من الاستسلام عندهم ، والأقرب وجوبه عندنا. ولو أن الدفاع عن بضع محرم أو عن قتل مؤمن ظلما فهو واجب.

والمباح القتل قصاصا ، ولو خيف من عدم استيفائه أذى أمكن جعله مستحبا. ومن المباح من مات بالحد أو بالقصاص في الطرف.

أما قتل الخطأ فلا يوصف بشي‌ء من الأحكام ، لأنه ليس بمقصود.

وأما شبيه العمد فقد يوصف بالحرمة فيما إذا ضربه عدوانا لا بقصد القتل ولا بما يقتل غالبا ، وقد لا يوصف كالضرب للتأديب ، على أن الضارب عدوانا

٤٧٤

الوصف في الحقيقة لضربه لا للقتل المتولد عنه.

الثانية :

ينقسم القتل باعتبار سببه إلى أقسام :

( الأول ) ما لا يوجب قصاصا ولا دية ولا كفارة ولا إثما ، وهو القتل الواجب والمباح إلا قتل الترس المسلم فإنه تجب به الكفارة.

( الثاني ) ما لا يوجب الثلاثة الأول ولكنه يأثم ، وهو قتل الأسير إذا عجز عن المشي ، وقتل الزاني المحصن وشبهه بغير إذن الإمام.

( الثالث ) ما يوجب القصاص والكفارة ، وهو قتل المكافئ من المسلمين عمدا عدوانا.

( الرابع ) ما يوجب الدية والكفارة ، وهو شبيه العمد والخطأ وقتل الوالد ولده.

( الخامس ) ما يوجب الدية ولا يوجب الكفارة ، وهو قتل الذمي.

( السادس ) ما يوجب الكفارة لا الدية ، وهو قتل عبد نفسه إذا كان مسلما ، وقتل الإنسان نفسه. أما قتل الذمي المرتد فالأقرب أنه يوجب القصاص وحده ، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه.

الثالثة :

في ضابط العمد وقسيميه. اعلم أن الفاعل إما أن يقصد الفعل أو لا الثاني الخطأ ، والأول إما أن يقصد القتل أو لا والثاني الشبيه والأول العمد ، فهذا الضابط لا التفات فيه إلى الآلة بحيث تقتل غالبا أو لا تقتل غالبا ولم يعتبر فيه قصد المجني عليه ، والظاهر أنه لا بد منه.

٤٧٥

وقيل إما أن لا يقصد أصل الفعل أو يقصده ، والأول الخطأ ، كمن زلق فقيل غيره ، والثاني إما أن لا يقصد المجني عليه أو يقصده ، وإن لم يقصده فهو أيضا خطأ ، كمن رمى صيدا فأصاب إنسانا أو رمى إنسانا فأصاب غيره. وإن قصد المجني عليه والفعل فإما أن يكون بما يقتله غالبا أو لا ، والأول هو العمد والثاني هو الشبيه.

وهذا لم يعتبر فيه قصد القتل ولا عدمه بل الآلة ، اللهم إلا أن يقصد الفعل ولم يقصد القتل ، فحينئذ يختل التقسيم ، لأن الضرب للتأديب فيتفق الموت خارج منه.

وقيل إن الضرب إما أن يكون بما يقتل غالبا أو لا ، والأول عمد سواء كان جارحا أو مثقلا كالسيف والعصا ، والثاني إما أن يقتل كثيرا أو نادرا ، والثاني لا قصاص فيه والأول إما أن يكون جارحا أو مثقلا ، فإن كان جارحا كالسكين الصغيرة فهو عمد وإن كان مثقلا كالسوط والعصا فشبيه.

والفرق بين الجارح والمثقل أن الجراحات لها تأثيرات خفية يعسر الوقوف عليها ، وقد يهلك الجرح الصغير ولا يهلك الكبير ، ولأن الجرح يفعله من يقصد القتل غالبا فيناط به القصاص ، وأما المثقل فليس طريقا غالبا فيعتبر أن يتحقق في مثله كونه مهلكا لمثل هذا الشخص غالبا ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال ، وهذا ليس فيه إلا بيان العمد. على أن الفرق بين الجارح وغيره غير واضح.

وقيل : كلما ظن الموت بفعله فهو عمد ، سواء قصد التلف أو لا ، وسواء كان متلفا غالبا أو لا كقطع إلا نملة ، وكلما شك في حصول الموت به فهو شبيه.

وفي هذا ضعف ، إذ القضاء بالدية مع الشك بعيد ، وكثير من العامة يجعلون ضابط العمد هو القصد إلى الفعل بما يقتل غالبا ، سواء قصد إزهاق الروح أو لا.

٤٧٦

فائدة :

كلما ضمن الطرف من مجني عليه ضمنت النفس إلا في صورة واحدة ، وهي ما إذا جنى السيد على النفس المكاتب المشروط أو المطلق الخالي عن الأداء ، فإنه لا يضمنه لأن الكتابة بطلت بموته فيموت على ملك السيد ، ولو جنى على طرفه ضمنه لبقاء الكتابة والأرش ككسب المكاتب.

الرابعة :

يعتبر في القصاص نفسا وطرفا المماثلة ، لا من كل وجه بل في الإسلام والحرية أو الكفر أو الرقية وفي العقل واعتبار الحرمة ويمنع من طرف الأبوة.

ولا يعتبر التساوي في الأوصاف العرضية ، كالعلم والجهل والقوة والضعف والسمن والهزال ونحوها وإلا لانسد باب القصاص. ومن ثمَّ قتل الجماعة بالواحد واقتص من أطرافهم مع الرد عندنا حسما لتواطئ الجماعة على قتل واحد أو قطع طرفه.

الخامسة :

المشهور بين الأصحاب أن الواجب في قتل العمد بالأصالة القصاص وأن الدية لا تثبت إلا صلحا. وقال ابن الجنيد رحمه‌الله : لولي المقتول عمدا الخيار بين أن يستقيد أو يأخذ الدية أو يعفو. ويلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل رحمهما‌الله.

وهذا يحتمل أمرين : أحدهما أن الواجب هو القصاص والدية بدل عنه لقوله تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى » (١) ، وثانيهما أن الواجب أحد

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٨.

٤٧٧

الأمرين من القصاص والدية وكل منهما أصل كالواجب المخير لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في من قتل له قتيل هو بخير النظرين إما أن يؤدي أو يقاد (١).

ويتفرع فروع :

( الأول ) إذا عفا الولي عن القود مطلقا فعلى المشهور سقط القود والدية وعلى التفسير الثاني للقول الثاني تجب الدية ، وعلى التفسير الأول له يحتمل وجوب سقوط الدية لأن البدلية يتحقق باختياره ولم يذكرها ، ويحتمل وجوبها لأن عفو المستحق كعفو الشارع ، فإن كل موضع عفا الشرع عن القصاص لعدم الكفاءة وجبت الدية.

( الثاني ) إذا قال « عفوت عما وجب لي بهذه الجناية » ، أو « عن حقي فيها » أو « عن ما استحقه » وشبهه فعلى المشهور سقطت المطالبة أصلا ورأسا ، وعلى الآخر الأقرب ذلك أيضا لشمول اللفظ. ويحتمل على التفسير الأول بقاء الدية لأنها إنما تجب إذا استبدل بها عن القود ولم يستبدل فهو كالعفو عما لم يجب.

( الثالث ) لو قال « عفوت عن القصاص والدية » فهذا كالذي قبله ، وأولى في سقوطهما للتصريح ، ويتوجه فيه الاحتمال الآخر.

( الرابع ) لو قال « عفوت عن القصاص إلى الدية » فعلى المشهور يعتبر رضي الجاني ، فإن رضي وإلا فالقصاص بحاله ، وعلى الآخر تجب الدية حتما.

( الخامس ) لو قال « عفوت عن الدية » فعلى المشهور لا أثر لهذا العفو ، وعلى الآخر إن فسرنا بالبدلية صح العفو عن الدية ويبقى القصاص ، فلو مات

__________________

(١) أخرجه البخاري في الصحيح « باب قتل من له قتيل » أبواب كتاب الديات.

٤٧٨

الجاني قبل القصاص والعفو عنه فهل للمستحق طلب الدية؟ يحتمل المنع لعفوه عنها والثبوت لفوات القصاص بغير اختياره فله بدله.

وهذا يتوجه على القول المشهور أيضا ، بمعنى إذا عفا عن الدية ثمَّ مات المقتول رجع بها في تركته على ما قاله بعض الأصحاب ، ولكنهم لم يذكروا العفو عن الدية. وهذا يبنى على أن العفو عن الدية لغو ، وأما لو قلنا هو مراعى صح العفو إذا انتقل الحق إليه. وهو بعيد.

وإن فسر القول الثاني بأحد الأمرين وقد عفا عن الدية فهل له الرجوع إليها والعفو عن القصاص؟ فيه احتمالان : أحدهما ـ وهو الأصح ـ المنع كما أنه لو عفا عن القصاص لم يكن له الرجوع إليه ، وثانيهما الجواز لما فيه من استيفاء نفس الجاني والرفق به.

( السادس ) إذا عفا على مال من غير جنس الدية وشرط رضي الجاني ، فإن رضي فلا كلام على القول المشهور ، وأما على الآخر فعلى البدلية يثبت المال وعلى أحد الأمرين فالأقرب ذلك أيضا.

( السابع ) لو قال « عفوت عنك » وسكت فعلى المشهور وتفسير البدلية الأقرب صرفه إلى القصاص لأنه الواجب ، ويبقى في الدية ما سبق. وعلى أحد الأمرين يمكن صرفه إلى القصاص ، إذ هو المعتاد في العفو واللائق به. والأقرب استفساره فأيهما قال بني عليه كما مر ، وإن قال لم أقصد شيئا احتمل الصرف إلى القصاص وإن يقال له الآن اصرفه إلى ما تشاء.

( الثامن ) لو قال « قد اخترت القصاص » فعلى المشهور زاده تأكيدا ، وعلى البدلية له الرجوع إلى الدية كما لو عفا عن القصاص إليها ، وعلى أحد الأمرين هل له الرجوع إلى الدية هو كما لو صرح بالعفو عن الدية بل أولى بالرجوع.

( التاسع ) إذا عفا المفلس عن القصاص سقط ، وأما الدية فعلى المشهور

٤٧٩

لا شي‌ء ، وعلى البدلية إن عفا على مال ثبت وتعلق به حق الغرماء ، وإن عفا مطلقا أو على أن لا مال فإن قلنا مطلق العفو يوجب الدية وجبت هنا عند الإطلاق وأما العفو مع نفي المال فالأقرب صحته ، لأن طلب المال تكسب ولا يجب عليه التكسب على القول به ، وأما على أحد الأمرين إذا عفا عن القصاص ثبتت الدية سواء صرح بإثباتها أو نفيها أو طلق.

( العاشر ) لو عفا الراهن عن الجاني عمدا على الرهن على غير مال فقضية كلام الأصحاب صحة العفو ، وقال الفاضل هو كعفو المحجور يعني المفلس ، وقد سبق تنزيله.

قيل : ويفترقان بأن المفلس لا يكلف تعجيل القصاص والعفو ليصرف المال إلى الغرماء لأن ذلك اكتساب وهو غير واجب عليه ، والراهن يجبر على القصاص أو العفو على مال ليكون المرتهن على ثبت من أمره. ومنهم من بناه على أن الواجب إن كان القود عينا لم يجبر وإن كان أحد الأمرين أجبر على استيفاء ما شاء فلعله يختار استيفاء الدية فيتعلق حقوق الغرماء بها. وربما احتمل أن تتعين عليه الدية لصرفها في الدين.

( الحادي عشر ) لا ريب أن الصلح على أزيد من الدية من جنسها أو غير جنسها جائز على القول المشهور ، وعلى البدلية وجهان. نعم لتعلقه باختيار المستحق فجازت الزيادة والنقيصة كعوض الخلع ، والثاني (١) لا ، لأن العدول عن القصاص يوجب الدية فلا تجوز الزيادة عليها ، وأما على أحد الأمرين فقد تكلفوا (٢) بالمنع لأنه زيادة على قدر الواجب ، فكأنهم يجعلونه ربا ، وهو مبني على اطراد الربا في المعاوضات.

__________________

(١) ليس « الثاني » في ص.

(٢) في ص : فقد تطلقوا. وفي القواعد : فقد نطقوا.

٤٨٠