نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

( فوائد في الظهار )

قاعدة :

لو قال لزوجاته « أيتكن حاضت فصواحباتها علي كظهر أمي » فقالت إحداهن حضت فصدقها وقع الظهار بالنسبة إليه.

ويشكل بأن قولها لا يقبل في حقهن وإحلافها غير ممكن وقطع الزوج بذلك نادر ، ولهذا لو صرح بالمستند وقال لم أعلم (١) حيضها إلا بقولها عد مخطئا إلا مع قرينة الحال المفيدة للعلم.

ولعل الأقرب أنه إن أخبر بعلم صدقها بالقرائن وقع الظهار ، وإن أطلق أمكن أيضا لأصالة الصدق في إخبار المسلم ، ولأنه قادر على إنشاء الظهار الآن فيقبل إقراره.

فائدة :

من الأسباب الفعلية الأسباب القلبية كالإرادة والكراهة والمحبة ، فلو علق ظهارها بإضمارها بعضه فادعته صدقت كدعوى الحيض ، فإن اتهمها أحلفها إن قلنا بيمين التهمة ، ولو علقه [ بما يشهد الحس بعدم محبته ] (٢) كدخول النار أو السم أو الأطعمة الممرضة [ أو الشرع كمحبة الكفر وعبدة الأوثان لكونهم كذلك ] (٣) فادعته أمكن القبول ، لأنه قد نصبه سببا ولا يعلم إلا منها وعدمه للقطع بكذب

__________________

(١) في ص : وقال لا أعلم.

(٢) ليس ما بين القوسين في ص. وفيه : ولو علقه بحبها دخول النار

(٣) ليس ما بين القوسين في ص.

٤٤١

مدعي ذلك.

[ ويحتمل الفرق بين الأمرين ، لأن الطبع يعين على الأول دون الثاني ، فيقبل منها في الثاني ولا يقبل في الأول ، وخصوصا مع عدم التقوى. وكذا لو علقه بما يخالف الحس أو العقل أو الشرع ] (١).

ولو علقه بمشيئتها فالظاهر الاحتياج إلى اللفظ ، لأن كلامه يستدعي جوابا على العادة ، فلا يكفي الإرادة القلبية. وتظهر الفائدة لو أرادت بالقلب ولما تتلفظ.

ولو تلفظت مع كونها كارهة بالقلب وقع الظهار ظاهرا ، وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها احتمالان. نعم لأن التعليق بلفظ المشية لا بما في الباطن. ولا كما لو علق بحيضها وكانت كاذبة في الإخبار عن الحيض ، فإنه لا يقع باطنا.

ولو كانت صبية فعلق على مشيتها أو علق على مشية صبي فالأقرب الصحة مع التمييز ، لأنه اقتضى بلفظه وقد وقع ويحتمل المنع ، كما ليس للفظه اعتبار في الطلاق ولا في باقي العقود اللازمة.

ولو علق ظهارها على حيض ضرتها فادعته وأنكر الزوج حلف ، لأصالة العدم ، ولأنه تصديق في حق الضرة. ويحتمل قبول قولها ، لأنه لا يعلم إلا منها ، فحينئذ لا يحلف ، لأن الإنسان لا يحلف ليحكم لغيره.

فرع :

لو علق أحد رجلين ظهار زوجته بكون الطائر غرابا وعلقه الآخر بكونه غير غراب ، فالأولى عدم وقوع الظهارين إذا امتنع استعلام حاله عملا بالأصل

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

٤٤٢

وإن كان الاجتناب أحوط. ولو كان في زوجتين لواحد اجتنبا ، لأنه قد علم تحريم إحداهما في حقه لا بعينها.

فائدة :

من فروع أن الصفة للتوضيح أو للتخصيص لو قال لزوجته « إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت كظهر أمي » ، فإن جعلنا الأجنبية للتوضيح ، وظاهر منها بعد تزويجها ـ وقع الظهاران ، وإن جعلناها للتخصيص لم يقع (١) ، لأن التزويج يخرجها عن كونها أجنبية. وهو الذي قواه الأصحاب.

ولو ظاهر منها في حال كونها أجنبية بنى على قاعدة الحمل على الحقيقة الشرعية عند التجرد حيث لا تمكن الحقيقة ، وعلى المجاز لتعذر الحقيقة. وعلى الأول يقع الظهار المعلق ، وعلى الثاني يقع حملا للظهار على التلفظ بصيغته وإن لم تكن مؤثرة تحريما.

ولو تزوجها فأوجد الصيغة غير المؤثرة كالتي لم تجمع فيها الشرائط بنى على القاعدتين (٢) ، فإن جعلنا الصفة (٣) للتخصيص فلا ظهار ، وإن جعلناها للتوضيح ورجحنا الحقيقة الشرعية فلا ظهار أيضا ، وإن رجحنا المجاز وقع الظهار المعلق خاصة.

فائدة :

من فروع الحقيقة اللغوية العرفية لو علق الظهار على تمييزها نوى ما أكلت

__________________

(١) في ص ارتفع « بدل » لم يقع.

(٢) في ص : هي على القاعدتين.

(٣) في هامش ك : الصيغة.

٤٤٣

عما أكل أو على إخبارها بعدد ما في الرمانة من الحب أو ما في البيت من الجوز ففي الحمل على الوضع أو على العرف تردد ، فعلى الأول لو فرقت النوى كل واحدة على حدتها أو عدت عددا يتحقق فيه أنه لا ينقص عنه ولا يزيد عليه تخلصت من الظهار ، وعلى الثاني لا بد من التعيين والتعريف الحقيقي.

قاعدة :

من فروع حمل المشترك على معانيه تعليق العتق المنذور أو الظهار على العين مثلا مثل « إن رأيت عينا فزوجتي كظهر أمي » ، فإن قلنا بالجمع (١) على الجميع لم يقع العتق أو الظهار حتى يرى جميع مسميات العين.

وقال بعض العامة يعتق ويصير مظاهرا برؤية أي فرد كان ، لأن الصفة في التعليق تتعلق بأول أفرادها ، كما لو قال « إن دخلت الدار » فإنه يكون مظاهرا بدخوله شيئا من الدار ، فإن لم يدخل جميع الدار. وهو قياس فاسد ، فإن الدخول متواطئ.

إن قلت : لفظ « عين » منكر في الإثبات وهو لا يعم وخصوصا مع أفراده ولو جمعه بغير تعريف ، غاية ما في الباب أنه يحمل على ثلاثة قضية للجمع ، فكيف يمكن القول بحمله على الجميع مع كونه مفردا.

قلت : ليس شمول المشترك كشمول (٢) العام لأفراده حتى يراعى فيه صيغة العموم كالعيون مثلا ، بل لما كان هذا اللفظ مشتركا بين موضوعين فصاعدا حمل عند إطلاقه على جميع معانيه عند من قال بذلك ، وعليه التفريع.

__________________

(١) في ك : بالحمل.

(٢) في ص : كمسئول.

٤٤٤

نعم قد قال فريق من الأصوليين بالفرق بين المفرد والجمع ، فعلى قول هؤلاء يتوجه البطلان في المفرد لعدم التعيين والصحة ، فيحمل على أي فرد كان لوضع اللفظ له. ولا يكون بينه وبين المتواطئ على هذا فرق إلا من حيث إن إرادة الفرد من المتواطئ لصدق الحقيقة بتمامها فيه وإرادة الفرد من المشترك لصدق اللفظ عليه.

ويضعف : بأن اللفظ إذا كان صالحا لجميع الحقائق على السواء وهي متباينة يمتنع حمله على بعضها ، لأدائها إلى الترجيح من غير مرجح أما عند وجود جميع الحقائق فقد تحقق وقوع مدلول اللفظ.

( الفصل الثالث ـ في التوارث )

وفيه قواعد :

الأولى :

الموروث كل مال أو تابع للمال أو حق عقوبة ، ولا ينتقل النكاح وتوابعه ، لأن الزوج إنما ملك أن ينتفع ولم يملك المنفعة كما تقدم. وكذا ما يرجع إلى الشهوة كخيار من أسلم على أكثر من أربع ، أما من طلق (١) إحدى زوجاته ومات فقيل لعين الوارث. وهو بعيد.

وكذا لا ينتقل حق اللعان إلى وارث الزوج [ ولا وارث الزوجة ] (٢) إلا في رواية ، وكذا حق الرجوع في الهبة لا ينتقل على الأقرب ، إذ الموهوب غير موروث.

__________________

(١) في ص : أما لو طلق.

(٢) ليس في ص.

٤٤٥

وفي الولاء وجهان ، من حيث إنه كالنسب والنسب غير موروث ، ولأنه لا ينتقل إلى جميع الورثة.

الثانية :

أسباب الإرث ثلاثة : السبب ، والنكاح ، والولاء. والمراد به مطلق كل واحد منها.

ووجه الحصر : أن الأمر المشترك بين جميع الأسباب التامة ، إما أن يمكن إبطاله أو لا ، والأول النكاح. وإن لم يمكن إبطاله ، فإما أن يقتضي التوارث من الجانبين فهو القرابة ، أو من أحدهما وهو الولاء. وإنما قلنا إن المراد المطلق من كل واحد ، لأن أحد الأسباب القرابة والأم لا ترث الثلث في حال والسدس في حال آخر بمطلق القرابة وإلا لثبت مثله في الابن والبنت لوجود مطلق القرابة فيهما ، وإنما ترث بخصوص كونها أما ويرد عليها في موضع الرد [ بالقرابة ] (١) والبنت ترث النصف لا بالقرابة المطلقة بل بخصوص كونها بنتا والرد عليها بالقرابة المطلقة. فكل وارث سبب خاص مركب من خصوصية البنت مثلا ومن عمومية القرابة.

وكذلك الزوج ليس له النصف بمطلق النكاح وإلا لكان للزوجة النصف لوجود مطلق النكاح فيها ، بل بخصوص كونه زوجا مع عموم النكاح ، فسببه أيضا مركب ، وكذلك الزوجة. فحينئذ إن أريد بالأسباب التامة فهي أكثر من ثلاثة لتعددها بحسب الوارث ، وإن أريد بها الناقصة فالخصوصيات كثيرة ، فلهذا قلنا المراد به المطلق.

__________________

(١) ليس في ص.

٤٤٦

الثالثة :

الأصل في الميراث النسبي التولد ، فمن ولد شخصا ترتب عليه طبقات الإرث ، وفي الميراث السببي الإنعام بالعتق أو الضمان أو الولاية العامة ، والنسب مقدم لأنه أصل الوجود ، ثمَّ العتق لأنه أصل لوجود العتيق (١) لنفس ، [ ثمَّ الضامن لأنه منهم خاص ، ثمَّ الإمام ] (٢).

الرابعة (٣) :

كل قاتل يمنع من الإرث ولا يمنع من متصل به لقوله تعالى « وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » إلا في موضع واحد ، وهو ما إذا قتل المعتق عتيقه وللمعتق ابن فإنه يحتمل هنا عدم إرثه ، لأن الابن لا يحصل له الولاء إلا بعد موت أبيه وأبوه قد زال ولاؤه فكيف يتوصل بزائل.

ويحتمل ثبوته ، لأن قضية الولاء أن ينتقل عن الأقرب إلى الأبعد مع عدم الأقرب والمعتق هنا بحكم المعدوم. ومثله لو هرب المعتق وكان كافرا إلى دار الحرب فاسترق ولده عندنا ثمَّ مات العتيق ، فهل يرثه ولده لأن المعتق في حكم المعدوم أو يكون لبيت المال؟ فيه وجهان.

الخامسة (٤) :

للإرث أسباب قد مر ذكرها ، وشرائط وموانع ، وبالحدود يعرف ذلك

__________________

(١) في ص. : بدل « العتق » العبد.

(٢) ليس ما بين القوسين في ص.

(٣) ليس « الرابعة » في ص وبدله : قاعدة.

(٤) في ص : الرابعة.

٤٤٧

كله كما قيل عند الاختلاف في الحقائق بحكم الحدود.

ولما كان السبب هو الذي يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم ، والشرط هو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود ، والمانع هو الذي يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود ولا العدم. تبين ما ذكرناه ، فالشرائط أمور :

الأول : موت المورث.

الثاني : تقدم موته على موت الوارث ويكفي التقدير كالغرقى والمهدوم عليه.

الثالث : وجود الوارث حالة الموت وإن لم تحله الحياة بشرط انفصاله حيا وإن لم يكن مستقر الحياة.

الرابع : العلم بالقرب.

الخامس : العلم بالدرجة التي اجتمعا فيها عند بعضهم ليخرج ما إذا مات رجل من قريش لا يعلم له قريب ، فإن ميراثه للإمام مع أن كل قرشي ابن عمه لفوات شرطه الذي هو العلم بدرجته ، فما من قرشي إلا وغيره يمكن أن يكون أقرب منه ، وتوريث جميعهم متعذر ، فكان المال للأولى بالناس من أنفسهم. والموانع ستأتي.

السادسة (١) :

يتصور دور الولاء في موضعين :

( الأول ) لو تزوج عبده بمعتقة فأولدها ابنا فاشترى عبدا فأعتقه فاشترى عتيق الابن أبا الابن وأعتقه ثبت له الولاء عليه وثبت له على ولده الولاء ، لانجرار

__________________

(١) في ص : الخامسة.

٤٤٨

الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب ، فكل من الابن وعتيقه مولى لصاحبه.

( الثاني ) إذا أعتق الذمي عبدا ثمَّ لحق المعتق بدار الحرب فاسترق ثمَّ أسلم العتيق وملك سيده بالشراء أو السبي أو غيرهما فأعتقه فالولاء دائر. وفي هذا بحث.

السابعة (١) :

الإرث يكون من الجانبين ، وهو الأغلب ، حتى إنه لا يوجد في النسب عندنا إلا دائرا ما لم يحصل مانع كالكفر ، فإن المسلم يرث الكافر من غير عكس.

وأما في الأسباب فيدور تارة كما في الزوجين يتوارثان في الدائم إجماعا وفي المتعة على [ حسب الشرط ] (٢) ، ولا يدور أخرى كالعتق فإن المنعم يرث العتيق دائما ولا ينعكس إلا في الولاء الدائر كما تقدم. وابن بابويه رحمه‌الله جعل في ولاء العتق توارثا من الجانبين.

وأما ضمان الجريرة فإن دار الولاء والإرث وإلا فلا ، وأما إرث الإمامة فغير دائر.

الثامنة (٣) :

لا يرث أبعد مع أقرب إلا في مسألة الأجداد وأولاد الإخوة ، فإنه لو كان له إخوة لأم وأجداد أدنون لأب وأجداد أعلون لأم فالظاهر أنهم يرثون لأنهم [ لا ] (٤)

__________________

(١) في ص : السادسة.

(٢) ليس في ص وبدله : على خلاف.

(٣) في ص : السابعة.

(٤) ليس « لا » في ك وأثبت في الهامش.

٤٤٩

يزاحمون أقرباء الأب بحال ، وكذا لو كان له أجداد لأم وأولاد أخ لأم وأجداد لأب وإخوة لأب أو إخوة لأب بغير أجداد لأب فإن الثلث تقتسمه الأجداد للأم وأولاد الأخ للأم والثلثان للأخوة وللأجداد للأب إن كانوا وإلا فللإخوة للأب.

التاسعة (١) :

لا يحجب الأبعد الأقرب إلا في مسألة ابن العم لأب وأم مع عم لأب ، فابن العم للأبوين أولى. ويتفرع عليه مسائل :

الأولى : اجتماعه مع الزوجين.

الثانية : تعدد ابن العم.

الثالثة : تعدد العم للأب.

الرابعة : تعددهما.

الخامسة : بنت العم للأبوين مع العم للأب.

السادسة : ابن العم للأبوين مع العمة للأب.

السابعة : بنت العم للأبوين مع العم للأب.

الثامنة : أن يضاف إليهما خال أو خالة أو عمة.

التاسعة : أن يكون أحدهما خنثى.

العاشرة : أن يكونا خنثيين.

ويتحقق الإشكال فنقول : أما الصور الأربع الأول فالظاهر أن الصورة

__________________

(١) في ص : الثامنة.

٤٥٠

بحالها ، وأما الثلاثة التي تليها فالأقرب تغير الصورة ويراعى حينئذ القرب كما قاله ابن إدريس ، وقال الشيخ : العمة للأب كالعم.

وأما إضافة الخال فالظاهر أن المال بين العم والخال ، وبه قال عماد الدين ابن حمزة ، وقال قطب الدين الراوندي ومعين الدين المصري المال للخال وابن العم لأن الخال لا يمنع العم فلأن لا يمنع ابن العم الذي هو أقرب أولى وقال سديد الدين محمود الحمصي المال للخال لأن العم محجوب بابن العم وابن العم محجوب بالخال.

وأما الأخيرتان فيحتمل فيهما تغير الصورة وهو الظاهر ، ويحتمل أن يفرض ذكرا فيحجب فيرث المال ويفرض أنثى فلا يكون لها شي‌ء فيأخذ النصف مع العم للأب. وعلى هذا أكثر الأصحاب.

فرع :

وقال ابن شاذان رحمه‌الله : للأخ من الأم السدس والباقي لابن الأخ ، محتجا باجتماع السببين. وعورض بأن الأخ للأب يمنع ابن الأخ للأبوين مع قيام السببين.

العاشرة (١) :

ضابط القرب والبعد عد القرابة إلى الميت ، فمن كان أقل عددا فهو أقرب.

وقد يختلف هذا في أولاد الأولاد فنازلا مع الأبوين ، فإنهم يرثون مع أنهم يعدون في القرب إلى الميت بواسطة أو أكثر والأبوان يتقربان بأنفسهما. والحجة

__________________

(١) في ص : التاسعة.

٤٥١

في ذلك وجوه :

الأول : أنه قول أكثر الأصحاب وربما كان إجماعا.

الثاني : أن ولد الولد ولد حقيقة عند بعضهم ولا اعتبار بالوسائط.

الثالث : الروايات في ذلك ، روى عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق عليه‌السلام أنه قال ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت (١). وهو يشمل صور النزاع.

وذهب الصدوق رحمة الله عليه إلى أن الأبوين يحجبانه (٢) عملا بالقاعدة وبمفهوم خبر سعد بن أبي خلف : أن ابن الابن يقوم مقام الابن إذا لم يكن للميت ولد ولا وارث غيره (٣) والوالدان وارث غيره. فهو المراد هنا أو داخل في المراد.

وأجاب الشيخ رحمه‌الله (٤) : بأن المراد بالغير هنا ابن الميت الذي هو والد لهذا الابن ، وتحقيقه أن لفظ « وارث » نكرة موصوفة يصدق على أقل ممكن ، وهو صادق هنا فلا حاجة إلى غيره ، وحملها على العموم لا وجه له.

وفيه نظر ، لوقوع النكرة في سياق النفي فتعم. والأولى في الجواب الإجماع فإنه سبق الصدوق وتأخر عنه ، فإن الروايات محتملة ليست خاصة على مدعى الأصحاب ، وكون ولد الولد ولدا حقيقة ممنوع لصحة النفي ، إذ يقال إن هذا ليس ولدي بل ولد ولدي ، وحينئذ يكذب الحقيقة.

ومن هذا الباب توريث الأجداد مع أولاد الأولاد عند الصدوق نظرا إلى

__________________

(١) الكافي ٧ / ٨٨ ، التهذيب ٩ / ٣١٧.

(٢) الفقيه ـ روضة المتقين ـ ١١ / ٢٤٧.

(٣) الكافي ٧ / ٨٨.

(٤) التهذيب : ٩ / ٣١٧.

٤٥٢

المساواة في الرتبة ، فللجد مع بنات البنت السدس عملا بما رواه سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام في بنات بنت وجد للجد السدس والباقي لبنات البنت (١).

ورده الشيخ بأنه قد ثبت قيام ولد الولد مقام الولد والولد يحجب الجد فكذا من قام مقامه ، والخبر إذا كان فيه ابن فضال أجمعت العصابة على ترك العمل به ، ولو صح ربما حمل على استحباب الطعمة.

وفيه نظر ، لأن الطعمة هي من الأبوين.

الحادية عشر (٢) :

مراتب الإرث بالنسب عندنا ثلاث :

( الأولى ) مرتبة الآباء والأبناء وإن نزلوا.

( الثانية ) الأجداد فصاعدا ذكورا وإناثا والإخوة وأولادهم فنازلا ذكورا وإناثا.

( الثالثة ) الأعمام والأخوال فصاعدا وأولادهم فنازلا ذكورا وإناثا ، ولا ترث (٣) مرتبة إلا مع عدم السابقة عليها بجميع جزئياتها ، فلو اشتملت المرتبة على طبقات ورث الأعلى منها فالأعلى كالأجداد والحفدة من أبناء الميت وأبناء إخوته وأبناء أعمامه وأخواله ، أما في مثل أعمام الميت وعماته وأخواله وخالاته وأعمام أبويه وأخوالهما فصاعدا فيمنع الأدنى الأعلى.

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٣١٤ ، الفقيه ـ روضة المتقين ـ ١١ / ٢٨٥.

(٢) في ص : العاشر.

(٣) في ص : ولا ترتيب.

٤٥٣

الثانية عشر (١) :

لا إرث عندنا بالتعصيب ، بل الفاضل عن ذوي السهام يرد عليهم إلا مع مانع لهم أو لبعضهم خلافا لجمهور العامة. لنا وجوه :

( الأول ) قوله تعالى « إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ » (٢). وجه الدلالة : أن التعصيب لو كان حقا لكانت الأخت تستحق النصف بالتعصيب وإن كان له ولد ، فيبقى قوله تعالى « لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ » بلا فائدة.

( الثاني ) قوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ » (٣) وعلى التعصيب يخالف مقتضاها.

( الثالث ) إجماع أهل البيت عليهم‌السلام على ذلك وهو حجة ، ورواياتهم دالة على ذلك.

احتجت العامة بقوله تعالى « وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي » (٤) وجه الدلالة : أنه لو لا التعصيب لم يخص السؤال بالولي بل قال وليا وولية ، فلما خصه [ به ] دليل على أن بني عمه مؤثرة (٥) مع الولية فلذلك لم يطلبها.

وربما رووه من طريقهم عن طاوس وابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ألحقوا بالأموال الفرائض ، فما أبقت الفرائض فلأولى

__________________

(١) في ص : الحادية عشر.

(٢) سورة النساء : ١٧٦.

(٣) سورة الأنفال : ٧٥ ، سورة الأحزاب : ٦.

(٤) سورة مريم : ٥.

(٥) في ك : يرثونه.

٤٥٤

عصبة (١).

وربما رووه عن جابر أن امرأة أتت بابنتي سعد بن الربيع فقالت : يا رسول الله إن أباهما قتل يوم أحد وأخذ عمهما المال ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : سيقضي الله في ذلك ، فنزلت « يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ » الآيات (٢) ، فدعا النبي عمهما وقال له : أعط الجاريتين الثلاثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فهو لك (٢).

والجواب : أن تخصيص السؤال بناء على التغليب أو المراد الجنس أو لأن الولي أحب إلى طبع البشر ، وهو سبب التخصيص لا ما ذكروه.

وعن الخبر أنه روي عن ابن عباس وطاوس أنهما أنكراه ، رواه أبو طالب الأنباري عن محمد بن أحمد البربري مرفوعا إلى قارية بن مضرب قال قلت لابن عباس : روى أهل العراق عنك وعن طاوس أن ما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر. قال : أمن أهل العراق أنت؟ قلت : نعم. قال : أبلغ من وراءك أني أقول إن قول الله تعالى عزوجل « آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ » (٣) وقوله « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ » (٤) وهل هذه إلا فريضتان وهل أبقتا شيئا ، ما قلت هذا ولا طاوس يرويه علي. قال قارية بن مضرب : فلقيت طاوسا فقال : لا والله ما رويت هذا على ابن عباس قط

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٢٦٠ فيه ألحقوا الفرائض فما أبقت الفرائض فلأولى عصبة ذكر. وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب النكاح هكذا : ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر.

(٢) سورة النساء : ١١ ، والحديث في التهذيب ٩ / ٢٦٠ وذكره فخر الدين الرازي في التفسير الكبير ٩ / ٣.

(٣) سورة النساء : ١١

(٤) سورة الأنفال : ٧٥ ، سورة الأحزاب : ٦.

٤٥٥

وإنما الشيطان ألقاه على ألسنتهم (١).

وعن الخبر الآخر منع صحته ، وعلى تقدير الصحة جاز أن يكون أخذ العم الباقي عوضا عن قيامه في مالهما.

ويمكن الاستدلال على نفي هذا الحكم لو سلم الحديث بقوله تعالى « إِلّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً » (٢) ، إذ لو كان له ميراث لم يرغب إلى فعل المعروف معهم.

الثالثة عشر (٣) :

العول عندنا باطل ، ولا يدخل النقص على الكل بل على البعض كما يجي‌ء. لنا وجوه :

( الأول ) أنه لا بد من مخالفة الآيات ، وكلما كانت المخالفة أقل كان أولى.

( الثاني ) إجماع أهل البيت عليهم‌السلام وتواتر أخبارهم.

( الثالث ) أن كل واحد من الأبوين والزوجين لهما سهمان أعلى وأدون ، وليس للبنت ولا البنتين أو الأختين لو لا قولنا إلا سهم واحد ، فإذا دخل النقص عليها استوى ذو السهام.

احتج العامة بالقياس على تركة لا تفي بالديون ، فإنه يدخل النقص على الجميع بحسب سهامهم ، وبما رواه سماك بن حرب عن عبيدة السلماني قال كان علي عليه‌السلام على المنبر فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين رجل مات

__________________

(١) التهذيب ٩ / ٢٦٢ رواه مسندا.

(٢) سورة الأحزاب : ٦.

(٣) في ص : الثانية عشر.

٤٥٦

وترك ابنتيه وأبويه وزوجة. فقال علي عليه‌السلام : صار ثمن المرأة تسعا (١). وتسمى المسألة المنبرية. وبأن عمر حكم بالعول ولم ينكر عليه أحد فصار إجماعا.

والجواب : بطلان القياس عندنا ، وعلى تقدير تسليمه نقول : إنما دخل النقص في الأصل في الكل لأمر غير حاصل في الفرع ، وهو لزوم الترجيح من غير مرجح ، وأما في الفرع فالمرجح موجود وهو ما ذكرناه من بيان السهمين.

وعن الخبر أنه أجابه إنكارا للعول والاستفهام مقدر ، ويدل عليه نقل أهل البيت عليه‌السلام أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ينكر العول (٢).

وعن الثالث بمنع الإجماع ، ويدل عليه ما رواه الزهري مرفوعا إلى ابن عباس : أن أول من أعال الفريضة عمر بن الخطاب ، فقال زفر : هلا أشرت عليه؟ فقال : هبته وكان رجلا مهيبا (٣).

تنبيه :

تقرير قوله عليه‌السلام « صار ثمنها تسعا » أن أصل الفريضة أربعة وعشرون لأن فيها الثمن والسدس للزوجة الثمن ثلاثة منها وللأبوين السدسان ثمانية منها وللبنتين الثلثان ستة عشر منها ، فإذا دخل النقص على الكل ارتقت الفريضة إلى سبعة وعشرين وهو مجموع السهام المذكورة ، فتعطى الزوجة ثلاثة من سبعة

__________________

(١) المناقب ١ / ٢٦٩ ، البحار ٤٠ / ١٥٩ ، التهذيب ٩ / ٢٥٩.

(٢) راجع البحار ١٠٤ / ٣٢٨.

(٣) الكافي ٧ / ٧٩ ، التهذيب ٩ / ٢٤٨ رواه في خبر بسنده عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : جلست إلى ابن عباس فعرض ذكر الفرائض ـ إلى أن قال ـ فقال له زفر بن أوس البصري : فمن أول من أعال الفرائض؟ فقال عمر بن الخطاب ـ إلى أن قال ـ فقال له زفر : فما منعك أن تشير بهذا الرأي على عمر؟ فقال : هبته.

٤٥٧

وعشرين وهو تسع الفريضة فقد صار ثمنها تسعا.

الرابعة عشر (١) :

كل وارث إما أن يسمى له في كتاب الله بخصوصه ويسمى ذا فرض أو بعمومه ويسمى قرابة فإما أن يعتبر الوارث أو جهة الإرث :

( فالأول ) ثلاثة :

١ ـ ذو فرض لا غير ، وهو الأم والأخ والأخت أو المتعدد من قبلها إلا على الرد عليها أو عليهم والزوج والزوجة إلا على الرد.

٢ ـ ذو فرض تارة وقرابة أخرى ، وهو الأب والبنت وإن تعددت والأخت للأب وإن تعددت.

٣ ـ ذو قرابة لا غير ، وهم الباقون.

( والثاني ) ستة :

١ ـ وارث بالفرض خاصة ، وهو الزوجة على الأصح والأم والأخت أو الأخ من قبلها أو المتعدد حيث لا رد.

٢ ـ وارث بالفرض والقرابة ، وهم هؤلاء إذا كان هناك رد.

٣ ـ وارث بالفرض المحض ، وهو الأب والبنت أو البنات والأخت للأب أو الأخوات حيث لا رد.

٤ ـ وارث بالقرابة المحضة ، وهم هؤلاء حيث لا تسمية.

٥ ـ وارث بالفرض والقرابة معا ، وهم هؤلاء حيث يحصل الرد.

٦ ـ الوارث بالقرابة لا غير وهم باقي الوارث.

__________________

(١) في ص : الثالثة عشر.

٤٥٨

إذا تقرر هذا فنقول : إذا خلف الميت ذا فرض أخذ فرضه ، فإن تعدد في طبقته أخذ كل فرضه. والفاضل يرد على ذوي الفروض إن فقد غيرهم في طبقتهم وكانت وصلتهم متساوية ، إلا في مثل كلالة الأم من الإخوة وكلالة الأب من الأخت والأخوات ، فإن كلالة الأب ينفرد بالرد ، وفي الزوج والزوجة خلاف أقربه الرد على الزوج خاصة غائبا كان الإمام أو حاضرا إذا لم يكن وارث سواه.

وإن قصرت التركة عن ذوي الفروض فالنقص على البنت أو البنات والأخت للأب أو الأخوات له ، ولا تعصيب في الأول ولا عول في الثاني ، كما تقدم من مذهبنا.

وكل ما كان الوارث لا فرض له فالجميع له واحدا كان أو أكثر ، ولو اختلفت وصلتهم إلى الميت فلكل نصيب من يتقرب به ، كالأعمام لهم نصيب الأب والأخوال لهم نصيب الأم. وإذا اجتمع ذو فرض وغيره في طبقته فالباقي بعد ذي الفرض للآخر.

الخامسة عشر (١) :

متى اجتمع قرابة الأبوين مع قرابة الأم يشاركوا مع اتحاد الرتبة ، ويختص الرد بقرابة الأبوين حيث يقع ، وكذا قرابة الأب وحده مع قرابة الأم وحدها.

ومتى اجتمع قرابة الأب وحده مع قرابة الأبوين فلا شي‌ء لقرابة الأب ، ومتى اجتمع قرابة الأب وحده مع قرابة الأم وحدها نزل منزلة قرابة الأبوين مع عدمهم. وفي الرد على الإخوة خلاف.

__________________

(١) في ص : الرابعة عشر.

٤٥٩

السادسة عشر (١) :

الأولاد والإخوة من قبل الأب والأعمام من قبله والأجداد من قبله يقتسمون للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكلالة الأم يقتسمون بالسوية من الإخوة والأجداد والأعمام والأخوال ، واقتسام المعتقين وضمناء الجريرة بنسبة العتق والضمان ، واقتسام ورثة المعتق كاقتسام وراثه.

السابعة عشر (٢) :

قد يجتمع للوارث نسبان فصاعدا أو سببان أو نسب وسبب ، فيرث بالجميع ما لم يكن هناك من هو أقرب منه فيهما أو في أحدهما أو يكن أحدهما مانعا للآخر ولا يمنع من هو في طبقته من ذوي النسب الواحد. فهاهنا صور :

الأولى : نسبان يرث بهما كعم هو خال.

الثانية : أنساب متعددة يرث بها ، مثل ابن عم هو ابن خال وهو ابن بنت عمه وهو ابن بنت خاله.

الثالثة : نسبان يحجب أحدهما الآخر ، كأخ هو ابن عم.

الرابعة : نسبان يحجب صاحبهما عن أحدهما ، كأخ هو ابن عم وبنت أخ آخر (٣).

الخامسة : نسبان فصاعدا لواحد ونسب لآخر ، كابني عم أحدهما ابن خال.

__________________

(١) في ص : الخامسة عشر.

(٢) في ص : السادسة عشر.

(٣) في ك : وللميت أخ آخر.

٤٦٠