نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

وقيل : هذا الخلاف غير محقق ، فإن القائل بالعين لا يعني بها أنها تملك بالإجارة كما في البيع بل لاستيفاء المنفعة منها ، والقائل بالمنفعة لا يقطع النظر عن العين بل له تسليمها (١) وإمساكها مدة الانتفاع.

وأجيب : بأن المنع من إجارة الحلي بجنسه يحتمل الخلاف فيه محققا.

ولقائل أن يقول : هذا المانع ممن ظن أن الخلاف محقق فلا يكون منعه حجة [ عليه ] ، وربما خرج عليه جواز بيعها من المستأجر فيصح على تقادير المورد لا على اتحاده.

فرع :

لو آجر قريبه عينا فمات فورثها المستأجر ، فالأقرب أنها لا تبطل لعدم نفوذ الإرث في المنفعة.

وقال بعضهم تبطل لأنه يستوفي المنفعة الآن بملكه فاستغنى عن الإجارة فتنفسخ ، كما لو زوجه أمته فمات فورثها الزوج فإن النكاح يبطل.

قلنا : الفرق أن مورد النكاح البضع ، وهي منفعة لا يصح نقلها بغير عقده الخاص. وهو أضعف من عقد الإجارة ، بدليل عدم وجوب تسليمها نهارا فيه.

ويترتب على ذلك ما لو ورثه اثنان (٢) ، فإن قلنا بالبطلان بطلت في حصته وله الخيار لتبعض الصفقة ، فإن فسخ رجع بالنسبة في التركة ، وإن أجاز فنصف الأجرة دين في التركة فتسلم حصته بمنفعتها ، ونصيب شريكه مسلوب المنفعة فيرجح على شريكه فيرجع أخوه بقدر النقص حتى يساويه. فلو لم يكن سوى العين المستأجرة أخذ منها بقدر ما تخلف له ويلزم انفساخ الأجرة فيه ، فيدور

__________________

(١) في ص : بل له تسلمها.

(٢) في ص : ابنان.

٣٨١

فيستخرج بطريقه.

وكذا لو كان له مال غيرها لا بالمرجوع به مع احتمال عدم رجوع الأخ ، لاستناد النقص إلى فعل المورث في حال الحياة ، فلا حجر عليه فيه ، وحينئذ يحتمل إجراؤه مجرى الوصية ، فيكون بمثابة من أوصى بتخصيص أحد وراثه فينفذ من الثلث مع عدم الإجازة.

قاعدة :

هل الطارئ في مدة الإجارة من الموالي كالمقارن في الإبطال ، فيتضح ذلك بنصب مسائل :

( الأولى ) لو آجر الموقوف عليه مدة فمات في الأثناء ، فيه وجهان : بقاء الإجارة للزومها في الأصل كما لو آجر ملكه ، والأقرب البطلان ، لأن المنافع انتقلت إلى غيره بعد موته لا عنه ، بل كأنها عن الواقف فتبينا أنه تصرف فيما لا يملكه.

( الثانية ) لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ثمَّ غنمها المسلمون لم تبطل الإجارة ، لأن المنافع كالأعيان مملوكة ملكا تاما [ ولو سبيت وزوجته انفسخ النكاح في الحال على الأقرب ، لأن البضع مستباح ولا يملك ملكا تاما ] (١) ولهذا لا تضمن باليد المجردة ، بخلاف المنفعة. ويحتمل التربص بالعدة رجاء لإسلامه وعتقها.

( الثالثة ) آجر الولي الطفل مدة فبلغ ورشد في الأثناء ، أو آجر ماله يحتمل البقاء ، لأن تصرفه كان للمصلحة فيلزم. وحينئذ هل له خيار الفسخ؟ نظر. ويحتمل

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

٣٨٢

البطلان لتبيين خروج هذه المدة عن الولاية ، وهو الأقرب. ومثله لو آجر مال المجنون فأفاق.

( الرابعة ) آجر أم ولده أو مدبرة ثمَّ مات ، فيه الوجهان.

( الخامسة ) آجر عبده ثمَّ أعتقه لا تبطل الإجارة ، لأن الإزالة هنا مستندة إلى السيد وقد كان تصرفه سابقا فلم يصادف العتق هذه المنافع. وحينئذ لا خيار له لأن السيد تصرف في ملكه ، فلا يعترض عليه ولا يرجع على السيد بالأجرة ، لمثل ما قلناه. وكما لو زوج أمته واستقر المهر ثمَّ أعتقها.

قاعدة :

كلما جازت الإجارة عليه مع العلم تجوز الجعالة عليه مع الجهل ، وهل تجوز مع العلم؟ الأقرب الجواز بطريق الأولى.

تنبيه :

إذا تعذر كمال الإجارة وزع المسمى بنسبة المستوفى إلى الباقي بحسب القيمة ، وقد يشكل بعضها في صنعة الحساب ، كما لو استأجر لحفر عشرة طولا ومثلها عرضا ومثلها عمقا فحفر خمس أذرع في خمس [ في خمس ] (١) وتعذر إكمال العمل لموته مع تعيينه في العقد أو لصلابة الأرض ، فإن نسبة المحفور إلى المستأجر نسبة الثمن إلى السلعة ، وذلك لأن مضروب الأولى ألف ذراع ومضروب الثانية مائة وخمسة وعشرون ذراعا. هذا بحسب العدد ، فإن فرض تساوي الأذرع في الآخر (٢) كان الواجب ثمن الأجرة ، وإلا وجب التوزيع بحسب

__________________

(١) ليس في ص.

(٢) في ص : في الأجرة.

٣٨٣

القيمة أيضا.

( [ الفصل ] السادس ـ في عقود متبددة ) (١)

قاعدة :

الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي عدم الضمان ، وهي قد تكون من المالك كالوديعة والعارية وقد تكون من الشرع وهي المسماة بالأمانة الشرعية. والواجب فيها المبادرة إلى إعلام المالك ، فإن تمكن وأهمل ضمن ، وإلا فالظاهر عدم الضمان.

ولها صور سبع :

( الأولى ) إطارة الريح ثوبا إلى داره فيجب الإعلام أو أخذه ورده إلى مالكه.

( الثانية ) لو انتزع الصيد من المحرم أو من محل أخذه في الحرم.

( الثالثة ) لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.

( الرابعة ) لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون لخوف إتلافها.

( الخامسة ) لو خلص الصيد من خارج ليداويه أو من شبكة في الحرم.

( السادسة ) لو تلاعب الصبيان بالجوز وصار في يد أحدهما جوز الآخر وعلم به الولي فإنه يجب رده على ولي الآخر ، ولو تلف في يد الصبي قبل علم الولي ضمنه في ماله.

ولا عبرة بعلم غير الولي من أم أو أخ ، لأنه ليس قيما عليه ، فلو أخذه أحدهما بنية الرد على المالك أمكن إلحاقه بالأمانة. وكذا الكلام في البيض.

ولو كان أحد المتلاعبين بالغا ضمن ما أخذه من الصبي ، وهل يضمن الصبي

__________________

(١) المبتدئة : المتفرقة.

٣٨٤

المأخوذ من البالغ؟ نظر ، أقربه عدم الضمان لتسليطه على إتلافه.

( السابعة ) لو ظفر المقاص بغير جنس حقه فهل يكون أمانة شرعية حتى يباع؟ قوى بعض الأصحاب الضمان ، ويضعف ضمان الزائد عن قدر حقه إذا لم يمكن التوسل إلى حقه إلا به ، كمن كان له مائة فلم يجد إلا دابة تساوي مائتين.

( الوديعة ) قاعدة :

كل عبارة لا يتم مضمونها إلا بإيجاب وقبول فهي عقد ، وما لا يحتاج إلى القبول من العبارات فهو إيقاع أو إذن مجرد.

والوديعة ليس القبول المعهود شرطا فيها ، فله هي عقد أو إذن مجرد؟ تظهر فائدته فيما لو عزل الودعي نفسه ، فعلى العقد تبطل وتبقى أمانة شرعية ، وعلى الإذن لا تبطل.

وفيما إذا شرط فيها شرطا فاسدا فإنها تفسد ، فإن قلنا هي عقد فلا بد من عقد جديد ، فإن لم يعقد فهي أمانة شرعية ، وإن قلنا مجرد إذن لغي الشرط وبقيت وديعة.

وإن سمينا القبول الفعلي قبولا زال هذا التخريج وجزم بأنها عقد.

وربما خرج ضمان الصبي الوديعة بالإتلاف على الوجهين ، فعلى العقد لا يضمن كما لو باع منه أو أقرضه ، وعلى الإذن يضمن. أما لو فرط فيها أو تعدى لا غير فتلفت فوجهان مرتبان ، فإن قلنا بعدم الضمان هناك فهنا بطريق الأولى وإن قلنا هناك بالضمان أمكن عدم الضمان هنا ، لأن التفرط من قبل المالك.

( العارية ) قاعدة :

كل عارية أمانة إلا في مواضع

٣٨٥

( الأول ) استعارة المحرم صيدا.

( الثاني ) استعارة الذهب والفضة.

( الثالث ) من الغاصب.

( الرابع ) من مستعير غير مأذون له.

( الخامس ) من مستأجر مع شرط الاستيفاء بنفسه.

( السادس ) عند التعدي والتفريط.

( السابع ) الاستعارة للرهن على الأقوى.

ومن جعله من باب الضمان بالعين فلا ضمان على المستعير.

( الوكالة ) قاعدة :

ضابط الوكالة بحسب المتعلق أن كل فعل تعلق غرض الشارع بإيقاعه لا من مباشر بعينه يصح التوكيل فيه ، كالعقود كلها والفسوخ والعارية والإيداع والقبض والتقبيض وأخذ الشفعة والإبراء وحفظ الأموال وقسمة الصدقة واستيفاء القصاص والحدود وإثبات الحقوق وحدود الآدميين والطلاق والخلع والعتق والتدبير والدعاوي كلها.

وما تعلق غرض الشارع بمباشرته فلا يصح ، كالقسم بين الزوجات وقضاء العدة والقاضي. إما العبادات ففيها تفصيل يأتي.

[ ولا ريب أن كل خيار يرجع إلى المصلحة لا يتعلق فيه الغرض بمباشر بعينه ] وأما الخيار العائد إلى الشهوة والإرادة فيحتمل أنه مما تعلق الغرض بإيقاعه من مباشر بعينه ، كخيار من أسلم على أزيد من أربع أو على الأختين فلا يصح فيه التوكيل. ويحتمل الجواز ، لأنه لا يزيد على التوكيد في التزويج.

٣٨٦

أما خيار الرؤية ففيه نزوع (١) إلى كل واحد من القسمين ، ولعل الأقرب جواز التوكيل فيه ، ومن ثمَّ اختلف في جواز التوكيل في الإقرار.

ثمَّ هذا التوكيل تارة يجعل المشية إلى الوكيل فيكون كما لو شرط له الخيار في العقد والخبطة (٢) فيه ، أما لو عين له الجهة المختارة فالجواز أظهر ، بل يمكن أن يجعل بالتعين (٣) مختارا لما عينه الموكل.

قاعدة :

كل من صح منه المباشرة لشي‌ء صح منه التوكيل فيه ، وما لا يصح منه المباشرة يمتنع التوكيل فيه. وقد يتخلف صور :

فمن الأول العبادات بأسرها إذا كانت بدنية وشبهها ، كالأيمان والنذر والإيلاء واللعان والقسامة وتحمل الشهادة وأدائها والظهار منجزا ومعلقا ، فإنه لا يصح التوكيل في ذلك كله حالة الحياة أما بعد الموت فيجوز التوكيل في العبادات البدنية.

هذا واختلف في مواضع :

( الأول ) الجهاد ، قال الشيخ لا يصح فيه التوكيل ، لأن كل من حضره وجب عليه. وجوزه القاضي مطلقا والعلامة على وجه الإجارة ، وهو جمع بين الوليين ، لأن الإجارة عقد لازم يمنع من انقلاب الفرض بخلاف عدمها ، فإن الواجب على الكفاية يصير فرض عين إمام بتعيين الإمام أو الحضور وواجب

__________________

(١) في هامش ك : ففيه فروع. وفي القواعد : ففيه تروع.

(٢) في هامش ك : والحلف.

(٣) في ص : بالتعين.

٣٨٧

العين لا يقبل النيابة.

( الثاني ) صب الماء في الطهارة ، جوزه الشيخ على كراهته ومنعه القاضي. والحق الأول ، لأن الصب ليس بجزء من الطهارة الواجب مباشرتها ، لإمكان فعلها بدونه فيجوز.

( الثالث ) جوز الشيخ لمستحقي الزكاة توكيل من يقبض لهم سهماتهم ، ومنعه القاضي ، وقواه ابن إدريس محتجا بأن ذمة المزكي مشتغلة بالزكاة فلا تبرأ إلا بيقين دفعها إلى المستحق والوكيل ليس منهم ، وبأنه ليس للمستحق المطالبة فليس له التوكيل : أما الأول فلأنه لا يملك إلا بالقبض وللمالك دفعها إلى من شاء ، وأما الثاني فظاهر.

وأجيب عن الأول : بأن يد التوكيل يد الموكل فيبرأ بالتسليم إليه ، وعن الثاني بأن جميع الأصناف الحاضرين في البلد يملكون المطالبة خصوصا مع العزل. سلمنا أنهم لا يملكون بالفعل فلم لا يكفي مشارفة الملك. وكذا لو كان النزاع في بعض المستحقين واختار المالك الدفع إليه يكفي المشارفة.

قلت : عندي في الجواب نظر ، أما الأول فلأنه مانع (١) لجواز الوكالة فلا يجعل دليلا عليه وإلا لانسحب (٢) في كل موضع لا يصح فيه الوكالة ، وأما الثاني فلأنا لا نسلم أن لهم المطالبة بل للحاكم أمره بما يبرئ ذمته ، ولهذا لو كان له وكيل مطلق وأخرجها عنه في بلد آخر أجزأ. وبالجملة عندي فيه توقف.

( الرابع ) في الاحتياز والالتقاط وجهان مبنيان على تملك المباح بالحيازة أو بالنية ، الأصح الثاني ، فيجوز التوكيل.

__________________

(١) في ك : تابع.

(٢) في ك : وإلا لوجب. وفي هامشه : وإلا لاستحب.

٣٨٨

وكذا لا يصح في تعيين المطلقة المبهمة والمعتق المبهم وتعيين المختارة من المسلمات ، ولو عين واحدة ووكل في تعيينها للطلاق أو الاختيار فالأقرب الصحة والوكالة مع أنه لا يصح منه المباشرة إلا مع الإذن صريحا أو فحوى.

وكذلك العبد والسفيه إذا أذن لهما في النكاح باشرا ولم يوكلا ، لأنهما في معنى الوكيلين وإن كان مصلحة العقد تعود إليهما.

وفي الوصي خلاف ، والأقرب الجواز. والعبد المأخوذ كالوكيل.

أما لو وكل أحد المتعاقدين صرفا في القبض فإنه يصح ، ولكن يشترط قبضه في حضرة الموكل ، فلا يعد هذا من هذه المسائل.

ومن الثاني (١) وهو ما يجوز التوكيل فيه ولا يجوز مباشرته ـ فعزيز عندنا وقوعه ، لأنهم يذكرونه في توكيل المرأة في عقد النكاح ولا يصح منها مباشرته وكذا الأعمى في الشراء والبيع والولي والقصاص حذرا من الزيادة في الواجب تشفيا ، وفي الدور الحكمي ( كما إذا قال لزوجته كلما طلقتك ثلاث فأنت طالق قبله ثلاثا ) إذا قيل بلزوم الدور فإنه يمتنع عليه التطليق إلا بالتوكيل فيه ، وكذا لو قال لوكيله ( كلما عزلتك فأنت وكيلي ) فليوكل في عزله ، وتوكيل المرأة (٢) في توكيل رجل يلي عقد النكاح وإن لم يصح منها مباشرته.

وقد تأولوا (٣) ما روي من تزويج عائشة بنت أخيها عبد الرحمن في غيبته بجواز أن يكون أخوها وكلها في أن توكل رجلا في تزويج ابنته أو وكل محل محرما في أن يوكل محلا في تزويج.

__________________

(١) في ص : وأما الثاني.

(٢) في ك : وتوكل المرأة.

(٣) في ص : وقد يؤولون.

٣٨٩

وعلى هذا يجوز أن يوكل المسلم ذميا [ أن يوكل مسلما ] (١) في شراء عبد مسلم أو مصحف ، أو وكل مسلم ذميا أن يوكل مسلما على مسلم. وجميع هذه الصور إلا الثلاث الأخيرة عندنا باطلة ، وأما تلك فمحتملة.

فائدة :

يجوز أن يسلب مباشرة فعل عن نفسه مع جواز أن يكون وكيلا فيه لغيره كالسفيه والمرتد وكالعبد في قبول النكاح لغيره أو إيجابه حيث لا ضرر على السيد فيه ، وكذا ذو الأربع لا يملك التزويج بخامسة ويتوكل لغيره في مطلق التزويج وكذلك غير خائف العنت (٢) لا يعقد على الأمة لنفسه على قول ويجوز لغيره.

قاعدة :

كلما جازت الوكالة فيه فتبرع به الغير فإن كان فعل وقع موقعه ـ كرد الوديعة والغصب وقضاء الدين ونفقة الزوجة والأقارب والبهائم والحج والصوم والصلاة عن الميت والزكاة عنه ـ وإن كان عقدا وقف على الإجازة كسائر العقود والفسوخ.

ومن الأفعال ما يقف أيضا على الإجازة ، كقبض دين الغير من المديون ، وقبض أحد الشريكين من الغريم ، وقبض المبيع عن المشتري والثمن عن البائع وقبض الرهن عن المرتهن على احتمال ، وكذا قبض الموهوب عن المتهب وإن كان إيقاعا بطل كالطلاق والعتق. وكلما لا يجوز التوكل فيه لا تجري من التبرع كالأيمان [ والظهار ] (٣) والقسم والقسم.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ك.

(٢) عنت عنتا : أي وقع في أمر شاق.

(٣) ليس في ص.

٣٩٠

( الوصية ) قاعدة :

كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل إلا في الوصية ، وكل ذي قبول إذا مات بطل العقد إلا في الوصية فإن وارثه يقوم مقامه على الأقرب.

قاعدة :

الغالب في أن الوصية بما فيه نفع لغيره يتوقف على قبوله ، إلا إذا أوصى بعتق عبده وهو يخرج من الثلث ، أو بإبراء غريمه من دينه ، أو بقضاء دين فلان أو بفداء الأسير. وفي الوصية للدابة بالعلف وجهان.

قاعدة :

ظاهر الأصحاب أن التدبير وصية بالعتق وليس تعليقا للعتق على صفة الموت. وربما تخيل ذلك في مواضع.

وله عند العامة فروع على هذين المأخذين من (١) جواز الرجوع فيه وعدمه والبيع بخيار ، فعلى الصفة لا يصح وعلى الوصية يحتمل بطلان التدبير قبل لزوم البيع فلا يعود إلى التدبير.

ولو فسخ البيع احتمل المراعاة ، ولو رهنه احتمل الرجوع لأنه عرضه للبيع وعدمه لأنه ليس بمزيل للملك. وعلى الصفة لا يجوز.

والفرض في البيع كالبيع ، ويمكن العدم (٢) ، لأنه لم يخرج عن الملك.

__________________

(١) ليس ( من ) في ك.

(٢) في ص : ويحتمل العدم.

٣٩١

[ أما الوطء فليس برجوع ] (١) قطعا على الوجهين ، لأنه مع الحمل يؤكد التدبير.

وفي المكاتبة وجهان ، ويحتمل أنه إن قصد بالمكاتبة الرجوع عن التدبير كان رجوعا على القول بالوصية وإلا فهو مدبر مكاتب.

ولو ادعى العبد أنه دبر ففي سماع الدعوى تردد ، من توهم أن الإنكار ليس رجوعا. ولو حملت تبعها الولد ، أما على العتق فظاهر ، وأما على الوصية فمشكل من حيث إن الوصية بالجارية لا يدخل فيها الحمل المتجدد قبل الوفاة. وهذا يوهم أنه عتق بصفة ، لفتوى الأصحاب بأن الولد مدبر ، وبالغوا في ذلك حتى منعوا من الرجوع في تدبيره ولو رجع في تدبير أمه وهو يؤكد الصفة.

( السابع ـ الغصب )

قاعدة :

منافع الأموال تضمن بالفوات والتفويت ، ومنفعة البضع بالتفويت لا غير. وفي ضمان منفعة الحر إذا حبسه مدة وجه بالضمان ، وضعفوه من حيث عدم دخوله تحت اليد ، ويقوي الضمان فيما لو استأجره ثمَّ حبسه ، وخصوصا مع كون الأجير خاصا ، لأن المنافع بعقد الإجارة قدرت موجودة شرعا فاستقرت الأجرة في مقابلها.

والذي يدل على ملكها اقتضاء العقد ، ومن ثمَّ جاز أن يؤجره غيره.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ك.

٣٩٢

قاعدة :

المعتبر في الضمان بيوم التلف مطلقا ، وفي قول يفرق بين الغاصب وغيره فيضمن الغاصب إلا رفع من القبض إلى حين التلف وغيره يوم التلف. وفي قول الكل كذلك. وفي وجه يمتد إلى حين الرد ، وهو ضعيف.

نعم في المثلي يتوجه احتمالات : لو تلف عند الغاصب والمثلي موجود ثمَّ لم يدفعه حتى تلف ، والأقرب أن المعتبر القيمة يوم الدفع.

وقد خرج من الضمان يوم التلف ضمان ولد الأمة إذا انعقد حرا ووجبت قيمته على الأب ، فإنها تعتبر عند الولادة لا حين الإحبال. وإن قضية الأصل أن الإتلاف إنما حصل حين إلقاء النطفة ، فإنه لو لا هذا العارض كانت رقا لمولى الأمة فانتقلت إلى الوالد (١) حينئذ.

قيل : والسر فيه أن النطفة حينئذ لا قيمة لها ، لكنه لما كانت مكملة بدم أمه وكان تكونه حيوانا بالقوى التي أودعها الله سبحانه وتعالى في الرحم صار كالشجرة المخلوقة من الثمرة (٢) فهو من كسب أمه ، فلذلك قدر الإتلاف متأخرا إلى حين الوضع ، فكأنه رقيق إلى حين الوضع. ومن ثمَّ تبع الولد أمه في أحكام كثيرة.

فإن قلت : لم لا يقال إن الوجه في ذلك أن الولد كالجزء من الأم ، فهو ملك لمالكها حين ينفصل ، فهنالك ينتقل إلى ملك الوالد؟

قلت : يأبى ذلك الحكم بانعقاده حرا. نعم ذكر في بعض الموارد أنه رقيق وأن يجب على الأب فكه عند الولادة. وعلى هذا لا يكون التلف إلا حين الولادة

__________________

(١) في ص : إلى الولد.

(٢) في ك. كالثمرة المخلوقة من الشجرة.

٣٩٣

وفيه تنبيه على اعتبار أرفع القيم ، فإنه من المعلوم أن قيمته عند الولادة أرفع غالبا. ولك أن تقول : الحمل على انعقاده رقيقا أولى ، ويحمل قولهم « انعقد حرا » على أوله إلى ذلك لا محالة ، وهو مجاز مشهور ، وفيه توفيق بين الكلامين ، وجري على قاعدة الضمان يوم التلف.

قاعدة :

الضمان قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل ، فالأول الحكم بضمان ما يجب ضمانه عند تلفه ، وأثره استعداد الذمة لذلك ، والعود إليه عند التلف لو كانت القيمة العليا قبله.

والضمان الفعلي : تارة بعد تلف العين ، ولا ريب أنه مبرئ لذمة الضامن ، ويكون من باب المعاملة على ما في الذمم بالأعيان وهو نوع من الصلح. وتارة يتبع بقاء (١) العين لتعذر ردها ، وهو ضمان في مقابلة فوات اليد ، والتصرف والملك باق على مالكه.

وفي وجه للأصحاب أن الضمان في مقابلة العين المغصوبة ، لأنها التي يجب ردها ، فالضمان بدل عنها.

قلنا : العين باقية والفائت إنما هو اليد ، والتصرف والضمان الفعلي إنما هو عن التالف بالفعل. وتظهر الفائدة في الظفر به فيما بعد ، فعلى الأول يترادان وعلى الثاني لا ، حتى قال بعض العامة : لو كان المغصوب قريب الغاصب عتق عليه. وتوغلوا في ذلك حتى ملكوا الغاصب ما غير صفته كالطحن والخياطة

__________________

(١) في ص : مع بقاء.

٣٩٤

والذبح ، وأنه لو جنى على العبد بما فيه قيمته ملكه مع قولهم بأنه لو نقص عن القيمة لا يملك النقص.

قاعدة :

الإذن العام لا ينافي المنع الخاص ، لأن الله سبحانه وهب العبيد مالا وفوض أمره إليهم تمليكا وإسقاطا ، فإذا وجد سبب من غير جهتهم في أموالهم لا يكون قادحا في زوال حقوقهم ، إلا أن يكون جاريا على طريق المعاوضة.

فمن ذلك المأخوذ بالمقاصة مع غير الجنس مع عدم الظفر بغيره لو تلف فيه وجهان. والأقوى الضمان ، لأن إذن الشارع فيه عام والمنع من تصرف غير المالك فيه حق للمالك.

ومنه المأكول في المخمصة مضمون على الأكل وإن كان مأذونا فيه على الأقرب.

ولقائل أن يقول : ليس الإذن من الله تعالى مطلقا بل بعوض ، فيكون من المعاوضات القهرية ، لأن المالك امتنع في موضع [ ليس له ] الامتناع.

نعم ذكر بعض العامة هنا مثالين في الوديعة والعارية : لو دفع الوديعة من مكان إلى غيره لمصلحة المالك أو انتفع بالعارية لمصلحة وتلفت لم يضمن ، ولو سقط من يده شي‌ء عليهما فتلفا أو عابا يضمن ، لأن تصرف الإنسان في ماله وإن كان جائزا إلا أنه بإذن عام وصاحب الوديعة والعارية لم يأذن فيه بخلاف النقل والانتفاع.

وهذان لا يتمان عندنا ، لأن المعتبر التفريط ، فإذا سقط من يده بتفريطه ضمن وإلا فلا.

٣٩٥

( الثامن ـ الإقرار )

قاعدة :

كل من قدر على إنشاء قدر على الإقرار به إلا في مسائل أشكلت ، وهو ولي المرأة الاختياري لا يقبل إقراره ، وكذا قيل في الوكيل إذا أقر البيع وقبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل ، ولو أقر بالرجعة في العدة لا يقبل منه مع أنه قادر على الإنشاء وقيل يقبل ، وكذا كل من لا يقدر على إنشاء شي‌ء لا يقبل إقراره به ، إلا فيمن أقر على نفسه بالرق فإنه يقبل مع جهالة نسبه ولا يقدر أن ينشئ في نفسه الرق. وعندهم المرأة تقر بالنكاح ولا تتمكن من إنشائه.

والقاضي المعزول إذا أقر بأن ما في يد الأمين تسلمه مني وهو لفلان فقال الأمين تسلمته منك لكنه لغير فلان قبل قول القاضي. وهذه بغاياتها عندهم ، فيقال رجل في يده مال (١) لا يقبل إقراره فيه ويقبل إقرار غير ذي اليد فيه.

ومسألة المرأة ممنوعة عندنا ، لأنها قادرة على الإنشاء ، ومسألة القاضي مشكلة.

قاعدة :

كل إقرار إنما يعمل فيه بالمتيقن ويطرح المشكوك ، كما لو أقر أنه وهبه وملكه ثمَّ أنكر القبض ، لإمكان توهمه إلا مع القرينة القوية ، كما لو أقر لمسجد أو حمل وأطلق فإنه يحمل على الممكن.

وكذا من أقر بدراهم وفسرها بالناقصة عن الشرعية إذا اتصل باللفظ ، وكذا

__________________

(١) في ك : رجل يقدر على مال.

٣٩٦

بالناقصة عن وزن البلد مع الاتصال.

مسألة :

لو أقر لغيره بمال أمكن تنزيله (١) على سبب يمنع من الرجوع كالبيع ، وعلى ما لا يمنع من الرجوع كالهبة ، فهل ينزل على المانع من الرجوع أو يستفسر (٢) ويقبل تفسيره تنزيلا على أقل السببين؟ ووجه الأول أصالة بقاء الملك للمقر الأول.

قاعدة :

كل من أنكر حقا لغيره ثمَّ رجع إلى الإقرار قبل منه ووقع ، الشك فيما لو ادعى عليها زوجية فقالت زوجني الولي بغير إذني وقد أبطلته ثمَّ رجعت إلى الإقرار وانقضت عدتي قبل الرجعة ثمَّ رجعت. وهنا أقوى في صحة الرجوع ، لأن الأصل عدم انقضاء المدة هنا والأصل هناك عدم النكاح.

قاعدة :

الاستثناء المستغرق باطل إجماعا ، واختلف فيما لو عطف بعض العدد على بعض ، أما في المستثنى أو في المستثنى منه هل يجمع بينهما حتى يكونا كالكلام الواحد كقوله علي درهم ودرهم إلا درهما.

وقال ابن الحداد من العامة : لا يجوز (٣) ، لأن الجملتين المعطوفتين تفردان

__________________

(١) في ص : تنزيله.

(٢) في ص : أو يسقر.

(٣) في ك : لا تجمع.

٣٩٧

بالحكم وإن لم يكن الواو للترتيب ، كما إذا قال لغير المدخول بها « أنت طالق وطالق » لا يقع إلا واحدة ، بخلاف طلاق اثنتين عندهم.

ويترفع على ذلك « له علي ثلاثة إلا درهمين ودرهما » وكذا « له علي درهمان ودرهم إلا درهما » و « له علي ثلاثة إلا درهما ودرهما ودرهما ».

قاعدة :

الاستثناء من النفي إثبات ، ويشكل عليه « والله لا أجامعك في السنة إلا مرة » فمضت السنة ولم يجامع أصلا ، فإن قضية القاعدة أنه يحنث ، لأنه يقتضي إثبات المرة فيجب الجماع مرة. ووجه عدم الحنث أن المقصود من اليمين أنه لا يزيد على الواحدة فيرجع ذلك إلى العرف بجعل « إلا » بمعنى غير.

ومنه لو قال « لا لبست ثوبا إلا الكتان » فقعد عاريا ، فعند العامة لا يلزمه كفارة. ويشكل عليهم بما ذكرناه.

وجوابه : أن « إلا » في الحلف (١) انتقلت عرفا إلى معنى الصفة ، مثل سوى وغير (٢) ، فكأنه قال « لا لبست ثوبا غير الكتان » فلا يكون الكتان محلوفا عليه فلا يضر تركه ولا لبسه.

ومنه لو قال « ليس له علي عشرة إلا خمسة » فإنه قيل لا يلزمه شي‌ء لأن النفي الأول توجه إلى مجموع المستثنى والمستثنى منه وذلك عشرة إلا خمسة وهي خمسة ، فكأنه قال ليس علي خمسة. ووجه اللزوم أن النفي بليس لم يتوجه إلا في العشرة ثمَّ الاستثناء بعد ذلك من النفي بليس فكان إثباتا للخمسة والتحقيق أنه إن نصب خمسة فلا شي‌ء وإن رفع فخمسة.

__________________

(١) في ص أن إلا في الجملة.

(٢) في ص : مثل قوله غير.

٣٩٨

قاعدة :

المطالبة بتفسير المبهم على الفور مأخوذ من امتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كمن أقر بمبهم إما ابتداء أو عقيب دعوى.

وفيه أوجه ، إذا امتنع من الفور الحبس حتى يجيب (١) وجعله ناكلا فيرد اليمين ، وإنه أن أقر بغصب مبهم وامتنع من بيانه حبس وإن أقر بدين مبهم جعل ناكلا ، وكذا اختيار ما زاد على أربع أو طلق مبهمة أو ادعى القاضي دينا لميت لا ولي له.

( التاسع ـ في أحكام متفرقة )

قاعدة :

في التعليقات (٢) بالأعيان ، وهي كثيرة وإن كان بعضها يشترك في قدر مشترك فالخصوصية (٣) يكفي في المباينة ، فمنها : تعلق الدين بالرهن وتعلق الزكاة بالنصاب والخلاف فيه مشهور ، وتعلق الأرش بالجاني خطأ وعمدا ، وتعلق حق البائع في المبيع فيحبسه حتى يستوفي الثمن ، وتعلق الدين بالتركة ، وتعلق المال المضمون بالأعيان المشروطة ، وتعلق الضمان بما يجب إحضاره من الأعيان.

ويشبهه الاستيثاق ، وهو في مواضع : توثق المرأة للصداق بمنع تسليمها نفسها حتى تقبض ، والمفوضة حتى يسمى لها مهرا ، وبالإشهاد على أداء الدين والقرض والعقود بأسرها وإن لم يكن الإشهاد واجبا ، والتوثق بحبس الجاني

__________________

(١) أي إذا امتنع عن الإقرار يحبس حتى يجيب.

(٢) في ك : في التعلقات.

(٣) في ص : بخصوصية.

٣٩٩

حتى يبلغ اليتيم أو يفيق المجنون على القول به ، ومثله التوثق للغائب حتى يقدم والتوثق بالحبس في موضعه على الحقوق ، وبالحيلولة بين المدعى عليه وبين العين بعد شهادة شاهدين مستورين حتى يزكيا في وجه ، ومثله حبس المدعى عليه إذا شهد مستوران بحد أو قصاص على احتمال ومثله التوثق بعزل نصيب الحمل إذا أريد قسمة التركة ويعزل قدر الدين لو مات المضمون عنه قبل الأجل.

قاعدة :

الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق ، كأقل الحيض وأكثره ، واعتبار المرة في الوضوء والمرتين (١) في غسل النجاسة ، ونصاب الزوجات ـ إلى صور كثيرة.

ولا ريب أن المسلم فيه أن ذكر سنة أو الوكيل إذا وكل في شراء عبد أو حيوان بسن مخصوص لا يشترط عدم زيادته عن تلك السن بقليل ، حتى لو شرط في السلم التحقيق عسر وجوده ، مضافا إلى تلك الصفات ، وفي جواز نقصان اليوم (٢) والأسبوع احتمال لصدق الاسم وعدم الالتفات إلى حد هذا النقص اليسير وكذلك سن مفارقة الولد في البيع (٣).

والأصح اعتبار التحقيق في أرطال الكر ، ومسافة القصر ، وسن البلوغ.

قاعدة :

قد تترتب أحكام على أسباب يمكن اعتبارها في الحال والمال ، فيقع كذلك

__________________

(١) في ص : واعتبار الوضوء في المرة.

(٢) في ك : وفي جواز نقضه باليوم.

(٣) في ك : في السبع.

٤٠٠