نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

لا به ، ولو كان أجرة فانفسخت لم يرجع المؤجر إلى تلك العين بل إلى بدله.

ولقائل أن يقول : هذا مبني على النقل والانتقال ، وفيه ما فيه ، إذ لا شي‌ء يشار إليه لأحدهما حتى ينقل. فإن عورض بأن المتشبثين لو تنازعا في عين وأقاما بينه يقضى لكل واحد منهما بما في يد صاحبه. أجيب بنقل الكلام إليه وأنه مبني على ترجيح الخارج وبأن يد كل واحد منهما موردها غير مورد يد الآخر فكأنه حكم بنزع يده وإثباتها على ما في يد الآخر.

فإن تخيل هذا فرقا وإلا منعنا حكم الأصل ، وقلنا على تقديم بنية الداخل لا إشكال وعلى تقدير تقديم الخارج هما متعارضان فتساقطا ، فاستقر يد كل واحد منهما على ما فيها.

قاعدة :

كلما جاز بيعه جازت هبته وبالعكس إلا في مسائل ، وهي قسمان :

( الأول ) فيما تجوز هبته ولا يصح بيعه ، وهي الآبق ، والمغصوب ، والضال وهبة الكلب إن منعنا من بيع ما عدا كلب الصيد ، ولحوم الأضاحي وجلودها إذا كان واجبة ، والثمرة المختلطة بعد البيع وقبل القبض ، وكذا اللقطة.

( الثاني ) ما يجوز بيعه ولا يجوز هبته ، وهو الموصوف في الذمة ، كالمسلم فيه فلا يصح ، وهبتك صاع حنطة موصوف ثمَّ يعينه ويقبضه ، والدين في ذمة الغير على خلاف فيه ، والمريض في ماله بثمن المثل ، وكذا مال المحجور عليه.

قاعدة :

الغرر لغة ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه قاله بعضهم ، ومنه قوله تعالى

٣٦١

« في مَتاعُ الْغُرُورِ » (١).

وشرعا هو جهل الحصول وأما المجهول فمعلوم الحصول مجهول الصفة وبينهما عموم وخصوص من وجه ، لوجود الغرر بدون الجهل في العبد الآبق إذا كان معلوما الصفة من قبل أو موصوفا الآن ، ووجود الجهل بدون الغرر كما في المكيل والموزون والمعدود إذا لم يعتبر.

وقد يتوغل في الجهالة كحجر لا يدري أذهب أم فضة أم نحاس أم صخر ويوجدان معا في العبد الآبق المجهول صفته فيتعلق الغرر.

والجهل تارة بالوجود كالعبد الآبق وتارة بالحصول كالعبد الآبق المعلوم وجوده والطير في الهواء ، وبالجنس بحيث لا يدرى ما هو كسلعة من سلع مختلفة ، وبالنوع كعبد من عبيد ، وبالقدر كالمكيال الذي لا يعرف قدره والبيع إلى مبلغ السهم والتعيين كثوب من ثوبين مختلفين وفي البقاء كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها عند بعض الأصحاب.

ولو شرط في العقد أن يبدو الصلاح لا محالة كان غررا عند الكل ، كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.

والغرر قد يكون مما له مدخل ظاهر في العوضين وهو ممتنع إجماعا ، وقد يكون مما يتسامح به لقلته كأس الجدار ووطن الحية (٢) ، وهو معفو عنه إجماعا وكذا اشتراط الحمل.

وقد يكون بينهما ، وهو محل الخلاف في مواضع الخلاف ، كالجزاف في مال التجارة (٣) والمضاربة والثمرة قبل بدو الصلاح والآبق بغير ضميمة.

__________________

(١) آل عمران : ١٨٥.

(٢) في ص وهامش ك : وقطن الحبة.

(٣) في ك : الإجارة.

٣٦٢

قاعدة :

النهي عن الغرر والجهالة كما جاء في الخبر من نهيه صلوات الله عليه عن الغرر وعن بيع المجهول في قضية كلام الأصحاب مختص بالمعاوضات المحضة كالبيع ، فهنا أقسام ثلاثة :

( الأول ) لصرف موجب لتنمية المال وتحصيلها بإزاء عوض محض مقصودا بالذات ، كالبيع بأقسامه والصلح على الأقوى والإجارة منفعة وعوضا على الأقرب. وهذا لا تجوز فيه الجهالة.

( الثاني ) إحسان محض لا قصد فيه إلى تنمية المال ولا تحصيل ربح ، كالصدقة والهبة والإبراء. وهذا لا تضر فيه الجهالة ، إذ لا ضرر في نقصه ولا في زيادته.

( الثالث ) تصرف الغرض الأهم فيه أمر وراء المعاوضات ، كالنكاح فإن المقصود فيه الذاتي هو الألفة والمودة وتحصيل التحصين عن القبائح وتكثير النسل ، ولكن قد جعل الشرع فيه عوضا لقوله تعالى « أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ » (١) « وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً » (٢) ، فبالنظر إلى الأول جاز تجريده عن المهر وجهالة قدره ، وبالنظر إلى الثاني امتنع فيه الغرر الكثير ، كالتزويج على عبد آبق غير معلوم أو بعير شارد غير معلوم.

ومن ثمَّ قال الأصحاب : لو تزوجها على خادم أو بيت كان لها وسط (٣) لقلة الغرر فيه. وكذلك الخلع يكفي في ماله المشاهدة ، لأن البضع ليس عوضا محضا ، ولهذا كان الغالب النزول عنه بغير عوض كالطلاق.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٤

(٢) سورة النساء : ٤.

(٣) في ص : أو بنت فإن لها وسط.

٣٦٣

فرع :

لو وهب (١) المجهول المطلق كشي‌ء ونحوه لم يصح ، وكذا لو وهبه دابة من دوابه أو درهما من كيسه (٢) من غير تعيين ، ولكن الجهالة في الكيل أو الوزن أو الوصف لا تضر.

قاعدة :

الاستثناء المجهول باطل ، فيبطل في المبيعات وسائر العقود ، كقوله [ بعتك الصبرة إلا جزءا منها. وفي صحيح مسلم عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الثنيا.

وربما جاءت في الإيقاعات ] (٣) كقوله عبيدي أحرار إلا واحدا أو أعطوه نخلي إلا نخلة ، ولو قال بعتك الصبرة إلا صاعا منها ، وهي متفرقة وأراد واحدا من المتفرقة ولم يعينه بطل البيع ، وكذا لو قال بعتك صاعا من الصبرة متفرقة لأنه غرر يسهل اجتنابه ، أو لأن العقد لم يجد موردا يحمل عليه.

وإن كانت الصبرة مجتمعة وقال بعتكها إلا صاعا منها فإن كانت مجهولة الصيعان (٤) بطل البيع ، لعدم معرفة قدر المبيع.

وكذا لو قال بعتك صاعا منها إن نزلناه على الإشاعة. والأصح إذا ظن اشتماله عليه وإن كانت معلومة فاستثنى منها عددا معينا صح قطعا.

واختلف في تنزيله ، فقيل هو بمثابة جزء من الجملة كالربع والعشر ، فلو

__________________

(١) في ص والقواعد : لو وهبه.

(٢) في ص وهامش ك : من كسبه.

(٣) ما بين القوسين ليس في ص.

(٤) الصيعان جمع الصاع كالتيجان جمع التاج.

٣٦٤

كانت الصرة أربع أصواع والربع وعلى هذا حتى إذا تلف منها شي‌ء يقسط بالحساب. وقيل بل المبيع جزء مشاع منها مقدر ، فلو لم يبق إلا صاع بقي المبيع فيه ، وعليه دل خبر بريد بن معاوية عن الصادق عليه‌السلام. والأول اختيار أكثر العامة.

قاعدة :

كل عقد بيع فإنه يثبت فيه خيار المجلس وإن كان بيع الولي من المولى عليه على الأقرب ، وكذا لو اشترى جمدا في الحر الشديد ، ووجه العدم تلفه بمضي الزمان.

قلنا : التلف لا يمنع من نفوذ الخيار ، ولو اشترى من يعتق عليه فكذلك. ويحتمل العدم لانعتاقه ففيم يفسخ. ويحتمل بناؤه على الملك في زمن الخيار للبائع ثبت الخيار قطعا ثمَّ ينعتق بافتراقهما ، وإن قلنا بالوقف فكذلك إلا أنا نتبين بالافتراق أنه عتق بالشراء وإن قلنا بملك المشتري فلا خيار [ له بل للبائع وحينئذ يتوقف الحكم بعتقه حتى يفترقا ثمَّ نتبين عتقه بالعقد. ويحتمل عتقه بالشراء ] (١) وحينئذ هل ينقطع خيار البائع نظر ، فإن قلنا ببقائه أغرم القيمة.

ولو اشترى العبد نفسه من سيده وجوزناه فلا خيار له ، لأنه كالكتابة ، وثبوته قوي وينزل على ما تقدم.

ولو اشترى من أقر بحريته كان فداء من جهته بيعا من جهة البائع فله الفسخ دون المشتري ، ويحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على صورة البيع.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

٣٦٥

قاعدة :

ينقسم الخيار بحسب الفور والتراخي إلى أنواع ثلاثة :

( الأول ) ما هو على التراخي ، كخيار العيب وخيار الاشتراط وخيار الحيوان وخيار التأخير وخيار المولى منها بين الصبر على الزوج وإلزامه بالفئة [ أو الطلاق ] (١) وخيار أحد الزوجين إذا طلق قبل الدخول وقد زادت العين زيادة متصلة أو نقصت بين أخذ نصف العين أو نصف القيمة في صورة النقيصة للزوج وبين دفع [ نصف ] (٢) العين أو نصف القيمة للزوجة في صورة الزيادة ، وخيار ولي الدم بين العفو أو القصاص وبين أخذ الدية والعفو ، وخيار الأمة إذا كانت تحت عبد وأسلمت وهو كافر ثمَّ عتقت في العدة وكذا لو أسلم الزوج وهي كافرة ثمَّ عتقت في العدة ، وخيار المستأجر إذا تعيب العين المستأجرة ، وخيار المرأة عند إعسار الزوج بالنفقة ، وخيار الفسخ عند التخالف إن قلنا بعدم الانفساخ به ، وخيار التصرية (٣) على الأقرب [ إلى ثلاثة أيام ، وخيار الفسخ بالعنة إلا بعد السنة ، وخيار المسلم فيه ] (٤) ، وعند انقطاع المسلم فيه على احتمال.

( الثاني ) ما هو على الفور كخيار الغبن ، وخيار التدليس في البيع والنكاح وخيار العيب في الزوجين إلا العنة. وفي التحقيق هو على الفور ، لأن محله بعد الثبوت ولا يكون إلا بعد انقضاء السنة ، والأخذ بالشفعة على الأقوى ، وعتق الأمة تحت عبد أو حر على المشهور إلا فيما ذكر ، وخيار الرؤية وتفريق الصفقة

__________________

(١) ليس في ص.

(٢) ليس في ك والقواعد.

(٣) التصرية : هي ترك اللبن في الضرع حتى يمتلأ ليراه المشتري كثيرا فيزيد في الثمن وهو لا يعلم.

(٤) ما بين القوسين ليس في ص.

٣٦٦

وتجديد الشركة.

( الثالث ) ما فيه إشكال ، وهو خيار البائع في عين ماله بإفلاس المشتري ، وخيار التلقي. والأقرب الفورية فيهما.

قاعدة :

كل خيار في عقد فإنه يزلزله ، وهل يلحق أحكام العقد به حتى يجعل مدة الخيار كابتداء العقد؟ ظاهر كلام الشيخ ذلك ، وهو من فروع وقت الانتقال ، فمن قال بانقضاء الخيار فالعقد غير مستقل ولهذا جاز الفسخ ، ومن قال بالعقد فقد تمَّ بالإيجاب والقبول. وتظهر الفائدة في أمور :

( الأول ) لو زاد الثمن أو نقص أو في الأجل أو في مشترط الخيار اعتبر ذلك حتى على الشفيع وله.

( الثاني ) لو اقترن بالعقد شرط مفسد ثمَّ حذفاه (١) في المجلس ، فيه الوجهان والأقرب عدم الصحة بحذفه.

( الثالث ) لو لم يعينا أجلا في السلم وعيناه في المجلس فيه الوجهان.

( الرابع ) لو باع الوكيل فحضر من يزيد في المجلس ، فإن جعلنا الخيار كابتداء العقد انفسخ بنفسه وإلا وجب على الوكيل الفسخ ، فإن لم يفسخ احتمل قويا الانفساخ لأنه تصرف على خلاف مصلحة الموكل ، وكذا في خيار الشرط.

( الخامس ) لو دفع الغابن التفاوت ، فيه الوجهان.

( السادس ) لو أسلم إليه ما في ذمته إلى أجل فالأقوى البطلان. ولو كان حالا فإن لم يقبض المسلم فيه قبل التفرق بطل ، لأنه بيع دين بدين ، وإن قبضه في

__________________

(١) في ص : ثمَّ جدداه.

٣٦٧

المجلس فإن قلنا كالعقد صح فكأنهما عقداه بعد القبض ، وإلا احتمل البطلان ، لأنه من القواعد المقررة أن قبض المسلم فيه ليس بشرط في المجلس ، فالعقد قد وقع على المسلم فهو دين بدين بطل ، فلا ينقلب صحيحا بالقبض في المجلس.

ومثله بيع عين موصوفة بصفات السلم هل يشترط قبض ثمنها في المجلس أو يكفي قبض العين الموصوفة أو يبطل من أصله ، وكذا لو باع الربوي بمثله موصوفين من غير أجل هل يبطل أو يصح مطلقا أو يراعى القبض في المجلس لهما جميعا أو لأحدهما. صرح متأخرو الأصحاب أنه لا يشترط التقابض في المجلس إلا في الصرف ، فحينئذ يزول بيع الدين بالدين بقبض إحداهما.

قاعدة :

المصالح على ثلاثة أقسام : ضرورية كنفقة الإنسان على نفسه ، وخاصة (١) كنفقته على زوجته ، وتمامية كنفقته على أقاربه لأنها تتمة مكارم الأخلاق.

والأولى مقدمة على الثانية ، كما أن الثانية مقدمة على الثالثة.

والسلم من التمامية لأنه من تمام المعاش ، وكذلك المزارعة والمساقاة والمضاربة.

وبيع الغائب إنما اشترط فيه قبض الثمن المجلس حذرا من بيع الكالي بالكالي ، أي أن البائع والمشتري كلا منهما يكلأ صاحبه ، أي يراقبه لأجل ماله عليه ، فيكون اسم فاعل للمتعاقدين. ويجوز أن يكون اسما للدين ، لأن المدين يحفظ صاحبه عند الفلس عن الضياع ، وعلى هذا هو اسم فاعل للدين. ويجوز أن يكون اسم مفعول ، كالدافق. وعلى التفسيرين الأخيرين لا حذف في الكلام وعلى التفسير الأول في الكلام إضمار تقديره بيع مال الكالئ بمال الكالئ ،

__________________

(١) في ص والقواعد : وحاجية.

٣٦٨

لاستحالة ورود البيع على العاقدين وعلى كل تقدير ، فهو مجاز من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يئول إليه ، لأن حال العقد ليس هناك كالي.

ومن فسر بيع الكالي بالكالي ببيع دين في ذمة واحد بدين للمشتري في ذمة آخر ، فهو حقيقة لحصولهما حال العقد.

ولا بد كون المسلم فيه قابلا للنقل حتى يكون في الذمة ، فلا يجوز السلم في الدار والعقار.

قاعدة :

كل ما يكال ويوزن ذهب كثير من الأصحاب إلى تحريم بيعه قبل قبضه ، وخصه بعضهم بالطعام ، لما ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه (١).

وقد جاءت في ذلك أحاديث كثيرة عامة ، والعموم لا يخصص بذكر بعضه ولا يمكن هنا أن يكون من باب حمل المطلق على المقيد ، لما تقدم من أن الحمل إنما هو في الكلي لا الكل ، بل العمدة في ذلك قضية الأصل من أن الملك مسلط على التصرف بأنواعه خرج عنه الطعام أو المكيل والموزون فيبقى ما عداه على الأصل.

ولم أقف على قائل من الأصحاب بالإطلاق ، وعلله العامة بضعف الملك قبل القبض ، لأنه لو تلف انفسخ البيع ويتوالى الضمانين في شي‌ء واحد ، فإنه يكون مضمونا على البائع الأول للمشتري وعلى المشتري للمشتري الثاني ، وبأنه إن لم يقبضه كان من ضمان البائع ، وقد حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم

__________________

(١) أخرجه البخاري في صحيحه في « باب بيع الطعام قبل القبض » من أبواب كتاب البيوع.

٣٦٩

ربح ما لم يضمن (١) في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وقد استثنى المانعون صورا يجوز بيعها قبل القبض ، كالأمانات لتمام الملك وعدم ضمانها على من هي في يده ، والمملوك بالإرث إلا أن يكون المورث اشتراه ولم يقبضه. ولو اشترى من أبيه فمات قبل قبضه وهو وارث جميع ماله جاز بيعه قبل قبضه ، لأنه بحكم المقبوض.

ورزق الجند إذا عينه لواحد ، والظاهر أن لا يملك إلا بالقبض ، وسهم الغنيمة بعد الإفراز إن قلنا بالملك الحقيقي ، وكذا لو انحصر الغانمون فباع قدر نصيبه المعلوم إن قلنا تملك الغنيمة بالاستيلاء وإن لم تقسم ، والوصية وغلة الوقف والموهوب إذا رجع فيه.

وأما الصيد فإن إثباته في الحبالة وشبهها قبض حكمي ، وكذا يصح بيع المقبوض مع الغير وهو مضمون عليه ، كالعارية مع اشتراط الضمان والمستام ، والشراء الفاسد ورأس مال السلم لو فسخ المسلم لانقطاعه ، وكذا إذا فسخ البائع لإفلاس المشتري ولما يقبض.

أما المضمون بعقد معاوضة كالبيع والصلح وثمن المبيع المعين والأجرة والعوض في الهبة ، فإنه ممنوع عند العامة إلا في بيعه من البائع ، فإن فيه وجها ضعيفا بالجواز مبنيا على أن علة البطلان توالي الضمانين ، إذ لا توالي هنا. ومنهم من قال الخلاف مختص بغير جنس الثمن أو به بزيادة أو نقصان ، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع.

وظاهر الأصحاب أمران :

أحدهما ـ أن هذا الحكم مختص بالبيع في طرف المبيع أولا ثمَّ بالبيع

__________________

(١) التهذيب : ٧ / ٢٣٠ ، ١٣١.

٣٧٠

ثانيا ، فلو ملكه بغير بيع ولم يقبضه صح ، ولو ملكه ببيع ثمَّ عاوض عليه بغير البيع كالصلح والإجارة والكتابة صح ، إلا الشيخ في المبسوط فإنه منع الإجارة والكتابة.

الأمر الثاني ـ أن غير المكيل والموزون لا حجر فيه على حال إلا ما ذكره الشيخ في الكتابة ، فسقطت هذه التعريفات على ذلك. وكذا ما ملك بالإقالة أو القسمة لأنهما ليستا بيعا عندنا وبالإصداق والشفعة.

أما ثمن المبيع المعين فيمكن انسحاب الخلاف فيه ، لأن كل واحد منهما في معنى البيع (١) والثمن هو النقد (٢) إن كان هناك نقد وإلا فما اتصلت به الباء وقيل هو ما اتصلت به الباء مطلقا ، وهو قوي ، وقيل النقد مطلقا.

فائدة :

لو تصرف المشتري فيما اشتراه قبل قبضه فإن كان مكيلا أو موزونا وقلنا بالمنع فإن تصرف بالبيع فهو باطل لتحقق النهي عنه ، لمصلحة لا تتم إلا بإبطاله وبغيره صحيح. وفي المختلف أنه لا يلزم من النهي هنا البطلان ، وفي رواية يختص التحريم على من يبيعه بربح ، أما التولية فلا ، أما التصرف فيه بغير البيع كالعتق والوقف والإصداق والرهن والإقراض والصدقة والتزويج فجائز.

فائدتان :

( الأولى ) الفرق بين الماء المطلق ومطلق الماء والبيع المطلق ومطلق البيع :

__________________

(١) في ك والقواعد : في معنى البائع.

(٢) في هامش ك : والثمن هو النقل.

٣٧١

أن البيع المطلق هو البيع العام قضية للام الجنسية ، ووصفه بالإطلاق يفيد أنه لم يقيد بما ينافي العموم من شرط أو صفة أو غير ذلك من لواحق العموم كالاستثناء ومطلق البيع هو القدر المشترك بين أفراد البيع ، وهو مسمى البيع الصادق بفرد من أفراده ، ثمَّ أضيف إلى البيع للتمييز عن باقي المطلقات لمطلق (١) الإجارة ومطلق النكاح ومطلق جميع الحقائق ، فالإضافة للتمييز فقط.

فعلى هذا يصدق أن مطلق البيع حلال إجماعا ولا يصدق أن البيع المطلق حلال إجماعا ، لأن بعض أفراده حرام إجماعا.

ويصدق زيد له مطلق المال ولا يصدق أن له المال المطلق وفي هذا نظر بين.

( الثانية ) ارتفاع الواقع لا ريب في امتناعه ، وقد يقال في فسخ العقد عند التحالف هل الفسخ من أصله أو من حينه؟ ويترتب على ذلك النماء ، فيرد هنا سؤال ، وهو : أن العقد واقع بالضرورة في الزمان الماضي ، وإخراج ما يضمه الزمان الماضي من الوقوع محال.

فإن قلت : المراد رفع آثاره دونه.

قلت : الآثار أيضا من جملة الواقع وقد تضمنها الزمان الماضي ، فيكون رفعها محالا.

وأجيب عن ذلك : بأن هذا من باب إعطاء الموجود حكم المعدوم ، ومن هذا الباب تأثير إبطال النية في أثناء العبادة بالنسبة إلى ما مضى في نحو الصلاة والصيام على الخلاف ، فإنه تضمن رفع الواقع.

ويجاب عنه : بأنه من باب تقدير الموجود كالمعدوم كما قلناه.

وعورض : بأنه لو صح تأثر هذا العزم هنا لأثر في نية إبطال ما تقدم من

__________________

(١) في ص وهامش ك : كمطلق الإجارة.

٣٧٢

الأعمال الصالحة من أول عمره إلى آخره ، فيصير هنا في تقدير غير الواقع ، ولكان يلزم منه (١) صحة القصد إلى إبطال الأعمال القبيحة كلها ، إذ لا دليل على اعتبار العزم المتجدد فيما ذكرتم بالخصوص ، ولا فارق (٢).

قال بعض العامة : وهذا متجه لم أجد له دافعا.

والجواب : أن الفرق واقع بين العزم في أثناء العبادة وبينه بعدها ، لأن الصلاة والصوم مثلا لا يعد كل جزء منها عبادة إلا عند الإتيان بالمجموع ، والنية كما هي شرط في مجموعها شرط في أجزائها ، فإذا وقع العزم على إبطال أو العزم على ما ينافيها بقي الجزء الواقع في تلك الحال وما بعدها بغير نية فيبطل في نفسه ويبطل. فاشتراط كل منهما بصاحبه اشتراط معية (٣) ، فيصير ما مضى وإن كان واقعا في تقدير غير واقع. أو نقول : بطل ما مضى كما يبطل الحدث الصلاة والإفطار الصوم.

قيل : ولا يخلو باب من أبواب الفقه عن التقدير.

( الثاني (٤) في الديون )

قاعدة :

القرض عقد صحيح مستقل ، وعند بعض العامة هو بيع يخالف الأصول في ثلاثة أوجه : عدم القبض في المجلس في قرض النقد ، وسلف المعلوم في المجهول إن قلنا بضمان المثل في القيمي ، وبيع ما ليس عنده في المثليات.

__________________

(١) في ص : يلزم من صحة.

(٢) في ص : ولا فرق.

(٣) في هامش ك : نفيه.

(٤) أي الفصل الثاني.

٣٧٣

واحتمل هذه المخالفات تحصيلا لمصلحة المعروف إلى العباد ، ومن ثمَّ امتنع إذا جر نفعا إلى المقرض ، لخروجه عن إسداء (١) المعروف.

قاعدة :

كل دين حال لا يتأجل إلا في صور :

منها : اشتراط أجله في لازم.

ومنها : الإيصاء بتأجيله ، كما يصح الإيصاء بإسقاطه.

ومنها : إذا ضمن الحال مؤجلا إلى مدة أو رهنه على دين وشرط بيعه واستيفاء ثمنه بعد مدة. وليس هذا من المشروط في اللازم ، إذ لا لزوم للرهن من جهة المرتهن.

ومنها : إذا نذر عند شرط أو تبرعا أن لا يقبض دينه من فلان إلا بعد مدة معينة وهذا ينحل إذا دفع المديون قبلها.

قاعدة :

الأجل قسمان :

( أحدهما ) ما قدر بأصل الشرع ، وهو : البلوغ ، والحمل ، والرضاع ، ومدة الصلاحية للحيض ابتداء وانتهاء ، والعدة ، والاستبراء ، والهدية في بعض الصور ، وحول الزكاة ، والمكاسب في الخمس ، واللقطة ، وخيار التصرية ، ومدة مقام المسافر ، ومدة السفر الذي يكون مسافة ، وأقل الحيض وأكثره ، وأكثر

__________________

(١) الإسداء : الإعطاء ، ومنه ( من أسدى إليكم معروفا فكافئوه ) أي من أعطاكم معروفا فكافئوه. وفي هامش القواعد : ( اسم ) بدل ( إسداء )

٣٧٤

النفاس ، وأقل الطهر ، واستبراء الجلالة ، ومدة وطء الزوجة ، والإيلاء والظهار والعنة ، وانتظار السن والعقد ، واستتابة المرتد ، وثمن الشفيع ، والبينة ، وتغريب الزاني ، وتخصص البكر والثيب ، ومطلق القسم ، واستيفاء دية العمد والخطأ والشبيه ، ومدة قضاء رمضان وأشهر الحج وصوم الكفارات وصوم شهر رمضان ومطلق الصوم ، ومدة الحضانة وطلب المفقود.

( الثاني ) ما قدره المكلفون ، وهو أقسام :

الأول : ما يصح ولا يجب ، ويشترط علمه ، وهو أجل ثمن المبيع والرهن والضمان والتقدير فيها (١) للإيفاء (٢) والصداق والسكنى والحبيس (٣).

الثاني : ما يجب ويشترط تقديره ، وهو أجل المتعة والكتابة والسلم على خلاف والإجارة الزمانية والمزارعة والمساقاة.

الثالث : ما لا يصح ، وهو النسيئة في الربوي والدين بمثله والقرض وتأجيل الانتقال في الأعيان مثل بعتك الدار سنة.

الرابع : ما لا يدخل الأجل فيه ، فإن ذكر فيه مجهولا لم يؤثر وإن علم أثر ، وهو في الوكالة والشركة والمضاربة.

الخامس : ما يصح معلوما ومجهولا ، وهو التقدير (٤) في الجزية والعارية والوديعة والجزية خاصة للاختصاص بالرجال دون النساء.

__________________

(١) في ص : فيهما

(٢) ليس ( للإيفاء ) في ص.

(٣) في هامش ك : والحبس.

(٤) في هامش النسختين : وهو التقرير.

٣٧٥

قاعدة :

التوقيت بالألفاظ المشتركة ولا قرينة ، كربيع وجمادى والنفر (١) وأول الشهر وآخره والخميس والعيد ، فإن قرينة الحال تحمله على الأول ، فيلزم (٢). وقيل بالبطلان استضعافا للقرينة.

ويقرب منه التعليق على ما في حيز الامتناع ظاهر أو بضرب من التأويل يصير ممكنا ، كما لو علق الظهار على حيضهما حيضة ، فظاهره يقتضي صدور الحيضة منهما وهو ممتنع ، فيكون تعليقا على الممتنع فلا يقع. وتأويلها إن حاضت كل منكما حيضة مثل قولهم كسانا الأمير جبة ، أي كل واحد واحدة.

( الثالث ـ الرهن )

قاعدة :

كل ما صح بيعه صح رهنه وما لا فلا.

وقد يتصور ما يصح بيعه ولا يصح رهنه ، وهو الدين والمنفعة عند الشيخ حيث حكم بأن الإجارة بيع في بعض المواضع من المبسوط والآبق وما يصح رهنه ولا يصح بيعه ، وهو الطعام المشترى قبل قبضه عند الشيخ.

قاعدة :

كل رهن فإنه غير مضمون إلا في مواضع ضابطها التعدي والتفريط اللاحق أو الضمان السابق إن قلنا إن الرهن لا يزيله.

__________________

(١) في هامش ك : والشهر ( بدل ) والنفر.

(٢) في هامش ك : فيلزمه.

٣٧٦

قاعدة :

كلما جاز الرهن عليه جاز ضمانه ، وكلما لا يجوز الرهن عليه لا يصح ضمانه إلا في ضمان الدرك لأنه لو رهن عليه فالغالب أن المبيع لا يخرج مستحقا فيتأبد الرهن وهو غير جائز.

وفيه نظر ، لأن التأبيد غير مقصود وإنما هو عارض ، وكثير من الرهون يتأخر فيها وفاء الدين طويلا ، ولا يقدح ذلك فيه. على أن هذا التأبيد غير لازم ، لجواز فسخ المرتهن واستبدالهما رهنا مكانه أو ضمينا.

ويمكن أن يقال : إذا مضى مدة حصل فيها اليأس من الخروج مستحقا انفك الرهن.

( الرابع الحجر )

قاعدة :

حجر الصغير والمجنون للنقص ، وحجر المفلس للحفظ للغرماء لا للنقص ، وكذا حجر العبد للحفظ على السيد ، وحجر السفيه متردد بين الأمرين هل هو لنقصه أو لحفظ ماله؟ فإن قلنا لنقصه سلبت عباراته أصلا ورأسا وإلا سلب استقلاله وهو الوجه.

فعلى هذا يصح أن يتوكل لغيره ، وإن يباشر عقود نفسه بإذن وليه ، ويقبل إقراره بما لا يوجب مالا.

ويقتصر الحجر عليه إلى حكم الحاكم ولا يفتقر في زواله إلى حكمه ، وقيل يتوقف فيهما ، وقيل يثبت بغير حكمه ولا ينتفي إلا بحكمه.

٣٧٧

قاعدة :

الحجر على الصبي والسفيه لا يؤثر في الأسباب الفعلية كالاحتطاب والاحتشاش فيملكان بهما (١) ، بخلاف الأسباب القولية كالبيع وغيره ، لأن الأسباب الفعلية فوائد محضة غالبا بخلاف القولية فإنها من باب المكايسة (٢) والمغابنة وعقلهما قاصر عن ذلك.

وعلى هذا لو وطئ السفيه أمة فأحبلها صارت أم ولد ويكون وطؤه مباحا وإن استعقب العتق. ولو أعتقها باللفظ لم يصح ، لأن الطبع وتحصين الفرج يدعوه إلى الوطء فلا يمنعه خوفا من نقص الثمن أو البدن ، فإذا أبيح الوطء ترتب عليه سببه.

ولهذا قيل السبب الفعلي أقوى لنفوذه من السفيه بخلاف القولي ، وقيل بل القولي أقوى لأن مسببها يتعقبها بلا فصل كما في العتق بخلاف الفعلي.

قاعدة :

هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه أو يكتفى بنفي المفسدة؟

يحتمل الأول ، لأنه منصوب لها ، وأصالة (٣) بقاء الملك على حاله ، ولأن النقل والانتقال لا بد لهما من غاية والعدميات لا تكاد تقع لها غاية.

وعلى هذا هل يتحرى الأصلح أو يكتفى بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان.

__________________

(١) في ك والقواعد : فيما كان بهما.

(٢) المكايسة : والمماكسة والمداقة في المعاملة.

(٣) في ص وهامش ك : ولأصالة.

٣٧٨

نعم لمثل ما قلناه فلا لأن ذلك لا يتناهى. وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح.

ويترتب على ذلك أخذ الولي بالشفعة للمولى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة وتزويج المجنون حيث لا مفسدة وغير ذلك.

قاعدة :

الذمة معنى مقدر في المكلف قابل للإلزام والالتزام ، فلا ذمة للصبي وللسفيه ذمة الإلزام والالتزام بنحو البيع والضمان والحوالة والصداق إلا أن يكون عقد السفيه عن إذن الولي أو يكون للصبي مال عند النكاح إن قلنا يتعلق بذمته وإن قلنا يتعلق بماله وكذا ما أتلف فلا ذمة له أصلا.

ولكن يشكل بالإتلاف من الصبي حال عدم ماله ، فإنه لم يؤخذ منه حتى صار له مال ، فلا بد من متعلق.

ويمكن أن يقال : المتعلق هنا مقدر ، بمعنى أنه إذا بلغ وجب عليه الغرم أو وليه قبل بلوغه ، وأما أهلية التصرف فمغايرة للذمة ، لأن المعنى بها قبول يقدره الشارع في المحل ، ولا يشترط فيه سوى البلوغ.

ومن جعل للمميز تصرفا اكتفى بالتمييز.

ولا يشترط في الأهلية ملك المتصرف فيه ، لأن عقد الفضولي صادر من أهله غاية ما في الباب أن ذلك شرط في اللزوم. والحاصل أنه لا يشترط في الأهلية التذمم ، فإن الوصي والوكيل والحاكم وأمينه لهم أهلية ولا يتعلق بذمتهم (١) شي‌ء ، وكذلك ولي النكاح أهل للعقد على المولى عليه والنكاح لا يتصور ثبوته

__________________

(١) في بعض النسخ : بذممهم.

٣٧٩

في الذمة.

والظاهر أن الذمة وأهلية التصرف من خطاب الوضع من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود ، وذلك لأنه لا شي‌ء قائم بالمحل من الصفات الموجودة كاللون والطعم ، وإنما هو نسبة مخصوصة يقدرها صاحب الشرع موجودة عند سببها كما يقدر الملك في العتق عن الغير ، ولذلك تذهب هذه التقادير بذهاب أسبابها وتثبت بثبوتها.

ويجوز أن يقدر من خطاب التكليف ، لأن معناهما إباحة التصرف بالإلزام والالتزام.

( الخامس ـ الإجارة )

قاعدة :

مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة ، لأن المنافع معدومة. وقيل المورد نفس المنفعة ، لأن المعقود عليه ما صح استيفاؤه بالعقد وتسلط العاقد على التصرف فيه وذلك هو المنفعة.

ولا يجوز إجازة المرهون مع المرتهن (١) وارتهان المستأجر العين المستأجرة من المؤجر ، فلو كان مورد الإجارة العين لزم أن يتوارد على عين واحدة عقدان لازمان وأنه محال (٢).

قيل : وتظهر الفائدة في إجارة الحلي بجنسه ، ولا نظر إلى الزيادة والنقيصة إن جعلنا المورد المنفعة وإن جعلناه العين امتنع.

__________________

(١) في ك : من المرتهن

(٢) في ص : وهو محال.

٣٨٠