نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

والمطلع على ما بطن من الغيوب وينبغي أن يقرن بين هذين الاسمين أيضا.

و « البر » هو العطوف على العباد الذي عم بره جميع خلقه يبر المحسن بتضعيف الثواب والمسي‌ء بالعفو عن العقاب وبقبول التوبة.

و « ذو الجلال والإكرام » أي العظمة أو الغناء المطلق والفضل العام.

و « المقسط » العادل الذي لا يجور.

و « الجامع » الذي يجمع الخلائق ليوم القيامة ، أو الجامع للمتباينات والمؤلف بين المتضادات ، أو الجامع لأوصاف الحمد والثناء.

و « المانع » أي يمنع أولياءه ويحوطهم وينصرهم من المنعة ، أو يمنع من يستحق المنع للحكمة في منعه واشتقاقه من المنع ، أي الحرمان ، لأن منعه سبحانه حكمة وعطاءه جود ورحمة ، أو الذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة للحفظ.

و « الضار النافع » أي خالق ما يضر وينفع.

و « النور » المنور مخلوقاته بالوجود والكواكب والشمس والقمر واقتباس النار ، أو نور الوجود بالملائكة والأنبياء ، أو دبر الخلائق بتدبيره.

و « البديع » هو الذي فطر الخلائق مبتدعا لا على مثال سبق (١).

و « الوارث » هو الباقي بعد فناء الخلق ويرجع إليه الأملاك بعد فناء الملاك.

و « الرشيد » الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم ، أو ذو الرشد وهو الحكمة لاستقامة تدبيره ، أو الذي تنساق تدبيراته إلى غاياتها.

و « الصبور » الذي لا يعاجل بعقوبة العصاة لاستغنائه عن التسرع ، إذ لا

__________________

(١) في ص : على مثل سبق.

٣٢١

يخاف الفوت.

و « الهادي » لعباده إلى معرفته بغير واسطة أو بواسطة ما خلقه من الأدلة على معرفته ، أو هدي كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في معاشه ومعاده.

و « الباقي » هو الموجود الواجب وجوده لذاته أزلا وأبدا.

و « الصابر » هو الذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه.

ورد في الكتاب العزيز في الأسماء الحسنى « الرب » وهو في الأصل بمعنى الربية ، وهو تبليغ الشي‌ء إلى كماله شيئا فشيئا ، ثمَّ وصف به للمبالغة كالقيوم والعدل. وقيل هو نعت من ربه يربه فهو رب ، ثمَّ سمي به المالك لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه ، ولا يطلق على غير الله سبحانه إلا مضافا كقولنا « رب الضيعة » ومنه قوله تعالى « ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ » (١).

و « المولى » وهو الناصر والأولى بمخلوقاته والمتولي لأمورهم.

و « النصير » مبالغة في الناصر.

و « المحيط » أي الشامل علمه.

و « الفاطر » أي المبتدع ، من الفطر وهو الشق ، كأنه شق العدم بإخراجنا منه.

و « العلام » مبالغة في العلم.

و « الكافي » أي يكفي عباده جميع مهامهم (٢) ويدفع عنهم مؤذياتهم.

وذو الطول ، أي الفضل بترك العقاب المستحق عاجلا وآجلا لغير الكافر.

و « ذو المعارج » ذو الدرجات التي هي مصاعد الكلم الطيب والعمل

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٠.

(٢) في ص : مهماتهم.

٣٢٢

الصالح ، أو التي يترقى فيها المؤمنون أو في الجنة.

قاعدة (١) :

هذه الأسماء والصفات عندنا وعند المعتزلة ترجع إلى الذات ، وذلك لأن مرجع هذه إلى الذات والحياة والقدرة والعلم والإرادة والسميع والبصير والكلام ، والأربعة الأخيرة ترجع إلى العلم والقدرة ، والعلم والقدرة كافيان في الحياة ، والعلم والقدرة نفس الذات ، فرجعت جميعها إلى الذات إما مستقلة أو إليها مع السبب (٢) أو الإضافة أو هما أو إليهما مع واحدة من الصفات الاعتبارية المذكورة أو إلى صفة مع إضافة أو إلى صفة مع زيادة إضافة أو إلى صفة مع فعل وإضافة أو إلى صفة فعل أو إلى صفة فعل مع إضافة زائدة ، فالأول « الله » ويقرب منه « الحق » ، والثاني مثل القدوس والسلام والغني والأحد ، والثالث كالعلي والعظيم والأول والآخر ، والرابع كالملك والعزيز ، والخامس كالعليم والقدير ، والسادس كالحليم والخبير والشهيد والمحصي ، والسابع كالقوي والمتين ، والثامن كالرحمن والرحيم والرءوف والودود ، والتاسع كالخالق والبارئ والمصور ، والعاشر كالمجيد والكريم واللطيف.

فائدة :

هذه كلها ورد بها السمع ، ولا شي‌ء منها يوهم نقصا ، فلذلك جاز إطلاقها على الله تعالى إجماعا. أما ما عداها فينقسم أقساما ثلاثة :

__________________

(١) في ك : فائدة.

(٢) في ك : مع السلب ـ أو إليها.

٣٢٣

( الأول ) ما لم يرد به السمع ويوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا ، نحو العارف والعاقل والفطن والذكي ، لأن المعرفة قد يشعر بسبق فكره ، والعقل هو المنع عما لا يليق ، والفطنة والذكاء يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك.

وكذا المتواضع ، لأنه يوهم المذلة ، والعلامة فإنه يوهم التأنيث ، والداري لأنه يوهم تقدم الشك.

وما جاء في الدعاء من قولهم « لا يعلم ولا يدري ما هو إلا هو » يوهم جواز هذا فيكون مرادفا للعلم.

( الثاني ) ما ورد به السمع ولكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص ، كما في قوله تعالى « وَمَكَرَ اللهُ » (١) وقوله تعالى « اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ » (٢) فلا يجوز أن يقال عليه يا مستهزئ أو يا ماكر أو يحلف به.

وكذا منع بعضهم أن يقال « اللهم امكر بفلان » وقد ورد هذا في دعوات المصباح ، أما ، اللهم استهزئ به ، أو « لا تستهزئ بي » ففيه الكلام.

( الثالث ) ما خلا عن الإبهام إلا أنه لم يرد به السمع ، مثل السخي والنجي والأريحي (٣) ، ومنه السيد عند بعضهم ، وقد جاء في الدعاء كثيرا ، وورد أيضا في بعض الأحاديث « قال السيد الكريم » ، والأولى التوقف عما لم يثبت التسمية به وإن جاز أن يطلق معناه عليه إذا لم يكن فيه إبهام. وضابط الحلف بالأسماء

__________________

(١) سورة آل عمران : ٥٤.

(٢) سورة البقرة : ١٥.

(٣) الأريحي بفتح الأول وسكون الراء وفتح الياء وكسر الحاء : الواسع الخلق والذي يرتاح للعطاء.

٣٢٤

الاختصاص أو الاشتراك مع أغلبية الإطلاق عليه تعالى.

فائدة :

« أل » في قولنا « القدير » و « العليم » و « الرحمن » و « الرحيم » يمكن أن يكون للعهد لأن كل مخاطب يعهد هذا المدلول ، ويمكن أن يكون للكمال ، مثل قولهم « زيد الرجل » أي الكامل في الرجولية ـ قاله سيبويه.

فعلى هذا « الرحمن » الكامل في الرحمة ، و « العليم » الكامل في العلم. ولا بد في الأيمان كلها من القصد عندنا وإن كانت بلفظ صريح.

فائدة :

لو قال « واسم الله » فالأقرب عدم الانعقاد ، لأن الاسم مغاير للمسمى على الصحيح. ومن قال بأن الاسم هو المسمى لزمه الانعقاد ، فكأنه حلف بالله.

قيل : وموضع الخلاف هو في المركب من أس م ، لا في مثل قولنا « حجر نار » و « ذهب فضة » وغيرها من الأسماء ، إذ لا يقال لفظ « الحجر » هو عين الحجر حتى يؤذي من تلفظ به أو لفظ « النار » هو عين النار حتى يحترق من تكلم به.

وفي التحقيق لفظ « اسم » هو موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ لا معنى.

والظاهر أن الخلاف ليس مقصورا على لفظ « اسم » بل مطرد ولكنه يرجع إلى الخلاف في العبارة ، وذلك لأن الاسم إن أريد به اللفظ فغير المسمى قطعا لأنه يتألف من أصوات مقطعة مثالية وتختلف باختلاف الأمم والأعصار ويتعدد تارة ويتحد أخرى ، والمسمى ليس كذلك. وإن أريد بالاسم الذات فهو المسمى

٣٢٥

لكنه لم يشتهر في هذا المعني ، إلا أن يكون من ذلك قوله تعالى « تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ » (١) وهو غير متعين (٢) ، لجواز إطلاق التنزيه على الألفاظ الدالة على الذات المقدسة كما تنزه الذات. وإن أريد بالاسم الصفة ينقسم إلى ما هو المسمى وإلى غيره.

قاعدة (٣) :

كل يمين خولف مقتضاها نسيا أو جهلا أو إكراها فلا حنث فيها ، لظاهر رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، ولأن البعث والزجر المقصودين من اليمين إنما يكونان مع ذكر اليمين. ضرورة أن كل حالف إنما قصد بعثه أو زجره باليمين ، وذلك إنما يكون عند ذكرها وذكر المحلوف عليه حتى يكون تركه لأجل اليمين ، وهذا لا يتصور إلا مع القصد إليها والمعرفة بها ، فإذا جهل اليمين في صورة النسيان أو المحلوف عليه في صورة الجهل لم يوجد المقصود من اليمين وهو الترك لأجلها مخرجا عن اليمين ، إذ لا يقصده حالف من الناس ، لامتناع حال الجهل والنسيان.

وكذا حال الإكراه ، بل أولى ، لأن الداعية حال الإكراه ليست للفاعل على الحقيقة ، بل نشأت عن أسباب الإكراه التي هي مستندة إلى غيره ، فلم تدخل هذه الحالة أيضا في اليمين.

والقصد باليمين البعث على الإقدام أو [ المنع ] منه ، والبعث [ إنما يقع ] في الأفعال الاختيارية لامتناع بعث المرء نفسه على ما يعجز عنه كالصعود إلى

__________________

(١) سورة الرحمن : ٧٨.

(٢) في ص : وهو غير معنى.

(٣) في ص : فائدة.

٣٢٦

السماء ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا طلاق في إغلاق (١). ويحمل غيره عليه ، وهذا إلزام.

فرع :

إذا قلنا بعدم الحنث هنا هل ينحل اليمين أم لا؟ يظهر من كلام الأصحاب انحلالها ، فلو خالف مقتضاها بعد ذلك لم يحنث ، لأن المخالفة قد حصلت والمخالفة لا تتكرر.

ويحتمل أن تبقى اليمين ، لأن الإكراه والنسيان لم يدخلا تحتها ، لما قلناه فالواقع بعد ذلك هو الذي تعلقت به اليمين.

والأول أقرب ، لأنه لو نذر عتق أمته إن وطئها ثمَّ باعها ثمَّ عادت إليه انحل النذر ، للرواية الصحيحة عن أحدهما عليهما‌السلام. وقد توقف فيها ابن إدريس والفاضل رحمهما‌الله.

وهي أقرب (٢) في الانحلال من المسألة المتقدمة ، [ ولأنه ] لا يلزم من القول بها القول بتلك. وقد صرح الأصحاب في الإيلاء بأنه لو وطئ ساهيا أو مجنونا أو بشبهة أو غيرها بطل حكم الإيلاء وهي صريحة ، وكذا لو كانت أمة فاشتراها وأعتقها أو كان عبدا فاشتراه وأعتقه (٣).

وهاهنا فائدة دقيقة من قبيل الشرط اللغوي دائرة على ألسنة الأفاضل ، فلنذكرها حسب ما قرروها ، وهي ما أنشد بعضهم :

__________________

(١) الجامع الصغير : ٢٠٣ وفيه : لا طلاق ولا عتاق في إغلاق. نقلا عن مسند أحمد وأبي داود وابن ماجه والحاكم.

(٢) في ك : وهي أبلغ.

(٣) في ك : فاشترته وأعتقته.

٣٢٧

ما يقول الفقيه أيده الله

ولا زال عنده إحسان

في فتى علق الطلاق بشهر

قبل ما بعد قبله رمضان (١)

وليمثل عندنا في الظهار أو الصيام في النذر والعهد واليمين ، ويمكن إنشاد هذا البيت ثمانية بالتقدم والتأخر (٢) بشرط استعمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع بقاء الوزن ، ولو أطرحنا اعتبار الحقيقة وطولنا البيت بمثله (٣) اشتمل على سبعمائة وعشرين مسألة فقهية وهلم جرا. ولا تتعجب من ذلك ، فإن هنا بيتا يتفق فيه بحسب التغيير أربعون ألف بيت وثلاثمائة وعشرون بيتا :

علي إمام جليل عظيم

فريد شجاع كريم عليم

قلت محاذاة لقول بعض العلماء :

لقلبي حبيب مليح ظريف

بديع جميل رشيق لطيف

وهو من بحر المتقارب ، لأن اللفظين الأولين لهما صورتان ، فإذا ضربنا في مخرج الثالث صارت ستة ، فإذا ضربت في مخرج الرابع صارت أربعة وعشرين فإذا ضربت في مخرج الخامس صار مائة وعشرين ، فإذا ضربت في مخرج الستة فسبعمائة وعشرين ، فإذا ضربت في السبعة فخمسة آلاف وأربعون ، ثمَّ في مخرج الثامن تبلغ ما قلناه.

ومن هذا يعلم أن صور العكس (٤) في الوضوء مائة وعشرون ، ولو اعتبرنا الترتيب بين الرجلين كانت سبعمائة وعشرين ويعلم الترتيب في قضاء الفوائت

__________________

(١) في ك : قبل ما قبل قبله رمضان.

(٢) في ك : بالتقديم والتأخير.

(٣) في ص : بمسألة.

(٤) في ك : صور النكس.

٣٢٨

على القول بالوجوب أو الاستحباب.

فإذا أردنا في بيت السؤال تكثيره جمعنا في البيت ثلاثة من لفظ قبل وثلاثة من لفظ بعد فيجتمع بين الستة فيخرج البيت عن الوزن فنقول قبل ما قبل قبله بعد ما بعد بعده رمضان. ثمَّ إن لنا أن ننوي بكل قبل وبكل بعد شهرا من شهور السنة أي شهر كان من غير مجاوزة ولا التفات إلى ما بينهما من عدة الشهور ويكون بالمجاز ، فإن أي شهر أخذته فبينه وبين الشهر الذي نسبته إليه بالقبلية والبعدية علاقة من جهة أنه شهور السنة معه أو هو قبله من حيث الجملة أو بعده من حيث الجملة أو هو شبيه بما يليه من جهة أنه شهر موصوف بالقبلية إلى غير ذلك من علائق المجاز. ثمَّ إنا نعمد إلى هذه الألفاظ الستة فيظهر نسبتها إلى رمضان ، فيظهر من ذلك الشهر المسئول عنه. ثمَّ يورد عليها لفظة أخرى من لفظ قبل وبعد إلى آخر السنة ومتى اقتضى الأمر (١) إلى التداخل بين صورتين في شهر نوينا به آخر من شهور السنة حتى تحصل المغايرة فيحصل من الألفاظ الستة ما ذكرناه ، وإن زدت عليها لفظ قبل أو بعد تراقى الأمر إلى ما لا نهاية له.

وقال ابن الحاجب في أماليه : هذا البيت ينشد على ثمانية أوجه ، لأن ما بعد قبل الأول قد يكون قبلين وقد يكون بعدين وقد يكونان مختلفين ، فهذه أربعة أوجه كل منها قد يكون قبله قبل وقد يكون قبله بعد ، فصارت ثمانية ، فأذكر قاعدة يبنى عليها تفسير الجميع ، وهي أن كلما اجتمع فيه منها قبل وبعد فألقها لأن كل شهر حاصل بعد ما هو قبله وحاصل قبل ما هو بعده ، فلا يبقى حينئذ إلا بعده رمضان فيكون شعبان أو قبله رمضان فيكون شوالا ، فلم يبق إلا ما جميعه قبل أو جميعه بعد ، فالأول هو الشهر الرابع من رمضان ، لأن معنى قبل ما قبل

__________________

(١) في ك : ومتى أفضى الأمر.

٣٢٩

قبله رمضان شهر تقدم رمضان قبل شهرين قبله وذلك ذو الحجة ، والثاني هو الرابع أيضا ولكن على العكس ، لأن معنى بعد ما بعد بعده رمضان شهر تأخر رمضان بعد شهرين بعده وذلك هو جمادى الآخرة. فإذا تقرر ذلك فقبل ما قبل قبله رمضان ذو الحجة ، لأن ما قبل قبله شوال وقبله رمضان فهو ذو الحجة ، وقبل ما بعد بعده رمضان شعبان ، لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان ، وقبل ما قبل بعده رمضان شوال ، لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال ، وقبل ما بعد قبله رمضان شوال ، لأن المعنى أيضا قبله رمضان وذلك شوال.

فهذه الأربعة الأول ، ثمَّ تأخذ الأربعة الأخرى على ما تقدم ، فإن بعد ما قبل قبله رمضان شوال ، لأن المعنى قبله رمضان وذلك شوال ، وبعد ما بعد بعده رمضان جمادى الآخرة لأن بعد ما بعده شعبان وبعده رمضان فهو جمادى الآخرة وبعد ما قبل بعده رمضان شعبان ، لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان ، وبعد ما بعد قبله رمضان شعبان ، لأن المعنى بعده رمضان وذلك شعبان.

قال بعض البصريين هنا مباحث :

( الأول ) في « ما » ثلاثة أوجه أن تكون زائدة وموصولة ونكرة موصوفة ، ولا تختلف الأحكام مع شي‌ء من ذلك ، فالزائدة نحو قولنا « قبل قبل قبله رمضان » ، والموصولة تقديرها الذي استقر قبل قبله رمضان ، ويكون الاستقرار في قبل الذي بعدها وهو الذي قبلها ، وتقدير النكرة الموصوفة قبل شي‌ء استقر قبل قبله رمضان فيكون الاستقرار العامل في الظرف الكائن بعدها صفة لها.

( الثاني ) أن هذه القبلات والبعدات (١) ظروف زمان مظروفاتها الشهور هاهنا ففي كل قبل أو بعد شهر هو المستقر فيه ، مع أن اللغة تقبل غير هذه (٢) المظروفات

__________________

(١) في ص : القبليات والبعديات.

(٢) في ص وهامش ك : تقبل عن هذه.

٣٣٠

لأن القاعدة أنا إذا قلنا قبله رمضان احتمل أن يكون شوالا فإن رمضان قبله ، واحتمل أن يكون [ يوما ] واحدا من شوال فإن رمضان قبله ، لصدق قولنا رمضان قبل العيد حقيقة ، لكن يجب هنا كون المظروف شهرا للسياق ولضرورة الضمير في قبله العائد إلى الشهر المسئول عنه ، إلا أن نتجوز في الشهر ببعضه تسمية للجزء باسم الكل ، إلا أن الفتوى هنا مبنية على الحقيقة.

هذا تقرير قبله الأخير المصحوب بالضمير ، وأما قبل المتوسط فليس معه ضمير يضطرنا إلى ذلك ، بل علمنا أن المظروفة شهر بالدليل العقلي ، لأن رمضان إذا كان قبل قبل الشهر المسئول عنه وتعين أن أحد القبلين هو الذي أضيف إلى الضمير مظروفه شهر تعين أن مظروف [ القبل المتوسط شهر أيضا ، لأنه ليس بين شهرين من جميع الشهور أقل من شهر ، فيصدق عليه أنه قبل شهر وبعد شهر ، بل لا يوجد بين شهرين عربيين إلا شهر ، فلذلك تعين أن مظروف ] (١) هذه الظروف شهور تامة ، وأما شهور القبط (٢) فإن أيام النسي‌ء متوسط بين مشرى وتوت.

( الثالث ) أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة ، كقوله تعالى « وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ » (٣) أضيف الشهادة إليه تعالى لأنه شرعها لا أنه شاهد ومشهود عليه ، وكذلك

__________________

(١) ليس ما بين القوسين في ص.

(٢) القبط جبل من النصارى بمصر ، الواحد قبطي ، وهي قبطية جمعها أقباط. واللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة.

وفي السنة القبطية اثنا عشر شهرا كل منها ثلاثون يوما ويضاف بعد نهاية الشهر الثاني عشر خمسة أيام لكل سنة بسيطة وستة أيام لكل كبيسة تسمى أيام النسي‌ء وتعرف في القبطية بالشهر الصغير. وأسامي أشهر القبط هكذا : توت ، بابة ، هاتور ، كيهك ، طوبة ، أشبر ، برمهات ، برمودة ، بشنس ، بونة ، أبيب ، مسرى.

(٣) سورة المائدة : ١٠٦.

٣٣١

« دين الله » و « فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا » (١) و « لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ » (٢) ، ومنه قول أحد حاملي الخشبة « خذ طرفك » ، قال الشاعر :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرة [ سهيل ] (٣).

لأنها كانت تقوم إلى عملها وقت طلوعه ، فالقدر المشترك بين هذه الإضافات المختلفة المعاني هو أدنى ملابسة كما قاله صاحب المفصل.

إذا تقرر ذلك فهذه القبلات أو البعدات المضاف بعضها إلى بعض يحتمل لغة أن يكون كل ظرف أضيف إلى مجاوره أو إلى مجاور مجاوره فصاعدا ، فيكون الشهر الذي قبل رمضان هو ربيعا ، فإن ربيعا قبل رمضان بالضرورة ، بل يومنا هذا قبل يوم القيامة. وهذا كله حقيقة غير أن الظروف التي في البيت حملت على مجاور الأول لأنه الأسبق إلى الفهم ، مع أن غيره حقيقة أيضا.

( الرابع ) أنك تعلم أنك إذا قلت « قبل ما قبل قبله رمضان » فالقبل الأول هو عين رمضان ، لأنه يستقر في ذلك الظرف ، وكذلك بعد ما بعد بعده رمضان ، فالبعد الأخير هو رمضان لأنه مستقر فيه ، متى كان القبل الأول هو رمضان فالقبلان الكائنان بعده شهران آخران متقدمان على الشهر المسئول عنه.

وكذلك في « بعد ما بعد بعده رمضان » البعدان الأخيران شهران آخران متأخران عن الشهر المسئول عنه ، فالقريب (٤) دائما في الشهر الرابع الشهر

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٩١.

(٢) سورة آل عمران : ٩٧.

(٣) عجزه سهيل أشاعت غزلها في القرايب.

الخرقاء اسم امرأة مغنية سمى الكواكب باسمها لاشتغالها بشغلها عند طلوعه ، وأشار إليه المؤلف رحمه‌الله بقوله : لأنها كانت تقوم إلى عملها وقت طلوعه. وفي بعض النسخ « أذاعت » بدل « أشاعت » والمعنى واحد.

(٤) في ك : فالريب. وفي القواعد : فالترتب.

٣٣٢

المسئول وثلاث ظروف لغيره.

( الخامس ) أنا إذا قلنا « قبل ما بعد بعده رمضان » فهل يجعل هذه الظروف متجاورة على ما نطق بها في اللفظ فيتعين أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان فإن كل شي‌ء فرض له أبعاد كثيرة متأخرة عنه فهي قبل جميعها فرمضان قبل بعده وبعد بعده وجميع ما يفرض من ذلك إلى الأبد فهو قبل تلك الظروف كلها المصوفة ببعد وإن كانت غير متناهية ، وكذلك يصدق أيضا أنه جعل بعد قبله وقبل قبله إلى الأزل (١) ، فيكون رمضان قال ويبطل ما قاله ابن الحاجب فإنه عين الأول شوالا والثاني شعبان ، ويقتضي ما ذكرناه أن يكون الشهر المسئول عنه هو رمضان في المسألتين.

أو نقول مقتضى اللغة خلاف هذا التقدير وإن لا تكون هذه الظروف المنطوق بها مترتبة على ما هي في اللفظ ، بل قولنا قبل ما بعد بعده فبعد الأول المتوسط بين قبل وبعد متأخر في المعنى وقبل المتقدمة متوسطة بين البعدين منطبقة على ما بعد الأخيرة ويكون بعد الأخيرة بعدا وقبلا معا.

وليس ذلك محالا ، لأنه بالنسبة إلى شهرين واعتبارين ، وتقدير ذلك أن العرب إذا قالت ، غلام غلام غلامي فهؤلاء ينعكسون في المعنى ، فالغلام الأول هو الغلام الذي ملكه عبد عبدك ، والغلام الأخير هو عبدك الذي ملكته وهو ملك عبد الأخير ، فملك ذلك الأخير العبد المقدم ذكره. وكذلك إذا قلت صاحب صاحب صاحبي ، فالمبدو به هو أبعد الثلاثة عنك والأقرب إليك هو الأخير والمتوسط متوسط.

__________________

(١) في ك : إلى الأول. أي يصدق بأن رمضان بعد قبل رمضان يعني شعبان وبعد قبل قبله يعني رجب.

٣٣٣

إذا عرفت هذا فنقول : قبل ما بعد بعده رمضان شعبان كما قاله ابن الحاجب لأن شعبان بعده رمضان وبعد قبل بعده شوال ، فقولنا قبل مجاوره لبعده الأخير لأنه لم يقل قبل بعده بل قبل بعد بعده فجعل له مضافا في المعنى إلى بعد متأخر عن بعد وهو البعد الثاني ، فيكون رمضان قبل البعد الثاني وهو شوال ، فالواقع قبله رمضان وليس لنا شهر بعده بعدان رمضان قبل البعد والأخير إلا شعبان.

فإن قلت : رمضان حينئذ هو قبل البعد الأخير ، وهو بعد شوال باعتبار البعد الأول كما بينته ، فيلزم أن يكون قبل وبعد. وهو محال ، لأن القبل والبعد ضدان والضدان لا يجتمعان في شي‌ء واحد.

قلت : مسلم أنهما ضدان وأنهما اجتمعا في شي‌ء واحد وهو رمضان ، لكن باعتبار إضافتين ، فيكون رمضان قبل باعتبار شوال وبعد باعتبار شعبان ، كما يكون المؤمن صديقا للمؤمن وعدوا للكافر ، فيجتمع فيه الصداقة والعداوة باعتبار فريقين.

إذا عرفت هذا فيتعين أنا لو زدنا في لفظ « بعد » لفظة أخرى منه فقلنا « قبل ما بعد بعد بعده » تعين أن يكون الشهر عينه رجبا وإن جعلنا بعد أربع كان جمادى الآخرة أو خمسة كان جمادى الأولى أو ستة كان ربيع الثاني وكذلك كل ما زاد بعد زاد شهرا قبل ، فإن هذه الشهور ظروف كما تقدم. فيحصل على هذا الضابط مسائل غير متناهية. وإذا وصلت إلى أكثر من اثني عشر ظرفا فقد دارت السنة معك ، فربما عدت إلى عين الشهر الذي كنت قلته في المسألة ولكن في سنة أخرى وكذا في السنين إذا كثرت.

مسألة :

فإذا عكسنا وقيل « بعد ما قبل رمضان » فبمقتضى جعلنا الظروف متجاورة

٣٣٤

على ما هي [ متجاورة ] في اللفظ يكون الشهر المسئول عنه رمضان ، فإن كل شي‌ء بعد جميع ما هو قبله وبعد قبلاته وإن كثرت. وقال ابن الحاجب إن شوال بناء على ما تقدم ، وهو أن الأول متقدم على البعد الأول متوسط مضاف إلى البعد الأخير المضاف إلى المضمر العائد على الشهر المسئول عنه ، فنفرض شهرا هو شوال فقبله رمضان وقبل رمضان شعبان ، والسائل قد قال إن رمضان بعد أحد القبلين والقبل الأخير بعده ، وليس لنا شهر قبله شهران الثاني منهما رمضان إلا شوال فيتعين ، فيكون رمضان موصوفا بأنه بعد باعتبار شعبان وبأنه قبل باعتبار شوال ولا مضادة كما تقدم.

وإن زدنا في لفظة « قبل » لفظة أخرى فقلنا « بعد ما قبل قبل قبله رمضان » كان ذا القعدة ، فإن رمضان أضيف إلى قبل قبل قبلين وهما شوال وذو القعدة فإن جعلنا لفظ « قبل » أربعا كان ذا الحجة أو خمسا كان المحرم وعلى هذا.

مسألة :

فإذا قلنا « بعد ما بعد بعده رمضان » فهو جمادى الأخرى ، لأن السائل قد نطق بثلاث بعدات عن الشهر المسئول عنه ، فرجب البعد الأول وشعبان البعد الثاني ورمضان البعد الثالث والرابع هو الشهر المسئول عنه المتقدم عليها وذلك جمادى الأخرى.

مسألة :

فإذا قلنا ، قبل ما قبل قبله رمضان تعين ذو الحجة ، لأن السائل قد نطق بثلاث من لفظ قبل ، فقبل ذي الحجة ذو القعدة وقبل ذي القعدة شوال وقبل شوال رمضان ، وهو ما قاله السائل. وأما قبل ما قبل بعده أو بعد ما بعد قبله فقد

٣٣٥

تقدم أن كل شي‌ء هو قبل ما هو بعده وبعد ما هو قبله ، وإذا اتحدت العين (١) صار معنى الكلام بعده رمضان أو قبله رمضان ، فيكون المسئول عنه شعبان في الأول وشوال في الثاني.

فائدة :

جميع أجوبة البيت منحصرة في أربعة أشهر طرفان وواسطة ، فالطرفان جمادى الآخرة وذو الحجة والواسطة شوال وشعبان.

وتقريب ضبطها : أن جميعها أن كان قبلا فالجواب بذي الحجة أو بعدا فالجواب بجمادى الآخرة أو مركب من قبل وبعد ، فمتى وجدت في الأخير قبل بعده أو بعد قبله فالكلمة الأولى إن كانت حينئذ قبلا فهو شوال ، لأن المعنى قبله رمضان أو بعدا فهو شعبان ، لأن التقدير بعده رمضان.

هذا إن اجتمع آخر البيت قبل وبعد ، فإن اجتمع قبلان أو بعدان وقبلهما مخالف لهما ففي البعدين شعبان وفي القبلين شوال ، فشوال ثلاثة وشعبان ثلاثة هذه الستة هي المتوسطة بين جمادى وذي الحجة.

هذا كله على تقدير التزام الحقيقة والوزن في البيت المذكور ، وأما على تقدير خلافهما من التزام المجاز وعدم النظم بل يكون الكلام نثرا فتصير المسائل سبعمائة وعشرون مسألة.

__________________

(١) في ص : ولو اتحدت الغير.

٣٣٦

المقصد الثاني

( في المعاملات )

وفيه قسمان :

( الأول ـ في الأمور العامة للتملكات والعقود )

وفيه بحثان :

( الأول في التملكات )

قاعدة :

الملك حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يؤثر تمكين المضاف إليه من الانتفاع به والعوض عنه من حيث هو كذلك.

وإنما كان حكما شرعيا لأنه يتبع الأسباب الشرعية ، وأما أنه مقدر فلأنه يرجع إلى تعلق خطاب الشارع والتعلق اعتباري ، بل يقدر في العين والمنفعة عند حصول الأسباب المحصلة له.

والتقييد بالانتفاع ليخرج تصرف الوصي والوكيل والحاكم مع عدم تحقق الملك ، والتقييد بالانتفاع به ليخرج الإباحة كما في الضيف والمار على الشجرة المثمرة على خلاف ، ويخرج الاختصاص في المسجد والرباط والطرق ومقاعد الأسواق ، وإن هذه لا تملك فيها مع التمكن الشرعي من التصرف.

والتقييد بالحيثية ليخرج عنه ما يعرض له من مانع الحجر (١) على المالك ، فإن الملك يقتضي ذلك من حيث هو هو ، وإنما التخلف لمانع.

__________________

(١) في ص : من بائع كالحجر.

٣٣٧

ولا تنافي بين الإمكان الذاتي والانتفاع الغيري ولا يرد النقض بملك الملك لأنه لا يسمى ملكا حقيقيا ، وكذا الضيافة إذ الأصح أنه لا يملك إلا بالمضغ ، ولا بالوقف عند من قال بملك الموقوف عليه لأن الانتفاع حاصل به في الجملة والاعتياض قد يحصل في صور بيع الوقف ، ولا مالك الانتفاع دون المنفعة كالمسكن لأن ذلك لا يعد ملكا حقيقيا.

وعلى هذا الملك من الأحكام الخمسة ، أعني الإباحة ، وله اعتبار يلحقه بالوضع ، إذ هو سبب في الانتفاع إلا أنه غير المصطلح ، إذ الضابط في خطاب الوضع ما كان متعلقا بأفعال المكلف لا على وجه الاقتضاء والتخيير.

ولو صلحت السببية هنا بجعله (١) من خطاب الوضع لكان أكثر الأحكام منه ، إذا النكاح مثلا سبب في الحل والحل سبب في وجوب حقوق الزوجة التي هي سبب في أمور أخر ، والدلوك سبب في وجوب الصلاة والوجوب سبب لاستحقاق الثواب بالفعل والعقاب بالترك. وسبب تقدمه على غيره من المندوبات.

قاعدة :

أقسام الملك قد يكون للرقبة ، وقد يكون للمنفعة ، وقد يكون للانتفاع ، وقد يكون للملك (٢). وهو المعبر عنه بقولهم « ملك أن يملك ».

والأولان ظاهران ، وأما ملك الانتفاع فكالوقف على الجهات العامة عند من قال ينتقل إلى الله تعالى ، فإن الموقوف عليه يملك انتفاعه به ، كالمدارس والربط فله السكنى بنفسه والارتفاق وليس له الإجارة.

ومنه ملك الزوج للبضع ، فإنه إنما يملك الانتفاع به ، ولهذا لو وطئت

__________________

(١) في ص : لجعله.

(٢) في ص : وقد يكون بملك الملك.

٣٣٨

بالشبهة كان مهر المثل لها إن كانت حرة وللسيد إن كانت أمة وليس للزوج فيه شي‌ء.

ومنه ملك الضيف الانتفاع بالأكل لا المأكول ، فليس التصرف في الطعام بغير الأكل.

أما الوقوف الخاصة فإنه يملك المنفعة قطعا ، فله الإجارة والإعارة ، ويملك الثمرة والصوف واللبن.

وأما الإقطاع فالخبر يدل على أنه مملك ، كأرض الزبير وعقيق بلال بن الحارث. نعم لو اعتيد الإعمار فيه لم يملك الرقبة ، وكذا لو صرح الإمام بالعمرى أو الرقبى ، وحينئذ ليس للمقطع إجارة الأرض المقطعة كما ليس للمعمر أن يؤجر إلا مع تصريح الإمام له بذلك أو تعميم وجه الانتفاع.

ولو عم عرف بلد ذلك صار كأنه المقصود ، وجوز بعض متأخري العامة الإجارة مطلقا ، وعارضه متأخر منهم بالمنع إلا مع العرف.

وملك [ الملك ] (١) جار في المواضع المعروفة ، وخاصية (٢) زواله بالإعراض وتوقفه على نية التملك إذا أراد ملكه الحقيقي.

قاعدة :

قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام الفعلي المنصوب ابتداء كتقديم الطعام إلى الضيف ، فإنه مغن عن الإذن في الأصح. وتسليم الهدية إلى المهدى إليه وإن لم يحصل (٣) القبول القولي في الظاهر من فعل السلف

__________________

(١) ليس « الملك » في ص.

(٢) في ك : وخاصة.

(٣) في ص : وإن لم ينقل القبول.

٣٣٩

والخلف ، وكذلك صدقة التطوع وكسوة القريب والصاحب وجائزة الملك من كسوة وغيرها ، وعلامة الهدي كغمس النعل في دمه وجعله عليه أو كتابة عنده والوطء في الرجعية ، ومدة الخيار من ذي الخيار ، والتقبيل كذلك وكذا اللمس بشهوة.

أما المعاطاة في المبايعات فتفيد إباحة التصرف لا الملك وإن كان في الحقير عندنا ، ولا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها أو قبولها بعد إيجابه ، ولا تسليم الدية في سقوط القصاص ، بل لا بد من التلفظ بالعفو أو بمعناه.

ولو خص الإمام بعض الغازين (١) بأمة وقلنا يتوقف الملك على اختيار التملك فلو وطئ أمكن كونه اختيارا ، لأن الوطء دليل الملك ، إذ لا يقع (٢) هنا إلا في الملك.

قاعدة :

الغالب في التملكات تراضي اثنين ، وقد يكفي الواحد في مواضع ، كالأخذ بالشفعة والمقاصة ، والمضطر في المخمصة إلى طعام الغير ، واللفظ الفاسخ بطريقه ، والوالي باسترقاق رجال الكفار إذا أخذوا بعد تقضي الحرب ، والغنيمة والسرقة من دار الحرب ، وإحياء الموات والاحتياز في المباحات ، وتبسط الغانمين في المأكل والعلف ، وعفو المجني عليه أو وارثه على مال إن قلنا بقول ابن الجنيد من أن الواجب في قتل العمد أحد الأمرين أما الأب والجد متواليان لطرفي العقد فإن الاستقلال في الحقيقة قائم مقام اثنين.

__________________

(١) في ص : بعض الغانمين.

(٢) في هامش ك : إذ لا نفع.

٣٤٠