نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

يقضى. وتقديم الدين لأن حق العباد مبني على التضيق وحق الله تعالى على المسامحة.

ويشكل بما أن الزكاة حق للعباد فهي مشتملة على الحقين ، وكذلك الخمس. هذا إذا كانت الزكاة مرسلة في المال ، بأن يكون قد فرط في النصاب حتى تلف وصارت في ذمته أو كانت زكاة الفطرة أو كان الخمس من المكاسب إن قلنا بثبوته في الذمة ، أما لو كان متعلق الزكاة والخمس باقيا (١) فالأقرب تقديمها على الدين بسبق تعلقها (٢) على تعلق الدين.

مسألة :

لو ترافع الذميان إلينا فالأقرب تخير الحاكم بين الحكم والرد ، سواء كان حق الله تعالى أو حق العبد ، لعموم الآية. هذا إذا كان عندهم يستوفي ، ولو كان الحق عندهم مهدورا ـ كنكاح الأم في المجوس إذا تظاهر به ـ لم يرد قطعا.

قاعدة :

قد تقدم تقسيم الحقوق ، ونزيد هنا أن المراد بحق الله تعالى إما أوامره الدالة على طاعته أو نفس طاعته ، بناء على أنه لو لا الأمر لما صدق على العبادة أنها حق الله تعالى ، أو بناء على أن الأمر إنما تعلق بها لكونها في نفسها حق الله تعالى. وعليه نبه في الحديث الصحيح عن رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » وعن أهل بيته صلوات الله عليهم حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (٣).

__________________

(١) في هامش ص : ثانيا.

(٢) في ص : تعلقهما.

(٣) الخصال ٢ / ٣٤٦.

٣٠١

ويتفرغ على اعتبار أن الأمر هو حق الله تعالى : أن حقوق العباد المأمور بأدائها إليهم مشتملة على حق الله تعالى لأجل الأمر الوارد إليهم معاملة أو أمانة أو حدا أو قصاصا أو دية أو غير ذلك ، فعلى هذا يوجد حق الله بدون حق العباد كما في الأمر بالصلاة ، ولا يوجد حق العبد بدون حق الله تعالى. والضابط فيه أن كل ما للبعد إسقاطه فهو حق العبد ومالا فلا ، كتحريم الربا والغرر فإنه لو تراضيا اثنان على ذلك لم يخرج عن الحرمة لتعلق حق الله تعالى به ، لأن الله تعالى إنما حرمها صونا لمال العباد عليهم وحفظا له عن الضياع ، فلا تحصل المصلحة بالمعقود عليه أو تحصل مصلحة نزرة (١) بإزائها مفسدة كبرى ، ومن ثمَّ منع العبد من إتلاف نفسه وماله ولا اعتبار برضاه في ذلك ، ولذلك حرمت السرقة والغصب صونا لماله والقذف صونا لعرضه والزنا صونا لنسبه والقتل والجرح صونا لنفسه ، ولا يغيرها رضى العبد.

فائدة :

لو اجتمع مضطران فصاعدا إلى الإنفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة ، فإن وجبت نفقة الكل قدم الأقرب فالأقرب ، فإن تساويا فالأقرب القسمة. ولو كان الكل غير واجبي النفقة في الأصل فالأقرب تقديم المخشي تلفه ، فإن تساووا احتمل تقديم الأفضل.

ولا يعارض الإمام غيره البتة. ولو كان عنده ما لو أطعمه أحد المضطرين لعاش يوما ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم فالظاهر القسمة ، لعموم قوله تعالى « إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ » (٢) ، ولتوقع تتميم حياة كل منهما.

__________________

(١) مصلحة نزرة أي قليلة.

(٢) سورة النحل : ٩٠.

٣٠٢

وهل القسمة في مواضعها على الرءوس أو على سد خلة الجوع؟ احتمال ويرجح الثاني أنه أدخل في العدل ، إذ يجب عليه مع القدرة إشباعهما مع اختلاف قدر أكلهما فليكن كذلك مع العجز.

فعلى هذا لو كان عنده رغيف وله ولدان وثلثه نصف شبع أحدهما وثلثاه نصف شبع الآخر وزعه عليهما أثلاثا وعلى الرءوس نصفين ، ولو كان نصفه يشبع أحدهما ونصفه نصف شبع الآخر قسم أيضا أثلاثا. والضابط القسمة على الشبع ونعني به سد الجوع الذي لا يصبر عليه لا التملي.

ونبه على ذلك قسمة الغنائم للفارس ضعف الراجل باعتبار حاجته وحاجة فرسه.

( الثاني في الجبر والزجر والتحمل والبدل )

ويعبر بالجبر والزجر عن تكميل المصلحة والدرأ عن المفسدة ، وموضوع الجبر أعم بدليل بالعامد الناسي والمخطئ ، بخلاف الزجر فإنه للعامد. فهنا أقسام :

( الأول ) جبر العبادة بالعمل البدني كالجبر بسجدتي السهو والاحتياط.

( الثاني ) جبرها بالمال ، كالفدية في الصيام والبدنة في الحج الفاسد والصحيح على الوطء وشبهه ، كالمفيض من عرفات قبل الغروب ، وكالشاتين والدراهم في الزكاة.

( الثالث ) ما يتعاقب عليه الأمران ، كهدي التمتع والصوم عنه إن جعلنا الهدي جبرا ، كما يلوح من كلام الشيخ في المبسوط حيث أسقط الدم عن المحرم من غير مكة مع تعذر عوده إليها ، وككفارة الصيد إن قلنا بالترتيب ، وكقضاء الصوم عن الولي فإنه جابر لصوم المولى عليه مع أن الصوم قد يجبر بالمال كالفدية في الشيخين والمستمر مرضه إلى رمضان.

٣٠٣

( الرابع ) ما يتخير بين الجبر بالمال والبدن ، كالكفارة المخيرة في الإحرام ويحتمل في شهر رمضان.

( الخامس ) ما يجمع فيه بين المال والبدن ، كمن مات وعليه شهران متتابعان فإنه يصوم الولي شهرا ويتصدق عن شهر ، وكذا الحامل والمرضع وذو العطاش إذا برأ فإنهم يقضون ويفدون.

( تنبيه ) قد تكون الصلاة عن الميت جبرا بدنيا لما فاته من الصلاة ، لما قلناه في الصوم. والحق فيهما أنهما ليسا من قبيل الجبر ، لأن العمل يقع للميت لا للحي ، ولهذا لا يسمى قضاء الصلاة والصيام في الحياة من المكلف جبرا.

وأما الزجر فقسمان :

أحدهما ـ ما يكون زاجرا للفاعل عن العود ولغيره عن الفعل ، كالحدود والتعزيرات والقصاص والديات ، ويجب على المكلف إعلام المستحق في القصاص والدية وحد القذف وتعزيره.

أما حقوق الله تعالى فالأولى لمتعاطيها سترها والتوبة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أتى شيئا من هذه القاذورات فليسترها بستر الله ـ الحديث. والسارق يجب عليه إيصال المال لا الإقرار بالسرقة.

وثانيهما ـ ما يكون زاجرا عن الإصرار على القبيح ، كقتل المرتد المحارب في قتال الكفار والبغاة والممتنع عن الزكاة ، وقتال الممتنعين عن إقامة شعائر الإسلام الظاهرة كالأذان وزيارة النبي والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

ومنه زجر الدفع والمتطلع إلى حريم الغير ، وضرب الناشز وتأديب الصبي والمجنون وإن لم يأثما ، وحبس الممتنع عن الحق.

ومنه تحريم المطلقة ثلاثا والملاعنة زجرا عن ارتكاب مثله.

٣٠٤

فائدة :

هذه الزواجر :

( منها ) ما يجب على متعاطي أسبابها ، كالكفارات الواجبة في الظهار والإفطار والقتل العمد والخطأ إن جعلناها زاجرة ، إذ لا إثم فيه.

( ومنها ) ما يجب على غيره ، أما على الحاكم كحد الزنا والسرقة والمحاربة والشرب والتعزير لحق الله تعالى أو الحد للآدمي والتعزير له إذا طلبهما من الحاكم.

( ومنها ) ما يتخير مستحقه بين فعله وتركه كالقصاص ، وقولهم وجب عليه القصاص أو الحد أو التعزير مجاز عن وجوب إقامة ذلك عليه أو عن وجوب تمكنه من إقامة ذلك عليه لا أنه يجب عليه فعله بنفسه.

تنبيه :

قد يكون الشي‌ء جائزا زاجرا ، كما يقال في سجود السهو ، فإنه مع جبره لنقص الصلاة يزجر الشيطان عن الوسوسة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت السجدتان ترغيما للشيطان (١).

وكذا كفارة الظهار والصوم والإفساد وقتل العمد ، أما كفارة الخطأ فإنه جبر محض.

قاعدة :

لا يجوز البناء على فعل الغير في العبادات إلا في بعض المواضع القابلة

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٥٤.

٣٠٥

للنيابة ، كالاستنابة في الطواف والرمي والذبح ، إلا أن نقول هذه عبادات مستقلة. نعم يبني النائب على ما سعى المنوب من الطريق ، ولكن السعي ليس عبادة مقصودة إنما هو وسيلة مقصودة (١) ، وفي الاقتداء إن جوزنا للإمام الثاني البناء على قراءة الأول ، ويحتمله في الخطبة والأذان والإقامة.

وأما القعود فلا بناء فيها ، فلو مات البائع قبل القبول فليس للمشتري القبول بحضرة الوارث ، ولكن الخيار لما ورث أشبه بناء الوارث على خيار الميت لأنه خليفته.

قاعدة :

الأصل عدم تحمل الإنسان عن غيره ما لم يأذن له فيه إلا في مواضع :

( الأول ) تحمل الولي عن الميت قضاء الصلاة والصيام والاعتكاف.

( الثاني ) تحمل الإمام القراءة عن المأموم ، وعند بعض العامة إدراكه راكعا وتحمله سجود السهو عن المأمومين في وجه.

( الثالث ) تحمل الغارم لإصلاح ذات البين ، ولذا يصرف إليه من الزكاة.

( الرابع ) التحمل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك بناء على ملاقاة الوجوب لهؤلاء أولا والتحمل عنهم بعده.

ويبعد في العبد والقريب والزوجة المعسرة ، لأنهم لو تجردوا عن المنفق لما وجب عليهم شي‌ء فكيف يتحمل ما لم يجب. ويمكن نفي التحمل مطلقا ، لأن المخاطب بها المنفق والأصل عدم التقدير ، فإذا قلنا بالتحمل فهو كالضامن

__________________

(١) في ك وهامش ص : إلى المقصود.

٣٠٦

الناقل (١) لا يطالب به المتحمل عنه بحال. ويتفرع على ذلك صور :

الأولى ـ لو أعسر الزوج والزوجة موسرة أو سيد الأمة المزوجة موسر ، فعلى التحمل تجب على الزوجة والسيد.

الثانية ـ لو أخرج الذي وجب لأجله عن نفسه.

الثالثة ـ في الكافر إذا عال مسلمين.

الرابعة ـ إذا أيسر القريب بعد الهلال وقبل الإخراج.

الخامسة ـ إذا أسلمت دونه وأهل الهلال فعلى التحمل يؤمر بالإخراج عنها.

السادسة ـ تحمل المكره زوجته والأجنبية على القول به على الجماع في الصوم المتعين الكفارة. وفيه الوجه السالف ، والأصح القطع لعدم التحمل هنا.

وكذا في إكراهها على الوطء في الإحرام ، لأنه إنما يتحمل ما يمكن فيه الوجوب على المتحمل عنه. وهو غير ممكن هنا ، وإطلاق التحمل على هذا مجاز. على أن الأقرب في جميع هذه المواضع عدم حقيقة التحمل.

فائدة :

للبدل والمبدل أحوال أربعة :

أحدها : تعين البدل (٢) للابتداء ، وهو الأكثر كالطهارة المائية والترابية وخصال الكفارة.

وثانيها : تعين البدل ، كالجمعة إن جعلناها بدلا من الظهر ، وإن قلنا فرض مستقل فلا.

__________________

(١) في ك والقواعد : كالضمان الناقل.

(٢) في ك : المبدل.

٣٠٧

وثالثها : تعين الجمع بينهما ، كما عند اشتباه المطلق بالمضاف ثمَّ يهراق أحدهما فإنه يتطهر بالباقي ويتيمم.

ورابعها : التخيير بينهما ، كخصال الكفارة المخيرة إن جعلنا أحدها بدلا من الآخر ، والماء والأحجار في الاستنجاء إن قلنا بالبدلية ، وإن جعلنا كلا منهما أصلا مستقلا فلا. وقد يكون منه التخيير بين الصلاة عاريا وفي الثوب النجس.

قاعدة :

إذا اجتمع أمران أحدهما أخص والآخر أعم قدم الأخص ، كما لو اضطر المحرم إلى صيد وميتة أكل الصيد ، لأن تحريمه خاص وتحريم الميتة عام. ولو اضطر إلى لبس حرير أو نجس احتمل الحرير ، لأن تحريمه خاص بالرجل والنجس عام.

ومنهم من قال الأخص أولى بالاجتناب ، فيجتنب الصيد ويأكل الميتة. وهما قولان للأصحاب.

وفصل بعضهم بالقدرة على الفداء فيأكل الصيد ولا يأكل الميتة ، والنجس يجتنب لأن تحريم الحرير يشمل المصلي وغيره بخلاف النجس فإنه خاص بالمصلي.

ومن هذا لو وثبت سمكة فوقعت في حجر أحد ركاب السفينة كان أولى من صاحبها ، لأن حوزه أخص ، إذ حوزة السفينة يشمل هذا وغيره وحوز السمكة يختص به.

( الثالث ـ في النذر واليمين وما يتعلق بهما )

قاعدة :

ضابط النذر أن يكون طاعة لله تعالى مقدورا للناذر ، فعلى هذا لا ينعقد نذر

٣٠٨

المباح لتجرده عن الطاعة. وقيل يلحق باليمين في اعتبار الأولوية.

فعلى عدم الانعقاد يشكل تعين الصدقة بمال مخصوص ، لأن المستحب هو الصدقة المطلقة وخصوصية المال مباحة ، فكما لا ينعقد لو خلصت الإباحة فكذا إذا تضمنها النذر.

وتحقق الإشكال تجويز بعض الأصحاب فعل الصلاة المنذورة في مسجد فيما هو أزيد مزية منه كالحرام والأقصى مع أن الصلاة في المسجد سنة وطاعة ، فإذا جازت مخالفتها لطلب الأفضل فتعين الصدقة بالمال المعين. وعدم إجزاء الأفضل منه مشكل.

ولعل الأقرب عدم جواز المخالفة في الموضعين لعموم وجوب الوفاء بالنذر : أما على القول بانعقاد نذر المباحات فظاهر ، وأما على الآخر فلأن الصدقة والصلاة لما كانتا طاعتين لله وقد شخصهما الناذر بمال معين ومكان معين تعلقت الطاعة بذلك المال والمكان ، فيكون تخصيص المال والمكان مستفادا من تخصيص الطاعة المذكورة.

والأصل فيه : أن المندوبات وإن كانت طاعة هي من حيث هي لا يتصور فيها الوجود فضلا عن الطاعة ، بل إنما تصير موجودة بمشخصاتها من زمان ومكان ومحل وفاعل ، فإذا تعلق النذر بهذا المشخص انحصرت الطاعة فيه كما ينحصر عند فعلها في متعلقاتها فلا يجزي غيرها.

ولأنه لو فتح هذا الباب لم يكن النذر وسيلة إلى التعيين حتى في الصوم والحج ، لأنه يقال الصوم في نفسه طاعة وكذا الحج وأما تخصيصه بيوم مخصوص أو نسبة مخصوصة فهو من قبيل المباح ، ولما كان ذلك باطلا فكذا يبطل العدول عن المحل المنذور والمكان المنذور كما يتعين الزمان كذلك (١).

__________________

(١) في ك والقواعد : لذلك.

٣٠٩

سؤال : المعلوم أن الندب لا يساوي الواجب في المصلحة التي وجب لأجلها وإذا كان أصل المنذور الندب فكيف يساوي الواجب في المصلحة حتى يجب مع أنه فعل خاص قبل النذر وبعده؟

وبعبارة أخرى : الأفعال لها وجوه واعتبارات تقع عليها لأجلها تكون موصوفة بالأحكام الخمسة ، فكيف جاز انقلاب أحدها إلى الآخر ، والنذر قالب لأنه يجعل المكروه حراما والندب واجبا ، وعلى القول بنذر المباح يجعله واجبا أو حراما بحسب تعلق النذر بفعله أو تركه.

وبعبارة أخرى : الأوقات والأحوال متساوية في قبول العبادة لا خصوصية فيها إلا في الأوقات والأحوال التي جعلها الله تعالى سببا لاقتضاء المصلحة ذلك كأوقات الخمس وككسوف الشمس والزلزلة وكالموت فيما يترتب عليه ، وإذا تعلق النذر بوقت خاص [ أو حال خاص ] (١) كيوم الجمعة أو هبوب الريح أو قدوم زيد صار ذلك سببا ولم يكن قبل ذلك سببا وقد علم أن السببية أيضا تابعة للمصلحة فمن أين نشأت هذه المصالح بسبب النذر ، وكذا نقول في العهد واليمين وسببية الأحوال في غاية البعد عن القواعد الشرعية ، لأنها قد لا يتصور كونها عبادة [ كطيران غراب بخلاف فعل المندوب إلى الواجب فإنه على كل حال عبادة ] (٢) تقرب فيها المصلحة بالزيادة أما هذا فإنه أنشئت فيه المصلحة إنشاء.

والجواب عن الجميع واحد ، وهو : أنه ليس من الممتنع أن ينشأ في الندب سبب النذر مصلحة يساوي بها الوجوب وينشأ في تلك الأمور سببية بالنذر تلحق بالأسباب المتأصلة بسبب النذر ، ولا يجب علينا بيان تلك المصلحة على

__________________

(١) ليس في ص.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

٣١٠

التفصيل ، لأنا لما علمنا أن النذر موجب وعلمنا أن الإيجاب يتبع خصوصيات المصلحة علمنا هنا تحقق خصوصية مصلحة الوجوب مع جواز كون المصلحة المحصلة للوجوب هي الخلق الكريم الذي هو الوفاء بالوعد والأدب مع الرب سبحانه وتعالى حيث قرن باسمه الشريف (١) ، والأدب هو المقصود بالتكليف عاجلا كما أن الثواب هو المقصود آجلا. ويجوز أيضا أن يصير النذر عاجلا للفعل المنذور في الوقت المخصوص لطفا في بعض الواجبات العقلية أو السمعية فيجب كما وجبت السمعيات لكونها ألطافا.

وينبه عليه أن الشي‌ء إذا صار واجبا زاد اهتمام المكلف بفعله والحرص على تحصيله ، وذلك ممرن (٢) على الاهتمام بواجب آخر ومحرص عليه ، قال الله تعالى « فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى » (٣). وكذا الكلام في الانقلاب إلى الحرام فيه ما ذكر من الوجوه.

ومن هنا يظهر جواز نذر فعل الواجب وترك الحرام ، لأن الاهتمام حينئذ يكون أتم ، وعقد الهمة بهما فعلا وتركا أقوى ، فيدخلان في حيز لطف جديد بالنسبة إلى ما كان لطفا فيه.

فإن قلت : لا يجب في اللطف البلوغ إلى أقصى غايته ، وقد كان اللطف حاصلا قبل فعل النذر ، فلم يصادف النذر ما يحتاج إليه من اللطف ، فكيف يجب المندوبات (٤) أو تنعقد بنذر الواجبات (٥).

__________________

(١) في ص : الشريف.

(٢) في ص : وذلك تمرين.

(٣) سورة الليل : ٧.

(٤) في هامش ص : المنذورات.

(٥) في ص والقواعد : أو ينعقد نذر الواجبات.

٣١١

قلت : ذلك في التكليف الأصلي ، أما التابع لاختيار المكلف لأن يصير لطفا فلا مانع منه ، لأن زيادة التقريب حاصلة به بالضرورة ، فمسمى اللطف متحقق فيه وكان المانع من الوجوب التخفيف عن المكلف [ فإذا اختار المكلف ] (١) الأثقل لنفسه فلا مانع حينئذ من وصفه بالوجوب. ولأنه لا مانع في الحكمة أن يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للمكلف : إذا اخترت الفعل الفلاني فقد جعله الله لطفا لك في الواجب ، وهو المطلوب.

فائدة :

قد يباح بالنذر ما لولاه لم يبح ، كالإحرام قبل الميقات والصوم الواجب سفرا.

قاعدة :

ضابط متعلق اليمين كونه مقدورا للحالف وطاعة لله تعالى أو مباحا يساوي طرفاه أو رجح طرف الالتزام.

واليمين على فعل المعصية باطل ، وكذا فعل المكروه وترك المستحب وترك الواجب ، وكذا ترك مباح فعله أرجح أو بالعكس.

وينعقد على فعل الواجب وترك الحرام ، وفروض الكفايات أولى بالانعقاد.

قاعدة :

اليمين لغة تطلق على ثلاثة معان : الجارحة ، والقوة والقدرة ، ومنه قوله تعالى

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في ص.

٣١٢

« وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ » (١). والحلف المطلق ، وقوله تعالى « فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ » (٢) يحتمل الأوجه الثلاثة.

وأما عرفا فلها معنيان أشهرهما الحلف بالله تعالى وبأسمائه لتحقيق ما يمكن فيه المخالفة أو لانتفاء ما توجهت الدعوى به أو إثباته.

وإنما تخصصت بالله شرعا لأن الحلف يقتضي تعظيم المقسم به والعظمة المطلقة لله سبحانه ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر.

ومن ثمَّ كره الحلف بغير الله تعالى وحرم بالأصنام وشبهها ، فعنه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت.

المعنى الثاني تعليق بالجزاء على الشرط على وجه البعث على الشرط أو المنع منه أو ليرتبه عليه مطلقا ، وهو المستعمل في الطلاق والعتاق عند العامة. وهو مجرد اصطلاح ، إذ لم ينقل عن أهل اللغة مثله قاله بعضهم ، بخلاف المعنى المشهور فإنه يشتمل على المعاني الثلاثة اللغوية : أما الحلف فظاهر ، وأما القوة فلأن فيه تقوية الكلام وتوثيقه ، وأما الجارحة فلأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ بعضهم بأيدي بعض. واستمر ذلك في أيمان البيعة (٣).

فائدة :

اليمين أقسام :

الأول : منعقدة ، وهي الحلف على المستقبل فعلا أو تركا مع القصد إليه.

__________________

(١) سورة الزمر : ٦٧

(٢) سورة الصافات : ٩٣

(٣) في هامش ك النية.

٣١٣

الثاني : لاغية ، وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو آت.

الثالث : يمين الغموس ، وهي الحلف على الماضي أو الحال مع تعمد الكذب. وسميت غموسا لأنها تغمس الحالف في الإثم أو في النار ، وفي رواية هي من الكبائر (١). وفي أخرى : اليمين الغموس تدع الديار بلاقع (٢). ولا كفارة فيها لقوله تعالى « بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ » (٣) والعقد لا يتصور إلا مع إمكان الحل ولا حل في الماضي ، ولعدم ذكر الكفارة في الحديث.

الرابع : ما عدا ذلك ، كالحلف مع الصدق على الماضي أو الحال.

قاعدة :

إنما يجوز الحلف بالله تعالى أو بأسمائه الخاصة به : فالأول مثل « الواجب وجوده » و « الأول الذي ليس قبله شي‌ء » و « فالق الحبة » و « بارئ النسمة ». والثاني مثل قولنا « والله » وهو اسم للذات المقدسة لجريان النعوت عليه ، وقيل هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا « الله » فمعناه الذات الموصوفة بالصفات الخاصة وهي صفات الكمال ونعوت الجلال ، وهذا المفهوم هو الذي يعبد ويوحد وينزه عن الشريك والنظير والمثل والضد والند.

وأما سائر الأسماء فإن آحادها لا يدل إلا على آحاد المعاني من علم وقدرة أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا « الرحمن » فإنه اسم للذات مع اعتبار

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢٨٥ ، الفقيه ـ روضة المتقين ـ ٨ / ٣٦ ، ٩ / ٢٥٩.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٦ / ١٤٤. وقيل : اليمين الغموس هي اليمين الكاذبة على الماضي والحال. وقال في « روضة المتقين » ٨ / ٤٣ : والبلقع الأرض القفر الخالي من النبات ، أي يصير سببا لهلاك أصحابها حتى لا يبقى أحد فيها أو لجلائهم عنها.

(٣) سورة المائدة : ٨٩.

٣١٤

الرحمة وكذا « الرحيم » و « العليم » و « الخالق » اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي.

و « القدوس » اسم للذات مع وصف سلبي ، أعني التقديس الذي هو التطهير عن النقائص.

و « الباقي » اسم للذات مع نسبة وإضافة ، أعني البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. و « الأبدي » هو المستمر مع جميع الأزمنة ، فالباقي أعم منه.

و « الأزلي » هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية المحققة والمقدرة فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط ، ولنشر إليها إشارة خفيفة (١) : و « الله » قد سبق.

و « الرحمن الرحيم » اسمان للمبالغة من رحم ، كغضبان من غضب وعليم من علم ، والرحمة لغة رقة القلب وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه الرحم (٢) لانعطافها على ما فيها ، وأسماء الله إنما توجد (٣) باعتبار الغايات التي هي أفعال دون المبادئ التي هي انفعال.

و « الملك » المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو الذي يستغني في ذاته وصفاته من كل موجود ويحتاج إليه كل موجود في ذاته وصفاته.

و « القدوس » ذكر.

و « السلام » ذو السلامة في ذاته عن العيب وفي صفاته عن كل نقص وآفة ، فإنه

__________________

(١) في ك : إشارة خفية.

(٢) في ص : منه الرحمة.

(٣) في ص : إنما تؤخذ.

٣١٥

مصدر وصف به للمبالغة.

و « المؤمن » الذي أمن أولياؤه عذابه ، أو المصدق عباده المؤمنين يوم القيامة أو الذي لا يخاف ظلمه ، أو الذي لا يتصور أمن ولا أمان إلا من جهته.

و « المهيمن » القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم.

و « العزيز » الغالب القاهر أو ما يمتنع الوصول إليه.

و « الجبار » القهار أو المتسلط أو المغني من الفقر من جبره ، أي (١) أصلح كسره أو الذي تنفذ مشيته [ على سبيل الإجبار ] (٢) في كل أحد [ ولا تنفذ فيه مشية أحد ] (٣).

و « المتكبر » ذو الكبرياء ، وهي الملك أو ما يرى الملك حقيرا بالنسبة إلى عظمته.

و « البارئ » هو الذي خلق الخلق بريئا من الاضطراب.

و « الخالق » هو المقدر.

و « المصور » أي من قدر صور المخترعات. وتحقيق هذه الثلاثة (٤) إن كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى اختراع أولا ثمَّ إلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا ثمَّ إلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا.

و « الغفار » هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح.

و « الوهاب » المعطي كل ما يحتاج إليه لكل من يحتاج إليه.

و « الرزاق » خالق أرزاق المرتزقة وموصلها إليهم.

و « الخافض » و « الرافع » هو الذي يخفض الكفار بالإشقاء ويرفع المؤمنين

__________________

(١) في ص : إذا أصلح.

(٢) ما بين القوسين ليس في ص.

(٣) ما بين القوسين ليس في ص.

(٤) في ص : هذه المسألة.

٣١٦

بالإسعاد.

و « السميع » الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع خفي أو ظهر.

و « البصير » الذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى ، ومرجعهما إلى العلم لتعاليه سبحانه عن الحاسة والمعاني القديمة.

و « الحليم » الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثمَّ لا يسارع إلى الانتقام مع غاية قدرته.

و « العظيم » الذي لا يحيط بكنهه العقول.

و « العلي » الذي لا رتبة فوق رتبته.

و « الكبير » ذو الكبرياء في كمال الذات والصفات.

و « الحفيظ » الحافظ لذوات الموجودات والمزيل لتضاد العنصريات يحفظها عن الفساد.

و « الجليل » الموصوف بصفات الجلال من الغنى والملك والقدرة والعلم والتقدس عن النقائص.

و « الرقيب » هو العليم الحفيظ.

و « المجيب » هو الذي يقابل مسألة السائل بإسعافه والداعي بإجابته والمضطر بكفايته.

و « الحكيم » العالم بأفضل الأشياء بأفضل العلوم.

و « المجيد » الشريف ذاته الجميل أفعاله.

و « الباعث » محيي الخلق في النشأة الأخرى.

و « الحميد » هو المحمود المثنى عليه بأوصاف الكمال ، أو المثنى عليه على عباده بطاعتهم.

٣١٧

و « المبدئ » و « المعيد » الموجد بلا سبق مادة ولا مدة ، والمعيد لما فني من مخلوقاته بالحشر في يوم القيامة.

و « المحيي المميت » الخالق للموت والحياة.

و « الحي » الدراك الفعال.

و « القيوم » القائم بذاته وبه قيام كل موجود في إيجاده وتدبيره وحفظه.

و « الماجد » مبالغة في المجيد.

و « التواب » ميسر أسباب التوبة لعباده وقابلها منهم مرة بعد أخرى.

و « المنتقم » القاصم ظهور العصاة والشديد العقاب للطغاة.

و « العفو » الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي.

و « الرءوف » ذو الرأفة ، وهي شدة الرحمة.

و « الوالي » الذي دبر أمور الخلق ووليها مليا بولايتها ، أو المالك للأشياء المستولي عليها ، والغني في ذاته وصفاته ، والمغني لجميع خلقه.

و « الفتاح » الحاكم أو الذي بعنايته ينفتح كل مغلق.

و « القابض الباسط » هو الذي يوسع الرزق على عباده ويغيره بحسب الحكمة ويحسن القران بين هذين الاسمين ونظائرهما كالخافض والرافع والمعز والمذل والضار والنافع ، فإنه إنباء عن القدرة وأدل على الحكمة ، فالأولى لمن وقع بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كل اسم عن مقابله ، لما فيه عن الإعراب عن وجه الحكمة.

و « الحكم » الحاكم بمنعه الناس عن الظلم.

و « العدل » ذو العدل ، وهو مصدر أقيم مقام الاسم.

و « اللطيف » العالم بغوامض الأشياء ثمَّ يوصلها إلى المستصلح بالرفق دون

٣١٨

العنف ، أو البر بعباده الذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ويهيئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون.

و « الخبير » العالم بكنه الشي‌ء المطلع على حقيقته.

و « الغفور » و « الشكور » مبنيان للمبالغة ، أي يكثر مغفرته ويشكر بستر الطاعة.

و « المقيت » المقتدر أو خالق القوت وموصلة إلى البدن.

و « الحسيب » المحاسب أو الكافي (١) ، فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم من قولهم « أحسبني » أي أعطاني ما كفاني.

و « الواسع » الغني الذي وسع غناه عباده ووسع رزقه جميع خلقه ، وقيل هو المحيط بعلم كل شي‌ء.

و « الودود » المحب لعباده ، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، أي توده قلوب أوليائه بما ساق إليهم من المعارف وأظهر لهم من الألطاف.

و « الشهيد » الذي لا يغيب عنه شي‌ء.

و « الحق » المتحقق بوجوده أو الموجد للشي‌ء على ما يقتضيه الحكمة.

و « الوكيل » هو الكافي أو الموكل إليه جميع الأمور ، وقيل الكفيل بأرزاق العباد.

و « القوي » الذي لا يستولي عليه الضعف والعجز في حال من الأحوال.

و « المتين » هو الشديد القوة الذي لا يعتريه وهن ولا يمسه لغوب.

و « الولي » القائم بنصر عباده المؤمنين ، أو المتولي للأمر القائم به.

__________________

(١) في ص : أو المكافئ.

٣١٩

و « المحصي » الذي أحصى كل شي‌ء بعلمه فلا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر.

و « الواجد » أي الغني من الجدة ، أو الذي لا يعزب عنه شي‌ء (١) ، أو الذي لا يحول بينه وبين مراده حائل من الوجود.

و « الواحد الأحد » يدلان على معنى الوحدانية وعدم التجزي ، وقيل الفرق بينهما أن الواحد هو المتفرد بالذات لا يشابهه آخر والأحد المتفرد بصفاته الذاتية بحيث لا يشاركه فيها أحد.

و « الصمد » السيد الفائق في السؤدد الذي تصمد إليه الحوائج ، أي تصمد إليه الناس في حوائجهم.

و « القادر » الموجد للشي‌ء اختيارا ، و « المقتدر » أبلغ لاقتضائه الإطلاق ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى.

و « المقدم » و « المؤخر » المنزل للأشياء في منازلها وترتيبها في التكوين والتصوير والأزمنة والأمكنة على ما تقتضيه الحكمة.

و « الأول » و « الآخر » لا شي‌ء قبله ولا معه ولا بعده.

و « الظاهر » أي بآياته الباهرة الدالة على ربوبيته ووحدانيته ، أو العالي الغالب ، من الظهور بمعنى العلو والغلبة ، ومنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنت الظاهر فليس فوقك شي‌ء.

و « الباطن » الذي لا يستولي عليه توهم الكيفية ، أو المحتجب عن أبصارنا ، ويكون معنى الظاهر المتجلي لبصائرنا ، وقيل هو العالم بما ظهر من الأمور

__________________

(١) أي لا يغيب عنه شي‌ء.

٣٢٠