نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

٥ ـ ذكر المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المضلة ، وليقتصر على ذلك القدر.

قال العلامة (١) : من مات منهم ولا شيعة له تعظمه ولا خلف كتابا يقرؤن ولا ما يخشى إفساده لغيره ، فالأولى أن يستر بستر الله عزوجل ولا يذكر له عيبا البتة وحسابه على الله ، وقد قال عليه‌السلام اذكروا محاسن موتاكم (٢). وفي خبر آخر لا تقولوا في موتاكم إلا خيرا.

٦ ـ لو اطلع العدد الذي يثبت به الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحاكم بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته.

٧ ـ قيل إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فأجرى أحدهما ذكرها في

__________________

طريق الخاصة والعامة ، وقد أخرجناه في شرح التقدمة وهو شرح تقدمة كتابنا « تقويم الإيمان » عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بوروا أولادكم بحب علي بن أبي طالب فمن أحبه فاعلموا أنه لرشدة ومن أبغضه فاعلموا أنه لغية.

وعن قتادة قال : كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب : فإذا رأينا أحدهم لا يحبه علمنا أنه لغير رشدة. وفي الحديث الخاص من طريق رئيس المحدثين بإسناده عن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » إن الله حرم الجنة على كل فحاش بذي‌ء قليل الحياء لا يبالي بما قال ولا بما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان ـ الحديث.

ومن أعاجيب الأغاليط وتعاجيب التوهمات ما يقرع السمع هناك من حسبان اللام أصلية وتخايل أن تكون الكلمة بضم اللام وإسكان الغين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت أي ملغى وأن تكون بالعين المهملة المفتوحة أو الساكنة والنون أي من دأبه أن يلعن الناس أو يلعنوه. انتهى كلامه رفع مقامه ونقلناه عن حاشيتنا على مجمع البحرين.

(١) في ك والقواعد. قال العامة.

(٢) الجامع الصغير. ٣٧ عن أبي داود والترمذي والبيهقي والحاكم.

٢٨١

غيبة ذلك العاصي جاز ، لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا. والأولى التنزه عن هذا لأنه ذكر له بما يكره لو كان حاضرا ولأنه ربما ذكر أحدهما صاحبه بعد نسيانه أو كان سببا لاشتهارها.

( العاشر وهو نوعان )

الأول : صلة الأرحام.

قاعدة :

كل رحم توصل للكتاب والسنة والإجماع على الترغيب في صلة الأرحام والكلام فيها في مواضع :

( الأول ) ما الرحم ، والظاهر أنه المعروف بنسبة وإن بعد وإن كان بعضه آكد من بعض ذكرا كان أو أنثى ، وقصره بعض العامة على المحارم الذي يحرم التناكح بينهم إن كانوا ذكورا وإناثا ، وإن كان من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والآخر أنثى ، فإن حرم التناكح فهم رحم ، واحتج بأن تحريم الأختين إنما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم وكذا الجمع بين العمة والخالة ، وابنة الأخ والأخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقا عندهم.

وهذا بالإعراض عنه حقيق ، لأن الوضع اللغوي يقتضي ما قلناه والعرف أيضا ، والأخبار دلت عليه ، وفيها تباعد لا بأكثره.

وقوله تعالى « فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ » (١) عن علي صلوات الله عليه وآله أنها نزلت في بني أمية. أورده علي بن إبراهيم

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٢٢.

٢٨٢

في تفسيره (١). وهو يدل على تسمية القرابة المتباعدة رحما.

( الثاني ) ما العلة التي يخرج بها عن القطيعة؟

الجواب المرجع في ذلك إلى العرف ، لأنه ليس له حقيقة شرعية ولا لغوية وهو يختلف بالعادات وبعد المنازل وقربها.

( الثالث ) بم الصلة؟

والجواب قال صلى‌الله‌عليه‌وآله بلوا أرحامكم ولو بالسلام (٢). وفيه تنبيه على أن السلام صلة.

ولا ريب أنه مع فقر بعض الأرحام وهم العمودان تجب الصلة بالمال ، وتستحب لباقي الأقارب ، ويتأكد في الوارث وهو قدر النفقة ومع الغنى فبالهدية في الأحيان بنفسه أو رسوله ، وأعظم الصلة ما كان بالنفس. وفيه أخبار كثيرة.

ثمَّ بدفع الضرر عنها ، ثمَّ بجلب النفع إليها ، ثمَّ بصلة من يحب وإن لم يكن رحما للواصل كزوجة الأب والأخ ومولاه ، وأدناها السلام بنفسه ورسوله والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر.

( الرابع ) هل الصلة واجبة أو مستحبة؟

والجواب أنها تنقسم إلى الواجب وهو ما يخرج به عن القطعية ، فإن قطيعة

__________________

(١) الصافي : ٤٦٦ عنه وعن الكافي.

(٢) البحار ٧٤ / ١٠٤ نقلا عن « كتاب الإمامة والتبصرة » وفيه صلوا أرحامكم في الدنيا ولو بسلام. قال في مجمع البحرين : في الحديث بلوا أرحامكم ولو بالسلام أي ندوها بصلتها وهم يطلقون النداوة على الصلة كما يطلقون اليبس على القطعية لأنهم لما رأوا بعض الأشياء تتصل وتختلط بالنداوة ويحصل بينهما التجافي والتفرق باليبس استعاروا البلل بمعنى الوصل واليبس بمعنى القطيعة.

٢٨٣

الرحم معصية ، بل قيل هي من الكبائر. والمستحب ما زاد على ذلك.

وتظافرت الأخبار بأن صلة الرحم تزيد في العمر ، فأشكل هذا على كثير من الناس باعتبار أن المقدرات في الأزل والمكتوبات في اللوح المحفوظ لا تتغير بالزيادة والنقصان لاستحالة خلاف معلوم الله تعالى وقد سبق العلم بوجود كل ممكن أراد وجوده وبعدم كل ممكن أراد بقاءه على حالة العدم الأصلي أو إعدامه بعد إيجاده ، فكيف يمكن الحكم بزيادة العمر أو نقصانه بسبب من الأسباب.

واضطربوا في الجواب ، فتارة يقولون هذا على سبيل الترغيب ، وتارة المراد به الثناء الجميل بعد الموت ، قال الشاعر :

ذكر الفتى عمرة الثاني وحاجته (١)

ما فاته وفضول العيش أشغال

وقال : ماتوا فعاشوا بحسن الذكر بعدهم (٢).

وقيل : بل المراد زيادة البركة في الأجل ، أما في نفس الأجل فلا ، وهذا الإشكال ليس بشي‌ء « أما أولا » فلوروده في كل ترغيب مذكور في القرآن والسنة حتى الوعد بالجنة والنعيم بالإيمان وبجواز الصراط والحور والولدان ، وكذلك التوعد بالنيران وكيفية العذاب.

لأنا نقول : إن الله تعالى علم ارتباط الأسباب بالمسببات في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ ، فمن علمه مؤمنا فهو مؤمن أقر بالإيمان أو لا بعث إليه نبيا أو لا ومن علمه كافرا فهو كافر على التقديرات. ثمَّ هذا اللازم الذي ذكروه ويبطل الحكمة في بعث الأنبياء والأوامر الشرعية والمناهي ومتعلقاتها ، وفي ذلك هدم

__________________

(١) في القواعد : عمر الفتى ذكره الباقي وغايته.

(٢) عجزه في القواعد ونحن في صورة الأحياء أموات.

٢٨٤

الأديان.

والجواب عن الجميع واحد ، وهو أن الله تعالى كما علم كمية العمر علم ارتباطه بسببه المخصوص ، وكما علم من زيد دخول الجنة جعله مرتبطا بأسبابه المخصوصة من إيجاده وخلق العقل له وبعث الأنبياء ونصب الألطاف وحسن الاختيار والعمل بموجب الشرع (١) ، فالواجب على كل مكلف الإتيان بما لزمه.

ولا يتكل على العلم ، فإنه مهما صدر عنه فهو المعلوم بعينه ، فإذا قال الصادق عليه‌السلام إن زيدا إذا وصل رحمه زاد الله في عمره ثلاثين سنة ففعل كان ذلك أخبارا بأن الله تعالى عليم بأن زيدا يفعل ما يصبر به عمره زائدا ثلاثين سنة ، كما أنه إذا أخبر أن زيدا إذا قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، ففعل تبينا أن الله علم أنه يقول ويدخل الجنة.

وبالجملة جميع ما يحدث في العالم معلوم لله تعالى على ما هو عليه واقع من شرط أو سبب ، وليس نصب صلة الرحم زيادة في العمر إلا كنصب الإيمان سببا في دخول الجنة والعمل بالصالحات في رفع الدرجة والدعوات في تحقق المدعو به ، وقد جاء في الحديث لا تملوا من الدعاء فإنكم لا تدرون متى يستجاب لكم. وفي هذا سر لطيف ، وهو أن المكلف عليه الاجتهاد ، ففي كل ذرة من الاجتهاد إمكان سببيته لخير علمه الله تعالى ، كما قال تعالى ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٢).

والعجب كيف نصب الإشكال في صلة الرحم ، ولم يذكر في جميع التصرفات الحيوانية ، مع أنه وارد فيها عند من لا يتفطن للمخرج منه.

فإن قلت : هذا كله مسلم ، ولكن قد قال تعالى

__________________

(١) في ص : بواجب الشرع.

(٢) سورة العنكبوت : ٦٩.

٢٨٥

« وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » (١) وقال تعالى « وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها » (٢).

قلت : الأجل صادق على كل ما يسمي أجلا موهبيا وأجلا مسببيا ، فيحمل ذلك على الموهبي ويكون فيه وفاء لحق اللفظ كما تقدم في قاعدة الجزئي والجزء.

ويجاب أيضا : بأن الأجل عبارة عما يحصل عنده الموت لا محالة ، سواء كان بعد العمر الموهبي أو المسببي ، ونحن نقول كذلك ، لأنه عند حضور أجل الموت لا يقع التأخر. وليس المراد به العمر ، إذ الأجل مجرد الوقت.

وينبه على قبول العمر للزيادة وللنقصان (٣) بعد ما دلت عليه الأخبار الكثيرة قوله تعالى « وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلّا فِي كِتابٍ » (٤).

( الثاني ) حق الوالدين وما يتبعه.

قاعدة :

لا ريب أن كلما يحرم أو يجب للإجابة للأجانب يحرم أو يجب للأبوين ، وينفردان بأمور :

( الأول ) تحريم السفر المباح بغير إذنهما وكذا السفر المندوب. وقيل بجواز سفر التجارة وطلب العلم إذا لم يمكن استيفاء التجارة والعلم في بلدهما.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣٤.

(٢) سورة المنافقون : ١١.

(٣) في ص : الزيادة والنقصان.

(٤) سورة فاطر : ١١.

٢٨٦

( الثاني ) قال بعضهم : يجب عليه طاعتهما في كل فعل وإن كان شبهة ، فلو أمراه بالأكل معهما من مال يعتقد شبهة أكل ، لأن طاعتهما واجبة وترك الشبهة مستحب.

( الثالث ) لو دعواه إلى فعل ، وقد حضرت الصلاة فلتؤخر الصلاة وليطعهما كما قلناه.

( الرابع ) هل لهما منعه من الصلاة جماعة؟ الأقرب أنه ليس لهما منعه مطلقا بل في بعض الأحيان بما يشق عليهما مخالفته ، كالسعي في ظلمة الليل إلى العشاء والصبح.

( الخامس ) لهما منعه من الجهاد مع عدم التعيين ، لما صح أن رجلا قال : يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد. فقال : هل من والديك أحد؟ قال : نعم كلاهما. قال : أفتبتغي الأجر من الله؟ قال : نعم. قال « صلى‌الله‌عليه‌وآله » : فارجع إلى والديك بأحسن صحبتهما (١).

( السادس ) الأقرب أن لهما منعه من فروض الكفاية إذا علم قيام الغير أو ظن لأنه يكون حينئذ كالجهاد الممنوع.

( السابع ) قال بعض العلماء : لو دعواه في صلاة نافلة قطعها ، لما صح عن رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » أن امرأة نادت ابنها وهو في صومعة قالت : يا جريح. قال : اللهم أمي وصلاتي. فقالت : يا جريح. فقال : اللهم أمي وصلاتي. فقالت : لا تموت حتى تنظر في وجوه المومسات (٢) الحديث.

__________________

(١) راجع الكافي ٢ / ١٥٧.

(٢) في ص : في فروج المومسات. وفي البحار : في وجوه المومسات. والمومسات : الزانيات ، والحديث في البحار ٧٤ / ٧٥ نقلا عن « قصص القرآن » للراوندي. وفي هذا النقل فانصرفت وهي تقول : أسأل إله بني إسرائيل أن يخذلك. فلما كان من الغد جاءت

٢٨٧

وبعض الروايات أنه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » قال لو كان جريح فقيها لعلم أن أجابه أمه أفضل من صلاته.

وهذا الحديث يدل على قطع النافلة لأجلهما ، ويدل بطريق الأولى على تحريم السفر ، لأن غيبة الوجه فيه أعظم ، وهي كانت تريد النظر إليها والإقبال عليها.

( الثامن ) كف الأذى عنهما وإن كان قليلا بحيث لا يوصله الولد إليهما ، ويمنع غيره من إيصاله بحسب طاقته.

( التاسع ) ترك الصوم ندبا إلا بإذن الأب ، ولم أقف على نص في الأم.

( العاشر ) ترك اليمين والعهد إلا بإذنه أيضا ما لم يكن في فعل واجب أو ترك محرم ، ولم نقف في النذر على نص خاص. إلا أن يقال : هو يمين يدخل في النهي عن اليمين إلا بإذنه.

تنبيه :

بر الوالدين لا يتوقف على الإسلام ، لقوله تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً ) (١) ( وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما

__________________

فاجرة وقعدت عند صومعته قد أخذها الطلق فادعت أن الولد من جريح ففشا في بني إسرائيل أن من كان يلوم الناس على الزنا قد زنى وأمر الملك بصلبه ، فأقبلت أمه إليه فلطمت وجهها فقال لها : اسكتي إنما هذا لدعوتك. فقال الناس لما سمعوا ذلك منه : وكيف لنا بذلك؟ قال : هاتوا الصبي فجاءوا به فأخذه ، فقال : من أبوك؟ فقال : فلان الراعي لبني فلان ، فأكذب الله الذين قالوا ما قالوا في جريح فحلف جريح ألا يفارق أمه يخدمها.

(١) سورة العنكبوت : ٨.

٢٨٨

فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) (١) وهو نص ، وفيه دلالة على مخالفتهما في الأمر بالمعصية ، وهو كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٢).

فإن قلت : ما تصنع بقوله تعالى « فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ » (٣) وهو يشمل الأب ، وهذا منع من المباح ، فلا يكون طاعته واجبة فيه أو منع من المستحب فلا يجب طاعته في ترك المستحب.

قلت : الآية في الأزواج ولو سلم الشمول ، إذ التمسك في ذلك بتحريم العضل. فالوجه فيه أن للمرأة حقا : في الإعفاف والتضرر (٤) ، ودفع ضرر مدافعة الشهوة ، والخوف من الوقوع في الحرام ، وقطع وسيلة الشيطان عنهم (٥) بالنكاح. وأداء الحقوق واجب على الآباء للأبناء كما وجب العكس. وفي الجملة النكاح مستحب ، وفي تركه تعرض لضرر ديني ودنيوي ، ومثل هذا لا يجب طاعة الأبوين فيه.

فائدة وسؤال :

جاء في الحديث عن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » أنه قال له رجل : يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال : أمك. قال : ثمَّ من؟ قال : أمك. قال : ثمَّ من؟

__________________

(١) سورة لقمان : ١٥.

(٢) الفقيه ـ روضة المتقين ـ ١٣ / ٢٩ ، عيون الأخبار ٢ / ٤٣ فيه لا دين لمن دان بطاعة المخلوق ومعصية الخالق.

(٣) سورة البقرة : ٢٣٢.

(٤) في ك : والتصون.

(٥) في ص : عنها.

٢٨٩

قال : أبوك (١).

ذكر الأم مرتين ، وفي رواية أخرى ثلاثا فقال بعض العلماء : هذا يدل على أن للأم إما ثلثي الابن (٢) على الرواية الأولى أو ثلاثة أرباعه على الرواية الثانية وللأب أما الثلث أو الربع ، فاعترض بعض من المستطيعين (٣) بأن هنا سؤالان :

الأول ـ أن السؤال بأحق عن أعلى رتبة البر فعرف الرتبة العالية ، ثمَّ سأل عن الرتبة التي تليها بصيغة ثمَّ التي هي للتراخي الدالة على نقص رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول في البر ، فلا بد أن يكون الرتبة الثانية أخفض من الأولى [ وكذا الثالثة أخفض من الثانية ] (٤) فلا يكون رتبة الأب مشتملة على ثلث البر وإلا لكانت الرتب مستوية وقد ثبت أنها مختلفة فنصيب الأب أقل من الثلث قطعا أو أقل من الربع قطعا فلا يكون ذلك الحكم صوابا.

الثاني ـ أن حرف العطف يقتضي المغايرة ، لامتناع عطف الشي‌ء على نفسه ، وقد عطف الأم على الأم.

الثالث ـ أن السائل إنما سأل ثانيا عن غير الأم فكيف يجاب بالأم؟ والجواب يشترط فيه المطابقة.

وأجاب عن هذين بأن العطف هنا محمول على المعنى كأنه لما أجيب أولا بالأم ، قال : فلمن أتوجه ببري بعد فراغي منها. فقيل له : للأم وهي مرتبة ثانية دون الأولى كما ذكر أولا ، فالأم المذكورة ثانيا هي المذكورة أولا بحسب

__________________

(١) راجع الكافي ٢ / ١٥٧ ، البحار ٧٤ / ٢٢. ونص الرواية أخرجها البخاري في صحيحه في « باب من أحق الناس بحسن الصحبة » من كتاب الأدب.

(٢) في القواعد : على أن للأم إما ثلثي الأب.

(٣) في القواعد : بعض المستضعفين.

(٤) في ص ليس ما بين القوسين.

٢٩٠

الذات وإن كانت غيرها بحسب العرض وهو كونها في الرتبة الثانية من البر.

وإذا تغايرت الاعتبارات جاز العطف ، مثل « زيد أخوك وصاحبك ومعلمك » وأعرض عن الأول كأنه يرى أن لا جواب عنه ثمَّ تبحج به.

قلت : السؤال ليس [ إلا ] عن أكثر الناس استحقاقا بحسن الصحابة لا عن أعلى رتب حسن الصحابة ، فالعلو منسوب إلى المبرور على تفسيره حسن الصحابة بالبر لا إلى نفس البر.

مع أن قوله : نقص رتبة الفريق الثاني عن الفريق الأول مناف لكلامه الأول إن أراد بالفريق الأول المبرورين ، وإن أراد بالفريق من البر ورد عليه الاعتراض الأول.

وقوله الرتبة الثانية أخفض من الأولى مبني على أمرين فيهما منع : أحدهما أن أحق هنا للزيادة على من فضل عليه لأنها للزيادة مطلقا كما تقرر في العربية من احتمال المعنيين ، والثاني أن ثمَّ لما أتى بها السائل للتراخي كانت في كلام النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » للتراخي.

ومن الجائز أن يكون للزيادة المطلقة ، بل هذا أرجح بحسب المقام ، لأنه لا يجب بر الناس بأجمعهم بل لا يستحب ، لأن منهم البر والفاجر ، فكأنه سأل عن من له حق في البر فأجيب بالأم ثمَّ سأل عن من له حق بعدها.

فأجيب بها منبها على أنه لم يفرغ من برها بعد ، لأن قوله « ثمَّ من » صريح في أنه إذا فرغ من حقها في البر لمن يبر ، فنبه على أنك لم تفرغ من برهان بعد فإنها الحقيقة بالبر فأفاده الكلام الثاني الأمر ببرها كما أفاده الكلام الأول وأنها حقيقة بالبر مرتين.

ولا يلزم من إتيان السائل بثم الدلالة على التراخي كون البر الثاني أقل من

٢٩١

الأول ، لأنه بناه على معتقده من الفراغ من البر ثمَّ ظن الفراغ من البر.

فأجيب : بأنك لم تفرغ منه بعد بل عليك ببرها فإنها حقيقة به ، فكأنه أمره ببرها مرتين وببر الأب مرة في الرواية الأولى وببرها ثلاثا وببره مرة في الرواية الثانية ، وذلك يقتضي أن يكون للأب مرة من ثلاث أو مرة من أربع ، وظاهر أن تلك الثلث أو الربع.

وبهذا يندفع السؤالان الآخران لأنه لا عطف هنا إلا في كلام السائل. سلمنا أن أحق للأفضلية على من أضيف إليه وأن جملة من أضيف إليه الأب ، لكن نمنع أن الأحقية الثانية ناقصة عن الأولى ، لأنه إنما استفدنا نقصها من إتيان السائل بثم معتقدا أن هناك رتبة دون هذه ، فسأل عنها ، فأجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله « أمك ». وكلامه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » في قوة أحق الناس بحسن صحابتك أمك ، أحق الناس بحسن صحابتك أمك.

وظاهر أن هذه العبارة لا تفيد إلا مجرد التوكيد ، إلا أن الثاني أخفض من الأول. فالحاصل على تقدير الأمر ببر الأم مرتين أو ثلاثا ، والأمر ببر الأب مرة واحدة ، سواء قلنا إن أحق بالمعنى الأول أو المعنى الثاني.

فائدة :

هل للأبوين المنع من سفر طلب العلم؟ الأقرب لا ، إلا أن يكون متمكنا من فعله عندهما على حد يمكنه مع السفر. نعم يستحب الاستئذان ، ولو كان واجب التعلم وتعذر إلا بالسفر فلا حجر ، أما لو كان طالبا درجة الفتوى ـ وهو مترشح لذلك ـ فإن لم يكن في البلد مستقل بها فهو ملحق بالواجب ـ وإن كان فهو ملحق بالمستحب.

ولو خرج لطلب الفتوى وليس في البلد مستقل فخرج معه جماعة فهل

٢٩٢

للأبوين المنع؟ يمكن القول به إن قلنا لهم منعه من المستحب ، لأن كل واحد منهم قد يقوم مقامه. والأولى عدمه ، إذ الخارجون معه قد لا يحصل منهم الغرض التام.

ويجوز أيضا سفر التجارة إذا لم يكن متمكنا من تحصيلها في بلده ، وكذا لو كان في سفره زيادة توقع ربح أو إرفاق أو زيادة فراغ (١) أو حذق أستاذ بالنسبة إلى طلب العلم ، ولهما منعه من سفر التجارة مع الخوف الظاهر ، كالسير في البوادي الخطرة وركوب البحر.

ويلحق بهذا الباب أحكام تتعلق بالأبوين والنسب :

( الأول ) يتبع النسب أحكام ، كولاية أحكام الميت ، والحضانة ، والإرث ، وانتقال الولاء ، واستحباب الوصية (٢) ، والعقل ، وولاية النكاح ، والمال ، والمطالبة بالحد والقصاص ، وسقوط القصاص في بعض صوره.

ويترتب على الإرث استحقاق الشفعة والقصاص والخيار ، فيتبع النسب (٣) وجوب النفقة والعتق وعدم قبول الشهادة في صورة شهادة الابن على أبيه وعدم الدفع من الزكاة إلا في مثل الغرم وتحريم الموطوءة والمعقود عليها بالنسبة إلى الأب وولده وثبوت المحرمية.

( الثاني ) يسري إلى الولد المتجدد : التدبير ، والرهن في الأصح ، والضمان في الغاصب ، والأمانة في الودعي ، والكتابة ، والوقف في وجه قوي ، والأضحية المنذورة بعينها ، والحرية إلا مع شرط المولى رقية ولد الحرة على قول ، والرقية

__________________

(١) في ص أو إنفاق أو زيادة مرابح.

(٢) واستحسان الوصية.

(٣) في ص : فيتبع البر.

٢٩٣

إذا كان الواطئ عالما بالتحريم ، وولد الأمة المنذور عتقها لو تجدد بعد حصول الشرط وقبله تردد ، وملك المشتري وإن كان في زمن خيار البائع لو حملت به فيه.

وفي ولد الأمة الموصى بها وجه بعيد ، ويقوى لو تجدد بعد الوفاة قبل القبول على القول بالكشف.

( الثالث ) في الاعتداد بالأبوين أو بأحدهما بالنسبة إلى الولد ، وهو أقسام :

الأول : ما يعتد فيه بالأبوين ولا يكفي أحدهما ، كالإسهام في الجهاد للفرس لا للبغل ، وفي الحل والحرمة في الظاهر ، وفيما يجري في الأضحية والهدي والعقيقة كذلك ، والزكاة. ويمكن مراعاة الاسم هنا ، ومنه الخلاف في المتولد بين وحشي وأنسي أو ما يحل ويحرم بالنسبة إلى المحرم.

الثاني : ما يعتد فيه بالأب ، وهو النسب خلافا للمرتضى ويتبعه استحقاق الخمس والوقف والوصية ومهر المثل يعتبر بأقرباء الأب ، والولاء يغلب فيه جانب الأب.

ولو ضرب الإمام على أفراد قبيل جزية وعلى أفراد قبيل آخر جزية مخالفة للأخرى ثمَّ تولد ولد بين رجل وامرأة من القبيلين أمكن اعتبار جانب الأب.

ولو تولد بين وثني وكتابي فالظاهر أن ديته ثابتة على قاتله لإقراره بالجزية إن كان الأب كتابيا. ويمكن إقراره بالأم أيضا.

أما حجب الإخوة فالمعتبر فيه جانب الأب ، سواء كانت الأم واحدة أو لا.

الثالث : ما يعتد فيه بالأم وحدها ـ وهو الجنين المملوك ـ يعتبر بعشر قيمة أمه على رواية ، والمشهور اعتباره بالأب. والعامة يعتبرونه (١) في صورتين :

__________________

(١) في ك : والعامة يعتدونه.

٢٩٤

إحداهما ـ الحرية ، فمتى كانت حرة كان ولدها حرا. وهي عندنا معتبرة بأحد الأبوين.

وثانيتهما ـ الرقية ، فمتى كانت الأم رقا كان الولد عندهم رقا إلا في مواضع فإنه حر ، كوطء الحر أمة لظنها زوجته الحرة ، ووطء المولى الحر مملوكته ، ووطء الحر الأمة التي عين نكاحها (١) ، ووطء الأب جارية ابنه ، ونكاح المسلم حربية للشبهة ثمَّ استرقت بعد الحمل فإن ولدها لا يسترق لأنه مسلم في الحكم.

الرابع : ما يعتد فيه بأيهما كان كالإسلام وحرمة الأكل بحرمة أي الأبوين كان ، والنجاسة بنجاسة أيهما كان مع احتمال اعتبار الاسم ، وضرب الجزية في وجه ، والمناكحة متعة أو بملك اليمين لو كانت امرأة ، وحقن الدم (٢) إذا أسلم أحد الأبوين الحربي قبل الظفر به ، ورد المبتدئة الفاقدة للتمييز إلى عادة نسائها تعتبر بهن من أي جهة كانت.

( الرابع ) الأغلب استواء الأب والجد في الأحكام ، كما في وجوب النفقة عليهما ولهما ، واشتراكهما في الولاية في المال ، والنكاح على طريقة الإجبار ، وانعتاقهما بالملك ، وبيع مال الطفل من نفسه وبيع ماله على الطفل ، وسقوط قودهما ، وتبعيتهما في تجدد إسلام أحدهما حيا كان الآخر أو ميتا والولد صغير ، ومنعهما من تبعية السابي في الإسلام إذا كان الصغير مع أحدهما ، واستئذانهما في سفر الجهاد وسائر الأسفار إذا لم يجب ، وكذا الأجداد ويختلفان في صور :

منها : أن الأب يحجب الإخوة والجد يشاركهم. والتفرقة بين الولد والأم أشد منها بين الأب وبنيه ، إذ لا نص في جانب الأب إلا ما ذكره ابن الجنيد من

__________________

(١) في ك : غبن نكاحها.

(٢) في هامش ص : وحق الدم.

٢٩٥

إجرائه مجرى الأم وطرد الحكم في الأجداد والإخوة والأخوات.

ولو أسلم الكافر قبل الاستيلاء أحرز ولده إلا صاغر ، والظاهر أنه يجوز (١) أولاد ابنه الأصاغر. ويمكن اشتراط كون الأوسط ميتا ، فلو كان حيا التحق الولد به.

الثاني (٢) في التوابع

وفيه أبحاث :

( الأول ـ في الحقوق )

قاعدة :

في ازدحام الحقوق ، وهي وجوه ثلاثة :

( أحدها ) حقوق الله تعالى ، فتقدم الصلاة عند ضيق الوقت على الراتبة وعلى القضاء وعلى النوافل المطلقة مع اتساع الوقت وتقديم الوتر ، وسنة الفجر على صلاة الليل عند الضيق ، والصوم والنسك الواجبين على نفلهما.

والظاهر أنه لا ترتيب بين الصدقة الواجبة والمندوبة.

وتقديم الغسل الواجب على المستحب ، وتقديم المتبرع بالماء الجنب على الميت والمحدث ، وقيل الميت أولى. وتقديم الجنب على الحائض ، وتقديم غسل الجنابة على رفع الحدث.

والأقرب تقديم غسل الجمعة على الأغسال المندوبة لو جامعت ولم يسع

__________________

(١) في ص وهامش ك : أنه يحرز.

(٢) أي القسم الثاني من المرصد الثاني من المقصد الأول.

٢٩٦

الماء الجميع أو وسع الماء (١) الجميع ليفوز بفضيلة الدخول (٢) إلى المسجد مغتسلا.

وقد يتعارض أمران مهمان فيقدم الأهم ، كما أن الصلاة جماعة مستحبة وفي المسجد مستحبة ، فلو تعارضا فالأقرب (٣) أن الجماعة أولى وإن كانت في البيت ، وصلاة النفل في المنزل أفضل وإن كان المسجد أفضل من المنزل ، لأنه أبعد من الرياء والإعجاب وادعى (٤) إلى الخشوع والإخلاص.

ولو قلنا باستحباب الرمل في أوائل الطواف ولم يمكن إلا بالبعد من البيت فالأقرب أن البعد أفضل ليحصل الرمل وإن كان الدنو في أصله أفضل ، وكذا لو أدى الدنو إلى مزاحمة تتعرض بضرورة (٥) أو غيره.

وقد تتساوى حقوق الله تعالى فيتخير المكلف حينئذ لعدم المرجح ، كمن عليه صوم فائت من رمضانين. ويحتمل تقديم الثاني.

أما الفدية عن رمضان فالأقرب أن لا ترجيح بين الرمضانين.

ومن عليه نذران دفعة يقدم ما شاء ، ولو نذر شاتين لسببين ولم يكن عنده إلا واحدة خصها بما شاء ، ولو نذر حجا وعمرة دفعة قدم ما شاء.

وقد اختلف في مواضع ، كالصلاة في الثوب النجس وعاريا ، وتخصيص القبل بالستر عند عدم ما يستر العورتين جميعا ، وتقديم التيمم أو تأخيره مع اليأس من الماء إلى آخر الوقت أو مع الطمع ، وتقديم الفائتة على الحاضرة

__________________

(١) في ص : أو يسع الماء.

(٢) في ص « السبق » بدل « الدخول ».

(٣) في ص : فالأقوى.

(٤) في هامش ك : وأرعى.

(٥) في ك : بضرره.

٢٩٧

وتقديم جميع أصحاب الأعذار في أول الوقت أو تأخيره.

والخلاف هنا في الاستحقاق والاستحباب والتأخير لأجل الجماعة مع تيقنها أو ترجيحها أو تقدمه في الصف الأول لو استلزم فوت ركعة ، فهل الصف الأخير حينئذ أفضل لفوزه بالركعة أو الأول؟ فيه نظر ، وأقوى في النظر ما لو سعى إلى الأول لإدراك الركوع وإن يحرم عنده إدراك الركعة من أولها. ولعل الأقرب السعي.

ولا إشكال أن الصف الأخير أولى لو استلزم السعي فوات الركعة الأخيرة والاقتصار على إدراك السجود أو التشهد ، لأن إدراك فضيلة الجماعة بهذين غير معلوم بخلاف الركعة ، ولو وجد العاري المضطر أو المختار ثوبي حرير ونجس ففي ترجيح أيهما احتمال.

ولو تزاحم إدراك عرفة وصلاة العصر ففي التقديم أوجه :

( الأول ) تقديم الصلاة والاجتزاء بالاضطراري ، فيشكل لو تردد الحال في الاضطراري وصلاة العشاء على القول بامتدادها إلى الفجر.

( الثاني ) تقديم الوقوف ، لأن فوات الحج يستلزم مشقة كثيرة ولا يستدرك إلا في السنة القابلة وقد يدركه الموت ، ويتحقق هذا في وقوف المشعر مبيتا إذا كان قد فاته عرفات بالكلية ولم نقل بالاجتزاء باضطراري المشعر وكان المعارض له صلاة الصبح.

( الثالث ) أن يصلي ماشيا إليه. وهذا أقوى ، لأن فيه جمعا بين الأمرين ، وقد شرعت الصلاة مع المشي لما هو أسهل من هذا كالخائف وغيره.

( وثانيها ) حقوق العباد فقد تكون متساوية ، كتسوية الحاكم بين الخصوم والزوج بين النسوة في القسم والنفقة ، والقريب في نفقة المتساويين في الدرجة وتخير المرأة في توكيل الأخوين المتساويين في السن ، واستواء الشركاء في قسمة ما لا ضرر فيه ، والبائع والمشتري في القبض معا ، والشركاء في شقص مشفوع إما

٢٩٨

ابتداء على القول بثبوتها مع الكثرة أو استدامة كما لو ورثوا شفيعا ، وتسوية الغرماء في التركة ومال المفلس مع القصور.

وقد يرجح بعضها ، كتقديم نفقته على نفقة الزوجة ثمَّ الزوجة ثمَّ الأقارب ، وتقديم نفقته على الغرماء في أيام الحجر ويوم القسمة ، وتقديم ذي العين بها في المفلس مطلقا وفي الميت مع الوفاء ، وتقديم المضطر في المخمصة على مالك الطعام المستغنى عنه ، وتقديم الرجل على المرأة في الصلاة في المكان الضيق وفي الجنائز والدفن في لحد واحد عند الضرورة ، وتقديم الأقرأ فالأفقه في الجماعة ، وتقديم السابق في الجناية في القصاص على احتمال ، أما تقديم صاحب الطرف المقدم فلا ريب فيه.

والتقديم في السبق إلى المساجد والمباحات ، وتقديم الفاسخ على المجيز في [ اجتماع ] الخيارين في البيع والنكاح ، وتقديم الشفيع على المشتري في المفلس ، والتقديم في الإرث بالقرب أو بقوة السبب باجتماع السببين ، والتقديم في الحضانة.

ومنه تقديم البر على الفاجر في الإعتاق ، والأرفع قيمة على الأخس ، والأتقى على التقي لأن العتق إحسان وكلما صادف الإحسان الأفضل كان أفضل ، وكذا تقديم القريب على غيره لاجتماع العتق والصلة ، ومن هو في شدة على غيره لأنه يدفع عنه مع ذل الرق إيذاء الجهد بل شراؤه لترفيهه فيه ثواب عظيم.

ومنه في الدفاع يقدم عن النفس ثمَّ العضو ثمَّ البضع ثمَّ المال إذا لم يمكن الجمع ، والدفع عن الإنسان على الدفع عن باقي الحيوانات إما للأشرفية أو للأهمية وإما لأن تحمل أخف المفسدتين أولى من تحمل الأعظم ، أو مفسدة فوات النفس والعضو أعظم مفسدة من فوات البضع ومفسدة فوات البضع أعظم مفسدة من مفسدة فوات المال.

( وثالثها ) اجتماع حق الله وحق العباد. ولا ريب في تقديم العبادات كلها

٢٩٩

على راحة البدن بالترفه ، والانتفاع بالمال تحصيلا لمصلحة العبد في الفوز بثواب الله تعالى ورضوانه ، ودفع الغرر (١) في البيع فلا يسقط برضى المتبايعين ، ووجوب حد الزنا بالإكراه وإن أسقطته المزني بها أو عصباتها وإن كان في ذلك دفع العار عنهم ، وتحريم وطء الزوجة المتحيرة وتضعيف الغسل عليها مرارا والصيام مرتين عند من قال به من الأصحاب ، وتقدم حق العبد في مثل الأعذار المجوزة للتيمم مع وجود الماء لخوف المرض والشين وزيادة المرض ، وكالأعذار المبيحة لترك الجمعة والجهاد والجماعة ، وفي التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه ، وكتقديم قتل القصاص على القتل بالردة ، ورخص السفر من القصر والفطر ، وليس الحرير للحرب والحكة ، والتداوي بالنجاسات حتى بالخمر شربا على قول ، وجواز التحلل بالصد والإحصار.

ويقع الشك في مواضع ، كاجتماع حق سراية العتق والدين ، ووجدان المضطر ميتة ، وطعام الغير.

والمحرم إذا كان مستودعا صيدا فهل يرسله لحق الله تعالى أو يبقيه لحق الآدمي أو يرسله ويضمن الآدمي.

ولو أصدقها صيدا وطلق وهو محرم فإنه قيل بدخول مثل هذا في ملكه ، لما كان قهرا على الصحيح ، فحينئذ هل يرسله ويضمن لها يعينها (٢) تغليبا لحق الله تعالى ، أو تبقيه ويضمن لها نصف الجزاء إن تلف عندها ، أو يكون مخيرا؟

ولو مات وعليه دين وزكاة أو خمس أو هما مع الدين ، فالأقرب التوزيع. ونقل بعض الأصحاب تقديم الزكاة ، لقول النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » فدين الله أحق أن

__________________

(١) في هامش ك : الضرر.

(٢) في ك : نصيبها.

٣٠٠