نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

شرف الطاعة المفعولة فيها لا باعتبار أجرامها أو أعراض قائمة بها.

وكذلك قد وقع التفضيل بين الأزمنة ، كشهر رمضان والجمع والأيام الأربعة والليالي الأربع (١) وأزمنة الاغتسال.

( السادس ـ الجهاد وأحكام الكفار والمرتد )

قاعدة :

لا يقر من الكفار على كفره غير أهل الكتاب بشرائط الذمة.

وللمرتد خصائص : المؤاخذة بأحكام المسلمين ، والأمر بقضاء فائت العبادة إذا قبلت منه التوبة ، وعدم صحة نكاحه ابتداء ، وعدم إقراره على نكاحه المستدام إلا أن يعود في العدة ، وعدم الإقرار على دينه إن قلنا بعدم الإمهال للتوبة وإلا أقر (٢) بقدره لا غير ، ودمه هدر بالنسبة إلى المسلم ، وزوال ملكه بنفس الردة إن كان عن فطرة ، والحجر على ماله مطلقا ، ومنعه من تزويج رقيقه وأولاده إلا صاغر ، وعدم صحة سبيه وفدائه والمن عليه ، وعدم إرثه قريبه لو مات وكان ارتداده عن فطرة وفي غيرها نظر والمراعاة محتملة ، وعدم صحة تصرفاته بالبيع والهبة والعتق وشبهها فتكون باطلة في الفطري موقوفة في الملي ، وعدم إقرار ولده المرتدين على كفره ، وعدم جواز استرقاق هذا الولد على قول ، وقسمة أموال الفطري في الحال واعتداد أزواجه عدة الوفاة ، وعدم قبول عوده إلى الإسلام.

__________________

(١) الأيام الأربعة : يوم المولد والمبعث والدحو والغدير. والليالي الأربع : وهي الليلة الأولى من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتا العيدين.

(٢) في ص : وإلا قر بقدره.

٢٦١

قاعدة :

أموال الحربي في‌ء للمسلمين ، ولا يجوز أن يدفع الإمام إلى أهل الحرب مالا إلا في مواضع :

الأول ـ افتكاك الأسرى من المسلمين إذا لم يمكن إلا به.

الثاني ـ رد مهر الحربي عليه إذا هاجر امرأته مسلمة.

الثالث ـ دفع مال إليهم ليكفوا حال العجز عن مقاومتهم.

قاعدة :

إنما جعل السجود للصنم كفرا ولم يجعل للأب ومن يراد تعظيمه من الآدميين كفرا ، لأن السجود للصنم يجعل على وجه العبادة له بخلاف الأب فإنه يراد به التعظيم.

فإن قلت : قد قالوا « ما نَعْبُدُهُمْ إِلّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى » (١) فهو كالتقرب إلى الله تعالى بتعظيم الأب [ قلت : هذا حكاية عن قوم منهم ، فلعل بعضهم يعتقدون غير هذا.

فإن قلت : فهؤلاء كفار قطعا وهم القائلون بالتقرب إلى الله تعالى ] (٢).

قلت : جاز أن يكونوا مقتصرين على عبادة الأصنام لهذه الغاية ، ولو أن عابدا جعل صلاته وصيامه لتعظيم آدمي كان مثلهم ، ولأن التقرب إلى الله تعالى ينبغي أن يكون بالطريق الذي نصبه الله تعالى للمتقرب ، ولم ينصب الله تعالى عبادة الصنم طريقا للتقرب [ وجعل تعظيم الأب والعالم طريقا للتقرب ] (٣) وإن

__________________

(١) سورة الزمر : ٣.

(٢) ليس ما بين القوسين في ك.

(٣) ليس ما بين القوسين في ص.

٢٦٢

كان غير جائز تعظيمه بهذا النوع من التعظيم إلا أنه لا يئول إلى الكفر باعتبار أنه قد أمر بتعظيمه في الجملة.

قاعدة :

كل من اعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم وموجدة لما فيه فلا ريب أنه كافر ، وإن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله تعالى هو المؤثر الأعظم ـ كما يقوله أهل العدل ـ فهو مخطئ ، إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي.

وبعض الأشعرية [ يكفرون هذا كما ] يكفرون الأول ، وأوردوا على أنفسهم عدم إكفار المعتزلة وكل من قال بفعل العبد ، وفرقوا بأن الإنسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أن التذلل والعبودية ظاهرة عليه ، فلا يحصل منه اهتضام الجانب الربوبية ، بخلاف الكواكب فإنها غائبة عنه فربما أدى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر.

أما ما يقال بأن استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق وغيرها من العاديات ، بمعنى أن الله تعالى أجرى عادته أنها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع محصور (١) يفعل ما ينسب إليها ، ويكون ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي لا الفعل الحقيقي ، فهذا لا يكفر معتقده ولكنه مخطئ أيضا وإن كان أقل خطأ من الأول ، لأن وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري.

__________________

(١) في ص : مخصوص.

٢٦٣

( السابع ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )

قاعدة :

يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجماعا ، وهل هما عقليان أو سمعيان وعلى الكفاية أو على الأعيان؟ قولان ، أقربهما أولهما ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث الله عقابا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجاب لكم ، وروى الأصحاب قريبا من معناه.

ومن شروطهما أن لا يؤدى الإنكار إلى مفسدة ، كارتكاب (١) منكر أعظم منه ، مثل أن ينهاه عن شرب الخمر فيترتب (٢) القتل ونحوه والعلم يؤخر الفعل في نفسه (٣) ، وبأن هذا الفعل موصوف بالوجه.

فلا إنكار فيما اختلف فيه العلماء اختلافا ظاهرا ، إلا أن يكون المتلبس يعتقد تحريم ما فعل أو وجوب ما ترك والمنكر موافق له في اعتقاده.

ومع اختلال هذه الشروط يحرم النهي والأمر إلا بالقلب فيهما إذا علم كونه منكرا.

ويشترط أن يجوز التأثير ولو مع تساوي الاحتمالين ، ولا يشترط العلم ولا غلبة الظن ، أما لو علم عدم التأثير أو غلب ظنه فإنه يسقط الوجوب لا الجواز والاستحباب.

وإن يأمن على نفسه وماله ومن يجري مجراه. وهذا يمكن دخوله في

__________________

(١) في ص : وارتكاب.

(٢) في ك : فيوثب للقتل. وفي القواعد : فيتوثب إلى القتل. وفي هامشه : فيؤثر القتل.

(٣) في ك والقواعد : بوجه الفعل في نفسه.

٢٦٤

الشرط الأول ، وهو يسقط الجواز أيضا ، إلا أن يكون المأخوذ [ منه ] مالا له فيجوز تحمل الأمر والسماحة به.

فائدة :

مراتب الإنكار ثلاث تتعاكس في الابتداء ، فبالنظر إلى القدرة والعجز اليد (١) ، فإن عجز فاللسان ، فإن عجز فالقلب.

وبالنظر إلى التأثير يقتصر على القلب والمقاطعة ويعتبر التعظيم (٢) ، فإن لم ينجع (٣) فالقول مقتصرا على الأيسر فالأيسر ، قال الله تعالى( فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى ) (٤) [ وقال تعالى( وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (٥) [ ثمَّ بالقلب.

وأصعب الإنكار (٦) القلبي ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، ليس وراء ذلك شي‌ء من الإيمان ، ويروى وذلك أضعف الإيمان.

والمراد بالإيمان هنا الأفعال ، ومنه قوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.

__________________

(١) أي إن كان الأمر والناهي قادرا والمأمور والمنهي عاجزا فالإنكار باليد فإن عجز عنه فباللسان فإن عجز عنه أيضا فالإنكار بالقلب.

(٢) في ك : وتغير التعظيم. وفي القواعد : وتغيير التعظيم.

(٣) نجع فيه الأمر : أثر فيه ونفع.

(٤) سورة طه : ٤٤.

(٥) سورة العنكبوت : ٤٦. وليس ما بين القوسين في ص.

(٦) في ص والقواعد : وأضعف الإنكار.

٢٦٥

وهذه التجزئة إنما تصح في الأفعال ، وأقوى الإيمان الفعل باليد ثمَّ اللسان ثمَّ القلب ، لأن اليد يستلزم إزالة المفسدة على الفور ، ثمَّ القول لأنه قد يقع معه الإزالة ، ثمَّ القلب لأنه لا يؤثر ، فإذا لحظ عدم تأثيره في الإزالة فكأنه لم يأت إلا لهذا النوع الضعيف من الإيمان.

وقد سمى الله تعالى الصلاة إيمانا بقوله تعالى « وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ » (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس.

فروع :

( الأول ) لا يشترط في المأمور والمنهي أن يكون عالما بالمعصية فينكر على المتلبس بالمعصية بصورة تعريفه أنها معصية ونهيه عنها ، وكذا المتأول للمعصية فإنه ينكر عليه كالبغاة ، لأن المعتبر ملابسة لمفسدة واجبة الدفع ، أو كونه تاركا لمصلحة واجبة الحصول ، كنهي الأنبياء عليهم‌السلام في أول البعثة وقد كان المتلبسون غير عالمين بذلك ، ولأن الصبيان يؤدبون والمجانين ولا معصية.

وربما أدى الأدب إلى القتل كما في صورة صولتهم (٢) على دم أو بضع لا يندفعون عنه إلا بالقتل ، ومن هذا الباب لو سمع العدل أو الفاسق عفو الموكل عن القصاص وأخبر الوكيل بعفوه فلم يقبل منه ، فللشاهد الإنكار والدفع لهذا الوكيل عن القصاص ما أمكن ولو أدى إلى قتله فإشكال وكذا لو وجد أمته بيد رجل وزعم أنه اشتراها من وكيله فأراد البائع وطئها لتكذيبه في الشراء أو أخذها فله دفاعه عنها.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٣.

(٢) في ص والقواعد وهامش ك : صولهم. صال صولا أي وثب وثوبا.

٢٦٦

وهذا الباب (١) ليس من باب الإنكار بل من باب الدفاع عن المال والبضع.

( الثاني ) يجبان على الفور إجماعا ، فلو اجتمع جماعة متلبسون بمنكر أو ترك المعروف واجب أنكر عليهم جميعا بفعل واحد أو قول واحد إذا كان ذلك كافيا في الغرض ، مثل لا تزنوا صلوا (٢).

( الثالث ) الأمر بالمندوب والنهي عن المكروه مستحبان ولكن ليس فيهما تعنيف ولا توبيخ ولا إنزال ضرر ، لأن الضرر حرام فلا يكون بدلا عن المكروه وهو من باب التعاون على البر والتقوى.

وكذلك من وجده يفعل ما يعتقده الواجد قبيحا ولا يعتقد مباشرة قبحه ولا حسنه مع تقارب (٣) المدارك ، أو يعتقد حسنه بمدرك ضعيف كاعتقاد الحنفي شرب النبيذ فإنه ينكر عليه ، أما الأول فبغير تعنيف ، وأما الثاني فكغيره من المنكرات.

( الرابع ) لو أدى الإنكار إلى قتل المنكر حرم ارتكابه لما سلف ، وجوزه كثير من العامة ، لقوله تعالى « وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ » (٤) مدحهم لأنهم قتلوا بسبب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهذا مسلم إذا كان على وجه الجهاد ، قالوا قتل يحيى بن زكريا لنهيه عن تزويج الربيبة. قلنا : وظيفة الأنبياء غير وظائفنا.

قالوا : قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر (٥). وفي هذا تعريض لنفسه بالقتل ولم يفرق بين الكلمات

__________________

(١) في ص والقواعد : وهذا المثال.

(٢) في ص. ضلوا بالضاد المعجمة.

(٣) في ك : مع تفاوت.

(٤) سورة آل عمران : ١٤٦.

(٥) الخصال : ٦٥ ، التهذيب : ٦ / ١٧٨.

٢٦٧

أهي من الأصول أو الفروع من الكبائر أو الصغائر. قلنا محمول على الإمام أو نائبه أو بإذنه أو على من لا يظن القتل.

قالوا : خرج مع ابن الأشعث جمع عظيم من التابعين في قتال الحجاج إزالة ظلمه وظلم الخليفة عبد الملك ولم ينكر ذلك عليهم أحد من العلماء.

قلنا : لم يكونوا كل الأمة ولا علمنا أنهم ظنوا القتل بل جوزوا التأثير ودفع المنكر ، أو جاز أن يكون خروجهم بإذن إمام واجب الطاعة كخروج زيد بن علي صلوات الله على آبائه وعليه وغيره من بني علي « عليه‌السلام ».

( الثامن ـ التقية وتوابعها )

قاعدة :

المداهنة في قوله تعالى « ( وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ) » (١) معصية والتقية غير معصية ، والفرق بينهما أن الأول تعظيم غير المستحق لاجتلاب نفعه أو لتحصيل صداقته ، كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه ويصوره بصورة العدل ، أو مبتدع على بدعته ويصورها بصورة الحق. والتقية مخاطبة الناس (٢) بما يعرفون وترك ما ينكرون حذرا من غوائلهم ، كما أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، وموردها غالبا الطاعة والمعصية ، فمجاملة الظالمين فيما يعتقده ظلما والفاسق المتظاهر بفسقه اتقاء شرهما من باب المداهنة الجائزة ولا يكاد يسمى تقية.

قال بعض الصحابة : إنا لنكشر (٣) في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.

__________________

(١) سورة القلم : ٩.

(٢) في ك والقواعد : مجاملة الناس.

(٣) كشر عن أسنانه يكشر كشرا : أبدى سنه وهو التبسم.

٢٦٨

وينبغي لهذا المداهن التحفظ من الكذب ، فإنه قل أن يخلو أحد من صفة مدح.

وقد دل على التقية الكتاب والسنة ، قال الله تعالى « لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً » (١) وقال تعالى « إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ » (٢).

وقال الأئمة عليهم الصلاة والسلام تسعة أعشار الدين التقية (٣). وقالوا عليهم الصلاة والسلام من لا تقية له لا دين له ، إن الله يحب أن يعبد سرا كما يحب أن يعبد جهرا (٤). وقالوا عليهم‌السلام امضوا في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا.

وكتب الكاظم عليه‌السلام إلى علي بن يقطين بتعليمه كيفية الوضوء على ما عليه العامة ، فتعجب من ذلك ولم يسعه الامتناع ، ففعل ذلك أياما ، فسعي به إلى الرشيد بسبب المذهب فشغله يوما بشي‌ء من الديوان في دار وحده ، فلما حضر وقت الصلاة تجسس عليه فوجده يتوضأ كما أمر ، فسري عن الخليفة واعتذر إليه ، فكتب إليه بعد ذلك الإمام عليه‌السلام أن يتوضأ كذا وكذا ، ووصف له الوضوء الصحيح (٥).

وفتاوى أهل البيت عليهم صلوات الله مشحونة بالتقية ، وهو أعظم أسباب اختلاف الأحاديث.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٢٨.

(٢) سورة النحل : ١٠٦.

(٣) أصول الكافي ٢ / ٢١٧ ، المحاسن : ٢٠٥.

(٤) وسائل الشيعة ٦ / ٤٦٥ باختلاف يسير في اللفظ.

(٥) الإرشاد : ٢٩٤ ، إعلام الورى : ٣٠٣ ، المناقب : ٢ / ٣٥٥.

٢٦٩

تنبيهات :

( الأول ) التقية تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة :

فالواجب إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به أو ببعض المؤمنين.

والمستحب إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا [ ويتوهم ضررا آجلا ] أو ضررا سهلا ، أو كان تقية في المستحب كالترتيب في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وترك فصول بعض الأذان.

والمكروه التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا ، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.

والحرام التقية حيث يؤمن الضرر عاجلا وآجلا أو في قتل مسلم. قال أبو جعفر عليه‌السلام إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء ، فإذا بلغ الدم فلا تقية (١).

والمباح التقية في بعض المباحات التي يرجحها العامة ولا يصل بتركها ضرر.

( الثاني ) التقية تبيح كل شي‌ء حتى إظهار كلمة الكفر ، ولو تركها حينئذ أثم ، إلا في هذا المقام ومقام التبري من أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ، فإنه لا يأثم بتركها بل صبره إما مباح أو مستحب خصوصا إذا كان ممن يقتدى به.

( الثالث ) الذريعة أيضا تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة باعتبار ما هي وسيلة إليه ، لأن الوسائل تتبع المقاصد :

فالواجب ما وقى به دمه وماله ولا طريق إلا به وكذا إذا كان طريقا إلى دفع

__________________

(١) المحاسن : ٢٠٥ ، الكافي ٢ / ٢٢٠ فيه : ليحقن بها الدم.

٢٧٠

مظلمة عن الغير وهو مسلم أو معاهد.

والمستحب ما كان طريقا إلى المستحب كأن يحسن خلقه للظالم ليحسن خلقه.

والمكروه ما كان بمجرد جرد في الطبع (١) لا لدفع ضرر.

والحرام ما كان طريقا إلى زيادة شر الظالم وترغيبه في الظلم ومحرصا للمداهن على الهلاك (٢) والمكابرة عليها.

والمباح ما عدا ذلك ، ويلحق بهذا المكان :

قاعدة :

محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنقسم أقساما لا يطلق اسم « البدعة » عندنا إلا على ما هو محرم منها :

( أولها ) الواجب ، كتدوين القرآن والسنة إذا خيف عليهما التفلت من الصدور ، فإن التبليغ للقرون الآتية واجب إجماعا ، وللآية. ولا يتم إلا بالحفظ وهذا في زمان الغيبة واجب ، وأما في زمان الظهور فلا لأنه الحافظ لهما حافظا (٣) لا يتطرق إليه الخلل.

( وثانيها ) المحرم ، وهو كل بدعة تتناولها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة : كتقديم غير الأئمة المعصومين « عليهم‌السلام » وأخذ مناصبهم ، واستئثار ولاة الجور بالأموال ومنعها مستحقها ، وقتال أهل الحق وتشريدهم وإبعادهم ، والقتل على

__________________

(١) في ك : لمجرد دخول في الطبع ، وفي القواعد : لمجرد خور في الطبع.

(٢) في ك والقواعد : على الانهماك في المعاصي. وفي القواعد « والمشاورة عليها » بدل « والمكابرة عليها ».

(٣) في ك : حفظا.

٢٧١

الظنة ، والإلزام ببيعة (١) الفساق والمقام عليها وتحريم مخالفتها ، والغسل في موضع المسح ، والمسح على غير المقدم ، وشرب كثير من الأشربة ، والجماعة في النوافل ، والأذان الثاني يوم الجمعة ، وتحريم المتعتين ، والبغي على الإمام ، وتوريث الأباعد ومنع الأقارب ، ومنع الخمس أهله ، والإفطار في غير وقته ـ إلى غير ذلك من المحدثات المشهورات ، ومنها بالإجماع من الفريقين المكس وتولية المناصب غير الصالح لها ببذل أو إرث وغير ذلك.

( وثالثها ) المستحب ، وهو ما تناولته أدلة الندب ، كبناء المدارس والربط وليس منه اتخاذ الملوك الأهبة ليعظموا في النفوس. اللهم إلا أن يكون ذلك مرهبا للعدو.

( ورابعها ) المكروه ، وهو ما يشتمله (٢) أدلة الكراهة ، كالزيادة في تسبيح الزهراء صلوات الله عليها وسائر الموظفات أو النقيصة منها ، والتنعم في الملابس والمآكل بحيث يبلغ الإسراف بالنسبة إلى الفاعل ، وربما أدى إلى التحريم إذا استضر به وعياله.

( وخامسها ) المباح ، وهو الداخل تحت أدلة الإباحة ، كنخل الدقيق ، فقد ورد أول شي‌ء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتخاذ المناخل. لأن لين العيش والرفاهية من المباحات فوسيلته مباحة.

( التاسع ـ في تعظيم المؤمن وتوابعه )

قاعدة :

يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به عادة الزمان وإن لم يكن منقولا عن السلف

__________________

(١) في ص : بتبعة.

(٢) في ك : شملته.

٢٧٢

لدلالة العمومات عليه ، قال تعالى « وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » (١) وقال تعالى « ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ » (٢) ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا (٣).

فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بالحياء وشبهه ، وربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن ، وقد صح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام إلى فاطمة عليها‌السلام (٤) وقام إلى جعفر عليه‌السلام لما قدم من الحبشة (٥) وقال للأنصار قوموا إلى سيدكم. ونقل أنه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه (٦).

فإن قلت : قد قال رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار (٧). ونقل أنه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » كان يكره أن يقام له فكانوا إذا قدم لا يقومون لعلم كراهته ذلك فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله لما يلزمهم من تعظيمه.

قلت : تمثيل الرجال قياما هو ما يصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم ، لا هذا القيام المخصوص القصير زمانه.

__________________

(١) سورة الحج : ٣٢.

(٢) سورة الحج : ٣٠.

(٣) ( قرب الإسناد : ١٥ باختلاف وتقدم وتأخر.

(٤) المناقب ٢ / ٩٥ عن فضائل السمعاني.

(٥) الخصال ١ / ١٠٧ ، ٢ / ٢٥٤.

(٦) شرح نهج ابن أبي الحديد ١٨ / ٩.

(٧) الجامع الصغير : ١٦٠ عن مسند أحمد وأبي داود والترمذي.

٢٧٣

سلمنا لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس فيؤاخذ من لا يقوم له بالعقوبة ، أما من يريده لدفع الإهانة عنه والنقيصة [ له ] فلا حرج عليه ، لأن دفع الضرر عن النفس واجب.

وأما كراهته « صلى‌الله‌عليه‌وآله » فتواضع لله وتخفيف على أصحابه ، وكذا نقول : ينبغي للمؤمن أن لا يحب ذلك وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه ، ولأن الصحابة كانوا يقومون كما في الحديث ، ويبعد عدم علمه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » بهم ، مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك.

وأما المصافحة فثابتة من السنة (١) وكذا تقبيل موضع السجود (٢) ، وأما تقبيل اليد فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله تعالى أكثرهما بشرا.

وفي الكافي للكليني رحمه‌الله في هذه المقامات أخبار كثيرة نقلت منها ما تيسر لي نقله :

١ ـ عن رفاعة عن الصادق عليه‌السلام قال لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » أو من أريد به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

٢ ـ عن علي بن بريد صاحب السابري قال دخلت على الصادق سلام الله عليه فتناولت يده فقبلتها فقال : أما إنه لا يصلح إلا لنبي أو وصي نبي (٤).

٣ ـ عن الحسن عليه الصلاة والسلام قال من قبل للرحمة ذا قرابة فليس

__________________

(١) راجع الكافي ٢ / ١٧٩

(٢) الكافي ٢ / ١٨٥

(٣) الكافي ٢ / ١٨٥

(٤) الكافي ٢ / ١٨٥ فيه : عن علي بن مزيد.

٢٧٤

عليه شي‌ء ، وقبلة الأخ على الخد وقبلة الإمام بين عينيه (١).

٤ ـ عن محمد بن سنان عن الصادق عليه‌السلام ليس القبلة على الفم إلا للزوجة والولد الصغير (٢).

٥ ـ عن يونس بن ظبيان عن الصادق عليه‌السلام قال إن لكم لنورا تعرفون به في الدنيا ، حتى إن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته عليه‌السلام (٣).

٦ ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام كما لا يقدر على صفة الله كذا لا تقدر على صفتنا ، وكما لا تقدر على صفتنا لا تقدر على صفة المؤمن ، إن المؤمن يلقى المؤمن فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما تتحات الورق عن الشجر (٤).

وأما المعانقة فجائزة أيضا لما ثبت من معانقة النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » جعفرا ، واختصاصه به غير معلوم. وفي الحديث أنه قبل بين عيني جعفر عليه‌السلام مع المعانقة (٥).

وأما تقبيل المحارم على الوجه فجائز ما لم يكن لريبة أو تلذذ.

ويلحق هنا قاعدتان :

( القاعدة ) الأولى :

الكبر معصية ، والأخبار كثيرة بذلك ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. فقالوا : يا رسول الله

__________________

(١) الكافي ٢ / ١٨٦ فيه : من قبل للرحم.

(٢) الكافي ٢ / ١٨٦

(٣) الكافي ٢ / ١٨٥

(٤) الكافي ٢ / ١٨٠

(٥) الخصال : ٢ / ٢٥٤.

٢٧٥

إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا. فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، ولكن الكبر بطر الحق وغمص الناس (١).

بطر الحق : رده على قائله. والغمص بالصاد المهملة : الاحتقار. والحديث مؤول بما يؤدي إلى الكفر ، أو يراد أن لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل هو بعده وبعد العذاب في النار.

وقد علم [ منه ] أن التجمل ليس من الكبر في شي‌ء ، وقسم بعضهم التجمل بانقسام الأحكام الخمسة :

١ ـ الواجب ، كتجمل الزوجة عند إرادة الزوج منها ذلك ، وتجمل ولاة الأمر إذا كان طريقا إلى إرهاب العدو (٢).

٢ ـ المستحب ، كتجمل المرأة لزوجها ابتداء وتجمله لها ، والولاة لتعظيم الشرع ، والعلماء لتعظيم العلم.

٣ ـ الحرام ، كالتجمل بالحرير للرجال وتجمل الأجنبي للأجنبية ليزني بها.

٤ ـ المكروه ، لبس ثياب التجمل وقت المهنة ووقت الحداد في المرأة إذا لم تؤد إلى الزينة.

__________________

(١) راجع الكافي ٢ / ٣٠٩ ، البحار ٧٣ / ٢٣٤ ، معاني الأخبار : ٢٤١. قال الصدوق عليه الرحمة فيه : في كتاب الخليل بن أحمد يقول فلان غمص الناس وغمص النعمة إذا تهاون بها وبحقوقهم ، ويقال : إنه لمغموص عليه في دينه أي مطعون عليه ، وقد غمص النعمة والعافية إذا لم يشكرها. وقال أبو عبيد في قوله عليه‌السلام إلى أن قال ـ : وأما قوله غمص الناس فإنه الاحتقار لهم والازدراء بهم وما أشبه ذلك. قال : وفيه لغة أخرى في غير هذا الحديث. وغمص بالصاد غير معجمة وهو بمعنى غمط والغمص في العين والقطعة منه غمصة. والغميصاء : كوكب ، والغمص في المعاء : غلظة وتقطيع ووجع.

(٢) في ك : إذهاب العدو ، قال في القاموس : الدهب بالفتح : العسكر المنهزم.

٢٧٦

٥ ـ المباح ، وهو ما عدا ذلك ، وهو الأصل في التجمل ، قال الله تعالى « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ » (١)

قال بعضهم : قد يجب الكبر على الكفار في الحرب وغيره ، وقد يندب تقليلا لبدعة المبتدع إن كان طريقا إليها ، ولو قصد به الاستتباع وكثرة الاتباع كان حراما إذا كان الغرض به الرياء.

وقال آخر : التواضع للمبتدع أولى في استجلابه وأدخل في قمع بدعته.

والعجب استعظام العبد عبادته ، وهذا معصية.

وما قدر العبادة بالنسبة إلى أقل نعمة من نعم الله تعالى وكذا استعظام العالم علمه وكل مطيع طاعته حتى ينسب بذلك إلى التكبر.

والفرق بينه وبين الرياء أن الرياء يقارن العبادة والعجب متأخر عنها ، فتفسد بالرياء لا بالعجب.

ومن حق العابد والورع أن يستقل فعله بالنسبة إلى عظمة الله تعالى ، قال الله تعالى ( وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) (٢). ويتهم نفسه في عمله ، قال الله ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) (٣).

نعم لا يضر السرور بالتوفيق للعمل ، وعليه الشكر على التوفيق لذلك ، فقد ورد في الحديث المؤمن إذا أحسن استبشر ، وإذا أساء استغفر ، وإذا ابتلي صبر ، وإذا أعطي شكر ، وإذا أسي‌ء إليه غفر (٤).

__________________

(١) سورة الأعراف ٣٢.

(٢) سورة الأنعام : ٩١.

(٣) سورة المؤمنون : ٦٠.

(٤) الكافي ٢ / ٢٤٠.

٢٧٧

وأما التسميع (١) المنهي عنه في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يسمع سمع الله به يوم القيامة (٢). فهو من لوازم العجب ، إذ هو التحدث بالعبادة والطاعة والكمال ليعظم في أعين الناس ، فأول ما يحصل في نفسه العجب ويتبعه التسميع.

[ القاعدة ] الثانية :

الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز والأخبار ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله الغيبة أن تذكر الرجل بما يكره أن يسمع. قيل : يا رسول الله وإن كان حقا. قال : إن قلت باطلا فذاك البهتان.

وهي قسمان : ظاهر وهو معلوم ، وخفي وهو كثير كما في التعريض ، مثل أنا لا أحضر مجلس الحكام ، أنا لا آكل أموال الأيتام ، أو فلان ويشير بذلك إلى من يفعل ذلك أو الحمد لله الذي نزهنا عن كذا يأتي به في معرض الشكر.

ومن الخفي : الإيماء والإشارة إلى نقض في الغير وإن كان حاضرا.

ومنه : لو فعل كذا لكان خيرا ، أو لو لم يفعل كذا لكان حسنا.

ومنه : التنقص بمستحق الغيبة للتنبيه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة. أما ما يخطر في النفس من نقائص الغير فلا يعد غيبة ، لأن الله تعالى عفى

__________________

(١) وهو السمعة ، قال في مرآة العقول ١٠ / ١٠٧ : والسمعة بالضم وقد يفتح يكون على وجهين : أحدهما أن يعمل عمل ويكون غرضه عند العمل سماع الناس له كما أن الرياء هو أن يعمل ليراه الناس فهو قريب من الرياء بل نوع منه ، وثانيهما أن يسمع عمله الناس بعد الفعل والمشهور أنه لا يبطل عمله بل ينقص ثوابه أو يزيله كما سيأتي.

(٢) الجامع الصغير : ١٨٣ عن مسند أحمد والترمذي ، كنوز الحقائق : ١٢٣ عن الترمذي. وفيها هكذا : من يرائي يراء الله به ومن يسمع يسمع الله به.

٢٧٨

عن حديث النفس.

ومن الأخفى أن يذم نفسه بذكر طرائق غير محمودة فيه أو ليس متصفا بها لينبه على عورات غيره.

وقد جوزت صورة الغيبة في مواضع سبعة :

١ ـ أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك لتظاهره بسببه ، كالكافر والفاسق المتظاهر ، فيذكره بما هو فيه لا بغيره.

ومنع بعض الناس من ذكر الفاسق وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق ، وقد روى الأصحاب نحوا من ذلك. قال بعض العامة : حديث « لا غيبة لفاسق » أو « في فاسق » لا أصل له. قلت : ولو صح أمكن حمله على النهي ، أي خبر يراد به النهي ، أما من يتفكه بالفسق ويبتهج به (١) في شعره أو كلامه فيجوز حكاية كلامه.

٢ ـ شكاية المتظلم بصورة ظلمه ، كقول المرأة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن فلانا رجل شحيح (٢).

٣ ـ النصيحة للمستشير ، كقول النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لفاطمة بنت قيس حين شاورته في خطابها أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه (٣). هذا مع مسيس الحاجة إلى ذلك والاقتصار على ما ينبه به المستشير.

وكذا لو علم دخول الشخص مع من لا يوثق بدينه أو ماله أو نفسه جاز

__________________

(١) في ص والقواعد : يتبجح به.

(٢) قالته هند زوجة أبي سفيان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني فقال لها : خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف. أخرجه البخاري في باب « إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف » من كتاب النفقات.

(٣) أسد الغابة : ٥ / ٥٢٦.

٢٧٩

له تحذيره منه وربما وجب ، بأن يوقع التحذير المجرد عن الغيبة إن مكن وإلا جاز ذكر عيب فعيب حتى ينتهي ، لأن حفظ نفس الإنسان وماله وعرضه واجب. وليقتصر على العيب المنوط به ذلك الأمر ، فلا يذكر في عيب التزويج ما يخل بذلك الأمر ولا يتجاوزه.

٤ ـ الجرح والتعديل للشاهد والراوي ، ومن ثمَّ وضع العلماء كتب الرجال وقسموهم إلى الثقات والمجروحين وذكروا أسباب الجرح غالبا.

ويشترط إخلاص النصيحة في ذلك بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين وضبط السنة وحمايتها عن الكذب ولا يكون حامله العداوة والتعصب.

وليس له إلا ذكر ما يخل بالشهادة والرواية منه ولا يتعرض لغير ذلك ، مثل كونه ابن ملاعنة أو شبهه.

أقول : ومن ذلك ما يذكره النسابون من مطاعن النسب صونا للنسب الشريف من إلحاق ما ليس منه به ، إذ قد يترتب على ذلك أمور شرعية من استحقاق الخمس والكفاءة في النكاح لو لم يكن لرشدة (١) ويكون ذلك هو الباعث لا العداوة.

__________________

(١) في ك : لرشيدة. قال السيد المحقق الداماد الأمير محمد باقر قدس‌سره : لغية رشدة بفتح الراء المهملة وكسرها قبل الشين المعجمة الساكنة ثمَّ الدال المهملة المفتوحة والتاء أخيرا. قال في النهاية في باب الراء مع الشين : يقال : هذا ولد رشدة إذا كان لنكاح صحيح كما يقال في ضده : ولد زنية بالكسر فيهما. وقال الأزهري. المعروف فلان ابن زنية وابن رشدة وقيل : زنية ورشدة والفتح أفصح اللغتين وقال في المغرب للمطرزي. هو ولد زنية ولزنية بالفتح والكسر وخلافه ولد رشدة ولرشدة وكذلك يقال مكان زنية ولد غيبة ولغية بفتح الغين المعجمة وكسرها وتشديد المثناة من تحت مفتوحة والتاء أخيرا إذا لغي وهو خلاف الرشد على ما نص التنزيل الكريم قال في الصحاح. يقال فلان لغية وهو نقيض قولك لرشدة وقال في القاموس : ولد غيبة أي زنية ، ومنه ما في الحديث من

٢٨٠