نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه‌كمري الخوئي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٦٢

وثبوته لتمكنه من فعل ما وجب عليه كما وجب فيجب من باب المقدمة ، ولأنه لو جهل عين الفريضة صلى اثنين أو ثلاثا أو خمسا على اختلاف الأحوال والأقوال وكذا صفة الفائت لتساويهما في الوجوب.

وتوقف فيه المحقق في المعتبر وقال في توجيه السقوط : إنه تخمين وكلفة فلا يصار إليه. ومراده بالتخمين أي بالنسبة إلى النية ، فإنه إذا قدم فريضة أو أخرها لا يكون متيقنا حال النية محلها من الفائتة الأخرى بل بحسب الوهم.

ومنه يظهر ضعف وجوبه ، لأنه يؤدي إلى تزلزل النية المأمور بالجزم بها.

وجزم الفاضل في أكثر كتبه بالوجوب ، وجعله في التذكرة أقرب ، وفي القواعد والتحرير أحوط. فعلى الأول يتخير الابتداء بأي فريضة شاء ، وعلى الثاني يكرر حتى يحصله.

وضابطه أن ينظر إلى الاحتمالات الممكنة (١) في المسألة ثمَّ ينظر إلى ترتيب ينطبق كل واحد من الاحتمالات عليه ، فهناك يعلم (٢) وجود الترتيب.

وهو ظاهر مع القلة ، كما لو فاته ظهر وعصر مجهول ترتيبهما ، فإن هناك احتمالين بين تقديم الظهر على العصر وعكسه ، فإذا صلى الظهر بين العصرين أو بالعكس حصلا ، وكذلك لو أضيف إليهما صبح فإن الاحتمالات ستة حاصلة من ضرب اثنين في ثلاثة.

ويصح من سبع فرائض ، بأن يزيد صبحا محفوفة بالجملة الأولى فيصلي الظهر ثمَّ العصر ثمَّ الظهر ثمَّ الصبح ثمَّ الظهر ثمَّ العصر ثمَّ الظهر ، ولو أضيف إلى الثلاث مغرب صارت الاحتمالات أربعة وعشرين حاصلة من ضرب أربعة في

__________________

(١) في ص : المحتملة.

(٢) في ك : فهاهنا يعلم.

٢٤١

ستة. ويصح على هذا الترتيب من خمس عشر ، بأن يضاف إلى المجموع مغرب متوسطة بين السبعتين. وإن شاء جعل المتوسط إحدى الأربع الباقيات وكرر في غيرها.

وإن أضيف إليها عشاء كانت الاحتمالات مائة وعشرين حاصلة من ضرب خمسة في أربعة وعشرين ، ويصح على هذا الترتيب من أحد وثلاثين بتوسط واحدة من الخمس بين الجملة مرتين.

وعلى هذا لو كانت سادسة يصير الاحتمالات سبعمائة وعشرين والصحة من ثلاث وستين فريضة ، ولو كانت سابعة كانت الاحتمالات خمسة آلاف وأربعين احتمالا والصحة من مائة [ وسبع ] وعشرين.

وضابطه أنه يحاط بفريضة واحدة متساويان نظما يصح دون ذلك ، والفرض من أحدهما إن كانت تحته فرض وبالأخير تدخل الفريضتان.

وربما قيل : إن ضابطه أن يزاد على احتمالات ممكنة واحدة ، وهو صحيح غير أنه كلفة عظيمة فيما زاد على اثنتين أو ثلاث وعلى هذا دائما.

وهذا الطريق مبرئ للذمة يقينا إلا أنه من الأربع فصاعدا يمكن الصحة من دون هذا العدد ، فالزائد كلفة فتصح الأربع من ثلاث عشرة ، بأن يكرر أربعا ثلاث مرات على نظم واحد أي نظم شاء ويزيد على آخرها أولاها ، والخمس من إحدى وعشرين بأن يكرر الخمس أيضا على نظم واحد أربع مرات ويزاد عليها أولاها. وضابطه أن يكرر العدد المذكور على نظم واحد أنقص من عدده بواحد ويزاد على آخره [ أخرى ] (١) أولى الفرائض.

__________________

(١) ليس « أخرى » في ص.

٢٤٢

فروع ثلاثة :

( الأول ) لو فاته صلاتان متماثلتان كالظهرين من يومين وجهل ترتيبهما أجزأه أن يصلي ظهرين ينوي بالأولى منهما لأول ما في ذمته ، ولا حاجة إلى التكرار.

وهل يجزي المختلفين المتساويتين عددا؟ فيه احتمال ، لأنه لو جهل العين (١) فعله فكذا إذا جهل الترتيب ، فلو فاته ظهر وعصر صلى أربعا ينوي بها لأول ما في ذمته إن ظهرا فظهرا وإن عصرا فعصرا ، ثمَّ يصلي أربعا ينوي بها باقي (٢) عليه إن ظهرا فظهرا وإن عصرا فعصرا ، وإن كان معهما مغرب وسطها بين أربع فرائض على هذا النظم ، فيصلي أربعتين مطلقتين ثمَّ مغربا ثمَّ أربعتين مطلقتين ، ولو كان معهن عشاء وسط المغرب بين الست المطلقات ، وعلى هذا.

( الثاني ) لو فاته صلوات قصر وتمام مجهولة الترتيب ذكر المحقق فيه احتمالات : السقوط والبناء على الظن ، والاحتياط بالترتيب ، بأن يقضي الرباعيات من كل يوم مرتين تماما وقصرا.

ويمكن نصرة الاحتمال الأخير بأن المكلف لو فاته فريضة لا يدري أهي قصر أم تمام فإنه يجب عليه أن يصليها مرتين ، كما لو فاته فريضة مغرب وعشاء ، وحينئذ نقول في صورة الفرض كل رباعية تمر به يجوز فيها القصر والتمام فلا يبرأ إلا بهما. ويمكن الجواب بالحرج وعدمه.

( الثالث ) هذا الحكم إذا تعددت المقصورات أو كانت الرباعيات ثلاثا أو اتحدت وهي مجهولة العين ، أما لو علم عينها كالظهر مثلا أو هي والعصر لم يعرض (٣) لغيرهما قطعا ، إذ لا تعلق للفائت به.

__________________

(١) في ك : لأنه جهل العين.

(٢) في ك : ثاني ما عليه.

(٣) في ك : لم يتعرض.

٢٤٣

ولو فاته فريضتان مجهولتا العين والترتيب فاحتمالات التعيين عشرة والترتيب اثنتان فيكون عشرين ويصح من ست فرائض صبح وأربع ومغرب وصبح وأربع عما في ذمته مرتين ، وينوي في كل من الثلاث الأول أولى ما في ذمته. وعليك باستخراج ما يرد عليك من فروع هذا الباب فإنها لا تنحصر وقد نبهت عليها.

( الثالث ـ الزكاة )

قاعدة :

الزكاة إما أن تتعلق بمال أو لا ، والثاني زكاة الفطرة ، والأول إما أن يكون تعلقها بعينيته أو بماليته ، والأول زكاة الأعيان ، والثاني زكاة التجارة.

ثمَّ إما أن يعتبر فيها الحول أو لا ، والثاني اثنتان زكاة الفطرة والغلات.

ثمَّ هي إما أن تتعلق بالعين أو بالذمة [ والثاني زكاة الفطرة والأول ما عداها ، إلا في موضعين وهما عند التفريط أو التمكن من الإخراج فتتعلق بالذمة ] (١).

قد تصير الفطرة متعلقة بعين إذا عزلها عند عدم المستحق ، فلو تلفت حينئذ لا بتفريط فلا ضمان ، وبالعزل أيضا تصير المتعلقة بالذمة من المالية متعلقة بالعين ، فلو فرط في المعزول تعلقت بالذمة ، وهكذا.

قاعدة :

كلما يشترط فيه الحول لا بد من بقاء عينه ، فلو عورض (٢) بجنسه أو بغيره من الزكوي استؤنف ، إلا زكاة التجارة ، فإن الأقرب فيها البناء. أما لو اشترى

__________________

(١) ليس ما بين القوسين في ك.

(٢) في هامش ك : فلو عووض.

٢٤٤

بنقد ليس من مال التجارة فالأصح أنه لا بناء هنا.

قاعدة :

لا تجتمع الزكاتان في عين واحدة للحديث ، وقد يتخيل الاجتماع في مواضع : ( منها ) العبد المتخذ للتجار تجب فطرته وزكاة التجارة.

( ومنها ) من معه نصاب وعليه بقدره دين ، فإنه على القول بوجوب زكاة الدين على مؤخره تجب عليه الزكاة في النصاب وعلى المدين.

( ومنها ) زكاة التمرة من نخل التجارة ، فإنه على القول بأن نتاج مال التجارة منها تتعلق الزكاة بالتمرة عينا وقيمة.

وعند التحقيق ليس هذا من العين (١) في شي‌ء : أما الأول فلأن مورد زكاة الفطرة ذمة السيد لا عين العبد ، وأما الثاني فلأن مورد زكاة الدين ذمة المديون لا أعيان أمواله ، وأما الثالث فلعدم اتحاد الوقت.

قاعدة :

كلام الشيخ في المبسوط (٢) أن كل من وجبت نفقته على الغير وجبت فطرته عليه إذا كان المنفق من أهل الوجوب.

وهذا يخرج منه : المطلقة الحامل إن قلنا إن النفقة للحمل ، وفي الأجير الذي

__________________

(١) في ك : من الثني ، وفي القواعد : من الثنيا. والثني : الجمل يدخل في السنة السادسة والناقة ثنية. والثنيا بضم الثاء مع الياء : اسم من الاستثناء وفي الحديث من استثنى فله ثنياه أي ما استثناه.

(٢) راجع التهذيب ٤ / ٧١.

٢٤٥

اشترط النفقة على المستأجر ، والعبد الموقوف على المسجد أو الرباط أو الثغر [ أو العبد الذي لبيت المال فإن نفقتهم واجبة إما على جهات المسجد والثغر وإما على بيت المال ] (١) ففي الحقيقة ذلك للمسلمين ، فالنفقة في المعنى واجبة على المسلمين.

ولا فطرة في العبد المشترك بين جماعة عند بعض الأصحاب ، وقال آخرون تجب بالحصص. وربما لزم منه وجوب فطرة عبد المسجد (٢) وبيت المال بناء على أنه كمال المسلمين.

تنبيه :

ظاهر بعض الأصحاب اعتبار الإنفاق لا وجوب الإنفاق ، وهو اختيار الفاضل في المختلف ، فلو عصى بتركه أو تحملها عنه المنفق عليه سقط الوجوب فحينئذ تبقى القاعدة « كل من أنفق على غيره وجبت فطرته عليه » سواء كانت النفقة مستحقة أو مستحبة أو لا.

وظاهر ابن إدريس رحمه‌الله أنها تجب بسبب الذي من شأنه أن ينفق عليه وإن لم تجب ، وقد يفهم هذا من كلام الشيخ في المبسوط ، لأنه أوجب فطرة الولد الصغير وإن كان موسرا محتجا بعموم قولهم « يخرجها عن نفسه وولده » ، وابن إدريس يوجب فطرة الزوجة الناشز والمستمتع بها عملا بقولهم « والزوجة » فالقاعدة على هذا القول كل من ينفق عليه أو دخل [ في مسمى من شأنه أن ينفق عليه تجب فطرته عليه وأهلية الوجوب مراعاة في جميع هذه القواعد ] (٣).

__________________

(١) ليس ما بين القوسين في ص.

(٢) في ك : في بيت المال.

(٣) ليس ما بين القوسين في ص.

٢٤٦

( الرابع الصوم )

فائدة :

كل الأعمال الصالحة لله تعالى ، فلم جاء في الخبر ، كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به (١) ، مع قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل أعمالكم الصلاة (٢). وكتب عمر إلى عماله : أن أهم أمري عندكم الصلاة.

وأجيب بوجوه :

( الأول ) أنه اختص بترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن ، وذلك أمر عظيم يوجب التشريف وأجيب بالمعارضة بالجهاد ، فإن فيه ترك الحياة فضلا عن الشهوات ، وبالحج إذ فيه الإحرام ومتروكاته كثيرة.

( الثاني ) أنه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه ، فلذلك شرف بخلاف الصلاة والجهاد وغيرهما. أجيب بأن الإيمان والإخلاص أفعال القلب والخشية خفية (٣) مع تناول الحديث إياها.

( الثالث ) أن عدم مل‌ء (٤) الجوف تشبه بصفة الصمدية. وأجيب بأن طلب العلم تشبيه بأجل صفات الربوبية وهو العلم الذاتي ، وكذلك الإحسان إلى المؤمنين وتعظيم الأولياء والصالحين كل ذلك فيه التخلق تشبيها بصفات الله تعالى.

__________________

(١) البحار ٩٦ / ٢٥٦ ، معاني الأخبار : ٤٠٩ وفيه : الصبر وهو الصوم ، صحيح البخاري في باب هل يقول إني صائم من كتاب الصوم.

(٢) قرب الإسناد : ٣٤ وفيه : وخير أعمالكم الصلاة.

(٣) في ص : والحسنة خفية.

(٤) في هامش ص : خلاء.

٢٤٧

( الرابع ) أن جميع العبادات وقع فيها التقرب إلى غير الله تعالى إلا الصوم فإنه لم يتقرب به إلا إلى الله وحده. أجيب بأن الصوم يفعله أصحاب استخدام الكواكب.

( الخامس ) أن الصوم يوجب صفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية بسبب الجوع ، ولذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تدخل الحكمة جوف ملي‌ء طعاما ، وصفاء العقل والفكر يوجبان حصول المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية. أجيب بأن سائر العبادات إذا واظب عليها أورثت ذلك ، خصوصا الصلاة ، قال تعالى « وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا » (١) وقال تعالى « اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ » (٢) قال بعضهم لم أر فيه فرقا تقربه العين ويسكن إليه القلب.

ولقائل أن يقول : هب (٣) أن كل واحد من هذه الأجوبة مدخول بما ذكر فلم لا يكون مجموعها هو الفارق ، فإنه لا تجتمع هذه الأمور المذكورة لغير الصوم. وهذا واضح.

فائدة :

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر (٤). فيه مباحث :

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

(٢) سورة الحديد : ٢٨.

(٣) قال في الصحاح : هب بمعنى احسب ، يقال هب زيدا منطلقا بمعنى احسب ، يتعدى إلى مفعولين ولا يستعمل فيه ماض ولا مستقبل في غير هذا المعنى.

(٤) الأشعثيات : ٥٩ ، الجامع الصغير : ١٧٤.

٢٤٨

( الأول ) لم قال « رمضان » وقد قال تعالى « ( شَهْرُ رَمَضانَ ) » (١) وفي الحديث لا تقولوا رمضان (٢).

جوابه : إنما قيل للتنبيه على جواز ذلك اللفظ وإن كان غيره أولى منه.

( الثاني ) هل هذه الستة مترتبة على صيام مجموع الشهر أو يكفي صوم شي‌ء منه أو لا يترتب أصلا.

جوابه : أن الظاهر ترتيبها على مجموع الشهر ، لما يذكره في علل صيام الدهر. ويحتمل عدم الترتيب أصلا لأنها أيام معينة للصوم فلا يختلف فيها الحال.

( الثالث ) لم قال بست والأيام مذكرة.

جوابه : للجري على قاعدة الكلام العربي من تغليب الليالي على الأيام ، كقوله تعالى « وَعَشْراً » (٣) وكقوله « إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا يَوْماً » (٤) بعد قوله تعالى « إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا عَشْراً » (٥).

( الرابع ) لم قال « من شوال » وهل له مزية على غيره من الشهور.

جوابه : لعله رفق بالمكلف باعتبار أنه حديث عهد بالصوم ، فيكون دوامه على الصوم أسهل من ابتدائه بعد انقطاعه.

( الخامس ) هل هي بعد العيد بغير فصل أم لا ، ولو أخرها عن العيد هل يأتي بها أم لا؟

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٥.

(٢) معاني الأخبار : ٣١٥

(٣) سورة البقرة : ٢٣٤ ، سورة القصص : ٢٧.

(٤) سورة طه : ١٠٤

(٥) سورة طه : ١٠٣.

٢٤٩

جوابه : الأفضل عندنا أن تلي (١) العيد بغير فصل لما قلناه ، والظاهر بقاء الاستحباب لشمول اللفظ.

( السادس ) لم خص (٢) العدد بست دون غيرها؟

جوابه : لقوله تعالى « مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها » (٣) فيكون مع رمضان ثلاثمائة وستين يوما ، وذلك سنة كاملة.

( السابع ) لم قال « فكأنما » ولم يقل فكأنه؟

جوابه : لأن المراد تشبيه الصوم بالصوم ، ولو قال فكأنه لكان تشبيها للصائم بالصوم وليس بمراد.

( الثامن ) كيف يتصور أن يكون هذا القدر معادلا لصوم الدهر وهو جزء منه ، وكيف يساوي الجزء الكل؟

جوابه : أن لصائم هذه مثل ثواب صيام الدهر مجردا عن المضاعفة ، أي أضعاف هذه مثل استحقاق صوم الدهر ، أو أن المراد أن لو كان في غير هذه الملة فإن الأضعاف إنما جاءت في هذه الملة.

( التاسع ) هل المشبه به كيف اتفق أو كونه على حالة مخصوصة؟

جوابه : بل المراد صوم الدهر خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل كما كان المشبه بهذه النسبة ، فله بالحسنة من الواجب عشر أمثالها من الواجب وبالحسنة من المندوب عشر أمثالها من المندوب.

( العاشر ) هل المراد دهر هذا الصائم أو مطلقا ، فإن كان الأول فهلا قال دهره وإن كان الثاني فلا يتوجه الجواب عن السادس.

__________________

(١) في ص : أنها يلي.

(٢) في ك : لم حصر.

(٣) سورة الأنعام : ١٦٠.

٢٥٠

جوابه : أن المراد دهر الصائم « وأل » عوض عن المضاف إليه ، كقوله تعالى « فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى » (١) أي مأواه.

( الحادي عشر ) هل فرق بين هذه الستة وبين ستة الأيام في الآية الأخرى؟

جوابه : نعم ، لأن هذه الستة قد ثبت حكمها ، وأما ستة الخلق فقيل لأن الستة أول عدد تام ، ونعني بالتام الذي إذا اجتمعت أجزاؤه لا تزيد عليه ولا تنقص وبغير التام هو الذي إذا اجتمعت أجزاؤه ينقص عنه ، كالأربعة فإن لها نصفا وربعا تنقص عنها وقد يكون زائدا وهو الذي أجزاؤه تزيد عليه كالاثني عشر ، والعدد التام أحسن الأعداد كإنسان خلق سويا والناقص كإنسان ناقص عضوا والزائد كإنسان خلق بيد زائدة.

( الخامس ـ الحج )

قاعدة :

للحج والعمرة المتمتع بها ميقات بحسب الزمان وميقات بحسب المكان ، واتفق الأصحاب على أنه لا يجوز تقديمهما على الميقات الزماني ، والأكثر على عدم جواز تقديم الإحرام على الميقات المكاني إلا بالنذر إذا صادف الزمان ، وكذلك جوزوا تقديم الإحرام على الميقات المكاني في العمرة المفردة الرجبية إذا خيف خروجه قبل إدراك الميقات ، فسئل عن الفرق بين المكان والزمان مع استوائهما في التوقيت.

وأجيب : بأن ميقات الزمان مستفاد من قوله تعالى « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ » (٢)

__________________

(١) سورة النازعات : ٤١.

(٢) سورة البقرة : ١٩٧.

٢٥١

وقد تقرر في العربية والأصول أن المبتدأ يجب انحصاره في الخبر والخبر لا يجب انحصاره في المبتدأ كقوله عليه‌السلام تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (١) والشفعة فيما لم يقسم. فالتحريم منحصر في التكبير من غير عكس والتحليل منحصر في التسليم كذلك ، وكذلك الشفعة منحصرة فيما لم يقسم من دون العكس فحينئذ زمان الحج منحصر في الأشهر فلا يوجد في غيرها.

وأما ميقات المكان فمأخوذ من قوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لما عد المواقيت قال هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن (٢). والضمير في « هن » راجع إلى المواقيت ، وهو المبتدأ وفي « لهن » راجع إلى أهل المواقيت ، فالتقدير المواقيت لأهل هذه الجهات ، أي لإحرام أهل هذه الجهات ، فيجب انحصار المواقيت في أهل هذه الجهات ومن أتى عليها من غير أهلها ، ولا يجب انحصار إحرام أهل الجهات في المواقيت قضية للقاعدة.

وأجيب أيضا بأن الإحرام قبل الزمان يفضي إلى طول التكليف ، فلا يأمن المكلف من الوقوع في محظورات الإحرام ، بخلاف المكان. وبأن الميقات المكاني يسوغ الإحرام بعده للضرورة فكذا يسوغ قبله للضرورة أو النذر ، بخلاف الزماني فإن الإحرام لا يسوغ بعده للنسكين لضرورة ولا غيرها.

قاعدة :

كل من تجاوز الميقات غير محرم مع كونه مخاطبا بالنسك يعود إليه مع التعمد ومع التعذر يبطل إلا في صورة (٣) ذكرها بعض الأصحاب ، وهو الثابت

__________________

(١) الفقيه ١ / ٢٣ ، الوسائل ٤ / ٧١٥.

(٢) صحيح البخاري باب « مهل أهل مكة للحج والعمرة » من كتاب الحج.

(٣) في ص : إلا في ضرورة.

٢٥٢

في الحج (١) الذي أستريح العمرة إلا أنه يحرم من أدنى الحل [ ويجزيه ].

وفيها مناقشة مع التعمد ، لأن القاعدة كلية واستثناء هذه يحتاج إلى دليل ، فإن قيل : هذه من خصوصيات النائب (٢) ، فالمطالبة بالدليل باقية.

فائدة :

للحرم حرمة مؤكدة ظهر أثرها في مواضع : وجوب الحج والعمرة إليه ، ويحرم الصيد فيه (٣) ، وعضد شجره (٤) ، وإخراج المستأمن به ، وتحريم دخوله بغير إحرام إلا في المتكرر وفي الناقص عن شهر ، واختصاصه بمناسك الحج إلا وقوف عرفة ، وتحريم دخوله على المشركين ، وتحريم دفنهم ، واختصاصه بالنحر والذبح لما يجب بالإحرام ، وتغليظ الدية على من قتل فيه خطأ ، وتحريم لقطته (٥) إلا لمنشد ، واختصاص مسجده بالمضاعفة في الصلاة إلى ما لا يساويه غيره ، وأنه لا هدي على أهله وأن يمنعوا (٦) في قول ، واختصاصه بالاستقبال تبعا للكعبة الشريفة.

فائدة :

مذهب الأصحاب أن مكة شرفها الله تعالى أفضل البقاع ، وهو مذهب أكثر الجمهور ، وخالف فيه بعضهم. لنا وجوه :

__________________

(١) في ك : وهو النائب في الحج. وفي بعض النسخ : استربح العمرة.

(٢) في ص : الباب.

(٣) في ك : وتحريم الصيد فيه.

(٤) عضدت الشجرة عضدا من باب ضرب قطعتها.

(٥) في ك : لفظته ، وفي هامشه أيضا : لقطته.

(٦) في ك : وأن تمتعوا.

٢٥٣

( الأول ) وجوب الحج والعمرة إليها وتعظيم ثواب الحاج والمعتمر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه (١). وقال « صلى‌الله‌عليه‌وآله » الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (٢). وقال أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من أراد دنيا وآخرة فليؤم هذا البيت (٣). ولو كان لملك داران فألزم عبيده ورعيته بقصد إحداهما حتما ووعدهم على ذلك جزاء عظيما لقطع كل عاقل بأن تلك الدار آثر عنده من الأخرى.

( الثاني ) اختصاص الكعبة الشريفة بتقبيل الأركان والاستلام ، وذلك يدل على الاحترام والتعظيم.

( الثالث ) حديث الرحمات المائة والعشرين للطائفين والمصلين والناظرين (٤).

( الرابع ) أن الله جعلها حرما آمنا في الجاهلية والإسلام.

( الخامس ) أن ابتداء الإسلام منها.

( السادس ) أن مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومولد علي أمير المؤمنين عليه‌السلام فيها.

( السابع ) اختصاصها بالكعبة الشريفة وحج الأنبياء السالفين إليها وإقامة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها ثلاثة عشر سنة وبالمدينة عشرا.

__________________

(١) صحيح البخاري باب « فضل الحج المبرور » من كتاب الحج. وفيه : من حج لله فلم يرفث ـ إلخ.

(٢) الجامع الصغير : ١٥١ عن الطبراني ومسند أحمد.

(٣) البحار ٩٩ / ٥٠ نقلا عن الدعائم.

(٤) المحاسن : ٥٣ ، الخصال : ٤٠٨ ، البحار : ٩٩ / ٥٩ ، ٦١ نقلا عنهما وعن ثواب الأعمال.

٢٥٤

( الثامن ) أن التعظيم والاحترام يختص بهما الكعبة دون (١) غيرها ، ولوجوب استقبالها في الصلاة ومواضع العبادة واستدبارها والانحراف عنها عند التبرز. ولا يعارض باستقبال بيت المقدس ، لأنه كان مدة قليلة وانقطع ، والناسخ لا بد وأن يكون أكثر مصلحة من المنسوخ غالبا.

( التاسع ) كونها لا يدخل إلا بإحرام.

( العاشر ) تحريم حرمها صيدا وشجرا وحشيشا ومن دخله كان آمنا.

( الحادي عشر ) إنها مبدأ (٢) إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام.

( الثاني عشر ) أنها يحجها كل سنة ستمائة ألف ، فإن أعوز تمموا (٣) من الملائكة ، وبأن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض والمدينة لم تحرم إلا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

( الثالث عشر ) أنه يحرم دخول مشرك إليها لقوله تعالى « فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا » (٤).

( الرابع عشر ) أنه تعالى أكد فضلها بتسميتها بالمسجد الحرام فجعلها كلها مسجدا ، وجعل البيت الحرام الذي هو أول بيت وضع للناس الموصوف بالبركة والهدى حاصل بها.

( الخامس عشر ) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة حرم الله وحرم رسوله ، الصلاة فيها بمائة ألف ، والدرهم فيها بمائة ألف. وروي بعشرة آلاف (٥).

__________________

(١) في القواعد : فوق غيرها.

(٢) في ص والقواعد : أنها مبوأ.

(٣) في ص : فإن أعوز تمم.

(٤) سورة التوبة : ٢٨.

(٥) الفقيه ١ / ١٤٧ ، التهذيب : ٦ / ٣١.

٢٥٥

احتج الآخرون بوجوه :

١ ـ إن المدينة موضع استقرار الدين وبها هاجر سيد المرسلين وظهور دعوة الإيمان ، وبها دفن سيد الأولين والآخرين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكمل الدين ووضح اليقين ، والمنقول من السنة فيها أثبت المنقولات.

٢ ـ إقامة أعظم الصحابة بها وموت جماعة منهم ومن الأئمة عليهم‌السلام فيها.

٣ ـ إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا لها (١) بمثل ما دعا إبراهيم عليه‌السلام لمكة.

٤ ـ إن النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » قال المدينة خير من مكة.

٥ ـ قول النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إلي فأسكني بأحب البقاع إليك والأحب إلى الله تعالى أفضل والأنبياء مستجابو الدعوة.

٦ ـ قول النبي « صلى‌الله‌عليه‌وآله » لا يصبر للأواء (٢) بها وشدتها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة.

٧ ـ قوله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها (٣) أي يأوي.

٨ ـ قوله عليه‌السلام إن المدينة لتنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ / ٣٣٧ ، البحار ١٩ / ٣٢٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١٤ / ٨٦.

(٢) اللاي : الشدة.

(٣) أخرجه البخاري في باب فضل المدينة. قال في المجمع : في الحديث : العلم يأرز كما تأرز الحية في جحرها أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض.

(٤) أخرجه البخاري في باب المذكور بألفاظ مختلفة تارة : المدينة تنفي الناس

٢٥٦

٩ ـ قوله عليه‌السلام ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة (١).

أجاب الأولون : بأن ما ذكرناه أوضح دلالة ، والوجوه التي ذكرتموها في الأول تدل على التعظيم أما على الأفضلية فلا ، وكذا الثاني ، وأما الدعاء منه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » فيحمل على المصرح به فيه وهو الصاع والمد ، وأما الخيرية فهي مطلقة ، فيحمل الخيرية في سعة الرزق أو المتجر أو سلامة المزاج أو في ساكني هذه وساكني تلك ، والمراد بأحب البقاع إليك بعد مكة ، لأنه كان قد يئس من دخولها في ذلك الوقت فلم يرد إلا مكانا مرجوا (٢) دخوله إليه.

ويجوز أن يكون معنى الأحبية لها الأحبية لأهلها باعتبار اشتمالها ، وقد كان إذ ذاك رسول الله « صلى‌الله‌عليه‌وآله » يرشد الخلق إلى الله تعالى ، فانقضى التبليغ عن الله تعالى بواسطة (٣) موته « صلى‌الله‌عليه‌وآله » وإن كان قد أسند المحبة إليها فالمراد أهلها ، كقوله (٤) « الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ » أي من فيها أو « بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ » أي شرفته الملائكة أو الكليم عليه‌السلام ، والصبر على اللأواء (٥) دليل على الفضل والكلام في الأفضال (٦) ولأنه مطلق بحسب الزمان فيحمل على زمانه « صلى‌الله‌عليه‌وآله » والكون معه لنصرته.

__________________

كما ينفي الكير خبث الحديد. وتارة أخرى : المدينة كالكير تنفي خبثها. وفي الأخرى : تنفي الرجال كما تنفي النار خبث الحديد.

(١) الكافي ٤ / ٥٥٣ وفيه « ما بين بيتي ومنبري » وفي حديث « ما بين منبري وبيتي » وفي آخر « ما بين منبري وبيوتي » وأخرجه البخاري في باب « ما ذكر النبي وخص على اتفاق أهل العلم وما اجتمع عليه الحرمان » من أبواب كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة.

(٢) في ك : يرجو دخوله.

(٣) في القواعد : بغير واسطة بموته « صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

(٤) في ك : كقولنا.

(٥) اللأواء الشدة. وفي هامش ك : الإذاء.

(٦) في ص والقواعد : في الأفضل.

٢٥٧

ويؤيده خروج أكابر الصحابة إلى البلاد ، كأمير المؤمنين علي عليه أفضل الصلاة.

وأما الإيراز (١) فهو عبارة عن تردد المسلمين في حال حياته « صلى‌الله‌عليه‌وآله » واجتماعهم وانضمامهم إليها ، ولا بقاء لهذه الفضيلة بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذا حديث الكير مخصوص بزمانه بخروج أكابر الصحابة منها ، وأما الروضة فقد نلتزم أنها أفضل من سائر أجزاء المدينة ولا يلزم أفضليتها على مكة ، لأن مكة كلها رياض الجنة ، ففي الخبر عن أهل البيت صلوات الله عليهم الركن اليماني على ترعة (٢) من ترع الجنة.

قال شيخنا : ولا أرى لهذا الاختلاف كثير فائدة ، فإن أفضلية البقاع لا يكاد تتحقق بالمعنى المشهور من كثرة الثواب ، وغايته أنه يجعل العامل فيه أكثر ثوابا من غيره. وقد تظافرت الأخبار بأفضلية الصلاة في مكة على المدينة وغيره من البلدان ، ولا ريب في اختصاصها بأفعال (٣) الحج ، ومنها الطواف الذي هو من أفضل الأعمال (٤).

وقد روى الأصحاب أيضا أفضلية الصدقة فيها على غيرها ، حتى أن الدرهم

__________________

(١) أقول : هذه اللفظة « الإيراز » اشتباه من المؤلف ومن طغيان قلمه الشريف قدس الله رمسه أو من الكاتب ، لأن الإيراز من « ورز » وهذا « أرز » بمعنى الاجتماع والالتجاء يقال : أرزت الحية : أي لاذت بجحرها. والمأرز كالمجلس : الملجأ.

(٢) الترعة بالضم : الروضة في مكان مرتفع والباب الصغير. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ، لأن قبر فاطمة سلام الله عليها بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة.

(٣) في ص وهامش ك : بأعمال.

(٤) الكافي ٤ / ٤١٢ ، الفقيه ٢ / ١٣٤ و : ١٤٣.

٢٥٨

فيها بمائة ألف درهم ، رواه خالد القلانسي عن الصادق عليه‌السلام في الخبر الذي فيه أن الصلاة فيها بمائة ألف صلاة ، وجعل في المدينة الصلاة بعشرة ألف صلاة والدرهم بعشرة ألف درهم (١). وعن علي بن الحسين عليهما‌السلام تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل الله (٢) ومن ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويرى منزله في الجنة (٣). وفي هذا إيماء إلى أن باقي الأعمال تتضاعف فيها ، وقد جاءت الرواية بعظم الذنب أيضا في مكة حتى قيل من الإلحاد فيها شتم الخادم (٤). وكل هذا يدل على شرف البقعة بحيث يتزايد فيها ثواب العمال على الأعمال.

وزعم بعض (٥) مكابرة العامة على أن الأمة اجتمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل البقاع ، ونازعه بعض العلماء في تحقق الأفضلية هنا أولا وفي دعوى الإجماع ثانيا.

قاعدة :

بعد مكة والمدينة (٦) ومواضع تتفاوت بالأفضلية (٧) كالكوفة وبيت المقدس والمشاهد الشريفة ، وخصوصا الحائر المقدس على ساكنه السلام ، حتى جاء في الحديث عن أهل البيت عليهم‌السلام قري كعبة لو لا بقعة تسمى كربلاء ما

__________________

(١) الفقيه ١ / ١٤٧ ، التهذيب ٦ / ٣١ ، الكافي ٤ / ٥٨٦ وفيه : عن خلاد القلانسي.

(٢) المحاسن : ٥٢ وفيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) المحاسن : ٥٣.

(٤) الكافي ٤ / ٢٢٧.

(٥) في ص والقواعد : بعض مغاربة.

(٦) في ك : فائدة وبغير مكة والمدينة.

(٧) في ك : بالفضيلة.

٢٥٩

خلقتك (١) فلما تبهجت كربلاء قال لها : قري كربلاء لو لا من يدفن فيك لما خلقتك.

وبعد ذلك المساجد وتتفاوت بكثرة الجماعات ، وما صلى فيه نبي أو وصي نبي أفضل من غيره (٢).

ثمَّ الثغور وأفضلها أشدها خطرا ، ثمَّ مجالس الذكر والعلم ، وذلك باعتبار

__________________

(١) البحار ١٠١ / ١٠٦.

(٢) في هامش ص : قد وجدت بخط شيخنا الأعظم ورئيسنا المقدم خاتمة المجتهدين جمال الملة والحق والدين أحمد بن عبد الله بن المتوج قدس الله روحه ونور ضريحه أنه لا شك ولا خفي في أن مسجد جواثا أفضل كل مسجد على وجه الأرض بعد المسجد الحرام ومسجد المدينة ، واحتج على ذلك بأن ثاني جمعة في الإسلام قد صليت فيه. قلت : جواثا موضع بالأحساء وقد خرب لكن المسجد المذكور فيه بعد موجود ، وإنما سمي جواثا لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رسوله إلى آل عبد القيس بالأحساء لما نزل وجوب الجمعة وكانوا قد أسلموا من قبل طوعا ثمَّ أمر صلوات الله وسلامه عليه وآله الرسول بأن يدع الناقة أين ما شاءت تبرك فإذا بركت في موضع أن يأمرهم بأن يبنوا ذلك مسجدا ويصلوا فيه الجمعة فكان أول جمعة صليت في الإسلام بالمدينة والثانية بالأحساء فالناقة لما جثت في ذلك الموضع اتخذوه مسجدا وهو ذلك المسجد المذكور فلا جرم سميت تلك البقعة بجواثا بسبب جثو ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها والخبر مشهور في الواثلية. انتهى قوله رفع مقامه.

أقول : جثى كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما أي جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه. قال في « معجم البلدان » : جواثاء بالضم وبين الألفين ثاء مثلاثه يمد ويقصر وهو علم مرتجل حصن لعبد القيس بالبحرين فتحه العلاء بن الحضرمي في أيام أبي بكر الصديق سنة ١٢ عنوة. وقال ابن الأعرابي : جواثا مدينة الخط والمشقر مدينة هجر ـ إلى أن قال ـ قالوا وجواثا أول موضع جمعت فيه الجمعة بعد المدينة ، قال عياض : وبالبحرين أيضا موضع يقال له قصر جواثا ، ويقال ارتدت العرب كلها بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلا أهل جواثا وأهل الردة بالبحرين حصروا طائفة من المسلمين بجواثا فجاءهم العلاء بن الحضرمي فاستنقذهم وفتح البحرين كلها.

٢٦٠